الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
اللقطة:
مَالٌ أَوْ مُخْتَصٌّ ضَاعَ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ لِغَيْرِ حَرْبِيٍّ وَمَنْ أُخِذَ مَتَاعُهُ وَتُرِكَ بَدَلُهُ فِي كَلُقَطَةٍ وَيَأْخُذُ حَقَّهُ مِنْهُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ
باب اللقطة
اللقطة، محركة - وكحزمة وهمزة وثمامة - ما التقط. «قاموس» وأراد بمحركة: مفتوحة اللام والقاف.
اعلم: أن الالتقاط يشتمل على أمانة واكتسابٍ. قال الحارثي: وللناس خلاف في المغلب منهما، منهم من قال: الكسب ووجه بأنه مآل الأمر. ومنهم من قال: الأمانة، وهو الصحيح؛ لأن المقصود إيصال الشيء إلى أهله، ولأجله شرع الحفظ والتعريف أولا، والملك آخراً عند ضعف الرَّجاء للمالكِ. انتهى. المصنف. قوله:(مالٌ) كنقد ومتاعٍ. قوله: (أو مختص) كخمر خلال. قوله: (ضائع) أي: ساقط بلا علمٍ. قوله: (أو في معناه) كمتروك قصدًا لمعنى يقتضيه، كملقى عند هجومِ ناهب ونحوه، ومدفون منسي. قوله:(لغير حربي) فإن كان لحربيٍّ فلآخذه، كالحربي إذا ضلَّ الطريق، فوجده إنسانٌ، فأخذه ملكه، كما تقدَّم.
قوله: (وترك بدله) أي: شيء متمول غيره. قوله: (ويأخذ حقه منه) وتصدَّق بفاضل. قوله: (بعد تعريفه) أي: سنة.
وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ
الأول: مَا لَا تَتْبَعُهُ هِمَّةُ أَوْسَاطِ النَّاسِ كَسَوْطٍ وَشِسْعٍ وَرَغِيفٍ فَيُمْلَكُ بِأَخْذِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهُ وَلَا بَدَلُهُ إنْ وَجَدَ رَبَّهُ وَكَذَا لَوْ لَقِيَ كَنَّاسٌ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ قِطَعًا صِغَارًا مُتَفَرِّقَةً وَلَوْ كَثُرَتْ وَمَنْ تَرَكَ دَابَّةً بِمَهْلَكَةٍ أَوْ فَلَاةٍ
قوله: (وهي ثلاثة أقسام) يعني: بالاستقراء. قوله: (أوساطِ الناس) أي: لا يطلبونه إذا ضاع منهم. قوله: (كسوطٍ) ما يُضرب به. وفي «شرح المهذب» : هو فوق القضيب ودون العصا. وفي «المختار» : وهو سوط لا ثمرة له. قوله: (وشسع) الشسع: أحد سيور النعل الذي يدخل بين الإصبعين. قوله: (فيملك
…
إلخ) قال في «الإقناع» : والأفضل أن يتصدق به. قوله: (ولا بدله) علم منه: أنه لو بقي بعينه، وجب ردُّه لربه، وصرح به في «الإقناع» بحثاً. قوله:(قطعا صغارا) من الفضة.
قوله: (ومن ترك دابة
…
إلخ) لا عبدًا أو متاعا تركه ربُّه عجزًا عنه، فلا يملكه بذلك؛ اقتصارًا على صورة النص، ولأن العبد يمكنه في العادة التخلص إلى الأماكن التي يعيش فيها، والمتاع لا حرمة له في نفسه، ولا يخشى عليه التلف كما يخشى على الحيوان.
لِانْقِطَاعِهَا أَوْ عَجْزِهِ عَنْ عَلَفِهَا مَلَكَهَا آخِذُهَا وَكَذَا مَا يُلْقَى خَوْفَ غَرَقٍ
الثَّانِي: الضَّوَالُّ الَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ كَإِبِلٍ وَبَقَرٍ وَخَيْلٍ وَبِغَالٍ وَحَمِيرٍ وظِبَاءٍ وطَيْرٍ وفَهْدٍ وَنَحْوِهَا فَغَيْرُ الْآبِقِ يَحْرُمُ الْتِقَاطُهُ وَلَا يُمْلَكُ بِتَعْرِيفٍ وَلِإِمَامٍ وَنَائِبِهِ أَخْذُهُ
قوله: (لانقطاعها) أي: بعجزها عن المشي. قوله: (ملكها آخذها) أي: إلا أن يكون تركها ليرجع إليها، أو ضلَّت منه، فلا يملكها آخذها، كما في «الإقناع». قوله:(وكذا ما يلقى خوف غرقٍ) خلافا «للإقناع» في إحياء الموات في أنه باقٍ على ملك صاحبه. قوله: (وحمر) أي: أهلية. قوله: (وفهدٍ) يعني: معلم أو قابل، وإلا فليس بمال. قوله:(فغير الآبق يحرم التقاطه) أي: وأما الآبق، فيجوز التقاطه صوناً له عن اللحوق بدار الحرب وارتداده وسعيه بالفساد، وتقدَّم. وبخطه أيضاً على قوله:(يحرم التقاطُه) فإن تبع شيء منها دوابَّه فطرده، أو دخل شيء منها داره فأخرجه، فلا ضمان عليه حيث لم يأخذه، ولم تثبت يده عليه. قوله:(ولا يملك بتعريف) ولم يرجع بما أنفق لتعديه بالتقاطه. قوله: (ولإمام ونائبه) لا غيرهما، خلافاً للموفق عند الخوف عليها.
لِيَحْفَظَهُ لِرَبِّهِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ بِوَصْفٍ وَيَجُوزُ الْتِقَاطُ صَيُودٍ مُتَوَحِّشَةٍ لَوْ تُرِكَتْ رَجَعَتْ إلَى الصَّحْرَاءِ بِشَرْطِ عَجْزِ رَبِّهَا وَلَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْرِيفِ لَا أَحْجَارِ طَوَاحِينَ وَقُدُورٍ
قوله: (ولا يلزمه) أي: الإمام. قوله: (ولا يؤخذ منه) أي: من الإمام. قوله: (بوصف) بل لابد من البينة، كما صرح به.
قوله: (ويجوز
…
إلخ) أي: لأن تركها أضيع لها من سائر الأموال، والمقصود حفظها لصاحبها، لا حفظها في نفسها. ومثله على ما ذكر في «المغني» وغيره: لو وجد الضالة في أرض مسبعة يغلب على الظن أن الأسد يفترسها إن تركت، أو قريبًا من دار الحرب يخاف عليها من أهلها، أو بمحلٍّ يستحلُّ أهله أموال المسلمين، كواد التيم، أو في برية لا ماء فيها ولا مرعى، فالأولى جواز أخذها للحفظ ولا ضمان، ويسلمها إلى نائب الإمام ولا يملكها بالتعريف. قال الحارثي: وهو كما قال. قال في «الإنصاف» : ولو قيل بوجوب أخذها - والحالة هذه - لكان له وجهٌ. قاله في «شرح الإقناع» . لكن ما ذكره في «المغني» وغيره من جواز أخذ الضالة التي يحرم التقاطها عند الخوف عليها لغير الإمام ونائبه، خلاف الصحيح من المذهب، كما صرح به في «الإنصاف» ، ودل عليه مفهوم كلام المصنف. قوله:(وقدور) لأنها لا تكاد تضيع عن صاحبها.
ضَخْمَةٍ وَأَخْشَابٍ كَبِيرَةٍ وَمَا حُرِّمَ الْتِقَاطُهُ ضَمِنَهُ آخِذُهُ إنْ تَلِفَ أَوْ نَقَصَ كَغَاصِبٍ لَا كَلْبًا وَمَنْ كَتَمَهُ فَتَلِفَ فقِيمَتُهُ مَرَّتَيْنِ وَيَزُولُ ضَمَانُهُ بِدَفْعِهِ إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ رَدَّهُ إلَى مَكَانِهِ بِأَمْرِهِ الثَّالِث: مَا عَدَاهُمَا مِنْ ثَمَنٍ وَمَتَاعٍ وَغَنَمٍ وَفُصْلَانِ وَعَجَاجِيلَ وَأَفْلَاءٍ وَقِنٍّ صَغِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُحَرَّمُ عَلَى مَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا أَخْذُهَا وَيَضْمَنُهَا بِهِ
قوله: (ومن كتمه) إماماً كان أو غيره. قوله: (فتلف) أي: ثمَّ ثبت. قوله: (ويزول ضمانه) أي: المحرم التقاطه. قوله: (بأمره) وبغيره يضمنه. قوله: (من ثمن) أي: نقد. قوله: (ومتاع) كثياب. قوله: (وفصلان) ولد الناقة إذا فصل عنها. قوله: (وأفلاء) الفو- كعدو- المهر والجحش يفصل عن أمه. وكحمل لغة. قوله: (وقن صغير) ومريض كبار إبلٍ ونحوها. قوله: (ونحو ذلك) كخشبةٍ صغيرةٍ. قوله: (على من لا يأمن نفسه
…
إلخ) كما لو نوى تملكه في الحال أو كتمانها، فإن أخذها بنية الأمانة ثم طرأ عليه قصد الخيانة، فاختار الموفق: لا يضمن. وصحَّحه الحارثي. وجزم به في «الإقناع» قوله: (به) أي: بأخذها إن تلفت فرط، أو لا، أشبه الغاصب.
وَلَمْ يَمْلِكْهَا وَلَوْ عَرَّفَهَا وَإِنْ أَمِنَ نَفْسَهُ وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا فَلَهُ أَخْذُهَا وَالْأَفْضَلُ تَرْكُهَا وَلَوْ بِمَضْيَعَةٍ وَمَنْ أَخَذَهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا أَوْ فَرَّطَ ضَمِنَهَا إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ بِرَدِّهَا
قوله: (ولو بمضيعةٍ) كذا بضبط المصنف. وبكسر الضاد على ما في «المطلع» . وأصله مضيعة على وزن مفعلة، بكسر العين، استثقلت الكسرة على الياء، فنقلت إلى الساكن قبلها. شخنا محمد الخلوتي. انتهى. هذا معنى ما قدمه في «المطلع». قال وقيل: أي: بسكون الضاد وفتح الياء المثناة تحت، بوزن مسبعة، ورأيته كذلك مضبوطا بقلم المصنف، وقلم الإمام ابن عادل أيضا، وحكى في «المصباح» فيها الوجهين على حد سواء قال: والمراد بها: المفازة المنقطعة. انتهى، والله أعلم. قوله:(بردها) وكذا لو دفعها للإمام أو نائبه.
فَصْلٌ
وَمَا أُبِيحَ الْتِقَاطُهُ وَلَمْ يُمْلَكْ بِهِ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ حَيَوَانٌ فَيَلْزَمُهُ فِعْلُ الْأَصْلَحِ مِنْ أَكْلِهِ بِقِيمَتِهِ أَوْ بَيْعَهُ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ تَتِمَّةٌ أَوْ حِفْظِهِ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِنِيَّتِهِ فَإِنْ اسْتَوَتْ الثَّلَاثَةُ خُيِّرَ الثَّانِي: مَا يُخْشَى فَسَادُهُ فَيَلْزَمُهُ فِعْلُ الْأَحَظِّ مِنْ بَيْعِهِ أَوْ أَكْلُهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ تَجْفِيفِ مَا يُجَفَّفُ فَإِنْ اسْتَوَتْ خُيِّرَ
فصل وما أبيح التقاطه ولم يملك به
وهو القسم الثالث.
قوله: (حيوانٌ) أي: مأكول، كفصيل وشاة. قوله:(فعلُ الأصلح) أي: لمالكه. قوله: (بقيمته) أي: في الحال. قوله: (أو بيعه) ولو بلا إذن إمام. قوله: (من ماله) فإن ترك الإنفاق فمات، ضمنه. قوله:(بنيته) كمؤنة تجفيف نحو عنبٍ. قوله: (فإن استوت الثلاثة) أي: في نظر ملتقط. قوله: (خير) قال الحارثي: أولى الأمور الحفظ مع الإنفاق، ثم البيع وحفظ الثمن، ثم الأكل وغرم القيمة. قوله:(فساده) كبطيخٍ وطبخ. قوله: (ما يجفف) كعنبٍ ورطبٍ، فإن احتاج في تجفيفه إلى مؤنة، باع بعضه فيه، فإن أنفق من ماله، رجع به في الأصحِّ. قال في «المبدع»: وإن تعذَّر بيعة ولم يمكن تجفيفه، تعين أكله. فلو تركه حتى تلفَ، ضمنَه.
الثَّالِث: بَاقِي الْمَالِ وَيَلْزَمُهُ حِفْظُ الْجَمِيعِ وتَعْرِيفُهُ فَوْرًا نَهَارًا أَوَّلَ كُلِّ يَوْمٍ أُسْبُوعًا ثُمَّ عَادَةً حَوْلًا مِنْ الْتِقَاطِهِ بِأَنْ يُنَادِي: مَنْ ضَاعَ مِنْهُ شَيْءٌ أَوْ نَفَقَةٌ فِي الْأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ وَكُرِهَ دَاخِلَهَا،
قوله: (باقي المال) أي: من نقد وغيره، فيبقيه بحالته. قوله:(ويلزمه حفظ الجميع) أي: ما أبيح التقاطه بأنواعه الثلاثة، ويكون الحفظ حيئنذ أعم من أن يكون حفظاً لعين أو ثمن أو قيمة: فتأمل. قوله: (وتعريفه) سواء أراد تملكه أو حفظه لربِّه. قوله: (أول كل يوم) تبع فيه «التقيح» . قال الحجاوي: وهو غريب جداً؛ لأن أول النهار الشرعي من الفجر، ولا تعريف في ذلك الوقت، ولم نر من قاله غيره، وتابعه من جمع بين «المقنع» و «التنقيح» تقليدًا له. انتهى. ويمكن الجواب: بأن المراد: ما يعد أولا في العرف قبل اشتغال الناس في معاشهم. قوله: (ثم عادة) في «الإنقاع» : ثم مرة من كل أسبوع من شهر، ثم مرة في كل شهر. قوله:(بأن ينادي) أي: بنفسه أو بنائبه، تصديرٌ لأصل التعريف، فيفهم منه كـ «الإقناع»: تكرير النداء في أيامه عدة أوقات. فتدبر. قوله: (في الأسواق) والحمامات، ويكثر منه موضع وجدانها، وفي الوقت الذي يلي التقاطها، فإن التقطها في صحراء، عرفها في أقرب البلاد من الصحراء. كما في «الإقناع» .
وَأُجْرَةُ مُنَادٍ عَلَى مُلْتَقَطٍ وَيُنْتَفَعُ بِمُبَاحٍ مِنْ كِلَابٍ وَلَا تُعَرَّفُ وَإِنْ أَخَّرَهُ الْحَوْلَ أَوْ بَعْضَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ وَلَمْ يَمْلِكْهَا بِهِ بَعْدَ كَالْتِقَاطِهِ بِنِيَّةِ تَمَلُّكٍ وَلَمْ يُرِدْ تَعْرِيفًا وَلَيْسَ خَوْفُهُ بِأَنْ يَأْخُذَهَا سُلْطَانٌ جَائِرٌ أَوْ يُطَالِبَهُ بِأَكْثَرَ؛
قوله: (على ملتقطٍ) ولا يرجع بها ولو قصد حفظها لمالكها، خلافًا لأبي الخطاب. قوله:(وينتفع بمباح) أي: في الحال. ظاهر: جواز التقاطه، وجزم به في «الإقناع» ، وقدم المصنف في «شرحه» أنه يحرم التقاطه، وجزم به في «التنقيح» تبعا لـ «المغني» وغيره، لكن لا ضمان. قوله:(ولا تعرف) أي: ولو معلمة.
قوله: (وإن أخره
…
إلخ) علم منه: أنه لو ترك تعريفها؛ لكونه لا يرجى وجود صاحبها، لم يملكها، وهو ظاهر كلام «التنقيح» أيضا، وفي «الإقناع»: وإن كان لا يرجى وجود صاحب اللقطة، لم يجب تعريفها في أحد القولين. قال في «شرحه»: ومنه لو كانت دراهم أو دنانير ليست بصرَّة ولا نحوها، على ما ذكره ابن عبد الهادي في «مغني ذوي الأفهام» حيث ذكر أنه يملكها ملتقطها بلا تعريف.
قوله: (وليس خوفه أن يأخذها سلطان
…
إلخ) هذا معنى كلامه في
عُذْرًا فِي تَرْكِ تَعْرِيفِهَا حَتَّى يَمْلِكَهَا بِدُونِهِ وَمَنْ عَرَّفَهَا فَلَمْ تُعَرَّفْ دَخَلَتْ فِي مِلْكِهِ حُكْمًا وَلَوْ عَرْضًا أَوْ لُقَطَةَ الْحَرَمِ أَوْ لَمْ يَخْتَرْ أَوْ أَخَّرَهُ لِعُذْرٍ أَوْ ضَاعَتْ فَعَرَّفَهَا الثَّانِي مَعَ عِلْمِهِ بِالْأَوَّلِ أَوْ لَمْ يُعْلِمْهُ أَوْ أَعْلَمَهُ وَقَصَدَ بِتَعْرِيفِهَا لِنَفْسِهِ
«الفروع» يعني: فلا بد أن يعرفها حولا متى وجد أمناً، وإلا لم يملكها. قاله المصنف في «شرحه». فيؤخذ من هذا ما يرجِّح أن تأخير التعريف للعذر لا يؤثر. انتهى. أي: وهو أحد الوجهين في المسألة، أعني: إذا أخره لعذر، وأنه يملكها بتعريفها حولاً بعد زوال العذر. قال المصنف في «شرحه» أيضًا عن هذا الوجه: ومفهوم كلام «التنقيح» أنه المذهب. انتهى. وهو مفهوم كلام المصنف أيضًا.
قوله: (عذرًا في ترك تعريفها) أي: بل في تأخيره. قوله: (دخلت في ملكه
…
إلخ) اعلم: أنَّ الملتقط يملك اللقطة بعد حول التعريف ملكا مراعى يزول بمجيء صاحبها. قاله في «المغني» . قوله: (حكماً) أي: قهرًا كالميراث. قوله: (لنفسه) ملكها الثاني فيهما، فإن رأى لقطة أو لقيطاً وسبقه آخر إلى الأخذ، فلآخذ، فإن أمر أحدهما صاحبه بالأخذ فأخذ، ونواه لنفسه، وإلا فلآمر إن صححنا التوكيل في الالتقاط، والمذهب: لا يصح، كما تقدَّم، والفرق بين الالتقاط والاصطياد: أن الالتقاط يشتمل على أمانة واكتساب، بخلاف الاصطياد ونحوه، فإنه محض اكتساب.
فَصْلٌ
وَيَحْرُمُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا حَتَّى يُعَرِّفَ وِعَاءَهَا وَهُوَ كِيسُهَا وَنَحْوُهُ ووِكَاءَهَا وَهُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ وعِفَاصَهَا وَهُوَ صِفَةُ الشَّدِّ وقَدْرَهَا وَجِنْسَهَا وَصِفَتَهَا وَسُنَّ ذَلِكَ عِنْدَ وُجْدَانِهَا وإشْهَادُ عَدْلَيْنِ عَلَيْهَا لَا عَلَى صِفَتِهَا
قوله: (ويحرم تصرُّفه) أي: الملتقط ولو بخلطه بما لا يتميَّز منه. قوله: (ونحوه) كخرقةٍ شدت فيها، أو قدر أو زق فيه مائع، ولفافة على نحو ثوب. قوله:(ووكاءها) ككتاب، هل هو خيط أو سير؟ قوله:(وهو ما تشد به) كيسها ونحوه من سير أو خيطٍ. قوله: (وهو صفة الشد) فيتعرف الربط، هل هو عقدة أو عقدتان أو أنشوطة أو غيرها. قال في «المصباح»: والأنشوطة أفعولة، بضم الهمزة: ربطه دون العقدة إذا مدت بأحد طرفيها انفتحت. قوله: (وقدرها) أي: بنحو كيل. قوله: (وصفتها) أي: نوعها لونها.
قوله: (وسن ذلك
…
إلخ) أي: معرفة ما ذكر لا على صفتها؛ لئلا ينتشر ذلك، فيدَّعيها غير مستحقها، بل يذكر للشهود ما يذكر في التعريف.
وَكَذَا لَقِيطٌ وَمَتَى وَصَفَهَا طَالِبُهَا لَزِمَ دَفْعُهَا بِنَمَائِهَا وَمَعَ رِقٍّ مُلْتَقَطٍ وَإِنْكَارِ سَيِّدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ والْمُنْفَصِلِ بَعْدَ حَوْلِ تَعْرِيفِهَا لِوَاجِدِهَا
وفائدة الإشهاد؛ حفظها عن نفسه أن يطمع فيها، وعن ورثته وغرمائه. انتهى هنا. قال في «الشرح» و «المبدع»: يستحب كتب صفاتها؛ ليكون أثبت لها مخافة نسيانها. نقله في «شرح الإقناع» .
قوله: (وكذا لقيط) أي: في الإشهاد.
قوله: (ومتى وصفها
…
إلخ) علم منه: الاكتفاء بالوصف، فلا يشترط في ذلك بينة تشهد بالملك للواصف، ولا أنها ضاعت منه، ولا يمينه على ذلك، ولا أن يغلب على ظن الملتقط صدقه. وأنه لا يجوز دفعها بمجرد دعواها بلا وصفٍ، فإن فعل، ضمن إن جاء آخر فوصفها. وله تضمين أيهما شاء. وقرار الضمان على الآخذ. وإن لم يأت أحد، فلملتقط مطالبة آخذها بها؛ لأنها أمانة بيده، ولا يأمن مجيء صاحبها، فيلزمه بها. قوله:(لزم دفعها) أي: بلا بينة ولا يمين ولو أن الملتقط حجر عليه. قوله: (بنمائها) أي: المتصل والمنفصل في حولِ التعريف. قوله: (ومع رق ملتقط) وهو بكسر القاف: اسم فاعل، لا بفتحها: اسم مفعول؛ لأنه تقدم في آخر الجعالة أنه إذا كانت اللقطة عبدًا مكلفاً، فإنه يكفي تصديقه لمالكه، ولا يحتاج إلى بيِّنة. فتذكر. قوله:(فلا بد من بينة) تشهد بأنه التقطها ونحوه؛ لأن إقرار القنِّ
وإنْ تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ قَبْلَهُ وَلَمْ يُفَرِّطْ لَمْ يَضْمَنْهَا وبَعْدَهُ يَضْمَنُهَا مُطْلَقًا وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ عَرَّف رَبُّهَا
بالمال لا يصح، فمتى كان بيد القن عين وجاء طالبها وقال: هي لقطة، ووصفها، لم يكف تصديق القن لواصف على أنها لقطة. فتدبر.
قوله: (قبله) أي: قبل الحول بيدِ ملتقطٍ. قول: (مطلقا) فرط، أو لا، قال في «المغني»: وتملك اللقطة ملكا مراعى يزول بمجيء صاحبها، ويضمن له بدلها، والظاهر: أنه يملكها بغير عوض يثبت في ذمته، وإنما يتجدد وجوب العوض بمجيء صاحبها، كما يتجدد زوال الملك عنها بمجئيه، وكما يتجدد وجوب نصف الصداق للزوج أو بدله إن تعذر [ثبوت الملك فيه] بالطلاق. وقال القاضي وأصحابه: لا يملكها إلا بعوضٍ يثبت في ذمته لصاحبها، ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم:«فإن جاء صاحبها، وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء، فجعلها من المباحات؛ ولأنه لو مات لم يعزل من تركته بدلها. انتهى ملخصًا، ذكره في «شرحه» .
قوله: (وتعتبر القيمة) أي: إذا زادت أو نقصت. قوله: (يوم عرف ربها) لأنه وقت وجوب رد العين إليه لو كانت موجودة، وإن كانت مثله، لزمه رد مثلها.
وَإِنْ وَصَفَهَا ثَانٍ قَبْلَ دَفْعِهَا لِلْأَوَّلِ أُقْرِعَ وَدُفِعَتْ إلَى قَارِعٍ بِيَمِينِهِ وبَعْدَهُ لَا شَيْءَ لِلثَّانِي وَإِنْ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ أَخَذَهَا مِنْ وَاصِفٍ فَإِنْ تَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ مُلْتَقِطٌ وَلَوْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا بَعْدَ الْحَوْلِ مَبِيعَةً أَوْ مَوْهُوبَةً فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الْبَدَلُ
قوله: (وإن وصفها ثانٍ .. إلخ) لعلَّ المراد: كوصفِ الأول؛ ليحصل التساوي، وكذا لو أقاما بينتين. قوله:(وبعده، لا شيء للثاني) فلو كان دفع بعضها، كما لو كانت عينينِ، دفع إحداهما، ثم جاء ثانٍ فوصفها، فالظاهر: أن لكل حكمه، فيقرع بينهما فيما بقي، وينفرد الأوَّل بما قبض. قوله:(فإن تلفت) أي: مدفوعة بيد من أخذها بالوصف، أما لو تلفت بيد ملتقط، فدفع بدلها لواصف، ثم أقام آخر بيِّنة، لم يطالب ذو البينة إلا الملتقط؛ لتلف ماله تحت يده، ويرجع ملتقط على واصفٍ بما أخذه، لتبين عدم استحقاقه إن لم يقر له. وبخطه أيضا على قوله:(فإن تلفت) أي: مدفوعة بالوصف، وعلم منه: ضمان ما دفع بغيره، بل بمجرد الدعوى.
قوله: (لم يضمن ملتقط) يعني: ولو دفع بلا حاكمٍ. قوله: (إلا البدل) لصحة التصرف الناقل للملك ولزومه.
وَيُفْسَخُ زَمَنَ خِيَارٍ وَتُرَدُّ كَبَعْدَ عَوْدِهَا بِفَسْخٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ رَهْنِهَا وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى رَبِّهَا وَلَوْ قَالَ مَالِكُهَا بَعْدَ تَلَفِهَا أَخَذْتُهَا لِتَذْهَبَ بِهَا وَقَالَ الْمُلْتَقِطُ لِأُعَرِّفَهَا فقَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَوَارِثُ مُلْتَقِطٍ، وَرَبُّ لُقَطَةٍ فِيمَا تَقَدَّمَ كَمُوَرِّثِهِ لِقِيَامِهِ وَمَنْ اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ مَالًا لَا يَدْرِي مَنْ صَرَّهُ فَهُوَ لَهُ وَلَا يَبْرَأُ مَنْ أَخَذَ مِنْ نَائِمٍ شَيْئًا إلَّا بِتَسْلِيمِهِ لَهُ
قوله: (زمان خيار
…
إلخ) كذا بخطه، وفي نسخ:«زمن» وفي «المصباح» : الزمان مدة قابلة للقسمة، ولهذا يطلق على القليل والكثير. والجمع: أزمنة، والزمن مقصور منه، وجمعه: أزمان مثل سبب وأسباب. انتهى. قوله: (خيار) أي: لهما أو لبائع، لا لمشتر وحده، مالم يفسخ. قوله:(أو رهنها) يعني: لو أدركها ربها بعد رهنها، فله انتزاعها ولو مقبوضة، فيأخذها ممن هي بيده. قوله:(ومؤنة الرد) لمالكها. قوله: (على ربها) أي: كوديعةٍ. قوله: (بعد تلفها) بحول تعريف. قوله: (ووارث) أي: كل منهما، أي: ملتقط ورب لقطة، بعد الحول أو قبلَه.
قوله: (ومن استيقظ) أي: من نوم، أو إغماءٍ، أو جنونٍ. قوله:(في ثوبه) أي: أو كيسه، أو جيبه. قوله:(فهو له) لأن قرينة الحال تقتضي تمليكه له. قوله: (من نائم) أي: أو ساهٍ. قوله: (إلا بتسليمه له) يعني: بعد انتباهِهِ.
وَمَنْ وَجَدَ فِي حَيَوَانٍ نَقْدًا أَوْ دُرَّةً فَلُقَطَةٌ لِوَاجِدِهِ وَإِنْ وَجَدَ دُرَّةً غَيْرَ مَثْقُوبَةً فِي سَمَكَةٍ فلِصَيَّادٍ مَنْ ادَّعَى مَا بِيَدِ لِصٍّ
قوله: (ومن وجد في حيوان نقدا
…
إلخ) كشاة وبقرة، يعني: لو اشترى شاة أو نحوها، فذبحها، فوجد في بطنها نقدًا أو درة، فلقطة، يعرفها ويبدأ بالبائع؛ لأنه يحتمل أن تكون ابتعلتها من ملكه، كما لو وجد صيدا مخضوبا، أو في أذنه قرطٌ أو في عنقه خرز، فإنه لقطة؛ لأن ذلك الخضاب ونحوه يدل على ثبوت اليد عليه قبل ذلك. قوله:(فلقطةٌ) ذهب أو فضة. قوله: (وإن وجد درة
…
إلخ) فلو وجد في بطن السمكة ما لا يكون إلا لآدمي، كدراهم، أو نحو درة مثقوبة، أو متصلة بنحو ذهب، أو في عين، أو نهر ولو متصلا بالبحر، فلقطةٌ لواجدها من صياد أو مستعير، وإن اصطادها من عين، أو نهرٍ غير متصل بالبحر، فكالشاةِ، أي: لقطةٌ مطلقا. قاله في «الإقناع» ملخصا. قال في «شرحه» : وعلم منه: أنه إن كان متصلا بالبحر، وكانت الدرة غير مثقوبة، أنها للصياد. قوله:(غير مثقوبة) فإن كانت مثقوبة، أو متصلة بنحو ذهب، أو فضة، فلقطة. قوله:(فلصياد) يعني: ولو باعها. قوله: (ما بيد لص) بخلاف نحو وديعةٍ وعارية ورهن، فلا يكفي الوصف، بل لا بد من البيِّنةِ، أو القرعة مع اليمين.
أَوْ نَاهِبٍ أَوْ قَاطِعِ طَرِيقٍ وَوَصَفَهُ فَهُوَ لَهُ
فَصْلٌ
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مُلْتَقِطٍ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ وَلَا بَيْنَ مُلْتَقِطٍ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وعَدْلٍ وَفَاسِقٍ يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ وَجَدَهَا صَغِيرٌ أَوْ سَفِيهٌ أَوْ مَجْنُونٌ قَامَ وَلِيُّهُ بِتَعْرِيفِهَا فَإِنْ تَلِفَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمْ وفَرَّطَ ضَمِنَ كَإِتْلَافِهِ وَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطِ الْوَلِيِّ فعَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ تُعَرَّفْ فلِوَاجِدِهَا
قوله: (أو ناهب) قال في القاعدة الثانية والتسعين: من ادَّعى شيئًا ووصفه، دفع إليه بالصفة إذا جهل ربُّه، ولم تثبت عليه يد من جهة مالكه، وإلا فلا. قوله:(ووصفه) أي: بصفة تميزه.
قوله: (ولا فرق) أي: في وجوب التعريف والملك بعده. قوله: (وكافر) أي: مالم تكن اللقطة عبدًا مسلمًا. قوله: (وفاسق) قال في «الإقناع» : ويضم إلى كافر وفاسق أمين في تعريف وحفظ.
قوله: (وإن وجدها صغير) ظاهره ولو مميزا. قوله: (وفرط) علم منه أنها لو تلفت بيد أحدهم بلا تفريط من أحدهم، ولا من الولي، فإنه لا ضمان؛ لأنها كالأمانة، وجزم به في «الإقناع». قوله: (وإن كان بتفريط الولي
…
إلخ) بأن علم بها ولم يأخذها منه.
وَالرَّقِيقُ وَلِسَيِّدِهِ أَخْذُهَا وتَرْكُهَا مَعَهُ إنْ كَانَ عَدْلًا يَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا، وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ سَيِّدَهُ لَزِمَهُ سَتْرُهَا عَنْهُ وَمَتَى تَلِفَتْ بِإِتْلَافِهِ أَوْ تَفْرِيطِهِ ففِي رَقَبَتِهِ وَمُكَاتَبٌ كَحُرٍّ ومُبَعَّضٌ فبَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ وَكَذَا كُلُّ نَادِرٍ مِنْ كَسْبٍ كَهِبَةٍ وَهَدِيَّةٍ وَوَصِيَّةٍ وَنَحْوِهَا وَلَوْ أَنَّ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةً
قوله: (والرفيق
…
إلخ) علم منه: أن للعبد التقاطها وتعريفها بلا إذن سيده، كاحتطابه واحتشاشه واصطياده. قال في «المبدع»: إذا لم ينهه عنها، أي: عن اللقطة. قال: فإن نهاه، لم يصح قطعاً. ومثله في أحكامه أم ولد، ومدبر، ومعلق عتقه بصفة، لكن إن تلفت بتفريط أم الولد، فداها سيدها بالأقل من قيمتها، أو قيمة ما أتلفت كسائر إتلافاتها. قوله:(لسيِّده) أي: العدل. قوله: (يتولى تعريفها) فإن كان الرقيق غير أمين، وأقرها السيد معه، فهو مفرط، يضمنها إن تلفت، كما لو أخذها منه ثم ردها إليه. قوله:(ومكاتب كحر) فإن عجز، فكلقطة قن. قوله:(ونحوها) كنثار وقع في حِجرِهِ. قوله: (مهايأة) أي: مناوبة
بَابُ
اللَّقِيطِ طِفْلٌ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ وَلَا رِقُّهُ، نُبِذَ أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِ: إلَى الْبُلُوغِ وَالْتِقَاطُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِمَّا مَعَهُ فمِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ
باب اللقيط
فعيل بمعنى: مفعول.
قوله: (طفل) لا مميز. قوله: (لا يعرفُ نسبه) بخلاف معروف النسب أو الرق، سواء رفعه من يعرفه، أو لا، فهو لقيط لغة لا شرعا. قوله:(نبذ) أي: طرح في شارع أو نحو باب مسجد. قوله: (أو ضل) أي: لم ينبذ، بل ضل ما بين ولادة إلى سن
…
إلخ. قوله: (التمييز) فقط على الصحيح. قاله في «الإنصاف» .
قوله: (فرض كفايةٍ) أي: على من علم به. قوله: (مما معه) فإن تعذر الإنفاق عليه مما معه لمانع، أو انتُظر حصوله من وقف أو غيره، فلمن أنفق عليه بنية الرجوع أن يرجع؛ لأنه في هذه الحالة غني عن مال الغير، كما ذكره الحارثي. نقله عنه منصور البهوتي.
اقْتَرَضَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى مَنْ عَلِمَ وَلَا يَرْجِعُ فَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وبِحُرِّيَّتِهِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ فِي بَلَدِ أَهْلِ حَرْبٍ
قوله: (اقترض عليه) أي: على بيت المال. منصور البهوتي. قوله: (حاكم) وظاهره: ولو مع وجود متبرعٍ. وأن اقترض الحاكم ما أنفق عليه، ثم بان رقيقاً أو له أبٌ موسر، رجع عليه. قال منصور البهوتي. قلت: وقياس الأب وارث موسر. ويؤيده قول صاحب «الإقناع» : فإن لم يظهر له أحد، وفي الحاكم من بيت المال، ولا ينافي هذا قولهم: تسقط نفقة القريب بمضي الزمان؛ لأن محله إذا لم يحصل إنفاقٌ بنية رجوع. فراجع. قوله: (فإن تعذر) أي: فنفقته على من علم حاله مجاناً. قوله: (فهي) أي: النفقة على اللقيط الذي ليس معه شيء، أو معه ونفد. وله:(فرض كفايةٍ) أي: فتجب في بيت المال أو من علم حاله، كما تقدَّم، ويستحب للملتقط الإشهاد عليه وعلى ما معه.
قوله: (ويحكم بإسلامه) أي: إن وجد بدار إسلام فيه مسلم أو مسلمة يمكن كونه منه، لظاهر الدار، وتغليبًا للإسلام، فإنه يعلو ولا يعلى عليه. قوله:(وحريته) لأنها الأصل في الآدميين، فإن الله تعالى خلق آدم وذريته أحرارًا، والرق لعارضٍ، والأصل عدمه، فهو حر في جميع أحكامه حتى
وَلَا مُسْلِمَ فِيهِ. أَوْ فِيهِ مُسْلِمٌ كَتَاجِرٍ وَأَسِيرٍ فكَافِرٌ رَقِيقٌ وَإِنْ كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ فمُسْلِمٌ أَوْ فِي بَلَدِ إسْلَامٍ كُلُّ أَهْلِهِ ذِمَّةٍ فكَافِرٌ
في القود والقذف على الصحيح من المذهب. وقيل: حر في غيرهما. ذكره في «الإنصاف» .
قوله: (ولا مسلم فيه) أي: بلدهم أصلا، فلو كان بها مسلم ساكن، كان اللقيط مسلما، كما في «الرِّعاية» وأشار إليه الحارثي أيضًا. قوله:(فكافر رقيق) عمومه يتناول ما لو كان الملتقط له مسلما، وفيه نظر! فإن تبعيته لأبويه انقطعت كما تنقطع بالسبي، وكلامه في «المغني» يدل عليه. قاله ابن نصر الله في «حواشي المحرر» . فإن فرض أنه لم يقدر عليه إلا بقتالٍ، فهو سبي. وهل الالتقاط كالسبي في أنه يثبت له مثل دين ملتقطه، كما يثبت له مثل دين سابيه؟ هذا محتمل. انتهى. وإنما يحكم برقه؛ لأن أهل الحرب وأموالهم وذريتهم يملكون بالاستيلاء. كما مر، وعمومه يتناول ما لو كان الملتقط حربيا أو مسلما دخل بأمانٍ، لكن في كلام ابن نصر الله ما يقتضي خلافه. قاله في «الحاشية» .
قوله: (وإن كثر المسلمون) أي: ولو تجارًا أو أسارى. قوله: (فمسلم) أي: حر. قوله: (أو في بلد إسلام) أي: أو إلا أن يوجد
…
إلخ.
وَإِنْ كَانَ بِهَا مُسْلِمٌ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ فمُسْلِمٌ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مَنْ قُلْنَا بِكُفْرِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ حَتَّى صَارَتْ دَارَ إسْلَامٍ فمُسْلِمٌ وَمَا وُجِدَ مَعَهُ مِنْ فِرَاشٍ تَحْتَهُ وثِيَابٍ أَوْ مَالٍ فِي جَيْبِهِ أَوْ تَحْتَ فِرَاشِهِ أَوْ مَدْفُونًا تَحْتَهُ طَرِيًّا أَوْ مَطْرُوحًا قَرِيبًا مِنْهُ أَوْ حَيَوَانٌ مَشْدُودٌ بِثِيَابِهِ فلَهُ وَالْأَوْلَى بِحَضَانَتِهِ وَاجِدُهُ إنْ كَانَ أَمِينًا عَدْلًا وَلَوْ ظَاهِرًا حُرًّا مُكَلَّفًا رَشِيدًا وَلَهُ حِفْظُ مَالِهِ
قوله: (وإن كان بها) أي: ببلد الإسلام. قوله: (تبعًا للدار) وهو من وجد ببلد أهل حرب، لا مسلم به، أو به نحو تاجر أو أسير. قوله:(فمسلم) مثله فيما يظهر: لو لم يبلغ من حكمنا بكفره حتى إلى دار الإسلام. قوله: (قريباً منه) لا غير طري أو بعيدًا، فيكون لقطة، ويمتنع التقاطه بدون التقاط المال الموجود؛ لما فيه من الحيلولة بين المال ومالكه. وإن كان في خيمة أو دار، فهي له.
قوله: (والأولى بحضانته) أي: وحفظ ماله. قوله: (ولو ظاهرًا) كولاية نكاح وشهادةٍ فيه. قوله: (حرًا) أي: تامَّ الحرية. قوله: (وله حفظ ماله) أي: يجب عليه، فلعله في مقابلة من قال: ذلك للحاكم.
والْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مِنْهُ وقَبُولُ هِبَةٍ وَوَصِيَّةٍ لَهُ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ وَيَصِحُّ الْتِقَاطُ قِنٍّ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ وذِمِّيٍّ لِذِمِّيٍّ وَيُقَرُّ بِيَدِ مَنْ بِالْبَادِيَةِ مُقِيمًا فِي حِلَّةٍ أَوْ يُرِيدُ نَقْلَهُ إلَى الْحَضَرِ لَا بَدَوِيًّا يَنْتَقِلُ فِي الْمَوَاضِعِ أَوْ مَنْ وَجَدَهُ فِي الْحَضَرِ فَأَرَادَ نَقْلَهُ إلَى الْبَادِيَةِ أَوْ مَعَ فِسْقِهِ أَوْ رِقِّهِ أَوْ كُفْرِهِ وَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ
قوله: (والإنفاق عليه منه) أي: بلا إذن الحاكم، لكن يستحب استئذانه، وهذا بخلاف من أودع مالا وغاب، فإنه ليس لوديع الإنفاق منه على ولد ربه إلا بإذنِ حاكمٍ. قال في «المغني»: والفرق بينهما من وجهين: أحدهما: أن الملتقط له ولاية على اللقيط وعلى ماله. والثاني: أنه ينفق على اللقيط من ماله، وولد رب الوديعةِ لا بد فيه من إثبات حاجته؛ لعدم ماله وعدم نفقة متروكة برسمه.
قوله: (ويصح التقاط قن .. إلخ) أي: يجوز، بل يجب. قوله:(لذمي) لعله إذا عرف بعلامة، أو وجد في بلد كل أهله ذمة، كما تقدم.
قوله: (في حلةٍ) أي: بيوت مجتمعةٍ مستوطنةٍ. قوله: (ينتقل في المواضع) انظر: هل المراد: إذا وجد من يريد أخذ اللقيط، أم يجب على الحاكم أخذه. من البدوي مطلقا؟
وَإِنْ الْتَقَطَهُ فِي الْحَضَرِ مَنْ يُرِيدُ النَّقْلَةَ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ مِنْ حِلَّةٍ إلَى حِلَّةٍ لَمْ يُقَرَّ بِيَدِهِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَحِلُّ الَّذِي كَانَ بِهِ وَبِيئًا كَغَوْرِ بَيْسَانَ وَنَحْوِهِ وَيُقَدَّمُ مُوسِرٌ وَمُقِيمٌ مِنْ مُلْتَقِطَيْنِ عَلَى ضِدِّهِمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْمُلْتَقِطِ مِنْهُمَا قُدِّمَ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَإِنْ عَدِمَاهَا قُدِّمَ ذُو الْيَدِ بِيَمِينِهِ فَإِنْ كَانَ بِيَدَيْهِمَا أُقْرِعَ فَمَنْ قُرِعَ سُلِّمَ إلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمَا يَدٌ فَوَصَفَهُ أَحَدُهُمَا بِعَلَامَةٍ مَسْطُورَةٍ فِي جَسَدِهِ قُدِّمَ وَإِنْ وَصَفَاهُ أُقْرِعَ وَإِلَّا سَلَّمَهُ حَاكِمٌ إلَى مَنْ يَرَى مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا وَمَنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ سَقَطَ
قوله: (وبيئاً) أي: وخيما. قوله: (كغور بيسان) موضع بالشام. قوله: (ونحوه) كالجحفة بالحجاز. قوله: (على ضدهما) أي: على فقير ومسافر. قال في «المغني» : وعلى قياس قولهم في تقديم الموسر، ينبغي تقديم الجواد على البخيل؛ إذ ربما تخلق بأخلاقه، وتعلَّم من جوده. قوله:(أقرع) وذكر كأنثى، بخلاف حضانةٍ، فيقرع بينهما. قوله:(سقط) أي: هو، أي: حقه، والجملة خبر (من) إن كانت موصولة، أو جواب الشرط إن كانت شرطية. وعلى كل، فلا بد في الجملة من رابطٍ، وليس هنا إلا الضمير في (سقط)، العائد إلى مركب، وهو (حقه) فيه ضمير وهو الهاء عائد على المبتدأ، أو اسم الشرط، فهل مثل هذا يكفي في الربط أم لا؟ قال شيخنا محمد
فَصْلٌ
وَمِيرَاثُهُ وَدِيَتُهُ إنْ قُتِلَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَيُخَيِّرُ الْإِمَامُ فِي عَمْدٍ بَيْنَ أَخْذِهَا والْقِصَاصِ وَإِنْ قُطِعَ طَرَفُهُ عَمْدًا اُنْتُظِرَ بُلُوغُهُ وَرُشْدُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا فَيَلْزَمُ الْإِمَامَ الْعَفْوُ عَلَى مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ
الخلوتي: صنيع البدر الدَّماميني في مواضع يقتضي الاكتفاء به، والله أعلم.
قوله: (وميراثه) أي: اللقيط. قوله: (لبيت المال) وفاقًا لمالك والشافعي وأكثر أهل العلم. وبخطه أيضا على قوله: (لبيت المال) يعني: إن لم يكن له وارث كسائر من لا وارث له، ولا يرثه متلقطٌ خلافًا للشيخ والحارثي.
قوله: (ويخير الإمام
…
إلخ) معنى التخيير: تفويض النظر إليه في أصلح الأمرين، فإذا ظهرَ له الأصلح، لم يكن مخيرًا، بل يتعين عليه فعل ذلك الأصلح، ولا يجوز له العدول عنه، فليس التخيير هنا حقيقة. وعلى هذا يقاس عليه جميع ما ذكره الفقهاء من قولهم: يخير الإمام في كذا، ويخير الولي أو الوصي في كذا ونحوه. فاحفظ ذلك فإنه مهم، والله أعلم. قوله:(عمدًا) يعني: وهو محجور عليه. قوله: (انتظر بلوغه) ليقتص أو يعفو. قوله: (على ما ينفق عليه) ظاهره: لا فرق بين العاقل والمجنون، وهو المذهب، كما في «شرحه» ، ويأتي في استيفاء القصاص: ليس لولي الصغير العفو على مال، بخلاف ولي المجنون، فإن كان المجنون بالغًا، فهل تنتظر إفاقته أم لا؟ وجهان.
وَإِنْ ادَّعَى جَانٍ عَلَيْهِ أَوْ قَاذِفُهُ رِقَّهُ وَكَذَّبَهُ لَقِيطٌ بَالِغٌ فقَوْلُهُ وَإِنْ ادَّعَى أَجْنَبِيٌّ رِقَّهُ وَهُوَ بِيَدِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مَعَ رِقِّهِ وَإِلَّا فَشَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِيَدٍ وَحَلَفَ أَنَّهُ مِلْكُهُ أَوْ بِمِلْكٍ
قال الحارثي: الأول المذهب. قال في «تصحيح الفروع» قلت: الصواب إن كانت إفاقته قريبةً، لم يصح العفو، وإلا صحَّ، والله أعلم. نقله عنه منصور البهوتي رحمه الله تعالى.
قوله: (وإن ادعى جانٍ عليه) أي: جناية موجبة للقصاص. قوله: (وكذبه) علم منه: أنه لو صدَّق جانياً وقاذفاً، لم يكن عليهما إلا ما يجب في قذف الرقيق أو الجناية عليه. قوله:(فقوله) أي: اللقيط، فلو كان اللَّقيط قاذفاً، فادعى أنه عبدٌ، ليجب عليه ما يجب على العبد، لم يقبل منه؛ لأنه خلاف ظاهر.
قوله: (وإن ادعى أجنبي رقه) أي: غير واجده، أما هو فلا، كما يأتي. قوله:(وهو بيده) أي: مدع لرقه، فإن لم يكن بها لم يصدق، بخلاف دعوى النَّسب. قوله:(بيمينه) حيث كان لقيط طفلا أو مجنوناً، ثم إن بلغ وقال: أنا حر، لم يقبل. قاله الحارثيُّ. فلو كان مميزًا عاقلا حين الدعوى، وقال: أنا حر، خلي سبيله إلا أن تقوم بينة برقه. قوله:(ويثبت نسبه مع رقه) أي: مع بقاء رقه، فلا يزول رقه بثبوت نسبه ولو ببينة. قوله:(وإلا) أي: وإلا يكن اللقيط بيد الأجنبي المدعي لرقه. قوله: (أو بملك) أي: وإن لم يذكر سببه.
أَوْ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ حُكِمَ لَهُ بِهِ وَإِنْ ادَّعَاهُ مُلْتَقِطُهُ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لَقِيطٌ بَالِغٌ لَمْ يُقْبَلْ وبِكُفْرٍ وَقَدْ نَطَقَ بِإِسْلَامٍ وَهُوَ يَعْقِلُهُ أَوْ مُسْلِمٌ حُكْمًا فمُرْتَدٌّ وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ مَنْ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ وَلَوْ أُنْثَى ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ نَسَبٍ مَعْرُوفٍ أُلْحِقَ وَلَوْ مَيِّتًا بِهِ لَا بِزَوْجِ مُقِرَّةٍ وَلَا يَتْبَعُ
قوله: (في ملكه) أي: لأنه ابن أمته، أو أنها ولدته فقط. وهل تكفي - في البينة الشاهدة أن أمته ولدته في ملكه، امرأة واحدة أو رجل واحد - لأنه مما لا يطلع عليه الرجال غالباً، وبه جزم في «المغني» - أو لا بدَّ فيها من رجلين، أو رجل وامرأتين، كما ذكره القاضي؟ فيه وجهان، قال الحارثي عن قول القاضي: أنه أشبه بالمذهب.
قوله: (وإن ادَّعاه) أي: الرق. قوله: (لقيط بالغ) أي: بأن قال: أنا ملك زيد، ولو صدَّقه زيد، أو لم يكن قد اعترف بحريَّة. قوله:(أو مسلم حكمًا) تبعًا للدار أو غيرها. قوله: (وإن أقر به) أي: بأن اللقيط ولدُه.
قوله: (معروفٍ) أو كافرًا أو قناً. قوله: (ألحق ولو ميتاً) أي: ولو كان اللقيط ميتا.
فِي رِقٍّ وَلَا كَافِرًا فِي دِينِهِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَإِنْ ادَّعَاهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ مَعًا قُدِّمَ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَإِنْ تَسَاوَوْا فِيهَا أَوْ فِي عَدَمِهَا عُرِضَ مَعَ مُدَّعٍ أَوْ أَقَارِبِهِ إنْ مَاتَ: عَلَى الْقَافَةِ فَإِنْ
قوله: (إلا أن يقيم بينة
…
إلخ) وكذا لو أقامت المرأة بينة أنها ولدته على فراش زوجها، لحق به. ولا بد في الكافر من استمرار أبويه على الحياة والكفر إلى بلوغه. قوله:(على فراشه) لثبوت أنه ولد ذميين. قوله: (وإن ادَّعاه اثنان
…
إلخ) أي: أو اثنان لا واحد وواحدة؛ لعدم التنافي، فيلحق بهما. وبخطه أيضا على قوله:(وإن ادعاه اثنان) يعني: كل واحد يقول إنه ولدُه. قوله: (فإن تساووا فيها) أي: بأن لم يكن أحدُهما خارجاً، وإلا قدمت بينته. قوله:(مع مدع) أي: موجود. قوله: أو أقاربه إن مات) علم منه: أنه يعمل بالقافة في غير بنوة، كأخوة وعمومة؛ وهو كذلك عند أصحابنا. قاله في «الإنصاف» خلافاً لأبي الخطاب. قاله في «الحاشية» . ولا فرق في المدَّعيين بين الرجلين والمرأتين، والحر والحرة والأمة، والمسلم والكافر، والمسلمة والكافرة. فإن ألحقته القافة بأمين، لم يلحقهما للتنافي. قوله:(على القافة) وهم: قوم يعرفون الأنساب بالشبه، ولا يختص ذلك بقبيلةٍ معينةٍ، بل من عرف منه ذلك، وتكررت إصابته، فهو قائف.
أَلْحَقَتْهُ بِوَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ لحق فَيَرِثُ كُلًّا مِنْهُمَا إرْثَ وَلَدٍ وَيَرِثَانِهِ إرْثَ أَبٍ وَإِنْ وَصَّى لَهُ قَبِلَا وَإِنْ خَلَّفَ أَحَدَهُمَا فَلَهُ إرْثُ أَبٍ كَامِلٍ وَنَسَبُهُ ثَابِتٌ مِنْ الْمَيِّتِ وَلِأُمَّيْ أَبَوَيْهِ مَعَ أُمِّ أُمٍّ نِصْفُ سُدُسٍ وَلَهَا نِصْفُهُ وَكَذَا لَوْ أَلْحَقَتْهُ بِأَكْثَرَ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ قَافَةٌ أَوْ نَفَتْهُ أَوْ أُشْكِلَ أَمْرُهُ اخْتَلَفَ قَائِفَانِ أَوْ اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ ضَاعَ نَسَبُهُ وَيُؤْخَذُ باثْنَيْنِ خَالَفَهُمَا ثَالِثٌ كَبَيْطَارَيْنِ وطَبِيبَيْنِ فِي عَيْبٍ وَلَوْ رَجَعَ عَنْ دَعْوَاهُ مَنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِ الْقَافَةُ لَمْ يُقْبَلْ
قوله: (أو اثنين لحق) أي: لا باثنتين، ولو كان لكل منهما بنت، ولهذا الملحق أم أجنبية من البنتين، جاز لشخص أجنبي أن يجمع بين الثلاث، وقد نظم ذلك شيخنا محمد الخلوتي ملغزا بقوله:
يافقيها حوى الفضائل طرا
…
وتسامى على الأنام بعلمه
أفتنا في شخص تزوج أختيـ
…
ـن لشخص مع البناء بأمه
قوله: (إرث ولد) فإن لم يخلفا غيره، ورث مالهما. قوله:(إرث أبٍ) اي: أب واحد. قوله: (وإن وصِّي له) أي: أو وهب أو اشتريا له ونحوه. قوله: (نصف سدس) لأنهما كجدةٍ لأبٍ .. قوله: (ولها) أي: أم أمه.
قوله: (وإن لم توجد قافة) يعني: أصلا لا قريبة ولا بعيدة، وقد ادَّعاه اثنان فأكثر، فإن وجدت، ذهبوا إليها ولو بعيدة. قوله:(لم يقبل) لأنه حق عليه.
وَمَعَ عَدَمِ إلْحَاقِهَا بِوَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ فَرَجَعَ أَحَدُهُمَا يُلْحَقُ بِالْآخَرِ وَيَكْفِي قَائِفٌ وَاحِدٌ وَهُوَ كَحَاكِمٍ فَيَكْفِي مُجَرَّدُ خَبَرِهِ وَشَرْطُ كَوْنِهِ ذَكَرًا عَدْلًا حُرًّا مُجَرَّبًا فِي الْإِصَابَةِ
قوله: (من اثنين) أي: ادعيا نسبَه.
قوله: (ويكفي قائف) في إلحاق النسب. قوله: (وهو كحاكم
…
إلخ) يعني: أن القائف كالحاكم لا كالشاهد، فلا يعتبر فيه التعدد، ولا لفظ الشهادة، وقد أشار المصنف إلى أنه لا يعتبر فيه لفظ الشهادة؛ لكونه كالحاكم لا كالشاهد، بقوله:(فيكفي مجرَّد خبره). وأما كونه يكفي واحد، فقد صرح به أولا حيث قال:(ويكفي قائف واحد). قوله: (فيكفي مجرد خبره) فإن ألحقته بواحد ثم بآخر، كان لاحقاً بالأول فقط، لأن إلحاقه جرى مجرى حكم الحاكم، فلا ينقض لمخالفة غيره، فإن أقام الآخر بيِّنة أنه ولده حكم له به، وسقط قول القائف، كالتراب مع الماء.
قوله: (ذكرا عدلا) علم منه: اشتراط إسلامه بالأولى، خلافاً لـ «الإقناع». قوله:(في الإصابة) ويكفي كونه مشهودًا بالإصابة، وصحة المعرفة في مرات كثيرة. فمن عرف مولودًا بين نسوة ليس فيهن أمه، ثم وهي فيهن، فأصاب كل
وَكَذَا إنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً
مرة، فقائف. وقال القاضي: يترك الصبي بين عشرة رجال غير مدعيه، فإن ألحقه بأحدهم سقط قوله، وإن نفاه عنهم ترك مع عشرين فيهم مدَّعيه، فإن ألحقه به علمت إصابته، وإلا فلا. قال في «المغني»: وهذه التجربة عند عرضه على القائف؛ للاحتياط في معرفة إصابته، فإن لم يجرب في الحال بعد أن كان مشهوراً بالإصابة وصحة المعرفة في مرات كثيرة، جاز.
قوله: (وكذا إن وطيء
…
إلخ) أي: في العرض على القافة. وبخطه أيضًا على قوله: (وكذا إن وطيء اثنان امراة
…
إلخ) يعني: أن الولد في هذه الصور الأربع، حكمه حكم اللقيط فيما تقدم من عرضه على القافة والعمل بما تقوله القافة فيه، ومن ضياع نسبه على التفصيل السابق، سواء ادعى الواطئان المذكوران الولد أو جحداه، أو أحدهما، وقد ثبت الافتراش. ذكره القاضي وغيره، وشرط أبو الخطاب في وطء الزوجة أن ينفي الزوج الولد، فعليه إن ادَّعاه لنفسه اختص به. قاله في «المحرر» قال المصنف في «شرحه»: وما قدَّمه في «المحرر» هو المذهب، ولهذا مشيت عليه في المتن. وقوله في «المحرر»: وقد ثبت الافتراش يشير إلى أن الواطئان قد استويا في الافتراش، كاستواء مدعي اللقيط في الدعوى، ومعنى الاستواء في الفراش في الصُّورة الأولى: أن كلا منهما واطيء بشيء. وفي الثانية: أنه لو انفرد كل منهما
بِشُبْهَةٍ أَوْ أَمَتَهُمَا فِي طُهْرٍ أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ زَوْجَةً أَوْ سُرِّيَّةً لِآخَرَ وأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُمَا وَلَيْسَ لِزَوْجٍ أُلْحِقَ بِهِ اللِّعَانَ لِنَفْيِهِ
بالملك، كان صاحب ولدٍ. وفي الثالثة والرابعة: قد استوى الواطيء بالشبهة والزوج أو السيد في حكم الفراش بلا مريةٍ، فلا أثر لجحود أحدهما للولد مع ثبوت الافتراش. قوله:(امرأة) أي: بلا زوج.
قوله: (بشبهة
…
إلخ) وكذا لو تزوَّجها كلٌّ منهما تزوجا فاسدًا، أو أحدهما صحيحاً والآخر فاسدًا، أو باع أمته الموطوءة، فوطئها المشتري قبل الاستبراء. قوله:(يمكن كونُه منهما) فيرى القافة سواء ادعياه أو جحداه أو أحدهما، وقد ثبتَ الافتراش، كما في «المحرر». قال المصنف في «شرحه»: هذا المذهب.
قوله: (اللعان) لعدم شرطه، وهو سبق القذف.