الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سواه، أنّ الله تعالى جبرهم وقت سجودهم على الإيمان؛ لأنهم آمنوا كرها وقلوبهم غير مطمئنة بذلك، والمعنى؛ أي؛ اقتلعنا جبل الطور، ونتقناه من أصله، ورفعناه فوق رؤوسكم مقدار قامة حتى يكون كالظلّة، وقلنا لكم {خُذُوا ما آتَيْناكُمْ}؛ أي: ما أعطيناكم من الكتاب واعملوا بما فيه، فهو على تقدير القول كما قدرنا {بِقُوَّةٍ} ؛ أي بجدّ، واجتهاد، وعزيمة، ومواظبة من غير تقصير ولا توان، والمعنى: خذوا الذي آتيناكموه حال كونكم عازمين على الجدّ بالعمل به. اه. «كرخي» .
{وَاذْكُرُوا ما فِيهِ} ؛ أي: وادرسوا ما في الكتاب من الثواب والعقاب، واحفظوا ما فيه من الحلال والحرام، ولا تنسوه ولا تغفلوا عنه {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}؛ أي: لكي (1) تنجوا من الهلاك في الدنيا والعذاب في العقبى، وإلّا رضخت رؤوسكم بهذا الجبل، أو رجاء (2) منكم أن تكونوا متقين، فلمّا رأوا ذلك نازلا بهم قبلوا، وسجدوا، وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود، فصار ذلك سنة في سجود اليهود، كما مر آنفا
64
- {ثُمَّ} بعد ما رفعنا فوقكم وقبلتم الميثاق {تَوَلَّيْتُمْ} ؛ أي: أعرضتم عن الوفاء بالميثاق، وتركتم العمل بكل ما أمرتم به {مِنْ بَعْدِ ذلِكَ} أي من بعد أخذ الميثاق منكم على العمل بما في الكتاب، وهذا تأكيد لما يفهم من ثمّ {فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ}؛ أي: تفضله سبحانه وتعالى عليكم بتأخير العذاب عنكم {وَرَحْمَتُهُ} لكم بقبول التوبة منكم {لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ} ؛ أي: لصرتم من الهالكين في الدنيا والآخرة، أو من المغبونين بذهابكم، وانعدامكم في الدنيا والعذاب في العقبى، ولكن تفضّل عليكم حيث رفع الطور فوقكم حتى تبتم فزال الجبل عنكم، ولولا ذلك لسقط عليكم، والخسران في الأصل: ذهاب رأس المال وهو ههنا هلاك النفس؛ لأنها الأصل.
وقرأ الجمهور (3): {وَاذْكُرُوا} أمرا من ذكر الثلاثي. وقرأ أبيّ {واذّكّرو ما فيه} أمرا من اذّكّر، وأصله: واذتكروا، ثم أبدل من التاء دال، ثم أدغم الذال في
(1) الخازن.
(2)
نسفي.
(3)
البحر المحيط.
الدال، إذ أكثر الإدغام يستحيل فيه الأول إلى الثاني، ويجوز في هذا أن يستحيل الثاني إلى الأول ويدغم فيه الأول، ويقال: إذكر، ويجوز الإظهار، فتقول: إذ ذكر. وقرأ ابن مسعود {تذكروا} على أنه مضارع انجزم على جواب الأمر الذي هو خذوا، وذكر الزمخشري أنه قرىء {وتذكّروا} أمرا من التذكر، ودخول (1) ثمّ مشعر بالمهلة، ومن تشعر بابتداء الغاية، لكن بين الجملتين كلام محذوف، تقديره - والله أعلم - فأخذتم ما آتيناكم، وذكرتم ما فيه، وعملتم بمقتضاه، ثم تولّيتم من بعد ذلك، وقد علم أنهم بعد ما قبلوا التوراة تولوا عنها بأمور، فحرّفوها، وتركوا العمل بها، وقتلوا الأنبياء، وكفروا بالله، وعصوا أمره، ومن ذلك ما اختصّ به بعضهم، وما عمله أوائلهم، وما عمله أواخرهم، ولم يزالوا في التيه مع مشاهدتهم الأعاجيب يخالفون موسى، ويظاهرون بالمعاصي في عسكرهم حتى خسف ببعضهم، وأحرقت النار بعضهم، وعوقبوا بالطاعون، وكلّ هذا مذكور في تراجم التوراة التي يقرؤون بها، ثمّ فعل ساحروهم ما لا خفاء فيه حتى عوقبوا بتخريب بيت المقدس، وكفروا بالمسيح، وهمّوا بقتله. والإشارة (2) في قوله:{مِنْ بَعْدِ ذلِكَ} إلى قبول ما أوتوه، أو إلى أخذ الميثاق والوفاء به ورفع الجبل، أو خروج موسى من بينهم، أو الإيمان. أقوال، ذكره في «البحر» .
والمعنى: أي ثمّ توليتم، وأعرضتم، وانصرفتم عن الطاعة بعد أن أخذ عليكم الميثاق، وأراكم من الآيات ما فيه عبرة لمن ادّكر، فلولا لطف الله بكم، وإمهاله إياكم، إذ لم يعاملكم بما تستحقون لكنتم من الهالكين بالانهماك في المعاصي. والخلاصة: إنكم بتوليكم استحققتم العقاب، ولكن فضل الله عليكم ورحمته أبعده عنكم، ولولا ذلك لخسرتم سعادتي الدنيا والآخرة، وقد منّ الله تعالى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم حيث فرض عليهم الفرائض واحدة بعد واحدة، ولم يفرض عليهم جملة، فإذا استقرّت الواحدة في قلوبهم فرض عليهم الأخرى، وأما بنو إسرائيل فقد فرض عليهم بدفعة واحدة، فشق عليهم ذلك، ولذا لم يقبلوا حتى رأوا العذاب، ثمّ إن (3) الله تعالى أمر بحفظ الأوامر والعمل، وبعدم النسيان
(1) البحر المحيط.
(2)
البحر المحيط.
(3)
المراغي.