المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأن من قدر على إحياء نفس واحدة، قادر على إحياء - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: وأن من قدر على إحياء نفس واحدة، قادر على إحياء

وأن من قدر على إحياء نفس واحدة، قادر على إحياء نفوس كثيرة، فتصدّقوا بالبعث بعد الموت. يقال: عقلت نفسي عن كذا؛ أي: منعتها منه؛ أي: لتكمل عقولكم وتعلموا أنّ من قدر على إحياء نفس واحدة، قادر على إحياء الأنفس كلها، وتمنعوا نفوسكم عن هواها، وتطيعوا الله فيما يأمركم به. ولعل الحكمة في اشتراط ما اشترط في الإحياء من ذبح البقرة وضربه ببعضها، مع ظهور كمال قدرته على إحيائه ابتداء بلا واسطة أصلا؛ لاشتماله على التقرب إلى الله تعالى وأداء الواجب، ونفع اليتيم بالتجارة الرابحة، والتنبيه على بركة التوكل على الله تعالى، والشفقة على الأولاد ونفع بر الوالدين، وأنّ من حقّ الطالب أن يقدّم قربة، ومن حق المتقرّب أن يتحدّى الأحسن ويغالي بثمنه، كما يروى عن عمر رضي الله عنه: أنه ضحّى بنجيبة اشتراها بثلاثمائة دينار، وأنّ المؤثر هو الله تعالى، وإنما الأسباب أمارات لا تأثير لها.

واعلم: أن الضرب كان على جيد القتيل، وذلك قبل دفنه، ومن قال: إنهم مكثوا في طلبها أربعين سنة، أو من يقول: إنهم أمروا بطلبها ولم تكن في صلب ولا رحم، فلا يكون الضرب إلا بعد دفنه. قيل: على قبره. والأظهر أنه المباشر بالضرب لا القبر،

‌74

- ثم أخبر الله سبحانه وتعالى عن جفائهم وقسوة قلوبهم، فقال:{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} خطاب لأهل عصر النبي صلى الله عليه وسلم من الأحبار، و {ثُمَّ}؛ لاستبعاد القسوة من بعد ذكر ما يوجب لين القلوب ورقتها. وعبارة «الصاوي» هنا: نزّل استبعاد قسوة قلوبهم؛ لظهور خوارق العادات العظيمة منزلة التراخي، فأتى بثم، وأكده بالظرف بعده. اه. ونحو الآية قوله تعالى:{ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} والقسوة والقساوة: عبارة عن الغلظ والصلابة، كما في الحجر، ووصف القلوب بالقسوة والغلظ؛ مثل لنبوّها وتكبرها عن الاعتبار، وأنّ المواعظ لا تؤثر فيها، أي ثمّ صلبت وغلظت قلوبكم يا كفار بني إسرائيل! فلم تقبل الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم {مِنْ بَعْدِ ذلِكَ}؛ أي: من بعد سماع تلك الآيات الباهرة، أو رؤيتها من إحياء القتيل وإخباره بقاتله، والمسخ قردة وخنازير، ورفع الجبل فوقهم، وانبجاس الماء من حجر، وغيرها من الآيات، والقوارع التي تميع منها الجبال، وتلين بها الصخور {فَهِيَ}؛ أي: القلوب {كَالْحِجارَةِ} ؛ أي: مثل الحجارة في

ص: 494

شدتها وقسوتها، والفاء لتفريع مشابهتها لها، على ما ذكر من القساوة تفريع التشبيه على بيان وجه الشبه، كقولك: احمرّ خدّه فهي كالورد؛ أي: فقلوبكم أيها اليهود مثل الحجارة الجامدة في القساوة، والصلابة، واليبس {أَوْ أَشَدُّ} منها {قَسْوَةً}؛ أي: بل هي أزيد قساوة وصلابة من الحجارة. وعنى بهذه القسوة. تركهم الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد ما عرفوا صدقه، وقدرة الله على عقابهم بتكذيبهم إياه. وقوله:{قَسْوَةً} تمييز أو بمعنى بل، أو للتخيير؛ أي: إن شئتم فاجعلوها أشدّ منها، كالحديد، فأنتم مصيبون، وإنما لم تحمل {أَوْ} على معناها الأصلي وهو الشكّ والتردّد؛ لمّا أنّ ذلك محال على علام الغيوب.

فإن قلت: لم قيل: {أَشَدُّ قَسْوَةً} ؟ وفعل القسوة مما يبنى فيه أفعل التفضيل وفعل التعجب؟

قلت: لكونه أبين وأدلّ على فرط القسوة من لفظ أقسى؛ لأن دلالته على الشدة بجوهر اللفظ الموضوع لها مع هيئة موضوعة للزيادة في معنى الشدة، بخلاف لفظ الأقسى، فإن دلالته على الشدة والزيادة في القسوة بالهيئة فقط.

والحكمة في ضرب قلوبهم مثلا بالحجارة، وتشبيهها بها دون غيرها من الأشياء الصلبة من الحديد، والصفر، وغيرهما؛ لأن الحديد تلينه النار وهو قابل للتليين، كما لان لداود عليه السلام، وكذا الصفر حتى يضرب منها الأواني والحجر لا يلينه نار ولا شيء آخر، فلذلك شبّه قلب الكافر بها، وهذا والله أعلم في حقّ قوم علم الله سبحانه أنهم لا يؤمنون، والمعنى؛ أي: إن قلوبكم صلبت بعد إذ رأيتم الحقّ وعرفتموه، واستكبرت عن الخضوع والإذعان لأمر الدين، فهي كالحجارة صلابة ويبسا، بل أشدّ

منها. وقوله: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ} (1) بيان لفضل قلوبهم على الحجارة في شدة القسوة، وتقرير لقوله:{أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} و {مِنَ الْحِجارَةِ} خبر {إِنَّ} والاسم قوله: {لَما} واللام لام الابتداء؛ أي: لأحجارا {يَتَفَجَّرُ} ؛ أي: يتفتح بكثرة وسعة {مِنْهُ} عائد إلى ما {الْأَنْهارُ} جمع

(1) روح البيان.

ص: 495

نهر وهو المجرى الواسع من مجاري الماء، والمعنى؛ أي: وإن من الحجارة ما فيه خروق واسعة يتدفّق منها الماء الكثير؛ أي: يتصبّب؛ أي: وإن من بعض الحجارة الحجر الذي يتصبّب ويخرج منه الأنهار الكبار. قيل: أراد به جميع الأحجار. وقيل: أراد به الحجر الذي كان يضرب عليه موسى عليه السلام، ليسقي الأسباط {وَإِنَّ مِنْها}؛ أي: من الحجارة {لَما يَشَّقَّقُ} ويتصدّع ويتخرّق طولا أو عرضا. أصله: يتشقق، كما سيأتي. والتّصدّع جعل الشيء ذا نواحي {فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ}؛ أي: ينشق إنشقاقا قليلا بالطول أو بالعرض ينبع منه الماء؛ ليكون عينا نابعة دون الأنهار. وقرأ الجمهور {وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ} {وَإِنَّ مِنْها} {وَإِنَّ مِنْها} في المواضع الثلاثة مشددة. وقرأ قتادة في كلها مخففة على جعلها مخففة من الثقيلة. ذكره في «البحر» .

وقرأ الجمهور (1): {يَتَفَجَّرُ} بالياء مضارع تفجر. وقرأ مالك بن دينار {ينفجر} بالياء، والنون مضارع انفجر، وكلاهما مطاوع، أمّا يتفجر فمطاوع فجّر بالتشديد، وأما ينفجر فمطاوع فجر مخففا، والتفجّر التفتّح بالسعة والكثرة، والانفجار دونه، والمعنى: إن من الحجارة ما فيه خروق واسعة يندفق منها الماء الكثير الغمر. وقرأ أبيّ، والضحاك {منها الأنهار} بتأنيث الضمير. وقرأ الجمهور {مِنْهُ} بتذكيره، فالقراءة الأولى حمل على المعنى، وقراءة الجمهور حمل على اللفظ؛ لأنّ ما، لها هنا لفظ ومعنى؛ لأن المراد به الحجارة، ولا يمكن أن يراد به مفرد المعنى فيكون لفظه ومعناه واحدا، إذ ليس المعنى وإن من الحجارة للحجر الذي يتفجر منه الأنهار؛ إنما المعنى وإن من الحجارة للأحجار التي يتفجر منها الأنهار، كما مرّ. وقرأ الجمهور (2){يَشَّقَّقُ} بتشديد الشين، وأصله: يتشقق، فبه قرأ الأعمش، فقلبت التاء شينا وأدغمت الشين في الشين، فصار يشقق. وقرأ الأعمش أيضا تشقق بالتاء والشين المخففة، ورأيتها معزوة لابن مصرف، ورأيت في بعض نسخ تفسير ابن عطية ما نصه: وقرأ ابن مصرف {ينشقق} بالنون وقافين، والذي يقتضيه اللسان بقاف واحدة مشددة، وقد يجىء

(1) البحر المحيط.

(2)

البحر المحيط.

ص: 496

الفك في شعر، وهي قراءة شاذة {وَإِنَّ مِنْها}؛ أي: من الحجارة {لَما يَهْبِطُ} وينزل ويتردى من أعلى الجبل إلى أسفله. وقرأ الأعمش {يَهْبِطُ} بضم الباء، وقد تقدم أنها لغة. ذكره في «البحر» مِنْ {خَشْيَةِ اللَّهِ} ؛ أي من خوف الله سبحانه وتعالى، وانقيادها لأمره. والخشية هي الخوف عن العلم، وهنا مجاز عن انقيادها لأمر الله؛ أي: فخشيتها عبارة عن انقيادها لأمر الله، وأنها لا تمتنع عما يراد منها، وقلوبكم يا معشر اليهود! لا تلين، ولا تخشع، ولا تتحرك من خوف الله تعالى، ولا تفعل ما أمر به، وهذا (1) كله تعليل لتفضيل الحجارة عليهم.

والمعنى: أن الحجارة تتأثر وتنفعل، فإن منها ما يتشقق فينبع منه الماء، ويتفجر منه الأنهار، ومنها ما يتردى من أعلى الجبل انقيادا لما أراد الله تعالى به، وقلوب هؤلاء اليهود لا تتأثر ولا تنفعل عن أمره تعالى {وَمَا اللَّهُ} سبحانه وتعالى {بِغافِلٍ}؛ أي: بساه {عَمَّا تَعْمَلُونَ} ؛ أي: عن العمل الذي تعملونه، أو عن عملكم، فما إما موصول اسمي أو حرفي، وهو وعيد شديد على ما هم عليه من قساوة القلوب، وما يترتّب عليها من الأعمال السيئة، فقلب الكافر أشدّ في القساوة في الحجارة، وإنها مع فقد أسباب الفهم والعقل منه، وزوال الخطاب عنها تخضع له تعالى وتتصدع. قال تعالى:{لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وقلب الكافر مع وجود أسباب الفهم والعقل، وسعة هيئة القبول لا يخضع، ولا يلين، والمعنى (2)؛ أي: وليس الله سبحانه غافلا عن أفعالكم الخبيثة، ولا ساهيا عنها، بل هو محص لها وحافظ إياها، وسيعاقبكم عليها في الآخرة؛ أي: وإن الله لبالمرصاد لهؤلاء القاسية قلوبهم، وحافظ لأعمالهم حتى يجازيهم عليها في الآخرة.

قرأ الجمهور (3): {تَعْمَلُونَ} بالتاء، وهو الجاري على نسق قوله:{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} وقرأ ابن كثير، ونافع، ويعقوب، وخلف، وأبو بكر بالياء؛ نظرا

(1) البيضاوي.

(2)

العمدة.

(3)

البحر المحيط.

ص: 497

إلى ما بعده، ويكون ذلك التفاتا إذ خرج من الخطاب في قوله تعالى:{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} إلى الغيبة في قوله: {يعملون} وحكمة هذا الالتفات: أنه أعرض عن مخاطبتهم وأبرزهم في صورة من لا يقبل عليهم بالخطاب، وجعلهم كالغائبين عنه؛ لأن مخاطبة الشخص ومواجهته بالكلام، إقبال من المخاطب عليه وتأنيس له، فقطع عنهم مواجهته لهم بالخطاب؛ لكثرة ما صدر عنهم من المخالفات والخلاصة: إن (1) هذه الحجارة تارة تتأثر تأثرا يعود بمنفعة عظيمة على الناس، والحيوان، والزرع بخروج الأنهار، وأخرى تتأثر تأثرا ضعيفا يترتب عليه منفعة قليلة، فتنبع منه العيون والآبار، وحينا تتأثر بالتردّي والسقوط بلا منفعة للناس، وقلوب هؤلاء لا تتأثر بحال، فلا تجدي فيها الحكم والمواعظ التي من شأنها أن تنفذ في الوجدان، وتصل إلى الجنان، وإن الله تعالى لكم بالمرصاد، فهو حافظ لأعمالكم ومحصيها عليكم، ثم يجازيكم بها وهو يربّيكم بصنوف النّقم إذا لم تجد فيكم ضروب النعم، ولا يخفى ما في هذا من شديد التهديد والوعيد.

الإعراب

{وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُوًا قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (67)} .

{وَإِذْ} الواو عاطفة {إِذْ} ظرف لما مضى من الزمان في محل النصب معطوف على نعمتي، والمعنى: واذكروا يا بني إسرائيل! نعمتي، وحين قال موسى لقومه {قالَ مُوسى} فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لإذ {لِقَوْمِهِ} متعلق بقال {إِنَّ اللَّهَ} ناصب واسمه {يَأْمُرُكُمْ} فعل ومفعول به، والفاعل ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر إن، وجملة {إِنَّ} في محل النصب مقول قال. {أن} حرف نصب ومصدر {تَذْبَحُوا} فعل وفاعل منصوب بحذف النون {بَقَرَةً} مفعول به، والجملة الفعلية مع أن المصدرية في تأويل مصدر مجرور بباء محذوفة متعلقة بيأمركم، تقديره: إن الله يأمركم بذبح

(1) المراغي.

ص: 498

بقرة {قالُوا} فعل وفاعل، والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا، كما مرت الإشارة إليه {أَتَتَّخِذُنا هُزُوًا} مقول محكي منصوب بقالوا، وإن شئت قلت:{أَتَتَّخِذُنا} الهمزة للاستفهام الإنكاري {تتخذ} فعل مضارع من أخوات ظن، وفاعله ضمير مستتر يعود على موسى، ونا ضمير لجماعة المتكلمين في محل النصب مفعول أول {هُزُوًا} مفعول ثان، ولكن على تأويله باسم مفعول، تقديره: مهزؤا بنا، والجملة الفعلية في محل النصب مقول قالوا {قالَ} فعل وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة {أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ} مقول محكي لقال، وإن شئت قلت:{أَعُوذُ} فعل مضارع وفاعل مستتر يعود على موسى {بِاللَّهِ} متعلق به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول قال {أن} حرف نصب ومصدر {أَكُونَ} فعل مضارع ناقص منصوب بأن، واسمها ضمير يعود على موسى {مِنَ الْجاهِلِينَ} خبر {أَكُونَ} وجملة {أَنْ أَكُونَ} في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف، تقديره: من كوني من الجاهلين، الجار والمجرور متعلق بأعوذ.

{قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (68)} .

{قالُوا} فعل وفاعل، والجملة المستأنفة {ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ} مقول محكي منصوب بقالوا، وإن شئت قلت:{ادْعُ} فعل أمر مبني على حذف حرف العلة وهي الواو، وفاعله ضمير مستتر يعود على موسى، والجملة في محل النصب مقول قالوا {لَنا} جار ومجرور متعلق بادع {رَبَّكَ} مفعول به ومضاف إليه {يُبَيِّنْ} فعل مضارع مجزوم بالطلب السابق، وفاعله ضمير يعود على الله {لَنا} متعلق بيبين، والجملة جواب الطلب لا محل لها من الإعراب {ما} اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ {هِيَ} ضمير للمفردة المؤنثة الغائبة في محل الرفع خبر لما الاستفهامية، والجملة الإسمية في محل النصب مفعول به ليبين، ولكنه على تقدير مضاف، تقديره: يبين لنا جواب ما هي {قالَ} فعل ماض وفاعل مستتر يعود على موسى، والجملة الفعلية مستأنفة {إِنَّهُ يَقُولُ

} إلى آخر الآية: مقول محكي لقال، وإن شئت قلت:{إِنَّهُ} ناصب واسمه، وجملة {يَقُولُ} خبره، وجملة إن في محل النصب مقول قال {إِنَّها} ناصب واسمه {بَقَرَةٌ}

ص: 499

خبره، وجملة إن في محل النصب مقول يقول {لا} نافية {فارِضٌ} صفة لبقرة مرفوع بالضمة الظاهرة، وجوزوا اعتراض لا النافية بين الصفة والموصوف؛ لأنه شائع كثير في كلامهم، كما في قولهم: مررت برجل لا طويل ولا قصير {وَلا} الواو عاطفة {لا} نافية {بِكْرٌ} معطوف على {فارِضٌ} وتكررت لا؛ لأنها متى وقعت قبل خبر، أو نعت، أو حال وجب تكرارها، كقولهم: زيد لا قائم ولا قاعد، ومررت به لا ضاحكا ولا باكيا {عَوانٌ} صفة ثانية لبقرة مرفوع بالضمة الظاهرة بَيْنَ منصوب على الظرفية الاعتبارية، وهو مضاف. واسم الإشارة {ذلِكَ} في محل الجر مضاف إليه، والظرف متعلق بعوان؛ لأنه بمعنى متوسط. وجوّز إضافة بين إلى مفرد كونه بمعنى متعدد؛ لأن اسم الإشارة هنا قائم مقام اثنين، حيث وقعت الإشارة به إلى الفارض والبكر معا. نظير قول عبد الله بن الزبعري يوم أحد قبل إسلامه:

إنّ للخير وللشرّ مدى

وكلا ذلك وجه وقبل

{فَافْعَلُوا} الفاء فاء الفصيحة مبنية على الفتح؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم ما يقول الرب تعالى، وأردتم بيان ما هو الأصلح واللازم لكم، فأقول لكم: افعلوا ما تؤمرون {افعلوا} فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة {ما} اسم موصول في محل النصب مفعول به وجملة {تُؤْمَرُونَ} صلة لما الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: ما تؤمرون به.

{قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)} .

{قالُوا} فعل وفاعل، والجملة الفعلية مستأنفة {ادْعُ لَنا} إلى قوله:{قالَ} مقول محكي لقالوا، وإن شئت قلت:{ادْعُ} فعل أمر وفاعل مستتر {لَنا} متعلق به {رَبَّكَ} مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول قالوا. {يُبَيِّنْ} فعل مضارع مجزوم بالطلب السابق، وفاعله ضمير يعود على الرب لَنا متعلق بيبين، والجملة جملة جوابية لا محل لها من الإعراب {ما} اسم استفهام في

ص: 500

محل الرفع مبتدأ {لَوْنُها} خبر، والجملة الإسمية في محل النصب مفعول به ليبين {قالَ} فعل وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة {إِنَّهُ يَقُولُ

} إلخ. مقول محكي لقال، وإن شئت قلت:{إِنَّهُ} ناصب واسمه، وجملة {يَقُولُ} خبره، والجملة الإسمية في محل النصب مقول قال {إِنَّها بَقَرَةٌ} ناصب واسمه وخبره، وجملة إن في محل النصب مقول يقول {صَفْراءُ} صفة لبقرة {فاقِعٌ} صفة صفراء {لَوْنُها} فاعل فاقع، ويجوز أن يكون {فاقِعٌ} خبرا مقدما و {لَوْنُها} مبتدأ مؤخرا، والجملة صفة لصفراء {تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} فعل ومفعول به وفاعل مستتر يعود على البقرة، والجملة صفة ثانية لبقرة، تقديره: سارّة للناظرين.

{قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70)} .

{قالُوا} فعل وفاعل، والجملة مستأنفة {ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ} مقول محكي لقالوا، وإن أردت بسط إعرابه، فقد تقدّم لك قريبا، فجدّد به عهدا {إِنَّ الْبَقَرَ} ناصب واسمه {تَشابَهَ} فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على البقر {عَلَيْنا} متعلق بتشابه، وجملة تشابه في محل الرفع خبر إن، وجملة إن جملة تعليلية لا محل لها من الإعراب، ولكن في محل النصب مقول قالوا {وَإِنَّا} ناصب واسمه {إِنَّ} حرف شرط جازم {شاءَ} في محل الجزم بأن على كونه فعل شرط لها {اللَّهُ} فاعل، وجواب الشرط محذوف، تقديره: اهتدينا، وجملة إن الشرطية معترضة لا محل لها من الإعراب؛ لاعتراضها بين إن وخبرها لَمُهْتَدُونَ اللام حرف ابتداء {مهتدون} خبر إن مرفوع بالواو وجملة إن معطوفة على جملة قوله {إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا} على كونها مقولا لقالوا، وعلى كونها تعليلية.

{قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (71)} .

{قالَ} فعل ماض وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة {إِنَّهُ} ناصب واسمه، وجملة {يَقُولُ} خبره، والجملة الإسمية في محل النصب مقول قال {إِنَّها بَقَرَةٌ} ناصب واسمه وخبره، وجملة {إن} في محل النصب مقول يقول {لا} نافية {ذَلُولٌ} صفة لبقرة، وإن شئت قلت {لا} اسم بمعنى غير في محل الرفع صفة

ص: 501

لبقرة، ولكن نقل إعرابها إلى ما بعدها؛ لكونها على صورة الحرف {ذَلُولٌ} صفة لبقرة مرفوع بالضمة الظاهرة {تُثِيرُ} فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير يعود على ذلول {الْأَرْضَ} مفعول به، والجملة الفعلية في محل الرفع صفة لذلول، تقديره: لا ذلول مثيرة الأرض، ويجوز أن تكون جملة {تُثِيرُ} حالا من الضمير في ذلول، تقديره: لا تذل في حال إثارتها، وهذه الجملة الفعلية في المعنى مفسرة لذلول، فالنفي مسلط على الموصوف وصفته؛ أي: إنها بقرة انتفى عنها التذليل وإثارة الأرض، وانتفى عنها سقي الحرث أيضا على ما سيأتي {وَلا} الواو عاطفة {لا} زائدة زيدت؛ لتأكيد نفي لا الأولى {تَسْقِي} فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ذلول {الْحَرْثَ} مفعول به، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة تثير الأرض على كونها صفة ثانية لذلول، تقديره: لا ذلول مثيرة الأرض وساقية الحرث، فالنفي مسلط على الموصوف بصفته {مُسَلَّمَةٌ} صفة ثانية لبقرة لا نافية للجنس تعمل عمل إن {شِيَةَ} في محل النصب اسمها {فِيها} جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر {لا} تقديره: لا شية موجودة فيها، وجملة {لا} في محل الرفع صفة ثالثة لبقرة، تقديره: موصوفة بعدم وجود شية فيها {قالُوا} فعل وفاعل مستأنف {الْآنَ جِئْتَ} ظرف للزمان الحاضر في محل النصب على الظرفية مبني على الفتح، لشبهه بالحرف شبها معنويا؛ لتضمنه معنى حرف التعريف، أو معنى حرف الإشارة، كأنه قلت: هذا الوقت والظرف متعلق بجئت، والجملة الفعلية في محل النصب مقول قالوا {بِالْحَقِّ} حال من فاعل {جِئْتَ}؛ أي: حال كونه ملتبسا بالحق {فَذَبَحُوها} الفاء عاطفة على محذوف معلوم من السياق، تقديره: فطلبوها فوجدوها عند فتى بار فذبحوها. {ذبحوها} فعل وفاعل ومفعول به، والجملة معطوفة على تلك المحذوفة، وتلك المحذوفة معطوفة على جملة قالوا {وَما} الواو حالية {ما} نافية {كادُوا} فعل ناقص واسمه، لأنه من أفعال المقاربة، وجملة {يَفْعَلُونَ} في محل النصب خبر كاد، وجملة كاد في محل النصب حال من فاعل ذبحوها؛ أي: حال كونهم غير مقاربين فعل الذبح؛ يعني؛ قبل زمان الذبح.

{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72)} .

{وَإِذْ} الواو عاطفة قصة على قصة {إِذْ} ظرف لما مضى من الزمان في

ص: 502

محل النصب معطوف على نعمتي، تقديره: واذكروا يا بني إسرائيل! نعمتي وحين قتلتم نفسا {قَتَلْتُمْ} فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لإذ {نَفْسًا} مفعول به {فَادَّارَأْتُمْ} الفاء عاطفة {ادارأتم} فعل وفاعل {فِيها} متعلق بادرائتم، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة {قَتَلْتُمْ} . {وَاللَّهُ} الواو اعتراضية {اللَّهُ مُخْرِجٌ} مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية جملة معترضة لا محل لها من الإعراب؛ لاعتراضها بين المعطوف الذي هو قوله:{فَقُلْنا اضْرِبُوهُ} والمعطوف عليه الذي هو قوله {فَذَبَحُوها} . {ما} اسم موصول في محل النصب مفعول {مُخْرِجٌ} ؛ لأنه اسم فاعل من أخرج يعمل عمل الفعل الصحيح، وفاعله ضمير مستتر فيه، تقديره: هو يعود على الله {كُنْتُمْ} فعل ناقص واسمه، وجملة {تَكْتُمُونَ} خبره، وجملة كان صلة لما الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: تكتمونه.

فإن قلت: كيف أعمل مخرج وهو في معنى المضي؟

قلت: قد حكي ما كان مستقبلا في وقت التدارؤ، كما حكي الحاضر في قوله:{باسِطٌ ذِراعَيْهِ} .

{فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)} .

{فَقُلْنا} الفاء عاطفة {قلنا} فعل وفاعل معطوف على جملة قوله: فذبحوها {اضْرِبُوهُ} ، فعل وفاعل ومفعول به، والجملة مقول القول {بِبَعْضِها} جار ومجرور متعلق باضربوه {كَذلِكَ} جار ومجرور متعلق بمحذوف وجوبا؛ لوقوعه صفة لمصدر محذوف، تقديره: يحيي الله الموتى يوم القيامة إحياء مثل إحياء هذا القتيل {يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى} فعل وفاعل ومفعول به، والجملة الفعلية معترضة لا محل لها من الإعراب، لاعتراضها بين قصتي بني إسرائيل ردا على مشركي العرب المنكرين للبعث، كما سبق في مبحث التفسير {وَيُرِيكُمْ} الواو عاطفة {يُرِيكُمْ} فعل مضارع ومفعول أول، والفاعل ضمير مستتر يعود على الله {آياتِهِ} مفعول ثان ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة قوله كذلك:{كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى} على كونها معترضة لا محل لها من الإعراب {لَعَلَّكُمْ} لعل حرف نصب وتعليل بمعنى كي، والكاف اسمها، وجملة {تَعْقِلُونَ} خبرها،

ص: 503

وجملة لعل جملة تعليلية لا محل لها من الإعراب؛ لأنها سيقت لتعليل الإرادة.

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ} .

{ثُمَّ} حرف عطف وترتيب مع تراخ {قَسَتْ} فعل ماض مبني بفتحة مقدرة على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، والتاء علامة تأنيث الفاعل {قُلُوبُكُمْ} فاعل، والجملة معطوفة على مقدر، تقديره: فضربوه فحيي القتيل، ثم قست قلوبكم، أو معطوفة على جملة قوله:{فَقُلْنا اضْرِبُوهُ} والأول أوضح وأولى {مِنْ بَعْدِ ذلِكَ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بقست {فَهِيَ} الفاء حرف عطف وتفريع {هي} مبتدأ {كَالْحِجارَةِ} جار ومجرور خبر المبتدأ، أو الكاف اسم بمعنى مثل في محل الرفع خبر المبتدأ {الحجارة} مضاف إليه، والجملة الإسمية معطوفة مفرّعة على جملة قوله:{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} . {أَوْ} حرف عطف بمعنى بل {أَشَدُّ} بالرفع معطوف على الكاف إذا كانت اسما، أو على {كَالْحِجارَةِ} ؛ لأن الجار والمجرور في موضع رفع. وقرىء أشد بالفتح على أنه معطوف على الحجارة {قَسْوَةً} تمييز نسبة منصوب بأشد {وَإِنَّ} الواو استئنافية {إِنَّ} حرف نصب وتوكيد {مِنَ الْحِجارَةِ} جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم لأنّ {لَما} اللام حرف ابتداء {ما} اسم موصول في محل النصب اسم إن مؤخر، وجملة {إِنَّ} مستأنفة {يَتَفَجَّرُ} فعل مضارع {مِنْهُ} متعلق به {الْأَنْهارُ} فاعل، والجملة الفعلية صلة الموصول، وتقدير الكلام: وإن الذي يتفجر منه الأنهار لكائن من الحجارة.

{وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)} .

{وَإِنَّ} الواو عاطفة {إِنَّ} حرف نصب {مِنْها} خبر {إِنَّ} مقدم على اسمها {لَما} اللام حرف ابتداء {ما} اسم موصول في محل النصب اسم {إِنَّ} مؤخر {يَشَّقَّقُ} فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على ما، والجملة الفعلية صلة الموصول، والعائد ضمير الفاعل، وتقدير الكلام: وإن الذي يشقق فيخرج منه الماء لكائن من الحجارة، وجملة {إِنَّ} معطوفة على جملة {إِنَّ} الأولى

ص: 504

{فَيَخْرُجُ} الفاء عاطفة {يخرج} فعل مضارع {مِنْهُ} متعلق به {الْماءُ} فاعل ليخرج، والجملة معطوفة على جملة {يَشَّقَّقُ} على كونها مستأنفة {وَإِنَّ} الواو عاطفة إِنَّ حرف نصب وتوكيد {مِنْها} خبر مقدم لإن {لَما} اللام حرف ابتداء {يَهْبِطُ} فعل مضارع. وفاعل مستتر يعود على ما، والجملة صلة الموصول، وجملة {إِنَّ} معطوفة على جملة {إِنَّ} الأولى {مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بيهبط {وَمَا} الواو استئنافية {مَا} نافية حجازية تعمل عمل ليس {اللَّهِ} اسمها {بِغافِلٍ} خبرها منصوب بفتحة مقدرة على الأخير منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف جر زائد، والباء زائدة، وجملة {ما} الحجازية مستأنفة {عَمَّا} {عن} حرف جر {ما} اسم موصول في محل الجر بعن، وجملة {تَعْمَلُونَ} صلة لما الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: عما تعملونه، والجار والمجرور متعلق {بِغافِلٍ} ويجوز أن تكون {ما} مصدرية، وجملة {تَعْمَلُونَ} صلتها، وما مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بعن، تقديره: وما الله بغافل عن عملكم، والجار والمجرور متعلق بغافل أيضا.

التصريف ومفردات اللغة

{أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} الذبح: قطع أعلى العنق. والنحر: طعن أسفله. والبقرة واحد البقر تقع على الذكر والأنثى، نحو: حمامة وحمام، والصفة تميّز الذكر من الأنثى. تقول: بقرة ذكر وبقرة أنثى. وقيل: بقرة اسم للأنثى خاصة من هذا الجنس، والذكر الثور، نحو: ناقة وجمل، وأتان وحمار، وسمي هذا الجنس بذلك؛ لأنه يبقر الأرض؛ أي: يشقها بالحرث، أو بقرنه، ومنه: بقر بطنه إذا شقّه، ومنه سمي محمد الباقر، وهو محمد بن علي، بن الحسين، بن علي بن أبي طالب، وكان هو وأخوه زيد بن علي من العلماء الفصحاء.

وفي «المصباح» وبقرت الشيء بقرا من باب قتل، شققته وبقرته فتحته، والمراد بقرة مبهمة، كما هو ظاهر النظم، فكانوا يخرجون من العهدة بذبح أي بقرة كانت، كما في الحديث السابق، لكن ترتب على تعنتهم فسخ الحكم الأول بالثاني، والثاني بالثالث تشديدا عليهم، لكن لا على وجه ارتفاع حكم المطلق

ص: 505

بالكلية، بل على طريقة تقييده وتخصيصه شيئا فشيئا، ولا يصح أن يكون المراد من أول الأمر بقرة معينة، كما قيل: إذ لو كان كذلك لما عدّت مراجعتهم المحكية من قبيل الجنايات، بل كانت تعدّ من قبيل العبادات، فإن الامتثال للأمر بدون الوقوف على المأموريّة مما لا يتيسر. اه. من «أبي السعود» . والمراد من تذبحوا بقرة؛ أن تذبحوها وتأخذوا بعضها وتضربوا به القتيل فيحيا فيخبركم بقاتله، ففي الكلام اختصار يدل عليه السياق {أَتَتَّخِذُنا هُزُوًا} وفي «المصباح» هزأت به أهزأ مهموزا من باب تعب، وفي لغة من باب نفع سخرت منه، واسم المصدر منه الهزؤ بضم الزاي وسكونها؛ للتخفيف، وقرىء بهما في السبع. اه. أي أتصيرنا هزوا، وهزوا مفعول ثاني لتتخذنا، وفي وقوعه مفعولا ثلاثة أقوال:

أحدها: على حذف مضاف، أي: ذوي هزؤ.

والثاني: أنه اسم مصدر واقع موقع المفعول؛ أي مهزوا بنا.

والثالث: أنهم جعلوا نفس الهزؤ مبالغة وهذا أولى. اه. «سمين» . {قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ} والعياذ والمعاذ: الاعتصام والالتجاء، والفعل.

منه عاذ يعوذ، وأصل أعوذ: أعوذ بوزن أفعل، نقلت حركة الواو إلى العين، فسكنت إثر ضمة فصارت حرف مد {أَكُونَ} أصله: أكون، نقلت حركة الواو إلى الكاف، فسكنت الواو وضمت الكاف فجعلت الواو حرف مد، كما مر في أعوذ {مِنَ الْجاهِلِينَ} الجهل معروف وهو ضد العلم، والفعل منه جهل يجهل. قيل: وقد جمع على أجهال وهو شاذ. قال الشّنفرى:

ولا تزدهي الأجهال حلمي ولا أرى

سؤولا بأطراف الأقاويل أنمل

ويحتمل أن يكون جمع جاهل، كأصحاب جمع صاحب، وهو أبلغ من قولك: أن أكون جاهلا، فإنّ المعنى أن أنتظم في سلك قوم اتصفوا بالجهل {قالَ إِنَّهُ يَقُولُ} أصله: يقول بوزن يفعل، نقلت حركة الواو إلى القاف، فسكنت إثر ضمة فصارت حرف مد {لا فارِضٌ} الفارض: المسنّ التي انقطعت ولادتها من الكبر. يقال: فرضت من بابي قعد وكرم، والمصدر الفروض، والفرض القطع، ويقال لكل ما قدم وطال أمره: فارض، وكأنّ المسنة سمّيت

ص: 506

فارضة؛ لأنها فرضت سنّها؛ أي: قطعتها وبلغت آخرها. قال خفّاف بن ندبة:

لعمري لقد أعطيت ضيفك فارضا

تساق إليه ما تقوم على رجل

ولم تعطه بكرا فيرضى سمينه

فكيف تجازى بالمودّة والفضل

وفي «المختار» فرضت البقرة طعنت في السن، ومنه قوله تعالى:{لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ} وبابه جلس وظرف. اه. فالمصدر فراضة وفروضا، كما في «القاموس» {وَلا بِكْرٌ} والبكر: الصغيرة التي لم تلد من الصغر. وقال ابن قتيبة التي ولدت ولدا واحدا، والبكر من النساء التي لم يمسّها الرجل. وقال ابن قتيبة أيضا: هي التي تحمل، والبكر من الأولاد الأول، ومن الحاجات الأولى. قال الراجز:

يا بكر بكرين ويا خلب الكبد

أصبحت منّي كذراع من عضد

والبكر بفتح الباء الفتى من الإبل، والأنثى بكرة، وأصله: من التقدم في الزمان، ومنه البكرة والباكورة {عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ} والعوان: النصف وهي التي ولدت بطنا أبو بطنين. وقيل: التي ولدت مرة. وفي «المصباح» العوان النصف في السن من النساء والبهائم، والجمع عون بضم العين وسكون الواو، والأصل: عون بضم الواو، لكن سكّن تخفيفا. اه. و {بَيْنَ} ظرف مكان متوسط متصرف. تقول: هو بعيد بين المنكبين، ونقيّ بين الحاجبين. قال تعالى:{هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} ودخولها إذا كانت ظرفا بين ما تمكن البينة فيه، والمال بين زيد وبين عمرو مسموع من كلامهم، وينتقل من المكانية إلى الزمانية إذا لحقتها ما، أو الألف فيزول عنها الاختصاص بالأسماء، فيليها إذ ذاك الجملة الإسمية والفعلية، وربما أضيفت بينا إلى المصدر. ولبين في كتب الكوفيين باب معقود كبير. ذكره في «البحر» .

{ما لَوْنُها} واللون: عرض مشاهد يتعاقب على بعض الجواهر، كما مر. وجمعه على القياس ألوان، واللون أيضا النوع، ومنه ألوان الطعام؛ أي: أنواعه. وقالوا: فلان متلوّن إذا كان لا يثبت على خلق واحد وحال واحد، ومنه قولهم: يتلون تلون الحرباء، وذلك أن الحرباء لصفاء جسمها أيّ لون قابلته ظهر عليها، فتنقلب من لون إلى لون {صَفْراءُ} والصّفرة: لون بين البياض والسواد وقياس الفعل من هذا المصدر صفر فهو أصفر وهي صفراء، كقولهم: شهب فهو أشهب

ص: 507

وهي شهباء، والهمزة في صفراء مبدلة من ألف، وذلك أن أصلها: صفرى كسكرى، فزيدت ألف قبل الألف الأخيرة؛ للمد كألف كتاب وغلام، فأبدلت الألف الثانية همزة. قال ابن مالك في الكافية:

من حرف لين آخر بعد ألف

مزيد ابدل همزة وذا ألف

وهذا أشمل من قوله في الألفية: فأبدل الهمزة من واو ويا؛ لأنه لم يذكر الألف في ألفيته. وذكره في الكافية، حيث ذكر حروف اللين {فاقِعٌ لَوْنُها}؛ أي: شديد الصفرة. والفقوع بضم الفاء: نصوع الصفرة وخلوصها، فالفاقع شديد الصفرة وقد فقع لونه من بابي خضع ودخل. اه. «مختار» والفقوع أشدّ ما يكون من الصفرة وأبلغه يقال: أصفر فاقع ووارس، وأسود حالك وحايك، وأبيض نقق ولمق، وأحمر قاني وزنجيّ، وأخضر ناضر ومدهامّ، وأزرق خطباني وأرمك ردانيّ {تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} أصله: تسرر بوزن تفعل، نقلت حركة الراء الأولى إلى السين، فسكنت فأدغمت في الراء الثانية. والسرور: لذة في القلب عند حصول نفع، أو توقعه، أو رؤية أمر معجب رائق، ومنه السرير الذي يجلس عليه إذا كان لأولي النعمة، وسرير الميت شبيها له به في الصورة وتفاؤلا بذلك. وقال قوم: السرور، والفرح، والحبور، والجذل نظائر، ونقيض السرور الغمّ {إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} شاء أصله: شيء بوزن فعل بكسر العين، تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا {لَمُهْتَدُونَ} أصله: مهتديون جمع مهتد اسم فاعل من اهتدى، استثقلت الضمة على الياء فحذفت وسكنت الياء؛ فحذفت لالتقاء الساكنين، وضمّت الدال؛ لمناسبة الواو، أو كما يقول بعضهم: نقلت حركة الياء إلى الدال والمؤدّى واحد {لا ذَلُولٌ} الذلول: الريض الذي زالت صعوبته. يقال: دابة ذلول بيّنة الذل بكسر الذال، ورجل ذليل بين الذلّ بضم الذال، والفعل ذلّ يذل والذّلّ بالكسر ضد الصعوبة، وبالضم ضدّ العزّ، والمراد به هنا الأول {تُثِيرُ الْأَرْضَ} الإثارة: الاستخراج والقلقلة من مكان إلى مكان قال النابغة:

يثرن الحصى حتّى يباشرن تربه

إذا الشّمس مجّت ريقها بالكلاكل

وأصل تثير: تثور بوزن تفعل واويّ العين، نقلت حركة الواو إلى الثاء،

ص: 508

فسكنت الواو إثر كسرة فقلبت ياء حرف مد {وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ} والحرث: مصدر حرث يحرث وهو شقّ الأرض ليبذر فيها الحبّ، ويطلق على ما حرث وزرع، وهو مجاز في قوله تعالى:{نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} والحرث الزرع، والحرث الكسب، والحرائث الإبل الواحدة حريثة. وفي الحديث:(أصدق الأسماء الحارث)؛ لأنّ الحارث هو الكاسب، واحتراث المال اكتسابه. يقال: حرث من باب نصر وكتب.

{مُسَلَّمَةٌ} المسلمة: المخلصة المبرأة من العيوب. يقال: سلم له كذا؛ أي: خلص سلاما، وسلامة مثل لذاذا ولذاذة {لا شِيَةَ فِيها} والشّية: مصدر وشي الثوب يشيه وشيا وشية، إذا حسّنه وزيّنه بخطوط مختلفة الألوان، ومنه قيل للساعي في الإفساد بين الناس: واش؛ لأنه يحسّن كذبه عندهم حتى يقبل. والشية: اللّمعة المخالفة للون البدن، كما مر. ومنه ثور موشّى القوائم، والشية في الأصل: مصدر وشي من باب وعد وشيا وشية، إذا خلط لونا بلون آخر، والمراد هنا نفس اللون، والتصرّف فيها كالتصرف في عدة. اه. شيخنا. وفي «السمين» وشية مصدر وشيت الثوب أشيه وشيا وشية، فحذفت فاؤها؛ لوقوعها بين ياء وكسرة في المضارع، ثم حمل ما في الباب عليه وعوّض عنها تاء التأنيث في المصدر، ووزنها علة، ومثلها صلة وعدة وزنة ومنه ثوب موشى؛ أي: منسوج بلونين فأكثر، وثور موشى القوائم؛ أي: أبلقها، ويقال: ثور أشيه، وفرس أبلق، وكبش أخرج، وتيس أبرق، وغراب أبقع، كلّ ذلك بمعنى أبلق. اه.

{الْآنَ} ظرف زمان يقتضي الحال ويخلص المضارع له عند جمهور البصريين، وهو لازم للظرفية لا يتصرّف غالبا بني؛ لتضمنه معنى حرف الإشارة، كأنك قلت: هذا الوقت؛ أو لتضمنه معنى حرف التعريف، كأنك قلت: الوقت الحاضر. واختلف في أل التي فيه، فقيل: للتعريف الحضوريّ. وقيل: زائدة لازمة. اه. «كرخي» وزعم الفراء أنه منقول من الفعل. يقال: آن يئين أينا؛ أي: حان {جِئْتَ} أصل الفعل: جيأ بوزن فعل من باب ضرب، تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا، فصار جاء، فأسند الفعل إلى ضمير الرفع المتحرّك فسكّن آخره، فصار جاءت، فالتقى ساكنان الألف وآخر الفعل، فحذفت الألف فصار

ص: 509

جأت على وزن فلت، فاحتيج إلى معرفة عين الفعل المحذوفة، هل هي واو أو ياء؟ فحذفت حركة الفعل وعوّض عنها حركة مجانسة للعين المحذوفة وهي الكسرة، فقيل: جئت بوزن فلت، وهكذا كلّ ما كان من هذا الباب {كادُوا} أصل: كاد كود بوزن فعل بكسر العين يفعل بفتحها، بدليل قولهم: يكاد، تحركت الواو في الماضي وانفتح ما قبلها قلبت ألفا، فقيل: كاد، والدليل على أنّ أصل العين واو قولهم: كاد يفعل كذا كودا ومكادة؛ أي: قارب ولم يفعل {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيها} والقتل: نقض البنية بوجوه تنتفي الحياة عندها. فادرائتم: من الدرء وهو الدفع، كقوله تعالى:{وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ} وادّارأ تفاعل منه، ولمصدره حكم يخالف مصادر الأفعال التي أوّلها همزة وصل. ذكر في النحو. اه. «بحر». وأصله: تدارأتم بوزن تفاعل من الدرء وهو الدفع؛ أي: تدافعتم، فأدغمت تاء الافتعال في الدال التي هي فاء الفعل بعد أن أبدلت التاء دالا، ثم استجلبت همزة الوصل؛ للتوصل به إلى النطق بالساكن؛ يعني: الحرف المدغم، فقيل: ادارءتم. وعبارة «السمين» هنا: أصل ادارأتم: تفاعلتم من الدرء وهو الدفع، فاجتمعت التاء مع الدال وهما متقاربان في المخرج، فأريد الإدغام، فقلبت التاء دالا وسكنت لأجل الإدغام ولا يمكن الابتداء بساكن، فاجتلبت همزة الوصل؛ ليبتدأ بها، فبقي اددارأتم فأدغم. اه.

{وَاللَّهُ مُخْرِجٌ} فيه حذف همزة أفعل من اسم الفاعل، إذ القياس مؤخرج {كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى} أصله يحيي بوزن يفعل، حذفت منه همزة أفعل وسكنت ياؤه الأخيرة؛ للتخفيف، ثم حذفت لالتقاء الساكنين {وَيُرِيكُمْ آياتِهِ} مضارع الرباعي، والرؤية هنا بصرية، فالهمزة للتعدية أكسبت الفعل مفعولا ثانيا وهو آياته، والمعنى: ويجعلكم مبصرين آياته، والكاف هو المفعول الأول، وأصله: يرئيكم بوزن يفعل، نقلت حركة الهمزة عين الفعل إلى الراء فائه، ثم حذفت الهمزة تخفيفا، فقيل: يرى، فالعين من أرى الرباعي في الماضي والمضارع محذوفة دائما {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} القساوة والقسوة: غلظ القلب وصلابته وعدم لينه لقبول الخير. يقال: قسا يقسو من باب عدا قسوا، وقساوة وقسوة، وفيه إعلال بالحذف. أصله: قسو، قلبت الواو ألفا؛ لتحركها بعد فتح، فلما اتصلت

ص: 510

بالفعل تاء التأنيث الساكنة التقى ساكنان الألف والتاء، فحذفت الألف {أَشَدُّ} أصله: أشدد بوزن أفعل صيغة تفضيل، نقلت حركة الدال الأولى إلى الشين، فسكنت فأدغمت في الدال الثانية {يَشَّقَّقُ} أصله: يتشقق، أبدلت التاء شينا وأدغمت في الشين. والشقّ: أن يجعل الشيء شقين وتشقق منه {مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} والخشية: الخوف مع تعظيم المخشيّ. يقال: خشي يخشى، كرضي يرضى {وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ} الغفلة، والسهو، والنسيان متقاربة. يقال: منه غفل يغفل، ومكان غفل لم يعلم به. اه. «بحر» .

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة، وأنواعا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: التكرير للسؤال والجواب وهو داخل في باب الإطناب، كأنهم يكررون السؤال استكناها لحقيقة البقرة.

ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ} ؛ لأنّ قبل هذه الجملة جمل محذوفة، تقديرها: فطلبوها ووجدوها عند فتى بار لوالدته، فاشتروها فذبحوها.

ومنها: الاعتراض بقوله: {وَاللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} ؛ لأن هذه الجملة معترضة بين قوله: {فَادَّارَأْتُمْ} وقوله: {فَقُلْنا اضْرِبُوهُ} والجملة المعترضة بين ما شأنهما الاتصال، تجيء تحلية يزداد بها الكلام البليغ حسنا. وفائدة الاعتراض هنا: إشعار المخاطبين بأنّ الحقيقة ستنجلي لا محالة.

ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} حيث شبه عدم الإذعان بالقسوة بجامع عدم قبول التأثير في كل، واستعير اسم المشبه به للمشبه، واشتق من القساوة قست بمعنى لم تذعن، فلم تقبل المواعظ ولم تؤثر فيها. اه. «صاوي» وقيل: فيه الاستعارة المكنية التبعية تشبيها لحال القلوب في عدم الاعتبار والاتعاظ بما هو ماثل أمامها، ناطق بلسان الحال بالحجارة النابية التي من خصائصها القسوة والصلابة.

ص: 511

ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: {كَالْحِجارَةِ} ؛ لأن أداة الشبه مذكورة، ووجه الشبه محذوف، فقد شبّه قلوبهم في نبوّها عن الحق وتجافيها مع إحكامه بالحجارة القاسية، ثم ترقّى في التشبيه فجعل الحجارة أكثر لينا من قلوبهم.

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ} حيث أطلق المحلّ الذي هو المجرى المسمّى بالنهر، وأراد الحالّ فيه وهو الماء، والقرينة حالية؛ لأن التفجر إنما يكون للماء لا للنهر.

ومنها: المجاز العقليّ في إسناد الخشية إلى الحجارة،؛ لأنه مجاز عن انقيادها لأمر الله تعالى، وأنها لا تمتنع عمّا يريد منها، وقلوب هؤلاء لا تنقاد، ولا تلين، ولا تخشع، ولا تفعل ما أمرت به.

ومنها: الزيادة والحذف في عدّة مواضع. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، ومنه يرجى نجاح كل الآراب، لا سيما تفسير أفضل الكتاب (1).

* * *

(1) خاتمة: إلى هنا وقفت الأقلام في ترقيم المجلّد الأول على الحزب الأول من القرآن الكريم، في تكملته في أوائل الشهر السادس من شهور سنة ألف وأربع مئة وسبع عشرة بتاريخ 6/ 6/ 1417 من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية، وصلى الله وسلّم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين آمين.

انتهى المجلد الأول على الحزب الأول من تفسير حدائق الروح والريحان، ويليه المجلد الثاني وأوّله قوله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ

} الآية.

تم تصحيح هذا المجلد بيد مؤلفه ليلة السبت بعيد العشاء الموافق تاريخ 11/ 4/ 1420 هـ.

ص: 512

شعر

العَبْدُ ذُو ضَجَرٍ والربُّ ذُو قدَرٍ

والدَّهْرُ ذُو دُوَلٍ والعِلْمُ مَقْسُوم

والخَيْرُ أجْمعُ فيما اخْتار خالِقُنَا

وفي اختيار سواه اللُّومُ والشُّوم

آخر

فَلَيْتَكَ تَحْلُو والحياةُ مَرِيْرَةٌ

وَلَيْتَكَ تَرْضَى والأنامُ غِضَابُ

ولَيْتَ الذي بَيْنِي وبَيْنَكَ عَامِرٌ

وبَيْني وبَيْنَ العَالَمِين خَرَابُ

آخر

فَزادِي قَلِيلٌ ما أُراه مُبلِّغي

على الزادِ أبكي أم لِبُعْدِ مَسافَتي

أتَيْتُ بأعمالٍ قِبَاحٍ رَدِيئَةٍ

وَمَا في الوَرى خَلْقٌ جَنَى كَجِنَايتي

ص: 513