الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب
الْغَصْبِ
اسْتِيلَاءٌ غَيْرُ حَرْبِيٍّ عُرْفًا عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ وَيُضْمَنُ عَقَارٌ وأُمُّ وَلَدٍ
كتاب الغصب
الغصب: مصدر غصب يغصب، من باب: ضرب يضرب، وهو لغة: أخذ الشيء ظلما. قاله الجوهري، وابن سيده. وشرعًا: ما ذكره المصنف. والغصب حرام إجماعا، بالكتاب والسنة؛ لقوله تعالى:(ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)[البقرة: 188] وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يحل مال امريء مسلم إلا عن طيب نفس» . رواه ابن ماجه، والدارقطني.
قوله: (استيلاء غير حربي
…
إلخ) أي: التمكنُ والغلبةُ بفعل يعد استيلاء. قوله: (على حق غيره
…
إلخ) حقُّ الغير شامل الملك والاختصاص، وهو ما يستحق من يده عليه الانتفاع به، ولا يملك أحد مزاحمته فيه، مع عدم قَبول للتمول والمعاوضة. قوله:(قهرًا) حال خرج به الاختلاس، والنَّهب، والسرقة؛ لعدمِ القهر فيها. قوله:(بغير حق) ومنه المأخوذ مكساً ونحوه، وخرج به استيلاء الولي على مال موليه، فإنه بحقٍّ؛ وكذا الشفعة.
قوله: (ويضمن عقار) قال الجوهري: : العقار بالفتح: الأرض، والضياع، والنخل. «مطلع». ولعلَّ المراد به هنا: كل ما لم ينقل. قاله في «الحاشية» .
وقِنٌّ بِغَصْبِهِ لَكِنْ لَا تَثْبُتُ عَلَى بُضْعِ أَمَةٍ فَيَصِحُّ تَزْوِيجُهَا وَلَا يَضْمَنُ نَفْعَهُ وَإِنْ غَصَبَ خَمْرَ مُسْلِمٍ ضَمِنَ مَا تَخَلَّلَ بِيَدِهِ لَا مَا تَخَلَّلَ مِمَّا جَمَعَ بَعْدَ إرَاقَةٍ
قوله: (وقن) ذكرًا كان أو أنثى، ولو مكاتبًا أو مدبرًا، أو معلقًا عتقه بصفة. قوله (على بضع) البضع بضم الباء، وجمعه أبضاع، كقفل وأقفال: يطلق على الفرج والجماع والتزويج. والبِضاعُ: الجماع لفظًا ومعنى. ذكره الحجاوي في «حاشيته» نقله عنه في «شرح الإقناع» ، رحمهما الله تعالى. قوله:(فيصح تزويجها) ولو أم ولد. قوله: (ولا يضمن نفعه) لأنه لا تصح المعاوضة بالإجارةِ عليه، ولو حبسَها حتى فات النكاح بالكبر. قوله:(ما تخلَّل بيده) يعني: إن تلف قبل ردِّه، وإلا وجب رده بعينه؛ لأن يدَ الأول لم تزل بالغصب، فكأنها تخللت في يده، وكذلك خمر الذمي بلا ولي؛ لوجوب ردِّها قبل التخلُّل حيث كانت مستترة، وكونها مالا بعد التخلل مطلقا. فقوله:(مسلم) ليس بقيدٍ في ذلك، والله أعلم. قوله:(بعد إراقةٍ) لزوال اليد إذن، ولعلَّ المراد: غير خلال. قاله في «شرح الإقناع» .
وَتُرَدُّ خَمْرُ ذِمِّيٍّ مُسْتَتِرَةً كَخَمْرِ خَلَّالٍ وكَلْبٌ يُقْتَنَى لَا قِيمَتُهَا مَعَ تَلَفٍ وَلَا جِلْدِ مَيْتَةٍ غُصِبَ ; لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِدَبْغٍ وَلَا يَضْمَنُ حُرٌّ بِاسْتِيلَاءٍ عَلَيْهِ وَتُضْمَنُ ثِيَابُ حُرٍّ صَغِيرٍ وَحُلِيُّهُ لَا دَابَّةٌ عَلَيْهَا مَالِكُهَا الْكَبِيرُ وَمَتَاعُهُ وَإِنْ اسْتَعْمَلَهُ كُرْهًا أَوْ حَبَسَهُ مُدَّةً فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ لَا إنْ مَنَعَ وَلَوْ قِنًّا: الْعَمَلَ مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ
قوله: (وترد
…
إلخ) أي: وكذا لو غصب دهنًا متنجسًا، لأنه يجوز الإستصباح به في غير مسجدٍ. قاله في «شرح الإقناع». والظاهر: أنَّ مثل ذلك، جلد ميتة دبغ ثم غصب للانتفاع به في اليابسات. قوله:(مع تلف) أي: تلف الخمر والكلب، ولو كان المتلف لهما ذمياً. قوله: (ولا جلد ميتة
…
إلخ) فإن دبغه غاصب ردَّه، كما في «تصحيح الفروع». قوله:(ولا يضمن حر باستيلاء عليه) كبيرًا أو صغيرًا، بأن حبسه، ولم يمنعه الطعام والشراب، فمات عنده؛ لأنه ليس بمال، لكن لو بعد حرًا صغيرا أو مجنونا عن بيت أهله، لزمه رده، ومؤنته عليه. قوله: (لا دابة
…
إلخ) من زيادته على «الإقناع» . قوله: (وإن استعمله كرهًا
…
إلخ) يعني: في خدمةٍ وخياطةٍ، ونحوهما. قوله:(مدة) يعني: لها أجرةٌ.
وَلَا يُضْمَنُ رِبْحٌ فَاتَ بِحَبْسِ مَالِ تِجَارَةٍ
فَصْلٌ:
وعَلَى غَاصِبٍ رَدُّ مَغْصُوبٍ إلَى مَحَلِّهِ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ لِكَوْنِهِ بُنِيَ عَلَيْهِ أَوْ بَعُدَ أَوْ خُلِطَ بِمُتَمَيِّزٍ وَنَحْوِهِ وَإِنْ قَالَ رَبُّ عَبْدٍ دَعْهُ وَأَعْطِنِي أُجْرَةَ رَدِّهِ إلَى بَلَدٍ غَصْبِهِ لَمْ يَجِبْ
قوله: (ولا يضمن ربح فات
…
إلخ) من زيادته على «الإقناع» ، كعبد يريد سيده تعليمه صناعةً. قوله:(مال تجارة) يعني: ولم يربح فيه غاصب.
قوله: (رد مغصوب) يعني: إلى محله. قوله: (قدر عليه) بأن كان باقياً. قوله: (أو خلط بمتميِّز) كسمسم ببر أو شعيرٍ. قوله: (ونحوه) كانفلات حيوانٍ غصبه بموضع يعسر مسكه فيه، ويحتاج فيه إلى أجرةٍ، فعلى غاصبٍ.
قوله: (لم يجب) كذا بضبطه، أي: لم يلزم الغاصب أن يجيبه إلى ذلك، وكذا لو بذل لمالك أكثر من القيمة، ولا يرد؛ لأن ذلك معاوضة، فتكون برضاهما، وإن أراد مالك من غاصب رده إلى بعضِ الطريق فقط، لزمه، كمدين أسقط عنه رب الدين بعضَه، وطلب باقيه، وكذا إن طلب مالك إبقاءه بمحله.
وَإِنْ سَمَّرَ بِالْمَسَامِيرِ بَابًا قَلَعَهَا وَرَدَّهَا وَإِنْ زَرَعَ الْأَرْضَ فَلَيْسَ لِرَبِّهَا بَعْدَ حَصْدِ إلَّا الْأُجْرَةُ وَيُخَيَّرُ قَبْلَهُ بَيْنَ تَرْكِهِ إلَيْهِ بِأُجْرَتِهِ أَوْ تَمَلُّكِهِ بِنَفَقَتِهِ وَهِيَ مِثْلُ الْبَذْرِ، وَعِوَضُ لَوَاحِقِهِ
قوله: (وإن سمر) كضرب: شد بها. «مطلع» . قوله: (باباً) أو غيره. قوله: (قلعها) أي: وجوباً. قوله: (إلا الأجرة) أي: أجرة المثل من وضع يده على الأرض إلى ردِّها، وليس له تملك الزرع بعد حصاده؛ لأنه انفصل عن ملكه، كغرسٍ قلعه. قول: (أوتملكه بنفقته
…
إلخ) ولا أجرة لمكثه في الأرض إذن، ويزكيه رب الأرض إذن، ولو بعد اشتداده، كما تقدم في الزكاة، ، وفصل في «الإقناع» ؛ فجعلها على رب الأرض إن أخذه قبل وجوب الزكاة، وعلى الغاصب إن أخذها بعده. قال في «شرح الإقناع» تأييدًا لما ذهب إليه المصنف، كـ «التنقيح»: ويفرق بين رب الأرض والمشتري؛ بأنَّ رب الأرض يتملكه بنفقته، فملكه مستندٌ إلى أول وجوده، بخلاف المشتري. انتهى. قوله:(وعوض لواحقة) من حرثٍ وسقي ونحوهما، ولو فعله غاصبٌ بنفسِه.
وَإِنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى فِيهَا أُخِذَ بِقَلْعِ غِرَاسِهِ أَوْ بِنَائِهِ وتَسْوِيَتِهَا وَأَرْشِ نَقْصِهَا وَأُجْرَتِهَا حَتَّى وَلَوْ كَانَ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ لَمْ يَغْصِبْهَا
قوله: (أخذ بقلع غرسه
…
إلخ) أي: ألزم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «ليس لعرق ظالم حق» . رواه الترمذي، وحسَّنه، وهو على وصف «العرق» بـ «الظلم» ، لا على الإضافة قاله الحارثي. وهذا الحديث محمول على الشجر؛ ليحصل الجمع بينه وبين قوله عليه الصلاة والسلام:«من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء وله نفقته» . رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وحسَّنه. في «المصباح»: وقوله عليه الصلاة والسلام: «ليس لعرق ظالم حق» قيل: معناه: لذي عرق ظالم، وهو الذي يغرس في الأرض على وجه الاغتصاب، أو في أرض أحياها غيره؛ ليستوجبها هو لنفسِه، فوصف العرق بالظلم مجازًا؛ ليعلم أنَّه لا حرمة له، حتى يجوز للمالك الاجتراء عليه بالقلع إذا امتنع منه صاحبه، كما يجوز الاجتراء على الرجل الظالم، فيرد ويمنع وإن كره ذلك. انتهى. قوله:(وأرش نقصها) حتى لو ترك زرعها، فنقصت، كأراضي البصرة.
لَكِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا يَمْلِكُ أَخْذَهُ بِقِيمَتِهِ وَإِنْ وَهَبَ لِمَالِكِهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ وَرُطَبُهُ وَنَحْوُهَا كَزَرْعٍ لَا غَرْسٍ لِمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ أَثْمَرَ مَا غَرَسَهُ غَاصِبٌ فِي مَغْصُوبٍ وَمَتَى كَانَتْ آلَاتُ الْبِنَاءِ مِنْ مَغْصُوبٍ فأُجْرَتُهَا مَبْنِيَّةً وَلَا يَمْلِكُ
قوله: (ولا يملك أخذه بقيمتِه) ولو نقصت بقلعه. قوله: (ونحوُها) مما يتكرر حمله، كقثاء وبامياء غير منسيةٍ. قوله:(كزرعٍ) فيخير فيه رب أرض. قال في «الحاشية» : لكن لو كان الغاصب أخذ منه جزَّةً أو لقطة فأكثر، فهل يمتلَّكه بجميع عوض اللواحِق، أو يحتسب عليه قيمة ما أخذه، أو يكون ذلك مانعًا من التملكِ؟ لم أر فيه نقلاً. انتهى. أقول: مقتضى قولِهم: له أخذه إذا أدركه قائمًا؛ أنه لا فرق في ذلك بين ما إذا كان الغاصبُ قد أخذ منه لقطة أو جزة أو لا، ومقتضى القول ملك صاحب الأرض إذا تملك الزرع، فإنه يستند إلى بذره في الأرض، حتى إنه يزكيه، ولو تملكه بعد الاشتداد، كما مشى عليه المصنف في الزكاة تبعا «للتنقيح» ؛ أنه حيث تملكه بعد أخذ الغاصب جزة أو لقطة، فإنه يرجع بذلك على الغاصب؛ لأنَّ ملكه استند إلى أول وضعه في الأرض. فتدبر. قوله:(لا غرسٍ) فإن أثمر، كان الثمر لغاصب ولو قبل جذاذٍ.
قوله: (من مغصوبٍ) بأن ضرب من ترابه لبنًا، وبنى به بيتاً فيها. قوله:(مبنيَّةً)
هَدْمَهَا. وَإِلَّا فأُجْرَتُهَا فَلَوْ أَجَّرَهُمَا فَالْأُجْرَةُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِمَا وَمَنْ غَصَبَ أَرْضًا وَغِرَاسًا مَنْقُولًا مِنْ وَاحِدٍ فَغَرَسَهُ فِيهَا لَمْ يَمْلِكْ قَلْعَهُ وَعَلَيْهِ إنْ فَعَلَ أَوْ طَلَبَهُ رَبُّهُمَا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ تَسْوِيَتُهَا ونَقْصِهَا ونَقْصِ غِرَاسٍ وَإِنْ غَصَبَ خَشَبًا فَرَقَّعَ بِهِ سَفِينَةً قُلِعَ وَيُمْهَلُ مَعَ خَوْفٍ
لأنها ملكه لا يملك هدمها إن أبرأه
…
إلخ، مما تلف بها.
قوله: (وإلا) أي: وإلا تكن آلات البناء من مغصوب. قوله: (بقدر قيمتهما) أي: توزَّع بالمحاصَّة بقدر أجرة مثل الأرض وأجرة البناء.
قوله: (عليه إن فعل) أي: بغير إذن مالك. قوله: (لغرض صحيح) بأن كان لا ينتج مثله في الأرض. قوله: (ونقصها) أي: أرشه. قوله: (ونقص غراس) وإن غصب أرضاً لرجل وغراسًا من آخر، وغرسه فيها، فكما لو حمله السَّيل إليها، فإذا قلنا: ليس له قلعة مجاناً، وغرم أرش النقص، رجع رب الأرض به على الغاصب؛ لتسببه في غرمه، وكذا لو زرع المغصوبة ببذر الغير، وقلنا: يبقى بأجرة مثله، فهي على غاصبه، هذا حاصل كلام المجد، كما أشار إليه في «شرح الإقناع». قوله:(ويمهل مع خوفٍ)
حَتَّى تَرْسِى. فَإِنْ تَعَذَّرَ فَلِمَالِكِ أَخْذُ قِيمَتِهِ وَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ إلَيْهِ ونَقْصِهِ وَإِنْ غَصَبَ مَا خَاطَ بِهِ جُرْحَ وَخِيفَ بِقَلْعِهِ ضَرَرُ آدَمِيٍّ أَوْ تَلَفُ غَيْرِهِ فقِيمَتُهُ وَإِنْ حَلَّ لِغَاصِبٍ أُمِرَ بِذَبْحِهِ وَيَرُدُّهُ كَبَعْدَ مَوْتِ غَيْرِ آدَمِيٍّ
كما لو كان المغصوب في محل لو قلع منه دخل الماء السفينة وهي في اللجة، سواء كان فيها ملكٌ للغاصب أو لغيره، من حيوان، وغيره، أما لو كانت على الساحل أو كان أعلاها، فإنه يؤخذ حيث كان، ولصاحب اللوح طلب قيمته حيث تأخر القلع، كما أشار إلى ذلك المصنف بقوله: (فإن تعذر
…
إلخ) فإذا أمكن ردُّ اللوح، فعل، وردَّت القيمة.
قوله: (حتى ترسى) من أرسيت السفينة: حبستها بالمرساة. قوله: (فإن تعذر) يعني: الإرساء في زمنٍ يسيرٍ؛ لبُعد البرِّ. قوله: (أخذُ قيمتِه) يعني: حين التعذر بدليل الأرش. قوله: (إليه) أي: إلى آخذ القيمة.
قوله: (محترم) من آدمي أو غيره، بخلاف نحو مرتدٍّ وخنزيرٍ. قوله:(أو تلف غيره) أي: موت. قوله: (وإن حل لغاصب) كشاته، وإلا بأن كان لغيره، أو له، لكن لا يؤكل، لم يذبح، فتجب القيمة. قوله:(أمر بذبحه) يعني: ولو نقصت به قيمته أكثر من قيمة الخيط، أو لم يكن معدًا لأكل، كخيل. قاله في «الحاشية» .
وَمَنْ غَصَبَ جَوْهَرَةً فَابْتَلَعَتْهَا بَهِيمَةٌ فَكَذَلِكَ وَلَوْ ابْتَلَعَتْ شَاةُ شَخْصٍ جَوْهَرَةَ آخَرَ غَيْرَ مَغْصُوبَةٍ وَلَا تَخْرُجُ إلَّا بِذَبْحِهَا وَهُوَ أَقَلُّ ضَرَرًا ذُبِحَتْ وَعَلَى رَبِّ الْجَوْهَرَةِ مَا نَقَصَ بِهِ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ رَبُّ الشَّاةِ بِكَوْنِ يَدِهِ عَلَيْهَا وَإِنْ حَصَلَ رَأْسُهَا بِإِنَاءٍ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَّا بِذَبْحِهَا أَوْ كَسْرِهِ وَلَمْ يُفَرِّطَا كُسِرَ وَعَلَى مَالِكِهَا أَرْشُهُ وَمَعَ تَفْرِيطِهِ تُذْبَحُ بِلَا ضَمَانٍ وَمَعَ تَفْرِيطِ رَبِّهِ يُكْسَرُ بِلَا أَرْشٍ وَيَتَعَيَّنُ فِي غَيْرِ مَأْكُولَةٍ كَسَرَهُ وَيَحْرُمُ تَرْكُ الْحَالِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ
قوله: (فابتلعتها بهيمةٌ) يعني: بتفريطه، أو لا. قوله:(ولا تخرج .... إلخ) أي تعذر إخراجها. قوله: (وهو أقل ضررٍ) أي: بأن يكون نقصها بالذبح أقل من قيمة الجوهرة. قوله: (وعلى رب الجوهرة
…
إلخ) ظاهره: وإن لم يفرط. قوله: (ويتعين في غير مأكولةٍ كسره) ولو كان التفريط من ربها، وعليه أرشه مالم يكن المفرط هو رب الإناء. قوله أيضاً على قوله: (ويتعين في غير مأكولة
…
إلخ) وإن قال من وجب عليه الغرم: أنا أتلف مالي ولا أغرم شيئًا، فله ذلك. «شرحه». قوله:(على ما هو عليه) فإن لم يفرط رب الإناء، وامتنع رب مأكولةٍ من ذبحها ومن أرشِ كسرِ الإناءِ،
وَلَوْ حَصَلَ مَالُ شَخْصٍ فِي دَارٍ آخَرَ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ بِدُونِ نَقْضِ وَجَبَ وَعَلَى رَبِّهِ ضَمَانُهُ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ صَاحِبُ الدَّارِ
أو رب غير مأكولة من أرش كسرٍ، أجبر؛ لإزالة الضرر، كالعلف.
قوله: (ولو حصل مال شخص
…
إلخ) فإن باع داراً، وفيها ما يعسر إخراجه كخوابي غير مدفونة وخزائن غير مسمَّرة، أو حيوان، وكان نقض الباب أقلَّ ضررا من بقاء ذلك في الدار، أو من تفصيل ما يمكن تفصيله، أو ذبح ما يذبح نقض، وكان إصلاحه على البائع، وإن كان أكثر ضررًا لم ينقض، بل يصطلحان على ذلك؛ بأن يشتريَه مشتري الدار، ونحو ذلك.
اعلم: أن المال الحاصل في دارِ الغير، إما حيوانٌ أو غيره، بفعل ربِّ الدار أو بغير فعله:
فالأول، كما لو غصب نحو فصيل، فأدخله داره، فكبر، وتعذَّر خروجه بغير نقض الباب، ففي هذه الصورة، يجب نقض الباب؛ وردُّ الفصيل ونحوه، ولا شيء على ربِّ الحيوان، وكذا ينقض الباب لو دخل الحيوان بنفسه أو بفعل ربِّه، وعلى صاحب الفصيل فيهما ضمان نقض الباب، إن لم يفرِّط رب الدار.
والثاني، أعني: ما إذا كان المالُ غير حيوانٍ، كخشبة مثلا إن أدخلها الغاصب دارَه، ثم بنى الباب ضيقًا، فكالحيوانِ، وإن حصلت الخشبة من غير تفريط صاحب الدار، فإن كان كسرها أكثر ضررًا من نقض الباب،
وَمَنْ غَصَبَ دِينَارًا أَوْ نَحْوَهُ فَحَصَلَ فِي مِحْبَرَة آخَرَ أَوْ نَحْوِهَا وَعَسُرَ إخْرَاجُهُ فَإِنْ زَادَ ضَرَرُ الْكَسْرِ عَلَيْهِ فَعَلَى الْغَاصِبِ بَدَلُهُ وَأَلَّا تَعَيَّنَ الْكَسْرُ وَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا وَإِنْ حَصَلَ بِلَا غَصْبٍ وَلَا فِعْلِ أَحَدٍ كُسِرَتْ وَعَلَى رَبِّهِ أَرْشُهَا إلَّا أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْهُ لِكَوْنِهَا ثَمِينَةً وبِفِعْلِ مَالِكِهَا تُكْسَرُ مَجَّانًا
بأن تنقص قيمتها بالكسر أكثر من أرشِ نقضه وإصلاحه، فكالفصيل، فينقض الباب ويغرم صاحبها أرش نقضه وإصلاحِه، وإن كان كسرها أقلَّ ضررًا، كسرت، ولا شيء على صاحب الدار، هذا كله إذا لم يحصل من رب المال عدوان، فلو غصب دارًا، وأدخلها فصيلا، أو خشبة، أوتعدى على إنسان، فأدخل داره فرسًا ونحوها، كسرت الخشبة، وذبح الحيوان المأكول، ولو زاد ضرره على نقض البناء، وإن كان الحاصل من ذوات التركيب، كالتوابيت والأسرَّة، فكذلك إن فرَّط مالك الدار نقض البابُ من غير أرش، وإن فرط مالكه، فكك التركيبُ.
قوله: (فحصل
…
إلخ) يعني: بفعل غاصب أو لا. قوله: (أو نحوها) من كل إناء ضيِّق الرأس. قوله: (عليه) أي: على الدينار. قوله: (وإلا) أي: بأن تساويا أو كان الكسر أقلَّ. قوله: (كسرت) مطلقاً. قوله: (لكونها ثمينة) أي: فلا تكسر ويصطلحان.
وبِفِعْلِ رَبِّ الدِّينَارِ يُخَيَّرُ بَيْنَ تَرْكِهِ وكَسْرِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَيَلْزَمُهُ قَبُولُ مِثْلِهِ إنْ بَذَلَهُ رَبُّهَا
فَصْلٌ
وَيَلْزَمُ رَدُّ مَغْصُوبٍ زَادَ بِزِيَادَتِهِ الْمُتَّصِلَةِ كَقِصَارَةِ وَسِمَنِ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةً والْمُنْفَصِلَةِ كَوَلَدِ وكَسْبِ وَلَوْ غَصَبَ قِنًّا أَوْ شَبَكَةً أَوْ شَرَكًا فَأَمْسَكَ أَوْ جَارِحًا أَوْ فَرَسًا فَصَادَ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ غَنِمَ فلِمَالِكِهِ
قوله: (إن بذله ربها) ولو في حالٍ يجبر على كسرها.
قوله: (زاد) صفة لمغصوبٍ. قوله: (بزيادته) متعلق بـ (زاد)، والباء للمصاحبة. قوله:(كولدٍ) أي: ولد بهيمة أو أمةٍ لم يحكم بحريته. قوله: (فأمسك) أي: المذكور صيدًا. قوله: (أو جارحًا) أي: أو سهمًا، كما في «المغني». قوله:(أو فرسًا) أي: أو قوسًا، كما في «الإقناع». قوله:(أو غنم) أي: عليه، وحذفَه؛ لدلالةِ الأوَّل عليه. قوله:(فلمالكه) أي: مالك المغضوب، بخلاف ما لو غضب منجلا أو فأسا، فقطع به حشيشًا أو حطبًا، أو سيفا، فقاتل به وغنم. والفرق حصول الفعل من الغاصب في هذه دون تلك.
لَا أُجْرَتُهُ زَمَنَ ذَلِكَ.
وَإِنْ أَزَالَ اسْمَهُ كَنَسْجِ غَزْلٍ وطَحْنِ حَبٍّ أَوْ طَبَخَهُ وَنَجْرِ خَشَبٍ وَضَرْبِ حَدِيدٍ وفِضَّةٍ وَنَحْوِهِمَا وَجَعْلِ طِينٍ لَبِنًا أَوْ فَخَّارًا
«حاشية» قوله أيضا على قوله: (فلمالِكه) أي: المذكور، قن وشبكةٍ وشرك وجارح وفرس، أو أنه أفرد الضَّمير للعطف بـ «أو» . والأول أولى؛ لأن الأفصح في المعطوف بـ «أو» المطابقة، كقوله تعالى:(إن يكن غنياً أو فقيرًا فالله أولى بهما). [النساء: 135] أفاده شيخنا محمد الخلوتي.
قوله: (لا أجرته) لعله مالم يكن الحاصل للمالك من ذلك أقل من أجرة المثل، وإلا ألزم الغاضب بقيتها.
قوله: (وإن أزال اسمه
…
إلخ) وكذا لو أزال اسم بعضه، فعليه رد باق وأرش نقصٍ، إن نقص بتفريقه، وما أزال اسمه مع أرش نقصه إن كان، ولا شيء له إن زاد، والله أعلم. قوله:(ونحوهما) كذهب. قوله: (وجعل طينٍ لبناً) إلا أن يجعل الغاصب فيه تبناً له، فله أن يحله ويأخذ تبنه. قال الحارثي: لكن عليه ضمان الللبن؛ قد تمحص للمالك. هذا إذا كان يحصل منه شيء، وإلا فليس له حله، وإن طالبه مالك بحله، لزمه إن كان فيه غرض صحيح. قوله:(أو فخاراً) الفخار: الطين المشوي، وقبل الطبخ، هو: خزف وصلصال. «مصباح» .
رَدَّهُ وأَرْشَهُ إنْ نَقَصَ وَلَا شَيْءَ لَهُ وَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَى رَدِّ مَا أَمْكَنَ رَدُّهُ إلَى حَالَتِهِ وَمَنْ حَفَرَ فِي مَغْصُوبَةٍ بِئْرًا. أَوْ شَقَّ نَهْرًا وَوَضَعَ التُّرَابَ بِهَا
قوله: (ولا شيء له) بخلاف صبغ ثوب، فإنه عين ماله. قوله: (وللمالك إجباره
…
إلخ) ظاهر كلامهم هنا: وإن لم يكن فيه غرض صحيح، لكن مقتضى ما تقدم: إنما يملك إجباره إذا كان فيه غرض صحيح، وجزم به الحارثي، كما أفاده في «شرح الإقناع». قوله أيضًا على قوله: (وللمالك إجبارُه على ردِّ ما أمكن ردُّه إلى حالته
…
إلخ) فلو قال مالك لغاصب: أعطني أجرة إعادته إلى حالته، لم يجب؛ لأن الواجب الإعادة بطلبه، لا المعاوضة عنها، كما تقدَّم في المغصوب إذا بُعِّد. قوله أيضًا على قوله:(وللمالك إجباره على ردِّ ما أمكن رده) بخلاف نحو أبواب، ومذبوح، ومطحون. قوله:(إلى حالته) كمسامير ضربها فيردها، بخلاف نحو فخار. (أو شقَّ نهرًا) ولو كشط تراب الأرض، فطالبه المالك برده وفرشه، لزمه ذلك. قاله في «الإقناع». قال في «شرحه»: وظاهره: وإن لم يكن فيه غرضٌ صحيحٌ، وهو أحد وجهين أطلقهما في «المبدع» وغيره،
فَلَهُ طَمُّهَا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَلَوْ بَرِئَ مِنْ مَا يَتْلَفُ بِهَا وَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ وَإِنْ أَرَادَهُ مَالِكٌ أُلْزِمَ بِهِ وَإِنْ غَصَبَ حَبًّا فَزَرَعَهُ أَوْ بَيْضًا فَصَارَ فِرَاخًا. أَوْ نَوًى. أَوْ أَغْصَانًا فَصَارَ شَجَرًا رَدَّهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ
وإن أراده غاصب لغرض صحيح، مكن منه، وإلا فلا.
قوله: (فله طمها
…
إلخ) أي: بترابها حيث بقي، فلو فات بنحو سيل أو ريح، فله الطم بغيره من جنسه لا برملٍ، أو كُناسةٍ ونحوها. ذكره الحارثي. قاله في شرح «الإقناع" قوله:"لغرض صحيح" كإسقاط ضمان ما يقع فيها، ومطالبة تفريغ الأرض. قوله:(ولو أبريء مما يتلف بها) لأنَّ الغرض قد يكون غيره، كأن نقل ترابها إلى ملك نفسشؤ أو غيره، أو إلى طريق. فلو لم يكن له غرض، كما لو وضع التراب في أرض مالكها أو موات، وأبراه من ضمان ما يتلف يها، لم يملك طمها. قاله في «الإقناع». قوله:(وإن أراده) أي: الطم لغرصٍ صحيح. قوله: (فزرعه) أي: في أرضه، أو أرض غيره.
فَصْلٌ
وَيَضْمَنُ نَقْصَ مَغْصُوبٍ وَلَوْ رَائِحَةَ مِسْكٍ وَنَحْوِهِ أَوْ نَبَاتِ لِحْيَةِ عَبْدٍ وَإِنْ خَصَاهُ أَوْ أَزَالَ مَا تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ مِنْ حُرٍّ رَدَّهُ وقِيمَتَهُ وَإِنْ قَطَعَ مَا فِيهِ مُقَدَّرٌ
قوله: (ويضمن نقص مغصوب
…
إلخ) بعد غضصبه وقبل رده. وظاهره: لا يضمن نقص صفة محرمة، كغناء ونحوه. قوله:(ولو رائحةَ مسكٍ) تذهبُ أو تنقصُ. قوله: (ونحوِه) كعنبر. قوله: (أو بنبات
…
إلخ) أي: أو قطع أذن نحو حمار. قوله: (وإن خصاه) أي: العبد. ولو زادت قيمته بالخصاء. قوله أيضاً على قوله: (وإن خصاه أو أزال ما تجب فيه دية من حرٍّ
…
إلخ) من عطف العام على الخاص؛ ليفيد أنه تجب قيمته إذا خصاه ولو لم تنقص به القيمة بل أو زادت. قوله أيضا على قوله: (وإن أزال ما تجب فيه دية من حر
…
إلخ) وقوله: (وإن قطع ما فيه مقدر
…
إلخ) علم منه: أنه لو ذهب منه ما فيه مقدر بغير جناية عليه، كما لو عمي أو خرس أو ذهبت يده أو رجله بنحو أكلة، فإنه يضمن النقص فقط، دون المقدر، وجزم به في «الإقناع» . وكذا لو قطعت يده ونحوها قصاصاً، فإنه ليس على الغاصب إلا النقصُ. قوله أيضاً على قوله:(ما تجب فيه دية من حر): كأنفِه أو لسانِه أو يديهِ أو رجليهِ.
قوله: (وإن قطع ما فيه مقدر
…
إلخ) أي: من رقيق مغصوب، وأما الدابة، فتضمن جنايتها بما نقص من قيمتها، ولو بتلف إحدى عينيها، وما روى زيد بن ثابت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في عين
دُونَ ذَلِكَ فأَكْثَرُ الْأَمْرَيْنِ وَيَرْجِعُ غَاصِبٌ غَرِمَ عَلَى جَانٍ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ فَقَطْ
الدابة بربع قيمتها، وروي عنن عمر أيضا، قال في «المبدع»: لا نعرف صحته، بدليل احتجاج أحمد بقول عمر دونه، مع أن قول عمر محمول على أنَّ ذلك كان قدر نقصِها.
قوله: (دون ذلك) أي: الدية الكاملة، كقطع يدٍ أو رجلٍ. قوله:(فأكثرُ الأمرين) من ديةِ المقطوعِ، ونقص قيمته. فول غصب عبدًا قيمته ألف، فزادت عنده إلى ألفين، ثم قطع يده، فصار يساوي ألفًا وخمس مئة، كان عليه مع رده ألف. وإن كان القاطع ليده غير الغاصب، فعليه أرش الجناية فقط، وما زاد يستقرُّ على غاصبٍ، وللمالك تضمين الغاصب الكل؛ لحصول النقص بيده، وإلى هذا يشير قول المصنف: (ويرجع غاصب غرِم على جانٍ
…
إلخ). قوله: (غرم) بالكسر. قاله في «المختار» . قوله: (فقط) أي: دون ما زاد عن أرش جنايةٍ، فيستقرُّ على غاصب.
وَلَا يَرُدُّ مَالِكٌ أَرْشُ مَعِيبٍ أَخَذَهُ مَعَهُ بِزَوَالِهِ وَلَا يَضْمَنُ نَقْصُ سِعْرٍ كَهُزَالٍ زَادَ بِهِ وَيَضْمَنُ زِيَادَتَهُ لَا مَرَضًا بَرِئَ مِنْهُ فِي يَدِهِ وَلَا إنْ عَادَ مِثْلُهَا مِنْ جِنْسِهَا وَلَا إنْ نَقَصَ فَزَادَ مِثْلَهُ مِنْ جِنْسِهِ وَلَوْ صَنْعَةً بَدَلَ صَنْعَةٍ نَسِيَهَا
قوله: (ولا يرد مالكٌ
…
إلخ) يعني: أنه إذا استرد المالك المغصوب معيباً مع الأرش، ثم زال العيب في يدِ مالِكه، لم يجب ردُّ الأرش؛ لاستقراره بأخذ العين ناقصةً. وكذا لوأخذه معيبًا بغير أرش، فزال العيب، لم يسقط الأرش. قوله أيضا على قوله:(ولا يرد مالك) كما لو غصب عبدا، فمرض عنده، فرده وأرش نقصه بالمرض، ثم برأ عند مالكه. قوله:(ولا يضمن نقص سعرٍ) لذهابِ نحو موسمٍ.
قوله: (زاد به) أي: أو لم يزدْ ولم ينقُص. قوله: (ولا إن عادَ مثلها) أي: قدرها والعينُ بيده. قوله: (من جنسِها) كصنعةٍ بدل صنعةٍ. بخلاف ما لو هُزِل، فتعلَّم صنعة، فيضمن. قوله: (ولا إن نقصَ فزادَ مثله من جنسه
…
إلخ) علم منه: أنَّه لو نقصَ، فغلى السعر، كعبد يساوي، وهو خياط مثلاً، مئة، فنسي الصَّنعةَ، فصار يساوي ثمانين، فغلى السعر، فصارَ يساوي مئة، أنه يضمن النَّقص حينئذٍ؛ لأن العائد ليس من جنس ما ذهب، والله أعلم. ثم رأيته مصرَّحًا به في «شرح المنتهى» ، ولله الحمد.
وَإِنْ نَقَصَ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ وَعَفِنَتْ خُيِّرَ بَيْنَ مِثْلِهَا أَوْ تَرْكِهَا حَتَّى يَسْتَقِرَّ فَسَادُهَا وَيَأْخُذَهَا وَأَرْشَ نَقْصِهَا وَعَلَى غَاصِبٍ جِنَايَةُ مَغْصُوبٍ وإتْلَافُهُ وَلَوْ عَلَى رَبِّهِ أَوْ مَالِهِ
قوله: (وإن نقص غير مستقر) بأن يكون سارياً غير واقف. قوله: (وعفنت) هو بكسر الفاء، بمعنى: فسدت من ندواةٍ أصابتها، وبابه: فرح فرحًا. قال في «المصباح» : عفن الشيء عفنا، من باب: تعب: فسد من نداوةٍ أصابتهُ، فهو يتمزَّق عند مسِّه، وعفن اللَّحم: تغيَّرت رائحته. انتهى. قوله أيضا على قوله: (وعفِنت) أي: ولم تبلغْ حالاً يعلم فيها قدر أرش نقصها. قوله: (خُيِّر بين مثلها) أي: ثم إذا استقرَّ نفصها يأخذها وأرش نقصها، ويردُّ المالك ما أخذ؛ لأن ملكَه لم يزل عن ماله يأخذ العوض، كما إذا أخذ القيمة؛ لتعذر ردِّ المغصوب، ثم قدر على المغصوب. وعبارة «الإقناع»: فإن استقرَّ أخذها والأرش. انتهى. ولا حاجة حيئنذ إلى ما حمله عليه الشارح. والله أعلم.
قوله: (وعلى غاصبٍ جناية مغصوب وإتلافه) إذ الإتلاف في الأموال، والجناية أعم؛ ولذلك اقتصر عليها في قوله: (وهي على غاصب
…
إلخ) وشمل كلامه جناية المغصوب على نفسه، فإنها على الغاصب أيضاً؛ إذ عليه أن
بِالْأَقَلِّ مِنْ أَرْشِ أو قِيمَتِهِ.
وَهِيَ عَلَى غَاصِبٍ هَدَرٌ وَكَذَا عَلَى مَالِهِ إلَّا فِي قَوَدٍ فَيُقْتَلُ بِعَبْدٍ غَاصِبٍ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَزَوَائِدُ مَغْصُوبٍ إذَا تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ أَوْ جَنَتْ كَهُوَ
يرده سليمًا تامًا، والله أعلم. قوله أيضا على قوله:(وإتلافه) أي: بدل ما يتلفُه.
قوله: (إلا في قَوَد) لأنَّه حق تعلق بنفسه لا يمكن تضمينه لغيره فاستوفي منه.
قوله: (فيقتل بعبد غاصب
…
إلخ) قتله عمدًا، كعبد غيره من أجنبي أو سيد. وفي «المستوعب»: من استعان بعبدِ غيره بلا إذن سيده، فحكمه حكم الغاصب حال استخدامه. قاله في «الإقناع». قال في «شرحه»: فيضمن جنايته ونقصه، وجزم به في «المبدع» ، وكذا في «المنتهى» في الديات. قوله أيضًا على قوله: (فيقتل بعبدٍ غاصب
…
إلخ) علم منه: أنه يقتل بالغاصب من باب أولى. وهل يتوقف اقتصاص الغاصب فيما إذا قتل عبده على كونه موسرًا بقيمته أم لا، ولو عفى الغاضب على مال، سقط حقُّه ولم يستحقَّ شيئا، وإذا كانت الجناية بإذن المالك، فينبغي أن لا تلزم الغاصب، والله أعلم.
فَصْلٌ
وَإِنْ خَلَطَ غَاصِبٌ أَوْ غَيْرُهُ مَا لَا يَتَمَيَّزُ كَزَيْتٍ وَنَقْدٍ بِمِثْلِهِمَا لَزِمَهُ مِثْلُهُ مِنْهُ وبِدُونِهِ أَوْ بِخَيْرٍ مِنْهُ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ فشَرِيكَانِ بِقَدْرِ قِيمَتَيْهِمَا كَاخْتِلَاطِهِمَا مِنْ غَيْرِ غَصْبٍ
قوله: (وإن خلط ما لا يتميز
…
إلخ) فإن تلف من الخليط بقدر ما للغاصب، تعين الباقي للمالك؛ لتعين حقه في المختلط، والله أعلم. قوله:(لزمه مثله) أي: مثل المغصوب كيلا ووزناً. قوله: (منه) أي: من المختلط. قوله: (فشريكان
…
إلخ) فيباع الجميع، ويدفع إلى كل واحد قدر حقه وإن تراضيا على أن يأخذ المغصوب منه أكثر من حقه أو أقل -والاختلاط بغير الجنس- جاز. بخلاف ما لو خلطه بجيد أو رديء، واتفقا على أن يأخذ أكثر من حقه من الرديء أو سمح الغاصب بدفع أكثر من حقه من الجيد؛ لأنَّه ربا، فإن رضي بدون حقه من الردئ أو سمح الغاضب بدفع أكثر من حقه من الجيد، جاز؛ لأنه لا مقابل للزيادة. وإن نقص مغصوب عن قيمته منفردًا، ضمه غاصب، وإن خلطه بما لا قيمةَ له كزيتٍ بماء، فإن أمكن تخليصه، فعل، وإلا أو كان يفسده، فعليه مثلُه. قاله في «شرح الإقناع» .
وَحَرُمَ تَصَرُّفُ غَاصِبٍ فِي قَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ وَلَوْ اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ بِدِرْهَمَيْنِ لِآخَرَ وَلَا تَمْيِيزٍ فَتَلِفَ اثْنَانِ
قوله: (وحرم تصرف غاصب
…
إلخ) أي: وكذا المالك. والمراد بـ (تصرف): فيه إفراز لماله لو توقَّف عليه، كأكِله، وبيعه جزءًا مفردًا. أما لو باع نصيبه أو وهبه مشاعًا، فينبغي أن لا يحرم، كما لو اختلطا من غير غصبٍ. قوله:(في قدر ماله) بأن ينفق من الدراهم المختلطة، أو يأكل من الطعام المختلط قدر حقه. والظاهر: لا يصحُّ تصرُّفه فيه مفردًا.
قوله: (ولو اختلط درهم
…
إلخ) في «شرح» منصور البهوتي: بلا غصب. وكذا في «الإقناع» ، ولعلَّه لا مفهوم له؛ إذ ما ذكر من الاحتمالين موجود مطلقًا. لا يقال: يجب كون التالف من مالِ الغاصب عقوبة له، لأن ذلك فيما صار الاشتراك فيه مشاعًا، بخلاف هذا؛ لتميز مال كل في نفس الأمر، والله أعلم. قوله أيضًا على قوله: (لو اختلط درهم
…
إلخ) مثله لو اختلط ستة بثلاثةٍ، فتلف ستة، فما بقي، فبينهما نصفين؛ لأنهما قد استويا في احتمال أن تكون الثلاثة كلها أو بعضها من مالِ أحدهما وهكذا. ولا يأتي ما في «تصحيح الفروع» من القرعة هنا؛ لأنا لم نتحقق أن الباقي من مال أحدهما، بخلاف المثال الأول، والله أعلم.
فَمَا بَقِيَ فَبَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِزَيْتٍ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا أَوْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا ضَمِنَ النَّقْصَ فِي الْمَغْصُوبِ وَإِنْ لَمْ تَنْقُصْ وَلَمْ تَزِدْ أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا فشَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا وَإِنْ زَادَتْ
قوله: (فبينهما نصفين) وفي «تصحيح الفروع» : الأولى أن يقرع بينهما؛ لأنَّا متحقِّقون أنه لأحدهما، وقد أثبته علينا، فيخرج بالقرعة كنظائره.
قوله: (وإن غصب ثوباً فصبغه) إلى آخر الفصل. حاصل هذه المسائل أنه: إما أن يغصب الثوب وحده، أو الصبغ وحده، أو يغصبهما من واحد، أو اثنين، فهذه أربعُ صور، وعلى كلٍّ منها: إما أن يزيد الثوب، أو الصبغ، أو هما، أو ينقصان كذلك، أو لا يزيد واحد منهما، ولا ينقص، فهذه سبعة في أربعة بثمانية وعشرين صورة.
وحاصل الجواب فيها: أنْ يقال: يشترك ربُّ الثوب والصبغ فيهما بقدر قيمتهما. ومن زادت قيمة ماله وحده، فله. فإن زادت القيمتان معًا، فبينهما، والنقصُ على غاصبٍ، وكذا في مسألة الزيتِ والسَّويق.
تنبيه: غاير في هذا الفصل بين قوله: (فشريكان بقدر قيمتيهما)، وقوله:(بقدر ماليهما)، وقوله:(بقدر حقيهما)، وذلك للتفنن، والله أعلم. قوله: (وإن زادت
…
إلخ) أي: بغُلُوِّ السعر، فلو حصلتِ الزيادة بالعمل فبينهما؛ لأنَّ عمله الغاصب في العين المغصوبة لمالكها حيث كان أثرًا،
قِيمَةُ أَحَدِهِمَا فلِصَاحِبِهِ فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قَلْعَ الصِّبْغِ لَمْ يَجِبْ وَلَوْ ضَمِنَ النَّقْصَ وَيَلْزَمُ الْمَالِكَ قَبُولُ صَبْغِ وتَزْوِيقِ دَارٍ وَنَحْوِهِ وُهِبَ لَهُ لَا مَسَامِيرَ سَمَّرَ بِهَا الْمَغْصُوبَ وَإِنْ غَصَبَ صِبْغًا فَصَبَغَ بِهِ ثَوْبًا أَوْ غَصَبَ زَيْتًا فَلَتَّ بِهِ سَوِيقًا فشَرِيكَانِ بِقَدْرِ حَقَّيْهِمَا وَيَضْمَنُ النَّقْصَ وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا وَصِبْغًا فَصَبَغَهُ بِهِ رَدَّهُ وأَرْشَ نَقْصِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ زَادَ
وزيادة مال الغاصب له. قاله المنصف في «شرحه» .
قوله: (قيمة أحدهما) كأن كانت قيمة الثوب عشرة، والصبغ خمسة، وصار مصبوغًا يساوي عشرين بسبب غلو الثوب أو الصبغ. قوله:(قبول صيغ) بكسر الصَّاد: ما يُصبغ به. قوله: (ونحوه) كنسج ثوب وقصره. قوله: (لا مسامير) لتميزها.
قوله: (وإن غصب ثوباً وصبغاً) يعني: من واحد أو اثنين، فلو كان الصبغ لشخص والثوب لآخر، فهما شريكان بقدر ملكيهما، وإن زادت قيمتهما، فلهما، وقيمة أحدهما، فلربه، وإن نقصت قيمتهما أو قيمة أحدهما، فعلى غاصب.
فَصْلٌ
وَيَجِبُ بِوَطْءِ غَاصِبٍ أَمَةً مَغْصُوبَةً عَالِمًا تَحْرِيمَهُ حَدٌّ ومَهْرُ وَلَوْ مُطَاوِعَةً وأَرْشُ بَكَارَةٍ ونَقْصٍ بِوِلَادَةٍ وَالْوَلَدُ مِلْكٌ لِرَبِّهَا وَيَضْمَنُهُ سِقْطًا لَا مَيِّتًا بِلَا جِنَايَةٍ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ
قوله: (ويجب بوطء غاصب
…
إلخ) يعني: أمة مغصوبة: قوله (حدٌّ) أي: للزنى. قوله: (ومهر) أي: مهر مثلها ولو ثيباً. قوله: (ولو مطاوعة) وتحد بشرطه. قوله: (وأرش بكارةٍ) فلا يندرج في المهرِ؛ لأن كلا منهما يضمن منفردًا، بدليلِ أنَّ من وطيء ثيبًا لزمه مهرها، وإن افتضَّها بأصبعه، لزمه أرش بكارتِها، وما يأتي في النكاح من الاندراج، ففي الحرة، ويطلب الفرق. قوله: (ونقص بولادة
…
إلخ) نصَّ عليها مع أنه تقدم أنه يضمن نقص مغصوبٍ؛ لئلا يتوهَّم أنه ينجبر بالولد. وصفة تقويمها أن ينظر كم تساوي، ثيباً لم تلد، وثيبًا ولدت، فما بينهما، فهو نقصُ الولادة، ولا تقدر بكرًا؛ لأخذ أرش بكارتها. قوله:(ويضمنه سقطاً لا ميتًا بلا جناية بعشرِ قيمةِ أمِّه) دلَّت هذه العبارة على ثلاثِ مسائل؛ الأولى: إذا ولدته سقطاً حيًا ثم ماتَ، فإنَّه يضمنه بعشر قيمة أمه. الثانية: ولد ميتاً بجناية فكذلك، أي: يضمنه بعشر قيمة أمِّه، كما صرح به في «الإقناع»
وَقَرَارُهُ مَعَهَا عَلَى الْجَانِي وَكَذَا وَلَدُ بَهِيمَةٍ
وظاهره: سواءٌ غصبها حاملاً به، أو حملت به عند الغاصب، وهو اختيار القاضي، وابنِ عقيل، وصاحب «التلخيص» ، وقدَّمه في «المغني» و «الشرح» ، و «الفروع» ، و «الفائق» ، وصححه في «الإنصاف». وعند أبي الحسين بن القاضي: يضمنه فيما إذا حملت به عند الغاصب بقيمتِه، كما لو كان حياً. وقال الموفق ومن تبعه فيها: والأولى أنه يضمنه بعشر قيمة أمه. قال في «تصحيح الفروع» عنه: وهو الصواب، ويحتمل الضَّمان بأكثر الأمرين. قال الحارثي: وهو أقيس. الثالثة: ولد ميتاً بلا جنايةٍ ولو تاماً، فلا شيء عليه. وبقي إذا ولدته حيًا تاماً ثم مات، فيجزم في «المغني» و «الشرح» وغيرهما: بأنه يضمنه بقيمته، والله أعلم. قوله أيضًا على قوله: (ويضمنه سقطاً
…
إلخ) أي: مولودًا قبل تمامه حيًا، فإن ولدته تامًا حيًا، ثم مات، ضمنه بقيمته. وجزم به في «المغني» و «الشرح» . وميتًا بجناية، ضمَّنه مالك من شاء من جان وغاصب. قوله:(ولا ميتًا) أي: ولو تامًا.
قوله: (وكذا لود بهيمةٍ) أي: حكمه حكم ولد أمةٍ فيما سبق من التفصيل، لكن إذا ولدته ميتًا بجنايةٍ، يضمن بما نقص أمه، لا بعشر قيمتها، كما يأتي في الجنايات.
وَالْوَلَدُ مِنْ جَاهِلِ حُرٌّ وَيَفْدِي بِانْفِصَالِهِ حَيًّا بِقِيمَتِهِ يَوْمَ وَضْعِهِ وَيَرْجِعُ مُعْتَاضٌ غَرِمَ عَلَى غَاصِبٍ بِنَقْصِ وِلَادَةٍ
قوله: (والولد من جاهل) للحكم أو الحال؛ لقرب عهده بإسلام أو نشوئه بباديةٍ بعيدة يخفى عليه مثلُ هذا الحال، أو اشتبهت عليه بزوجته، أو أمته، أو اشتراها من غاصبٍ ومن لا يعلم. قوله:(حر) أي: يلحق نسبه للشبهة. قوله: (ويُفدى بانفصاله حيا
…
إلخ) أي: ويفدى الولدُ من الجاهل، أي: يلزم الواطيء فداؤه، فلو انفصل ميتاً من غير جناية، فلا ضمان، كالولد من العالم، وبها يُضمن لرب الأمة بعشر قيمتها، ولورثته غرة، قيمتها خمس من الأبل موروثة عنه، لا يرثُ الضارب منها شيئاً؛ لأنَّه قاتل. صرَّح بمعناه في «الإقناع» ، والله أعلم.
قوله: (ويرجع معتاضٌ
…
إلخ) اعلم: أنه إذا انتقلت العينُ المعصوبة عن يد غاصبها إلى غير مالكها بشراء، أو قرض حيث صحَّ، ونحوهما، فالمنتقلة هي إليه بمنزلة الغاصب في كونِ المالك يملك تضمينه العين المنتقلة، سواء عالماً بكونها مغصوبة أو لا، لكن إنما يستقر عليه ما دخل على ضمانه من عين، أو منفعة، وما عداه يستقرُّ على الغاصب إن لم يعلم الثاني بالحال. وإذا تقرَّر ذلك، فالأيدي المترتبةُ على يدِ الغاصبِ عشرٌ. أشار المصنف رحمه الله تعالى إلى تفصيلها بقوله: (ويرجع
…
إلخ).
وَمَنْفَعَةٍ فَائِتَةٍ بِإِبَاقٍ وَنَحْوَهُ وَمَهْرٍ وَأُجْرَةِ نَفْعٍ وَثَمَرٍ وَكَسْبٍ وَقِيمَةِ وَلَدٍ وغَاصِبٌ عَلَى مُعْتَاضٍ بِقِيمَةُ وَأَرْشِ بَكَارَةٍ وَفِي إجَارَةٍ يَرْجِعُ مُسْتَأْجِرٌ غَرِمَ بِقِيمَةِ عَيْنٍ وغَاصِبٌ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ وَيَسْتَرِدُّ مُشْتَرٍ وَمُسْتَأْجِرٌ لَمْ يُقِرَّا بِالْمِلْكِ لَهُ مَا دَفَعَاهُ مِنْ الْمُسَمَّى،
قوله: (ومنفعة فائتة بإباق أو نحوه ومهر وأجرة نفع) فيه شبه تكرار. فلو قال: وأجرة نفع ولو فائتاً بإباق ونحو ومهر
…
إلخ، لكان أخلصَ، والله أعلم. قوله:(وغاصبٌ) أي: غرم.
قوله: (يرجع مستأجرٌ) أي: حيث جهل. قوله: (ويستردُّ مشتر) أي: ونحوه، (ومستأجر
…
إلخ) اعلم: أن في كل واحد منهما أربع صور؛ لأنه إما أن يعلم بالغصب، أو لا، وعلى التقديرين: إما أن يقرَّ بالملك، أو لا، فظاهر «الإقناع»: أنهما يستردَّان ما دفعاه من المسمَّى للغاصب في الصُّور كلها؛ ولذلك قال في «الإقناع» : بكل حال. انتهى. وهو مقتضى ما يأتي في الدعاوى. وأما كلام المصنف هنا، فدل منطوقه على الاسترداد في صورتين وهما: العلم بالغصب وعدمه مع عدم الإقرار بالملك للغاصب في الصورتين، ومفهومه: أنه لا استرداد في الصورتين الباقيتين، وهما: الإقرارُ بالملك للغاصب
_________
مع العلم بالغصب، وعدمه، ويأتي في الدعاوى والبينات: أن قوله: اشتريته من زيدٍ وهو ملكه، لا يمنع الرجوع عليه، ويمكن حمله على ما إذا قال ذلك جاهلاً، أو يكون هنا بعدم الإقرار؛ لشمول العبارة الصريحة إذا عُلم الحال. فتلخص من العبارتين ثلاث مسائل: الأولى: أن يعلم بالحال، ولا يقر بالملك وهي المرادة. الثانية: أن يقر بالملك ويجهل الحال، وهي المرادة هناك، وفي هاتين المسألتين يرجع معتاض بما دفعه للغاصب. الثالثة: أن يقر بالملك ويعلم الحال، وهذه لم ينص عليها وهي التي ينبغي أن يقال فيها: لا يرجع بشيء مؤاخذة له بإقراره؛ إذ لا يتأتى هنا العلم بأن مستنده في الإقرار اليد.
فائدة: قال منصور البهوتي: لو طالب المالك الغاصب بالثمن كله، إذا كان أزيد من القيمة، فقياس لمذهب أن له ذلك، كما نص عليه أحمد في المتجر في الوديعة من غير إذن: أنَّ الربح للمالك. قاله في «القواعد» . انتهى. وهذا واضح إذا لم يكن ردَّ العين، كأن جهل من دفعت له أو تلفت، أما إذا كانت باقيةً بحالها وأمكن ردُّها، فصريح كلامهم - في
_________
مواضع _ وجوب ردها، وما يتبعها من زيادة نفع وأرش وأجرة نقص. بل هو معنى قول المصنف: لو تلفت ضمَّن المالك من تلفت بيده قيمتها للمعتاض بما دفع، وهو صريح قول المصنف:(ويسترد مشتر ومستأجرٌ، لم يقرا بالملك له، ما دفعاه من المسمَّى) إذ لم يقيد بكون المسمى أقل من القيمة، أو أكثر، والله أعلم. على أن في أصل المسألة إشكالاً، وهو: أن البيع الذي قبض فيه الغضب أكثر من القيمة، أو أقلَّ، لم ينعقد، فالثمن باقٍ على ملك المشتري، فكيف يملكه المغضوب منه حيث جهل المشتري مثلا؟ فلو قيل: إنَّ الورع أن يقبض المالك من الثمن قدر قيمة المغصوب ويتصدَّق بالزائد، لم يبعد. فليتأمل. ومحلُّ رجوع القابض بعوض بما ذُكر، إذا كان جاهلاً بالحال، كما نبَّه عليه الشارح، ولعله لم يقيد بذلك؛ لتقييده به فيما بعد، فكأنه يقول: إذا ضمن الجميع القابض مع العلم فيما إذا لم يدخل على ضمان شيء ألبته، فأولى أن يضمن ذلك فيما إذا دخل على ضمان البعض مع العلم، والله أعلم. قوله أيضاً على قوله: (لم يقر بالملك له
…
إلخ) مفهومه: أنهما إذا أقرا بالملك له، لا يرجعان عليه، لكن يأتي في الدعاوى والبينات: أنَّ قول المدعي: اشتريته من زيد، وهو ملكه، لا يمنع الرجوع إذا انتزعه المدعي.
وَلَوْ عَلِمَا الْحَالَ وَفِي تَمَلُّكٍ بِلَا عِوَضٍ وَعَقْدِ أَمَانَةٍ مَعَ جَهْلِ يَرْجِعُ مُتَمَلِّكٌ
وأجاب بعض مشايخنا بأن قوله في الدعوى: وهو ملكه، ليس المقصودُ منه عادة الإقرار، وإنما يقصد به تصحيح الدعوى، فلم يثبت له حكم الإقرار قاله في «الحاشية» .
وأقول: يمكن التوفيق بين كلامي المصنف بحملِ ما يأتي في الدعاوى والبينات على ما إذا أقر بالملك جاهلاً بالحال، وما هنا على ما إذا كان عالماً بالحال، فيرجع مع الجهل، لا مع العلم، فلا معارضة إذن، وهذا أولى من بقاء كل من الكلامين على عمومه؛ لما علمت أنه محتمل خصوصًا، وظاهر «الإقناع» الرجوع في الكلِّ. فغاية ما في كلام المصنف أن مفهومه هنا فيه تفصيل، دلَّ عليه منطوق ما يأتي. فتلخَّص: أن الرجوع في ثلاث صور متفق عليه بين الكتابين، وارتفع التعارض بين الكلامين. وأن الذي فيه نزاع بين المصنف وصاحب «الإقناع» ، صورة ما إذا كان المشتري أو المستأجر عالماً بالحال مقرًا بالملك، فـ «الإقناع» على الرجوع، والمصنف على عدمه. فتأمل.
قوله: (ولو علما الحال) اي: كون العين مغصوبة.
قوله: (بلا عوض) كهبة، وصدقة. قوله:(وعقد أمانة) كوديعة، ورهن. قوله:(مع جهل) أي: مع جهلِ قابضٍ بغصبٍ.
وَأَمِينٌ بِقِيمَةِ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ وَلَا يَرْجِعُ غَاصِبٌ بِشَيْءٍ وَفِي عَارِيَّةٍ مَعَ جَهْلِ مُسْتَعِيرٍ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ وغَاصِبٌ بِقِيمَةَ عَيْنٍ وَمَعَ عِلْمِهِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَيَرْجِعُ غَاصِبٌ بِهِمَا وَفِي غَصْبٍ يَرْجِعُ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ بِمَا غَرِمَ وَلَا يَرْجِعُ الثَّانِي عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَفِي مُضَارَبَةٍ وَنَحْوِهَا يَرْجِعُ عَامِلٌ
قوله: (وأمين
…
إلخ) لا يناقِض هذا ما سبق في الوكالةِ والرهن؛ من أنَّ الوكيل والأمين في الرهن إذا باعا وقبضا الثمن، ثم بان المبيعُ مستحقاً، لا شيء عليهما؛ لأنَّ معناه: أن المشتري لا يطالبهما بالثمن الذي أقبضه لهما؛ لتعلُّق حقوقِ العقد بالموكل دون الوكيل. أما كون المستحقِّ للعينِ لا يطالبُ الوكيل، فلم يتعرَّضوا له هناك البتة، وهو بمعزلٍ عن مسألتهم بالكلية. قاله ابن رجب. قوله:(ولا يرجع غاصب) غرِم العين، والمنفعة.
قوله: (يرجع الغاصب الأول بما غرم) يعني: من قيمة عينٍ ومنفعةٍ تلفت عند الثاني، وأما أجرتها مدَّة إقامتِها عند الأوَّل، فهي عليه، وليس للمالك مطالبة الثاني بها، ولا للأول الرجوع بها على الثاني. فقد أشار إليه الشارح. قوله:(بشيء) أي: مطلقاً. قوله: (وفي مضاربة ونحوها يرجع عاملٌ
…
إلخ) أي: مع جهلٍ، كما يُعلم من مواضع: منها قوله في «شرحه الصغير» : لأنَّه غره؛ إذ العالم لم يغرَّ، ويؤخذه منه: أن الأجير في المال
بِقِيمَةِ عَيْنٍ وأُجْرَ عَمَلٍ وغَاصِبٌ بِمَا قَبَضَ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ مِنْ رِبْحٍ وثَمَرٍ فِي مُسَاقَاةٍ بِقِسْمَتِهِ مَعَهُ وَفِي نِكَاحٍ يَرْجِعُ زَوْجٌ بِقِيمَتِهَا وَقِيمَةِ وَلَدٍ اشْتَرَطَ حُرِّيَّتَهُ أَوْ مَاتَ وغَاصِبٌ بِمَهْرِ مِثْلٍ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ مِنْ مُسَمًّى وَفِي إصْدَاقٍ وخُلْعٍ أَوْ نَحْوِهِ عَلَيْهِ وَإِيفَاءِ دَيْنٍ يَرْجِعُ قَابِضٌ بِقِيمَةِ مَنْفَعَةٍ وغَاصِبٌ بِقِيمَةِ عَيْنٍ وَالدَّيْنُ بِحَالِهِ وَفِي إتْلَافٍ بِإِذْنِ غَاصِبٍ الْقَرَارُ عَلَيْهِ وَإِنْ عَلِمَ مُتْلِفٌ فعَلَيْهِ
المغضوب، كخياطةٍ، وبناء، وحائكٍ، لا يستحقُّ أجرة عملِه على أحد، إذا علم أنَّ العين غصبٌ؛ لتعدِّيه بذلك، والله أعلم. قوله:(ونحوها) كشركةٍ، ومساقاة.
قوله: (بقسمته) أي: الرِّبح، أو الثمر، أو الزرع. قوله:(يرجع زوجٌ) يعني: جهل الحال. قوله: (اشترط حريَّته) أي: أو غرَّ بها. قوله: (أو نحوه) كطلاق، وعتق، وصلح عن دم عمد.
قوله: (وإيفاءِ ديْنٍ) اي: دين سلم، أو غيرِه. قوله:(بإذن غاضبٍ) كذبح حيوانٍ، وطبخه. قوله:(القرارُ عليه) أي: الغاصب.
وَإِنْ كَانَ الْمُنْتَقِلُ إلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ هُوَ الْمَالِكُ فَلَا شَيْءَ لَهُ لِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَمَا سِوَاهُ فعَلَى الْغَاصِبِ وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِغَيْرِ مَالِكِهِ وَعَلِمَ بِغَصْبِهِ اسْتَقَرَّ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فعَلَى غَاصِبٍ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ إنَّهُ طَعَامُهُ ولِمَالِكِهِ أَوْ قِنِّهِ أَوْ دَابَّتَهُ أَوْ أَخَذَهُ بِقَرْضٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ أَبَاحَهُ لَهُ أَوْ اسْتَرْهَنَهُ أَوْ اسْتَوْدَعَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى قِصَارَتِهِ أَوْ خِيَاطَتِهِ وَنَحْوِهِمَا وَلَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَبْرَأْ غَاصِبٌ
قوله: (وإن أطعمه
…
إلخ)، هذه المسألة من أفراد قوله فيما تقدم: (وفي إتلافٍ بإذن غاصب
…
إلخ) فانظر ما فائدة تنصيصه عليها؟ ويمكن الجواب: بأن ما تقدَّم فيما إذا كان المتلف نائباً عن الغاصب، بخلاف ما هنا. فتدبر. قوله:(وإلا) أي: بأنْ ظنَّه الغاصب. قوله: (أو أخذه بقرض أو شراءٍ
…
إلخ) أي: أخذ المالك المغصوب من الغاصب. قوله: (أو أباحه له) بأن كان صابوناً، فقال: اغسل به، أو شمعاً، فأمره بوقده، ونحوه، وهو لا يعلم أنَّه ملكه. قوله:(لم يبرأ غاصب) اي: من جميع مالزِمَه، بسبب الغصب. وإلا فيبرأ في مسألة القرض والشِّراء من قيمةِ العين، وأرْش البكارة؛ لأنَّه يستقر عليه، لو كان أجنبياً.
وَإِنْ أُعِيرَهُ بَرِئَ كَصُدُورِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَالِكٍ لِغَاصِبٍ أَوْ أَقْرَضَهُ الْمَغْصُوبَ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ أَعَارَهُ لِغَاصِبِهِ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ أَوْ آجَرَهُ لَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ وَكَمَا لَوْ زَوَّجَهُ الْمَغْصُوبَةَ وَمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَ أَوْ بَنَى فِيهَا فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً
وكذا قوله: (وإن أعيره بريء) أي: بريء مما يستقر عليه لو كان أجنبياً، وهو قيمة العين. وأما المنفعة، فلا يبرأ الغاصب منها، حتى ما تلف تحت يد المالك قبل علمه بالحال، ولو حَذَفَ هاتين المسألتين، لكان أولى؛ لعلمهما من قوله: (وإن كان المنتقل
…
إلخ) قوله أيضاً على قوله: (لم يبرأ غاصبٌ) أي: من جميع ما لزمه بسبب الغصب. بل يبرأ ما دخل على ضمانه، كما تقدم في القاعدة، وهي قوله: (وإن كان المنتقل
…
إلخ) فيبرأ الغاصب فيما إذا أخذه المالك بشراء، أو قرض من قيمة العين وأرش البكارة، كالمعتاض الأجنبي، لا من المنفعة. وكذا قوله:(وإن أعيره برئ) فإنه لا يبرأ الغاصب من المنفعةِ، كما تقدَّم في الأجنبي، على أن المصنف - رحمه الله تعالى - لو حذف هذه الجملة، وهي قوله: (أخذه
…
إلخ) لعلم حكمها مما تقدم، والله أعلم.
قوله: (وأن أعيره برئ) أي: سواء علم المالك أنه ماله، أو لم يعلم. لكن له الرجوع بأجرة المنفعة على الغاصب، حتى المنافع التي تلفت تحت يد المالك قبل علمه. كما يجب على الغاصب قيمة الطعام الذي أباحه لمالكه، أو وهبه إياه، ونحوه. فتأمل. قوله:(وكما لو زوَّجه) أي: زوج المالك الغاضب، فتصير أمانة.
وَقَلَعَ غِرَاسَهُ أَوْ بِنَاءَهُ رَجَعَ عَلَى بَائِعٍ بِمَا غَرَّمَهُ وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ مَا اشْتَرَاهُ رَدَّ بَائِعُهُ مَا قَبَضَهُ وَمَنْ اشْتَرَى قِنًّا فَأَعْتَقَهُ فَادَّعَى شَخْصٌ أَنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ مِنْهُ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ صَدَّقَاهُ مَعَ الْمَبِيعِ لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهُ وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى مُعْتِقِهِ
فَصْلٌ
وَإِنْ أُتْلِفَ أَوْ تَلِفَ مَغْصُوبٌ ضُمِنَ مِثْلِيٌّ. وَهُوَ كُلُّ مَكِيلٍ أَوْ
قوله: (وقلع غرسه
…
إلخ) لا يعارضه ما تقدَّم من أن الغارس، والباني بعقد فاسد، كمستعير؛ لأنَّه فيما إذا تعاطى المالك العقد معه، فإنه كالإذن له في ذلك. وأيضا ذاك في الفاسد، وهذا في الباطل. «حاشية». قوله:(مطلقة) بأن لم تقل: ملكه في وقت كذا، بل أطلقت الملك. قوله:(رد بائعه ما قبضه) يعني: للمشتري، أي: البائع والمشتري. قوله: (لم يبطل عتقه) ولمالك تضمين من شاء منهما قيمته يوم العتق.
قوله: (أو تلف) ولو بصاعقة، أو بمرض غصب به. قوله:(ضمن مثليٌّ) بمثله، وغيره بقيمته. قال في «الانتصار» و «المفردات»: لو حكم حاكم بغير المثل في المثليِّ، وبغير القيمة المتقومِ، لم ينفذ حكمه، ولم يلزم قبوله. نقله في «الإقناع» وأقره، واقتصر عليه في «المبدع» وغيره.
مَوْزُونٍ لَا صِنَاعَةَ فِيهِ مُبَاحَةٌ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ بِمِثْلِهِ فَإِنْ أَعْوَزَ فقِيمَةُ
قوله: (لا صناعة فيه) أي: المكيل، بخلاف نحو هريسةٍ، والموزون بخلاف نحو حلي. قوله:(يصح السلم فيه) خرج به كلُّ مكيل، وموزون لا يصحُّ السلم فيه؛ لكونه مختلطاً بغيره مثلا اختلاطاً ينقص قيمته، كما لو غصب لبناً مشوباً بماء، ونحوه. وهذا أولى من التمثيلِ له بنحو الجوهر؛ إذ هو خارجٌ بقوله:(مكيل أو موزون) والله أعلم. إلا أن يقال: المراد: الجوهر الموزون. كما عبَّر به في «الحاشية» . قوله: (بمثله) نصاً؛ لأن المثل أقرب إليه من القيمة، لمماثلته له من طريق الصورة، والمشاهدة، والمعنى، بخلاف القيمة، فإنها تماثل من طريق الظنِّ، والاجتهاد. وسواء تماثلت أجزاءُ المثلي أو تفاوتت، كالأثمان - ولو دراهم مغشوشة رائجة - والحبوب والأدهان ونحوها، وفي رطب صار تمرًا، وسمسم صار شيرجا، يخير مالكه، فيضمنه، أي المثلين أحب. وأما مباح الصناعة، كمعمول حديدٍ، ونحاسٍ، وصوفٍ، وشعر مغزول، فيضمن بقيمته. «شرحه» . وينبغي أن يستثنى من ضمان المثلي بمثله الماء في المفازة، فإنَّه يُضمن بقيمته في البرية. ذكره في «المبدع» ، وجزم به الحارثي. قلت: ويؤيده ما قالوه في التيمم: وييمم رب ماء مات لعطش رفيقه، ويغرم قيمته مكانَه. قاله في «شرح الإقناع». قوله:(فإن أعوز) أي: تعذر
مِثْلِهِ يَوْمَ إعْوَازِهِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمِثْلِ لَا بَعْدَ أَخْذِهَا وَجَبَ وغَيْرَهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ تَلَفِهِ فِي بَلَدِ غَصْبِهِ مِنْ نَقْدِهِ فَإِنْ تَعَدَّدَ فمِنْ غَالِبِهِ وَكَذَا مُتْلَفٌ بِلَا غَصْبٍ وَمَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ
المثل لعدم، أو بعد، أو غلاء. قوله أيضاً على قوله:(فإن أعوز) يعني: أعوز في البلد أو حوله.
قوله: (يوم إعوازه) ولو قبل غصب. قوله: (فإن قدر) يعني: من عليه المثل. قوله: (وجب) أي: المثل ولو بعد الحكم عليه بأداءِ القيمةِ، كالمأمور بالتيمم عند ضيق الوقت، وعدم الماء، ثم قدر عليه قبل الصلاة. قوله: (وغيره بقيمته
…
إلخ) فإن كان زرعا أخضر، قوم على رجاء السلامة وخوف العطب، كالمريض الجاني. قاله في «شرح الإقناع». قوله:(يوم تلفه) ولو زادت قيمته بعده. والمراد باليوم هنا: الوقت ليلا كان، أو نهارًا فيما يظهر، كما تقدم. قوله:(ومقبوض بعقد فاسد) يعني: تلف، أو أتلف، يجب الضمان في صحيحه، كبيع، لا نحو هبة. منصور البهوتي. قوله: أيضا على قوله: (ومقبوض بعقد فاسد
…
إلخ) لكن لو اشترى ثمرة شجر شراء فاسدًا، وخلى البائع بينه وبينه على شجره، لم يضمنه بذلك؛ لعدمِ ثبوتِ يدِه عليه. ذكره بعض أصحابنا محلَّ وفاق. قاله ابن رجب في
وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ فَلَوْ دَخَلَ بِأَنْ أَخَذَ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ، أَوْ حَوَائِجَ مِنْ بَقَّالٍ وَنَحْوِهِ فِي أَيَّامٍ ثُمَّ يُحَاسِبُهُ فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ بِسِعْرِ يَوْمِ أَخْذِهِ وَيُقَوَّمُ مَصُوغٌ مُبَاحٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وتِبْرٌ تُخَالِفُ قِيمَةَ وَزْنِهِ بغَيْرِ جِنْسِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمَا بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَيُعْطَى بِقِيمَتِهِ عَرَضًا
«القواعد» ومقتضى قولهم: فإن دخل في ملكه، صحة العقد، وإلا لما ترتب عليه الملك. قال منصور البهوتي: هذا العقد جار مجرى الفاسد لكونه لم يعين الثمن، لكنه صحيح، إقامة للعرف مقام النطق. قال: وهذا وإن كان مخالفاً لما تقدم في البيع، أولى من القول بأنه فاسد يترتب عليه الملك.
قوله: (وما أجري مجراه) كالمقبوض على وجه السوم. منصور البهوتي. قوله: (في ملكه) أي: ملك المتلف له. قوله: (ونحوه) كجزَّار وزيات. قوله: (فإنه يعطيه) أي: لا يضمنه بالمثل، أو القيمة بل يعطيه
…
إلخ.
قوله: (يوم أخذه) قال منصور البهوتي: لتراضيهما على ذلك، ومقتضاه صحة البيع بثمن المثل. انتهى. حيث إن علماه حالة العقد، وإلا فهو كالبيع بما يشتري به زيد مثلاً، أو بما ينقطع به السعر، فلا يصحُّ، والله أعلم.
قوله: (ويعطى بقيمته
…
إلخ) الباء بدلية، أي: ويعطي الغاصب المالك عوضا بدل قيمة الحليِّ المصوغ من النقدين.
وَيُضْمَنُ مُحَرَّمٌ صِنَاعَةً بِوَزْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ وفِي تَلَفِ بَعْضِ مَغْصُوبٍ فَتَنْقُصُ قِيمَةُ بَاقِيهِ كَزَوْجَيْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا رَدَّ بَاقٍ وَقِيمَةَ تَالِفٍ وَأَرْشَ نَقْصِ وفِي قِنٍّ يَأْبِقُ وَنَحْوَهُ قِيمَتُهُ وَيَمْلِكُهَا مَالِكُهُ لَا غَاصِبٌ مَغْصُوبًا بِدَفْعِهَا فَمَتَى قَدَرَ رَدَّهُ
قوله: (ويُضمن محرم صناعة) كأواني ذهب، أو فضة، وحلي رجال محرم. قوله: (وفي تلف
…
إلخ) أي: يجب في ذلك. قوله: (يأبق) أبق العيد إباقاً، من بابي: تعب، وقتل في لغةٍ، والأكثر من باب: ضرب: إذا هَرَب من سيِّده من غير خوفٍ ولا كد عمل، هكذا قيده في «العين» ، وقال الأزهري: الإباق: هرب العبد من سيده. قاله في «المصباح» . قوله: (ونحوه) كجمل شَرَدَ. قوله: (ويملكها) قال منصور البهوتي: أي: القيمة. انتهى. وكذا المثل بالأولى. قوله: (بدفعها) قال منصور البهوتي: قال في «التلخيص» : ولا يجبر المالك على أخذها، ولا يصح الإبراء منها، ولا يتعلق الحق بالبدل، فلا ينتقل إلى الذمة، وإنما يثبت جواز الأخذ دفعاً للضرر، فتوقف على خيرته. انتهى كلامه، والظاهر: أن محل هذا إذا كانت عين الغصب باقية حين دفع البدل، وإلا فيجب البدل في الذمَّة، ويصحُّ الإبراء وغيره.
وَأَخَذَهَا أَوْ بَدَلَهَا إنْ تَلِفَتْ.
وفِي عَصِيرٍ تَخَمَّرَ خَلًّا بِيَدِهِ رَدُّهُ وأَرْشَ نَقْصِهِ وَكَمَا لَوْ نَقَصَ بِلَا تَخَمُّرٍ وَاسْتَرْجَعَ الْبَدَلَ وَهُوَ مِثْلُ الْعَصِيرِ الَّذِي دَفَعَهُ لِمَالِكِهِ لِلْحَيْلُولَةِ كَمَا لَوْ أَدَّى قِيمَةَ الْآبِقِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِ وَرَدَّهُ لِرَبِّهِ. وَإِنْ نَقَصَتْ قِيمَةُ عَصِيرٍ أَوْ زَيْتٍ غَلَاهُ غَاصِبٌ بِغَلَيَانِهِ فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهِ. وَمَا صَحَّتْ إجَارَتُهُ مِنْ مَغْصُوبٍ وَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَعَلَى قَابِضٍ وَغَاصِبٍ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ بَقَائِهِ بِيَدِهِ، وَمَعَ عَجْزِ عَنْ
قوله: (وأخذها) بزيادةٍ متصلةٍ. قوله: (إن تلفت) وليس لغاصب حس المغصوب لتردَّ قيمته، وكذا مشتر بعقد فاسد ليس له حبس المبيع على رد ثمنه. صححه في «التلخيص» ، بل يدفعان إلى عدلٍ يسلم إلى كل ما له. منصور البهوتي. قوله: (من مغصوب
…
إلخ) «من» للتبعيض لا للبيان.
محمد الخلوتي، لا يخفى عدمُ ظهور التبعيض؛ لأنَّ ضابطه صحَّة حلول بعضٍ محلها، فلو قيل: وما صحَّت إجارته بعض مغصوبٍ
…
إلخ، لما كان له معنى؛ إذ المتبادر إذن أن يكون بدلا من (ما) فالصواب: أنها للبيان؛ لما في (ما) من الإبهام. فتدبر. قوله: (بعقد فاسد) أي: يجب الضمان في صحيحه، كما تقدم. وصرَّح بمعناه في «شرحه» .
قوله: (مدة مقامه
…
إلخ) أي: فتضمنُ المنافعُ بالفوات والتفويت.
رَدِّ إلَى أَدَاءِ قِيمَةٍ وَمَعَ تَلَفِ فإلَيْهِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي وَقْتِهِ وَإِلَّا فَلَا كَغَنَمٍ وَشَجَرٍ وَطَيْرٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا مَنَافِعَ لَهَا يُسْتَحَقُّ بِهَا عِوَضٌ وَيَلْزَمُ فِي قِنٍّ ذِي صَنَائِعَ أُجْرَةُ أَعْلَاهَا فَقَطْ
قوله: (إلى أداء قيمته
…
إلخ) فلو دفع بعضها في أول شهر مثلا، ثم دفع الباقي في آخر الشهر، فهل تلزمه الأجرة إلى آخر الشهر، أم يلزمه بقدر ما بقي من القيمة؟ قوله:(وإلا فلا) أي: فلا تصحُّ أجارة المغصوب والمقبوض بعقدٍ فاسدٍ، أي: لم تجر عادة بإجارته، فلا يلزم غاصبه ولا قابضة أجرة. «شرح» منصور رحمه الله. قوله:(يستحق بها عوض) أي: غالبًا، فلا يرد صحة إجارة غنم لدياس زرع وشجر لنشر ونحوه؛ لندرته. منصور البهوتي. قوله: (ويلزم
…
إلخ) أي: يلزم غاصبا وقابضاً بعقدٍ فاسدٍ. قوله: (ذي صنائع
…
إلخ) علم منه: أنه لو لم يحسن صنعة، لم يلزمه أجرةُ صنعةٍ مقدَّرة، ولو حبسه مدة يمكن أن يتعلم فيها صنائع؛ لأنه غير متحقق، كما تقدم التنبيه عليه، والله أعلم.
فَصْلٌ
وَحَرُمَ تَصَرُّفُ غَاصِبٍ وَغَيْرِهِ فِي مَغْصُوبٍ بِمَا لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ مِنْ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ كَإِتْلَافٍ وَاسْتِعْمَالٍ كَلُبْسٍ وَنَحْوِهِ وَكَذَا بِمَا لَهُ حُكْمٌ كَعِبَادَةٍ وعَقْدٍ وَلَا يَصِحَّانِ وَإِنْ اتَّجَرَ بِعَيْنِ مَغْصُوبٍ أَوْ ثَمَنِهِ فَالرِّبْحُ وَمَا اشْتَرَاهُ وَلَوْ كَانَ الشِّرَاءُ فِي ذِمَّةٍ بِنِيَّةِ نَقْدِهِ ثُمَّ نَقَدَهُ لِمَالِكٍ
فصل في حكم تصرفات الغاصب وغيرها
قوله: (وحرم تصرف غاصب) وغيره ممن علم بالحال. قوله: (ونحوه) كاستخدامٍ وذبحٍ. قوله: (كعبادة) أي: كصلاة في ثوب أو بقعةٍ.
قوله: (بعينِ مغصوبٍ) يعني: أو مسروقٍ ونحوه. قوله: (وما اشتراه) أي: الغاصب من السِّلع. قوله: (بنية نقده) فلو اشتري في ذمته، ولم ينو دفع الثمن من المغصوب، فالربح للغاصب، خلافاً لـ «الإقناع» حيث جعله للمالك، والحاصل: أن الربح للمالك مطلقاً عند صاحب "الإقناع"، وفي غير هذه عند المصنف. قوله أيضاً على قوله:(بنية نقده) يعني: المغصوب أو ثمنه، لا إن لم ينو، خلافاً لـ «الإقناع» حيث قال: فإنه للمالك حتى في هذه الصورة. قوله: (لمالك) هذه المسألة مشكلة جدًا على قواعد المذهب؛ لأن تصرفات الغاصب غير صحيحةٍ، فكيف يملك المالك الربح والسلع؟ ! لكن نصوص أحمد رحمه الله متفقة على أن الربح للمالك، فخرج الأصحاب ذلك على وجوه مختلفةٍ، كلها ضعيفة، والأقرب ما في
وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ مَغْصُوبٍ أَوْ قَدْرِهِ أَوْ حُدُوثِ عَيْبِهِ أَوْ صِنَاعَةٍ فِيهِ أَوْ مِلْكِ ثَوْبٍ أَوْ سَرْجٍ عَلَيْهِ فقَوْلُ غَاصِبٍ وفِي رَدِّهِ أَوْ عَيْبٍ فِيهِ فَقَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ بِيَدِهِ غُصُوبٌ أَوْ رُهُونٌ لَا يَعْرِفُ أَرْبَابَهَا فَسَلَّمَهَا إلَى حَاكِمٍ وَيَلْزَمُهُ قَبُولُهَا بَرِئَ مِنْ عُهْدَتِهَا وَلَهُ الصَّدَقَةُ بِهَا عَنْهُمْ،
«المبدع» حيث حمله على ما إذا تعذر رد المغصوب إلى مالكه، ورد الثمن إلى المشتري، كما نقله عنه في «شرح الإقناع» . فتدبر.
قوله: (فقولُ غاصبٍ) اي: بيمينه حيث لا بيِّنة. قوله: (فقول مالكٍ) أي: بيمينه على نفي ذلك. قوله: (لا يعرف أربابها) أو عرفهم وفقدوا، وليس لهم ورثة. منصور البهوتي.
قوله: (وله الصدقة
…
إلخ) يعني: بلا إذن حاكم، ولو بوقف على المساكين. قال ابن رجب في «القواعد»: وعلى هذا الأصل يتخرج جواز أخذ الفقراء من الصدقة من يد من ماله حرام، كقطَّاع الطريق. وأفتى القاضي بجوازه. انتهى.
أقول: إنما يظهر هذا التخريج أن لو قصد المتصدق جعل الثواب
بِشَرْطِ ضَمَانِهَا كَلُقَطَةٍ وَيَسْقُطُ عَنْهُ إثْمُ الْغَصْبِ وَلَيْسَ لَهُ التَّوَسُّعُ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ فَقِيرًا وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُبَاحٍ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ حَرَامِ مَالِهِ غُنْيَةً عنه
لرب المتصدَّق به كما في مسألتنا، فيجوز قبول الصدقةِ إذن، وإلا فيد المتصدَّق عليه من جملة الأيدي العشر المترتبة على يد الغاصب، كما تقدَّم. قوله أيضاً على قوله:(وله الصدقة بها عنهم) فالثواب لأربابها، قال منصور البهوتي: بلا إذن حكام، كما في «الفروع» ، وليس لصاحبه إذا عرف ردُّ المعاوضة. انتهى.
قوله: (بشرط ضمانها
…
إلخ) أي: لأربابها إذا عَرفَهم، فيخيَّر مالك المال أذا حضر بين الأجر والبدل، ولا ينقض المالك تصرف المتصدق؛ لثبوت الولاية له شرعا للحاجة، كمَنْ ماتَ، ولا ولي له، ولا حاكم. قوله:(كلقطةٍ) حرم التقاطها، أو لم يُعرِّفها. قوله:(ويسقط عنه إثم الغصب) أي: مع التوبة. قوله: (وإن فقيرًا) أي: ودينٌ كعين.
قوله: (ومن لم يقدر على مباح
…
إلخ) قال في «الإختيارات» : لو باع الرجل مبايعاتٍ يعتقد حِلَّها، ثم صار المال إلى وراثٍ، أو متهبٍ، أو
كَحَلْوَاء وَنَحْوَهَا وَلَوْ نَوَى جَحْدَ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ حَقٍّ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ رَبِّهِ فَثَوَابُهُ لَهُ وَإِلَّا فلِوَرَثَتِهِ وَلَوْ نَدِمَ وَرَدَّ مَا غَصَبَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ بَرِئَ مِنْ إثْمِهِ لَا مِنْ إثْمِ الْغَصْبِ وَلَوْ رَدَّهُ وَرَثَةُ غَاصِبِهِ فَلِمَغْصُوبٍ مِنْهُ مُطَالَبَتُهُ فِي الْآخِرَةِ
مشتر، يعتقد تلك العقود محرَّمة، فالمثال الأصلي لهذا: اقتداءُ المأموم بصلاة إمام أخل بما هو فرض عند المأمومِ دونه، والصحيح: الصحة. نقله في «حاشية الإقناع» .
قوله: (كحلواء) كذا بضبطِه. قوله: (ونحوها) كفاكهةٍ.
قوله: (ولو نوى جحد
…
إلخ) لأن نية الجحد قائمة مقام إتلافه. قوله: (من ذلك) أي: المذكور من غصوب وغيرها. قوله: (وإلا فلورثته) علم منه: أنه يُثاب الإنسان على ما فات عليه قهرًا مع أنه لم ينوه.
قوله: (ولو رده ورثة غاصب) يعني: إلي ورثةِ مالكٍ.
فَصْلٌ
وَمَنْ أَتْلَفَ مِنْ مُكَلَّفٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ سَهْوًا مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ وَمِثْلُهُ يَضْمَنُهُ ضَمَّنَهُ وَإِنْ أُكْرِهَ فَمُكْرِهُهُ وَلَوْ عَلَى إتْلَافِ مَالِ نَفْسِهِ لَا غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَصَائِلٍ ورَقِيقٍ حَالَ قَطْعِهِ الطَّرِيقَ. وَمَالِ حَرْبِيٍّ وَنَحْوِهِمْ فَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ أَوْ حَلَّ قَيْدَ قِنٍّ أَوْ أَسِيرٍ أَوْ دَفَعَ لِأَحَدِهِمَا مِبْرَدًا فَبَرَدَهُ أَوْ حَلَّ فَرَسًا أَوْ سَفِينَةً فَفَاتَ أَوْ عَقَرَ شَيْءٌ
فصل فيما يضمن به المال بلا غصب
قوله: (ومن أتلف) من مكلف وغيرِه، إن لم يدفعه ربه إليه. قوله:(مالا) أي: لا نحو كلبٍ. قوله: (محترمًا) لا نحو صنم، وآلات لهوٍ. قوله:(لغيره) لا مالَ نفسه. قوله: (ومثله يضمنه) لا أهل عدلٍ وبغيٍ. قوله: (كصائل) أي: إن لم يندفع بدونه. قوله: (مبردًا) بكسر الميم: ما يبرد به الحديد. قوله: (فبرده) أي: القيد. قوله: (أو عقر
…
إلخ) أي: بأن كان الطائر جارحًا، فقلع عين إنسان ونحوه، وكذا لو حل سلسلة فهدٍ، أو ساجور كلب - وهو: خشبةٌ تجعل في عنقه - فقتل أو عقر، ضمنه. «شرحه» .
مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَتْلَفَ شَيْئًا أَوْ وِكَاءَ زِقِّ مَائِعٍ أَوْ جَامِدٍ فَأَذَابَتْهُ الشَّمْسُ أَوْ بَقِيَ بَعْدَ حَلِّهِ فَأَلْقَتْهُ رِيحٌ فَانْدَفَقَ ضَمِنَهُ لَا دَافِعُ مِفْتَاحِ لِلِّصِّ وَلَا حَابِسُ مَالِكِ دَوَابَّ فَتَتْلَفُ وَلَوْ بَقِيَ الطَّائِرُ أَوْ الْغَرْسُ حَتَّى نَفَّرَهُمَا آخَرُ ضَمِنَ الْمُنَفِّرُ
قوله: (أو أتلف) أي: الطائر، أو القِن، أو الفرس، أو نحوه. قوله:(شيئاً) كأن كسر إناء. قوله: (أو وكاء زِقِّ مائع
…
إلخ) ولو فتح بثقا - وهو: الجسر الذي يحبس الماء - فأفسد الماء زرعًا، أو غيره، ضمن. قال منصور البهوتي: قلت: وعلى قياسِه لو فات به ري شيء من الأراضي التي كانت تروى، بسبب سده، فيضمن فاتحه خراجه، وعلى قياسه لو فرَّط من يلي سد البثق فيه، فأزاله الماء عند علوه، وأتلف شيئاً، أو فات به ري شيء من الأراضي. انتهى. قوله:(فأذابته الشمس) بخلاف ما لو أذابته نار قربها إليه غيرُه، فإنَّ قياس المذهب يضمنه مقربها. ذكره المجد. قوله:(فألقته ريح) أي: لو زلزلة. قوله: (فاندفق) أي: أو خرج منه شيء. قوله: (ولا حابس مالك دواب) كذا بضبطه.
قوله: (ضمن المنفر) كدافع في بئر مع حافرها، وكذا لو حَلَّ حيواناً وحرَّضه آخرُ، فجنى، فإنَّ ضمان جنايته على المحرِّض.
فائدة: لو أتلف وثيقةً بمال لا يثبت إلا بها، فتعذَّر ثبوته، ضمِنَه.
وَمَنْ رَبَطَ أَوْ أَوْقَفَ دَابَّةً بِطَرِيقٍ وَلَوْ وَاسِعًا أَوْ تَرَكَ بِهَا طِينًا أَوْ خَشَبَةً أَوْ عَمُودًا أَوْ حَجَرًا أَوْ كِيسَ دَرَاهِمَ أَوْ أَسْنَدَ خَشَبَةً إلَى حَائِطٍ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بذَلِكَ وَيَضْمَنُ مَغْرَمًا أَخَذَهُ ظَالِمٌ بِإِغْرَائِهِ وَدَلَالَتِهِ
قوله: (أو أوقف دابة) أي: له أو لغيره ويدُه عليها؛ بأن كان راكبًا أو نحوه، فأتلفت شيئاً أو جنت بيدٍ أو رجلٍ، ضمن رابطها وموقفها. قاله في «الإقناع». قال في «شرحه»: وظاهره: لا يضمن جناية ذنبها. قوله: (أو ترك بها) أي: ألقى بها طينًا، أو قشر بطيخ، أو رشَّه فزلق به إنسان، ضمنه، إلا إن كان الرش لتسكين الغبار على الوجه المعتاد، فلا ضمان في ذلك. قوله:(أو حجرًا) لا في نحو مطر ليطأ عليه الناس، كما سيجيء. قوله:(إلى حائطٍ) وظاهره: ولو مال إلى السقوط. منصور البهوتي. قوله: (بإغرائه) كقوله: خذ من مالِه؛ فإنه كذا وكذا. والدال هو من يقول: ماله بمحلِّ كذا، ولعله يكتفي بأحد الأمرين؛ ليوافق ما تقدم في الحجر. ومثله من شكى إنساناً ظلمًا، فأغرمه شيئاً لحاكمٍ سياسيٍّ، كما أفتى به قاضي القضاة الشهاب ابن النجار، والد المصنف. قال في «شرح الإقناع»: ولم يزل مشايخنا يُفتون به، بل لو أغرمه شيئًا لقاضٍ ظلمًا، كان له الرجوع عليه، كما يعلم مما تقدم في الحجر. انتهى.
وَمَنْ اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا أَوْ لَا يُقْتَنَى أَوْ أَسْوَدَ بَهِيمًا أَوْ أَسَدًا أَوْ هِرًّا تَأْكُلُ الطُّيُورَ وَتَقْلِبُ الْقُدُورَ عَادَةً مَعَ عِلْمِهِ أَوْ نَحْوَهَا مِنْ السِّبَاعِ الْمُتَوَحِّشَةِ الْمُنَقِّحُ: وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ الْكَبْشُ الْمُعَلَّمُ النِّطَاحَ أَوْ خَرَقَ ثَوْبَ مَنْ دَخَلَ بِإِذْنِهِ أَوْ نَفَحَتْ دَابَّةٌ
قوله: (ومن اقتنى كلباً عقورًا
…
إلخ) فهم منه: أنه لو حصل شيء من ذلك في بيتِه من غير اقتنائِه ولا اختيارِه، فأفسد شيئاً، لم يضمنْه؛ لعدم تسببه، وصرح به في «شرحه» و «الإقناع». قوله:(عقورًا) أي: بأن تكون عادته ذلك. قوله: (أو لا يقتنى) كغير الثلاثةِ. قوله: (تأكل
…
إلخ) أي: المذكورات. قوله: (عادة) أي: بأن تقدمت للهر عادة بذلك، فإن لم يكن للهر عادة بذلك، لم يضمن صاحبه ما أتلفه، كالكلب الذي ليس بعقور. ولا فرق في ضمات إتلاف ما لا يجوز اقتناؤه مما تقدم، بين الإتلاف في الليل والنهارِ، بخلاف البهائم، كما سيجيء قوله:(مع علمه) أي: المقتني لذلك. قوله: (أو نحوها) كدبٍّ وقردٍ. قوله: (فعقر) أي: شيء من ذلك آدمياً أو دابةً. قوله: (من دخل) منزل المقتني إن لم ينبهه على الكلب، أو أنَّه غير موثقٍ. ذكره الحارثي، وكذا لو خرق ثوب من هو خارجُ منزله، بخلاف بوله وولوغه في إناء الغير - «شرحه» - لأنه لا يخص العقور. قوله: (أو نفحت دابة
…
إلخ) نفحت الدابة نفحًا: ضربت بحافرها. قاله في «المصباح» .
بضَيِّقٍ مِنْ ضَرْبِهَا ضَمِنَهُ وَيَجُوزُ قَتْلُ هِرٍّ بِأَكْلِ لَحْمٍ وَنَحْوِهِ وَمَنْ أَجَّجَ نَارًا بِمِلْكِهِ أَوْ سَقَاهُ فَتَعَدَّى إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ لَا بِطَرَيَانِ رِيحٍ فَأَتْلَفَهُ به ضَمِنَهُ
قوله: (بضيق) أي: لا واسع؛ لعدم حاجته إلى ضربِها، فهو الجاني على نفسِه. قوله: (ويجوز قتل هر بأكلِ لحمٍ
…
إلخ) بسبب ذلك. وقوله: (ونحوه) أي: نحو اللحم، كخبزٍ، وكذا سائر ما فيه أذى دفعًا لأذاه، وقيَّده ابن عقيل، ونصره الحارثي بحين أكلها اللحم ونحوه فقط، إلحاقاً لها بالصائل.
فائدة: إذا ألقت الريح إلى داره ثوب غيرِه، لزمه حفظه؛ لأنه أمانة، فإن عرف صاحبَه، لزمه إعلامه، فإن لم يفعل، ضمِنه، وإلا فلقطة. وإن سقط طائر غيره في داره، لم يلزمه حفظه، ولا إعلام صاحبه، إلا أن يكون غيرَ ممتنِع، فكالثوبِ.
قوله: (ومن أجج ناراً) أي: أوقد. قوله: (بملكه) ولو بإجارةٍ أو إعارةٍ وكذا بمواتٍ. منصور البهوتي. وأما بملك الغير، فيضمن مطلقًا، أفرط، أو فرط، أو لا. قوله:(إلى ملك غيرِه) ولو بأن تُيبِّس النار أغصان شجرة غيره ولم يكن في هوائِه. قوله: (لا بطريان ريحٍ
…
إلخ) قال في «عيون المسائل» : لو أججها على سطح داره، فهبَّت الريح، فأطارت الشرر، لم يضمن؛
إن أفَرطَ أَوْ فَرَّطَ.
وَمَنْ حَفَرَ أَوْ قِنُّهُ بِأَمْرِهِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ فِي فِنَائِهِ ضَمِنَ
لأنَّه في ملكه ولم يفرط. وهبوب الريح ليس من فعله.
قال المجد رحمه الله: لو أوقد نارًا لخبز ونحوه في السَّفينة، فظاهر رواية ابن هانيء وحربٍ: لا ضمان عليه؛ لأنه لا بدَّ له منه. انتهى. قال منصور البهوتي: فيؤخذ منه الضَّمان لو أوقدها لتناول التتن المشهور في نحو مصر بالدخان؛ لأنه غير ضروري. انتهى. قوله: (إن أفرط أو فرط) الإفراط: الإسراف، وهو: مجاوزة الحد عمدًا وعدوانًا، والتفريط: التقصير. فالأول: كما لو أجج نارا تسري في العادة لكثرتها، أو في ريح شديدة تحملها، أو قرب زرب أو حصيد. الثاني: كما لو ترك النار مؤججة، والماء مفتوحاً ونام، فحصل تلفٌ. قوله:(أو حفر قنه) أي: ولو أعتقه بعد. قوله: (بئرًا) أي: أو بعضها. قوله: (لنفسه) فلو حفرها لنفعٍ عامٍّ، فينبغي أن يقال: حكمه، كما لو حفَره بالطريق على ما يأتي. منصور البهوتي. قوله:(في فنائه) الفناء ككساء: ما كان خارج داره قريباً منها.
مَا تَلِفَ بِهِ وَكَذَا حُرٌّ عَلِمَ الْحَالَ لَا فِي مَوَاتٍ لِتَمَلُّكٍ أَوْ لِارْتِفَاقٍ أَوْ لِانْتِفَاعٍ عَامٍّ أَوْ فِي سَابِلَةٍ وَاسِعَةٍ أَوْ بَنَى فِيهَا مَسْجِدًا أَوْ خَانًا وَنَحْوَهُمَا لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ بِلَا ضَرَرٍ وَلَوْ بِلَا إذْنِ إمَامٍ كَبِنَاءِ جِسْرٍ ووَضْعِ حَجَرٍ بِطِينٍ لِيَطَأَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَمَنْ أَمَرَ حُرًّا بِحَفْرِهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِأُجْرَةٍ أَوْ لَا ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا حَافِرٌ عَلِمَ وَإِلَّا فَآمِرٌ كَأَمْرِهِ بِبِنَاءٍ وَحَلَفَا إنْ أَنْكَرَ الْعِلْمَ وَيَضْمَنُ سُلْطَانٌ أَمَرَ وَحْدَهُ
قوله: (وكذا حرٌّ) أي: حفر بفناءِ غيره، ولو بأجرةٍ. قوله:(علم الحال) أي: علم كونها ليست ملكه. قوله: (أو في سابلةٍ) أي: طريق مسلوك. قوله: (ونحوهما) كبناءٍ وقفه على المسجد. قوله: (لنفع المسلمين) كما لو حفرها ليجتمعَ فيها ماءُ المطر. قوله: (كبناءِ جسر) أي: قنطرة.
قوله: (بأجرةٍ) أي: مسمَّى أجرة؛ لأنه حيث كان عالماً بالحال لا يستحق أجرة؛ لتعديه، كما يعلم من قوله فيما تقدم:(وفي مضاربة ونحوها يرجع عامل بقيمة عين وأجر عمل). انتهى. إذ هو مبنيٌّ على ما إذا جهل الحال، كما هو مصرَّح به. قوله:(علم) أي: علم كونها ملك الغير. قوله: (كأمره ببناء) أي: في ملك غيره. قوله: (ويضمن سلطان آمرٌ وحده) ظاهره: ولو علم أنها لغير السُّلطان، ولعل محله إذا خاف المأمور إن خالف، بخلاف ما إذا أمره أمر تخييرٍ، وهل نائبه كذلك أم لا؟
وَمَنْ بَسَطَ فِي مَسْجِدٍ حَصِيرًا أَوْ بَارِيَةً أَوْ بِسَاطًا أَوْ عَلَّقَ أَوْ أَوْقَدَ فِيهِ قِنْدِيلًا أَوْ نَصَبَ فِيهِ بَابًا أَوْ عُمُدًا أَوْ رَفًّا لِنَفْعِ النَّاسِ أَوْ سَقَفَهُ أَوْ بَنَى جِدَارًا أَوْ نَحْوَهُ أَوْ جَلَسَ أَوْ اضْطَجَعَ أَوْ أَقَامَ فِيهِ وَاضْطَجَعَ أَوْ أَقَامَ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ وَإِنْ أَخْرَجَ جَنَاحًا أَوْ مِيزَابًا وَنَحْوَهُ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ أَوْ غَيْرِهِ بِلَا أَهْلِهِ فَسَقَطَ فَأَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَهُ وَلَوْ بَعْدَ بَيْعِ وَقَدْ طُولِبَ بِنَقْضِهِ لِحُصُولِهِ بِفِعْلِهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ وَلَا ضَرَرَ
قوله: (ومن بسط في مسجد) أي: أو نحوه، كمدرسة. قوله:(أو بارية) حصير خشن. قاله في «المصباح» . وتطلق في الشام على ما ينتج من قصب. قال المصنف: ولعلَّه مراد الأصحاب بقرينة العطف. قوله: (ونحوه) كمنبر، قوله:(لم يضمن ما تلف به) لأنه فعل مباح لم يتعد به على أحد، فإن كان الفعل محرمًا، كالجلوس مع الحيض في المسجد، أو مع إضرار المارة في الطريق ضمن به، ذكره في «شرحه» وخالف الحارثي في مسألة الحيض والجنابة؛ لأن المنع لا لذاتِ الجلوس، بل لمعنى قارنه، وهو الجنابة أو الحيض، فأشبه من جلس بملكه بعد نداء الجمعةِ.
قوله: (ونحوه) كساباط. قوله: (ضمنه) أي: المخرج، ومقتضى ما تقدم في حفرِ البئر: أن نحو الجناح من ضمان الباني، أي: الأجير إذا كان حرًا، وانظر هل يفرق بين العالم بالتحريم أم لا؟ قوله:(وقد طولب بنقضه) مفهومه: إن لم
وَإِنْ مَالَ حَائِطُهُ إلَى غَيْرِ مِلْكِهِ وَكَمَيْلِ شَقَّهُ عَرْضًا لَا طُولًا وَأَبَى هَدْمَهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْهُ
فَصْلٌ
وَلَا يَضْمَنُ رَبُّ
يُطالب قبل بيعِه، لا ضمانَ.
قوله: (وإن مال) فهم منه: أنَّه لو بناه مائلاً إلى ملك غيره بلا إذنه، ضمن ما تلف به، وحيث وجب الضمان، والتالف آدمي، فالدية على عاقلته؛ لأنها تحمل دية القتل الخطأ وشبه العمد، وإن أبرأه من مال الحائط إلى ملكه والحق له، فلا ضمان. قوله:(إلى غير ملكه) أي: مختصًا أو مشتركًا وقد بناه مستقيمًا. منصور البهوتي. قوله: (لا طولا) أي: فلا أثر له.
قوله: (ولا يضمن
…
إلخ) أي: فلو انفلتت الدابة ممن هي في يده، فأفسدت شيئاً، فلا ضمان على أحدٍ، «العجماء جرحها جبار» ، أي: هدر، فلو استقبلها إنسان، فردَّها، فقياس قول الأصحاب: الضمان. قاله الحارثي. ثم قال: ويحتمل عدم الضَّمان. قال: والبهيمة النزقة التي لا
غَيْرِ ضَارِيَةٍ وجَوَارِحَ وَشِبْهِهَا مَا أَتْلَفَتْهُ وَلَوْ صَيْدًا بِالْحَرَمِ وَيَضْمَنُ رَاكِبٌ وَسَائِقٌ وَقَائِدٌ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهَا جِنَايَةَ يَدِهَا وَفَمِهَا وَوَلَدِهَا ووطئها بِرِجْلِهَا
تنضبط بكبحٍ ولا نحوه، ليس له ركوبها بالأسواق، فإن ركب، ضمن، لتفريطه، وكذا الرموح: التي تضرب برجلها، والعضوض.
قوله: (غير ضارية) أي: معتادةٍ، أي: معروفة بالصول. قوله: (وجوارح) كالصقر، والبازيِّ إذا أطلقهما ربُّهما، فأفسدا طيور الناس. وقوله:(وشبهها) أي: شبه الجوارح، كالكلب العقور، والدابة والفرس العضوض إذا أطلق ذلك على الناس في طرقهم، ومصاطبهم، ورحابهم، فمتى أتلف ما ذكر، مالا أو نفساً، ضمنه لتفريطه.
قوله: (ويضمن راكب
…
إلخ) ظاهر كلام الأصحاب: أن ضمان النفس على صاحب الدابة في ماله، لا على عاقلته، وذكر بعض الشافعية أنه على العاقلة، كالقتل بالسبب؛ لاشتراكهما في التفريط، وهو حسن يناسب قواعد الأصحاب، بل هو عين قولهم. قاله ابن نصر الله، وصرَّح المجدُ بما يقتضي أنَّه لا خِلافَ فيه.
قوله: (وولدها) أي: ولو لم يفرِّط راكبٌ ونحوه. وظاهره: سواء جنى بيده أو فمه، أو رجله، أو ذنبه، قال منصور البهوتي: ولو قيل يضمن منه.
لَا مَا نَفَحَتْ بِهَا مَا لَمْ يَكْبَحْهَا زِيَادَةً عَلَى الْعَادَةِ أَوْ يَضْرِبْ وَجْهَهَا وَلَا جِنَايَةَ ذَنَبِهَا وَيَضْمَنُ مَعَ سَبَبٍ كَنَخْسٍ وَتَنْفِيرٍ فَاعِلُهُ وَإِنْ تَعَدَّدَ رَاكِبُ ضَمِنَ الْأَوَّلُ أَوْ مَنْ خَلْفَهُ إنْ انْفَرَدَ بِتَدْبِيرِهَا لِصِغَرِ الْأَوَّلِ أَوْ مَرَضِهِ وَنَحْوِهِمَا
ما يضمن منها فقط، لكان له وجهٌ. انتهى.
قوله: (لا ما نفحت بها) أي: ضربت بحافرِها. ويفرق بين ما هنا وبين ما تقدم من قوله: (أو نفحت دابة بضيق من ضربها، ضمنه) أي: المالك بأن الدابة في الضيق إذا كانت واقفةً، قد يحتاج المار إلى ضربها لتتأخر عنه، بخلاف ما هنا، فإنه ليس فيه أنها واقفة بضيق. فيتأمل. قوله:(مالم يكبحها) أي: يجذبها باللِّجام. قوله: (أو يضرب وجهها) أي: أو غيره مما لا يكون تأديباً معتاداً، ولو فعل ذلك لمصلحةٍ. قوله:(كنخس) نخست الدابة نخسا بعود - من باب: قتل - طعنته أو نحوه، فهاج، والفاعل نخَّاسٌ مبالغة، ومنه قيل لدلال الدواب ونحوها نخاس. «مصباح». قوله:(فاعله) أي: دون راكب ونحوه، وعليه فهدر.
قوله: (ضمن الأوَّل) ما يضمنه المنفرد؛ لأنَّه المتصرف فيها، القادر على كفِّها. فلو قال: ويضمن منفردٌ من راكبين بتدبيرها، وإن اشتراكا فيه، اشتركا في الضَّمان، كسائق وقائد، لكان أظهر. قوله:(ونحوهما) كعماه.
وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي تَدْبِيرِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا سَائِقٌ وَقَائِدٌ اشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ، وَيُشَارِكُ رَاكِبٌ مَعَهَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا وَإِبِلٌ وَبِغَالٌ مُقْطَرَةٌ كَوَاحِدَةٍ عَلَى قَائِدِهَا الضَّمَانُ وَيُشَارِكُهُ سَائِقٌ فِي أَوَّلِهَا فِي جَمِيعِهَا وفِي آخِرِهَا فِي الْأَخِيرِ فَقَطْ وفِيمَا بَيْنَهُمَا فِيمَا بَاشَرَ سَوْقَهُ. ومَا بَعْدَهُ وَإِنْ انْفَرَدَ رَاكِبٌ عَلَى أَوَّلِ قِطَارٍ ضَمِنَ جناية الْجَمِيعِ
قوله: (أو مع أحدهما) علم مما تقدم: أنه لو اجتمع الثلاثة أو اثنان منهم، لكن انفرد واحدٌ بالتصرف، اختص بالضمان. قاله منصور البهوتي. قوله:(وبغالٌ مقطَّرة) أي: بغالٌ، وغيرُها، أي: مجعولة قطارًا، والقطار من الإبل: عدد على نسق واحد، والجمع قطر، مثل: كتاب وكتب، وهو فعال بمعنى مفعول، مثل كتاب، وبساط. وقطرت الإبل قطرًا، من باب: قتل أيضًا، أي: جعلتها قطاراً، فهي مقطورة، وقطرتها بالتثقيل مبالغة. «مصباح». قوله:(ضمن جناية الجميع) قال منصور البهوتي: قلت فعلى هذا إن كان معه سائق، فعلى ما سبق من التفصيل إذا كان سائق وقائد، وإن كان المنفرد بالقطار راكباً، أو سائقًا على غير الأوَّل، ضمن جناية ما هو
وَيَضْمَنُ رَبُّهَا وَمُسْتَعِيرٌ وَمُسْتَأْجِرٌ وَمُودِعٌ مَا أَفْسَدَتْ مِنْ زَرْعٍ وَشَجَرٍ وَغَيْرِهِمَا لَيْلًا إنْ فَرَّطَ لَا نَهَارًا إلَّا غَاصِبُهَا وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ بَهَائِمَ فُلَانٍ رَعَتْ زَرْعَهُ لَيْلًا وَلَا غَيْرُهَا وَوُجِدَ أَثَرُهَا بِهِ قُضِيَ لَهُ
راكب عليه، أو سائق له، وما بعده دون ما قبله. انتهى.
قوله: (ومودع) قال منصور البهوتي قلت: وقياسه مرتهن وأجير لحفظها، وموصى له بنفعها. انتهى. قوله:(وغيرهما) كثوبٍ خرقته، أو مضغته، أو وطئت عليه ونحوه. قوله:(ليلاً) ولو لربها، فيضمنه مستعير ونحوه. قوله:(إن فرط) من هي بيده في حفظٍ؛ بأن لم يضمها بحيث لا يمكنها الخروج، فإن ضمها فأخرجها غيره بغير إذنه، أو فتح عليها بابا، فالضمان على مخرج، وفاتح. قوله:(لا نهارًا) أي: ولا يد لأحد عليها.
قال الحارثي: لو جرت عادة بعض أهل النواحي بربطها نهارا، وأرسالها وحفظ الزرع ليلا، فالحكم كذلك، أي: يضمن ربها، ونحوه ما أفسدت ليلا إن فرط، لا نهارًا؛ لأن هذا نادر، فلا يعتبر به في تخصيص الحديث.
قوله: (زرعه) أي: أو شجرهُ. قوله: (قضي له) وهو من القيافة في الأموال.
وَمَنْ طَرَدَ دَابَّةً مِنْ مَزْرَعَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ مَا أَفْسَدَتْهُ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ فَإِنْ اتَّصَلَتْ الْمَزَارِعُ صَبَرَ لِيَرْجِعَ عَلَى رَبِّهَا وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْرِجَهَا وَلَهُ مُنْصَرَفٌ غَيْرُ الْمَزَارِعِ فَتَرَكَهَا فهَدَرٌ كَحَطَبٍ عَلَى دَابَّةٍ، خَرَقَ ثَوْبَ بَصِيرٍ عَاقِلٍ يَجِدُ مُنْحَرِفًا وَكَذَا لَوْ كَانَ مُسْتَدْبَرًا فَصَاحَ بِهِ مُنَبِّهًا لَهُ وَإِلَّا ضَمِنَ فَصْلٌ
وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتَا ضَمِنَ كُلٌّ سَفِينَةَ الْآخَرِ وَمَا
قوله: (من مزرعته) يعني: فدخلت مزرعة غيره، لم يضمن
…
إلخ.
قوله: (فإن اتصلت المزراع) لم يطردها. قوله: (ليرجع على ربها) بما تأكله، حيث لا يمكنه منعها إلا بتسليطها على مال غيره. منصور البهوتي. قوله:(كحطبٍ على دابة) اي: أو على إنسان بالأولى. قوله: (خرق ثوب
…
إلخ) قال منصور البهوتي: قلت: وقياسه لو جرحه ونحوه، وكالحطب حديدٌ ونحوه. قوله:(وإلا ضمن) قال منصور البهوتي: قلت: وكالمستدبر الأعمى إذا صاح عليه منبِّهًا له بالانحراف لموضع يمكنه الانحراف، ولم يفعل. انتهى.
قوله: (ضمن كل) أي: كل من قيمتي السفينتين. منصور البهوتي.
فِيهَا، إنْ فَرَّطَ وَلَوْ تَعَمَّدَاهُ فشَرِيكَانِ فِي إتْلَافِهِمَا ومَا فِيهِمَا فَإِنْ قُتِلَ غَالِبًا فالْقَوَدُ وَإِلَّا فشِبْهُ عَمْدٍ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا وَاقِفَةً ضَمِنَهَا قَيِّمُ السَّائِرَةِ إنْ فَرَّطَ وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُنْحَدِرَةً ضَمِنَ قَيِّمُهَا الْمُصْعِدَةَ إلَّا أَنْ يُغْلَبَ عَنْ ضَبْطِهَا وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَلَّاحٍ فِيهِ وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُ الصَّادِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَعَ عَمْدٍ وَلَوْ خَرَقَهَا عَمْدًا أَوْ بِشِبْهِهِ أَوْ خَطَأً عُمِلَ بِذَلِكَ
قوله: (مع عمد) أي: تعمد الصدم، بل يعتد بفعله، فإن كان حرا، فليس لورثته إلا نصف ديته، وإن كان عبدًا، فليس لسيده إلا نصف قيمته؛ لأنه شارك في قتله، ومفهومه: أنه يسقطُ مع خطأ، فتجب الدية كاملة على العاقلةِ.
قوله: (عمل بذلك) أي: فيقتص في صورة العمد بشرطه. والدية في عاقلته في الأخيرين، والكفارة في ماله. والعمد؛ بأن يتعمد قلع لوح ونحوه في اللُّجة. وشبهه؛ بأن يقلع لوحاً من غير داع إلى قلعه، لكن في مكان قريبٍ من الساحل لا يغرق به من فيها غالباً. والخطأ؛ بقلع لوح يحتاج إلى الإصلاح في محل لا يغرق به من فيها غالبًا.
والْمُشْرِفَةُ عَلَى غَرَقٍ يَجِبُ إلْقَاءُ مَا يُظَنُّ بِهِ نَجَاةٌ غَيْرَ الدَّوَابِّ إلَّا أَنْ تُلْجِئَ الضَّرُورَةُ إلَى إلْقَائِهَا وَمَنْ قَتَلَ صَائِلًا عَلَيْهِ وَلَوْ آدَمِيًّا دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ
قوله: (يجب) أي: على الركبان. قوله: (غير الدواب) أي: ولو كل الأمتعة، فلو ألقى متاعه ومتاع غيره مع عدم امتناعه، فلا ضمان على أحد، ومع امتناع الغير يجوز الإلقاء لغير الممتنع، لكن يضمن. قوله:(إلى إلقائها) ومفهومه: أن الرقيق كالحر في أنه لا يلقى مطلقاً.
قوله: (ومن قتل صائلاً
…
إلخ) وإذا عرفت البهيمة بالصول، وجب على مالكها والإمام وغيره إتلافها إذا صالت على وجه المعروف، ولا تضمن، كمرتدٍ. ولو حالت بهيمة بينه وبين ماله، ولم يصل إليه إلا بقتلها، لم يضمن. قاله في «الإقناع». قوله:(دفعا عن نفسه) أي: إن لم يندفع إلا بالقتل، فلا يضمنه، فلو دفعه عن غيره، ضمن الدافع الصائل، إلا إن كان الصائل ولده، فلا يضمنه أبوه الدافع له، أو كان الصائل امرأة الدافع، كزوجة، وأم وأخت وخالة، فلا يضمن دافع، كما جزم به في «الإقناع». وفي الفتاوى «الرحبيات» عن ابن عقيل وابن الزاغوني:
أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ أَتْلَفَ وَلَوْ مَعَ صَغِيرٍ مِزْمَارًا. أَوْ طُنْبُورًا أَوْ عُودًا أَوْ طَبْلًا أَوْ دُفًّا بِصُنُوجٍ أَوْ حِلَقٍ أَوْ نَرْدًا أَوْ شِطْرَنْجًا أَوْ صَلِيبًا أَوْ كَسَرَ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ فِيهِ خَمْرٌ مَأْمُورٌ بِإِرَاقَتِهَا قَدَرَ عَلَى إرَاقَتِهَا بِدُونِهِ أَوْ لَا أَوْ حُلِيًّا مُحَرَّمًا عَلَى ذَكَرٍ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ
لا ضمان، أي: على الدافع عن غيره مطلقا، ونقل في «القواعد» عن القاضي: الضمان مطلقا، كما هو مفهوم كلام المصنف، فصاحب «الإقناع» قد توسَّط بين القولين.
قوله: (أو خنزيرا) أي: ولو لم يصل عليه. وكذا كل حيوان أبيح قتله، قوله:(أو أتلف) أي: بكسر، أو خرق، أو غيرهما. قوله:(ولو مع صغير) أي: ولو كان المتلفُ المفهوم من الفعل.
قوله: (أو كسر إناء فضة، أو ذهب) وأما إذا أتلفه، فإنه يضمنه بوزنه ذهبًا، أو فضة، كما تقدم بلا صناعة. قوله: (أو فيه خمر
…
إلخ) وهي ما عدا خمر خلَّال وذمي المستتر بها، فإنه لا يضمن إناءهما، تبعًا لهما. قوله:(لم يستعمله) أي: يتخذه. قال في «الآداب الكبرى» : ولا يجوز تخريق الثياب التي عليها الصور، ولا الرقوم التي تصلح بسطا وتداس، ولا كسر الحلي
يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ أَوْ آلَةَ سِحْرٍ أَوْ تَعْزِيمٍ أَوْ تَنْجِيمٍ أَوْ صُوَرَ خَيَّالٍ أَوْ أَوْثَانًا أَوْ كُتُبَ مُبْتَدِعَةٍ مُضِلَّةً أَوْ كُفْرٍ أَوْ حَرَقَ مَخْزَنَ خَمْرٍ أَوْ كِتَابًا فِيهِ أَحَادِيثُ رَدِيئَةٌ لَمْ يَضْمَنْهُ
المحرم على الرجال إن صلح للنِّساء. قال في موضع آخر: ولم يستعمله الرجال. قوله: (فيه أحاديث رديئة) أي: موضوعة. قال في «شرحه» : وظاهره: ولو كان معها غيرها.