المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الهبة: تَمْلِيكُ جَائِزِ التَّصَرُّفِ مَالًا - حاشية ابن قائد على منتهى الإرادات - جـ ٣

[ابن قائد]

الفصل: ‌ ‌باب الهبة: تَمْلِيكُ جَائِزِ التَّصَرُّفِ مَالًا

‌باب

الهبة:

تَمْلِيكُ جَائِزِ التَّصَرُّفِ مَالًا

باب الهبة

مصدر وهب الشيء هبة ووهبًا، بإسكان الهاء وفتحها، وقد تطلق الهبة على الموهوب. وفي «المحكم»: لا يقال: وهبكه، ونقل السيرافي سماع مثله، وأصلها من هبوب الريح، أي: مروره.

قوله: (الهبة تمليك

إلخ) وكذلك العطية، فهي مصدر، لكن قال الحارثي: ليست عند أهل اللغة كذلك فيما علمت، بل هي نفس الشيء المعطى، قال في «الإقناع»: وهبة التلجِئةِ باطلة، أي: وهي بحيث توهب في الظاهر وتقبض مع اتفاقهما على أن الواهب ينتزعها متى شاء، ونحو ذلك. قوله:(تمليك) خرج به العاريَّة. قوله: (مالاً) أي: لا نحو كلب. وظاهره: يشمل العين والمنفعة، ويؤيده أنه يصح بيعها فتصح هبتها، لكن قد يخالفه ما يأتي من قوله: (ومنحتكه وغلَّته وسكناه

لك عاريةٌ) فيحمل ما هنا على العين، والله أعلم.

ص: 389

مَعْلُومًا مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا تَعَذَّرَ عِلْمُهُ مَوْجُودًا مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ غَيْرَ وَاجِبٍ فِي الْحَيَاةِ بِلَا عِوَضٍ بِمَا يُعَدُّ هِبَةً عُرْفًا فَمَنْ قَصَدَ بِإِعْطَاءٍ ثَوَابَ الْآخِرَةِ فَقَطْ فصَدَقَةٌ وإكْرَامًا وَتَوَدُّدًا وَنَحْوَهُ هَدِيَّةٌ وَإِلَّا فهِبَةٌ

قوله: (معلوماً) يعني: منقولاً أو عقارًا. قوله: (تعذَّر علمه) كدقيقٍ اختلط بدقيقِ آخر. قوله: (موجودًا) لا معدوما كما تحمل به أمتُه. قول: (مقدورًا على تسليمه) أي: لا كآبق. قوله: (غير واجبٍ) أي: لا نحو نفقةِ قريب وزوجة. قوله: (في الحياة

إلخ) بخلاف الوصية. والظروف الثلاثة متعلقة بـ (تمليك) والباء الأولى للتعدية، والثانية للسببية، فلا يلزم تعلق حرفي جرٍّ بلفظ واحد، بمعنى واحدٍ، بعامل واحد. قوله:(بلا عوض) خرج به المعاوضات. قوله: (بما يعد هبة) أي: من كل قول أو فعل دلَّ عليها، كوهبتك، وملكتك، وأعطيتك، ومناولة سائل ونحوه. قوله:(وإكراما) أي: أو مكافأة، فإن قصد بالإعطاء ثوابَ الآخرة والإكرام والتودُّد، فهل تكون صدقة وهديَّة، أو هدية فقط؛ لاشتراطه في الصدق التمحض، بدليل قوله:(فقط) وهو أقرب؟ . فتدبر. قوله: (وإكرامًا أو توددًا) أي: أو هما معا. قوله: (ونحوه) كمحبة. قوله: (وإلا فهبة

إلخ) أي: إلا يقصد باعطاء شيئا مما ذكر.

ص: 390

وَعَطِيَّةٌ وَنِحْلَةٌ وَيَعُمُّ جَمِيعَهَا لَفْظُ الْعَطِيَّةِ وَقَدْ يُرَادُ بِعَطِيَّةٍ الْهِبَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

قوله: (وعطية، ونحلة) فالألفاظ الثلاثة متفقة معنى وحكما. منصور البهوتي. وهي - والله أعلم - مع الصدقة والهدية متفقة حكمًا. قال في «الإقناع» : وأنواع الهبة: صدقة، وهدية، ونحلة، وهي: العطية. انتهى. فجعل الهبة جنساً تحته أنواع ثلاثة، وهو مقتضى صنيع المصنف أيضًا حيث عرَّف الهبة، ثم نوعها إلى ما ذكر، غير أن المصنف ذكر أيضًا: أن العطية تعم الصدقة؛ والهدية، والهبة أيضًا، فيؤخذ منهما عموم كل من الهبة والعطية للأنواع الثلاثة، والأنواع الثلاثة - أعني: الصدقة، والهدية، والهبة - مستحبة إذا قصد بها وجه الله تعالى، كالهبة للعلماء، والفقراء، والصَّالحين، وما قصد به صلة الرحم. بل تقدَّم أن الصدقة على قريبٍ محتاج أفضل من عتقٍ. ولا شك أن الصدقة أفضل من الهبة. قال الشيخ: إلا أن يكون في الهبة معنى تكون به أفضل من الصدقة، كالإهداء لرسول صلى الله عليه وسلم محبة له، وكالإهداء لقريبٍ يصل به رحمه، أو أخ له في الله، فهذا قد يكون أفضل من الصدقة. انتهى كلامه رحمه الله وهو في غاية الحسن. قوله: (ويعم جميعها

إلخ) أي: الصدقة، والهدية، والهبة. قوله:(وقد يراد بعطية الهبة) أي: أو الموهوب.

ص: 391

وَمَنْ أَهْدَى لِيُهْدَى لَهُ أَكْثَرُ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِغَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَوِعَاءُ هَدِيَّةٍ كَهِيَ مَعَ عُرْفٍ وَكُرِهَ رَدُّ هِبَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ وَيُكَافِئُ أَوْ يَدْعُو إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ أَهْدَى حَيَاءً فَيَجِبُ الرَّدُّ وَإِنْ شُرِطَ فِيهَا وَصَارَتْ بَيْعًا وَإِنْ شُرِطَ ثَوَابٌ مَجْهُولٌ لَمْ يَصِحَّ

قوله: (لغير النبي

إلخ) اللام: بمعني: «من» ؛ لأنه مأمور بأشرف الأخلاق وأجلها، صلى الله عليه وسلم.

قوله: (ووعاء هدية، كهي) أي: فلا يرد نحو قوصرة التمر، فإن لم يكن عرف ردَّه. قوله:(وكره رد هبةٍ) علم منه: أنه لا يجب قبول هبة ولو جاءت بلا مسألةٍ ولا استشراف نفس، وهو إحدى الروايتين، وصوبه في «الإنصاف» ، وعنه: يجب. اختارها أبو بكر في «التنبيه» ، وصاحب «المستوعب» ، وتبعهما المصنف في الزكاة. قوله:(ويكافيء أو يدعو) أي: استحبابا فيما يظهر. قوله: (صارت بيعًا) أي: فيشترط لها شروطه، ويثبت فيها خيار وشفعة ونحوهما، وعلم منه: أنها لا تقتضي عوضًا بلا شرط، ولو دلت قرينة على العوض، كقضاء حاجة وشفاعة ونحو ذلك. قوله:(لم يصح) أي: كبيع بمجهول، وحكمها كبيع فاسد، فتضمن مع زيادتها، كمغصوب

ص: 392

وإن اختلفا في شرط عوض، فقول منكر.

وفي: وهبتني ما بيدي، فقال: بل بعتكه، ولا بينة، يحلف كل على ما أنكر، ولا هبة ولا بيع.

وتصح وتملك بعقد - فيصح تصرف قبل قبض - وبمعاطاة بفعل،

قوله: (ولا بينة) أي: أو لهما وتعارَضتا. قوله: (ولا هبة) أي: ثابتة، وإن نكلا أو أحدهما، فالظاهر: أنه لا يوقف الأمر، ولا هبة ولا بيع؛ لأن الأصل عدم كل واحد منهما.

قوله: (وتصح

إلخ) من زيادته، أي: فليس القبض ركنا ولا شرطًا للصحة، بل للزوم، خلافاً لابن عقيل في عده القبض ركناً. قوله:(وتملك بعقد) أي: بإيجاب وقبول، فالنماء والفطرة للمتَّهب وعليه. قوله:(فيصح تصرف قبل قبضٍ) أي: على المذهب، نص عليه، والنماء للمتهب. قاله في «الإنصاف» ، وفيه نظر؛ إذا المبيع بخيار لا يصح التصرف فيه زمنه، فهنا أولى؛ لعدم تمام لملك. منصور البهوتي. وأقول: يمكن الفرقُ بينهما؛ بأن مقتضى الخيار أن يبقى المعقود عليه على حاله؛ لينظر خير الأمرين من الفسخ والإمضاء، وأما الهبة، فإنه بمجرد العقد قد انقضى وطر الواهب من

ص: 393

فتجهيز بنته بجهاز إلى بيت زوجٍ تمليكٌ.

وهي -في تراخي قبول، وتقدمه، وغيرهما - كبيع. وقبولٌ هنا وفي وصية، بقول، أو فعل دال على الرضا.

الموهوب؛ بدليل بلا عوض، بخلاف البيع، وأما تمام الملك، فقد يقال: إنما يشترط للزوم لا للصحة، وإنما لم نقل بذلك في الخيار؛ للفرق المذكور، ويدل عليه قصة ابن عمر حيث وهب عمر للنبي صلى الله عليه وسلم البعير الذي عليه ابن عمر، فوهبه النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر. قالوا: ولم ينقل قبول النبي صلى الله عليه وسلم من عمر، ولا قبول ابن عمر، أي: وكذا لم ينقل التسليم أيضًا، والله أعلم. فتأمل.

قوله: (فتجهيز بنته

إلخ) أي: أو أخته ونحوها، كما في «شرح الإقناع» ، فالقيد أغلبيُّ. قوله: (وهي في تراخي قبول

إلخ) فيصح ما داما في المجلس، ولم يتشاغلا بما يقطعهما عرفا. قوله:(وغيرهما) أي: كاستثناء واهبٍ نفع موهوب مدة معلومة، والمراد: في الجملة، بدليل أنه يصح أن يهب أمةً ويستثني ما في بطنها، كما جزم به

ص: 394

وقبضها كمبيع، ولا يصح إلا بإذن واهب، وله الرجوع قبله.

ويبطل بموت أحدهما

في «الإقناع» . قال في «شرحه» : كالعتق. انتهى. ومنه تعلم ما أشرنا إليه من أنها ليست في ذلك كالبيع من كل وجه.

قوله: (كمبيعٍ) ففي مكيل، وموزون، ومعدودٍ، ومذروعٍ بذلك، وما ينقل بنقله

إلخ. قوله: (إلا بإذن واهبٍ) أي: إذنا لفظيا أو حاليا كمناولة وتخليةٍ. قوله: (وله الرجوع فيه) أي: ولواهب الرجوع هبة، وفي إذن في قبضها قبل حصوله من متهب ولو بعد تصرُّفه فيها. قال الحارثي: وعتق الموهوب، وبيعه، وهبته قبل القبض رجوعٌ؛ لحصول المنافاة. انتهى. لكن قال في «الإقناع»: مع الكراهة. قال في «شرحه» : خروجاً من خلاف من قال: إن الهبة تلزم بالعقد. قوله: (ويبطل بموتِ أحدهما) أي: يبطل الإذن في القبض بموت أحدهما قبل القبض، وبطل عقدهما بموت أحدهما أو جنونه أو إغمائه قبل قبولٍ، أو ما يقوم مقامه.

تتمةٌ: إذا تفاسخا عقد هبة، صح، ولا يفتقر إلى قبض الموهوب له، وتكون العين أمانة في يد المتهب. قاله في «الاختيارات». قوله:(ويبطل بموت) أي: يبطل إذن واهبٍ في قبضٍ.

ص: 395

وإن مات واهبٌ، فوارثه مقامَه في إذن ورجوع.

وتلزم بقبض، كبعقد فيما بيد متهب. ولا يحتاج لمضي زمن يتأتى قبضه فيه.

وتبطل بموت متهب قبل قبض. فلو أنفذها واهب مع رسوله، ثم مات موهوب له قبل وصولها، بطلت، لا إن كانت مع رسول موهوب له.

ولا تصح لحمل. ويقبل ويقبض لصغؤر ومجنونٍ وليٌّ،

قوله: (وإن مات واهبٌ) يعني: قبل قبضٍ، أذن فيه، أو لا. قوله:(فيما بيد متهب) من وديعة، وعارية، وغصب، وغيرها. قوله:(ولا يحتاج) أي: لزوم. قوله: (يتأتى) أي: يمكن. قوله: (قبل قبضٍ) أي: لقيامه مقام القبول. قوله: (فلو أنفذها) أي: أرسل الهبة. ومثلها هديَّةٌ وصدقةٌ. قوله: (ولا تصحُّ لحملٍ) لأن تمليكه تعليق على خروجه حيا، والهبة لا تقبل التعليق. قوله:(ويقبض) وفي «المختار» : قبض الشيء: أخذه، والقبض ضد البسط، وبابهما: ضرب. قوله: (ومجنون) يعني: وسفيهٍ، وأما العبد المكلف، فيصح أن يقبل الهبة بغير إذن سيده، كالاحتشاش والاصطياد، وتكون لسيده إلا المكاتب، وليس له التبرع بغير إذن سيده. قوله:(ولي) أي: أب

ص: 396

فإن وهب هو، وكل من يقبل، ويقبض هو. ولا يحتاج أبٌ وهب

فوصيه، فحاكم، فأمينه. والأب السفيه والفاسق وجوده كعدمه، فتنتقل ولاية الولد للحاكم مع وجود الأب، كما يفهم من «الإقناع» .

قوله: (فإن وهب هو) أي: الولي. قوله: (وكل من يقبل) إن كان غير الأب. قوله: (ويقبض هو) ظاهر كلامه تبعاً لـ «التنقيح» : أن التوكيل في القبول فقط، وأن الإيجاب والقبض من الواهب، وهو خلاف ما صرح به في «المغني» و «الإنصاف» من أن توكيل غير الأب، في القبول والقبض.

قوله: (ولا يحتاج أب

إلخ) يعني: أنه إذا كان الواهب لنحو صغير أباه الولي عليه، فإنه لا يحتاج في صحة الهبة إلى أن يوكل الأب من يقبل الهبة لنحو الصغير، بل يقول: وهبت ولدي كذا، وقبضته له، ولا يحتاج إلى قبوله. قاله في «الإقناع»؛ للاستغناء عنه بقرائن الأحوال. قال في «شرح الإقناع»: فإن لم يقل الأب الواهب لوليه: وقبضته له، لم يكف على ظاهر رواية حرب. انتهى. ومتى عدم ولي نحو الصغير قبض له من يلي حاله من أم وقريب وغيرهما، نصَّ عليه. ويصح من نحو صغير قبض مأكول يدفع مثله له؛ لفعله عليه السلام حيث كان الناس إذا رأوا أول الثمار،

ص: 397

مَوْلِيَّه لصغر إلى توكيل.

ومن أبرأ من دينه، أو وهبه لمدينه، أو أحله منه، أو أسقطه عنه،

جاؤوا به إليه صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذه قال:«اللهم بارك لن في ثمرنا» ، ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان. أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة. قال في «الإقناع»: ولو اتخذ الأب دعوة ختان، وحملت هدايا إلى داره، فله، إلا أن يوجد ما يخصص ذلك بالمختون، كثياب الصبيان؛ فله، أو ما يخصه بالأم، كما لو كان المهدي من أقاربها أو معارفها، فلها، وما حصل لخادم فقراء يطوف لهم بالأسواق لا يختص به. انتهى. ولعله إذا عرف بذلك، وإلا اختص به. وما دفع من صدقة لشيخ زاويةٍ، أو رباط، الظاهر: أنه لا يختص به، وله التفضيل في القسم بحسب الحاجة، وإن كان يسيرًا لم تجر العادة بتفريقه، اختص به. نقله في «الإقناع» عن الحارثي، وأقره عليه.

قوله: (لصغر) أي: أو نحوه.

قوله: (من دينه) أي: لا قبل وجوبه. قوله: (أو وهبه) حملا للفظ على المعنى، فلو قَصد حقيقة الهبة، لم تصحَّ.

ص: 398

أو تركه، أو ملَّكه له، أو تصدق به عليه، أو عفا عنه، صح ولو قبل حلوله، أو اعتقد عدمه. لا إن علقه.

و: إن مت فأنت في حل، وصية.

ويبرأ، ولو رد أو جهل، لا إن علمه مدين فقط وكتمه، خوفا من أنه إن علمه لم يبرئه.

ولا يصح مع إبهام المحل، كأبرأت أحد غريميَّ. أو: من أحد دينيَّ.

قوله: (لو قبل حلوله) أي: الدين؛ لأن تأجيله لا يمنع ثبوته في الذمة. قوله: (أو اعتقد عدمه) كقوله: أبرأتك من مئةٍ يعتقد عدمها. قوله: (ولو رد أو جهل) ينبغي قراءتها بصيغة المبني للمفعول؛ ليتناسب اللفظان، وليظهر حل المصنف قوله:(جهل) بما إذا جهل الدين ربُّه، ومن هو عليه.

والحاصل: أنه من جهة الجهل وعدمه، إما أن يعلماه، أو يجهلاه، أو يعلمه ربُّه فقط، أو المدين فقط، والبراءة صحيحة في الكل إلا في الأخيرة فقط بالشرط المذكور في المتن؛ ومعنى ردَّ المدين البراءة: أن يقول مثلا: لا أقبل البراءة ونحو ذلك. قوله: (أو جهل) أي: قدره أو صفته أو كليهما، وإن لم يتعذر علمه. قوله:(مع إبهام المحل) يعني: الوارد عليه الإبراء.

ص: 399

وما صح بيعه صحت هبته، واستثناء نفعه فيها زمنا معينا.

ويعتبر لقبض مشاع إذن شريك، وتكون حصته وديعة. وإن أذن له في التصرف مجانا، فكعارية، وبأجرة فكمؤجر.

فائدة: لو أبراه من درهم إلى ألف، صحَّ في الألف وما دونه. كما في «الإقناع» .

قوله: (ويعتبر لقبض

إلخ) أي: لجوازه أو انتفاء ضمان حصة الشريك لا للزوم الهبةِ، كما ذكره ابن نصر الله. قوله:(لقبض مشاع) أي: مشاع منقول، قال في «الإقناع»: وإن وهب، أو تصدق، أو وقف، أو وصى بأرض، أو باعها، احتاج أن يحده كلها. قال في «شرحه». بأن يقول: كذا سهمًا من كذا سهمًا. انتهى. يعني: لا بد من معرفة قدر النصيب المشاع، لا ذكر ما يحيط بها من الأمكنة، وعلم منه: صحة هبة المشاع. قوله: (وبأجرة

إلخ) فإن قال: استعمله وأنفق عليه، فإجارةٌ فاسدة لا ضمان فيها.

ص: 400

لا مجهول لم يتعذر علمه، ولا هبة ما في ذمة مدين لغيره، ولا ما لا يقدر على تسليمه، ولا تعليقها، ولا اشتراط ما ينافيها، كأن لا يبيعها، أو يهبها، ونحوهما. وتصح هي.

قوله: (لا مجهول

إلخ) أي: لا تصح هبة المجهول التي تمكن معرفته، كعبد من عبيده، وثوب من ثيابه، ومنه الحمل في البطن، واللبن في الضرع، والصوف على الظهر، فلا تصح هبة ذلك كله، كما جزم به في «الإقناع». وبخطه أيضًا على قوله: (لا مجهول

إلخ) أي: كحمل ولبن في ضرع، ودهن في سمسم، وزيت في زيتون ونحوه، . ولو قال: خذ من هذا الكيس ما شئت، كان له أخذ ما به جميعًا، وخذ من هذه الدراهم ما شئت، لم يملك أخذها كلها. والفرق: أن الكيس ظرفٌ، فإذا أخذ المظروف حسن أن يقال: أخذت من الكيس ما فيه، ولا يحسن أن يقال: أخذت من الدَّراهم كلها، كما ذكر ابن الصيرفي في «النوادر». قوله:(ولا تعليقها) أي: بشرط غير موت الواهِبِ، وأما به، فيصح ووصيةً، كما تقدم، والمراد: شرط مستقبل، كإذا رأس الشهر، أو قدم فلانٌ، فقد وهبتك كذا، كالبيع. وبالمستقبل قيد في «الإقناع» ، وخرج به الماضي والحال، فلا يمنع التعليق عليه الصحة، كإن كانت ملكي ونحوه، فقد وهبتكها؛ فتصح. فتأمل.

ص: 401

ولا مؤقتة إلا في العمرى، كأعمرتك، أو أرقبتك هذه الدار، أو الفرس، أو الأمة. ونصه: لا يطأ. وحُمل على الورع. أو: جعلتُها لك عمرك أو حياتك، أو عمرى، أو رقبى، أو ما بقيت. أو: أعطيتكها .. ، فتصح، وتكون لمعطى ولورثته بعده إن كانوا، كتصريحه. وإلا فلبيت المال.

قوله: (إلا في العمرى) أي: والرقبى، كما يعلم من كلامه. وصرَّح باستثنائهما في «الإقناع» ، وهما نوعان من أنواع الهبة يفتقران الهبة يفتقران إلى ما تفتقر إليه سائر الهبات من الإيجاب والقبول، والقبض وغير ذلك. وسميت عمرى، لتقييدها بالعمر، ورقبى؛ لأن كل واحدٍ منهما يرقب موتَ صاحبِه. قال أهل اللغة: يقال: أعمرته مشددا، إذا جعلت له الدَّار مدَّة عمره أو عمرك. وكان الجاهلية تفعلُه، فأبطل الشرع ذلك؛ بأن تكون لورثته بعده، لا لمعمر ومرقبٍ. قوله:(كأعمرتك) أي: جعلتها لك مدَّةَ عمرك. قوله: (ونصه) أي: فيمن يعمر الجارية. قوله: (وحمل) أي: حمله القاضي على الورع؛ للاختلاف في صحة العمْرى، والفروج يحتاط لها. قوله:(أو جعلتها لك عمرك) أي: لا عمر زيدٍ، فلا تصحُّ. قوله:(فتصح) أي: في جميع ما تقدم، وهي من أمثلة العمرى. قوله:(كتصريحه) بأن يقول: هي لك ولعقبك من بعدك. قوله: (وإلا فلبيت المال) كسائرِ الأموال المخلَّفةِ.

ص: 402

وإن شرط رجوعها، بلفظ إرقاب أو غيره، لمُعمِر عند موته، أو إليه إن مات قبله، أو إلى غيره، وهي الرقبى، أو رجوعها مطلقا إليه، أو إلى ورثته،

قوله: (وإن شرط رجوعها) أي: الهبة. قوله: (بلفظ) أي: في لفظ إرقاب أو معه. قوله: (لمعمر) أي: واهبٍ. قوله: (عند موته) أي: موت موهوبٍ له. قوله: (أو إليه) أي: الواهب. وقوله: (إن مات) أي: موهوب له. وقوله: (قبله) أي: الواهب. نحو أن يقول: وهبتك هذه الدار، أو هي لك عمرك، على أنك إن مت قبلي، عادت إلي أو إلى فلان، وإن مت أو مات قبلك، استقرت عليك، وهذه هي الرقبى، كما قال المصنف؛ لأن كلا منهما يرقب موت صاحبه. قوله:(أو إلى غيره) كورثةِ واهبٍ إن مات قبل موهوب له. قوله: (وهي الرقبى) أي: مسألة ما إذا شرط رجوعها إليه أو إلى غيره، إن مات الموهوب له قبل من تَرجعُ إليه، كأن يقول: وهبتك هذه الدار أو نحوها، أو هي لك عمرك، على أنك إذا متَّ قبلي، أو قبل فلان عادت إليَّ أو إليه، وإن مت أو مات فلان قبلك استقرَّت لك. وسميت رقبى؛ لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه. قال المصنف في «شرحه»: وقد روي عن أحمد أنَّ الرقبى: أن يقول: هي لك حياتك، فإذا مت، فهي لفلان، أو راجعة إلي. قال: والحكم في الصورتين واحد. انتهى. قوله: (مطلقًا) أي: بلا تقييد بموتٍ أو غيره.

ص: 403

أو آخرهما موتا، لغا الشرط، وصحت لمُعمَر وورثته، كالأول.

و: منحتكه .. ، وسكناه وغلته، وخدمته لك .. .... ، عارية.

قوله: (أو آخرهما موتاً) أي: بأن قال الواهب: هذه الدار ونحوها لآخرنا موتاً، فيصح العقد دون الشَّرطِ، كما أشار إلى ذلك المصنف بقوله: (لغا الشرط، وصحت

إلخ) ولو جعل اثنان كل منهما داره للآخر على أنه إن مات قبله عادتْ إليه، فرقبى من الجانبين. قاله منصور البهوتي. قوله:(وصحت لمعمر) بفتح الميم الثانية ولورثته بعده، فإن لم يكونوا فلبيت المال. قوله:(كالأوَّل) أي: المذكور أولا من صور العمرى، لقوله صلى الله عليه وسلم:«لا ترقبوا، ولا تعمروا، فمن أرقب شيئًا أو أعمره، فهو لورثته» .

قال الحارثي: والسند صحيح بلا إشكال، وخرجه أبو داود، والنسائي، وغيرهما. وروى أحمد وغيره نحوه من طرق مختلفة، فهذه نصوص تدل على ملك المعتمر والمرقب مع بطلان شرط العود؛ لأنه إذا ملك العين، لم تنتقل عنه بالشرط.

قوله: (ومنحتكه) أي: أبحت لك منافعه؛ من صوف ووبر ولبن ونحوه. وبخطه على قوله: (ومنحتكه

إلخ) هذا شروعٌ في إعمار المنافع وإرقابها، وهو غير صحيح، والحكم فيه أنها عاريَّة، كما ذكره المصنِّف، له الرجوع متى شاء في حياة الممنوح وبعد موتِه؛ لأنها هبة منفعة. قوله:(عارية) يرجع فيها متى شاء.

ص: 404

فصل

ويجب تعديلٌ بين من يرث بقرابة، من ولد وغيره، في هبة غير تافه، بكونها بقدر إرثهم، إلا في نفقة، فتجب الكفاية.

وله التخصيص بإذن الباقي، فإن خص أو فضل بلا إذن، رَجَعَ أَوْ أَعْطَى حَتَّى يستووا

فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ وَلَيْسَتْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، ثَبَتَتْ لِآخِذٍ.

فصل في حكم عطية الأولاد وغيرِهم من الورثة من تعديل ورجوع وغيرهما

قوله: (ويجب تعديل) على الأب والأم وغيرهما. وقوله: (بين من يرث

إلخ) يعني: من واهب، لا بنكاح أو ولاءٍ، وعلم منه: أنَّه لا يجب على المسلم التسوية بين أولاده والذميين، وصرَّح به الشيخ تقي الدين، رحمه الله. قوله:(من ولد وغيره) كأب وأم. قوله: (بكونها) أي: الهبة. قوله: (بقدر إرثهم) اقتداءً بقسمة الله تعالى. قوله: (بإذن الباقي) لانتفاءِ علَّة التحريم، وهي كونه يورث العداوة. قوله:(رجع) أي: إن كان أبًا، أو قبل قبض مطلقًا. قوله: (أو أعطى

إلخ). أي: وجب أحد الأمرين عليه ولو بمرض الموت. قوله: (حتى يستووا) ولا يحسب من الثُّلث؛ لأنه تدارك للواجب. قوله: (وليست بمرض موته) يعني: المخوف، وإلا توقفت على إجازة الباقي.

ص: 405

وَتَحْرُمُ الشَّهَادَةُ عَلَى تَخْصِيصٍ أَوْ تَفْضِيلٍ تَحَمُّلًا وَأَدَاءً إنْ عَلِمَ وَكَذَا كُلُّ عَقْدٍ فَاسِدٍ عِنْدَهُ.

وَتُبَاحُ قِسْمَةُ مَالِهِ بَيْنَ وَارِثِهِ وَيُعْطَى حَادِثٌ حِصَّتَهُ وُجُوبًا.

وَسُنَّ أَنْ لَا يُزَادَ ذَكَرٌ عَلَى أُنْثَى فِي وَقْفٍ وَيَصِحُّ وَقْفُ ثُلُثِهِ

قوله: (وكذا كل عقد فاسد عنده) كنكاح بلا ولي، وبيع غير مرئي ولا موصوف، إن لم يحكم به من يراه، حرم على الحنبلي أن يشهد به تحملا وأداء.

قوله: (وتباح

إلخ) أي: لعدم الجور. قوله: (ويعطى حادث

إلخ) لعل محله إذا حدث قبل موت المورِّث، فيجب عليه الرجوع في قدر نصيب الحادث، وإعطاؤه إيَّاه، وإلا فقد استقرَّ ملك الورثة على ما ملكوه، وانقطع رجوع المورِّث بموته، ثم رأيته ذكر ما يفهم ذلك منه في «الإقناع» فقال: وإن ولد له ولد بعد موتِه، استحب للمعطى أن يساوي المولود [الحادث] بعد أبيه. انتهى. والفرق بين ما هنا وما سبق في الوقف من قوله:(دخل الموجودون فقط): أن التسوية في العطية واجبةٌ، وفي الوقف مستحبَّةٌ، ولأن الوقف لا يتأتى الرجوع فيه، بخلاف العطية.

ص: 406

فِي مَرَضِهِ عَلَى بَعْضِهِمْ لَا وَقْفُ مَرِيضٍ وعَلَى أَجْنَبِيٍّ بزَائِدٍ عَلَى الثُّلُثِ الْمُنَقِّحُ: وَلَوْ حِيلَةً كَعَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَيْهِ وَلَا رُجُوعُ وَاهِبٍ بَعْدَ قَبْضٍ وَيَحْرُمُ

قوله: (في مرضه) أي: المخوف أو غيرِه. قوله: (على بعضهم) ويجري الوقف للثلث على بعض الورثةِ إذن، مجرى الوصيةِ في أنه ينفذ إن خرج من للثلث على بعض الورثة إذن، مجرى الوصية في أنَّه ينفذ إن خرج من الثلث، كالوصية، بوقفه على بعضهم، لا أنه يتوقف على الإجازة. فتدبر. قوله:(لا وقف مريض) أي: لا ينفذ، لا أنه لا يصح، ولذلك يتم بإجازة الورثة. قوله:(ولو حيلةً) لما تقدَّم من تحريم الحيل وبطلانها إذا كانت وسيلة لمحرم. قوله: (كعلى نفسه) بناء على صحته على ما تقدم. قوله: (ثم عليه) أي: على الوارث، أو الأجنبي. قوله:(ولا رجوع واهبٍ) ومثله متصدِّق، كما صرح به الموفَّق وغيره. قوله:(بعد قبض) يعني: ولو نقوطاً، وحمولة في عرسٍ ونحوه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام:«العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه» متفق عليه. وفي رواية لأحمد، قال قتادة: ولا أعلم القيء إلا حرامًا. وسواء عوض عنها، أو لا؛ لأن الهبة المطلقة لا تقتضي الثواب، وتقدَّم.

ص: 407

إلَّا مَنْ وَهَبَتْ زَوْجَهَا بِمَسْأَلَتِهِ ثُمَّ ضَرَّهَا بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ والْأَبُ

قوله: (إلا من وهبت زوجها

إلخ) أي: أو أبرأته من دينها، ومنه يُعلم: أنه لا يُشترط في رجوع الزوجة ما يُشترطُ رجوع الأب، لأنَّه لو ابرأ ولده. لم يكن له الرجوع. قوله:(بمسألته) لا إن وهبته من غير سؤاله. قوله: (أو غيره) كتزوج عليها. قوله: (والأب) أي: فإن له الرجوع فيما وهب ولده، ولو ادَّعى اثنان مولودًا، فلو وهباه أو أحدهما، فلا رجوع قبل الإلحاق، ومنه تعلم: أن اللام في (الأب) للحنس، وأنه عند تعدده يثبت لكل ما يثبت للمنفرد من الرجوع، وظاهره: ولو كان الأب كافرًا وهب لولده الكافر شيئا، ثم أسلم الولد، فإن للأب الرجوع في هبته، وهو المذهب، خلافاً للشيخ في منعه من الرجوع. ثم اعلم: أنه يشترط لجواز رجوع الأب وصحته فيما وهبه لولده أربعة شروط:

أحدها: أن يكون ما وهبه عيناً باقيةً في مِلكِ الابن إلى رجوعِ أبيه، فلا رجوع فيما أبرأ ولده من الدين، ولا في منفعةٍ استوفاها، ولا فيما خرجت عن ملكه ببيع ولو بخيارٍ، أو هبةٍ لازمةٍ، أو وقفٍ.

الثاني: أن تكون باقيةً في تصرف الولد، فلا رجوع في قيمة تالفةٍ، ولا في أمةٍ استولدها الابن، أو كان وهبها له للاستعفاف، فلو تصرف الابن بما لا يمنعه التصرف في الرقبة، كالوصية، والهبة قبل القبض، والوطء المجرد عن الإحبال، والتزويج، والإجارة، والمزارعة عليها، وجعلها مضاربةً، وتعليق عتق بصفةٍ، لم يمنع ذلك رجوع الأبِ؛ لبقاءِ تصرُّف الابن، فإذا رجع، فما كان من التصرُّف لازماً كالإجارة، والتزويج، والكتابةِ، فهو باقٍ بحاله، وما كان

ص: 408

_________

جائزًا، كالوصية والهبة قبل القبض، بطل. وأما التدبير والعتق المعلَّق بصفةٍ، فلا يبقى حكمهما في حق الأب، بل متى عادا إلى ملك الابن، عاد حكمهما لعود الصِّفةِ.

الثالث: أن لا تزيد العين عند الولد زيادة متصلة، كسمن، وكبر، وحبلٍ، وتعلُّم صنعةٍ، أو كتابةٍ، أو قرآن، أو ببرء من مرضٍ.

الرابع: أن لا يكون الأب قد أسقط حقَّه من الرجوع، وخالف صاحب «الإقناع» في هذا الأخير، فأثبت للأب الرجوع مع الإسقاط، كما لو أسقط الولي حقَّه من ولاية النكاحِ، لكن يفرق بينهما؛ بأن ولاية النكاح حق عليه لله تعالى وللمرأة؛ بدليل إثمه بالعضل، بخلاف الرجوع، فإنه حق للأب، فسقط بإسقاطه، كما تسقط الشفعة بإسقاط الشَّفيع. فإن قلت: هل يمنع رجوع الأب إجارة الولد للعين؟ قلت: لا. قال في «الإقناع» : ولزوم الإجارة باق، فلا تنفسخ برجوعه. فإن قلت: فما الفرق بين ما هنا، وما تقدَّم في الشفعة من أنه لو أجر المشتري الشِّقص، ثم أخذه الشَّفيع بها، انفسخت الإجارة؟ قلت: أجاب منصور البهوتيُّ؛ بأن تمليك الأب لولده تسليط على الإجارة وغيرها، فكأنها من فعله، بخلاف الشَّفيع، فإنَّه لا فعل له في حصول الملكِ للمشتري، والله أعلم.

ص: 409

وَلَوْ تَعَلَّقَ بِمَا وَهَبَهُ حَقٌّ كَفَلَسٍ أَوْ رَغْبَةً كَتَزْوِيجٍ إلَّا إذَا وَهَبَهُ سُرِّيَّةً لِلْإِعْفَافِ وَلَوْ اسْتَغْنَى أَوْ إذَا أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْهُ وَلَا يَمْنَعُهُ نَقْصُ أَوْ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ وَهِيَ لِلْوَلَدِ إلَّا إذَا حَمَلَتْ الْأَمَةُ وَوَلَدَتْ فَيُمْنَعُ فِي الْأُمِّ

قوله: (ولو تعلَّق بما وهب

إلخ) أي: بما وهبَ الأبُ لولدهِ. قوله: (كفلسٍ) أي: فلس الولد، وظاهره: ولو حجر عليه، خلافا لـ «الإقناع» في جعله الحجر عليه لفلسٍ مانعاً من رجوع الأبِ، لكن ما ذكره في «الإقناع» هو ما صوَّبه الحارثيُّ، وبه صرح في «المغني» صاحب «المحرر» وغيرهما. قوله:(كتزويج) بأن زوج الولد الموهوب له، أو داينه أحد لأجل ما في يده من المال الموهوب، له الرجوع في الصدقة، كالهبة. قوله:(ولو استغنى) أي: الابن عنها بتزوجه، أو شرائه غيرها، ونحوه، ولو لم تصر أم ولد. قوله:(أو إذا سقط حقَّه منه) خلافاً لـ «الإقناع» .

قوله: (ولا يمنعه نقص) أي: نقص ذات الموهوب، أو قيمته. قوله:(أو زيادة منفصلة) كولد، وثمرة، وكسب. قوله:(وهي) أي: المنفصلة. وقوله: (إلا إذا حملت

إلخ) أي: من غير الابن، كزوج، أو زنًا، أو بشبهة بمن ولدها رقيقٌ. فتدبر.

ص: 410

وَتَمْنَعُهُ الْمُتَّصِلَةُ وَيُصَدَّقُ أَبٌ فِي عَدَمِهَا ورَهْنُهُ إلَّا أَنْ يَنْفَكَّ وهِبَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ هُوَ وبَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ بِفَسْخٍ أَوْ فَلَسِ مُشْتَرٍ لَا إنْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ وَيُمَلِّكُهُ مُكَاتَبًا وَلَا يَصِحُّ رُجُوعٌ إلَّا بِقَوْلٍ.

قوله: (وتمنعه المتصلة) كسمن، وكبر، وحملٍ، وتعلم صنعةٍ. قوله:(ورهنه) أي: ويمنعه من الرجوع رهنه اللَّازم. قوله: (وهبة الولد لولده) أي: هبة لازمة. قوله: (إلا أن يرجع هو) أي: الثاني في هبته. قوله: (وبيعه) أي: ولو مع خيار. قوله: (إلا أن يرجع إليه بفسخ) لا بشراء، واتهاب ونحوهما. قوله:(لا إن دبره) أي: دبر الولد ما وهب له. قوله: (ويملكه مكاتباً) ولأب ما بقي من مالِ كتابةٍ فقط. قوله: (ولا يصحُّ رجوعٌ إلا بقولٍ) أي: نحو: رجعتُ في هبتي، أو ارتجعتها، أو رددتها، أو عدت فيها، فلو تصرف فيه قبل رجوعه بالقول، لم يصح، ولو نوى الرجوع، كوطءِ موهوبةٍ. وصفة الرجوع أن يقول: قد رجعت فيها، أو ارتجعتها، أو رددتها، ونحوه من الألفاظ الدَّالة على الرجوع. وعلم منه: أنه لا يصح تعليق الرجوع. وصرح به في «المبدع» ، كما في «حاشية الإقناع» .

ص: 411

فصل

ولأب حر تملك ما شاء من مال ولدهمَا لَمْ يَضُرَّهُ

قوله: (ولأب حر تملك

إلخ) أي: لا غيره، محتاج، أو لا. وظاهره: ولو غير رشيدٍ. وخرج بالحر القن، والمبعض، ثم اعلم أنَّ تملك الأب لمال ولده لا بد له من ستة شروط؛ أحدها: كونه فاضلا عن حاجة الولد. ثانيًا: أن لا يعطيه لولدٍ آخر. ثالثها: أن لا يكون بمرض موت أحدهما. رابعها: أن لا يكون الأب كافرًا، والابن مسلمًا، سيما إذا كان الابن كافرًا، ثم أسلم. قاله الشيخ، وقال: الأشبه أن المسلم ليس له أن يأخذ من مال ولده الكافر شيئًا. خامسها: أن يكون عينا موجودة. سادسها: القبض مع القول، أو النية. ذكر معنى ذلك صاحب «الإقناع» ، فهو موافق لما يؤخذ من كلام المصنف إلا الرابع، فإن ظاهر كلام المصنف: أنه لا فرق بين أن يكون الأب موافقا لابنه في الدين أو مخالفًا له فيه، وهو ظاهر ما قدمه في «الإنصاف» وجعله المذهب، وقال عن كلام الشيخ تقي الدين: قلت: وهذا عين الصواب. انتهى. قوله: (ما شاء) يعني: علم الولد، أو لا، صغيرا كان أو كبيرا، ذكرًا أو أنثى، راضيا أو ساخطاً. قوله:(مالم يضره) أي: يضر الأب ولده، بما يتملكه منه، أي: مدة عدم ضرره، وكذا لا يتملكه إن تعلق به حق رهن، أو فلس

ص: 412

إلَّا سُرِّيَّتَهُ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ لِيُعْطِيَهُ لِوَلَدٍ آخَرَ أَوْ بِمَرَضِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَيَحْصُلُ بِقَبْضِ مَعَ قَوْلٍ أَوْ نِيَّةٍ فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ قَبْلَهُ وَلَوْ عِتْقًا وَلَا يَمْلِكُ إبْرَاءَ نَفْسِهِ وَلَا غَرِيمِ وَلَدِهِ وَلَا قَبْضِهِ مِنْهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا بِقَبْضِهِ وَلَوْ أَقَرَّ الْأَبُ بِقَبْضِهِ وَأَنْكَرَ الْوَلَدُ رَجَعَ عَلَى غَرِيمِهِ والْغَرِيمُ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ أَوْلَدَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ صَارَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ وَوَلَدُهُ حُرٌّ لَا تَلْزَمُهُ

ذكره في «الاختيارات» . قوله أيضاً على قوله: (مالم يضره) أي: بأن تعلقت به حاجة الولد، كآلة حرفةٍ يكتسب بها، ورأس مال يتجر به.

قوله: (إلا سريته) أي: الأمة التي وطئها الولد. قوله: (أو بمرض موت أحدهما) أي: المخوف. قوله: (لأن الولد لا يملكه إلا بقبضه) وهو لا يتملك غير ملك ولد. قوله: (ولو أقر الأب بقبضه) أي: دين ولده من غريمه. قوله: (وأنكر الولد) أي: أو أقر، فلا مفهوم له. قوله:(وإن أولد جارية ولده) يعني: قبل تملكها. قوله: (صارت له) أي: للأب.

ص: 413

قِيمَتُهُ وَلَا مَهْرَ وَلَا حَدَّ وَيُعَزَّرُ وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا وَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهَا إنْ كَانَ الِابْنُ قَدْ وَطِئَهَا وَلَوْ لَمْ يَسْتَوْلِدْهَا فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ وَمَنْ اسْتَوْلَدَ أَمَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَوَلَدُهُ قِنٌّ. وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ حُدَّ وَلَيْسَ لِوَلَدٍ وَلَا وَرَثَتِهِ مُطَالَبَةُ أَبٍ بِدَيْنٍ أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لِلِابْنِ عَلَيْهِ إلَّا بِنَفَقَتِهِ الْوَاجِبَةِ وبِعَيْنِ مَالٍ لَهُ بِيَدِهِ

قوله: (وعليه قيمتُها) لكن ليس له مطالبتُهُ بها. قوله: (إن كان الابن قد وطئها) يعني: أن الأب إذا وطيء جارية ولده، وكان الولد قد وطيء تلك الجارية، فإنها لا تصير أم ولد للأب، لأنها بولد الولد صارت غير قابلة للتملك، فتبقى على ملك الولد، وتحرم عليهما، فتحرم على الأب، لأنها من موطوءات ابنه، على الابن؛ لأنها موطوءة أبيه، ولا حدَّ على الابن للشبهة. فتدبر. قوله:(فلا تصير أم ولد) بل تحرم عليهما إذن، ولا حدَّ.

قوله: (مطالبة أبٍ بدينٍ) بخلاف أم وجد، إن لم يكن مالزم الجد كان لولده، ثم انتقل إلى وارثه، فإنه لا يطالب إذن، كما في المتن. فتدبر. قوله:(ولا غير ذلك) كأجرةِ ما انتفع من ماله.

ص: 414

وَيَثْبُتُ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ الدَّيْنُ وَنَحْوِهِ وَإِنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ الَّذِي أَقْرَضَهُ أَوْ بَاعَهُ وَنَحْوَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ انْتَقَدَ ثَمَنَهُ وَلَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ الَّذِي عَلَيْهِ بِمَوْتِهِ بَلْ جِنَايَتُهُ وَمَا قَضَاهُ فِي مَرَضِهِ أَوْ وَصَّى بِقَضَائِهِ فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ

فصل

وَعَطِيَّةُ مَرِيضٍ غَيْرَ مَرَضِ الْمَوْتِ وَلَوْ مَخُوفًا أَوْ غَيْرَ مَخُوفٍ كَصُدَاعٍ ووَجَعِ ضِرْسٍ وَنَحْوِهِمَا وَلَوْ صَارَ مَخُوفًا

قوله: (وإن وجد) أي: الولد. قوله: (أو باعه) أي: لأبيه.

فصل في عطية المريض، ومحاباته، وما يتعلق بذلك

قال في «الإقناع» : وإن اختلف الورثة وصاحبُ العطية، هل أعطيها في الصحة أو في المرض؟ فقولهم: أي: الورثة.

قوله: (ولو مخوفًا) أي: كصحيح. قوله: (أو غير مخوفٍ) عطف على قوله: (غير مرض الموت) لا على: (مخوفا) كما قد يتوهم. قوله: (كصداع) وجع الرأس يقال منه: صدع تصديعا، بالبناء للمفعول. «مصباح». قوله:(ونحوهما) كحمى يوم، ورمد، وإسهال يسير بلا دمٍ.

ص: 415

وَمَاتَ بِهِ كَصَحِيحٍ وفِي مَرَضِ مَوْتِهِ الْمَخُوفِ كَالْبِرْسَامِ وَذَاتِ الْجَنْبِ وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ وَالْقِيَامِ الْمُتَدَارِكِ وَالْفَالِجِ فِي ابْتِدَاءٍ

قوله: (ومات به) فتصحُّ بجميع ماله. قوله: (كصحيحٍ) أي: كعطية صحيحٍ، فهو على حذف مضاف، يعني: فتصح بجميع ماله.

قوله: (وفي مرض موته المخوف

إلخ) أي: العطية في ذلك كوصيةٍ، وكذا إقباضه في مرضِ موته المخوف، ما وهبه في الصِّحة إعتبارًا بحال القبض؛ لأنه وقت لزومها. قوله:(كالبرسام) بكسر الموحدة، وهو: بخار يرتقي إلى الرأس، يؤثر في الدماغ، فيختل به العقل. قوله:(وذات الجنب) في «المصباح» : ذات الجنب علة صعبة، وهي: ورم يعرض للحجاب المستبطن للأضلاع، يقال منه: جنب الإنسان - بالبناء للمفعول - فهو مجنوب. قوله: (والرعاف) أي: لأنه يصفي الدم. قوله: (والقيام المتدارك) أي: المتلاحق المتتابع. قال في «المصباح» : أصل التدراك: اللُّحوق. قوله أيضًا على قوله: (المتدارك) الإسهال الذي لا يستمسك، وإن كان ساعةً، وكذلك إسهالٌ معه دم. قوله:(والفالج) مرض يحدث في أحد شقي البدن طولا، فيبطل إحساسه،

ص: 416

وَالسِّلِّ فِي انْتِهَائِهِ. وَمَا قَالَ عَدْلَانِ مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ إنَّهُ مَخُوفٌ كَوَصِيَّةٍ،

فإذا جاوز السابع انقضت حدته، فإذا جاوز الرابع عشر، صار مرضًا مزمنًا، ومن أجل خطره في الأسبوع الأول عُدَّ من الأمراض الحادة، ومن أجل لزومه ودوامه بعد الرابع عشر، عد من الأمراض المزمنة؛ ولهذا يقول الفقهاء: أول الفالج خطر. وفلج الشخص - بالبناء للمفعول - فهو مفلوج؛ إذا أصابه الفالج. «مصباح» .

قوله: (والسل) مرض لا يكاد صاحبه يبرأ منه، وفي كتب الطب: أنه من أمراض الشباب؛ لكثرة الدم فيهم، وهو قروح تحدث في الرئة. «مصباح». قوله: (وما قال عدلان

إلخ) أي: مسلمان لا واحد، ولو عدم غيره. قوله:(إنه مخوف) اعلم: أنَّ المخوف ما يكثر حصول الموت عنده، لا ما يغلب على القلب الموت منه، أو يتساوى عنده الأمران، فإن ذلك ليس بقيدٍ؛ بدليل أنهم جعلوا ضرب المخاض مخوفاً، مع أن الهلاك ليس غالبا، ولا مساوياً للسلامة، كما في «الاختيارات». قوله:(كوصية) أي: في أنها لا تصح لوارث بشيء غير الوقف للثلث فأقلَّ، ولا لأجنبي بزيادة على الثلث، إلا بإجازة الورثة فيهما، وفي أن فضيلتها

ص: 417

وَلَوْ عِتْقًا أَوْ مُحَابَاةً لَا كِتَابَةً أَوْ وَصِيَّةٍ بِهَا بِمُحَابَاةٍ

ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة، وفي أنها تتزاحم في الثلث، إذا وقعت دفعة كتزاحم الوصايا، وأن خروجها من الثلث يعتبر حال الموت لا قبله، ولا بعده، فلو أعتق في مرضه أمةً تخرج من الثلث حال العتق، لم يجز أن يتزوَّجها؛ لاحتمال أن لا تخرج كلها من الثلث عند الموت، وإن وهبها، حرم على المتهب وطؤها، حتى يبرأ، أو تخرج من الثلث عند موته، فقد علم أن العطية في مرض الموت المخوف تنفذ. قوله أيضًا على قوله:(كوصية) أي: فتنفذ في الثلث فما دونه لأجنبي، وتقف على الإجازة فيما زاد عليه، (ولا تصح)، ولوارث بشيء مع التحريم إلا بالإجازة أو وقف الثلث.

قوله: (ولو عتقًا) أي: ولو كانت عطيته عتقًا، أو وقفًا. قوله:(أو محاباة) كبيع شيء، أو إيجاره بدون ثمن المثل، وأجرته وشراء واستئجار بأكثر. قوله أيضا على قوله:(أو محاباة) أي: أو عفوًا عن جنايةٍ توجب المال. قوله: (لا كتابة أو وصية بها بمحاباة) أي: فإن المحاباة تكون من رأس المال فيهما. هذا معنى كلامه في «الإنصاف» و «التنقيح» و «الإقناع» قال منصور البهوتي في «شرحه» : لكن كلام «المحرر» و «الفروع» والحارثي وغيرهم، يدل على أنَّ الذي يصح من رأس المال هو الكتابة

ص: 418

وَإِطْلَاقُهَا بِقِيمَتِهِ والْمُمْتَدَّةُ كَالسِّلِّ وَالْجُذَامِ وَالْفَالِجِ فِي دَوَامِهِ إنْ صَارَ صَاحِبُهَا صَاحِبَ فِرَاشٍ فَمَخُوفَةٌ. وَإِلَّا فَلَا

نفسها، لأنها عقد معاوضة، كالبيع من الغير. قال الحارثي: ثم إن وجدت محاباة، فالمحاباة من الثلثِ. وقد ناقش شارح «المنتهى» صاحب «الإنصاف» ، وعارضه بكلام «المحرر» و «الفروع» ، وذكر أنه لم يقف على كلام الحارثي، وقد ذكرته لك، فوقع الإشتباه على صاحب «الإنصاف» و «التنقيح» وتبعه من تبعه، والحق أحق أن يُتبع. انتهى.

تتمة: الاستيلاد في مرض الموت المخوف لا يعتبر من الثلث؛ لأنَّه قبيل الاستهلاك في مهور الأنكحة، وطيبات الأطعمة، ونفائس الثياب، والأدوية، ويقبل إقرار المريض به.

قوله: (وإطلاقُها بقيمته) مبتدأ وخبر، يعني: أنه إذا أوصى بأن يكاتب عبده فلان، ولم يقل: بكذا، فإنه يكاتب بقدر ما يساوي ذلك العبد، فليس للوارث أن يطلب كتابته بأكثر من قيمته، ولا للعبد أن يطلب الكتابة بأقل، إلا بتراضيهما. قوله:(كالسل) أي: في ابتدائه، لا في انتهائه، وحمى الربع، وهي: التي تأخذ يوماً، وتذهب يومين، وتعود في اليوم الرابع.

ص: 419

وَكَمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ مَنْ بَيْنِ الصَّفَّيْنِ وَقْتَ حَرْبٍ وَكُلٌّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُكَافِئٌ أَوْ مِنْ الْمَقْهُورَةِ وَمَنْ بِاللُّجَّةِ عِنْدَ الْهَيَجَانِ أَوْ وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدِهِ أَوْ قُدِّمَ لِقَتْلٍ أَوْ حُبِسَ لَهُ وَأَسِيرٌ عِنْدَ مَنْ عَادَتُهُ الْقَتْلُ وَجَرِيحٌ مُوحِيًا مَعَ ثَبَاتِ عَقْلِهِ اعْهَدْ إلَى النَّاسِ. فَعَهِدَ إلَيْهِمْ وَوَصَّى وَحَامِلٌ عِنْدَ مَخَاضٍ مَعَ أَلَمٍ حَتَّى تَنْجُوَ وَكَمَيِّتِ مِنْ ذَبْحٍ أَوْ أُبِينَتْ حُشْوَتُهُ وَلَوْ عَلَّقَ صَحِيحٌ عِتْقَ قِنِّهِ فَوُجِدَ فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ فمِنْ ثُلُثِهِ.

قوله: (من بين الصفين)(من) مبتدأ، خبره (كمريضٍ). قوله:(وقت حرب) أي: اختلاط الطائفتينِ للقتال، بخلاف مالو كان كلٌّ منهما متميزةً. قوله: (وكل الطائفتين

إلخ) سواء تباينتا في الدين، أو اتفقتا. قوله:(ومن باللجة) بضم اللام: معظم الماء. قوله: (عند الهيجان) أي: ثوران البحر بريحٍ عاصفٍ. قوله: (أو قدم لقتل) قصاصا أو غيره؛ لظهور التلف وقربه. قوله: (مع ثبات عقله) وإلا فلا حكم لكلامه. قوله: (وحامل عند مخاض) - بفتح الميم، والكسر لغة- وجع الولادة، ومخضت المرأة وكل حامل، من باب: تعب: دنت ولادتها، وأخذها الطلق، فهي ما خض، بغير هاء. قوله:(حتى تنجو) يعني: من نفاسها، ولو بسقط تام الخلق، فلا عبرة بمضغة، إلا أن يكون ثم مرض، أو ألم، فكمريض. قوله:(أو أبينت) أي: فصلت، وأخرجت، لا إن شقت، وهي في البطن. قوله:(حشوته) اي: أمعاؤه، بضمِّ الحاء وكسرها. قوله:(فوجد في مرضه) أي: مرض موته المخوف، ولو بغير اختياره، كما في «الإقناع». قوله:(فمن ثلثه) اعتباراً بزمن وجود الصفة.

ص: 420

وَتُقَدَّمُ عَطِيَّةٌ اجْتَمَعَتْ مَعَ وَصِيَّةٍ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا مَعَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنَجَّزَةِ بَدَأَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ فَإِنْ وَقَعَتْ دَفْعَةً قُسِّمَ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِالْحِصَصِ وَلَا يُقَدَّمُ عِتْقٌ وَأَمَّا مُعَاوَضَتُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَتَصِحُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَلَوْ مَعَ وَارِثٍ.

قوله: (وتقدم عطية

إلخ) يعني: تقدَّمت، أو تأخَّرت. قوله:(وإن عجز) يعني: الثلث. قوله: (المنجزة) احترز به عن الوصية. قوله: (بديء بالأول) يعني: عتقًا كان أو غيره، كما يأتي. قوله:(دفعة) أي: بأن قبلها الكل معًا، أو وكلوا واحدًا قبل لهم بلفظٍ واحدٍ. قوله أيضاً على قوله:(دفعة) هي بفتح الدال. قال في «المصباح» : الدفعة بالفتح: المرة، وبالضم: اسم لما يدفع بمرة، يقال: دفعت من الإناء دفعة بالفتح بمعنى المصدر، وجمعها دفعات مثل سجدةٍ وسجدات، وبقي في الإناء دفعة بالضَّم، أي: مقدار ما يُدفع. انتهى. قوله: (قسم) أي: الثلث.

قوله: (وأما معاوضته) أي: في مرض موتِه المخوف.

ص: 421

وَإِنْ حَابَى وَارِثَهُ بَطَلَتْ فِي قَدْرِهَا وَصَحَّتْ فِي غَيْرِهِ بِقِسْطِهِ وَلَهُ الْفَسْخُ لِتَبَعُّضِ الصَّفْقَةِ فِي حَقِّهِ إلَّا إنْ كَانَ لَهُ شَفِيعٌ وَأَخَذَهُ وَلَوْ حَابَى أَجْنَبِيًّا وَشَفِيعُهُ وَارِثٌ أَخَذَ بِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ حِيلَةً لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لِغَيْرِهِ وَإِنْ آجَرَ نَفْسَهُ وَحَابَى الْمُسْتَأْجِرَ صَحَّ مَجَّانًا.

قوله: (وإن حابى وارثه) اي: في نحو بيعٍ. قوله: (بطلت) أي: المعاوضة. قوله: (في قدرها) أي: المحاباة وحكمه كعطيةٍ. قوله: (لا إن كان له شفيع

إلخ) أي: لا فسخ للوارث المشتري بمحاباة، إن كان المبيع الذي وقعت فيه المحاباة شقصًا من عقارٍ فيه شفعة، كما لو باع المريض لوارثه نصف دارٍ، بين المريض وشخص آخر بمئة مثلا، وهو يساوي ثلاث مئة، فإنه يصح البيع في ثلث النصف، وهو سدس الدار بالمئة، فإذا أخذه الشفيع، فليس للمشتري فسخ البيع؛ لأنه لا فائدة فيه؛ لأن ما دفعه من الثمن يأخذه من الشفيع. قوله:(ولو حابى) يعني: المريض. قوله: (أجنبيا) أي: وخرجت المحاباة من الثلث، أو أجاز الورثة. قوله:(أخذ) أي: الوراث. وقوله: (بها) أي: بالشُّفعة. قوله: (إن لم تكن حيلة) أي: على محاباة الوارث. قوله: (لغيره) أي: غير الوارث.

قوله: (وإن آجر نفسه) من زيادتِهِ. قوله: (مجانا) أي: بلا رد مستأجر لشيء من المدة، أو العمل وارثا كان، أو غيره.

ص: 422

وَيُعْتَبَرُ ثُلُثُهُ عِنْدَ مَوْتٍ فَلَوْ أَعْتَقَ مَا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ثُمَّ مَلَكَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ تَبَيُّنًا عَتَقَهُ كُلَّهُ وَإِنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ

فصل

تفارق العطية الوصية في أربعة:

أَنْ يُبْدَأَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا وَالْوَصِيَّةُ يُسَوَّى بَيْنَ مُتَقَدِّمِهَا وَمُتَأَخِّرِهَا

الثَّانِي: لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْعَطِيَّةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ.

قوله: (عند موت) أي: لا عند تصرف. قوله: (فلو عتق) فيه استعمال المجرد متعديًا.

فصل

حكم العطية في مرض الموت المخوف، حكم الوصية في أشياء، كما تقدم، منها: أنه يقف نفوذها على خروجها من الثلث، أو إجازة الورثة. ومنها: أنها لا تصح لوارثٍ، إلا بإجازة الورثة. ومنها: أن فضيلتها ناقصةٌ عن فضيلة الصدقة في الصحة. ومنها: أنها تتزاحم في الثلث إذا وقعت دفعة واحدة. ومنها: أن خروجها من الثلث يُعتبر حال الموت.

قوله: (في أربعة) أي: أربعة أحكام. قوله: (أنه لا يصح الرجوع في العطية) يعني: بعد لزومها بالقبض، وإن كثرت.

ص: 423

الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَبُولُ عَطِيَّةٍ عِنْدَهَا وَالْوَصِيَّةُ بِخِلَافِهَا الرَّابِعُ: أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي عَطِيَّةٍ مِنْ حِينِهَا مُرَاعًى فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ ثُلُثِهِ عِنْدَ مَوْتٍ تَبَيُّنًا أَنَّهُ كَانَ ثَابِتًا فَلَوْ أَعْتَقَ أَوْ وَهَبَ قِنًّا فِي مَرَضِهِ فَكَسَبَ ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهُ فَخَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ فَكَسْبُ مُعْتَقٍ لَهُ ومَوْهُوبٍ لِمَوْهُوبٍ لَهُ وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ فَلَهُمَا مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِهِ فَلَوْ أَعْتَقَ الْمَرِيضُ قِنًّا لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَكَسَبَ مِثْلَ قِيمَتِهِ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ فقَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ

تنبيه: تخالف العطية الوصية أيضاً في أنها لا يصح تعليقها بشرط، إلا العتق. قاله في «حاشية الإقناع» .

قوله: (من حينها) أي: بشروطها؛ لأنها إن كانت هبة، فمقتضاها تمليكه الموهوب في الحال، كعطية الصحة، وكذا إن كانت محاباة أو إعتاقاً. قوله:(مراعى) لأنا لا نعلم هل هو مرض الموت، أو لا؟ ولا نعلم هل يستفيد مالا، أو يتلف شيء من ماله؟ فتوقفنا؛ لنعلم عاقبة أمره، لنعمل بها. قوله:(فلهما) أي: العتيق والموهوب له. قوله: (فقد عتق منه شيء

إلخ) ضابط ذلك أن تقول: عتق منه شيء، وللورثة مثلا ما عتق منه، وهو شيئان، وله من كسبِهِ شيء إن كسب مثل قيمته، وشيئان إن كسب مثلي

ص: 424

وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ فَصَارَ وَكَسْبُهُ نِصْفَيْنِ يُعْتَقُ مِنْهُ نِصْفُهُ وَلَهُ نِصْفُ كَسْبِهِ وَلِلْوَرَثَةِ نِصْفُهُمَا وَإِنْ كَسَبَ مِثْلَيْ قِيمَتِهِ صَارَ لَهُ شَيْئَانِ وَعَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ يُعْتَقُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ كَسْبِهِ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ

قيمته، وثلاثة أشياء إن كسب ثلاثة أمثال قيمته، ونصف شيء إن كسب مثل نصف قيمته، وعلى هذا أبدًا، ثم تجمع الأشياء، فتقسم قيمة العبد وكسبه عليها، فما خرج فهو الشيء. فلو أعتق عبدًا لا مال له سواه، قيمته مئة، فكسب ثلاث أمثال قيمته، فقد عتق منه شيء، لورثة سيده شيئان مثلا ما عتق منه، وله من كسبه ثلاثة أشياء، ثم تجمع الأشياء، فتبلغ ستةً، فاقسم عليها قيمة العبد، وكسبه -وذلك أربع مئة- يخرج الشيء ستة وستين وثلثين، فقد عتق منه شيء، وهو ثلثا قيمته، ولورثة سيده شيئان مثلا ما عتق منه، وله من كسبه ثلاثة أشياء، وهي ثلثا كسبه. ذكره في «المبدع» . قاله في «حاشية الإقناع» .

قوله: (وللورثةِ شيئان) أي: منه، ومن كسبه. قوله:(فصار وكسبه نصفين) لأن العبد لما استحق بعتقه شيئاً، وبكسبه شيئًا، كان له في الجملة شيئاً، وللورثة شيئان. قوله:(وله نصف كسبه) أي: غير محسوب عليه؛ لأنه استحقه بجزئه الحر، لا من جهة سيِّده.

ص: 425

وَإِنْ كَسَبَ نِصْفَ قِيمَتِهِ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَهُ نِصْفُ شَيْءٍ مِنْ كَسْبِهِ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ فَيُعْتَقُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ كَسْبِهِ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ وَفِي هِبَةٍ لِمَوْهُوبٍ لَهُ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ وَبِقَدْرِهِ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنْ أَعْتَقَ أَمَةً ثُمَّ وَطِئَهَا وَمَهْرُ مِثْلِهَا نِصْفُ قِيمَتِهَا فَكَمَا لَوْ كَسَبَتْهُ يُعْتَقُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا وَلَوْ وَهَبَهَا لِمَرِيضٍ آخَرَ لَا مَالَ لَهُ فَوَهَبَهَا الثَّانِي لِلْأَوَّلِ صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ وَعَادَ إلَيْهِ بالثَّانِيَةِ ثُلُثُهُ بَقِيَ لِوَرَثَةِ الْآخَرِ ثُلُثَا شَيْءٍ وَلِ الْأَوَّلِ شَيْئَانِ فَلَهُمْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَلِوَرَثَةِ الثَّانِي رُبْعُهَا

قوله: (ولورثة الثاني ربعها) وطريقها بالجبر أن تقول: صحَّت هبة الأول في شيء من الجارية، فبقيت جارية إلا شيئاً، وصحت هبة الثاني في ثلث الشيء، يبقى مع الأول جارية إلا ثلثي شيء، يعدل ضعف ما صحت فيه هبته -وهو شيء- وضعفه شيئان، فتجبر الجارية بزيادة ثلثي شيء، وتقابل بزيادتهما على الشيئين، فتبقى جارية كاملة، تعدل شيئين وثلثي شيء، فتقسم الجارية على الأشياء، فتقول: واحد على اثنين وثلثين، يخرج ثلاثة أثمان، وهو الشيء الذي صحت فيه هبة الأول، فيبقى معه خمسة أثمان الجارية،

ص: 426

وَإِنْ بَاعَ قَفِيزًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِقَفِيزٍ يُسَاوِي عَشَرَةَ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَأَسْقِطْ قِيمَةَ الرَّدِيءِ مِنْ قِيمَةِ الْجَيِّدِ ثُمَّ اُنْسُبْ الثُّلُثَ إلَى الْبَاقِي وَهُوَ عَشَرَةٌ مِنْ عِشْرِينَ تَجِدْهُ نِصْفَهَا

وصحت هبة الثاني في ثلث ثلاثة الأثمان، فيجتمع مع ورثة الأوَّل ستة أثمان، وهي ضعف ما صحت فيه هبةُ الأوَّل، ومع ورثةِ الثاني ثمنان، وهما ضعف ما صحت فيه هبة الثاني.

قوله: (وإن باع قفيزًا لا يملك غيره

إلخ) طريق هذه المسألة بالجبر، كما في «الإقناع» وغيره أن تقول: صحَّ البيع في شيء من الجيد بشيء من الرديء، وقيمة ذلك الشيء الذي صح فيه العقد من الرديء، ثلث قيمة شيء من الجيد، فتكون المحاباة بثلثي شيء من الجيد، فألقها منه يبقى قفيز إلا ثلثي شيء يعدل مثلي المحاباة الباقين للورثة من هذا الجيد، وقد عرفتَ أنَّ المحاباة ثلثا شيء، فمثلاها شيء وثلث شيء، فتقول: قفيز إلا ثلثي شيء يعدل شيئاً وثلث شيء، فتجبر بإزالة الاستثناء، وتقابل؛ بأن تزيد نظير المستثنى على الطرف الآخر، فيصير هكذا: قفيزٌ: يعدل شيئين، والقفيز على ما قابله، فيخرج الشيء نصف القفيز الجيد، وهو الذي صحَّ فيه البيع بنصف القفيز الرديء، وحصلت فيه المحاباة بثلثي شيء، أعني: بالعشرة، والله أعلم.

ص: 427

فَيَصِحُّ فِي نِصْفِ الْجَيِّدِ وَبِنِصْفِ الرَّدِيءِ وَيَبْطُلُ فِيمَا بَقِيَ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى رِبَا الْفَضْلِ فَلَوْ لَمْ يُفْضِ كَعَبْدٍ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِعَبْدٍ يُسَاوِي عَشَرَةً صَحَّ بَيْعُ ثُلُثِهِ بِالْعَشَرَةِ وَالثُّلُثَانِ كَالْهِبَةِ لِلْمُبْتَاعِ نِصْفَهُمَا لَا إنْ كَانَ وَارِثًا وَإِنْ أَقَالَ مَنْ أَسْلَفَهُ عَشَرَةَ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ

قوله: (فيصح في نصف الجيد بنصف الرديء) لأن ذلك مقابلة بعض المبيع بقسطه من الثمن عند تعذر أخذ جميعه بجميع الثمن، أشبه ما لو اشترى سلعتين بثمنٍ، فانفسخ البيع في إحداهما بعيبٍ أو غيره. قوله: (وإن أقال

إلخ) أي: المريض شخصًا

إلخ فـ (من) مفعول، كما يقتضيه حل المصنف لا فاعل، كما هو صريح الشيخ منصور البهوتي. والحاصل: أن فاعل (أقال) هو المريض. وهو فاعل (سلف) أيضًا، وأما (من) فهي واقعة على غير المريض، أعني: على المحابى اسم مفعول. والتقدير: وإن أقال المريض شخصًا سلفه المريض، أو الشخص الذي سلفه المريض

إلخ، فالصفة، أو الصلة جارية على غير من هي له، ومع ذلك لم يبرز الضمير، لأن العامل فعل، لا يجب الإبراز باتفاق البصريين والكوفيين.

قوله: (في كرِّ حنطةٍ) الكر جمعه أكرار، كقفلٍ وأقفالٍ: وهو ستون قفيزاً،

ص: 428

وَقِيمَتِهِ عِنْدَ الْإِقَالَةِ ثَلَاثُونَ صَحَّتْ فِي نِصْفِهِ بِخَمْسَةٍ وَإِنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً عَشَرَةً لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا وَصَدَاقُ مِثْلِهَا خَمْسَةٌ فَمَاتَتْ ثُمَّ مَاتَ فلَهَا بِالصَّدَاقِ خَمْسَةٌ وشَيْءٌ بِالْمُحَابَاةِ رَجَعَ إلَيْهِ نِصْفُهُ بِمَوْتِهَا صَارَ لَهُ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ اُجْبُرْهَا بِنِصْفِ شَيْءٍ وَقَابِلِ مَخْرَجُ الشَّيْءِ ثَلَاثَةٌ فَلِوَرَثَتِهِ سِتَّةٌ وَلِوَرَثَتِهَا أَرْبَعَةٌ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهَا وَرِثَتْهُ وَسَقَطَتْ الْمُحَابَاةُ وَمَنْ وَهَبَ زَوْجَتَهُ كُلَّ مَالِهِ فِي مَرَضِهِ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ فَلِوَرَثَتِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَلِوَرَثَتِهَا خُمُسُهُ

والقفيز ثمانية مكاكيك. والمكوك: صاع ونصف. «مصباحٌ» . قوله: (رجع إليه نصفه) أي: نصف ما حصل لها، وهو خمسة وشيء. قوله:(اجبرها) أي: السبعة وما معها؛ بأن تكمل هذا الطرف، وتزيل الاستثناء منه، فيصير سبعةً ونصفًا. وقوله:(وقابل) أي: بأن تزيد مثل المستثنى على الطرف الآخر، وهو الشيئان، فيصير شيئين ونصفًا، فترجع إلى البسيطة الثالثة.

قوله: (ومن وهب زوجته

إلخ) طريقها بالجبر أن تقول: صحَّت الهبة في شيء من المال، وعاد إليه نصفه بالإرث، فيبقى لورثتها نصف شيء، ولورثته المال كلُّه إلا نصف شيء، وذلك يعدل شيئين لأننا صححنا الهبة في شيء

ص: 429

فصل

ولو أقر في مرضه أَنَّهُ أَعْتَقَ ابْنَ عَمِّهِ أَوْ نَحْوَهُ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَلَكَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ عَتَقَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَوَرِثَ فَلَوْ اشْتَرَى ابْنَهُ وَنَحْوَهُ بِمِائَةٍ ويُسَاوِي أَلْفًا فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَالثَّمَنُ وَثَمَنُ كُلِّ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ مِنْ ثُلُثِهِ وَيَرِثُ

فيكون لورثته مثلا ذلك؛ لأن الهبة استقرَّت في ثلث المال، وبقي لورثته ثلثاه، فإذا كان الثلث شيئاً، فالثلثان شيئان، فاجبر المال بنصف شيء؛ بأن تزيل الاستثناء، وقابل؛ بأن تزيد على ما يعادله نصف شيء مثل ما جبرت به، يصير المال كله يعدل شيئين ونصف شيء، والمال هنا قدر من العددِ، لا المال المصطلح عليه عند الجبريين الذي هو المجذور القائم من ضرب الشيء في نفسه، فتقول: مال، أي: عدد يعدل شيئين ونصف شيء، وذلك من الضرب الثالث من الأضرب البسيطة، فتقسم على الأشياء، يخرج الشيء خمسي المال، وقد علمت أنه عاد للزوج منه بالإرث نصفه، فيبقى لورثتها نصفه، وهو خمس المئة، والأربعة الأخماس الباقية لورثةِ الزوج، كما قال المصنف، والله تعالى أعلم.

قوله: (أو نحوه) بالنصب، كما رأيته بخطِّه، ويمثل بابن خاله، ويحتمل أن يكون مجرورا، ويمثَّل بخالهِ.

ص: 430

فَلَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ بِكُلِّ مَالِهِ وَتَرَكَ ابْنًا عَتَقَ ثُلُثُ الْأَبِ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَوَرِثَ بِثُلُثِهِ الْحُرِّ مِنْ نَفْسِهِ ثُلُثَ سُدُسِ بَاقِيهَا الْمَرْقُوقِ وَلَا وَلَاءَ عَلَى هَذَا الْجُزْءِ وَبَقِيَّةُ الثُّلُثَيْنِ تَعْتِقُ عَلَى الِابْنِ وَلَهُ وَلَاؤُهَا وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ تِسْعَةَ دَنَانِيرَ وَقِيمَتُهُ سِتَّةٌ تَحَاصَّا فَكَانَ ثُلُثُ الثُّلُثِ لِلْبَائِعِ مُحَابَاةً وَثُلُثَاهُ لِلْأَبِ عِتْقًا يُعْتَقُ بِهِ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ وَيَرُدُّ الْبَائِعُ دِينَارَيْنِ وَيَكُونُ ثُلُثَا الْأَبِ مَعَ الدِّينَارَيْنِ مِيرَاثًا وَإِنْ عَتَقَ عَلَى وَارِثِهِ صَحَّ وَعَتَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ دَبَّرَ ابْنَ عَمِّهِ وَنَحْوَهُ عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْ

قوله: (تحاصا) أي: البائع والأب، يعني: أنَّه قد حصل من المريض عطيتان، محاباة البائع، بثلث المال، وعتق الأب، فيتحاصَّان لتقارنهما؛ لأن ملك المريض لأبيه مقارن لملك البائع لثمنه. وقوله:(ميراثاً) أي: للابن. قاله في «شرحه» . قال منصور البهوتيُّ: وفيه نظر، بل للأب بثلثه الحر ثلث السدس، والباقي للابن على ما تقدم. انتهى. قوله:(عتق على وراثه) أي: المريض دون الوارث؛ بأن كان الرقيق أخا لابن عم المريض الوارث له، فاشتراه عتق على الوارث؛ لأنه أخوه، ولم يرث معه.

ص: 431

وأَنْتَ حُرٌّ آخِرَ حَيَاتِي عَتَقَ وَوَرِثَ بِخِلَافِ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِمَوْتِ قَرِيبِهِ وَلَيْسَ عِتْقُهُ وَصِيَّةً لَهُ وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا فِي مَرَضِهِ وَرِثَتْهُ وَتَعْتِقُ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَإِلَّا عَتَقَ بِقَدْرِهِ وَبَطَلَ النِّكَاحُ وَلَوْ أَعْتَقَهَا وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَأَصْدَقَهَا مِائَتَيْنِ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا وَهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا ثُمَّ مَاتَ صَحَّ الْعِتْقُ وَلَمْ تَسْتَحِقَّ الصَّدَاقَ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى بُطْلَانِ عِتْقِهَا ثُمَّ يَبْطُلُ صَدَاقُهَا وَلَوْ تَبَرَّعَ بِثُلُثِهِ ثُمَّ اشْتَرَى أَبَاهُ وَنَحْوَهُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ صَحَّ الشِّرَاءُ

قوله: (آخر حياتي

إلخ) إنما ورث هنا؛ لحصول الحرية قبل الموت، فالحرية قد سبقت هنا الإرث بخلاف التي بعدها، فإن الحرية لم تحصل قبل الموت، بل قارنت الإرث ولم تسبقه، فهي كما إذا دبر ابن عمه ونحوه. كما تقدم. قوله:(وبطل النكاح) أي: تبينا بطلانه؛ لأنه نكح مبعَّضة يملك بعضها، فيبطل إرثها؛ لبطلان سببه وهو النكاح. قوله:(ولم تستحق الصداق) ويعايا بها فيقال: امرأة تزوجت بصداق مقدر في نكاح صحيح، ودخل بها ولم تستحق الصداق من غير أن يوجد منها ما يسقطه؟ ! ويمثل به أيضا للدين الذي يسقط بلا إسقاطٍ، ولا تعويضٍ، فتسقط زكاته، كما تقدم في الزكاة.

ص: 432

وَلَا عِتْقَ فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ عَلَى وَارِثِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَا إرْثَ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ فِي حَيَاتِهِ

قوله: (ولا عتق) يعايا بذلك فيقال: شخص ملك أبا، أو ابنه ونحوهما، ولم يعتق عليه واحد منهم؟ ! وإنما كان كذلك؛ لسبق التبرع بالثلث.

ص: 433

صفحة فارغة

ص: 434