المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فرائضه، وكفّ شرّه. وقيل: هو الفاعل ما يجمل طبعا، ويحمد - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: فرائضه، وكفّ شرّه. وقيل: هو الفاعل ما يجمل طبعا، ويحمد

فرائضه، وكفّ شرّه. وقيل: هو الفاعل ما يجمل طبعا، ويحمد شرعا. وأخرج ذلك عن صورة الجواب إلى الوعد؛ إيذانا بأن المحسن بصدد زيادة الثواب، وإن لم يقل حطة، فكيف إذا قالها، واستغفر، وبأنه يقول ويستغفر، لا محالة أمرهم بشيئين: بعمل يسير، وقول صغير، فالعمل الانحناء عند الدخول، والقول التكلّم بالقول، ثم وعد عليهما غفران السيئات، والزيادة في الحسنات.

‌59

- {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} ؛ أي: غيرّ الذين ظلموا أنفسهم بالمعصية، ما قيل لهم من التوبة، والاستغفار {قَوْلًا} آخر مما لا خير فيه، فأحد مفعولي بدّل محذوف {غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} غير نعت لقولا، وإنما صرح به مع استحالة تحقق التبديل بلا مغايرة؛ تحقيقا لمخالفتهم، وتنصيصا على المغايرة من كلّ وجه، والمعنى: أنهم غيروا تلك الكلمة التي أمروا بها، وقالوا قولا غير الذي قيل لهم، فقالوا: حنطة بدل حطّة، وكذلك بدلوا الفعل الذي أمروا به من دخولهم سجدا، فدخلوا زحفا. فالحاصل: أنهم دخلوا الباب زاحفين على أدبارهم، قائلين حنطة على شعيرة؛ استخفافا بأمر الله تعالى. وقيل: قالوا (1): بالنبطية، وهي لغتهم (حطّا سمقانا) يعنون حنطة حمراء. وقال مجاهد: طؤطىء لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم، فأبوا أن يدخلوه سجدا، فدخلوا يزحفون على أستاههم مخالفة في الفعل، كما بدّلوا القول، وأما المحسنون ففعلوا ما أمروا به، ولذا لم يقل: فبدّلوا بصيغة العموم، بل قال:{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} وظاهر نظم القرآن أنّهم بدّلوا القول فقط دون العمل، وبه قال جماعة. وقيل: بل بدلوا العمل والقول جميعا، فمعنى قوله:{قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} أي: أمرا غير الذي أمروا به، فإن أمر الله قول، وهو تغيير جميع ما أمروا به {فَأَنْزَلْنا}؛ أي: فعقيب ذلك التبديل أنزلنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بتغيير ما أمروا به قولا وفعلا، ولم (2) يقل: عليهم على الاختصار. وقد سبق ذكر الذين ظلموا في الآية؛ لأنه سبق ذكر المحسنين أيضا، فلو أطلق وأضمر، لوقع احتمال دخول

(1) روح البيان.

(2)

روح البيان.

ص: 425

الكل فيه، ثم هذا ليس بتكرار؛ لأنّ الظلم أعمّ من الصغائر، والكبائر، والفسق لا بد وأن يكون من الكبائر، فالمراد بالظلم ههنا: الكبائر بقرينة الفسق، والمراد بالظلم المتقدم: هو ما كان من الصغائر، وقد أضمر ذلك في الأعراف فقال:{فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ} ؛ لأن المضمر هو المظهر. وقال بعضهم: وضع الظاهر موضع المضمر، مبالغة في تقبيح شأنهم {رِجْزًا}؛ أي: طاعونا، وبلاء، وعذابا مقدّرا {مِنَ السَّماءِ} والتنوين فيه للتهويل، والتفخيم، وما في قوله:{بِما} مصدرية {كانُوا يَفْسُقُونَ} ؛ أي: بسبب فسقهم وخروجهم عن طاعتنا. والرجز في الأصل: ما يخاف ويستكره، وكذلك الرجس، والمراد به هنا الطاعون.

روي: أنه مات منهم بالطاعون في ساعة واحدة، أربعة وعشرون ألفا، ودام فيهم حتى بلغ سبعين ألفا. وقال أبو حيان (1): واختلفوا في الرجز هنا، فقال أبو العالية: هو غضب الله تعالى. وقال ابن زيد: طاعون أهلك منهم في ساعة سبعين ألفا. وقال وهب: طاعون عذبوا به أربعين ليلة، ثمّ ماتوا بعد ذلك. وقال ابن جبير: ثلج هلك به منهم سبعون ألفا. وقال ابن عباس: ظلمة وموت، مات منهم في ساعة أربعة وعشرون ألفا. وهلك سبعون ألفا عقوبة. والذي يدل عليه القرآن: أنه أنزل عليهم عذاب، ولم يبين نوعه، إذ لا كبير فائدة في تعيين النوع، فنتركه مبهما، وإن كان كثير من المفسرين على أنه الطاعون. وقوله:{مِنَ السَّماءِ} إن فسر الرجز بالثلج، كان كونه من السماء ظاهرا، وإن فسر بغيره، فهو إشارة إلى الجهة التي يكون منها القضاء عليهم، أو مبالغة في علوّه بالقهر والاستيلاء. وقال أبو مسلم: هذا الفسق هو الظلم المذكور في قوله: {عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} . وفائدة التكرار التأكيد؛ لأنّ الوصف دالّ على العلية، فالظاهر أن التبديل سببه الظلم، وأنّ إنزال الرجز سببه الظلم أيضا. وقال غير أبي مسلم: ليس مكرّرا لوجهين: أحدهما: أنّ الظلم قد يكون من الصغائر، كما في قوله:{رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا} ومن الكبائر كما في قوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} والفسق لا يكون

(1) البحر المحيط.

ص: 426

إلا من الكبائر، فلما وصفهم بالظلم أولا، وصفهم هنا بالفسق الذي هو لا بدّ أن يكون من الكبائر.

والثاني: أنه يحتمل أنهم استحقّوا اسم الظلم بسبب ذلك التبديل، ونزول الرجز عليهم من السماء، لا بسبب ذلك التبديل، بل بالفسق الذي فعلوه قبل ذلك التبديل، وعلى هذا يزول التكرار. انتهى.

وقرأ ابن محيصن (1): {رجزا} بضم الراء، وقد تقدم أنها لغة في الرجز بكسر الراء. وقرأ النخعي، وابن وثاب، وغيرهما {يفسقون} بكسر السين وهي لغة فيه، واستدل بعضهم بقوله:{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا} وترتيب العذاب على هذا التبديل، على أن ما ورد فيه التوقيف من الأقوال لا يجوز تغييره، ولا تبديله بلفظ آخر. وقال قوم: يجوز ذلك إذا كانت الكلمة تسدّ مسدها، وعلى هذا جرى الخلاف في قراءة القرآن بالمعنى، وفي تكبيرة الإحرام، وفي تجويز النكاح بلفظ الهبة، والبيع، والتمليك، وفي نقل الحديث بالمعنى.

فائدة: وذكروا أنّ في الآية سؤالات (2):

الأول: قوله هنا: {وَإِذْ قُلْنَا} وفي الأعراف {وَإِذْ قِيلَ} وأجيب: بأنه صرح بالفاعل في البقرة، لإزالة الإبهام، وحذف في الأعراف؛ للعلم به في (سورة البقرة).

الثاني: قال هنا: {ادْخُلُوا} وهناك {اسْكُنُوا} . وأجيب: بأنّ الدخول مقدم على السكنى، فذكر الدخول في السورة المتقدمة، والسكنى في المتأخرة.

الثالث: قال هنا: {خَطاياكُمْ} وهناك {خَطِيئاتِكُمْ} . وأجيب: بأنّ الخطايا جمع كثرة، فناسب حيث قرن به ما يليق بجوده، وهو غفران الكثير. والخطيئات جمع قلة، لمّا لم يضف ذلك إلى نفسه.

(1) البحر المحيط.

(2)

البحر المحيط.

ص: 427