المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الملائكة، كما أبعد من جعل إن بمعنى إذ، فأخرجها عن - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: الملائكة، كما أبعد من جعل إن بمعنى إذ، فأخرجها عن

الملائكة، كما أبعد من جعل إن بمعنى إذ، فأخرجها عن الشرطية إلى الظرفية.

وإذا التقت همزتان مكسورتان من كلمتين نحو: {هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} فورش، وقنبل، يبدلان الثانية ياء ممدودة، إلا أن ورشا في {هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ} و {عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ} أبدل الهمزة الثانية ياء خفيفة الكسر، أي: مختلة الكسر، وقالون، والبزي، يسهّلان الأولى، ويحققان الثانية. ذكره في «البحر» .

ويقال: هذه الآية دليل (1) على أن أولى الأشياء بعد علم التوحيد، تعلم علم اللغة؛ لأنه تعالى أراهم فضل آدم بعلم اللغة، ودلت أيضا: أن المدعي يطالب بالحجة، فإن الملائكة ادعوا الفضل، فطولبوا بالبرهان، وبحثوا عن الغيب، فقرعوا بالعيان؛ أي: لا تعلمون أسماء ما تعاينون، فكيف تتكلمون في فساد من لا تعاينون. فيا أرباب الدعاوي! أين المعاني؟ ويا أرباب المعرفة! أين المحبة؟ ويا أرباب المحبة! أين الطاعة؟ قال أبو بكر الواسطي: من المحال أن يعرفه العبد، ثم لا يحبه، ومن المحال أن يحبه، ثم لا يذكره، ومن المحال أن يذكره، ثم لا يجد حلاوة ذكره، ومن المحال أن يجد حلاوة ذكره، ثم يشتغل بغيره. قال أبو عثمان المغربي: ما بلاء الخلق إلا الدعاوي، ألا ترى أن الملائكة لمّا قالوا:{وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} كيف ردوا إلى الجهل حتى قالوا: {لا علم لنا} ذكره في «البحر» .

‌32

- وقوله: {قالُوا} استئناف واقع في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: فماذا قالوا حينئذ؟ هل خرجوا عن عهدة ما كلفوه أولا؟ فقيل: قالوا؛ أي: قالت الملائكة اعترافا لعجزهم وقصورهم {سُبْحانَكَ} ؛ أي: تنزيها لك عن الاعتراض عليك في حكمك، وتبنا إليك من ذلك القول، أو نسبّحك عما لا يليق بشأنك الأقدس، من الأمور التي من جملتها خلوّ أفعالك عن الحكم والمصالح، وهي كلمة تقدّم على التوبة. قال موسى عليه السلام:{سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} وقال يونس عليه السلام: {سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} وسبحان: اسم واقع

(1) روح البيان.

ص: 302

موقع المصدر، لا يكاد يستعمل إلا مضافا، فإذا أفرد عن الإضافة، كان اسما علما للتسبيح، لا ينصرف للتعريف والألف والنون في آخره، نحو: قول الأعشى:

أقول لمّا جاءني فخره

سبحان من علقمة الفاخر

فجعله علما، فمنعه الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، وأما صرفه في قول الآخر:

سبحانه ثم سبحانا نعوذ به

وقبلنا سبّح الجوديّ والجمد

فضرورة، وقوله:{لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا} اعتراف منهم بالعجز عما كلفوه، وإشعار بأن سؤالهم كان استفسارا ولم يكن اعتراضا، إذ معناه {لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا} وألهمتنا بحسب قابليتنا من العلوم المناسبة لعالمنا، ولا قدرة لنا على ما هو خارج عن دائرة استعدادنا، حتى لو كنا مستعدين لذلك، لأفضته علينا، يعنون: أن علمهم علم محدود لا يتناول جميع الأشياء، ولا يحيط بكلّ المسميات، وفيه ثناء على الله بما أفاض عليهم من العلم مع تواضع وأدب، وما في قوله:{إِلَّا ما عَلَّمْتَنا} موصولة، أو موصوفة، ومحلّه رفع على أنه بدل من موضع {لا عِلْمَ} كقولك لا إله إلا الله؛ أي: لا علم لنا إلا العلم الذي علمتناه، أو علما علمتناه.

والمعنى: أي (1) لا معلوم عندنا إلا المعلوم الذي علمتناه من المسميات، فلا علم لنا بأسمائها؛ أي: وإنما قلنا لك: {أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها} ؛ لأنك أعلمتنا أنهم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، فقلنا لك ذلك، وأمّا هذه الأسماء، فإنك ما أعلمتنا إياها فكيف نعلمها، ثم أكدوا ما تقدم بقولهم:{إِنَّكَ أَنْتَ} ضمير فصل لا محل له من الإعراب، أو في محل النصب تأكيد لاسم إن {الْعَلِيمُ} الذي أحاط بعلمه كل الأشياء فلا تخفى عليه خافية، وهذه إشارة إلى تحقيقهم لقوله تعالى:{إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ} . {الْحَكِيمُ} في صنعه، المحكم

(1) العمدة.

ص: 303