الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب العارية
العارية: الْعَيْنُ الْمَأْخُوذَةُ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا مُطْلَقًا بِلَا عِوَضٍ
كتاب العارية
قال الأزهري: نسبة إلى العارة، كما قال تميم بن مقبل:
فأخلف وأتلف إنما المال عارة
…
وكله مع الدهر الذي هو آكله
من البحر الطويل، وهي: ما نشأ عن الإعارة وتعلقت به، أعني: الشيء المعار من الأعيان المدفوعة لمن ينتفع بها إلى آخر الحد، فهي: اسم مصدر. وهي: اسم من الإعارة مثل طاعة وإطاعة، وقال الليث: سميت عارية؛ لأنها عارٌ على طالبها. ومثله للجوهريِّ، وقيل: من عارَ الفرس: إذا ذهب من صاحبه، وهما غلط، لأن العارية من الواو، لأنَّ العرب تقول: هم يتعاورون العواري، بالواو: إذا أعار بعضهم بعضاً، والعار، وعارَ الفرس، من اليائي، فالصحيح ما قال الأزهري. وقد تخفف العارية في الشعر. قاله في «المصباح» ملخصاً.
قوله: (المأخوذة) من مالكها - ولو لنفعها - أو وكيله. قوله: (للانتفاع بها) يعني: مطلقًا أو زمناً معلوماً. قوله: (بلا عوضٍ) من أخذٍ، أو غيره. وتطلق كثيرًا على الإعارة مجازًا.
وَالْإِعَارَةُ إبَاحَةُ نَفْعِهَا بِلَا عِوَضٍ وَتُسْتَحَبُّ وَتَنْعَقِدُ بِكُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا وَشُرِطَ كَوْنُ عَيْنٍ مُنْتَفَعًا بِهَا مَعَ بَقَائِهَا وكَوْنُ مُعِيرٍ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ شَرْعًا ومُسْتَعِيرٍ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ لَهُ وَصَحَّ فِي مُؤَقَّتَةٍ شَرْطُ عِوَضٍ مَعْلُومٍ، وَتَصِيرُ إجَارَةً
قوله: (والإعارة: إباحة نفعها) أي: رفع الحرج عن تناولها، لا تمليك، فلا يعتبر. قوله:(بلا عوض) يعني: من مستعير أو غيره.
قوله: (وشرط) أي: أربعة. قوله: (أهلا للتبرع له) فلا تصح إعارة مصحف لكافر. قوله أيضاً على قوله: (أهلا للتبرع له) بتلك العين؛ بأن يصح منه قبولها هبة. فلا تصح إعارة عبد مسلم لكافر لخدمته. قوله: (وصح في مؤقتة) فإن أطلقت، فإجارة فاسدة. قوله:(وتصير إجارة) كما يصح شرط عوض في هبة، وتصير بيعاً تغليباً للمعنى على اللفظ في الموضعين، وإن قال: أعرتك عبدي على أن تعيرني فرسك، فإجارة فاسدة؛ للجهالة، غير مضمونة، كالصحيحة. قال الحارثي: وكذا لو قال: أعرتك هذه الدابة لتعلفها، أو هذا العبد لتمونه. انتهى. وإن عين المدة والمنفعة، صحت إجارة، كما تقدم.
وَإِعَارَةِ نَقْدٍ وَنَحْوِهِ لَا لِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ مَعَ بَقَائِهِ قَرْضٌ وكَوْنُ نَفْعِ مُبَاحًا وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَكَلْبٍ لِصَيْدٍ وفَحْلٍ لِضِرَابٍ
فائدة: قال المروزي: قلت لأبي عبد الله: رجل سقطت منه ورقة فيها أحاديث وفوائد فأخذتها، ترى أن أنسخها وأسمعها؟ قال: لا، إلا بإذن صاحبها.
قوله: (وإعارةُ نقدٍ ونحوِه) أي: كسائر الموزونات والمكيلات مع الإطلاق، أو لما تبقَّى مع استيفائه، كدراهم لنفقةٍ، وخبزٍ لأكل، فيكون ذلك قرضاً، فقوله:(وإعارة نقد ونحوه) مبتدأ. وقوله: (قرض) خبره. وقوله: (لا لما يستعمل فيه مع بقائه) عطف على محذوف نحو ما قدَّرنا. واعلم: أن المنفي بلا، يكون داخل فيما قبلها بحيث لا يصح استثناؤه، فمتى صح استثناؤه أخرج بإلا أو إحدى أخواتها، فتدبر هذا في كلام المؤلفين، وربما يؤخذ ذلك من اشتراط النحويين في العطف بلا، أن لا يكون ما قبلها صادقاً على ما بعدها، فلا تقول: جاءني رجل لا زيدٌ. فتدبر. قوله: (لا لما
…
إلخ) شمل صورتي الإطلاق والتقييد. قوله: (مع بقائه) كنقد لينفقه، وموزون ونحوه ليأكله. قوله:(قرض) أي: أن هذا معنى القرض، وهو مغلب على اللفظ، كما تقدم، وعلم منه: أنه لو استعار ما ذكر لما يستعمل فيه مع بقائهِ، كنقد لوزنٍ وتحل، لم يكن قرضاً. قاله المصنف رحمه الله.
وَتَجِبُ إعَارَةُ مُصْحَفٍ لِمُحْتَاجٍ لِقِرَاءَةٍ عَدِمَ غَيْرَهُ وَتُكْرَهُ إعَارَةُ أَمَةٍ جمِيلَةٍ لِذَكَرٍ
قوله: (لمحتاجٍ لقراءةٍ) يعني: إن لم يحتج صاحبه إليه. قوله: (وتكره إعارة أمةٍ جميلةٍ
…
إلخ): وقيل تحرم. قال في «التنقيح» : وهو أظهر، ولا سيما لشاب خصوصا العزب. انتهى. قلت: الأولى أنه إن علم أو ظن الوقوع في محرم، حرم، كما في نظائره من بيع نحو عنب لمن ظن أنه يعصره خمرًا، وإلا كره، ثم رأيته قال في «الإقناع» ما نصه: وتحرم إعارتها وإعارة أمرد، وإجارتهما لغير مأمونٍ، قال في «شرحه»: لأنه إعانة على الفاحشة. انتهى. وهو موافق لما بحثناه. فتأمل. قال المصنف في «شرحه» : ومتى وطئها كان زانيا، وعليه الحد إن علم التحريم، ولسيِّدها المهر، طاوعت، أو لا، إن لم يأذن. انتهى، وكذا تحد الأمة إن طاوعته عالمةً بالتحريمِ، وولده رقيقٌ، وإن كان جاهلا، فلا حد، وولده حرٌّ يُلحق به، وعليه قيمتُه للمالك يومَ ولادِته إن لم يأذن مالك. قوله أيضاً على قوله: (أمةٍ جميلةٍ
…
إلخ) علم منه: أنها لو كانت شوهاء قبيحة المنظر، جازت إعارتها، وصرح به في «الإقناع» . ثم الجواز يحتمل نفي التحريم والكراهة، فلا ينافي أن أصلَ العارية الندب، ويحتمل أنه على ظاهره، فحينئذٍ تكمل للعاريةِ الأحكام الخمسة.
غَيْرِ مَحْرَمٍ واسْتِعَارَة أَصْلِهِ لِخِدْمَتِهِ وَصَحَّ رُجُوعُ مُعِيرٍ وَلَوْ قَبْلَ أَمَدٍ عَيَّنَهُ لَا فِي حَالٍ يَسْتَضِرُّ بِهِمُسْتَعِيرٌ فَمَنْ أَعَارَ سَفِينَةً لِحَمْلٍ، أَوْ أَرْضًا لِدَفْنِ مَيِّتٍ، أَوْ زَرْعٍ. لَمْ
فالواجب: إعارة المصحف لمحتاج لقراءة بشرطه. والمندوب: أكثر صورها. والمباح: إعارةُ الشوهاء ونحوها لذكر غير محرم. والمكروه: إعارة الجميلة بشرطها. والمحرم: إعارة مسلم لكافرٍ لخدمته. فتدبر. وإذا أطلق المدة في العارية، فله أن ينتفع بها ما لم يرجع، وإن وقَّتها، فله أن ينتفع بها ما لم يرجع أو ينقض الوقت. قوله أيضاً على قوله:(جميلة) أي: لا شوهاء وكبيرة لا تشتهى، أو لأنثى أو محرمٍ مطلقاً.
قوله: (غير محرم) أي: مطلقاً، سواء خلا بها، أو نظر إليها، أو لا. قوله:(لخدمته): مفهومه: لا يكره لغير خدمةٍ، كعملٍ.
قوله: (وصح رجوعُ معيرٍ) أي: في عاريةٍ. لم يقل: وجاز رجوع معير، مع توفية بالمقصود وزيادة؛ لأنه قد يوهم الصحة في قوله: (لا في حال
…
إلخ).
قوله: (أو أرضا؛ لدفن ميت أو زرع
…
إلخ) ينبغي تقييده بما إذا لم يؤخر الزرع عن مدة ينقص في مثلها، أو يتأخر بسببه تأخرًا غير متعارف، فيخير معير بين تركه بأجرته، أو أخذه بقيمته، ما لم يختر مستعير قلعَهُ، وتفريغها في الحال، على قياس ما تقدم في الإجارة، والله أعلم. وإذا نبش القبر لمسوغ، فطلب المعير نقله، فهل له ذلك؟
يَرْجِعْ حَتَّى تَرْسِي أَوْ يَبْلَى أَوْ يُحْصَدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ يُحْصَدُ قَصِيلًا وَكَذَا حَائِطٌ لِحَمْلِ خَشَبٍ لِتَسْقِيفٍ أَوْ سُتْرَةٍ قَبْلَ أَنْ يَسْقُطَ فَإِنْ سَقَطَ لِهَدْمٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُعَدْ إلَّا بِإِذْنِهِ أَوْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ الْحَائِطُ وَمَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِغَرْسٍ أَوْ لِبِنَاءٍ وَشَرَطَ قَلْعَهُ بِوَقْتٍ أَوْ رُجُوعٍ لَزِمَ عِنْدَهُ
قوله: (حتى ترسى) هو بالبناءِ للمفعولِ من أرسيت السفينة: حبستها بالمرساة. وأما المجرد، فليس مضارعه مكسور العين، لأنه واوي اللام مفتوح العين في الماضي، تقول: رسا الشيء، يرسوا رسوا ورسوا: ثبت، فهو راسٍ. وجبال راسية وراسيات ورواسٍ. قوله:(أو يبلى) يعني: بأن يصير رميماً، ولم يبق شيء من العظام. قوله:(قصيلا) أي: أخضر قبل أوان حصاده، فعلى مستعير قطعه في وقت جرت العادة بقطعه فيه إذا رجع المعير. قوله (أو سترة) أي: بعد أن بنى عليه، أو كانت لازمةً ابتداءً، كما تقدم في الصلح. قوله:(قبل أن يسقط) ولو بذل معير قيمة نقص القلع. قوله: (فإن سقط لهدم أو غيره
…
إلخ) ظاهره: ولو بهدم معير. قوله: (لم يعد) يعني: إن كان قد طالب برفعه. قوله: (أو عند الضرورة) يعني: كما تقدم في الصلح.
قوله: (بوقت) يعني: معيَّن، أي: فيه. قوله: (لزم عنده) أي: عند ما ذكر من الوقت والرجوع، ولا يضمن رب أرضٍ نقص مقلوع. قوله أيضاً على
لَا تَسْوِيَتُهَا بِلَا شَرْطٍ وَإِلَّا فَلِمُعِيرٍ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ قَلْعُهُ وَيَضْمَنُ نَقْصَهُ وَمَتَى اخْتَارَهُ مُسْتَعِيرٌ سَوَّاهَا فَإِنْ أَبَاهُمَا مُعِيرُ الْأَرْضِ والْمُسْتَعِيرُ مِنْ أُجْرَةِ وقَلْعٍ بِيعَتْ أَرْضٌ بِمَا
قوله: (لزم) أي: ولو لم يأمره معير بذلك.
قوله: (بلا شرط) أي: لتسوية، وبه يلزمه. قوله:(وإلا) أي: وإلا يشترط قلعه بوقتٍ أو رجوع، لم يجبر مستعير على قلع تضرَّر به، فإن أمكن القلع من غير نقصٍ، أجبر عليه، ومتى لم يمكن بلا نقص، ففيه تفصيل مذكور في المتن. قوله: (فلمعير
…
إلخ) أي: ما لم يختر مستعير قلعه، وتفريغها في الحال، كما يفهم من قول المصنف:(ومتى اختاره مستعير سواها)، وينبغي تقييده أيضاً بما إذا لم يكن البناء مسجدا أو نحوه، فلا يهدم، وتلزم الأجرة إلى زواله، كما تقدم نظيره في الإجارة. قوله:(بقيمته) أي: قهرًا، كالشفيع ولو مع دفع مستعير قيمةَ أرض، لأنها أصل، والغرسُ أو البناءُ تابع؛ بدليل تبعيتهما لها في البيع والشفعة. قوله:(ويضمن نقصه) أي: ومؤونة قلع على مستعيرٍ، كمستأجِرٍ، وكما لو لم يتضرر به، أو شرط القلع عليه. قوله:(ومتى اختاره مستعير) أي: مع بذل معير القيمة، ولم يكن القلع مشروطا عليه. قوله: (فإن أباهما معير
…
إلخ) أي: فإن أبى معيرٌ، أخذه بقيمته، وقلعه مع ضمان نقصه، قال ابن نصر الله في حواشي «المحرر»: فإن لم يفعلهما، ثم اختار بعد ذلك أحدهما، فهل له ذلك،
فِيهَا إنْ رَضِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا وَبِجَبْرِ الْآخَرِ ودَفَعَ لِرَبِّ الْأَرْضِ قِيمَتَهَا فَارِغَةً والْبَاقِي لِلْآخَرِ وَلِكُلٍّ بَيْعُ مَا لَهُ مُنْفَرِدًا وَيَكُونُ مُشْتَرٍ كَبَائِعٍ فَإِنْ أَبَيَاهُ تُرِكَ بِحَالِهِ وَلِمُعِيرٍ الِانْتِفَاعُ بِأَرْضِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِمَا فِيهَا وَلِمُسْتَعِيرٍ الدُّخُولُ لِسَقْيٍ
أو يكون تركه ذلك مجانا لازما له على الدوام؟ ينظر في ذلك، والأظهر: أن له ذلك أي وقت أراده. انتهى. قاله في «الحاشية» . قوله أيضا على قوله: (فإن أباهما معير
…
إلخ) لم يأتِ المصنف بالفاعل ضميرًا، كما فعل في المفعول؛ لئلا يوهم عوده إلى مستعير المذكور قبله.
قوله: (ويجبر الآخر) يعني: بطلب من رضي. قوله: (ودفع لرب الأرض
…
إلخ) من زيادته على «الإقناع» . قوله أيضًا على قوله: (ودفع لرب الأرض قيمتها فارغة
…
إلخ) هل تقدر الأرض مشغولة بغرس أو بناء مستحق القلع، أم تقدر خالية أصلاً؟ الأظهر: الثاني. قوله: (والباقي للآخر) وهو رب الغراس والبناء. قوله: (وإن أبياه ترك بحالِه) هذا تصريح بمفهوم قوله قبل: (بيعت أرض بما فيها إن رضيا). قوله: (ولمعير الانتفاع
…
إلخ) هذا مستأنف، أي: ولمعيرٍ في إعارة
…
إلخ، وكذا قوله:(ولمستعيرٍ)، والله أعلم.
وَإِصْلَاحٍ وَأَخْذِ ثَمَرٍ لَا لِتَفَرُّجٍ وَنَحْوِهِ وَلَا أُجْرَةَ مُنْذُ رَجَعَ إلَّا فِي الزَّرْعِ
قوله: (ونحوه) أي: كمبيتٍ. قوله: (ولا أجرة منذ رجع) أي: معير في نظير بقاء غرس أو بناء في معارة، ولا في سفينة في لجة بحر، أو في أرض لدفن قبل أن يبلى الميت؛ لأن بقاء هذه العارية إلى زوال الضرر. قال منصور البهوتي: ولا إذا أعار لغرس أو بناء، ثم رجع إلى تملكه بقيمته، أو قلعه مع ضمان نقصه. انتهى. ولو حذف قوله: إلى تملكه
…
إلخ، لكان أولى؛ لأنه قد يوهم أنَّ عليه الأجرة إذا لم يتملكه بقيمته، أو بقلعه مع ضمان نقصه، مع أن صريح كلامه أن لا أجرة له مطلقاً، لقوله بعد: ولأنه إذا أبى أخذ الغراس أو البناء بقيمته أو قلعه وضمان نقصه، فإبقاؤه في الأرض من جهته، فلا أجرة له كما قبل الرجوع. انتهى. وهو مقتضى قول المتن أيضاً:(وإن أبياه ترك بحاله)، والله أعلم. قوله:(إلا في الزرع) أي: إذا أعاره للزرع وزرع، ثم رجع المعير قبل أوان حصده - ولا يحصد قصيلا -، فله أجرة مثل الأرض من رجوعه إلى الحصاد؛ لوجوب تبقيته فيها قهرًا عليه؛ لأنه لم يرض بذلك، ولو استعار دابةً ليركبها إلى موضع معلومٍ، فجاوزَه، فقد تعدى؛ وعليه أجرة المثل للزائد خاصة.
وَإِنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى بَعْدَ رُجُوعِ أَوْ أَمَدِهَا فِي مُؤَقَّتَةٍ فَغَاصِبٌ وَالْمُشْتَرِي وَالْمُسْتَأْجِرُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَمُسْتَعِيرٍ وَمَنْ حَمَلَ سَيْلٌ إلَى أَرْضِهِ بَذْرَ غَيْرِهِ فلِرَبِّهِ مَبْقِيٌّ إلَى حَصَادٍ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ
قوله: (فغاصب) يعني: وقيل قول معيرٍ في قدْرِ مدةٍ، لأنَّ الأصل عدمها في الزائد. قوله:(والمشتري والمستأجر بعقدٍ فاسدٍ كمستعير)، ليس المراد: من كل وجه، بل في بعض الوجوه، كما أشار إليه منصور البهوتي بقوله: من أن البائع والمؤجر لا يملك قلع غرسه أو بنائه بلا ضمان نقص، لتضمنه - أي: العقد - إذناً. انتهى. فعلى هذا لو امتنع البائع والمؤجر من أخذه بقيمته، أو قلعه وضمان نقصه، وأبى المشتري أو المستأجر القلع، لزمه أجرة المثل، وأشار إليه منصور البهوتي بقوله أيضاً: لكن تقدَّم في الإجارةِ: يلزم المستأجر أجرة المثلِ مدة وضع يده، ويأتي في الغصب: أنَّه يلزم في المقبوض بعقدٍ فاسدٍ أجرة مثله.
قوله: (ومن حمل سيل إلى أرضه بذر غيره
…
إلخ) آثر «من» على «إن» ؛ لمحل عود الضمير من أرضه عليها، وهو لا يعود إلا على الأسماء. قوله:(مبقى) أي: عليه، ففيه الرابط، وإن كان يحصد قصيلا حصد، قاله الحارثي.
وَحَمَلَهُ لِغَرْسٍ أَوْ نَوًى وَنَحْوِهِ إلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَنَبَتَ كَغَرْسِ مُشْتَرٍ شِقْصًا يَأْخُذُهُ شَفِيعٌ وَإِنْ حَمَلَ أَرْضًا بِغَرْسِهَا إلَى أُخْرَى فَنَبَتَ كَمَا كَانَ فلِمَالِكِهَا وَيُجْبَرُ عَلَى إزَالَتِهَا وَمَا تُرِكَ لِرَبِّ الْأَرْضِ سَقَطَ طَلَبُهُ بِسَبَبِهِ
قوله: (يأخذه شفيع) بجامع عدم التعدي، فلرب الأرض أخذه بقيمتِه، أو قلعه مع ضمانِ نقصِه. قوله:(ويجبر على إزالتها) صرَّحوا في حكم الجوار؛ بأن رب الشجر لا يجبر على إزالة عروق شجره وأغصانها من أرض جاره وهوائها؛ لأنه حصل بغير اختيار مالكها، والفرق بين ذلك وما هنا، أنَّ ما حصل هنا، يمنع الانتفاع بالكلية بخلاف الأغصان والعروق. قوله:(وما ترك لرب الأرض سقط طلبه بسببه) فإذا كانت كلفة نقلِه تزيد على ثمنه، فهل يسقط حتى في هذه الحالة، أم لا؟ . قوله أيضًا على قوله:(بسببه) أي: فلا يطالب بأجرةٍ ولا نقلٍ ولا غيره.
فائدة: من إملاء شيخنا محمد البهوتي، والكلام لغيره: يؤخذ من نص الإمام، الفرق بين العاريةِ والعينِ المؤجرةِ، من كون المؤجرة لا يلزمه ردها، والمعارة يلزمه ردها، فإنه لما كان النفع في العارية مختصًا بالمستعير، ألزم بالرد، ولما كان النفع في الإجارة مشتركًا بين المؤجر والمستأجر من حيث أخذ المؤجر العوض في مقابلة المنفعةِ، لم يلزم فيها الرد. انتهى.
فَصْلٌ
وَمُسْتَعِيرٌ فِي اسْتِيفَاءِ نَفْعٍ مُعَارَةٍ كَمُسْتَأْجِرٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يُعِيرُ وَلَا يُؤَجِّرُ إلَّا بِإِذْنِ
قوله: (ومستعير في استيفاء
…
إلخ) أي: في حكمِ استيفاء نفع معارةٍ بنفسه أو نائبه. قوله: (كمستأجر) يعني: ولا يشترط تعيين نوع الانتفاع، فينصرف إلى المعروف. قوله: (إلا أنه
…
إلخ) عبارة «الإقناع» : إلا أنهما يختلفان في شيئين:
أحدهما: أن المستعير لا يملك الإعارة ولا الإجارةَ.
والثاني: الإعارة لا يشترط لها تعيين نوعِ الإنتفاعِ، فلو أعاره مطلقاً، ملك الانتفاع بالمعروف في كل ما هو مهيَّأ له، كالأرض مثلا تصلح للبناء، والغراس، والزراعة، والارتباط، وله انتساخ الكتاب المعار، ودفع الخاتم المعار إلى من ينقش له على مثالِه. انتهى. قوله:(إلا بإذن) ولا يضمن مستأجر من مستعير، وعكسه تلفت عين عنده بلا تعدٍّ ولا تفريط، وتقدَّم في الإجارة.
فائدة: ملخص ما ذكروه من عدمِ ضمان العارية، ثلاث صور: غير المقبوضة، كلحاف الضيف والكتب ونحوها. والموقوفة على غير معيَّن. والمستعارة من المستأجر.
فَإِنْ خَالَفَ فَتَلِفَتْ عِنْدَ الثَّانِي ضَمَّنَ وَالْقَرَارُ عَلَى الثَّانِي إنْ عَلِمَ وَإِلَّا ضَمِنَ الْعَيْنَ فِي عَارِيَّةٍ وَيَسْتَقِرُّ ضَمَانُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْعَوَارِيّ الْمَقْبُوضَةُ غَيْرُ وَقْفٍ كَكُتُبِ عِلْمٍ وَنَحْوِهَا تَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ
قوله: (ضمن أيهما شاء) أي: من المستعير، والآخذ منه، قيمة العين، أو أجرتها. قوله:(على الأوّل) والإجارة بعكسها. قوله: (المقبوضة) بخلاف رديف. قوله: (غير وقفٍ ككتب علمٍ
…
إلخ) فلو كانت برهن فتلفتْ، رجع الرَّهن إلى ربِّه؛ لعدم صحة أخذ الرهن عليها، على ما تقدم في الرهن، لأنها أمانة، فَيَردُّ الرهن لربِّه مطلقا، وإن فرط لفساده، قاله في «شرح الإقناع» ، وقوله: وإن فرَّط، أي: في كتب العلم ونحوها، فضمانه لها بالتفريط غير مستلزم؛ لصحة الرهن. قوله أيضاً على قوله: (غير وقف
…
إلخ) مقتضى تعليل المصنف في «شرحه» أن ذلك مقيدٌ بما إذا كان الوقف على غير معين، فلو كان على معين وتلف، ضمنه مستعيره، كالمطلق. قال في «شرح الإقناع»: وهو ظاهر، ولم أره. انتهى. قوله:(ونحوها) كأدرع موقوفة على الغزاةِ. قوله: (تلفت) صفةٌ لكتبٍ وما عطف عليها. قوله: (بلا تفريط) بأن سرقت من حرزٍ.
مَضْمُونَةٌ بِخِلَافِ حَيَوَانٍ مُوصَى بِنَفْعِهِ بِقِيمَةٍ مُتَقَوِّمَةٍ يَوْمَ تَلِفَ وَمِثْلُ مِثْلِيَّةٍ وَيَلْغُو شَرْطُ عَدَمِ ضَمَانِهَا كَشَرْطِ ضَمَانِ أَمَانَةٍ وَلَوْ أَرْكَبَ دَابَّتَهُ مُنْقَطِعًا لِلَّهِ، فَتَلِفَتْ تَحْتَهُ لَمْ يَضْمَنْ كَرَدِيفِ رَبِّهَا ورَائِضٍ ووَكِيلِ وَمَنْ قَالَ لَا أَرْكَبُ إلَّا بِأُجْرَةٍ فَقَالَ مَا آخُذُ أُجْرَةً فَعَارِيَّةٌ أَوْ اسْتَعْمَلَ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ رَبِّهَا فَعَارِيَّةٌ
قوله: (مضمونة) أي: مطلقاً. قوله: (بخلاف حيوانٍ) من زيادته على «الإقناع» . ولعل غيره. كذلك. قوله: (موصىً بنفعه) أي: بلا تفريط. قوله: (يوم تلف
…
إلخ) يعني: وقت التلف لا خصوص النهار. قال في «المصباح» : العرب قد تُطلقُ اليوم وتريد الوقت والحين، نهارًا كان أو ليلاً، فتقول: ذخرتك لهذا اليوم، أي: لهذا الوقت الذي افتقرتُ إليك فيه. ولا يكادون يفرقون بين يومئذٍ، وحينئذٍ، وساعتئذٍ. انتهى. وهذا يؤيد قوله في «شرح الإقناع»: ولعل المراد بيوم التلف. وقتُه، ليلاً كان أو نهارًا. انتهى. قوله:(ولو أركب دابته) أي: أو غطى ضيفَه بنحو لحاف، فتلف، لم يضمنه. قوله:(ورائضٍ) وهو: معلِّمها السير. قوله: (أو استعمل المودع) من زيادته أيضاً على «الإقناع» .
وَلَا يَضْمَنُ وَلَدَ عَارِيَّةً سُلِّمَ مَعَهَا وَلَا زِيَادَةً عِنْدَهُ كَمُؤَجَّرَةً بِلَا قَيْدٍ وَلَا هِيَ أَوْ جُزْؤُهَا بِاسْتِعْمَالٍ بِمَعْرُوفٍ
قوله: (ولا يضمن ولد عارية
…
إلخ) ولم يقل هو وقت عارية معار، كما أن الحمل وقت بيع مبيع؛ لأنَّ العارية ترد على المنفعة، والحمل والولد لا منفعة لهما، بخلاف البيع، فإنه على العين وكل من الحمل والولد عين، كما أشار إليه في «شرح الإقناع». وقوله:(ولا زيادة عنده) علم منه: أن الزيادة لو كانت موجودة عند العقد، كما لو كانت الدابة سمينة، فهزلت عند المستعير، أنه يضمن نقصها. قال في «شرح الإقناع»: قلت: إن لم تذهب في الاستعمال بالمعروف، أو بمرور الزمان. انتهى. قوله:(عنده) أي: حدثت. قوله: (بلا تعد) أي: منهما. قوله: (ولا هي أو جزؤها
…
إلخ) اعلم: أن العارية إذا تلفت كلها باستعمالها بمعروفٍ، كثوبٍ بلي بمرور الزمان عليه، مع أنه لم يستعمله إلا بالمعروف، كاللبس مثلاً، أو تلف جزء منها كذلك، كحمل منشفة - وهي: خرقةٌ يمسح بها ماء الجسد - وخمل طنفسةٍ وهي: بساطٌ له خمل رقيق، وهو كفلس: الهدب، أو تلفت الزيادة التي حصلت عند المستعير، فإنه لا يضمن كل ذلك، وعبارة ابن نصر الله: فعلى هذا لو ماتت بالانتفاع بالمعروف، فلا ضمان. وعلم من قوله
وَيُقْبَلُ قَوْلُ مُسْتَعِيرٍ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ رَدِّهَا كَمَغْصُوبٍ لَا مُؤْنَتُهَا عِنْدَهُ وَيَبْرَأُ بِرَدِّ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا إلَى مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ عَلَى يَدِهِ كَسَائِسِ وَخَازِنٍ وَزَوْجَةٍ وَوَكِيلٍ عَامٍّ فِي قَبْضِ حُقُوقِهِ وَلَا بِرَدِّهَا لَى إصْطَبْلِهِ أَوْ غُلَامِهِ وَمَنْ سَلَّمَ لِشَرِيكِهِ الدَّابَّةَ فَتَلِفَتْ بِلَا تَفْرِيطٍ أَوْ تَعَدٍّ لَمْ يَضْمَنْ.
بالمعروف: أنه لو حَمَلَ في الثوب تراباً فتلف، أو استعمل ما استعاره في غير ما يستعمل فيه مثله، فإنه يضمن ما نقص من أجزائها بهذه الاستعمالات. ولو جرح ظهر الدابة بالحمل، وجب الضَّمان، سواء كان الحمل معتادا أو لا؛ لأنه غير مأذون فيه، ذكره الحارثي. قاله في «شرح الإقناع» .
قوله: (إنه لم يتعدَّ) يعني: الاستعمال بالمعروف؛ لأنَّه مُنكِرٌ، ويبرأ من ضمانها. قوله:(كمغصوب) يعني: إلى موضع أخذهما إلا باتفاقهما. قوله: (عنده) أي: كمؤجرة. قوله: (ويبرأ بردِّ) بضبطه. قوله: (وغيرِها) من العوارِي. ككتابٍ. قوله (أو غلامِه) وهو خادمُه حرًا كان أو عبدًا. قوله: (لم يضمن) فإن آذنه في الاستعمال، فعاريةٌ، ما لم يكن في نظير نفقتها.
فَصْلٌ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ آجَرْتُك قَالَ بَلْ أَعَرْتنِي قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ. فَقَوْلُ قَابِضٍ وبَعْدَهَا فَقَوْلُ مَالِكٍ فِيمَا مَضَى ولَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ زَرَعَ عَارِيَّةً وَقَالَ رَبُّهَا إجَارَةً وأَعَرْتنِي أَوْ آجَرْتنِي. فَقَالَ غَصَبْتَنِي أَوْ أَعَرْتُك، فَقَالَ بَلْ آجَرْتنِي وَالْبَهِيمَةُ
فصل في اختلاف المالك مع القابض
قوله: (وإن اختلفا) أي: المالك والقابض. قوله: (بل أعرتني) يعني: والعين قائمة لم تتلف. قوله: (فقول قابضٍ) وعكسُها بعكسها. قوله: (وله أجرة المثل) أي: سواء كانتِ العينُ قائمة، أو كانت تالفةً في الصُّورة المذكورة، أعني: ما إذا قال المالكُ: أجرتكها، وقال القابض: أعرتنيها، وعند التلف لا يستحق المالك المطالبةَ بالقيمة، لإقراره بما يسقط ضمانها، ولا نظر إلى إقرارِ المستعير، لأنَّ المالك ردَّه بإقراره بالإجارة، فله الأجرة فقط.
قوله: (وكذا لو ادَّعى
…
إلخ) من زيادته على «الإقناع» والأصل لتقي الدين، رحمه الله تعالى. قوله:(فقال: غصبتني) أي: والبهيمة تالفة، فالقيد في كلام المصنف في الصُّور الثلاث، ثمَّ فيما إذا ادَّعى القابض العارية، والمالك ُالغصب، هما متفقان على ضمان العين، مختلفان في الأجرة، وفي دعوى القابضِ الإجارة، والمالك الغصب، هما متفقان على
تَالِفَةٌ أَوْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهَا فَقَوْلُ مَالِكٍ وَكَذَا أَعَرْتنِي أَوْ جَرْتنِي: فَقَالَ غَصَبْتَنِي فِي الْأُجْرَةِ رَفْعِ الْيَدِ وأَعَرْتُك فَقَالَ أَوْدَعْتنِي فَقَوْلُ مَالِكٍ وَلَهُ قِيمَةُ تَالِفَةٍ وَكَذَا فِي عَكْسِهَا وَلَهُ أُجْرَةُ مَا انْتَفَعَ بِهَا
وجوب الأجرة، مختلفان في ضمان العين، وفي الثالثة لم يتفقا على شيءٍ، والقولُ قولُ المالك في الصور الثلاث، ففي صورتي دعوى الغصب، له القيمة والأجرة، وفي دعواه العارية، والقابضِ الإجارة له قيمة العين، هذا إذا كان ما يَدَّعِيهِ المالك من القيمة أكثر مما يعترف به القابض من الأجرة، وإلا فقول القابض بغيرِ يمينٍ، كما في «الشرح الكبير» .
قوله: (فقولُ مالكٍ) أي: بيمينه في الأربع. قوله: (وكذا: أعرتني) أي: كالأوليتين مع تَلفِ العين. قوله: (أو: آجرتني) يعني: والبهيمة قائمة. قوله: (فقال: غصبتني) أي: والعين قائمة بقرينة. قوله: (ورفع اليد) ولئلا يتكرر مع ما قبله، سواءٌ كان ذلك قبل مضي مدةٍ لها أجرة أو بعدها، وقول المصنف:(في الأجرة) يعني: في الصورة الثانية، أعني: بعد مضي ما له أجرة، وليس قرينةً على تخصيصِ كلامِه بالصُّورة الثانية؛ إذ لا خصوصية لها بقبول قول المالِك فيها، بل بوجوبِ الأجرةِ. فتنبه. قوله:(ورفع اليد) أي: استحقاق انتزاع العين فيه. قوله: (وأعرتك) أي: أو غصبتني. قوله: (فقول مالك) أي: بيمينه.