المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الإجارة: عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مَعْلُومَةٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً مِنْ عَيْنٍ - حاشية ابن قائد على منتهى الإرادات - جـ ٣

[ابن قائد]

الفصل: ‌ ‌باب الإجارة: عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مَعْلُومَةٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً مِنْ عَيْنٍ

‌باب

الإجارة:

عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مَعْلُومَةٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً مِنْ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ أَوْ عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ وَالِانْتِفَاعُ تَابِعٍ

باب الإجارة

لغة: المجازاة، يقال: آجره على عمله، إذا جازاه عليه. وشرعا: ما ذكره المصنف. قوله: (مباحة) أي: لا محرمة، كزنا وزمر. قوله:(معلومة) أي: لا مجهولة، ثم هي ضربان، أشير إلى الأول منها بقوله: (مدة معلومة من عين

إلخ)، وإلى الثاني بقوله:(أو عمل معلوم). وقوله (بعوض معلوم). راجع للضربين، فهو متعلق بـ (عقد)، فعلمت: أن المعقود عليه المنفعة لا العين، خلافا لأبي إسحاق المروزي، لأن المنفعة هي التي تستوفى، والأجر في مقابلتها، ولهذا تضمن دون العين، وإنما أضيف العقد إلى العين؛ لأنها محل المنفعة ومنشؤها، كما يضاف عقد المساقاة إلى البستان، والمعقود عليه الثمرة، على أنه لو أضيف إلى المنفعة، كما لو قال: أجرتك منفعة داري، لجاز. وقوله:(والانتفاع تابع) يعني: أن الانتفاع من قبيل المستأجر تابع للمنفعة المعقود عليها ضرورة، إذ المنفعة لا توجد عادة إلا عقبه، وهذه من زيادته على "الإقناع".

ص: 64

وَيُسْتَثْنَى مِنْ شَرْطِ الْمُدَّةِ صُورَةٌ تَقَدَّمَتْ فِي الصُّلْحِ ومَا فَعَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيمَا فُتِحَ عَنْوَةً وَلَمْ يُقْسَمْ وَهِيَ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْعَرَايَا وَالشُّفْعَةُ وَالْكِتَابَةُ وَنَحْوُهَا مِنْ الرُّخَصِ الْمُسْتَقِرِّ حُكْمُهَا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْأَصَحُّ لَا

قوله: (صورة تقدمت في الصلح) وهي: أن يصالحه على إجراء مائه في أرضه أو سطحه، فلا يعتبر فيها تقدير المدة، للحاجة، كنكاح. قوله:(ولم يقسم) وأركانها خمسة: المتعاقدان، والعوضان، والصيغة. قوله:(ونحوها) كالسلم. قوله: (والأصح لا) هذا التصحيح لصاحب ((الفروع)) وتبعه المنقح عليه، وتبعهما المصنف، وجزم به في "الإقناع" فقال عن هذه الأمور: إنها من الرخص المستقر حكمها على وفق القياس. انتهى. قال في "الفروع": لأن من لم يخصص العلة، لا يتصور عنده مخالفة قياس صحيح، ومن خصصها، فإنما يكون الشيء خلاف القياس إذا كان المعنى المقتضي للحكم موجودا فيه وتخلف الحكم عنه. انتهى. قوله: لأن من لم يخصص العلة، أي: من قال: لا يعتبر اطرادها بأن توجد ويتخلف الحكم، كالماء فإن علة الربا _ وهي الكيل _ موجودة فيه، وتخلف الحكم عنها، فإنه ليس ربويا، كما تقدم. قاله منصور البهوتي في مناهي "شرح الإقناع".

ص: 65

وَتَنْعَقِدُ بِلَفْظِ إجَارَةٍ وكِرَاءٍ ومَا بِمَعْنَاهُمَا وبِلَفْظِ بَيْعٍ إنْ لَمْ يُضَفْ إلَى الْعَيْنِ

فَصْلٌ

وَشُرُوطُهَا ثلاثة

الأول: مَعْرِفَةُ مَنْفَعَةٍ إمَّا بِعُرْفٍ كَسُكْنَى دَارٍ شَهْرًا وَخِدْمَةِ آدَمِيٍّ سَنَةً أَوْ بِوَصْفٍ كَحَمْلِ زُبْرَةِ حَدِيدٍ وَزْنُهَا كَذَا إلَى مَحَلِّ كَذَا أَوْ بِنَاءِ حَائِطٍ يَذْكُرُ طُولَهُ وعَرْضَهُ وَسَمْكَهُ وَآلَتَهُ

قوله: (وكراء) الكراء بالمد: الأجرة، وهو مصدر في الأصل من: كاريته كراء، من باب: قاتل، والفاعل مكار على النقص، والجمع مكارون مثل قاضون، ومكاريون، بالتشديد، خطأ. "مصباح".

قوله: (معرفة منفعة) لأنها المعقود عليها، فاشترط العلم بها، كالمبيع. والعرف: ما يتعارفه الناس بينهم. قوله: (وبناء حائط) البناء تارة يقدر بالزمان كيوم، وتارة بالعمل، كما ذكر المصنف من بناء حائط صفته كذا، أو دار صفتها كذا، فلو بناه ثم سقط، فله الأجرة، إلا إن سقط بتفريطه، نحو إن بناه محلولاً، فعليه إعادته، وغرم ما تلف به. قوله:(يذكر طوله) وموضع الحائط أيضا. قوله: (وسمكه) أي: علوه. قوله: (وآلته) يعني: من طينٍ أو غيره.

ص: 66

وأَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ لِزَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ مَعْلُومٍ أَوْ لِزَرْعِ أَوْ غَرْسِ مَا شَاءَ أَوْ لِزَرْعِ وَغَرْسِ مَا شَاءَ أَوْ لِزَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ وَيَسْكُتُ أَوْ يُطْلِقُ وتَصْلُحُ لِلْجَمِيعِ

قوله: (وأرض معينة لزرع

إلخ) اعلم: أن هذه المسألة تشتمل على أربع وستين صورة، وذلك لأنه إما أن يؤجرها للزرع وحده، أو للغرس وحده، أو للبناء وحده، أو لاثنين منها، أو للثلاثة، أو يؤجرها ويطلق؛ بأن يقول: أجرتك هذه الأرض، ويسكت. وهي تصلح للجميع، ففيما إذا أجرها للزرع وحده، إما أن يخصص؛ بأن يقول: لزرع بر مثلا، أو يعمم، بأن يقول: لزرع ما شئت، أو يطلق؛ بأن يقول: للزرع، ويسكت، وكذا في الغرس والبناء، فهذه تسع صور، فيما إذا أجرها لأحد الثلاثة، وإذا أجرها لاثنين، فإما أن يؤجرها للزرع مع الغرس ويخصص فيهما، أو يعمم فيهما، أو يطلق فيهما، أو يخصص في الزرع، ويعمم في الغرس، أو يطلق. أو يعمم في الزرع ويخصص. أو يطلق في الغرس. أو يطلق في الزرع ويخصص. أو يعمم في الغرس. فهذه تسع صور أيضا. وإما أن يؤجرها للزرع مع البناء، وفيها تسع كذلك. وإما أن يؤجرها للغرس والبناء. وفيها تسع أيضا. فهذه سبع وعشرون صورة، فيما إذا جمع بين اثنين تضمها إلى التسع قبلها، تصير

ص: 67

ولِرُكُوبٍ، مَعْرِفَةُ رَاكِبٍ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ وَذِكْرِ جِنْسِ مَرْكُوبٍ كَمَبِيعٍ ومَا يَرْكَبُ بِهِ مِنْ سَرْجٍ وَغَيْرِهِ وكَيْفِيَّةِ سَيْرِهِ مِنْ هِمْلَاجٍ

ستاً وثلاثين، وإذا أجرها للثلاثة، فإما أن يخصص، أو يعمم، أو يطلق في الكل، وإما أن يخصص في الزرع ويعمِّم، أو يطلق في الآخرين، أو يعمم في الغرس ويطلق في البناء، أو بالعكس، وإما أن يعمم في الزرع ويخصص أو يطلق في الآخرين، أو يخصص في الغرس ويطلق في البناء، أو بالعكس، وإما أن يطلق في الزرع ويخصِّص، أو يعمم في الآخرين، أو يخصص في الغرس ويعمم في البناء، أو بالعكس، وإما أن يخصص في الغرس ويعمم، أو يطلق في الآخرين، وإما أن يعمم في الغرس ويخصص أو يطلق في الآخرين. وإما أن يطلق في الغرس، ويخصِّص أو يعمم في الآخرين، وإما أن يخصص في البناء، ويعمم أو يطلق في الآخرين، وإما أن يعمِّم في البناء، ويخصص أو يطلق في الآخرين، وإما أن يطلق في البناء، ويخصص أو يعمم في الآخرين، فهذه سبع وعشرون صورة، فيما إذا جمع بين الثلاثة ضمَّها إلى ما قبلها تصير ثلاثا وستين صورة، والرابعة والستون أن يؤجر الأرض ويطلق. فتدبر ذلك. والله أعلم. قوله أيضا على قوله:(وأرض معينةٍ) يعني: برؤية لا وصف.

قوله: (كمبيع) يعني: إن لم يكن مرئيا. قوله: (من هملاج) هملج البرذون هملجة: مشى مشية سهلة في سرعة. وقال في ((مختصر العين)): الهملجة: حسن سير الدابة. وقالوا في اسم الفاعل: هملاج بكسر الهاء، للذكر

ص: 68

وَغَيْرِهِ لَا ذُكُورِيَّتِهِ أَوْ أُنُوثِيَّتِهِ أَوْ نَوْعِهِ ولِحَمْلِ مَا يَتَضَرَّرُ كَخَزْفٍ وَنَحْوَهُ مَعْرِفَةُ حَامِلِهِ وَمَعْرِفَتُهُ لِمَحْمُولٍ بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ وَذِكْرُ جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ ولِحَرْثٍ مَعْرِفَةُ أَرْضٍ

فَصْلٌ

الثَّانِي مَعْرِفَةُ أُجْرَةٍ فَمَا بِذِمَّةٍ كَثَمَنٍ وَمَا عُيِّنَ كَمَبِيعٍ وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَارٍ بِسُكْنَى أُخْرَى وخِدْمَةٍ وتَزَوُّجٍ مِنْ مُعَيَّنٍ

والأنثى، وهو يقتضي أن اسم الفاعل لم يجيء على قياسه، وهو: مُهملج. قاله في ((المصباح)). وقال المطرزي: البرذون: التركي من الخيل، وهو خلاف العراب.

قوله: (أو نوعه) أي: كعربي أو بردون في الفرس. قوله: (ولحمل ما يتضرر

إلخ) أي: يخشى عليه التكسر إذا حمل. قوله: (ونحوه) كزجاج. قوله: (معرفة حامله) يعني: من آدمي، أو بهيمة. قوله:(أو صفة) إن كان نحو خزف. قوله: (وقدره) إن لم يكن كذلك. قوله: (معرفة أرض) أي: برؤية فقط.

قوله: (كمبيع) يعني: معين، فتكفي مشاهدة نحو صبرة. قوله:(وتزويج من معين) أي: شخص، أي: امرأة معينة.

ص: 69

وحُلِيٍّ بِأُجْرَةٍ مِنْ جِنْسِهِ وأَجِيرٍ وَمُرْضِعَةٍ بِطَعَامِهِمَا وَكِسْوَتِهِمَا وَهُمَا فِي تَنَازُعٍ كَزَوْجَةٍ

قوله: (من جنسه) للبس أو عارية. قوله: (وأجير) وإن شرط للأجير إطعام غيره وكسوته موصوفاً. جاز. ويكون للأجير، إن شاء أطعمه، وإن شاء تركه، وإن لم يكن موصوفاً، لم يصح، وإنما جاز للأجير، للحاجة إليه. قاله في ((الإقناع)). و"شرح" المصنف: وإن استغنى الأجير

بطعام نفسِه أو غيره، أو عجز عن الأكل لمرض أو غيره، لم تسقط نفقته

كالدَّراهم.

وإذا دفع للأجير الطعام، فأحب أن يبقي بعضه لنفسه، فإن كان

دفع له أكثر من الواجب ليأكل قدر حاجته،

أو كان في تركه

ضرر على المؤجر، بضعف الأجير عن العمل، أو بتقليل لبن الظئر، لم يجز.

وإذا دفع إليه قدر الواجب فقط أو أكثر، وملَّكه إياه، ولم يكن في تفضيله لبعضه ضررٌ بالمؤجر، جازَ.

وإن قدَّم إليه طعامًا فنهب أو تلف قبل أكله، ضمن أجير خص، لا على مائدة لا تخصه. قوله:(ومرضعة) أي: أم أو غيرها. قوله: (وكسوتهما) أي: وإن لم يوصفا، أو مع دراهم معلومة. قوله:(وهما في تنازع) أي: مع مستأجر في صفة طعام أو كسوة. قوله: (كزوجة) أي: فلهما نفقة وكسوة مثلهما.

ص: 70

وَسُنَّ عِنْدَ فِطَامٍ لِمُوسِرٍ اسْتَرْضَعَ أَمَةً إعْتَاقُهَا وحُرَّةً إعْطَاؤُهَا عَبْدًا أَوْ أَمَةً

قوله: (وسن عند فطام

إلخ) هل ذلك من مال الصبي الموسر، أو مال وليه، وهل المسترضع ولي الطفل، أو من تلزمه الأجرة؟ تردد في ذلك ابن نصر الله، قال: وهذا مثل التضحية عن اليتيم، قال: وذكروا في غرة الجنين خلافاً في تقديرها بسبع سنين، ويتوجه في غرة الظئر مثل ذلك.

"حاشية". وفي ذلك وجه بالوجوب. وأقول: المتبادر من كلام المصنف أن الغرة من مال المسترضع، لا من مال الولد، ويؤيده قول الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يذهب عني مذمة الرضاع. ولم يقل ما يذهب عن ولدي؟ ويفرق بين الغرة والتضحية، بأن التضحية يعقلها اليتيم ويأكلها كلها.

قوله: (استرضع أمة) أي: لنحو ولده. قوله: (عبداً أو أمة) قال الشيخ: لعل هذا في المتبرعة.

ص: 71

وَالْعَقْدُ عَلَى الْحَضَانَةِ وَاللَّبَنُ تَبَعٌ وَالْأَصَحُّ اللَّبَنُ وَإِنْ أُطْلِقَتْ أَوْ خُصِّصَ رَضَاعٌ لَمْ يَشْمَلْ الْآخَرَ وَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى رَضَاعٍ أَوْ مَعَ حَضَانَةٍ انْفَسَخَ بِانْقِطَاعِ اللَّبَنِ وَشُرِطَ مَعْرِفَةُ مُرْتَضِعٍ وأَمَدِ رَضَاعٍ ومَكَانِهِ

قوله: (والعقد على الحضانة) أي: خدمة المرتضع من حمله، ودهنه، ووضع الثدي في فمه، ونحوه. قوله:(واللبن تبع) كصبغ صباغ. قوله: (والأصح اللبن) قاله المنقح؛ لأنه المقصود، وجواز الإجارة عليه رخصة؛ للضرورة إلى حفظ الآمدي. قوله: (وإن أطلقت

إلخ) يعني: أنه إذا خصص أحد الأمرين من الرضاع والحضانة، لم يشمل الآخر، وهذا تفريع على الأصح؛ من أن اللبن هو المعقود عليه. وفي "تصحيح الفروع": الصواب الرجوع إلى العرف. فتدخل الحضانة في الرضاع. وجزم به في "الإقناع". قوله أيضاً على قوله: (وإن أطلقت) أي: حضانة؛ بأن استأجرها لحضانة. قوله: (على رضاع) أي: وحده. قوله: (وشرط

إلخ) أي: ثلاثة شروط غير ما تقدم. قوله: (معرفة مرتضع) أي: برؤية. قوله: (ومكانه) يعني: في بيتها أو بيته.

ص: 72

لَا اسْتِئْجَارُ دَابَّةٍ بِعَلَفِهَا أَوْ مَنْ يَسْلُخُهَا بِجِلْدِهَا أَوْ يَرْعَاهَا بِجُزْءٍ مِنْ نَمَائِهَا وَلَا طَحْنِ كُرٍّ بِقَفِيزٍ مِنْهُ وَمَنْ أَعْطَى صَانِعًا مَا صَنَعَهُ أَوْ اسْتَعْمَلَ حَمَّالًا أَوْ نَحْوَهُ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَوْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِأَخْذِ وَكَذَا رُكُوبُ سَفِينَةٍ وَدُخُولُ

قوله: (بعلفها) أي: أو مع دراهم ولو معلومة، إلا أن يذكر قدره وصفته من شعير وغيره بحيث لا يختلف. قوله:(بجلدها) لأنه لا يعلم هل يخرج سليماً أو لا؟ وهل هو ثخين أو رقيق؟ ولأنه لا يجوز أن يكون عوضا في البيع، فكذا هنا، ومسألة طحن قمح بنخالته، وعمل السمسم شيرجاً بالكسب الخارج منه، وحلج القطن بالحب الذي يخرج منه، فلا يصح للجهالة بالأجرة؛ لأنه لا يعلم ما يخرج منه. قوله:(ولا طحن كر بقفيز منه) أي: وله أجر مثله في الصور الأربع. قوله أيضاً على قوله: (بقفيز منه) أي: من المطحون لجهل بقية الدقيق، فكأنه استأجره لطحن مجهول القدر، وعلى هذا يحمل النهي عن قفيز الطحان. وعلم منه: أنه لو جعل له قفيزاً من الحب، أنه يصح، كما لو جعل له جزءاً مشاعاً من المطحون أو من الحب. فتدبر. قوله:(فله أجر مثله) لأن الأصل في قبض مال الغير

ص: 73

حَمَّامٍ وَمَا يَأْخُذُ حَمَّامِي فَأُجْرَةُ مَحَلٍّ وَسَطْلٍ وَمِئْزَرٍ وَالْمَاءُ تَبَعٌ وإنْ خِطْته الْيَوْمَ ورُومِيًّا فَبِدِرْهَمٍ وغَدًا أَوْ فَارِسِيًّا فَبِنِصْفِهِ أَوْ إنْ زَرَعْتَهَا بُرًّا فَبِخَمْسَةٍ وذُرَةً فَبِعَشَرَةٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ وإنْ رَدَدْتهَا الدَّابَّةَ الْيَوْمَ فَبِخَمْسَةٍ وغَدًا فَبِعَشَرَةٍ أَوْ عَيَّنَا زَمَنًا وَأُجْرَةً ومَا زَادَ فَلِكُلِّ يَوْمٍ كَذَا صَحَّ لَا لِمُدَّةِ غَزَاتِهِ فَلَوْ عُيِّنَ لِكُلِّ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ شَيْءٌ أَوْ اكْتَرَاهُ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ أَوْ عَلَى حَمْلِهِ زُبْرَةً إلَى مَحَلِّ كَذَا عَلَى أَنَّهَا عَشَرَةُ أَرْطَالٍ وَإِنْ زَادَتْ فَلِكُلِّ رِطْلٍ دِرْهَمٌ صَحَّ

أو منفعته الضمان، إلا بعقد أو شرط أو تعويض. وهذا في المتنصب لذلك، وإلا فلا شيء له. قال شيخنا محمد الخلوتي: قد يقال: في كلام المصنف ما يشير إلى اعتبار ذلك القيد حيث لاحظ الوصف العنواني بقوله: (صانعاً) أو (حمالاً) دون أن يقول شخصاً. انتهى.

قوله: (أو عيناً زمناً) الزمان: مدة قابلة للقسمة، ولهذا يطلق على القليل والكثير، والجمع: أزمنة، والزمن مقصود منه، وجمعه: أزمان، كسبب وأسباب، وقد يجمع على أزمن. "مصباح".

قوله: (أو على حمل زبرة

إلخ) يعني: صح العقد في العشرة بالمسمى، وأما الزائد على العشرة، فله أجر المثل فيه، وافق المسمى أو زاد عليه،

ص: 74

وَلِكُلٍّ الْفَسْخُ أَوَّلُ كُلِّ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ فِي الْحَالِ

فَصْلٌ

الثَّالِثُ كَوْنُ نَفْعٍ مُبَاحًا بِلَا ضَرُورَةٍ

أو نقص عنه، كما يفهم ذلك من "الإقناع 83" وعبارة المصنف ممكنة الحمل على ذلك، كما ذكره في "شرح الإقناع".

قوله: (ولكل الفسخ) مفهومه: أنه إذا لم يفسخ أحدهما بعد دخول الشهر على الفور، فإنه يلزمهما حكم الإجارة. وصرح به في "الإقناع": ولو آجره داراً أو نحوها شهراً غير معين، لم يصح، للجهالة. ولو قال: أجرتك هذا الشهر بكذا، وما زاد فبحسابه، صح في الأول، وأجرتك داري عشرين شهراً، كل شهر بدرهم، صح، ولا فسخ لواحد منهما. قوله:(في الحال) أي: على الفور.

قوله: (كون نفع

إلخ) اعلم: أن محصل ما يعتبر في النفع سبعة أمور: الإباحة، وإطلاقها. والثالث: أن يكون مقصوداً عادة. والرابع: كونه متقوماً، أي: له قيمة. والخامس: أن يمكن استيفاؤه مع بقاء العين.

والسادس: القدرة عليه. والسابع: أن يكون النفع للمستأجر. فتدبر. قوله: (مباحاً) بخلاف زنا وزمر. قوله: (بلا ضرورة) قال ابن نصر الله في "حواشي المحرر": احترز من نحو استئجار الرجل حريراً للبسه، فإنه لا يباح لبسه إلا لضرورة، كالحكة ونحوها، ولا يصح هذا الاحتراز؛ لأن من أبيح له

ص: 75

مَقْصُودًا مُتَقَوِّمًا يُسْتَوْفَى دُونَ الْأَجْزَاءِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ لِمُسْتَأْجِرٍ كَكِتَابِ لِنَظَرٍ أَوْ قِرَاءَةٍ أَوْ نَقْلٍ لَا مُصْحَفٍ وَكَدَارٍ تُجْعَلُ مَسْجِدًا أَوْ تُسْكَنُ وحَائِطٍ لِحَمْلِ خَشَبٍ وَكَحَيَوَانٍ لِصَيْدٍ وحِرَاسَةٍ سِوَى كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وكشَجَرٍ لِنَشْرٍ أَوْ جُلُوسٍ بِظِلِّهِ وبَقَرٍ لِحَمْلٍ وَرُكُوبٍ وغَنَمٍ

لبس الحرير لحكة، يجوز له استئجاره للبسه. والأولى كون ذلك احترازاً عن كلب الصيد وكلب الزرع، فإنه يباح نفعه للصيد والزرع، ولا يجوز إجارته لذلك، لكن إباحته ليست للضرورة بل للحاجة. فلو قيل بدل قوله:(بلا ضرورة): لغير حاجة، كان أولى. "حاشية". قوله: أيضاً على قوله: (بلا ضرورة) أي: لا آنية نقد، أو حاجة، ككلب.

قوله: (مقصوداً) أي: عادة، لا آنية لتجمل. قوله:(متقوماً) عن "المصباح": قومت المتاع: إذا جعلت له قيمة معلومة، فتقوم هو. وشيء متقوم، أي: له قيمة. قوله: (دون الأجزاء) أي: دون استهلاكها. قوله: (لا مصحف) أي: ولو جاز بيعه، كما في "شرح الإقناع".

قوله: (لحمل خشب) أي: معلوم. قوله: (وحيوان لصيد) مثله ما يصاد به، كفخ وشبكة. قوله:(وحراسة) كقرد. قوله: (أو جلوس بظله) لا لأخذ ثمرة وحطب.

ص: 76

لِدِيَاسِ زَرْعٍ وبَيْتٍ فِي دَارٍ وَلَوْ أُهْمِلَ اسْتِطْرَاقِهِ وآدَمِيٍّ لِقَوْدِ وعَنْبَرٍ لِشَمٍّ لَا مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ كَرَيَاحِينَ ونَقْدٍ لِتَحَلٍّ وَوَزْنٍ فَقَطْ وَكَذَا مَكِيلٌ وَمَوْزُونٌ وَفُلُوسٌ لِيُعَايِرَ عَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ إنْ أُطْلِقَتْ وَلَا عَلَى زِنًا أَوْ زَمْرٍ أَوْ غِنَاءٍ

قوله: (لدياس زرع) يعني: معلوم، أو أياماً معلومة. قوله:(ولو أهمل استطراقه) لأنه متعارف. قوله: (لقود) أي: لقود مركوب، أو آدمي مدة معلومة. قوله:(وعنبر لشم) وصندل ونحوه مما يبقى من الطيب. قوله: (ونقد لتحل) أي: ويصح استئجار [نقد

إلخ]. قوله: (ليعاير عليه) أي: المذكور. قوله: (فلا تصح

إلخ) أي: فلا تصح إجارة نقد وما عطف عليه. قوله: (إن أطلقت) أي: وتكون قرضاً. قوله: (أو غناء) ولا تصح إجارة كاتب يكتب ذلك، والغناء مثل كتاب: الصوت. وأما بالقصر: فضد الفقر، وقياسه الضم؛ لأنه صوت. وغنى بالتشديد: إذا ترنم بالغناء.

"مصباح". ومقتضى إطلاق المصنف وغيره الغناء هنا: أن الغناء كله محرم. قاله ابن نصر الله رحمه الله في بعض حواشيه. فتدبر. وسيأتي في باب من تقبل شهادته، حكاية الخلاف في ذلك، فيحمل كلامه هنا على غناء محرم، واختيار الأكثر تحريمه. وحكى القاضي عياض الإجماع على كفر من استحله، وقدم المصنف في الشهادات: أنه يكره. وحكى قولا ثالثاً: أنه يباح. "حاشية".

ص: 77

أَوْ نَزْوِ فَحْلٍ أَوْ دَارٍ لِتُعْمَلَ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ أَوْ لِبَيْعِ خَمْرٍ أَوْ لِحَمْلِ مَيْتَةٍ وَنَحْوِهَا لِأَكْلِهَا لِغَيْرِ مُضْطَرٍّ أَوْ خَمْرٍ لِشُرْبِهَا وَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَتَصِحُّ لِإِلْقَاءٍ وَإِرَاقَةٍ

قوله: (أو نزو فحل) يقال نزا الفحل نزواً -من باب: قتل- ونزواناً: وثب. "مصباح". قوله: (أو بيت نار) لتعبد المجوس. قوله: (أو لبيع الخمر

إلخ) فلو اكترى ذمي من مسلم داراً ليسكنها، فأراد بيع الخمر فيها، فلصاحب الدار منعه؛ لأنه معصية. قوله أيضاً على قوله:(أو لبيع الخمر) يعني: ولو علم ذلك بقرينة. قوله: (ولا أجرة له) لأن المنفعة المحرمة لا تقابل بعوض. قوله: (وتصح لإلقاء وإراقة) قال في "الإقناع": ولا يكره أكل أجرة ذلك، ويصح لكسح كنيف، ويكره له أكل أجرته، كأجرة حجام. قال في "شرحه": لقوله عليه الصلاة والسلام: "كسب الحجام خبيث". متفق عليه، وقال:"أطعمه ناضحك ورقيقك".

ص: 78

وَلَا عَلَى طَيْرٍ لِسَمَاعِهِ وَتَصِحُّ لِصَيْدٍ وَلَا عَلَى تُفَّاحَةٍ لِشَمٍّ أَوْ شَمْعٍ لِتَجَمُّلٍ أَوْ شَعْلٍ أَوْ طَعَامٍ لِأَكْلٍ أَوْ حَيَوَانٍ لِأَخْذِ لَبَنِهِ غَيْرِ ظِئْرٍ وَيَدْخُلُ نَفْعُ بِئْرٍ وحِبْرُ نَاسِخٍ وخَيْطُ خَيَّاطٍ

قلت: ولعل الفرق بين ذلك، وبين ما سبق من أجرة الإلقاء والإراقة: مباشرة النجاسة، إذ إلقاء الميتة وإراقة الخمر لا مباشرة فيه للنجاسة غالباً، بخلاف كسح الكنيف، والله أعلم. انتهى.

قوله: (لسماعه) أي: سماع صوته، لعدم القدرة. قوله:(وتصح لصيد) أي: تصح إجارة طير لصيد، كصقر وباز، مدة معلومة. قوله:(ولا على تفاحة لشم) لعدم تقومها عادة، ولا ثوب لتغطية نعش.

قوله: (وحبر ناسخ) اعلم: أنه يجوز أن يستأجر ناسخاً له كتباً شرعية؛ من حديث وفقه وغيرهما، حتى الشعر المباح والسجلات، نص عليه. ولا بد من تقدير ذلك، إما بالمدة، وإما بالعمل، فإن قدره بالمدة، فظاهر، وإن قدره بالعمل، ذكر عدد الورق وقدره، وعدد السطور، وقدر الحواشي، ودقة القلم وغلظه، فإن عرف الخط بالمشاهدة، جاز، وإن أمكن ضبطه بالصفة، ذكره، وإلا فلا بد من المشاهدة. ويصح تقدير الأجرة بأجزاء الفرع، وبأجزاء الأصل، وإن قاطعه على نسخ الأصل بأجر واحد، جاز، فإن أخطأ بالشيء اليسير، كما جرت

ص: 79

وكحل كَحَّالٍ ومَرْهَمُ طَبِيبٍ وصَبْغُ صَبَّاغٍ

به العادة، عفي عنه، وإن كان كثيراً عرفاً، فعيب يرد به. قال ابن عقيل: ليس له محادثة غيره حالة النسخ، ولا التشاغل بما يشغل سره ويوجب غلطه، ولا لغيره تحديثه وشغله، وكذلك الأعمال التي تختل بشغل السر والقلب، كالقصارة والنساجة، ونحوهما.

قوله: (وكحل كحال) اعلم: أنه إذا استأجر كحالا ليكحل عينه، صح، ويقدر ذلك بالمدة، دون البرء؛ لأنه غير معلوم، ويبين عدد ما يكحله كل يوم، فيقول: مرة، أو مرتين، فإن كحله في المدة فلم يبرأ، استحق الأجرة، وإن بريء في أثنائها، انفسخت فيما بقي، وكذا لو مات الأرمد.

فإن امتنع المريض من تمام الكحل مع بقاء المرض، استحق الطبيب الأجرة بمضي المدة؛ لأن الأجير بذل ما عليه، ولا يصح تقدير المدة بالبرء لا إجارة، ولا جعالة، لعدم الضبط. ويصح أن يستأجر طبيباً لمداواته، والكلام فيه كالكحال، إلا أنه لا يصح اشتراط الدواء على الطبيب، بخلاف الكحل، فيصح اشتراطه على الكحال، ويدخل تبعاً للحاجة إليه، وجري العادة به فيه، دون دواء وملك الأجرة، ولو أخطأ في تطبيبه. ذكره ابن عبد الهادي في "جمع الجوامع" قال: ويلزمه ما العادة أن يباشره من وصف الأدوية وتركيبها وعملها، فإن لم تكن عادته تركيبها، لم يلزمه. ويلزمه أيضاً ما يحتاج إليه من حقنه وفصده ونحوهما، إن شرط عليه، أو جرت العادة أن يباشره، وإلا فلا. قاله في "الإقناع".

ص: 80

وَنَحْوُهُ تبعاً. فَلَوْ غَارَ مَاءُ بِئْرِ دَارٍ مُؤَجَّرَةٍ فَلَا فَسْخَ وَلَا فِي مُشَاعٍ مُفْرَدًا لِغَيْرِ شَرِيكِهِ وَلَا فِي عَيْنٍ لِعَدَدِ

قوله: (ونحوه) كدباغ دباغ. قوله: (فلا فسخ) لمستأجر؛ لعدم دخوله في الإجارة. هكذا نقله في "الانتصار" عن الأصحاب. وقال في "الإقناع" في فصل: والإجارة عقد لازم: لو انقطع الماء من بئر الدار، أو تغير بحيث يمنع الشرب والوضوء، ثبت لمستأجر الفسخ. قال في "شرحه": ولا يعارضه ما قدمته عن "الانتصار" من أنه لا فسخ بذلك، لإمكان حمله على أنه لا يحصل الفسخ بمجرد ذلك. انتهى. فتأمل. قوله:(ولا في مشاع) في "القاموس": سهم شائع، وشاع، ومشاع: غير مقسوم. قوله: (مفرداً) أي: عن باقي العين، وهو حال من الضمير في (مشاع) فإنه اسم مفعول بمعنى مفرق غير متعين، على ما يفهم من كتب اللغة، وأصله مشيع كمبيع، فنقلت حركة العين إلى الساكن الصحيح، ثم قلب حرف العلة في الأصل وانفتاح ما قبله الآن، فقيل: مباع ومشاع، كما قرر في محله. قوله:(لغير شريكه) بالباقي أنه لا يقدر على تسليمه، ومقتضى التعليل: أن العين

ص: 81

وَهِيَ لِوَاحِدٍ إلَّا فِي قَوْلٍ الْمُنَقِّحُ وَهُوَ أَظْهَرُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَلَا فِي امْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ بِلَا إذْنِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا إنَّهَا مُتَزَوِّجَةٌ أَوْ مُؤَجَّرَةٌ قَبْلَ نِكَاحٍ وَلَا عَلَى دَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا مُؤَجِّرٌ

لو كانت لجمع، فآجر أحدهم نصيبه لواحد منهم بغير إذن الباقين، لم تصح. قال في "الرعاية الكبرى": لا تصح إلا لشريكه بالباقي، أو معه لثالث، ذكر ذلك شارح "الإقناع".

قوله: (وهي لواحد) وإلا فهي مسألة إجارة المشاع. وإن آجر اثنان دارهما من واحد صفقة واحدة، على أن نصيب أحدهما بعشرة، والآخر بعشرين، صح، وإن أقاله أحدهما بعد، صح، وبقي العقد في نصيب الآخر.

ذكره القاضي، ثم قال: ولا يمتنع أن نقول بفسخ العقد في الكل. قاله في "شرح الإقناع". قوله: (إلا في قول) هو رواية في إجارة المشاع، ووجه في إجارة العين لاثنين فأكثر. فتأمل. فالاستثناء راجع إلى المسألتين. قوله:(وعليه العمل) أي: عمل الحكام. قوله: (ولا يقبل قولها: إنها متزوجة) يعني: لتبطل الإجارة. قوله: (قبل نكاح) يعني: لتصح الإجارة.

ص: 82

فَصْلٌ

وَالْإِجَارَةُ ضَرْبَانِ عَلَى عَيْنٍ وَشَرْطُ اسْتِقْصَاءِ صِفَاتِ سَلَمٍ فِي مَوْصُوفَةٍ بِذِمَّةٍ وَإِنْ جَرَتْ بِلَفْظِ اُعْتُبِرَ قَبْضُ أُجْرَةٍ بِمَجْلِسِ وتَأْجِيلُ نَفْعٍ وفِي مُعَيَّنَةٍ صِحَّةُ بَيْعٍ سِوَى وَقْفٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَحُرٍّ وَحُرَّةٍ وَيَصْرِفُ بَصَرَهُ وَيُكْرَهُ اسْتِئْجَارُ أَصْلِهِ لِخِدْمَتِهِ وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ زَوْجَتِهِ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ وَلَوْ مِنْهَا وحَضَانَتِهِ وذِمِّيٍّ مُسْلِمًا لَا لِخِدْمَتِهِ

قوله: (على عين) أي: على منفعة عين، وسيأتي: أن لها صورتين، إلى أمد معلوم، أو لعمل معلوم، ثم العين: إما معينة، أو موصوفة في الذمة، ثم المعينة: إما مرئية وقت العقد، أو قبله بيسير، أو موصوفة، كما تقدم في المبيع، فالأقسام خمسة. قوله:(وتأجيل نفع) ومنه تعلم: أن السلم يكون في المنافع، كالأعيان. قوله:(وفي معينة) شروطها خمسة: صحة بيعها، ومعرفتها، وقدرة عليها، واشتمالها على النفع، وكونه مملوكاً لمؤجر أو مأذوناً فيه. قوله:(مسلماً) لعمل معلوم في الذمة، كخياطة وبناء، وكذا مدة معلومة. وقوله:(لا لخدمته) أي: في النوعين، ولا بأس أن يحفر للذمي

ص: 83

ومَعْرِفَتُهَا وقُدْرَةُ عَلَى تَسْلِيمِهَا كَمَبِيعٍ واشْتِمَالُهَا عَلَى النَّفْعِ فَلَا تَصِحُّ فِي زَمِنَةٍ لِحَمْلٍ وَلَا سَبِخَةٍ لِزَرْعٍ وكَوْنُ مُؤَجِّرٍ يَمْلِكُهُ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فَتَصِحُّ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ لِغَيْرِ حُرٍّ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى لِمُؤَجِّرِهَا وَلَوْ بِزِيَادَةٍ مَا لَمْ تَكُنْ حِيلَةً كَعِينَةٍ

قبراً بالأجرة، ويكره إن كان ناووساً، وهو: حجر ينقر ويوضع فيه الميت.

قوله: (كمبيع) فلا تصح إجارة آبق وشارد، ولو لقادر على تحصيلهما، ولا مغصوب إلا لغاصبه، أو قادر على أخذه، كالبيع. قوله:(في زمنة) الزمن والزمانة: مرض يدوم طويلاً، وبابه: تعب، كما في "المصباح". قوله:(ولا سبخة) أي: لا تنبت، ولا حمام لحمل كتب.

قوله: (يملكه) أي: نفع العبد. قوله: (أو مأذوناً له فيه) كالولي والوكيل.

قوله: (فتصح

إلخ) أي: الإجارة، أي: يجوز لمستأجر أن يؤجر المؤجرة بغير إذن مالكها. قوله: (لغير حر) صغير أو كبير؛ لأن اليد لا تثبت عليه.

قوله: (كعينة) بأن استئجارها بأجرة حالة نقداً، ثم أجرها بأكثر منه

ص: 84

ومِنْ مُسْتَعِيرٍ بِإِذْنِ مُعِيرٍ فِي مُدَّةٍ يُعَيِّنُهَا وَتَصِيرُ أَمَانَةً وَالْأُجْرَةُ لِرَبِّهَا وفِي وَقْفِ مَنْ نَاظَرَهُ فَإِنْ مَاتَ مُسْتَحِقُّ أَجَّرَهُ وَهُوَ نَاظِرٌ بِشَرْطٍ لَمْ تَنْفَسِخْ أَوْ لِكَوْنِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ لَمْ تَنْفَسِخْ فِي وَجْهٍ

مؤجلاً، والظاهر: أن عكسها مثلها، كما تقدم، وحيث صحت، فليس للمؤجر الأول مطالبة المستأجر الثاني بالأجرة؛ لأن غريم الغريم ليس بغريم، قال منصور البهوتي: قلت: إن غاب المستأجر الأول، أو امتنع، فللمؤجر رفع الأمر للحاكم، فيأخذ من المستأجر الثاني، ويوفيه أجرته، أو من مال المستأجر الأول إن كان، وإن أفضل شيء حفظه للمستأجر، وإن بقي له شيء، فمتى وجد له مالاً، وفاه منه، كما يأتي في القضاء على الغائب. انتهى.

قوله: (يعينها) فإن لم يعين له مدة، فكوكيل مطلق يؤجر العرف، فلا مفهوم لقيد التعيين في أصل الصحة.

قوله: (وفي وقف من ناظره

إلخ) اعلم: أن إجارة الوقف صحيحة في الجملة، أعني: حيث لم تخالف شرط الواقف بلا ضرورة، ثم إن المؤجر له، إما ناظر خاص، أو عام، فالخاص من شرط له الواقف النظر، سواء كان

ص: 85

الْمُنَقِّحُ وَهُوَ أَشْهَرُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ

أجنبياً، أعني: غير مستحق في الوقف، أو كان مستحقاً فيه غير أجنبي، وكذا المستحق إذا لم يشترط الواقف ناظراً، بناء على أن النظر حينئذ للمستحق، كما هو المذهب، فالخاص ثلاثة أقسام، وأما العام، فهو الحاكم، كالوقف على نحو الفقراء، حيث لم يشترط الواقف ناظرا، فإنه للحاكم، وفي هذه الصور الأربع إذا مات المؤجر للوقف، لم تنفسخ الإجارة في ثلاث منها، وهي ما عدا الثالثة، أعني: صورة ما إذا آجره المستحق لكونه مستحقاً بلا شرط ناظر، قولا واحداً في صورتين من الثلاث، هما العام والخاص الأجنبي، وعلى الأصح في الثانية، وهي الناظر المستحق، كما جزم به المصنف وصاحب "الإقناع"، وتنفسخ الإجارة في الصورة الثالثة، وهي: ما إذا آجره المستحق، لكونه مستحقاً بلا شرط ناظر، كما جزم به في "الإقناع"، وقدمه في "التنقيح"، وأشار المصنف إلى ضعف مقابله بقوله:(في وجه). إذا تقرر ذلك: علمت أن قول المصنف: (في وجه)، راجع للثالثة فقط، المشار إليها، بقوله:(ولكون الواقف عليه). لا إليها، وإلى الصورة قبلها، أعني: قوله: (وهو ناظر بشرط) ولهذا فصل المسألتين، ولم يجعل الجواب فيهما واحداً؛ بأن يقول:(وهو ناظر بشرط)، أو (لكون الوقف عليه لم تنفسخ

إلخ) وهذا ظاهر لا مرية فيه بعون الله سبحانه.

فتأمله، فإنه مهم.

ص: 86

وَكَذَا مُؤَجِّرُ إقْطَاعَهُ ثُمَّ يُقْطَعُهُ غَيْرُهُ فَعَلَى هَذَا يَأْخُذ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ حِصَّتَهُ مِنْ أُجْرَةٍ قَبَضَهَا مُؤَجِّرٌ مِنْ تَرِكَتِهِ أَوْ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْ فمِنْ مُسْتَأْجِرٍ وَعَلَى مُقَابِلِهِ

قوله: (وكذا مؤجر

إلخ) أي: لا تنفسخ في وجه. والصحيح الآخر، أعني: الانفساخ، كما في مسألة الوقف إذا آجره المستحق، لكونه مستحقاً، كما جزم بذلك في "الإقناع". قوله:(إقطاعه) أي: إقطاع استغلال.

قوله: (من تركته) فإن تعذر أخذها، فظاهر كلامهم أنها تسقط. قاله في "شرح الإقناع" نقلا عن "المبدع".

قوله: (وعلى مقابله) أي: وعلى مقابل الوجه السابق، وهو القول بانفساخ الإجارة بانتقال الاستحقاق عن المؤجر غير المشروط له النظر في مسألة الوقف ومسألة الإقطاع. قدم هذا الوجه في "التنقيح". وقطع به في "الإقناع". فتنفسخ الإجارة في هاتين المسألتين، وينتزع من آل إليه الوقف إو الإقطاع ذلك من يد المستأجر، ويرجع عجل أجرته على تركة

ص: 87

يَرْجِعُ مُسْتَأْجِرٌ عَلَى وَرَثَةِ قَابِضٍ أَوْ عَلَيْهِ وَإِنْ أَجَّرَ النَّاظِرُ الْعَامُّ لِعَدَمِ الْخَاصِّ أَوْ الْخَاصُّ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ لَمْ تَنْفَسِخْ بِمَوْتِهِ وَلَا عَزْلِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ أَجَّرَ سَيِّدٌ رَقِيقَهُ ; أَوْ وَلِيَّ يَتِيمًا أَوْ مَالِهِ ثُمَّ عَتَقَ الْمَأْجُورُ أَوْ بَلَغَ وَرَشَدَ أَوْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ أَوْ عُزِلَ لَمْ تَنْفَسِخْ إلَّا إنْ عَلِمَ بُلُوغَهُ أَوْ عِتْقَهُ فِي الْمُدَّةِ

فصل

والإجارة العين صُورَتَانِ: إلَى أَمَدٍ وَشَرْطٌ عِلْمُهُ وأَنْ لَا يُظَنَّ عَدَمُهَا فِيهِ وَإِنْ طَالَ

قابض مات، أو عليه، وعلى قياس ما تقدم عن "المبدع"؛ انها إذا تعذر أخذها من تركة القابض، تسقط. قوله: أيضاً على قوله: (وعلى مقابله) أي: وهو المذهب.

فائدة: إذا بيعت الأرض المحتكرة، أو ورثت، فالحكم على من انتقلت إليه في الأصح. قاله الشيخ تقي الدين.

قوله: (على ورثة قابض) يعني: إن مات. قوله: (أو عليه) إن كان حياً.

قوله: (ولإجارة العين) أي: المعقود على منفعتها. قوله: (وأن لا يظن عدمها فيه) قال في "الفروع": وظاهره: ولو ظن عدم العاقد، ولا فرق بين

ص: 88

لَا أَنْ تَلِيَ الْعَقْدَ فَتَصِحَّ لِسَنَةِ خَمْسٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَلَوْ مُؤَجَّرَةً أَوْ مَرْهُونَةً أَوْ مَشْغُولَةً وَقْتَ عَقْدٍ إنْ قَدَرَ عَلَى تَسْلِيمِ عِنْدَ وُجُوبِهِ فَلَا تَصِحُّ فِي مَشْغُولَةٍ بِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ وَنَحْوِهِمَا لِلْغَيْرِ وَلَا شَهْرًا

الوقف والملك، بل الوقف أولى. قاله في "الرعاية". قال في "المبدع": وفيه نظر. انتهى. وكأن وجهه: أن الملك فيه أضعف، وأن البطن الثاني يتلقاه عن واقفه، فلا ولاية للمؤجر على ما يستحقه. فلو قيل: لا بد من ظن بقائه، لم يبعد، بخلاف ملكه الطلق، فإن وارثه إنما يتلقاه عن المؤجر، وهو لا يملك إلا ما لم يتصرف فيه مورثه. فتدبر.

قوله: (فتصح لسنة خمس

إلخ) لجواز العقد على سنة خمس مع غيرها، فجاز العقد عليها مفردة. قوله: (إن قدر

إلخ) مفهومه: أنها لا تصح إذا لم يقدر على التسليم وقت وجوبه ولو قدر عليه بعد ذلك، وهو مخالف لما ذكره ابن نصر الله. فتأمله. قوله:(عند وجوبه) أي: التسليم، وهو أول دخول المدة.

قوله: (ونحوهما) كأمتعة كثيرة يتعذر تحويلها. قوله: (للغير) صفة لما قبله، والتقدير: كائن ذلك لغير المستأجر وكانت الإجارة بغير إذن هذا الغير.

وإذا كان الشاغل لا يدوم، كالزرع ونحوه، أو كان الشغل بما يمكن

ص: 89

أَوْ سَنَةً وَيُطْلَقُ وَلَا مِنْ وَكِيلٍ مُطْلَقٍ

فصله عنه، كبيت فيه متاع، أو مخزن فيه طعام، ونحوه، جازت إجارته لغيره وجهاً واحداً. قاله ابن عبد الهادي في "جمع الجوامع". "شرح إقناع".

تتمة: قال ابن نصر الله: لو كانت مشغولة في أول المدة، ثم خلت في أثنائها، يتوجه صحتها فيما خلت فيه من المدة بقسطه من الأجرة، ويثبت الخيار بناء على تفريق الصفقة، وكذا يتوجه فيما تعذر تسليمها في أول المدة، ثم امكن في أثنائها. ذكره في "شرح الإقناع".

قوله: (ويطلق) خلافاً لـ"الإقناع". قوله: (مطلق) أي: لم يقدر له الموكل أمداً، فهو اسم مفعول وقع صفة لـ (وكيل)، كما هو المتبادر من حل الشارح، ويحتمل أن يكون اسم فاعل أضيف إليه (وكيل)، لكن كان الظاهر: أن يقال حينئذ في الحل: أي: لم يقدر لوكيله أمداً. فتدبر.

قوله أيضا على قوله: (ولا من وكيل مطلق) أي: لم يذكر له مدة، لا أنه مفوض، قيل له: أجر أي مدة أردتها. وهذا يمكن تفريعه على قوله: (وشرط عمله) أي: علم المؤجر للأمد، إما صريحاً، أو عرفا، كما في الوكيل المطلق.

ص: 90

مُدَّةً طَوِيلَةً بَلْ الْعُرْفَ كَسَنَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَتَصِحُّ فِي آدَمِيٍّ لِرَعْيٍ وَنَحْوِهِ مَعْلُومَةٍ وَيُسَمَّى الْأَجِيرَ الْخَاصَّ لِتَقْدِيرِ زَمَنٍ يَسْتَحِقُّ الْمُسْتَأْجِرُ نَفْعَهُ فِي جَمِيعِهِ سِوَى فِعْلِ الْخَمْسِ بِسُنَّتِهَا فِي أَوْقَاتِهَا وصَلَاةِ جُمُعَةٍ وعِيدِ وَلَا يَسْتَنِيبُ وَمَنْ اسْتَأْجَرَ سَنَةً فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ اسْتَوْفَاهَا بِالْأَهِلَّةِ وَكَمُلَ عَلَى مَا بَقِيَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَكَذَا كُلُّ مَا يُعْتَبَرُ بِالْأَشْهُرِ كَعِدَّةٍ وَصِيَامِ كَفَّارَةٍ وَنَحْوِهِمَا

قوله: (مدة طويلة) كخمس سنين. قوله: (ونحوهما) كثلاث.

قوله: (وتصح في آدمي

إلخ) هذا من جزئيات الصورة الأولى من صورتي إجارة العين. قوله: (ونحوه) كخدمة. قوله: (بسننها) أي: المؤكدات. قاله في "المستوعب". قوله: (وصلاة جمعة وعيد) قال المجد في "شرحه": وظاهر النص يمنع من شهود الجماعة إلا بإذن أو شرط، انتهى.

قوله: (ولا يستنيب) لوقوع الإجارة على عينه. قوله: (ومن استأجر سنة) أي: من العقد، أو لم يقل من العقد. على ما في "الإقناع". قوله:(ونحوهما) كأجل سلم وخيار ونذر.

ص: 91

الثَّانِيَةُ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ كَدَابَّةٍ لِرُكُوبٍ لِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ وَلَهُ رُكُوبُ لِ مِثْلِهِ فِي جَادَّةٍ مُمَاثِلَةٍ أَوْ بَقَرٍ لِحَرْثِ أَوْ دِيَاسٍ ل مُعَيَّنٍ أَوْ آدَمِيٍّ لِيَدُلَّ عَلَى طَرِيقٍ أَوْ رَحًى لِطَحْنِ شَيْءٍ مَعْلُومٍ وَشُرِطَ عِلْمُ عَمَلٍ وَضَبْطُهُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ

فَصْلٌ

الضَّرْبُ الثَّانِي عَلَى مَنْفَعَةٍ بِذِمَّةٍ

قوله: (كدابة

إلخ) أي: معينة أو موصوفة. قوله: (مماثلة) أي: بعداً وقرباً، وسهولة وحزونة، وأمنا وخوفا. قوله:(أو بقر لحرث) أي: لحرث أرض مشاهدة معينة أو موصوفة. قوله: (ليدل على طريقٍ) أي: معين.

قوله: (الضرب الثاني: على منفعة

إلخ) أي: من ضربي الإجارة. إن قلت: تقرر عندهم أن الإجارة بيع المنافع، والمعقود عليه المنفعة، فما معنى كونها على ضربين: عين ومنفعة؟ قلت: لا ريب في أن المعقود عليه في الإجارة المنفعة دون العين، لكن تارة يقصد الانتفاع بمنفعة في عين للمؤجر، وهو الضرب الأول، وتارة يقصد تحصيل منفعة في عين للمستأجر، وإيجاد تلك المنفعة فيها، كخياطة ثوبه، وهو الضرب الثاني. فالضربان في الحقيقة راجعان إلى المنفعة رجوع الأقسام للمقسم. قوله:(بذمة) وهي نوعان:

ص: 92

وَشَرْطٌ ضَبْطُهَا بِمَا لَا يَخْتَلِفُ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبِنَاءِ دَارٍ وَحَمْلٍ وكَوْنِ أَجِيرٍ فِيهَا جَائِزَ التَّصَرُّفِ وَيُسَمَّى الْمُشْتَرَكَ لِتَقْدِيرِ نَفْسِهِ بِالْعَمَلِ وأَنْ لَا يُجْمَعَ بَيْنَ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ وَعَمَلٍ

ما يكون في محل معين، كاستأجرتك لحمل هذه الغرارة البر إلى محل كذا، على بعير تقيمه من مالك بكذا، وما يكون في محل موصوف، كاستأجرتك لحمل غرارة برصفته كذا إلى مكة بكذا.

قوله: (وشرط ضبطها) أي: المنفعة؛ بأن يقدرها بعمل أو مدة. قوله أيضا على قوله: (وشرط ضبطها) حاصل ما ذكره المصنف من الشروط أربعة. فتدبر. قوله: (وحمل

إلخ) أي: معلوم. قوله: (جائز التصرف) لأنه لا ذمة لغيره. قوله: (مدة وعمل) فإن فعل ذلك جعالة، صح؛ لأنه يغتفر فيها ما لا يغتفر في الإجارة، فإذا تم العمل قبل انقضاء المدة، لم يلزمه العمل في بقيتها كقضاء الدين قبل أجله. وإن مضت المدة قبل العمل؛ فإن اختار إمضاء العقد، طالبه بالعمل فقط، كالمسلم إذا صبر عند التعذر؛ وإن فسخ قبل العمل، سقط الأجر والعمل. وإن كان بعد عمل بعضه؛ فإن كان الفسخ من الجاعل، فللعامل أجر مثله؛ وإن كان من العامل، فلا شيء له.

هذا مقتضى كلامهم، لكن لم أره صريحاً. قاله في "شرح الإقناع".

ص: 93

كيِخِيطهُ فِي يَوْمٍ وَيَلْزَمُهُ الشُّرُوعُ عَقِبَ الْعَقْدِ وكَوْنُ عَمَلٍ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ لِكَوْنِهِ مُسْلِمًا كَأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَفِقْهٍ وَحَدِيثٍ وَنِيَابَةٍ فِي حَجٍّ وَقَضَاءٍ وَلَا يَقَعُ إلَّا قُرْبَةً لِفَاعِلِهِ وَيَحْرُمُ أَخْذُ أُجْرَةٍ عَلَيْهِ لَا جَعَالَةٍ عَلَى ذَلِكَ أَوْ عَلَى رُقْيَةٍ كَورِزْقٍ عَلَى مُتَعَدٍّ نَفْعُهُ كَقَضَاءٍ لَا قَاصِرٍ كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ خَلْفَهُ وَنَحْوِهِمَا

قوله: (في يوم) ويصح ذلك في الجعالة؛ لأنه يغتفر فيها. قوله: (عقب العقد) فإن تركه بلا عذر، فتلف بسببه، ضمن. قوله: (لا يختص فاعله

إلخ) أي: بكونه مسلماً، فالباء داخلة على المعقود عليه من قصر الموصوف على الصفة. قوله: (أن يكون

إلخ) انظر: ما فائدة التطويل هنا، وهلا اكتفى بنحو: وكون عمل لا يختص المسلم بفعله. وكأنها مجرد موافقته الأصحاب على ذلك التعبير. قوله: (وقضاء) قاله ابن حمدان، أي: فصل الأحكام. قوله: أيضاً على قوله: (وقضاء) أي: وفتيا. قوله: (لفاعله) ولا يقدح ذلك في الإخلاص، وإلا لم تستحق الغنائم. قوله:(ولا رزق) بالكسر: اسم للمرزوق. قوله: (على متعد نفعه) وتصح على تعليم خط،

ص: 94

وَصَحَّ اسْتِئْجَارٌ لِحَجْمٍ كَفَصْدٍ وَكُرِهَ لِحُرٍّ أَكْلُ أُجْرَتِهِ ومَأْخُوذٍ بِلَا شَرْطٍ عَلَيْهِ وَيُطْعِمُهُ رَقِيقًا وَبَهَائِمَ

فَصْلٌ

وَلِمُسْتَأْجِرٍ اسْتِيفَاءُ نَفْعٍ بِمِثْلِهِ وَلَوْ اشْتَرَطَا بِنَفْسِهِ فَتُعْتَبَرُ مُمَاثَلَةُ رَاكِبٍ فِي طُولٍ وَقِصَرٍ وَغَيْرِهِ لَا فِي مَعْرِفَةِ رُكُوبٍ

وحساب، وشعر مباح، وشبهه، فإن نسي ما تعلمه من شعر، وحساب، ونحوهما في المجلس، فعلى أجير إعادة التعليم، وإلا فلا، وتصح أيضا على بناء المساجد، وكنسها، وإسراج قناديلها، وفتح أبوابها، ونحوه، وعلى بناء قناطر وربط ومدارس.

قوله: (كفصد) وتصح لحلق شعر، وتقصير، وختان، وقطع شيء من جسده إن احتاج إلى قطعه، ومع عدمها يحرم، ولا يصح. قاله في "الإقناع"، قال في "شرحه": ومثله حلق اللحية؛ فلا يصح الاستئجار له. انتهى. أقول: هذا كله معلوم من اشتراطهم لصحة الإجارة كون النفع مباحاً، فليس زائداً في الحقيقة على ما تقدم. فتدبر.

قوله: (وغيره) كثقل وخفة.

ص: 95

وَمِثْلُهُ شَرْطُ زَرْعِ بُرٍّ فَقَطْ وَلَا يَضْمَنُهَا مُسْتَعِيرٌ بِتَلَفٍ عِنْدَهُ وَجَازَ بِمِثْلِ ضَرَرِهِ لَا أَكْثَرَ أَوْ مُخَالِفٌ فلِزَرْعِ بُرٍّ لَهُ زَرْعُ شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ لَا دُخْنٍ وَنَحْوِهِ وَلَا غَرْسٌ أَوْ بِنَاءٌ ولِأَحَدِهِمَا لَا يَمْلِكُ الْآخَرَ ولِغَرْسٍ، لَهُ الزَّرْعِ وَدَارٌ لِسُكْنَى لَا يَعْمَلُ فِيهَا حِدَادَةً وَلَا قِصَارَةً وَلَا يُسْكِنُهَا دَابَّةً

قوله: (فلزرع بر

إلخ) الظاهر: تعلقه بمبتدأ محذوف خبره جملة: (له زرع شعير) تقديره: فمستأجر أرض لزرع

إلخ. فتدبر. قوله: (له الزرع) وللبناء، لم يكن له الزرع، وإن كان أخف ضرراً؛ لأنه ليس من جنسه، وفيه وجه. وجزم به في "الإقناع". قوله:(ودار لسكنى) فله السكنى، ووضع متاعه فيها، ويترك فيها من الطعام ما جرت عادة الساكن به، وله أن يأذن لأصحابه وأضيافه في الدخول والمبيت فيها. قاله في "الإقناع". قوله:(ولا قصارة) لأنه يضر بها بهز حيطانها. قوله: (ولا يسكنها دابة) لأنها تفسدها

ص: 96

وَلَا يَجْعَلُهَا مَخْزَنًا لِطَعَامٍ ودَابَّةً لِرُكُوبٍ أَوْ حَمْلٍ لَا يَمْلِكُ الْآخَرَ ولِحَمْلِ حَدِيدٍ أَوْ قُطْنٍ لَا يَمْلِكُ حَمْلَ الْآخَرِ فَإِنْ فَعَلَ أَوْ سَلَكَ طَرِيقًا أَشَقَّ فالْمُسَمَّى مَعَ تَفَاوُتِهِمَا فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ ولِحُمُولَةِ قَدْرٍ فَزَادَ

ببولها وروثها. قاله منصور البهوتي. قلت: إن لم تكن قرينة، كالدار الواسعة التي فيها اصطبل معد للدواب عملا بالعرف.

قوله: (ودابة) بالنصب، والرفع، والجر وهو أضعفها، أي: ومستأجر دابة، والخبر جملة (لا يملك الآخر) قوله:(لا يملك الآخر) وإن اكتراها ليركبها عريا أو بسرج لم يملك الآخر، وبسرج لم يملك أثقل منه، ولا أن يركب الحمار بسرج برذون إن كان أثقل أو أضر، وإلا جاز. قوله:(في أجرة المثل) خلافاً "للمغني" فيما إذا اكترى لحمل حديد، فحمل قطناً أو عكسه، حيث جعل اللازم فيها أجر المثل، وتبعه في "الإقناع". قوله: (فزاد

إلخ) مثل ذلك لو اكترى لحمل قفيزين، فوجدهما ثلاثة، إن تولى مكتر الكيل ولم يعلم مكر، فإن تولاه مكر بلا إذن مكتر، فغاصب في الزائد، عليه

ص: 97

أَوْ إلَى مَوْضِع فَجَاوَزَهُ فالْمُسَمَّى ولِزَائِدٍ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَإِنْ تَلِفَتْ فقِيمَتُهَا كُلُّهَا، وَلَوْ أَنَّهَا بِيَدِ صَاحِبِهَا لَا إنْ تَلِفَتْ بِيَدِ صَاحِبِهَا. وَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهَا شَيْءٌ بِسَبَبٍ غَيْرِ حَاصِلٍ مِنْ الزِّيَادَةِ

ضمانه وضمان دابته، ولا أجر له فيه. وإن تولاه أجنبي غيرهما بلا إذنهما، فعليه لصاحب الدابة الأجر، وضمانها إن تلفت، وعليه لصاحب الطعام ضمانه إن تلف، سواء كاله الأجنبي ووضعه أحدهما على ظهر الدابة، أو تولاها الأجنبي؛ فالحكم منوط بالكائل؛ لأن التدليس في الزائد منه. ذكر معناه في "الإقناع". قوله: أيضا على قوله: (فزاد) أي: ولو لركوبه وحده، فأردف غيره.

قوله: (أو إلى موضع

إلخ) وإن اكترى ظهراً إلى بلد ركبه إلى مقره ولو لم يكن في أول عمارته. قاله في "الإقناع". قال في "شرحه": قلت: إن دلت قرينة على ذلك، كمن معه أمتعة ونحوها، فواضح، وإلا فمحله إن لم يكن للدواب موقف معتاد، كموقف بولاق ومصر القديمة ونحوهما. انتهى. قوله:(من الزيادة) فهم منه: أنه لو كان التلف بسبب الزيادة، كتعبها من الحمل الزائد، أو اليسير الذي تجاوز فيه المسافة، فإنه يضمن، كتلفها تحت الحمل الزائد، والراكب المتعدي، وكمن ألقى حجراً في سفينة موقورة، فغرفها الحجر، فإنه يضمن قيمتها، وما فيها كله. "إقناع".

ص: 98

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ الِانْتِفَاعِ فَقَوْلُ مُؤَجِّرٍ

فصل

وعلى مؤجر كل ما جرت به عادة أو عرف من آله كزمام مركوب وَرَحْلِهِ وَحِزَامِهِ أَوْ فِعْلٍ كَقَوْدٍ وَسَوْقٍ وَرَفْعٍ وَشَدٍّ وَحَطٍّ وَلُزُومِ دَابَّةٍ لِنُزُولِ الْحَاجَةِ وَوَاجِبٍ وتَبْرِيكُ بَعِيرٍ لشيخٍ

قوله: (في صفة الانتفاع) أي: أو قدره لزرع، أو غرس، أو بناء. قوله:(فقول مؤجر) وفي قدر أجرة، تحالفا.

قوله: (وعلى مؤجر) أي: مع إطلاق عقد الإجارة. قوله: (كزمام) وهو الذي يقوده به. قوله: (لحاجة) بولٍ، أو غائط، وكذا طهارة.

قوله: (وواجب) كفرض صلاة ولو كفاية لا لسنة راتبة، لصحتها على الراحلة، ولا لأكل وشرب، ويدع البعير واقفاً حتى يقضي حاجته، ويتطهر، ويصلي الفرض، فإن المكتري إتمام الصلاة، فطالبه الجمال بقصرها لم يلزمه، بل تكون خفيفة في إتمام.

قوله: (وتبريك بعير لشيخ

إلخ) أي: لركوب ونزول لمن ذكر، ولا يلزمهم مشي معتاد عند قرب منزل، والمروءة تقتضيه من قوي قادر جرت عادة مثله به. ولو اكترى بعيراً إلى مكة، لم يملك إلى الحج، أي: إلى عرفة

ص: 99

وامْرَأَةٍ وَمَرِيضٍ

والرجوع إلى منى لرمي الجمار، وإن اكتراه ليحج عليه، له ذلك. قاله في "الإقناع". قال في "شرحه": وظاهره: أنه لا يركب بعد رمي الجمار إلى مكة بلا شرط؛ لأن الحج قد انقضى. انتهى. وإذا كان الكراء في طريق لا يكون السير فيه إلى المتكاريين، فلا وجه لتقدير السير فيه، وإلا استحب ذكر قدره في كل يوم، فإن أطلقا وللطريق منازل معروفة، جاز، وحملا على العرف إن اختلفا في قدره، أو وقته، أو موضع النزول من داخل البلد أو خارجه، وإن لم يكن للطريق عرف، لم يصح عند القاضي. وقال الموفق: الأولى الصحة؛ لأنه لم تجر العادة بتقدير السير، ويرجع إلى العرف في طريق أخرى، وإن شرط حمل زاد مقدر، وأنه يبدل ما نقص بالأكل، أو لا يبدله، صح، فإن ذهب بغير أكل، كسرقة وسقوط، فله إبداله، وإن أطلقا العقد، فله إبدال ما ذهب بسرقة وأكل، ولو معتاداً كالماء؛ لأنه استحق حمل مقدار معلوم، فملكه مطلقاً. ويصح كراء العقبة؛ بأن يركب شيئا ويمشي شيئاً، وإطلاقها يقتضي ركوب نصف الطريق، ولا بد من العلم بها، إما بالفراسخ؛ بأن يركب نحو فرسخ، ويمشي شيئا، وإطلاقها يقتضي ركوب نصف الطريق، ولا بد من العلم بها، إما بالفراسخ؛ بأن يركب نحو فرسخ، ويمشي آخر، أو بالزمان، مثل أن يركب ليلا لا نهاراً، أو يوماً دون يوم، ونحو ذلك.

قوله: (ومريض) ولو طارئاً مرضه على الإجارة، وسمين ونحوهم، لنزول وركوب.

ص: 100

ومَا يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ نَفْعٍ كَتَرْمِيمِ دَارٍ بِإِصْلَاحِ مُنْكَسِرٍ وَإِقَامَةِ مَائِلٍ وَعَمَلِ بَابٍ وَتَطْيِينِ سَطْحٍ وَتَنْظِيفِهِ مِنْ ثَلْجٍ وَنَحْوِهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى تَجْدِيدِ وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ مُدَّةَ تَعْطِيلِهَا أَوْ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِهَا بَعْدَ أَوْ الْعِمَارَةَ أَوْ جَعَلَهَا أُجْرَةً لَمْ يَصِحَّ لَكِنْ لَوْ عَمَّرَ بِهَذَا الشَّرْطِ أَوْ بِإِذْنِهِ رَجَعَ بِمَا قَالَ مُكْرٍ وعَلَى مُكْتَرٍ مَحْمِلٌ

قوله: (من ثلج ونحوه) فإن لم يفعل مؤجر ذلك، فللمستأجر الفسخ.

قاله في "الإقناع". قوله: (مدة تعطيلها) أي: المؤجرة من دار، أو حمام، أو طاحون مثلا، كما لو أجره ذلك كل شهر بمئة دينار، وكان يعرض له في بعض أشهر السنة شهر لا ينتفع به فيه للتعمير ونحوه، فشرط المؤجر: أن أجرة مثل هذه المدة عليه، لم تصح؛ لأنه لا يجوز أن يؤجره مدة لا يمكن الانتفاع في بعضها. قوله:(لم يصح) يعني: العقد في الأربع. قوله: (أو بإذنه) يفهم منه: أنه لا رجوع بلا إذن، بل هو متبرع.

قوله: (بما قال) أي: حيث لا بينة؛ لأنه منكر.

قوله: (وعلى مكتر) أي: يجب عليه ذلك، بمعنى: أنه لا يلزم المؤجر، بل إن أراده مكتر فمن ماله. قوله:(محمل) كمجلس: شقان على البعير

ص: 101

وَمِظَلَّةٌ وَوِطَاءٌ فَوْقَ الرَّحْلِ وَحَبْلُ قِرَانٍ وَبَيْنَ الْمَحْمِلَيْنِ وَدَلِيلٌ وبَكَرَةٌ وَحَبْلٌ وَدَلْوٌ وتَفْرِيغُ بَالُوعَةٍ وَكَنِيفٍ وَدَارٍ مِنْ قُمَامَةٍ وَزِبْلٍ وَنَحْوِهِ إنْ حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَعَلَى مُكْرٍ تَسْلِيمُهَا فَارِغَةً وتَسْلِيمُ مِفْتَاحٍ وَهُوَ أَمَانَةٌ بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ

يحمل فيهما العديلان، كما في "القاموس".

قوله: (ومظلة) بالكسر في الميم، والفتح في الظاء: الكبير من الأخبية، وهو دون البيت، من الشعر ونحوه.

قوله: (ونحوه) كرماد. قوله: (فارغة) بالوعتها وكنيفها، ونحوه.

ص: 102

فَصْلٌ

وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ فَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ مُسْتَأْجِرٌ أَوْ تَحَوَّلَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَإِنْ حَوَّلَهُ مَالِكُ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِ الدَّابَّةِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ أَوْ الْمَسَافَةَ أَوْ الْأَجِيرُ مِنْ تَكْمِيلِ الْعَمَلِ فَلَا أُجْرَةَ وَإِنْ شَرَدَتْ مُؤَجَّرَةٌ، أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ بَاقِي النَّفْعِ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدِهِمَا

قوله: (عقد لازم) أي: حيث لا خيار. قوله: (فإن لم يسكن مستأجر) يعني: لعذر، أو لا قوله:(فعليه الأجرة) وليس لمؤجر تصرف فيها بعد تسليمها لمستأجر، فإن فعل ويد المستأجر عليها، كأن سكن الدار أو أجرها لغير مستأجر، فعليه أجرة المثل للمستأجر، وعلى المستأجر الأجرة المعقود عليها. وإن تصرف مالك العين فيها قبل تسليمها، أو امتنع منه حتى انقضت المدة انفسحت الإجارة. وإن سلمها إليه في أثنائها، انفسخت فيما مضى، ووجب أجر الباقي بالحصة من المسمى. قاله في "الإقناع". قوله:(بغير فعل أحدهما) أي: كما لو استأجره لحفر بئر، فنبع ماء منعه من الحفر، أو ظهرت صخرة كذلك. فلو استأجره لحفر بئر عمقها عشرة

ص: 103

فالْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى وَإِنْ هَرَبَ أَجِيرٌ أَوْ مُؤَجِّرُ عَيْنٍ بِهَا أَوْ شَرَدَتْ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ بَعْضِ

أذرع وطولها عشرة وعرضها عشرة، فحفر خمسة في خمسة في خمسة، ثم حصل ما منعه من حفر الباقي، كان للأجير ثمن المسمى؛ لأن نسبة مضروب ما حفره، وهو خمسة في خمسة في خمسة بمئة وخمسة وعشرين، ثمن ما استؤجر لحفره، وهو عشرة في عشرة في عشرة بألف. هذا معنى ما ذكره في "الرعاية"، وتبعه في "الإقناع" أولا ثم خالفه، وقال: تبسط الأجرة على ما عمله، وما لم يعلمه، فيستحق بالقسط من ذلك، ولا يبسط على الأذرع، أي: لصعوبة حفر أسفل البئر ومشقة إخراج ترابها، وهو الصحيح، أي: أن له القسط من المسمى.

قوله: (بقدر ما استوفى) أي: بكل حال. قاله في "الإقناع"، أي: سواء عادت العين في المدة أو لم تعد؛ لأن للمكري فيه عذراً.

قوله: (أو مؤجر عين بها) أي: قبل استيفاء بعض النفع. هذا إذا كانت على معينة، فلو هرب الجمال، ونحوه بدوابه التي لم تعين في العقد، استأجر الحاكم عليه من ماله إلى أن يرجع، فإن تعذر؛ بأن لم يكن حاكم، أو كان وتعذر الإثبات عنده، أو لم يجد ما يكتريه أو نحوه، فلمستأجر الفسخ، كما لو كانت على معينة، ولا أجرة لما مضى قبل هربه، فإن فسخ وكان الجمال ونحوه قبض الأجرة، فهي دين في ذمته.

ص: 104

النَّفْعِ حَتَّى انْقَضَتْ انْفَسَخَتْ فَلَوْ كَانَتْ عَلَى عَمَلٍ اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَعْمَلُهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ خُيِّرَ مُسْتَأْجِرٌ بَيْنَ فَسْخِ وصَبْرٍ وَإِنْ هَرَبَ أَوْ مَاتَ جَمَّالٌ أَوْ نَحْوُهُ وَتَرَكَ بَهَائِمَهُ وَلَهُ مَالٌ أَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْهُ حَاكِمٌ وَإِلَّا فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مُكْتَرٍ بِإِذْنِ حَاكِمٍ أَوْ بِنِيَّةِ رُجُوعٍ رَجَعَ

قوله: (حتى انقضت) فإن عادت أو أعادها ربها قبل انقضاء المدة، استوفى ما بقي منها فقط. وانفسخت زمن هرب ونحوه، ولا أجرة له.

قوله: (انفسخت) لفوات زمنها المعقود عليه. قوله: (فلو كانت على عمل

إلخ) يعني: موصوف بذمة، كخياطة ثوب وبناء حائط.

قوله: (استؤجر من ماله

إلخ) أي: استأجر الحاكم من مال الأجير، كالمسلم إليه إذا هرب ونحوه؛ لأن للحاكم ولاية على غائب وممتنع، فيقوم عنهما بما وجب عليهما من مالهما. قوله:(أو نحوه) كبغال وحمار. قوله: (وله مال) أي: مقدور عليه. قوله: (وإلا) أي: وإلا بأن لم يقدر للهارب على مال. قوله: (أو نية رجوع) يعني: ولو لم يستأذن حاكماً أو يشهد. ومتى اختلفا في قدر النفقة، فإن كان قدرها الحاكم، فقول مكتر في إنفاقه دون ما زاد، وإلا فقوله في قدرها بالمعروف. قوله أيضا على قوله:(أو نية رجوع) أي: بدون إذن حاكم، ولو أمكن استئذانه، أشهد على نية الرجوع بأن قال: اشهدوا أني ما أنفقت على هذه البهائم إلا بنية الرجوع أولا. ويرجع إلى القدير حاكم إن كان، وإلا قبل قول منفق بالعرف.

ص: 105

فَإِذَا انْقَضَتْ الْإِجَارَةُ بَاعَهَا حَاكِمٌ وَوَفَّاهُ وَحِفْظَ بَاقِي ثَمَنِهَا لِمَالِكِهَا وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ وفِي الْمُدَّةِ وَقَدْ مَضَى مَا لَهُ أُجْرَةٌ فِيمَا بَقِيَ وانْقِلَاعِ ضِرْسٍ اكْتَرَى لِقَلْعِهِ، أَوْ مُدَّةً مَعْلُومَةً لِبُرْئِهِ

قوله: (ووفاه) أي: ما أنفق عليها. قوله: (وتنفسخ الإجارة بتلف

إلخ) أي: بتلف العين التي هي محل المنفعة عليها قبل قبضها، أو بعده قبل مضي ماله أجر في العادة، فتنفسخ في الكل. وقوله:(في المدة) عطف على ما قدرناه، أعني: قبل مضي ماله أجر في العادة. قوله: (معقود عليه) أي: معين، والمعقود عليه المنفعة، ومحلها العين. قوله أيضا على قوله:(معقود عليه) كدابة وعبد مات، ودار انهدمت. قوله أيضا على قوله:(بتلف معقود عليه) أي: محله، على حذف مضاف، إذ المعقود عليه المنفعة والعين محله، سواء قبضها المستأجر أو لا، لعدم قبض المعقود عليه؛ لأنه إنما يكون باستيفائها، أو التمكن منه، ولم يحصل ذلك. فتدبر.

قوله: (ماله أجر) أي: عادة. قوله: (لبرئه ونحوه) أي: كاستئجار طبيب ليداويه، فيبرأ أو يموت، فتنفسخ فيما بقي، فإن امتنع المريض من ذلك مع بقاء المرض، استحق الطبيب الأجر بمضي المدة، فإن شارطه على البرء، فهي جعالة، ولا يستحق شيئاً من الأجرة حتى يوجد البرء. ذكره في

ص: 106

وَنَحْوِهِ ومَوْتِ مُرْتَضِعٍ لَا رَاكِبٍ اكْتَرَى لَهُ وَلَا مُكْرٍ، أَوْ مُكْتَرٍ أَوْ عُذْرٍ لِأَحَدِهِمَا بِأَنْ يَكْتَرِيَ فَتَضِيعَ نَفَقَتُهُ أَوْ يَحْتَرِقَ مَتَاعُهُ فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا أَوْ انْهَدَمَتْ انْفَسَخَتْ فِيمَا بَقِيَ وَيُخَيَّرُ مُكْتَرٍ فِيمَا انْهَدَمَ بَعْضُهُ فَإِنْ أَمْسَكَ فَبِالْقِسْطِ مِنْ الْأُجْرَةِ

"الإنصاف"، نقله في "شرح الإقناع". وقد تقدم عن "الإقناع" أنه لا يصح التقدير بالبرء، لا إجارة ولا جعالة.

قوله: (ونحوه) كمستأجر لاقتصاص، فمات من عليه القصاص. قوله:(لا راكب اكترى له) أي: مطلقاً، أي: سواء كان له من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة أو لا، وسواء كان هو المكتري، أو غيره اكترى؛ لأن المعقود عليه منفعة الدابة، وذكر الراكب؛ لتقدر به المنفعة. "شرحه". (ولا مكر أو مكتر

إلخ) اعلم: أنه لا تنفسخ الإجارة بموت العاقدين أو أحدهما إلا في مسألة واحدة، وهي ما إذا مات الموقوف عليه المؤجر، ولم يشترط له النظر على الصحيح.

قوله: (بأن يكتري

إلخ) أي: من يريد السفر. قوله: (فتضيع نفقته) فلا يمكنه السفر. قوله: (متاعه) أي: متاع مكتري نحو دكان ليبيع فيها، وإن اكترى أرضاً لها ماء ليزرعها.

قوله: (أو داراً) ليسكنها. قوله: (فانقطع) ماؤها أي: مع الحاجة إليه. قوله: (فيما انهدم بعضه) للعيب.

ص: 107

وَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا

قوله: (ومن استأجر أرضا

إلخ) اعلم: أن الأرض لا تخلو من قسمين:

أحدهما: أن يكون لها ماءٌ دائم، إما من نهر لم تجر العادة بانقطاعه كالأراضي الشاربة من النيل والفرات ونحوهما، أو لا ينقطع إلا مدةً لا تؤثر في الزرع، أو من شرب عينٍ تنبع، أو بركة من مياه الأمطار يجتمع فيها الماء ثم تسقى به، أو من بئر تقوم بكفايتها، أو كان ما بها يشرب بعروقه لنداوة الأرض وقرب الماء الذي تحتها، فهذا كله دائم ويصح استئجاره للغراس والزرع، وكذا ما تَشرَبُ من مياه الأمطارِ، وتكتفي بالمعتاد منه.

القسم الثاني: أن لا يكون لها ماء دائم، وهو نوعان:

أحدهما: ما يشرب من زيادةٍ معتادةٍ تأتي وقت الحاجة، كأرض مصر الشاربة من زيادة النيل، وما يشرب من زيادةِ الفراتِ وغيرهما، وما يشرب من الأودية الجارية من ماء المطر المعتاد.

ص: 108

بِلَا مَاءٍ أَوْ أَطْلَقَ مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهَا صَحَّ لَا إنْ ظَنَّ إمْكَانَ تَحْصِيلِهِ وَإِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ وُجُودَهُ بِأَمْطَارٍ أَوْ زِيَادَةٍ صَحَّ

النوع الثاني: أن يكون مجيء الماء إليها نادرا، أو غير ظاهر، كالأرض التي لا يكفيها إلا المطر الشديد الذي يندر وجوده، أو يكون شربها من واد، مجيئه نادر، أو يكون شربها من زيادةٍ غير معتادةٍ، بل نادرة، فهذه إن آجرها بعد وجود ما يسقيها به، صح، وإلا فلا، إلا إن استأجرها على أن لا ماء لها، أو أطلق مع علمه بحالها، كما قال المصنف. والأقسام الثلاثة في الأرض تؤخذ من كلام المصنف منطوقًا، ومفهومًا.

قوله: (بلا ماءٍ): أي: للزرع. قوله: (أو أطلق) أي: بأن لم يقل: ولا ماءَ لها. قوله أيضًا على قوله: (أو أطلق) فسر المصنف الإطلاق في «شرحه» ؛ بأن قال: أجرتك هذه الأرض مدة كذا بكذا، ولم يقيد النفع، وقيد قوله قبلها: وإن أجر أرضاً بلا ماءٍ، بقوله: ليزرعها المستأجر، وفسر الإطلاق في «شرح الإقناع» بقوله؛ بأن لم يقل: ولا ماء لها، وجعل القيد في الأولى. قوله:(بلا ماءٍ) والأمر في ذلك قريبٌ محتمل لكل من التفسيرين.

قوله: (مع علمه بحالها) مع أنها بلا ماءٍ. قوله: (صح) لأنه يتمكن من الانتفاع بها بالنزول فيها، وبوضع رحله وحطبه فيها، قال في «شرح الإقناع»: وهذا معنى استئجار الأرض مقيلا ومراحاً. يعني: الذي أنكر الشيخ تقي الدين صحته. قوله: (تحصيله) بشراءٍ، أو غيرِه أو لم يعلم حالها.

ص: 109

وَلَوْ زَرَعَ فَغَرِقَ أَوْ تَلِفَ أَوْ لَمْ يَنْبُتْ فَلَا خِيَارَ وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ وَإِنْ تَعَذَّرَ زَرْعُ لِغَرَقٍ أَوْ قَلَّ الْمَاءُ قَبْلَ زَرْعِهَا أَوْ بَعْدَهُ أَوْ عَابَتْ بِغَرَقٍ يَعِيبُ بِهِ الزَّرْعُ فَلَهُ الْخِيَارُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا سَنَةً فَزَرَعَهَا فَلَمْ يَنْبُتْ إلَّا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ مُدَّةَ احْتِبَاسِهَا وَلَيْسَ لِرَبِّهَا قَلْعُهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ وَإِنْ غُصِبَتْ مُؤَجَّرَةٌ مُعَيَّنَةٌ لِعَمَلٍ خُيِّرَ بَيْنَ فَسْخِ وصَبْرٍ إلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا ولِمُدَّةٍ خُيِّرَ بَيْنَ فَسْخٍ وإمْضَاءٍ وَمُطَالَبَةِ غَاصِبٍ بِأَجْرِ مِثْلٍ مُتَرَاخِيًا وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا

قوله: (ولو زرع فغرق

إلخ) أي: وللمكتري الانتفاع بالأرض بغير الزرع، أو بالزرع في بقية المدة، فله ذلك. قوله:(أو تلف) أي: قبل حصاده بحريقٍ أو جرادٍ أو نحوه. قوله: (لغرقٍ) والغارقة بالماء: التي لا يمكن زرعها قبل انحساره - وهو تارة وتارة - لا تصح إجارتها قبله. قوله: (فله الخيارُ) لحصول ما تنقصُ به منفعةُ العينِ المؤجرة، فإن اختار الفسخ بعد أن زرع، بقي الزرع إلى الحصاد، وعليه من المسمَّى بحصته إلى الفسخِ، وأجر المثل لما بقي متصفة بذلك العيب. قوله:(فزرعها) يعني: ما جرت العادة بنباته فيها. قوله: (معينة لعمل) كهذه الدابة ليركبها إلى مكة.

قوله: (بين فسخ وإمضاء) أي: إبقاء العقد بلا فسخ، وعليه المسمَّى تاما، قوله:(متراخيًا) أي: كخيار عيبٍ.

ص: 110

فَإِنْ فَسَخَ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى وَإِنْ رُدَّتْ فِي أَثْنَائِهَا قَبْلَ فَسْخِ اسْتَوْفَى مَا بَقِيَ وَخُيِّرَ فِيمَا مَضَى وَلَهُ بَدَلٌ مَوْصُوفَةٌ بِذِمَّةٍ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَلَهُ الْفَسْخُ وَإِنْ كَانَ الْغَاصِبُ الْمُؤَجِّرَ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ مُطْلَقًا وَحُدُوثُ خَوْفٍ عَامٍّ كَغَصْبٍ وَمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ وَلَمْ تُشْتَرَطْ مُبَاشَرَتُهُ فَمَرِضَ

قوله: (فعليه أجرة ما مضى) أي: قبل الفسخ بالقسط من المسمى. قوله: (وله بدل موصوفة) يعني: غصبت أو ماتت أو تعيبت، وعلم منه: أنها لا تنفسخ بالعيب.

فائدة: لو أتلف مستأجر العين، ثبت ما تقدم من الفسخ والانفساخ مع تضمينه ما أتلف، ونظيره: جب المرأة زوجها، تضمن الدية، ولها الفسخ للعيب. قوله:(مطلقا) سواء كانت الإجارة على عملٍ، أو إلى مدة معينة، أو موصوفة، غصبها قبل المدة أو فيها. قوله:(كغصب) يعني: في ثبوت أصل الفسخ، وإن كان المخير في الغصب، هو المستأجر على ما يفهم من كلامهم.

وفي مسألة الخوف العام، لكل منهما فسخ الإجارةِ، كما في «شرحه» و «الإقناع» .

قوله أيضاً على قوله: (كغصب) أي: فلمستأجرٍ الخيار. قوله: (ولم تشترط

إلخ) وقد علم مما تقدم: إذا حوله المالك

إلخ.

ص: 111

أُقِيمَ عِوَضُهُ وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْقَصْدُ، كَنَسْخٍ وَنَحْوه أَوْ وَقَعَتْ عَلَى عَيْنِهِ أَوْ شُرِطَتْ مُبَاشَرَتُهُ فَلَا وَلِمُسْتَأْجِرٍ الْفَسْخُ وَإِنْ ظَهَرَ أَوْ حَدَثَ وَهُوَ مَا يَظْهَرُ بِهِ تَفَاوُتُ الْأُجْرَةِ فَلِمُسْتَأْجِرٍ الْفَسْخُ إنْ لَمْ يَزُلْ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ والْإِمْضَاءُ مَجَّانًا

قوله: (أقيم عوضه) كالأجير الخاص. قوله: (بمؤجرة) أي: وقع العقد على عينها، فإن كانت موصوفةً في الذمَّة، فلا فسخ، وعلى مكر إبدالها، فإن عجز، أو امتنع ولم يمكن إجبارُه، فلمكترٍ الفسخ. وعلم مما تقدم: أنَّ الإجارة الصحيحة ليس للمؤجر ولا غيرِه فسخها لزيادة حصلت، ولو كانت العين وقفًا. قال الشيخ تقي الدين: باتفاق الأئمة. وإذا التزم المستأجر بهذه الزيادة على الوجه المذكور، لم تلزمه إتفاقا، ولو التزمها بطيب نفس منه بناء على أنَّ الزيادة لا تلحق العقود اللازمة بعد لزومها.

ذكره في: «الإختيارات» ، قاله في «شرح الإقناع». قوله:(تفاوت الأجرة) كسوء الجوار. قوله: (إن لم يزل) كأن انسدت البالوعةُ، ففتحها مؤجر في زمن لا تتلف فيه منفعة تضرُّ بالمستأجر، فلا خيار له. قوله:(مجاناً) أي: بلا أرش لعيب قديم، أو حديثٍ، وفيه وجه: له الأرش، كالبيع. قال ابن نصر الله: وقد تعبنا فلم نجد بينهما فرقًا. نقله في «شرح الإقناع» .

ص: 112

وَيَصِحُّ بَيْعُ مُؤَجَّرَةٍ وَلِمُشْتَرٍ لَمْ يَعْلَمْ فَسْخٌ أَوْ إمْضَاءٌ مَجَّانًا وَالْأُجْرَةُ وَلَهُ وَلَا تَنْفَسِخُ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ وَلَوْ لِمُسْتَأْجِرٍ وَلَا بِوَقْفِ وَلَا بِانْتِقَالِ بِإِرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ صُلْحٍ وَنَحْوِهِ

فَصْلٌ

وَلَا ضَمَانَ عَلَى أَجِيرٍ خَاصٍّ، وَهُوَ

قوله: (ويصح بيع مؤجرة) ورهنها، سواء أجرها مدة لا تلي العقد، ثم باعها قبل دخولها، أو باعها في أثناء المدة، كما لو زوج أمته، ثم باعها.

قوله: (والأجرة له) أي: للمشتري، لكن لو رد مستأجر المؤجرة لعيب ونحوه، عادت المنفعة إلى البائع دون المشتري؛ لأنَّ عقده لم يتناولها تلك المدة، لعدم ملك البائع إذ ذاك. قوله أيضا على قوله:(والأجرة له) يعني: من حين البيع نصاً. قوله: (ولو لمستأجر) فلو ردَّها بعيب، فالإجارة بحالها.

قوله: (ونحوه) كجعالةٍ. ولو باع وارثٌ الدار التي تستحق المعتدَّة للوفاة سكناها وهي حامل، فقال الموفق: لا يصح بيعها. وقال المجد: قياسُ المذهب الصحة. قال في «الإنصاف» : وهو الصواب. «إقناع» .

فصل:

فيما يضمنه الأجير وما لا يضمنه، واختلافه هو والمستأجر، وغير ذلك

قوله: (على أجير خاص) ونحو قصار متبرع أولى، وقبل في تبرعه،

ص: 113

مَنْ اسْتَأْجَرَ مُدَّةَ سَلَّمَ نَفْسَهُ وَلَا فِيمَا يَتْلَفُ بِيَدِهِ إلَّا أَنْ يَتَعَمَّدَ أَوْ يُفَرِّطَ وَلَا حَجَّامٍ أَوْ خَتَّانٌ أَوْ بَيْطَارٍ أَوْ طَبِيبٍ خَاصًّا أَوْ مُشْتَرَكًا

ويستحق الأجرة بتسليم نفسه، عمل، أو لم يعمل؛ لأنه بذل ما عليه، كما لو بذل البائع العينَ المبيعة.

قوله: (مدة) يستحق المستأجر نفعه في جميع المدة المقدرة نفعه بها لا يشركه فيها أحد، فإن لم يستحق نفعه في جميع الزمن، فمشتركٌ، كما تقدم. قوله:(سلم نفسه) للمستأجر، بأن كان يعمل عند المستأجر. قوله:(أو لا) أي: بأن كان يعمل في بيت نفسه. قوه: (فيما يتلف بيده) الباء: بمعنى «في» كما عبر به في «الإقناع» . قوله: (إلا أن يتعمد) أي: الإتلاف. قوله: (أو يفرِّط) بأن يقصر في حفظه. قوله: (ولا حجَّام

إلخ) اعلم: أنه إذا كان أحد من ذكر حاذقا، ولم تجن يده، وأذن في الفعل من له الإذن، لم تضمن سراية الفعل، كحدِّ وقودٍ، خلافًا لصاحب «الرعاية» ، حيث جعل هؤلاء كغيرهم، فالخاص لا ضمان عليه بخلاف المشترك، ولابن القيم في «الهدي» في عدم اعتبار الإذن في قطع السلعة، قال: لأنه محسن. قوله: (أو بيطار) ويسمى بزاغا: يقال: بزغ البيطار بزغا، أسال الدم، وبابه: قتل، والبطر الشَّقُّ، ومنه البيطار.

ص: 114

حَاذِقًا لَمْ تَجْنِ يَدُهُ وَأَذِنَ فِيهِ مُكَلَّفٌ أَوْ وَلِيُّ وَلَا رَاعٍ لَمْ يَتَعَدَّ أَوْ يُفَرِّطُ بِنَوْمٍ أَوْ غَيْبَتِهَا عَنْهُ وَنَحْوِهِ وَإِنْ ادَّعَى مَوْتًا وَلَوْ لَمْ يُحْضِرْ جِلْدًا أَوْ ادَّعَى مُكْتَرٍ أَنَّ الْمُكْتَرَى أَبَقَ أَوْ مَرِضَ، أَوْ شَرَدَ أَوْ مَاتَ فِي الْمُدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا قُبِلَ بِيَمِينِهِ كَدَعْوَى حَامِلٍ تَلَفَ مَحْمُولٍ وَلَهُ أُجْرَةُ حَمْلِهِ

قوله: (حاذقا لم تجن يده) أشار بذلك إلى شرطين: أن يكون حاذقا في صناعته؛ بأن يكون له بها بصارة ومعرفة، وإلا لم يحل له مباشرة القطع، وأن لا تجني يده بقطع ما لا يقطع، أو بآلةٍ، أو في وقت لا يصلح أن يقطع فيه. قوله:(مكلَّف) أي: وقع فِعْلٌ به. قوله: (أو ولي) لمن وقع الفعل به. قوله: (لم يتعد) يعني: بضربٍ أسرف فيه، أو في غير محله. قوله:(عنه) وقبل في عدم تعد ونحوه. قوله: (وإن ادعى موتا) لها أو لبعضها. قوله: (ولو لم يحضر جلدًا) يعني: أو غيره من أجزائها. قوله: (أو ادَّعى مكترٍ) لرقيقٍ وبهائمَ. قوله: (أو بعدَها) وقبل قول مكترٍ أيضا في وقته حيث وافقه المكري على نحو الإباقِ، وخالفه في وقته. قوله:(تلف محمول) بغير فعله، كما لو خطف منه بلا تفريط. قوله:(وله أجرة حمله) لا يعارِضه ما يأتي فيما إذا اتلف محمولاً، للضمان هناك، دون ما هنا، والأحسن قول المصنف: إن ما هنا عن عدم تمام العمل، ليس بناشيء من جهة الأجير.

ص: 115

وَإِنْ عَقَدَ عَلَى مُعَيَّنَةٍ تَعَيَّنَتْ فَلَا تُبَدَّلُ وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيمَا تَلِفَ وعَلَى مَوْصُوفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ نَوْعِهِ وكِبَرِهِ أَوْ صِغَرِهِ أَوْ عَدَدِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ رَعْيُ سِخَالِهَا وَإِنْ عَمِلَ لِغَيْرِ مُسْتَأْجِرِهِ فَأَضَرَّهُ فَلَهُ قِيمَةُ مَا فَوَّتَهُ وَيَضْمَنُ الْمُشْتَرَكُ مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ مِنْ تَخْرِيقِ وَغَلَطِ فِي تَفْصِيلٍ

قوله: (فيما تلف) منها، كموت أحدِ رضيعيْن. قوله:(من ذكر نوعِه) فلا يكفي الجنس؛ لأنَّ لكلِّ نوعٍ أثرا في إتعاب الراعي.

قوله: (وإن عمل

إلخ) أي: أجيرٌ خاصٌّ. قوله: (فأضره

إلخ) علم منه كـ «الإقناع» أنه إذا لم يستضر، لا يرجع بشيءٍ؛ لأنه اكتراه لعمل، فوفَّاه على التمام. قوله:(ويضمن المشتركُ) غير من تقدم، وهو، أي: المشترك: من قُدِّر نفعُه بالعمل، ويتقبل الأعمال، فتتعلق الإجارة بذمته، ولا يستحق الأجرة إلا بتسليم عمله دون نفسِه، بخلاف الأجير الخاص. قوله أيضا على قوله:(ويضمن المشترك) أي: ولو تعرض فيه للمدة.

قوله: (من تخريقٍ) بنحو دقٍّ، أو مد، أو عصر، أو بسط.

ص: 116

وبِزَلْقِهِ وَسُقُوطٍ عَنْ دَابَّةٍ، وبِخَطَئِهِ وَلَوْ بِدَفْعِهِ إلَى غَيْرِ رَبِّهِ وَغَرِمَ قَابِضٌ قَطَعَهُ أَوْ لَبِسَهُ جَهْلًا أَرْشُ قَطْعِهِ وَأُجْرَةُ لُبْسِهِ وَرَجَعَ بِهِمَا عَلَى دَافِعٍ لَا مَا تَلِفَ بِحِرْزِهِ أَوْ غَيْرِ فِعْلِهِ إنْ لَمْ يَتَعَدَّ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ مطلقا

قوله: (وبزلقِه) أي: الحامل من آدمي، أو بهيمةٍ على وجهٍ لا تستحق منفعته في جميعها. كطبيب. قوله:(وسقوطٍ عن دابة) أي: سقوط الحملِ عن دابة، أو حامل، قوله:(وبخطئه) ولو استأجر جزارًا لذبح نحو شاة، فلم يسم عمدًا، ضمنها، لا سهوا؛ لحلها إذن. قوله:(ولو بدفعه إلى غير ربه) ولرب الثوب الطلب بثوبه إن كان موجودًا، وإن هلك ضمنه القابضُ، ولربه تضمين الدافع؛ لأنه أحال بينه وبين ماله. هذا قياس كلامهم، والله أعلم. ذكره بمعناه في «شرح الإقناع». قوله:(ورجع بهما) أي: القابض. قوله: (مطلقاً) سواءٌ عَمِل في بيت ربِّه أو غيره. هكذا في «الإقناع» . لكن كلام المصنف الآتي في الفصل بعدَه يُخالفه. قاله في «شرح الإقناع» . ويمكن حمل ما يأتي على ما إذا كانت العينُ باقية، فلا مخالفة. فتدبر.

ص: 117

وَلَهُ حَبْسُ مَعْمُولٍ عَلَى أُجْرَتِهِ إنْ أَفْلَسَ رَبُّهُ وَإِلَّا فَتَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ بَعْدَ عَمَلِهِ أَوْ حَمْلِهِ خُيِّرَ مَالِكٌ بَيْنَ تَضْمِينِهِ إيَّاهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ أَوْ مَحْمُولٍ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ أَوْ مَعْمُولًا وَمَحْمُولًا وَلَهُ الْأُجْرَةُ وَإِذَا جَذَبَ الدَّابَّةَ مُسْتَأْجِرٌ، أَوْ مُعَلِّمُهَا السَّيْرَ لِتَقِفَ أَوْ ضَرَبَاهَا كَعَادَةِ لَمْ يَضْمَنْ

قوله: (إن أفلس) أي: حكم بفلسِه ورجع به ربه، كما لو اشترى إنسان ثوباً ودفعه لصانع عمله، ثم أفلس المستأجر، فجاء بائعه يطلبه بعد فسخه البيع؛ لوجود متاعه عند من أفلس، فإنَّ للصانع حبسه على أجرته؛ لأنَّ العمل الذي هو عوضها موجود في عين الثوب، ثمَّ إن كانت أجرته أكثر مما زادت به قيمته، أخذ الزيادة، وحاصص الغرماء بما بقي له من الأجرة. قوله:(ربه) كما لو أجر ملكه لآخر بأجرةٍ حالةٍ، ثم ظهرت عسرتُه قبل التَّسليمِ، فإنَّ للمؤجر فسخ الإجارةِ. قوله:(وله الأجرة) وقبل قولُ ربِّ الثوبِ في صفة عمِلهِ، لأنه غارمٌ.

قوله: (لم يضمن) ويجوز لمستأجِرٍ إيداعُها في الخان، إذا قدم بلدًا وأراد المضيَّ في حاجته، وإن لم يستأذن المالك في ذلك. قاله في «الإقناع» .

ص: 118

مَا تَلِفَ بِهِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ مُشْتَرِكٌ خَاصًّا فَلِكُلٍّ حُكْمُ نَفْسِهِ وَإِنْ اسْتَعَانَ وَلَمْ يَعْمَلْ فَلَهُ الْأُجْرَةُ لِضَمَانِهِ لَا لِتَسْلِيمِ الْعَمَلِ وأَذِنْتَ فِي تَفْصِيلِهِ قَبَاءً قَالَ بَلْ قَمِيصًا

قال في «شرحه» لأنه مأذون فيه عرفاً. وكذلك إذا ذهب بها من حارةٍ إلى حارةٍ. انتهى.

وكذا يجوز غسل ثوبٍ مستأجرٍ إذا اتسخ، أو تنجَّس.

قوله: (ما تلف به) أي: للإذن فيه عادة. قوله: (فلكل حكم نفسه) فإذا تقبل صاحب الدكان خياطة ثوب ودفعه إلى أجيره، فخرقه، أو أفسده بلا تعد ولا تفريط، لم يضمنه؛ لأنه أجير خاص، ويضمنه صاحب الدكان لمالكه؛ لأنه مشترك. قوله:(لضمانه) أي: التزامه العمل، والدليل على أنَّ عمل المشترك مضمون عليه، أنه لا يستحق العوض إلا بالعمل، وأن الثوب لو تلف في حرزه بعد عمله لم يكن له أجر فيما عمل، وكان ذهاب عمله من ضمانه، بخلاف الخاص، فإنه إذا أمكن المستأجر من استعماله، استحق العوض بمضي المدة، وإن لم يعمل. قوله:(قباءً) القباء، ممدود، عربي، والجمع أقبيةٌ، كأنه مشتق من قبوت الحرف أقبوه: ضممته. وقباء - بضم القاف يقصر ويمد ويصرف

ص: 119

فقَوْلُ الْخَيَّاطِ وَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وإنْ كَانَ يَكْفِينِي فَفَصِّلْهُ، فَقَالَ: يَكْفِيَكَ فَفَصَّلَهُ فَلَمْ يَكْفِهِ ضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ اقْطَعْهُ قَبَاءً فَقَطَعَهُ قَمِيصًا لَا إنْ قَالَ يَكْفِيكَ فَقَالَ: اقْطَعْهُ

فَصْلٌ

وَتَجِبُ أُجْرَةٍ فِي إجَارَةِ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ بِعَقْدٍ وَتُسْتَحَقُّ كَامِلَةً

ولا يصرف - موضع بقرب مدينة النبي صلى الله عليه وسلم من جهة الجنوب نحو ميلين. «مصباح» .

قوله: (فقول الخياط) ومثله صباغ في صفة الصبغ. قوله: (ضمنه) أي: ضمن نقصه بالقطع، ولا أجر له.

فصل

يذكر فيه متى تجب الأجرة، وتستحق، وتستقر، وغير ذلك

قوله: (وتجب أجرةٌ) أي: تملك حالة، أو مطلقةً. قوله:(في إجارة عين) ولو مدة لا تلي العقد. قوله: (أو ذمة) كحمل معينٍ إلى مكان معين. قوله: (وتستحق

إلخ) بأن يملك المطالبة بها المؤجر، ويجب على المستأجر تسليمها.

ص: 120

بِتَسْلِيمِ عَيْنٍ أَوْ بَذْلِهَا وَتَسْتَقِرُّ بِفَرَاغِ عَمَلٍ مَا بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ وَيَدْفَعُ غَيْرَهُ مَعْمُولًا وبِانْتِهَاءِ الْمُدَّةِ وبِبَذْلِ تَسْلِيمِ عَيْنٍ لِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ فِيهَا وَيَصِحُّ شَرْطُ تَعْجِيلِهَا وتَأْخِيرِهَا وَلَا تَجِبُ بِبَذْلِ فِي فَاسِدَةٍ فَإِنْ تَسَلَّمَ فأُجْرَةُ الْمِثْلِ وَإِنْ لَمْ يَنْتَفِعْ وَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ إجَارَةِ أَرْضٍ وَبِهَا غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ لَمْ يُشْتَرَطْ قَلْعُهُ أَوْ شُرِطَ بَقَاؤُهُ خُيِّرَ مَالِكُهَا بَيْنَ أَخْذِهِ

قوله: (أو بذلها) بأن يأتي بها مؤجر إلى مستأجر ليستوفي نفعها، فيمتنع من تسلمها؛ لأنه فَعَلَ ما عليه، معينة كانت أو موصوفةً. قوله:(وتستقر) أي: تثبت كاملة بذمة مستأجر، كسائر الديون، قوله:(وببذل) من زوائده على «الإقناع» . قوله: (وإذا انقضت إجارةُ أرضٍ) أي: ولو فاسدة. قوله: (غراسٌ

إلخ) الغراس، بكسر الغين المعجمة: فسيل النَّخل، وما يغرس من الشجر، فهو فعال بمعنى: مفعول، ككتاب، وبساط. بمعنى: مكتوب، ومبسوط. قوله:(أو بناء) مصدر بنى يبني، وهو هنا بمعنى المفعول، كالخلق بمعنى: المخلوق. فتدبر. قوله: (لم يشترط قلعه) بأن أطلقا مدة الإجارة. قوله: (خير مالكها

إلخ) وكذا لو اشترى أرضاً، فغرس أو بنى فيها، ثم فسخ العقد بنحو عيب، أو إقالةٍ، فإنَّ مالك الأرض يخير بين الثلاثة، وأما المبيع بعقدٍ فاسدٍ، أو المستأجر بعقدٍ فاسدٍ قبل مضي المدة،

ص: 121

بِقِيمَتِهِ أَوْ تَرْكِهِ بِأُجْرَتِهِ أَوْ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ مَا لَمْ يَقْلَعْهُ مَالِكُهُ وَمَا لَمْ يَكُنْ الْبِنَاءُ مَسْجِدًا أَوْ نَحْوَهُ فَلَا يُهْدَمُ وَتَلْزَمُ الْأُجْرَةُ إلَى زَوَالِهِ

فكعارية، فلرب الأرض تملك العين، والبناء بالقيمة، أو قلعه وضمان النقص، لا تركه بالأجرة بغير رضى صاحبه، ولا قلعه مجانا بلا ضمان نقص، لكن في صورة الإجارة الفاسدة يلزم المستأجر أجرة المثل مُدَّة وضعِ يدِه، كما نص عليه المصنف بقوله:(فإن تسلَّم فأجرة المثل) وكذا يأتي في الغصب، أنه يلزم في المقبوض بعقدٍ فاسد أجرة مثله، فولنا: ليس لمالكٍ تركه بأجرته، يعني: ليس له إلزام صاحب الغرس والبناء بذلك، كما بعد انقضاء الإجارة الصحيحة، حيث لم يختر مستأجر قلعه، فلا معارضة، وقد نص المصنف على مسألتي المشتري والمستأجر، وأنهما كالمستعير في باب العارية، وذكرهما صاحب «الإقناع» هنا. قال في «الحاشية» تنبيه: يأتي في العارية قول المجد: إنه حيث أمكن القلع بلا ضرر، أجبر عليه المستعير. فينبغي أن يقال هنا كذلك، إذ لا فرق. انتهى.

قوله: (بقيمته) أي: بأن تقوم الأرض مغروسة أو مبنيَّة، ثم خاليةً، فما بينهما قيمة الغراس والبناء، قوله:(ما لم يقلعه مالكُه) أي: فلا يمنع منه. قوله: (أو نحوه) كمدرسة. قوله: (وتلزم الأجرة إلى زواله) وكذا لو بنى بها بناءً وقفه على مسجدٍ، كما ذكره الشيخ تقي الدين، فإذا انهدم، زال حكم الوقف، وأخذوا أرضهم فانتفعوا بها. «شرحه» .

ص: 122

وَلَا يُعَادُ بِغَيْرِ رِضَا رَبِّ الْأَرْضِ تَنْبِيهٌ وَفِي الْفَائِقِ. قُلْتُ لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَقْفًا لَمْ يُتَمَلَّكْ إلَّا بِشَرْطِ وَاقِفٍ أَوْ بِرِضَا مُسْتَحِقٍّ الْمُنَقِّحُ بَلْ إذَا حَصَلَ بِهِ نَفْعٌ كَانَ لَهُ ذَلِكَ والْقَلْعِ عَلَى مُسْتَأْجِرٍ وَكَذَا تَسْوِيَةُ حُفَرٍ إنْ اخْتَارَهُ

تنبيه: ظاهر ما تقدَّم: أن التخيير باقٍ، ولو وقف مستأجرٌ ما بناه، قال في «الفروع»: فإن لم يترك بالأجرة، فيتوجه أن لا يبطل الوقف مطلقًا. انتهى. فإن تملَّكه ربُّ الأرض اشترى بقيمته مثله، وكذا إن هدمه وضمن نقصه، صرف نقصه وما أخذ في مثله.

قوله: (ولا يعاد) مسجدٌ، أو غيرُه انهدم بعد انقضاءِ المدَّة.

قوله: (لم يتملَّك) غراس ولا بناءٌ. قوله: (إلا بشرطِ واقفٍ) لأن في دفع قيمتِه من ربع الوقف تفويتاً على المستحقِّ، فلا بدَّ من أحدِ الأمرين، قوله: (بل إذا حصل به

إلخ) هذا مخالف لما في «الإقناع» تبعاً لما مال إليه ابنُ رجبٍ، من أنه لا يتملك غير تام الملك. قوله أيضا على قوله:(بل إذا حصل به نفع) يعني: لجهة الوقفِ، بأن يكون أحظَّ من قلعه مع ضمان نقصه، ومن إبقائه بأجرة مثله، فيتملكه الناظر ولو لم يشترطه واقفٌ، أو يرضى به مستحقٌّ.

قوله: (والقلع على مستأجرٍ) اختاره أو لا. قوله: (وكذا تسوية

إلخ) فصله، لانفرادِهِ بالشَّرط. قوله:(اختاره) أي: المستأجر، لا إن اختاره المؤجر.

ص: 123

وَإِنْ شُرِطَ قَلْعُهُ لَزِمَهُ قَلْعُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَسْوِيَةُ حُفَرٍ وَلَا إصْلَاحُ أَرْضٍ إلَّا بِشَرْطٍ وَلَا عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ غَرَامَةُ نَقْصٍ وَإِنْ بَقِيَ زَرْعٍ بِلَا تَفْرِيطِ مُسْتَأْجِرٍ لَزِمَ تَرْكُهُ بِأُجْرَتِهِ وبِتَفْرِيطِهِ فَلِمَالِكِ ذَلِكَ وأَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ مَا لَمْ يَخْتَرْ مُسْتَأْجِرٌ قَلْعَهُ وتَفْرِيغَهَا فِي الْحَالِ وَاكْتِرَاءُ مُدَّةً لِزَرْعٍ لَا يَكْمُلُ فِيهَا إنْ شَرَطَ قَلْعَهُ بَعْدَهَا صَحَّ وإلا فلا

قوله: (وإن شرط قلعه) يعني: عند انقضائها، أو في وقت معين. قوله:(غرامة نقص) وإن كان المستأجر شريكًا في الأرض شركة شائعة، فبنى أو غرس، ثم انقضت المدة فللمؤجر أخذ حصة نصيبه من الأرض في الغرس والبناء بقيمته. فإن كان المؤجر يملك نصف الأرض، أخذ نصف الغراس والبناء بنصف قيمته، وهكذا، وليس للمؤجر إلزام المستأجر بالقلْعِ. لاستلزامه قلع ما لا يجوز قلعُه، لعدم تميز ما يخص نصيبه من الأرض من الغراس والبناء، قاله ابن نصر الله، وجزم به في «الإقناع». قوله:(بلا تفريط مستأجر) كأن أبطأ الزرع لنحو بردٍ، قوله:(وبتفريطه) بأن زرع ما لا ينتهي عادة قبل المدة. قوله: (وإلا) أي: بأن أطلق أو شرط الإبقاء.

ص: 124

وَمَتَى انْقَضَتْ رَفَعَ يَدَهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ رَدٌّ وَلَا مُؤْنَةٌ كَمُودَعٍ وَلِ مُشْتَرِطٍ عَدَمَ سَفَرٍ بمُؤَجَّرَةٍ الْفَسْخُ بِهِ وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ بِعَقْدِ فَأَعْطَى عَنْهَا دَنَانِيرَ ثُمَّ انْفَسَخَ رجع بالدراهم

قوله: (ومتى انقضت) وهي أمانة بعد المدة. قوله: (ولم يلزمه رد) إلا بشرط. كما في «التبصرة» . قوله: (كمودع) بخلاف غصبٍ وعارية، وفسد شرط ضمانها مع صحة العقد.

ص: 125