الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب
الوصية:
الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ وبِمَالٍ التَّبَرُّعُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا تُعْتَبَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ وَتَصِحُّ مُطْلَقَةً ومُقَيَّدَةً مِنْ مُكَلَّفٍ لَمْ يُعَايِنْ الْمَوْتَ
كتاب الوصية
لغة: الأمر، كقوله تعالى:(ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب). [البقرة: 132] وقوله تعالى: «ذلكم وصاكم به» . [الأنعام 151] ومنه قول الخطيب: أوصيكم بتقوى الله، أي: آمركم.
وشرعًا: ما ذكره المصنف رحمه الله وهي نوعان، أي: مطلقة غير مقيدة بالمال، كما فهم من صنيعه، ومقيدةٌ بالمال.
وأركان الوصية أربعة: موص، وصيغة، موصى به، وموصى له. وقد أشار إلى الأول بقوله:(من مكلف)، وإلى الثاني بقوله: (بلفظ
…
إلخ)، وإلى الثالث والرابع أشار بالبايين الآتيين.
قوله: (بعد الموت) بخلاف الهبة. قوله: (ولا تعتبر فيها القربة) لصحتها لمرتد وحربي بدار حرب، كالهبة. قوله:(ومقيدة) كإن ميت في يومي هذا، أو مرضي هذا، أو عامي هذا، فلزيد كذا؛ لأنه تبرع يملك تنجيزه، فملك تعليقه كالعتق.
قوله: (لم يعاين الموت) أي: لم يعاين ملكَ الموتِ؛ فإن عاينه، لم تصح. قال في «الآداب الكبرى»: وتقبل التوبة مالم يعاين الملك. وقيل: ما دام.
وَلَوْ كَافِرًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ أَخْرَسَ لَا مُعْتَقَلًا لِسَانُهُ بِإِشَارَةٍ أَوْ سَفِيهًا بِمَالٍ لَا عَلَى وَلَدِهِ وَلَا سَكْرَانَ أَوْ مُبَرْسَمًا ومِنْ مُمَيِّزٍ لَا طِفْلٍ بِلَفْظٍ وَبِخَطٍّ ثَابِتٍ بِإِقْرَارِ وَرَثَةٍ أَوْ بَيِّنَةٍ لَا إنْ خَتَمَهَا
مكلفا. وكذا في «الرعاية» . وقيل: ما لم يغرغر، أي: ما لم تبلغ روحه حلقومه، كما في «النهاية» ؛ لأنَّ الروح تفارق القلب قبل الغرغرةِ، ولا يبقى له نيَّة ولا قصد صحيح، فإن جرح جرحًا موحيًا، صحت توبته، والمراد: مع ثبات عقله؛ لصحة وصية عمر وعلي رضي الله عنهما واعتبار كلامهما. انتهى. نقله في «حاشية الإقناع» .
قوله: (أو أخرس) أي: بإشارةٍ مفهومةٍ وكتابةٍ، أو عبدًا، أو مكاتبًا، أو مدبرًا، أو أم ولد في غير مال، كتغسيله والصلاة عليه، وأما في المال، فإن ماتوا في الرق، فلا وصية لهم، وإن عتقوا وماتوا من غير تغيير لوصية، صحَّت، كفقير أوصى ولا شيء له، ثم استغنى ولم يرجع. قوله:(أو سفيهًا بمال) يعني: أن السفيه تصح وصيته بمال، ومثله ضعيف عقل ضعفا يمنع رشده. قوله:(لا على ولدِه) أي: لا إن وصى على ولده، فلا تصح وصية؛ إذ لا ولاية له عليه. قوله:(أو مبرسمًا) أي: أو مغمى عليه ومجنونًا. قوله: (ومن مميِّز) يعني: يعقلها، أي: يعرف خروجها عن ورثته إلى موصى له. قوله: (ثابت) يعني: أنَّه خطه.
قوله: (لا إن ختمها
…
إلخ) لكن لو تحقق أنه خطه من خارج، عمل بالخط لا بالإشهاد عليها. قاله في «الإقناع» .
وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهَا بِخَطِّهِ وَتُسَنُّ لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ عُرْفًا بِخُمْسِهِ لِقَرِيبٍ فَقِيرٍ وَإِلَّا فلِمِسْكِينٍ وَعَالِمٍ وَدَيِّنٍ وَنَحْوِهِمْ وَتُكْرَهُ لِفَقِيرٍ لَهُ وَرَثَةٌ الْمُنَقِّحُ: إلَّا مَعَ غِنَى الْوَرَثَةِ وَتَصِحُّ مِمَّنْ لَا وَارِثَ لَهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَلَوْ وَرِثَهُ زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ وَرَدَّهَا بِالْكُلِّ بَطَلَتْ فِي قَدْرِ فَرْضِهِ
قوله: (وأشهد) أي: ولم يعلم الشاهد ما فيها. قوله: (لقريبٍ فقير) أي: غير وارث. قوله: (وإلا) أي: وإلا يكن قريب فقير وترك خيرًا، فلمسكين
…
إلخ. قوله: (وعالم) أي: فقير. قوله: (ودين) أي: فقير. قوله: (ونحوهم) أي: كابن السبيل. قوله: (وتكره لفقير
…
إلخ) أي: تكره الوصية لمن لم يترك مالا كثيرا إن كان له وارث محتاج، والله أعلم. قوله أيضًا على قوله:(وتكره لفقيرٍ) أي: منه. قوله: (إلا مع غنى الورثة) هو بالقصر: ضد الفقر. وبالمد: الصوت. قوله: (وتصح ممن لا وارث له) أي: جائزًا. قال في «شرحه» : مطلقاً، أي: لا بفرض، ولا عصبةٍ، ولا رحم، ولا ولاءٍ، ولا نكاح، فتجوز وصيته إذن بكل ماله، كما روي عن ابن مسعود.
قوله: (فلو ورثه زوج) مفرع على المفهوم، أي: لا ممن له وارث فلو
…
إلخ.
مِنْ ثُلُثَيْهِ فَيَأْخُذُ وَصِيٌّ الثُّلُثَ ثُمَّ ذُو الْفَرْضِ فَرْضَهُ مِنْ ثُلُثَيْهِ ثُمَّ تُتَمَّمُ مِنْهُمَا وَلَوْ وَصَّى أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فَلَهُ كُلُّهُ إرْثًا وَوَصِيَّةً وَيَجِبُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ بِلَا بَيِّنَةٍ ذِكْرُهُ وَتَحْرُمُ مِمَّنْ يَرِثُهُ غَيْرُ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ بِزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ وَلِوَارِثٍ بِشَيْءٍ وَتَصِحُّ وَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَلَوْ وَصَّى لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ وَارِثِهِ أَوْ بِوَقْفِ ثُلُثِهِ عَلَى بَعْضِهِمْ صَحَّ مُطْلَقًا وَكَذَا وَقْفٌ زَائِدٌ أُجِيزَ وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا
قوله: (ثم تتمَّم منهما) فيعطى الموصى له ما بقي. قوله: (للآخر) بكل ماله. قوله: (ويجب على من عليه حقٌ) لله، أو لآدمي، أو عنده وديعة بلا بينة. قوله: (وتحرم
…
إلخ) علم من كلامه: أن الوصية بالمال تعتريها الأحكام الخمسة ما عدا الوجوب. قوله: (ولوارث بشيء) ومنه ما لو أسقط مريض عن وارثه ديناً، أو أوصى بقضائه، أو أسقطت المرأة في مرضها صداقها عن زوجها، أو عفا عن جنايةٍ موجبها المال، فذلك كله كوصية، وإن وصى لولد وارثه، صح، فإن قصد بذلك نفع الوارث، لم يجز فيما بينه وبين الله تعالى، وتنفذ حكماً؛ لأنه أجنبي. قوله:(وتصح) أي: مع تحريمها.
قوله: (صح) أي: وجاز. قوله: (مطلقاً) أي: أجاز باقي الورثة، أو لا.
وَمَنْ لَمْ يَفِ ثُلُثُهُ بِوَصَايَاهُ أُدْخِلَ النَّقْصُ عَلَى كُلٍّ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ وَإِنْ عِتْقًا وَإِنْ أَجَازَهَا وَرِثَهُ بِلَفْظِ إجَازَةٍ أَوْ إمْضَاءٍ أَوْ تَنْفِيذٍ لَزِمَتْ وَهِيَ تَنْفِيذٌ لَا يَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ هِبَةٍ فَلَا يَرْجِعُ أَبٌ أَجَازَ وَلَا يَحْنَثُ بِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يَهَبُ وَوَلَاءُ عِتْقٍ مُجَازٌ لِمُوصٍ تَخْتَصُّ بِهِ عَصَبَتُهُ وَتَلْزَمُ بِغَيْرِ قَبُولٍ وقَبْضٍ وَلَوْ مِنْ سَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ ومَعَ كَوْنِهِ وَقْفًا عَلَى مُجِيزِهِ ومَعَ جَهَالَةِ الْمُجَازِ
قوله: (وإن عتقا) لتساويهم في الأصل، أعني: التبرع بعد الموت وتفاوتهم في المقدار، كمسائل العول، فلو وصى لواحدٍ بثلثِ ماله، ولآخر بمئة، ولثالث بعبد قيمته خمسون، وبثلاثين لفداءِ أسيرٍ، وبعشرين لعمارة مسجد، وكان ثلث ماله مئة، وبلغ مجموع الوصايا ثلاث مئة، نسبت منها الثلث، فيعطى كل واحد ثلث وصيته. قوله:(بلفظ: إجازة، أو إمضاء) كإجزتها أو أجزت، وهكذا ما بعده. قوله:(أو تنفيذٍ) أي: أو نحو ذلك: كرضيت بما فعله. قوله: (وهي تنفيذ) أي: لا هبة. قوله: (وتلزم) أي: الإجازة. قوله: (بغير قبول) من مجازٍ له. قوله: (وقبضٍ) أي: ولا تصح الإجازة إلا من جائز التصرُّف، بخلاف الصبي والمجنون؛ لأنها تبرع بالمال، أشبهت الهبة إلا السفيه المفلس، كما أشار إليهما بقوله: (ولو
…
إلخ).
قوله: (على مجيزه) كما لو وقف أكثر من الثلث على وراثه، فإن الزائد لا يلزم فيه الوقف إلا بإجازة الوارث، وليست إجازته ابتداء وقفٍ
وَيُزَاحَمُ بمُجَاوِزٍ لِثُلُثِهِ الَّذِي لَمْ يُجَاوِزُهُ لِقَصْدِهِ تَفْضِيلَهُ كَجَعْلِهِ الزَّائِدَ لِثَالِثٍ لَكِنْ لَوْ أَجَازَ مَرِيضٌ فمِنْ ثُلُثِهِ كَمُحَابَاةِ صَحِيحٍ فِي بَيْعِ خِيَارٍ لَهُ
حتى لا تصح إجازة وقفٍ على المجيز.
قوله: (الذي لم يجاوزه) نائب الفاعل، أي: سواء أجيز للمجاوز وحده، أو لا، فلو وصى لزيدٍ بالثلث، ولعمرو بالنصف، فأجاز الورثة لعمروٍ مثلا، زاحم زيدا بنصف كاملٍ، فيقسم الثلث بينهما على خمسة، بسط النصف والثلث من مخرجِهما ستة، لصاحب النصف ثلاثةُ أخماسه، وللآخر خمساه، ثم يكمل لصاحب النصف نصفه بالإجازة، وهذا من تتمة المفرع على أن الإجازة تنفيذ، فلو قلنا: هي عطيةٌ، فإنما يزاحمه بثلث خاصة؛ إذا الزيادة عليه عطية محضة من الورثة، لم تتلقَّ من الميت، فلا يزاحم بها الوصايا، فيقسم الثلث بينهما نصفين، ثم يكمل لصاحب النِّصف بالإجازة، وهذه المسألة مما تشكل على كثيرٍ. فتدبر. قوله: (لكن
…
إلخ) هذا استدراك مما أوهمه قوله: (وهي تنفيذ
…
إلخ) فإنه لو سكت عن هذا الاستدراك، لتوهم أنَّ إجازة المريض من رأس ماله لا من ثلثه؛ لأنها تنفيذ لا هبة، ٌ فلذلك رفع هذا التوهم بقوله: (لكن
…
إلخ).
قوله: (لو أجاز مريض) يعني: مرض الموت المخوف. قوله: (فمن ثلثه) أي: لا من رأس ماله، خلافاً لـ «الإقناع» .
ثُمَّ مَرِضَ زَمَنَهُ وإذْنِ فِي قَبْضِ هِبَةٍ لَا خِدْمَتِهِ وَالِاعْتِبَارُ بِكَوْنِ مَنْ وَصَّى أَوْ وَهَبَ لَهُ وَارِثًا أَوْ لَا عِنْدَ الْمَوْتِ وبِإِجَازَةِ أَوْ رَدٍّ بَعْدَهُ وَمَنْ أَجَازَ مُشَاعًا ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا أَجَزْتُ لِأَنِّي ظَنَنْتُهُ قَلِيلًا قُبِلَ بِيَمِينِهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا زَادَ عَلَى ظَنِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ ظَاهِرًا لَا يَخْفَى أَوْ تَقُومُ بَيِّنَةٌ بِعِلْمِهِ بِقَدْرِهِ وَإِنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ مَبْلَغًا مَعْلُومًا
قوله: (ثم مرض زمنه) يعني: ولم يفسخ. قوله: (بعده) أي: فلا عبرة بما صدر منهم قبله.
قوله: (ومن أجاز مشاعًا) يعني: من التركة كنصف ماله وثلثيه. قوله: (لأنني ظننته) أي: المال المخلف. قوله: (فيرجع بما زاد على ظنه) أي: يرجع بما زاد على القدر الذي ظنه مما يتوقف على إجازته، وهو القدر الزائد على الثلث في ظنه. والحاصل: أن الموصى له يأخذ ثلث المال الذي ظهر، ويضاف إليه القدر الزائد على الثلث المظنون فقط، فإذا كان المال ألفًا، وظنه ثلاث مئة، والوصية بالنصف، فقد إجاز السدس وهو خمسون، فهي جائزة عليه مع ثلث الألف، فلموصى له ثلاث مئةٍ وثلاثة ثمانون وثلث، والباقي للوارث، وهي ستُّ مئةٍ وستة عشر وثلثان.
قوله: (لا يخفى) أي: على المجيز. قوله: (وإن كان) أي: المجاز. قوله: (معلومًا) يعني: كألفٍ.
وقَالَ ظَنَنْتُ الْبَاقِي كَثِيرًا لَمْ يُقْبَلْ
فَصْلٌ
وَمَا وَصَّى بِهِ لِغَيْرِ مَحْصُورٍ كَفُقَرَاءَ أَوْ غُزَاةٍ وَبَنِي هَاشِمٍ أَوْ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُهُ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ وَمَحَلُّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَثْبُتُ مِلْكُ مُوصًى لَهُ مِنْ حِينِهِ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ وَمَا حَدَثَ مِنْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ فلِوَرَثَةِ وَيَتْبَعُ مُتَّصِلٌ وَإِنْ كَانَتْ بِأَمَةٍ فَأَحْبَلَهَا وَارِثٌ قَبْلَهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَوَلَدُهُ حُرٌّ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى قِيمَتُهَا لِلْوَصِيِّ لَهُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا
قوله: (وقال: ظننت الباقي كثيرًا) يعني: أو ظهر عليه دين لم أعلمه.
قوله: (لغير محصور) كفقراء. قوله: (ونحوه) كمدرسةٍ، ورباطٍ. قوله:(ولم يُشترط قبوله) لتعذُّره، فتلزم الوصية بمجرَّد الموت. قوله:(وإلا اشترط) أي: وإن لا تكن كذلك؛ بأن كانت لآدمي معين ولو عددًا يمكن حصره، اشترط القبول بقول، أو فعل دلَّ على الرضى، كأخذ واستعمال، كما تقدَّم في الهبة. قوله:(من حينه) أي: القبول المعتبر. قوله: (فلا يصح تصرفه) أي: الموصى له في الموصى به قبله، أي: القبول.
قوله: (من نماءٍ منفصل) يعني: قبل قبولٍ. قوله: (ويتبع متصل) أي: يتبع العين الموصى بها نماءٌ.
وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِزَوْجَتِهِ
قوله: (وإن وصى له بزوجته
…
إلخ) اعلم: أن في هذه المسألة صورًا؛ لأن الزوجة الأمة الموصى بها، إما أن تكون حاملا حين الوصية، أو بعد الوصية قبل موت الموصي، أو بعد موت الموصي قبل قبول الوصية، فهذه ثلاث صور:
ففي الصورة الأولى: وهي: ما إذا كانت حاملاً وقت الوصيَّة، يكون الحمل موصى به بلا نماءٌ، كما أن الحمل وقت عقد مبيع لا نماء على ما تقدم، سواء ولدته قبل موت الموصي أو بعده، قبل القبول أو بعده. قال في «الإقناع»: ولو وصى له بزوجته، فقبلها، انفسخ النكاح، فإن أتت بولد كانت حاملا به وقت الوصية، فهو موصى به معها. انتهى. وهو صادق بما ذكرنا.
وأما الصورة الثانية، وهي: ما إذا حملت به بعد الوصية قبل موت الموصي، فإما أن تضعه قبل موت الموصي، أو بعده قبل القبول، أو بعدهما، أي: الموت والقبول، فهذه ثلاثةُ أحوالٍ يختلف الحكم فيها، فيكون الولد للموصي فيما إذا ولدته قبل موته، وللورثة فيما إذا ولدته بعد موت الموصي قبل القبول، وللموصى له فيما إذا ولدته بعد الموت والقبول، وإلى هذا أشار في «الإقناع» بقوله: وإن حملت به بعد الوصية وولدته في حياة الموصي، فهو له، وبعد موته قبل القبول؛ للورثة ولأبيه، إن ولدته بعده. انتهى.
فَأَحْبَلَهَا وَوَلَدَتْ قَبْلَهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ وبِأَبِيهِ فَمَاتَ قَبْلَ قَبُولِهِ فَقَبِلَ ابْنُهُ عَتَقَ الْمُوصَى بِهِ حِينَئِذٍ وَلَمْ يَرِثْ وَعَلَى وَارِثٍ ضَمَانُ عَيْنٍ حَاضِرَةٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهَا بِمُجَرَّدِ مَوْتِ
وأما الصورة الثالثة، وهي: ما إذا حملت به بعد موت الموصي قبل القبول، فإما أن تلده قبل القبول أيضا، فيكون للورثة؛ لأنه نماء منفصل قبل القبول، وإما أن تلده بعد القبول، فيكون للموصى له؛ لأنه نماء متصل قبل الوضع، فيعتق عليه، كما يعتق في كلِّ موضع قلنا: إن الولد للموصى له، وإلى هذا أشار في «الإقناع» بقوله: وإن حملت بعد موت الموصي ووضعته قبل القبول، فللورثة، وبعده لأبيه. انتهى. فقوله: وإن حملت بعد موت الموصي ووضعته قبل القبول، فللورثة. هو معنى قول المصنف: (وإن وصى له بزوجته
…
إلخ). فتدبر ذلك، ففي كلام الشيخ منصور رحمه الله هنا نظر ظاهر تبعه عليه الشيخ الخلوتي رحمه الله تعالى.
قوله: (وولدت قبله) أي: القبول. قوله: (فمات قبل قبوله) أي: مات موصى له بعد موت موصٍ. قوله: (حينئذ) أي: حين القبُول.
قوله: (ضمان عين) أي: لا ضمان دين. قوله: (بمجرد موت مورِّثه) بمعنى: أنها تحتسب على الورثة، ولا ينقص بتلفها ثلثٌ أوصى به.
مُورِثِهِ لَا سَقْيُ ثَمَرَةٍ مُوصًى بِهَا وَإِنْ مَاتَ مُوصًى لَهُ قَبْلَ مُوصٍ بَطَلَتْ لَا إنْ كَانَتْ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ قَبُولِهِ لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ مُطْلَقًا وَإِلَّا بَطَلَتْ وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولٍ وَرَدٍّ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ وَسَقَطَ حَقُّهُ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ رَدٍّ وَقَبُولٍ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ
قوله: (لا إن كانت بقضاءِ دينه) صورة هذه المسألة: أن يوصي زيد بقضاء دين عمرو الكائن لبكر، فيموت بكر قبل موت زيد، فإنها لا تبطل في هذه الصورة، وعلله في «شرح المنتهى» للمؤلف، وكذا في «شرح الإقناع» واللفظ له: بأن تفريغ ذمة المدين بعد موته كتفريغها قبله؛ لوجود الشغل في الحالين كما لو كان حيًا. انتهى. وبخط الشيخ منصور على قوله: (بعد موته) أي: رب الدين، وهو موافق لما مثلنا؛ لأن الذي مات في المثال أولا هو بكر الذي هو صاحب الدين، وهذه المسألة كالمستثناة من قاعدة كليَّة تقريرها: كل وصية مات الموصى له فيها قبل الموصي، فإنها تبطل إلا إذا أوصى بقضاء دينه
…
إلخ. فتدبر ذلك فإنه مهم، والله أعلم.
قوله: (مطلقا) أي: قبضها أو لا، مكيلا ونحوه، أو لا.
فصل
وإن قال موص رجعت في وصيتي أو أبطلتها ونحوه بَطَلَتْ وَإِنْ قَالَ فِي مُوصًى بِهِ: هَذَا لِوَرَثَتِي أَوْ مَا وَصَيْت بِهِ لِزَيْدٍ فَلِعَمْرٍو فرُجُوعٌ وَإِنْ وَصَّى بِهِ لِآخَرَ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فبَيْنَهُمَا وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا قَبْلَ مُوصٍ أَوْ رَدَّ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ الْكُلُّ لِلْآخَرِ لِأَنَّهُ اشْتِرَاكُ تَزَاحُمٍ وَإِنْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَوْجَبَهُ فِي بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَلَمْ يَقْبَلْ فِيهِمَا أَوْ عَرَضَهُ لَهُمَا أَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ أَوْ عِتْقِهِ أَوْ هِبَتِهِ أَوْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ أَوْ كَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ خَلَطَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ وَلَوْ صُبْرَةً بِغَيْرِهَا أَوْ أَزَالَ اسْمَهُ فَطَحَنَ الْحِنْطَةَ أَوْ خَبَزَ الدَّقِيقَ أَوْ جَعَلَ الْخُبْزَ فَتِيتًا أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ أَوْ عَمِلَ الثَّوْبَ قَمِيصًا، أَوْ ضَرَبَ النَّقْرَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ أَوْ بَنَى أَوْ غَرَسَ أَوْ نَجَّرَ الْخَشَبَةَ بَابًا
قوله: (ونحوه) كرددتها. قوله: (ولم يقل ذلك) أي: ما وصيت به لزيدٍ فلعمرو. قوله: (وإن باعه) أي: باع الموصي ما أوصى به. قوله: (أو أوجبه) بأن قال لإنسان: بعتكه أو وهبتكه.
قوله: (أو حرمه عليه) أي: بأن وصى لزيد بشيء، ثم قال: هو حرام عليه. قوله: (أو خلطه) أي: الموصى به من نحو زيت ودقيق. قوله: (أو بنى) حجرًا أو في أرض. قوله: (أو غرس) شجرًا أو في أرض.
أَوْ أَعَادَ دَارًا انْهَدَمَتْ أَوْ جَعَلَهَا حَمَّامًا أَوْ نَحْوَهُ فَرُجُوعٌ لَا إنْ جَحَدَهَا أَوْ آجَرَ أَوْ زَوَّجَ أَوْ زَرَعَ أَوْ وَطِئَ وَلَمْ تَحْمِلْ أَوْ لَبِسَ أَوْ سَكَنَ مُوصًى بِهِ أَوْ وَصَّى بِثُلُثِ مَالِهِ فَتَلِفَ أَوْ بَاعَهُ ثُمَّ مَلَكَ مَالًا أَوْ بِقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ فَخَلَطَهَا وَلَوْ بِخَيْرٍ مِنْهَا وَزِيَادَةُ مُوصٍ فِي دَارٍ لِلْوَرَثَةِ لَا الْمُنْهَدِمِ وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ ثُمَّ
قوله: (أو أعاد دارًا
…
إلخ) اعلم: أنه إذا انهدمت الدار الموصى بها، أو انهدم بعضها وزال اسمها، كان ذلك رجوعًا، وإذا أعادها ولو بآلتها القديمة، فرجوع أيضًا. وهذه مسألة المتن. فتدبر. قوله أيضاً على قوله:(أو أعاد دارا) أي: أو لم يعدها حيث زال الاسم بالانهدام. قوله: (فرجوع) لأن ذلك دليل اختياره الرجوع. قوله: (لا إن جحدها) أي: الوصية. قوله: (أو زرع) يعني: أرضاً لا حباً. قوله: (فتلف) أي: ماله الذي كان يملكه حين الوصية.
قوله: (ثم ملك مالا) يعني: غيره، فليس رجوعًا. قوله:(فخلطها) يعني: بجنسها لا بغيره ولم تتميَّز.
قَالَ: إنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَلَهُ فَقَدِمَ بَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ فلزيد
قوله: (فله): ما وصيت به لزيدٍ. قوله: (فقدم
…
إلخ) أي: قدم عمرو. قوله: (لزيد
…
إلخ) عبارة المصنف في «شرحه» : فالموصى به لزيد دون عمرو؛ لأن الموصي لما مات قبل قدوم عمرٍو، انقطع حقه من الموصى به، وانتقل إلى زيدٍ؛ لأنه لم يوجد إذا ذاك ما يمنعه، فلم يؤثر وجود الشرط بعد ذلك، كما لو علق إنسانٌ طلاقاً أو عتقًا على شيء، فلم يوجد إلا بعد موته، وقيل: بل يكونُ لعمرو، وعلم ما تقدم: أن عمرًا لو قدم في حياة الموصي كان له. قال في «الإنصاف» : بلا نزاع. انتهى.
وفهم منه: أن المتن على ظاهره، كـ «الإقناع» ، أي: من جهة أنه لا فرق بين أن يقدم عمرو بعد موت الموصي قبل قبول زيد، أو بعده، وأما قول المصنف في «شرحه»: وانتقل إلى زيد، أي: بموت الموصي، فلا يعني به: وجود القبول، بل يعني به: أن زيدا بموت الموصي صار متمكنا من القبول؛ لانقطاع حق الميت بموته، ولذلك لم يقيد بالقبول، بل شبه المسألة بطلاقٍ أو عتق علق على شيء، فلم يوجد إلا بعد الموت، فعلم: أن حق عمرو قد انقطع بمجرد موت الموصي قبل قدومه من غير توقف على شيء آخر. ففي تقييد منصور البهوتي في «شرح الإقناع» بالقبول، نظر. فتدبر. قوله أيضاً على قوله:(فلزيد) أي: لانقطاع حق عمرو بموت الموصي قبل قدومِه، وظاهره: كـ «الإقناع» ، سواء وجد القبول قبل قدومه، أو لا.
وَيُخْرِجُ وَصِيٌّ فَوَارِثٌ فَحَاكِمٌ الْوَاجِبَ وَمِنْهُ وَصِيَّةٌ بِعِتْقٍ فِي كَفَّارَةِ تَخْيِيرٍ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ فَإِنْ وَصَّى مَعَهُ بِتَبَرُّعٍ اُعْتُبِرَ الثُّلُثُ مِنْ الْبَاقِي وَإِنْ قَالَ أَخْرِجُوا الْوَاجِبَ مِنْ ثُلُثِي بُدِئَ بِهِ فَمَا فَضَلَ مِنْهُ فلِصَاحِبِ التَّبَرُّعِ وَإِلَّا بَطَلَتْ
قوله: (ويخرج وصي) أي: موصى إليه بإخراج الواجب. قوله: (فوارث) أي: جائز التصرُّف. قوله: (في كفارة تخيير) وهي كفارة اليمين. قوله: (من رأس المال) متعلق بـ (يخرج). قوله: (فإن وصى معه) أي: مع الواجب. قوله: (يتبرع) أي: من معين أو مشاعٍ. قوله: (اعتبر الثلث) أي: الذي تعتبر منه التبرعات. قوله: (من الباقي) أي: بعد أداء الواجب. قوله: (وإن قال
…
إلخ) أي: من عليه واجب ووصى بتبرع. قوله: (بديء) أي: بالبناء للمفعول، كما هو بضبطه. قوله:(وإلا بطلت) كما لو رجع عنها.