الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا تيم تيم عدي لا أبالكم
تيما الثاني بين الأول وما أضيف إليه، وكإقحامهم لام الإضافة بين المضاف والمضاف إليه في (لا أبالك). انتهى كلامه. ذكره في «البحر» .
وفيه تنبيه: على أنّ التقوى منتهى درجة السالكين، وهو التبرّي من كلّ شيء سوى الله تعالى، وأنّ العابد ينبغي له أن لا يغترّ بعبادته، ويكون ذا خوف ورجاء، كما قال تعالى:{يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ} .
وحاصل المعنى: أي أنّ هذا الربّ العظيم المتصف بتلك الصفات التي تعلمونها، هو الذي خلقكم وخلق من قبلكم، وربّاكم وربّى أسلافكم، ودبّر شؤونكم، ووهبكم من طرق الهداية ووسائل المعرفة مثل ما وهبهم، فاعبدوه وحده، ولا تشركوا بعبادته أحدا من خلقه. {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (21)؛ أي: فاعبدوه على تلك الشاكلة، فإنّ العبادة على هذا السنن هي التي تعدّكم للتقوى، ويرجى بها بلوغ درجة الكمال القصوى.
22
- ثمّ ذكر بعض خصائص الربوبيّة التي تقتضي الاختصاص به تعالى، فقال:{الَّذِي جَعَلَ} وصيّر {لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشًا} صفة ثانية لربّكم؛ أي: بساطا تقعدون، وتنامون عليها، وتتقلّبون فيها، كالفراش المبسوط.
وقدم (1) ذكر الأرض على السماء وإن كانت أعظم في القدرة، وأمكن في الحكمة، وأتمّ في النعمة، وأكبر في المقدار؛ لأنّ السقف والبنيان فيما يعهد، لا بدّ له من أساس وعمد مستقرّ على الأرض، فبدأ بذكرها، إذ على متنها يوضع الأساس، وتستقرّ القواعد، إذ لا ينبغي ذكر السقف أولا قبل ذكر الأرض التي تستقرّ عليها قواعده؛ أو لأنّ خلق الأرض متقدم على خلق السماء، ذكره في «البحر» .
قال أهل اللغة: الأرض: بساط العالم وبسيطها، من حيث إنّه يحيط بها
(1) البحر المحيط.
البحر الذي هو البحر المحيط أربعة وعشرون ألف فرسخ، كلّ فرسخ ثلاثة أميال، وهو اثنا عشر ألف ذراع بالذراع المرسلة، وكلّ ذراع ستّ وثلاثون أصبعا، كلّ أصبع ستّ حبّات شعير، مصفوفة بطون بعضها إلى بعض. فللسودان: اثنا عشر ألف فرسخ، وللبيضان: ثمانية، وللفرس: ثلاثة، وللعرب ألف، كذا في كتاب «الملكوت» .
وسمت وسط الأرض المسكونة حضرة الكعبة المشرفة، وأمّا وسط الأرض كلّها عامرها وخرابها، فهو الموضع الذي يسمّى قبّة الأرض، وهو مكان يعتدل فيه الأزمان في الحرّ والبرد، ويستوي الليل والنهار أبدا، لا يزيد أحدهما على الآخر، كما في «الملكوت» .
وروي عن عليّ - كرم الله وجهه -: أنّه قال: (إنّما سميت الأرض أرضا؛ لأنّها تتأرّض ما في بطنها)؛ يعني: تأكل ما فيها. وقال بعضهم: لأنّها تتأرّض بالحوافر والأقدام.
ومعنى جعلها {فَرْشًا} جعل بعضها بارزا من الماء مع اقتضاء طبعها الرسوب، وجعلها متوسّطة بين الصلابة واللين، صالحة للقعود عليها والنوم فيها، كالبساط المفروش، وليس من ضرورة ذلك كونها سطحا حقيقيا، وهو الذي له طول وعرض، فإنّ كرويّة شكلها مع عظم جرمها مصّححة لافتراشها.
وعبارة النسفي هنا: وليس فيه دليل على أنّ الأرض مسطّحة أو كروية، إذ الافتراش ممكن على كلا التقديرين.
{وَ} جعل {السَّماءَ} وهو ما علاك وأظلّك؛ لأنّه من السموّ بمعنى: العلوّ. {بِناءً} أي: سقفا مبنيا فوق الأرض مرفوعا فوقها، كهيئة القبّة؛ أي: جعلها قبّة مضروبة عليكم. وكلّ سماء مطبقة على الأخرى، مثل: القبّة، والسماء الدنيا ملتزقة أطرافها على الأرض، كما في «تفسير أبي الليث» .
قيل (1): إذا تأمّل الإنسان المتفكّر في العالم، وجده كالبيت المعمور فيه كلّ
(1) الخازن.
ما يحتاج إليه، والسماء مرفوعة كالسقف، والأرض مفروشة كالبساط، والنجوم كالمصابيح، والإنسان كمالك البيت، وفيه ضروب النبات المهيّئة لمنافعه، وأصناف الحيوان مصروفة في مصالحه، فيجب على الإنسان المسخرة له هذه الأشياء، شكر الله تعالى عليها بالتوحيد، والإيمان، والطاعة. وما أحسن قول أبو العتاهية:
فيا عجبا كيف يعصى الإله
…
أم كيف يجحده الجاحد
وفي كلّ شيء له آية
…
تدلّ على أنّه الواحد
{وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ} ؛ أي: من السحاب {ماءً} ؛ أي: مطرا عذبا فراتا، أو أنزل من السماء مطرا ينحدر منها على السحاب، ومنه على الأرض. وفيه ردّ لزعم من قال: إنّه يأخذه من البحر. {فَأَخْرَجَ} سبحانه وتعالى بفضله وقدرته، وأنبت {بِهِ}؛ أي: بسبب ذلك الماء الذي أنزل من السماء {مِنَ} أنواع {الثَّمَراتِ} والفواكه والنباتات، فالمراد بالثمرات ههنا: المأكولات كلّها من الحبوب والفواكه، وغيرها مما يخرج من الأرض والشجر، كما في «التيسير» .
{رِزْقًا} وغذاء وقوتا {لَكُمُ} وعلفا لدوابّكم.
وذلك (1) أنّه أودع في الماء قوة فاعليّة، وفي الأرض قوة منفعلة، فتولّد من تفاعلهما أصناف الثمار، فبين المظلّة والمقلّة شبه عقد النكاح، بإنزال الماء منها عليها، والإخراج به من بطنها، أشباه النسل المنتج من الحيوان من ألوان الثمار رزقا لبني آدم، ولسائر الأنعام والدوابّ. و {مِنَ} للبيان، و {رِزْقًا}؛ أي: طعاما وعلفا لكم ولدوابّكم، كما مرّ آنفا، ففيه تقديم البيان على المبيّن؛ لغرض الاهتمام.
والمعنى (2): أنّ الله تعالى أنعم عليكم بذلك كلّه، لتعرفوه بالخالقيّة والرازقيّة، فتوحّدوه.
(1) روح البيان.
(2)
روح البيان.
{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدادًا} والفاء فيه إما تفريعية، أو فصيحية؛ أي: إذا عرفتم أنّه خالق السموات والأرض وما فيهما، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم، فأقول لكم: لا تجعلوا لله سبحانه وتعالى أندادا؛ أي: شركاء وأشباها من الأصنام، وغيرها تشركونها مع الله تعالى في العبادة. {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، أي:
والحال أنكم تعلمون أنّها لا تخلق شيئا، ولا ترزق أحدا، وأنّ الله هو الخالق الرازق. أو تعلمون أنّه ليس في التوراة والإنجيل جواز اتخاذ الأنداد. والأنداد: جمع ندّ، وهو المثل؛ أي: لا تجعلوا له أمثالا تعبدونهم كعبادة الله؛ يعني: لا تقولوا له شركاء تعبد معه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما (لا تقولوا لولا فلان لأصابني كذا، ولولا كلبنا يصيح على الباب لسرق متاعنا)، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال:«إيّاكم ولو فإنّه من كلام المنافقين» قالوا: {لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا} .
وفي «الصحيحين» عن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله! أيّ الذنب أعظم عند الله؟ قال: «أن تجعل الله ندّا وهو خلقك» الحديث، وكذا حديث معاذ «أتدري ما حقّ الله على عباده؟ حقّ الله على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا» الحديث.
قال البيضاويّ: واعلم أنّ مضمون الآيتين: هو الأمر بعبادة الله وتوحيده، والنهي عن الإشراك به، والإشارة إلى ما هو العلّة والمقتضي لذلك. انتهى.
وفي «المراغي» : الأنداد (1): هم الذين خضع الناس لهم، وقصدوهم في قضاء حاجاتهم، وكان مشركوا العرب يسمّون ذلك الخضوع عبادة، إذ لم يكن عندهم شرع ينهاهم عن عبادة غير الله تعالى، وأهل الكتاب الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أندادا وأربابا، كانوا يتحاشون هذا اللفظ، فلا يسمّون ذلك الاتخاذ عبادة، ولا أولئك المعظّمين آلهة وأندادا، بل يسمّون دعاءهم غير
الله، والتقرب إليه توسّلا واستشفاعا، ويسمّون تشريعهم لهم بعض العبادات، وتحليل
(1) المراغي.