الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
{الم
(1)
ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}.
أسباب النزول
وذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات من قوله: {الم} إلى قوله: {الْمُفْلِحُونَ} أقوالا.
أحدهما: أنّها نزلت في مؤمني أهل الكتاب دون غيرهم، وهو قول ابن عباس وجماعة.
والثاني: نزلت في جميع المؤمنين، قاله مجاهد. اه. من «البحر» .
التفسير وأوجه القراءة
1 -
{الم} : الله أعلم بمراده بذلك، فأرجح الأقوال في هذه الأحرف التي ابتدىء بها كثير من السور سواء كانت أحاديّة: كـ {ق} و {ص} و {ن} ، أو ثنائية: كـ {طس} و {يس} ، أو ثلاثية: كـ {الم} و {الر} و {طسم} ، أو رباعية: كـ {المص} و {المر} أو خماسيّة: كـ {كهيعص} : أنّه من المتشابه الذي اختصّ الله سبحانه وتعالى بعلمه، وعلى هذا فلا محلّ لها من الإعراب؛ لأنّ الإعراب فرع عن إدراك المعنى، فلا يحكم عليها بإعراب، ولا بناء، ولا تركيب مع عامل.
والحاصل: أنّ مجموع الأحرف المنزلة في أوائل السور: أربعة عشر حرفا، وهي نصف حروف الهجاء، وقد تفرّقت في تسع وعشرين سورة، المبدوء بالألف
واللام منها: ثلاثة عشر، وبالحاء والميم سبعة، وبالطاء أربعة، وبالكاف واحدة، وبالياء واحدة، وبالصاد واحدة، وبالنون واحدة. وبعض هذه الحروف المبدوء بها أحاديّ، وبعضها ثنائي، وبعضها ثلاثي، وبعضها رباعيّ، وبعضها خماسيّ، ولا تزيد عليه.
وعبارة «الروح» هنا: واعلموا أنّهم تكلّموا في شأن هذه الفواتح الكريمة، وما أريد بها. فقيل: إنّها من العلوم المستورة، والأسرار المحجوبة؛ أي: من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، وهي سرّ القرآن، فنحن نؤمن بظاهرها، ونكل العلم فيها إلى الله تعالى، وفائدة ذكرها: طلب الإيمان بها، والإشارة إلى أنّ القرآن إنّما نزل للإعجاز. وقيل: كلّ حرف منها مفتاح اسم من أسمائه تعالى، فالألف: مفتاح اسم الجلالة، واللام: مفتاح اسم اللطيف، والميم: مفتاح اسم المجيد، كما أنّ قوله تعالى:{الر} أنا الله أرى، و {كهيعص} أنا الله الكريم الهادي الحكيم العليم الصادق، وكذا قوله تعالى:{ق} إشارة إلى أنّه القادر، و {ن} إشارة إلى أنّه النور الناصر، فهي حروف مقطعة كلّ منها مأخوذ من اسم من أسمائه تعالى، والاكتفاء ببعض الكلمة معهود في العربية، كما قال الشاعر:
قلت لها قفي فقالت ق
أراد قالت: وقفت وقال زهير:
بالخير خيرات وإن شرّا فا
…
ولا أريد الشّرّ إلّا أن تا
أراد وإن شرّا فشرّ، وأراد إلّا أن تشا. وقيل: إنّ هذه الحروف ذكرت في أوائل بعض السور؛ لتدل على أنّ القرآن مؤلّف من الحروف التي هي: أب ت ث، فجاء بعضها مقطعا، وبعضها مؤلّفا؛ ليكون إيقاظا لمن تحدّى بالقرآن، وتنبيها لهم على أنّه منتظم من عين ما ينظّمون منه كلامهم، فلولا أنّه خارج عن طوق البشر نازل من عند خلّاق القوى والقدر؛ لأتوا بمثله. هذا ما جنح إليه أهل التحقيق.
وقال الشيخ الأكبر - رحمه الله تعالى في «تفسيره» : وأمّا الحروف المجهولة التي أنزلها الله تعالى في أوائل السور، فسبب ذلك؛ من أجل لغو العرب عند
نزول القرآن، فأنزلها سبحانه حكمة منه حتى تتوفّر دواعيهم، لما أنزل الله تعالى إذا سمعوا مثل هذا الذي ما عهدوه، والنفوس من طبعها أن تميل إلى كلّ أمر غريب غير معتاد، فينصتون عن اللغو، ويقبلون عليها، ويصغون إليها، فيحصل المقصود فيما يسمعونه مما يأتي بعد هذه الحروف النازلة من عند الله تعالى، وتتوفّر دواعيهم للنظر في الأمر المناسب بين حروف الهجاء التي جاء بها مقطعة، وبين ما يجاورها من الكلم، وأبهم الأمر عليهم من عدم اطلاعهم عليها. فردّ الله سبحانه بذلك شرّا كبيرا من عنادهم، وعتوّهم، ولغوهم كان يظهر منهم؛ فذاك رحمة للمؤمنين، وحكمة منه سبحانه وتعالى. انتهى.
وقال المراغي: {الم} هي وأمثالها من الحروف المقطعة، نحو:{المص} و {الر} حروف للتنبيه كألا، ويا، ونحوهما مما وضع؛ لإيقاظ السامع إلى ما يلقى بعدها، فهنا جاءت؛ للفت نظر المخاطب إلى وصف القرآن الكريم، والإشارة إلى إعجازه، وإقامة الحجة على أهل الكتاب، إلى نحو ذلك مما جاء في أثناء السورة.
وتقرأ مقطعة بذكر أسمائها ساكنة الأواخر، فيقال: ألف لام ميم، كما يقال في أسماء الأعداد: واحد اثنان ثلاثة. انتهى. وعلى هذا القول: فلا محلّ لها من الإعراب، كالقول الأوّل الراجح. وقيل: إنّها أسماء للسور التي ابتدئت بها. وقيل: أسماء للقرآن. وقيل: أسماء لله تعالى. وقيل: كل حرف منها مفتاح اسم من أسمائه تعالى، كما مرّ؛ أي: إنّ كلّ حرف منها اسم مدلوله حرف من حروف المباني، وذلك الحرف جزء من اسم من أسماء الله تعالى، فألف: اسم مدلوله اه من الله، واللام، اسم مدلوله له من لطيف، والميم: اسم مدلوله مه من مجيد. وقيل: كلّ حرف منها يشير إلى نعمة من نعم الله تعالى. وقيل: إلى ملك. وقيل: إلى نبيّ. وقيل: الألف تشير إلى آلاء الله، واللام تشير إلى لطف الله، والميم تشير إلى ملك الله. وعلى هذه الأقوال فلها محلّ من الإعراب، فقيل: الرفع، وقيل: النصب، وقيل: الجرّ. فالرفع على أحد وجهين: إما بكونها مبتدأ خبرها ما بعدها، وإما بكونها خبرا لمحذوف، كما سيأتي بيانه. والنصب على