الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و
كره إخراج تراب الحرم، وحجارته
، إلى الحل (1) لاماء زمزم (2) ويحرم إخراج تراب المساجد، وطيبها للتبرك وغيره (3)(ويحرم صيد) حرم (المدينة)(4) لحديث علي «المدينة حرام ما بين عير إلى ثور، لا يختلى خلاها، ولا ينفر صيدها، ولا
يصلح أن تقطع منها شجرة، إلا أن يعلف رجل بعيره» رواه أبو داود (5) .
(1) المراد بالحرم هنا: غير المسجد، لتخصيص المسجد بالتحريم، كما هو ظاهر كلام جماعة واستظهره في الفروع وغيره، وقال ابن عباس وغيره: ولا يدخل من الحل، وقال أحمد: الخروج أشد، لكراهة ابن عمر، وابن عباس تعظيما لشأنه.
(2)
فلا يكره إخراجه، قال أحمد: أخرجه كعب، ولخبر عائشة أنها كانت تحمله، وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله، ورواه الترمذي، وقال: غريب حسن.
(3)
وهو بدعة ولا أصل له في السنة.
(4)
وهو مذهب مالك والشافعي، وكذا شجرها، وحشيشها والمدينة علم على مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بالغلبة لا بالوضع، وتواتر اسمها بالمدينة من الدين، ولهما «طابة» ولمسلم «إن الله سمى المدينة طابة» ، وله إنها طيبة وإنها تنفي الخبث، سميت بذلك لأنها طهرت من الشرك، ولهما «تقولون يثرب، وهي المدينة» ، قال أبو عبيد: يثرب أرض والمدينة بين ناحيتيها.
(5)
زاد أحمد «ولا تلتقط لقطتها إلا لمن أشاد بها» ، وفي الصحيحين «لا يقطع شجرها» ، ولمسلم: «إني حرمت ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها.
ولمسلم أيضاً «لا يختلى خلاها، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين» وفي الصحيح «المدينة حرم، ما بين عائر إلى كذا» وفي لفظ «من عير إلى كذا» ولمسلم «من عير إلى ثور» ولهما «ما بين لابتيها حرام» زاد مسلم: وجعل اثني عشر ميلاً حول المدينة حمى. ولهما «إن إبراهيم حرم مكة، ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة، كما حرم إبراهيم مكة، ودعوت في صاعها ومدها، بمثلي ما دعا إبراهيم لأهل مكة " وفي تحريمها أخبار كثيرة
(ولا جزاءَ) فيما حرم من صيدها، وشجرها، وحشيشها.
قال أَحمد في رواية بكر بن محمد: لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحداً من أصحابه حكموا فيه بجزاء (1)
(ويباح الحشيش) من حرم المدينة (للعلف) لما تقدم (2)
(1) قال في الفروع: واختاره غير واحد، وفاقاً للأئمة الثلاثة، وأكثر العلماء، لأنه يجوز دخولها بغير إحرام، ولا تصلح لأداء النسك، وذبح الهدايا، وقال الشيخ: إذا دخل عليه صيد، لم يكن عليه إرساله، لخبر أنس «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟» والنغير قيل: هو عصفور. وقيل: بلبل صغار العصافير كان يلعب به. متفق عليه، وفي الإنصاف: له إمساكه، لا أعلم فيه نزاعاً. ولأنه لا يلزم من الحرمة، الضمان.
(2)
أي في حديث علي ولفظه «إلا أن يعلف رجل بعيره» قال الشيخ: ويؤخذ من حشيشه ما يحتاج إليه للعلف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، رخص لأهل المدينة في هذا، لحاجتهم إلى ذلك، إذ ليس حولهم ما يستغنون به عنه. وعنه: يسلب من العادي، ويتصدق به على فقراء المدينة، وسلب سعد عبداً يقطع شجراً ويخبطه، وأبى أن يرده عليهم، رواه مسلم. و «العلف» بفتح اللام، ما تأكله البهائم، يقال: علف الدابة، وأعلفها.
(و) يباح اتخاذ (آلة الحرث ونحوه) كالمساند، وآلة الرحل، من شجر حرم المدينة (1) لما روى أَحمد، عن جابر بن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حرم المدينة، قالوا: يا رسول الله، إِنا أصحاب عمل، وأَصحاب نضح، وإِنا لا نستطيع أَرضاً غير أرضنا، فرخص لنا. فقال " القائمتان، والوسادة، والعارضة، والمسند، فأَمَّا غير ذلك فلا يعضد، ولا يخبط منها شيءٌ "(2) والمسند: عود البكرة. (3)
ومن أدخلها صيداً فله إمساكه، وذبحه (4)(وحرمها) بريد في بريد (5) .
(1) وآلته: هي ما يعمل من الخشب له، وهو ـ بالحاء المهملة ـ ما يجعل على البعير كالسرج، وهو أصغر من القتب.
(2)
لا يعضد. أي لا يقطع، عطف تفسير، والقائمتان فسرا بقائمة الرحل، التي تكون في مقدمه. ومؤخره: والوسادة؛ جمعها وسائد، وهي التي يكون محور البكرة عليها، والعارضة: التي يسقف بها المحمل، قال الشيخ: ولا يقطع شجره إلا لحاجة كآلة الركوب والحرث.
(3)
وعود البكرة: محورها الذي تجرى عليه، والبكرة المحالة.
(4)
نص عليه، لحديث «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟» وهو طائر صغير، كان يلعب به، فدل على جواز الإمساك، لأن إمساكه يفضي إلى تلفه، بغير فائدة، فذبحه المفضي إلى جواز أكله أولى.
(5)
من جهاتها الأربع، والبريد: أربع فراسخ.
وهو (ما بين عير) جبل مشهور بها (1)(إلى ثور) جبل صغير، لونه إلى الحمرة، فيه تدوير، ليس بالمستطيل، خلف أحد من جهة الشمال (2) وما بين عير إلى ثور هو ما بين لابتيها (3) واللابة الحرة، وهي أرض تركبها حجارة سود (4) .
(1) عند الميقات، في الجنوب الغربي منها، قال الشيخ وغيره: جبل عند الميقات يشبه العير، وهو الحمار.
(2)
قاله الشيخ وغيره: وقد أنكره غير واحد، منهم مصعب الزبيري، والحازمي، وجماعة، وقال عبد السلام بن مزروع البصري، صحبت طائفة من العرب، من بني هيثم، فمررنا بجبل خلف أحد، فقلت: ما يقال لهذا الجبل؟ قالوا: هذا جبل ثور، فقلت: ما تقولون؟ قالوا: هذا ثور، معروف من زمن آبائنا، وأجدادنا، وقال الحافظ، عن شيخه المراغي، نزيل المدينة: إن خلف أهل المدينة ينقلون عن سلفهم، أن خلف أحد من جهة الشمال، جبل صغير، إلى الحمرة
بتدوير، يسمى ثورًا، قال: وقد تحقق بالمشاهدة وقال المحب الطبري: علمنا أن ذكر ثور، في الحديث صحيح، وأن عدم علم أكابر العلماء به، لعدم شهرته، وعدم بحثهم عنه اهـ، وحتى جاء في رواية الحديث إلى كذا، إشارة إلى عدم علمهم به.
(3)
وهو حد لحرمها من جهة المشرق والمغرب، وما بين جبليها حد لحرمها من جهتي الجنوب والشمال، قال الشيخ: وحرم المدينة هو ما بين لابتيها.
(4)
وقاله الشيخ وغيره: وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم حول المدينة اثنى عشر ميلاً حمى، رواه مسلم قال الشيخ: بعد ذكر حرم مكة، وأما المدينة فلها حرم عند الجمهور، كما استفاضت بذلك الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وليس في الدنيا حرم لا بيت المقدس ولا غيره، إلا هذان الحرمان، ولا يسمى غيرهما حرمًا، كما يسمى الجهال فيقولون: حرم القدس، وحرم الخليل، فإن هذين وغيرهما ليس بحرم، باتفاق المسلمين، ولم يتنازع المسلمون في حرم ثالث، إلا في وج، وهو واد بالطائف، وهو عند بعضهم حرم، وعند الجمهور ليس بحرم، قال الوزير: اتفقوا أنه غير محرم الاصطياد، ولا القطع إلا الشافعي، فقال: يمنع من صيدها وقتله، ولم يثبت فيه شيء.
وتستحب المجاورة بمكة (1) وهي أفضل من المدينة (2) قال في الفنون: الكعبة أفضل من مجرد الحجرة، فأما والنبي صلى الله عليه وسلم فيها فلا والله (3) .
(1) وهو مذهب مالك والشافعي، إذا قدر على إظهار دينه، ولو كان يرى المنكر بها، وقال مالك: إن كان يرى المنكر بها ظاهرًا وجبت الهجرة.
(2)
وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة وجماهير العلماء، وأحب البلاد إلى الله، وللترمذي وغيره وصححه «إنك لأحب البقاع إلى الله، وإنك لأحب البقاع إلي» ، ولأن العمل فيها أفضل، فقد تظاهرت الأخبار أن الصلاة بالمسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه، وعنه المدينة وفاقا لمالك، لأنها مهاجر المسلمين، ولترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في المجاورة فيها، وأنه يشفع لمن مات بها، وقال في الإرشاد وغيره، الخلاف في المجاورة فقط، وجزموا بأفضلية الصلاة وغيرها في مكة، واختاره الشيخ، واستظهره في الفروع، وقال الشيخ، المجاورة بمكان يكثر فيه إيمانه، أفضل حيث كان.
(3)
أي الحجرة أفضل، في رأيه رحمه الله، ويقسم على ذلك اجتهادًا منه، وليس كل مجتهد مصيبًا فإن الحق واحد.
ولا العرش وحملته، ولا الجنة (1) لأَن بالحجرة جسداً لو وزن به لرجح اهـ (2) . وتضاعف الحسنة والسيئة بمكان وزمان فاضل (3) .
(1) أي الحجرة أفضل منها، ومفهومه: تفضيل الأرض على السماء.
(2)
أي كلام ابن عقيل، قال الشيخ: لم أعلم أحداً فضل التربة على الكعبة، غير القاضي عياض، ولم يسبقه أحد، ولا وافقه أحد اهـ. وحاشا أن يكون بيت المخلوق، أفضل من بيت الخالق جلا وعلا، وكذا عرشه، وملائكته وجنته، أما رسول الله صلى الهل عليه وسلم أفضل الخلق على الإطلاق، بإجماع المسلمين، والنسبة إلى المدينة: مدني. ومدينة المنصور، وهي بغداد: مديني. ومدائن كسرى: مدائني، ومدين مدْيَني.
(3)
ذكره القاضي، والشيخ، وغيرهما، فالحسنات بالكمية بالإجماع، والسيئات بالكيفية، واختاره الشيخ وغيره، وحمل كلام ابن عباس عليه، واستدل بقوله (فلا يجزى مثلها) أي: واحدة. وإن كانت عظيمة، «وتضاعف» أصلها: تتضاعف. حذفت التاء الأولى، أو الثانية.
باب ذكر دخول مكة
وما يتعلق به من الطواف والسعي (1)
(يسن) دخول مكة (من أعلاها)(2) .
(1) أي وصفة الطواف، والسعي، وما يتعلق بذلك، "ومكة» علم على جميع البلدة، وهي البلدة المعروفة، المعظمة المحجوجة، غير مصوفة، سميت "مكة": لأنها كانت تمك من ظلم فيها، أي: تهلكه. وقيل: لقلة مائها، وقيل: لأنها تمك المخ من العظم، مأخوذ من قولهم: مك الفصيل ضرع أمه وأمكه. إذا شرب ما فيه من اللبن، وتسمى "بكة» من البك وهو الإزدحام، ودق الأعناق لأنها تدق أعناق الجبابرة، إذا ألحدوا فيها، "وأم القرى"، ولها أسماء أخر، ويستحب الغسل لدخول مكة وفاقاً.
قال الشيخ: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يغتسل لدخول مكة، كما كان يبيت بذي طوى، وهو عند الآبار، التي يقال لها آبار الزاهر، فمن تيسر له المبيت بها والإغتسال، ودخول مكة نهاراً، وإلا فليس عليه شيء من ذلك.
وقال الترمذي: الصحيح ما روى نافع عن ابن عمر، أنه صلى الله عليه وسلم، اغتسل لدخول مكة. وفي الإختيارات: ولا يستحب الغسل لدخول مكة، والوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، ورمي الجمار، ولا لطواف الوداع، ولو قلنا باستحبابه لدخول مكة، كان نوع عبث للطواف، لا معنى له.
(2)
من ثنية كداء، بفتح الكاف والدال، ممدود، ومهموز، مصروف، وغير مصروف، طريق بين جبلين، يقال له «الحجون» المشرف على المقبرة، والدخول معه سنة، باتفاق أهل العلم، لما روى ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل من الثنية العليا. وعن عائشة نحوه، متفق عليهما، وظاهره الإطلاق ليلاً أو نهارًا، ورواه النسائي في عمرة الجعرانة، وفي الإنصاف: دخولها نهارا مستحب بلا نزاع.
والخروج من أسفلها (1)(و) يسن دخول (المسجد) الحرام (من باب بني شيبة)(2) لما روى مسلم وغيره، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة، ارتفاع الضحى، وأناخ راحلته، عند باب بني شيبة، ثم دخل (3) .
(1) من كدى بضم الكاف، والتنوين المعروف الآن بباب الشبيكة، عند ذي طوى، بقرب شعب الشافعيين.
(2)
هو المعلم عليه بالكمر، يدخل معه بين المقام وزمزم، وهو باب السلام، والمسجد من قبل، هو المرصوف الآن بالرخام عليه صف من الأعمدة المصنوعة من نحاس محيطة به، فيها المصابيح، أهبط مما يليه بنحو درجة، وما سواه مزيد، وتقدم أن الزيادة لها حكم المزيد.
(3)
أي دخل المسجد من باب بني شيبة، المشهور اليوم، عليه عقد منصوب، علم عليه، فيسن دخول المسجد منه، باتفاق أهل العلم، وإن لم يكن على طريقه لهذا الخبر وغيره، أنه صلى الله عليه وسلم دخل منه، والدوران إليه لا يشق، ومن ثم لم يجر خلاف في سنيته، بخلاف التعريج على ثنية كدا، ولأنه جهة باب الكعبة، والبيوت تؤتى من أبوابها، ومن ثم كانت جهة باب الكعبة، أشرف جهاتها الأربع، وفيه الحجر الأسود، وصح أنه يمين الله في الأرض، ونسبة باب البيت إليه، كنسبة وجه الإنسان إليه، وأماثل الناس يقصدون من جهة وجوههم ومن قصد ملكًا، أم بابه وقبل يمينه.
وقال الشيخ: إذا أتى مكة جاز أن يدخل مكة، والمسجد من جميع الجوانب، لكن الأفضل، أن يأتي من وجه الكعبة، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه
دخلها من وجهها، من الناحية العليا، من ثنية كداء المشرفة على المقبرة، ودخل المسجد من الباب الأعظم، الذي يقال له باب بني شيبة، ثم ذهب إلى الحجر الأسود، فإن هذا أقرب الطرق إلى الحجر الأسود، لمن دخل من باب المعلاة.
وفي الصحيحين عن عائشة: أول شيء بدأ به حين قدم مكة، أن توضأ ثم طاف بالبيت ثم أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان كذلك، ثم معاوية، وعبد الله بن عمر، ثم ابن الزبير ثم رأيت المهاجرين والأنصار يفعلون ذلك، ولأن مقصوده بسفره زيارة البيت وهو في المسجد الحرام فلا يشتغل بغيره.
ويسن أن يقول عند دخوله: بسم الله، وبالله ومن الله، وإلى الله (1) اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: افتح لي أبواب فضلك، ذكره في أسباب الهداية (2)(فإذا رأى البيت رفع يديه)(3) .
(1) وورد في دخول المسجد ما تقدم، فمسجد الحرام أولى.
(2)
لابن الجوزي، وإن قال ما ورد في دخول المسجد بسم الله أعوذ بالله العظيم، إلى قوله: وافتح لي أبواب رحمتك، كان أولى.
(3)
وكبر جزم به في المقنع والخرقي والرزكشي وغيرهم، وفي مراسيل مكحول، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة، فرأى البيت، رفع يديه وكبر، وقال: اللهم أنت السلام، إلى آخره ذكره البيهقي، والطبري، وابن القيم، وغيرهم، وهو مذهب الحنفية وبعض المالكية، والشافعية، وروي عن عمر وغيره، قال في المبدع: وهو قول الأكثر، قال الشيخ: ولم يكن قديمًا بمكة بناء يعلو البيت، فكان البيت يرى قبل دخول المسجد اهـ أو وصل نحو أعمى إلى محل يراه منه لو كان بصيرًا.
لفعله عليه السلام، رواه الشافعي عن ابن جريج (1)(وقال ما ورد) ومنه «اللهم أَنت السلام، ومنك السلام، حينا ربنا بالسلام» (2)«اللهم زد هذا البيت تعظيماً، وتشريفاً، وتكريماً ومهابة، وبراً (3) وزد من عظمه وشرفه، ممن حجه واعتمره، تعظيماً وتشريفاً وتكريماً، ومهابة، وبراً» (4) .
(1) وقد ذكر ابن جرير وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا رأى البيت رفع يديه، وقال «اللهم زد هذا البيت تشريفاً» إلخ، قال الشيخ: فمن رأى البيت، قبل دخول المسجد فعل ذلك، وقد استحب ذلك من استحبه عند رؤية البيت، ولو كان بعد دخول المسجد، في حال سيره إلى البيت.
(2)
لأن عمر كان يقول ذلك، رواه الشافعي، واستحباب الدعاء عند رؤية البيت لا نزاع فيه. «والسلام» اسم من أسماء الله تعالى، فهو سبحانه السالم من كل عيب ونقص، ومنه السلام تعالى لمن أكرمه بالسلامة، أي التحية، ورفع الدرجة، أو السلامة من الآفات «حينا ربنا بالسلام» أي: الأمْنِ مما جنيناه، والعفو عما اقترفناه، أو بالسلام من الآفات، وقيل: التحية. لتعلقه بها.
(3)
بكسر الموحدة، اسم جامع للخير، وأصله الطاعة، «وتشريفاً» أي رفعة، وعلواً، «وتعظيماً» أي تبجيلاً، «وتكريماً» أي تفضيلاً، «ومهابة» أي تقديراً وإجلالاً.
(4)
رواه الشافعي وغيره مرسلاً، ونحوه عند الطبراني، وسمعه سعيد ابن المسيب عن عمر، وفي بعض سياق الحديث، بدل «من عظمه» : من كرمه.
وتقديم، «تكريماً» ، على «تعظيماً» ، ورواه البيهقي عن عمر بسند لين. قالوا: وحكمة تقديم التعظيم على التكريم، في البيت، وعكسه في قاصديه، أن المقصود بالذات في البيت: إظهار عظمته في النفوس، حتى تخضع لشرفه، وتقوم بحقوقه ثم كرامته بإكرام زائريه، بإعطائهم ما طلبوه، وإنجازهم ما أملوه، وفي زائريه، وجود كرامتهم عند الله، بإسباغ رضاه عليهم، وعفوه عما جنوه، واقترفوه، ثم عظمته بين أبناء جنسه، بظهور تقواه وهدايته، ويرشد إليه ختم دعاء البيت بالمهابة، الناشئة عن تلك العظمة، إذ هي: التوقير والإجلال. ودعاء الزائر بالبر الناشئ عن ذلك التكريم، إذ هو الإتساع في الإحسان.
«الحمد لله رب العالمين، كثيراً، كما هو أهله (1) وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله» (2) والحمدلله الذي بلغني بيته، ورآني لذلك أهلاً (3) والحمد لله على كل حال (4) اللهم إنك دعوت إِلى حج بيتك الحرام (5) وقدجئتك لذلك (6) .
(1) أي أهل للحمد الكثير جل وعلا، فهو المحمود على كل حال، وفي كل حال، وله الحمد كله.
(2)
أي وكما ينبغي الحمد لكرم وجهه، وكما ينبغي الحمد لعز جلاله، وعظمته، وكبريائه، فالحمد لله حمداً كثيراً.
(3)
أي جعلني لتبليغ بيته أهلاً فالحمد لله على ذلك.
(4)
وفي كل حال، لا في حال دون حال، بل له الحمد كله، أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً.
(5)
أي المحرم، وسمي البيت «محرماً» لأن حرمته انتشرت، فلا يصاد عنده ولا حوله، ولا يختلى ما عنده من الحشيش، وأريد بتحريم البيت: سائر الحرم.
(6)
أي لحج بيتك الحرام، متوسلاً بمجيئي إليك.
«اللهم تقبل مني، واعف عني (1) وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت» (2) ويرفع بذلك صوته (3)(ثم يطوف مضطبعا)(4) في كل أسبوعه استحبابا (5) وإن لم يكن حامل معذور بردائه (6) .
(1) أي: تقبل: مني ما عملته في مجيئي إليك، واعف عني ما قصرت فيه من حقك، والعفو المحو مع الستر، وتقدم.
(2)
ذكره الأثرم، وإبراهيم الحربي، وهو دعاء لائق بالمحل، وإن قال غيره فلا بأس، والشأن الأمر والحال، ثم ختمه بكلمة التوحيد، اعترافا له بالألوهية وحده، ويمكنه هذا الدعاء إذا دخل مع باب المسجد، أما إذا وصل البيت فقال الشيخ وغيره: لا يشتغل بدعاء.
(3)
جزم به في المحرر والوجيز وغيرهما، لأنه ذكر مشروع، فاستحب رفع الصوت به كالتلبية.
(4)
نصبا على الحال، والاضطباع سنة، باتفاق الأئمة، سواء كان معتمرا أو قارنا، أو مفردا، وهو هيئة تعين على إسراع المشي، ويكون في جميع طوافه، لما رواه أبوداود وغيره، طاف مضطبعا، وهو قول عمر، وكثير من العلماء، وقيل: حال رمله، والطواف من قولهم: طاف به، أي: ألم يقال: طاف يطوف طوافا، وطوفانا، وتطوف واستطاف كله بمعنى.
(5)
أي يضطبع في كل الأشواط السبعة، استحبابا، عند جمهور أهل العلم لفعله صلى الله عليه وسلم.
(6)
متعلق بمضطبعا، أي يضطبع بردائه، إن لم يكن حال طوافه حامل معذور، أي حامل شخص معذور، كان فوق عاتقه، كمريض وصغير، فلا يستحب في حق حامل المعذور اضطباع ولا رمل كما سيأتي.
والاضطباع: أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر (1) وإذا فرغ من الطواف أزال الاضطباع (2)(يبتدئ المعتمر بطواف العمرة)(3) لأن الطواف تحية المسجد الحرام، فاستحبت البداءة به (4) .
(1) فيكون الأيمن مكشوفًا، على هيئة أرباب الشجاعة، إظهارا للجلادة في ميدان تلك العبادة، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم لما روى أبو داود وغيره، عن ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة، فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، ثم قذفوها على عواتقهم اليسر، قال الشيخ وغيره: فإن تركه فلا شيء عليه.
(2)
لأنه زمنه فقط، وليس بمستحب في الصلاة، ولا يسعى مضطبعا عند جماهير العلماء، لتركه عليه الصلاة والسلام للاضطباع حالة السعي بين الصفا والمروة، وكذا الخلفاء بعده.
(3)
لأن الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بفسخ نسكهم إليها، أمرهم أن يطوفوا للعمرة، بدليل أنه أمرهم بالحل، ولم يحتج إلى طواف قدوم.
(4)
أي بالطواف قبل تحية المسجد لمن طاف وإن لم يطف، كأن دخل في وقت منع الناس فيه من الطواف، أو كان عليه فائتة مكتوبة أو خاف فوت المكتوبة أو الوتر أو سنة راتبة، أو فوت الجماعة في المكتوبة، أو دخل المسجد غير مريد الطواف، لم يجلس حتى يصلي الركعتين، فإن الطواف تحية الكعبة، وتحية المسجد الصلاة، وتجزئ منها الركعتان بعد الطواف، ولا ينافي أن تحية المسجد الحرام: الطواف: لشرف الكعبة، وتحية الكعبة مقدمة على تحية المسجد، وبخلاف السلام على النبي صلى الله عليه وسلم لتقديم حق الله على حق الأنبياء.
ولفعله عليه السلام (1)(و) يطوف (القارن والمفرد للقدوم)(2) وهو الورود (3)(فيحاذي الحجر الأَسود بكله) أَي بكل بدنه (4) فيكون مبدأَ طوافه (5) .
(1) كما في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول شيء بدأ به، حين قدوم مكة، أنه توضأ، ثم طاف بالبيت؛ وعن عطاء: لما دخل مكة، لم يلو على شيء، ولم يعرج، ولا بلغنا أنه دخل بيتاً، ولا لها بشيء، حتى دخل المسجد، فبدأ بالبيت، فطاف به.
(2)
أي قدوم مكة، وهو إتيانها من سفره.
(3)
أي الدخول إليها، فيطوف للقدوم، لفعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، الذين كانوا كذلك، واتفق الأئمة على أنه سنة من سنن الحج، وشدد فيه مالك، ويأتي.
(4)
بأن يقف مقابل الحجر، حتى يكون مبصراً لضلعي البيت، الذي عن أيمن الحجر وأيسره، احترازاً من أن يقف في ضلع الباب، وإذا حاذى الحجر الأسود بجميع بدنه أجزأ، قولاً واحداً، قال الشيخ: فيبتدئ من الحجر الأسود، يستقبله استقبالاً، وذكر أنه هو السنة، وقال: وليس عليه أن يذهب إلى ما بين الركنين، ولا يمشي عرضاً، ثم ينتقل للطواف، بل ولا يستحب ذلك، وفي الخلاف: لا يجوز أن يبتدئه غير مستقبل له، ومن قال: يستقبل البيت، بحيث يصير الحجر عن يمينه. فهو خلاف السنة، وما عليه الأئمة، فلا يكون داخلاً في الخروج من الخلاف، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يتقدم عنه إلى جهة الركن اليماني، ولو فعله لنقل، وابتداء الطواف مما بين الركنين مخالف للإجماع.
(5)
أي فيكون الحجر مبدأ طوافه إجماعاً، فإن بدأ من اليماني لم يعتد بما بينهما، وإن بدأ من دون الحجر الأسود، لم يعتد بذلك الشواط.
لأَنه عليه السلام كان يبتدئُ به (1)(ويستلمه) أَي يمسح الحجر بيده اليمنى (2) .
وفي الحديث «إنه نزل من الجنة، أَشد بياضاً من اللبن، فسودته خطايا بني آدم» رواه الترمذي وصححه (3) .
(ويقبله)(4) لما روى عمر أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر، ووضع شفتيه عليه، يبكي طويلاً، ثم التفت، فإِذا بعمر بن الخطاب يبكي، فقال «يا عمر ههنا تسكب العبرات» رواه ابن ماجه (5) .
(1) أي بالحجر اٍلأسود، لما ثبت أنه بدأ به، فاستلمه، وقال الشيخ: هو السنة.
(2)
قاله الشيخ وغيره، «واستلم» افتعل، من السلام وهو التحية، وأهل اليمن يسمون الحجر الأسود «المحيا» لأن الناس يحيونه بالسلام، وقيل: افتعل. من المسالمة، كأنه فعل ما يفعل المسالم، واستلامه سنة بالإتفاق، لحديث جابر وغيره: فاستلم الحجر، ثم مضى عن يمينه. قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، وفي الخبر «والله ليبعثنه الله يوم القيامة، له عينان يبصر بها، ولسان ينطق به، يشهد على من استلمه بحق» .
(3)
وله عن عبد الله بن عمرو، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن الركن والمقام ياقوتتان، من ياقوت الجنة، طمس الله نورهما، ولو لم يطمس نورهما، لأضاء لهما ما بين المشرق والمغرب» و «بياضاً» منصوب على الحال.
(4)
إن أمكن، بلا صوت يظهر للقبلة، ولا يؤذي أحداً بالمزاحمة عليه، قاله الشيخ وغيره.
(5)
فدل الحديث على سنية تقبيله، وثبت من غير وجه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبله، وكان عمر يقبل الحجر، ويقول: إني لأعلم أنك حجر، لا تضر
ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك، رواه الجماعة وإنما قاله عمر، لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخشي أن يظن الجاهل أن تقبيل الحجر من ذلك، فبين أنه لا يقصد به إلا تعظيم الله عز وجل، وفي الصحيحين عن ابن عمر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويقبله، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، يستحبون تقبيل الحجر. فإن لم يمكنه ولم يصل إليه استلمه بيده وإن لم يصل إليه استقبله إذا
نقل الأثرم: ويسجد عليه (1) وفعله ابن عمر وابن عباس (2)(فإن شق) استلامه، وتقبيله لم يزاحم، واستلمه بيده، و (قبل يده)(3) .
(1)
() أي نقل الأثرم صاحب الإمام أحمد، عن الإمام أحمد رحمه الله، أنه كان يقبله، ويسجد عليه، وعمر سجد عليه، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هكذا.
(2)
أي السجود عليه، وقال ابن عباس: رأيت عمر، وإنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن المنذر، والحاكم وصححه وللحاكم وصححه، ويضع جبهته عليه، وتقبيله والسجود عليه، مذهب الجمهور، وانفرد مالك ببدعة السجود عليه، واعترف القاضي بشذوذه عنهم.
(3)
لقوله صلى الله عليه وسلم لعمر «إنك رجل قوي، فلا تزاحم على الحجر، فتؤذي الضعيف، وإن وجدت خلوة فاستلم» رواه أحمد، ولأن الاستلام سنة، وترك الإيذاء واجب، فالإتيان بالواجب أولى، وتقبيل اليد بعد الاستلام مذهب الجمهور والأئمة، إلا في أحد قولي مالك، ويلاحظ جلالة البقعة، ويتلطف بمن يزاحم، ويعذره، ويرحمه، لأن الرحمة ما نزعت إلا من شقي.
لما روى مسلم عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم استلمه وقبل يده (1)(فإن شق) استلمه بشيء وقبله (2) روي عن ابن عباس (3) فإن شق (اللمس أشار إليه) أي إلى الحجر، بيده أو بشيء ولا يقبله (4) لما روى البخاري عن ابن عباس، قال: طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير كلما أتى الحجر أشار إليه بشيء في يده وكبر (5) .
(1) لملامسته بها الحجر، فدل على استحباب تقبيل اليد المستلم بها، اقتداء به صلى الله عليه وسلم وفي الصحيحين قال نافع: رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده، ثم قبل يده، وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله، وورد في فضل تقبيله واستلامه أحاديث كثيرة، منها: أنه يحط الخطايا، ويكتب له الطواف كذا وكذا، وكعدل رقبة، وغير ذلك، وخص الحجر بالتقبيل لما ثبت في فضله، وأنه من الجنة.
(2)
أي الشيء المستلم به الحجر، وهذا على الترتيب فإن أمكنه تقبيل الحجر قبله، وإلا استلمه بيده وقبلها، وإلا استلمه بشيء، وقبل ذلك الشيء.
(3)
أي أنه كان يستلمه بشيء، ويقبل ذلك الشيء، وأجود من ذلك ما في صحيح مسلم، أنه صلى الله عليه وسلم يستلم الركن بمحجن معه، ويقبل المحجن، فدل على سنية ذلك، ولا يستحب للنساء تقبيل، ولا استلام، وإلا عند خلو المطاف ليلا أو نهارا.
(4)
أي ولا يقبل ما أشار به إليه، وقال الشيخ وغيره، لأن التقبيل إنما جاء للماس للحجر.
(5)
أي ولم يقبله، فالسنة ترك تقبيل ما أشار به إليه، اقتداء به صلى الله عليه وسلم وفي لفظ: كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر، فإذا لم يتمكن من التقبيل، أو اللمس، أشار إليه كلما أتى عليه، ولأن أشواط الطواف كركعات الصلاة، والاستلام أو الإشارة والتكبير كالتكبير في الصلاة، فيفتتح به كل شوط، كما يفتتح كل ركعة بالتكبير.
(ويقول) مستقبل الحجر بوجهه كلما استلمه (ما ورد)(1) ومنه: بسم الله والله أكبر (2) اللهم إيمانا بك (3) وتصديقا بكتابك (4) ووفاء بعهدك (5) .
(1) أي من الأدعية اللائقة بالمقام، وسواء قبله أو أشار إليه، ويكون مستقبلا له حال الاستلام أو الإشارة إليه، قال الشيخ: استقباله بوجهه، هو السنة، ولأحمد من حديث عمر، إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله وهلل وكبر.
(2)
قطع به الأكثر، وقاله الشيخ وغيره، وقال بعضهم يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، لحديث ابن عباس، وحديث عمر وإلا فاستقبله وهلل وكبر، وبسم الله، أي أطوف والله أكبر، أي من كل شيء، ولا يرفع يديه، كما يكبر للصلاة، كما يفعله من لا علم عنده، بل هو البدع، جزم به ابن القيم وغيره.
(3)
أي: أؤمن أو أطوف إيمانا بك، أي لأجل إيماني أنك حق، فعلت ذلك.
(4)
حيث قال تعالى: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} .
(5)
في قوله تعالى: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً} فأجابوا وفاء لذلك العهد، وأصل الوفاء في اللغة التمام، يقال: وفى بالعهد وأوفى ووفَّى، وعن علي لما أخذ الله الميثاق، كتب كتابا فألقمه الحجر، فهو يشهد للمؤمن بالوفاء، وعلى الكافر بالجحود، ذكره أبو الفرج وغيره.
واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم (1) لحديث عبد الله بن السائب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك عند استلامه (2)(ويجعل البيت عن يساره)(3) لأنه عليه السلام طاف كذلك، وقال:«خذوا عني مناسككم» (4) ويطوف سبعا (5) .
(1) حيث أمر بذلك، وفعله صلوات الله وسلامه عليه.
(2)
أي الحجر الأسود، وللعقيلي نحوه، من حديث ابن عمر، والبيهقي وغيره، عن علي، وهو قول أكثر الفقهاء، قال الشيخ: وإن شاء قال: اللهم إيمانا بك إلخ.
(3)
إجماعًا، فيقرب جانبه الأيسر إليه، وقاله الشيخ وغيره.
(4)
أي: وحجوا كما رأيتموني أحج فيستلزم وجوب كل فعل فعله في حجه، إلا ما خصه دليل، ففي حديث جابر، أنه مشى على يمينه، فيجب أن يجعل البيت عن يساره، ويأخذ على يمينه بلا نزاع.
قال الشيخ: لكون الحركة الدورية تعتمد فيها اليمنى على اليسرى، فلما كان الإكرام في ذلك للخارج، جعل لليمنى، وأول ركن يمر به يسمى الشامي، وهو جهة الشام، ثم يليه الركن الغربي، وهو جهة الغرب، ثم اليماني جهة اليمن، وهو آخر ما يمر عليه من الأركان.
(5)
قال في المطالع: بفتح السين أي سبع مرات، ويجوز ضمها، ويجوز سبوع وأسبوع، وجمعه: أسابيع اهـ، والمعروف سبعا بضم السين، والتاء محذوفة يريد الطوفات، وقال الوزير: اتفقوا على أن طواف القدوم سنة لمن قدم إلى مكة، وشدد فيه مالك، وقال: يعيده إذا رجع، وقال: اتفقوا على أنه سنة على أهل مكة، وعلى من أهل منها، إلا أبا حنيفة فقال: لا يسن لهم.
يرمل الأفقي أي المحرم من بعيد من مكة (في هذا الطواف) فقط (1) إن طاف ماشيا، فيسرع المشي، ويقارب الخطا (2)(ثلاثا) أي في ثلاثة أشواط (3)(ثم) بعد أن يرمل الثلاثة أشواط (4) .
(1) أي طواف القدوم، مع الاضطباع دون غيره من الأطوفة، وقال الشيخ: ويستحب أن يرمل من الحجر إلى الحجر، في الأطواف الثلاثة، وقال الوزير وغيره: هو سنة باتفاق الأئمة، وقال في المبدع: لا نعلم خلافا في سنيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف سبعا، رمل ثلاثة أطواف، ومشي أربعا، ورواه جابر وابن عباس وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم وهذا كان لسبب زال، وبقي المسبب، ويرمل من الحجر، إلى الحجر، قول الأكثر اهـ ويرمل بضم الميم مضارع، ورمل، بفتحها، قال الجوهري: الرمل بالتحريك، الهرولة قال ابن القيم: يسرع مشيه، ويقارب خطاه، وقال الشيخ: الرمل مثل الهرولة وهو مسارعة المشي مع تقارب الخطا.
(2)
بلا نزاع ولا يثب وثبا، لأن ذلك ليس بمشي، فإذا فعله لم يكن آتيا بالرمل المشروع، ومفهومه، لا يكره طوافه راكبا بلا عذر، قال النووي: وهو قول الجمهور، لكنه خلاف الأولى، وفي المبدع: يجزئ مع العذر، بغير خلاف، لخبر ابن عباس: أنه صلى الله عليه وسلم طاف على بعير، ولحديث أم سلمة، ولغير عذر يجزئ في رواية لأن الله أمرنا بالطواف مطلقا، والثانية: لا لتشبيهه بالصلاة، وعلم منه، أن الطواف راجلاً أفضل بغير خلاف.
(3)
جمع شوط، وهو جري مرة إلى الغاية، والمراد به هنا: الطوفة الواحدة حول الكعبة من الحجر إلى الحجر للأخبار.
(4)
الأولى بالتعريف قال أبو البقاء: أجمعوا أنه لا يجوز إضافة ما فيه الألف واللام إلى النكرة.
(يمشي أربعًا) من غير رمل (1) لفعله عليه السلام (2) ولا يسن رمل لحامل معذور ونساء (3) .
(1) أي يمشي أربع طوفات بلا رمل، لأن هيئاتها السكينة فلا تغير، قال ابن عباس: ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها، إلا الإبقاء عليهم متفق عليه.
(2)
في طواف القدوم، وليس في شيء من الأحاديث أنه طافه راكبا، ففي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر وابن عباس أنه رمل من الحجر إلى الحجر في حجة الوداع، أي ابتدأ من الحجر الأسود، وأسرع حتى وصل إليه، وعن جابر، ثم مشى على يمينه، فرمل ثلاثا، ومشى أربعا، رواه مسلم، قال الترمذي وغيره: والعمل عليه عند أهل العلم، فإن قيل: رمل صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه لإظهار الجلد للمشركين، ولم يبق ذلك المعنى، إذ نفى الله المشركين، فلم أبقيتم الحكم بعد زوال علته؟ قيل: قد رمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حجة الوداع بعد الفتح، فثبت أنها سنة ثابتة.
وقال ابن عباس: رمل في عمره كلها، وفي حجه، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، والخلفاء بعده، رواه أحمد وغيره، وفي الصحيحين عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة، فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وفد، وهنتهم حمى يثرب، فأمر أصحابه أن يرملوا الثلاثة الأول، وكان هذا أصل الرمل، وسببه إغاظة المشركين، وكان في عمرة القضية ثم صار سنة، ففعله في حجة الوداع، مع زوال سببه، كالسعي والرمي، ولعل فعله باعث لتذكر سببه.
(3)
أي: غير حامل شخص معذور، كمريض وصغير، فلا يسن في حق الحامل الطائف اضطباع، ولا رمل، ولا يسن لنساء، حكاه ابن المنذر إجماعا، لأنه إنما شرع لإظهار الجلد، وهو معدوم في حقهن.
ومحرم من مكة أو قربها (1) ولا يقضي الرمل إن فات في الثلاثة الأول (2) والرمل أولى من الدنو من البيت (3) ولا يسن رمل ولا اضطباع في غير هذا الطواف (4) ويسن أن (يستلم الحجر والركن اليماني) في (كل مرة) عند محاذاتهما (5) .
(1) لعدم وجود المعنى الذي لأجله شرع، وهو إظهار الجلد والقوة لأهل البلد.
(2)
لأنه هيئة فات محلها، ولا قياس يقتضيه، وإن تركه في شيء من الثلاثة، أتى به فيما بقي منها، قال الشيخ: وإن تركه فلا شيء عليه.
(3)
لأن المحافظة على فضيلة تتعلق بذات العبادة، أهم من فضيلة تتعلق بمكانها، قال الشيخ: فإن لم يمكن الرمل للزحمة، كان خروجه إلى حاشية المطاف والرمل، أفضل من قربه إلى البيت بدون الرمل، وأما إذا أمكن القرب من البيت، مع إكمال السنة فهو أولى، وإن حصل التزاحم في الأثناء فعل ما قدر عليه قال: ويجوز أن يطوف من وراء قبة زمزم، وما وراءها من السقائف، المتصلة بحيطان المسجد.
(4)
أي طواف القدوم، وهو طواف العمرة للمعتمر، والقدوم للقارن والمفرد، لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما فعلوا ذلك في الطواف الأول.
(5)
بلا نزاع إن تيسر له استلام الحجر، وأما اليماني فعلى الصحيح، ويقبل يده عند استلامه الحجر، لما تقدم، دون اليماني، والاستلام، المسح، كما تقدم وعبارة الخرقي وغيره: ويقبل الحجر، فإن شق استلمه بيده وقبل يده، أو استلمه بشيء وقبله، كما تقدم، وهذا إجماع، وأما استلام اليماني فاتفقوا أنه مسنون إلا أبا حنيفة، فقال: ليس بسنة، وأما تقبيله فقال شيخ الإسلام: لا يقبل، وفي البدائع: لا خلاف أن تقبيله ليس بسنة، وجمهور أهل العلم، أنه لا يقبل، ولم يفعله صلى الله عليه وسلم كما قبل الحجر الأسود، فعلم أن ترك تقبيله هو السنة.
لقول ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليماني، والحجر في طوافه، قال نافع: وكان ابن عمر يفعله، رواه أبو داود (1) فإن شق استلامهما أشار إليهما (2) لا الشامي، وهو أول ركن يمر به (3) .
(1) ولمسلم عنه: ما تركت استلام هذين الركنين، منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمهما وعنه مرفوعا «إن مسح الركن اليماني والركن الأسود يحط الخطايا حطا» ، وقال: سمعته يقول: «إن مسحهما كفارة للخطايا» ، ولأنهما بنيا على قواعد إبراهيم، فسن استلامهما وللطبراني بسند جيد: أنه كان إذا استلم الركن اليماني، قال: بسم الله، والله أكبر، وكلما أتى على الحجر الأسود قال: الله أكبر.
(2)
أما الإشارة إلى الحجر الأسود إن شق عليه التقبيل، أو الاستلام بيده أو شيء فهو إجماع، وأما اليماني فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشير إليه، ولو فعله لنقل، كما نقل الإشارة إلى الحجر الأسود، فالسنة ترك ما تركه صلى الله عليه وسلم كما أن السنة فعل ما فعله صلى الله عليه وسلم.
وما أحدثه بعض الموسوسة حين يستلم يرجع وراءه القهقري فيؤذي من خلفه، ويتأذى هو بدفعه فبدعة ومن أراد الخروج من العهدة وقف في محله واستلمه ورجع على حال طوافه، من غير عود إلى خلفه.
وما يفعله بعض الظلمة، يدفعون الناس، ولا يراعون الأول فالأول، ضرره كبير لا سيما عند الحجر، فربما استقبل البيت في سيره، أو استدبره فخرج عن حكم التيامن في الطواف المجمع عليه.
(3)
فلا يستلمه ولا يقبله ولا يشير إليه إجماعًا.
ولا الغربي، وهو ما يليه (1) ويقول بين الركن اليماني والحجر الأسود {رَبَّنَا آَتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (2) .
(1) أي يلي الشامي فلا يستلمه، ولا يقبله، ولا يشير إليه، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستلمهما، ولم يقبلهما، ولم يشر إليهما، بل ذلك بدعة، باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، وفي الصحيحين لم أره يمس من الأركان إلا اليمايين، وقال الشيخ: لا يستلم من الأركان إلا الركنين اليمايين دون الشاميين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما استلم اليمايين خاصة، لأنهما على قواعد إبراهيم، والآخران هما في داخل البيت، قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
فالركن الأول يستلم ويقبل، واليماني يستلم ولا يقبل، والآخران لا يستلمان ولا يقبلان، وأما سائر جوانب البيت، ومقام إبراهيم وسائر ما في الأرض من المساجد وحيطانها ومقابر الأنبياء والصالحين كحجرة نبينا صلى الله عليه وسلم ومغارة إبراهيم، ومقام نبينا صلى الله عليه وسلم الذي كان يصلي فيه، وغير ذلك من مقابر الأنبياء والصالحين، وصخرة بيت المقدس، فلا تستلم ولا تقبل باتفاق الأئمة، وذكر نحو ذلك ابن الملقن وغيره، وزاد، وإن التقبيل والاستلام تعظيم والتعظيم خاص بالله، ولا يجوز إلا فيما أذن فيه، قال الشيخ: وأما الطواف بذلك، فهو من أعظم البدع المحرمة، ومن اتخذه دينا، يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
(2)
لما رواه عبد الله بن السائب، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك، وقال شيخ الإسلام: كان صلى الله عليه وسلم يختم طوافه بذلك، كما كان يختم سائر دعائه بذلك اهـ.
ولم يصح عنه صلى الله عليه وسلم في الطواف غيره، وإن قال: اللهم
إني أسألك العفو والعافية، في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا إلخ فحسن
رواه أحمد عن أبي هريرة مرفوعا، «إن الله وكل بالركن اليماني سبعين ألف ملك، فمن قال: اللهم إني أسألك العفو والعافية، في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، قالوا: آمين» ، والدنيا من الدنو، أي: القرب، سميت بذلك لقربها من الأخرى، وقيل: لدنوها.
وفي بقية طوافه: اللهم اجعله حجًا مبرورًا، وسعيًا مشكورًا وذنبًا مغفورًا (1) رب اغفر وارحم، واهدني السبيل الأقوم (2) وتجاوز عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم (3) .
(1) أي اجعل حجي حجا مبرورا، أي: خالصا لا يخالطه مأثم، وقيل: متقبلا، وأصله من البر وهو اسم جامع لكل خير، واجعل سعيي سعيا مشكورا وعملا متقبلا يزكو ثوابه، ومساعي الرجل: أعماله الصالحة، واحدتها مسعاة واجعل ذنبي ذنبا مغفورا، والغفر العفو مع الستر: وذكره بعضهم حال الرمل.
(2)
فيه تلويح لسلوك سبيل من سعى قبل، فكان سنة لمن بعده كالرمل.
(3)
لأنه لائق بالمحل، فاستحب ذكره، كسائر الأدعية اللائقة بمحالها، وإن قال قبل ذلك: اللهم إن هذا البيت بيتك، يعني الكامل الواصل لغاية الكمال اللائق به من بين البيوت هو بيتك هذا لا غيره، والحرم حرمك أي الحرم الواصل إلى غاية الكمال اللائق به، هو حرمك وهذا مقام العائذ بك من النار يعني الخليل عليه السلام اللهم أعذني من النار، أي أجرني من عذاب النار، «ومن الشيطان الرجيم، أن يضرني، ومن أهوال يوم القيامة التي تذهل فيه المرضعة عما أرضعت واكفني مؤنة الدنيا والآخرة، رب قني شح نفسي» ولابن ماجه عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من طاف بالبيت سبعا، ولم يتكلم إلا بـ سبحان الله، والحمد الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، محي عنه عشر سيئات، وكتب له عشر حسنات، ورفع له عشر درجات» .
وقال الشيخ: ويستحب له في الطواف أن يذكر الله، ويدعوه بما شرع، وليس فيه ذكر محدود قد استحبه صلى الله عليه وسلم لا بأمره ولا بقوله، ولا بتعليمه بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس، من دعاء معين تحت الميزاب، ونحو ذلك، فلا أصل له، وليس في ذلك ذكر واجب، باتفاق الأئمة، وقال ابن القيم، لم يدع عند الباب بدعاء معين، ولا تحت الميزاب، ولا عند ظهر الكعبة، وأركانها، ولا وقت للطواف ذكرًا معينا لا بفعله ولا بتعليمه.
وتسن القراءة فيه (1) .
(1) أي في الطواف لأنها أفضل الذكر، قال الشيخ: ولا يجهر بها، وقال أيضا: وإن قرأ القرآن سرا، فلا بأس به، وقال في موضع: جنس القراءة أفضل من الطواف اهـ والدعاء والذكر هو المتوارث عن السلف، فكان أولى، ومأثور الدعاء أفضل من القراءة، لأنها لم تحفظ عنه صلى الله عليه وسلم فيه وحفظ في غيرها، فدل على أنه ليس محلها بطريق الأصالة، وفي المبدع: وظاهره أنه لا يقرأ وهو رواية لتغليطه المصلين، والمذهب لا يقرأ اهـ والقراءة أفضل من دعاء غير مأثور.
ويستحب ترك الكلام، وكل عمل ينافي الخشوع، كالالتفات والتخصر وينبغي صون النظر عن كل ما يشغله، ويتأكد عما لا يحل كالنساء، والمرد، بشهوة فينزه طوافه عن كل ما لا يرتضيه الشرع، من القول والفعل، ولا يحتقر من فيه رثاثة أو جهل بالمناسك، أو غير ذلك، ولا ينبغي السلام على من يكون مشغولا بذكر، فكيف به حال الطواف؟ لاعتذار ابن عمر ممن يسلم عليه، لاستغراقه في حضوره، وقال الترمذي: أكثر أهل العلم يستحبون أن لا يتكلم في الطواف، إلا لحاجة، أو بذكر الله، أو من العلم.
(ومن ترك شيئًا من الطواف) ولو يسيرًا من شوط من السبعة لم يصح (1) لأنه صلى الله عليه وسلم طاف كاملاً، وقال:«خذوا عني مناسككم» (2)(أو لم ينوه) أي ينوي الطواف، لم يصح (3) لأنه عبادة، أشبه الصلاة (4) .
(1) لأنه لم يأت بالعدد المعتبر، المستفاد من فعله صلى الله عليه وسلم، وإن أحدث في بعض طوافه، أو قطعه بفصل طويل عرفًا، ابتدأه، وإن كان يسيرا بنى لأنه يتسامح بمثله، لما في الاتصال من المشقة فعفي عنه، فلو أقيمت الصلاة، أو حضرت جنازة، صلى في قول أكثر أهل العلم، وروي عن ابن عمر وغيره، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم، وبنى على طوافه، قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا خالف فيه، إلا الحسن فإنه قال: يستأنف والأول أصح لأنه فعل مشروع، فلم يقطعه كاليسير، قال غير واحد: والموالاة سنة، لأن الحسن غشي عليه، فلما أفاق أتم، وعن أحمد: ليس بشرط مع العذر.
(2)
أي أحكام حكم، وافعلوا كما أفعل، فيجب أن يطوف كاملا، اقتداء به صلى الله عليه وسلم وإن شك في عدد الطواف، بنى على اليقين، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك، لأنها عبادة، فمتى شك فيها وهو فيها، بنى على اليقين كالصلاة، فإن أخبره ثقة عن عدد طوافه قبل قوله، وإن شك في عدده بعد الفراغ منه، لم يلتفت إليه.
(3)
أي لم ينو الطواف نية حقيقية ولا حكمية، كقصده ملازمة غريم، أو هضم طعام ونحوه، وإن نوى الطواف، ثم عرض ذلك له، لم يضره إلا أنه ينقص ثوابه.
(4)
قال الشيخ: لا ريب أنه يشبه الصلاة من بعض الوجوه، ولأنه لا عمل إلا بنية إجماعًا.
ولحديث: «إنما الأعمال بالنيات» (1)(أو) لم ينو (نسكه) أن أحرم مطلقا، وطاف قبل أن يصرف إحرامه لنسك معين، لم يصح طوافه (2)(أو طاف على الشاذروان) بفتح الذال، وهو ما فضل عن جدار الكعبة (3) لم يصح طوافه لأنه من البيت (4) فإذا لم يطف به، لم يطف بالبيت جميعه (5) .
(1)«وإنما لكل امرئ ما نوى» ، وفي لفظ «لا عمل إلا بنية» ، فالنية: هي الأساس في العبادة، ولأنه عبادة محضة تتعلق بالبيت، فاشترطت له النية كالصلاة وذهب أبو حنيفة وجمهور الشافعية إلى أنه لا يفتقر شيء من أفعال الحج مطلقا إلى نية، لأن نية الحج تشملها كلها، كما أن نية الصلاة تشمل جميع أفعالها، ولأنه لو وقف بعرفة ناسيًا أجزأه بالإجماع.
(2)
لعدم التعيين، وقال الموفق: أو منكسا، بكسر الكاف وتفتح أي جعل البيت على يمينه، لم يصح نسكه إجماعا.
(3)
وهو المرتفع عن وجه الأرض، قدر ثلثي ذراع، كان ظاهرا في جوانب البيت، كالذي عند الملتزم، وبالحجر، ثم صفح باجتهاد من المحب الطبري في تسنيمه.
(4)
أي الشاذروان، زعموا أنه ترك من نفس البيت، وإنما جعل حمى له وعمادًا، وقال الشيخ: ليس من البيت، بل جعل عمادًا للبيت، فيصح الطواف عليه.
(5)
أي إذا لم يطف بالشاذروان، بل دار عليه، لم يكن طاف بالبيت جميعه، بناء على أنه من البيت، وقال الشيخ: لو وضع يده على الشاذروان، الذي يربط فيه أستار الكعبة، لم يضره ذلك، في أصح قولي العلماء.
(أو) طاف على (جدار الحجر) بكسر الحاء المهملة (1) لم يصح طوافه (2) لأنه صلى الله عليه وسلم طاف من وراء الحجر والشاذروان وقال «خذوا عني مناسككم» (3)(أو) طاف وهو (عريان أو نجس) أو محدث (لم يصح) طوافه (4) .
(1) سمي بالحجر، لتحجيره بالجدار، ليطاف من ورائه، وإن كان بعضه ليس من البيت، ويسمى الحطيم، كما يأتي لأنه محطوم من البيت، والأشهر أن الحطيم ما بين الحجر الأسود والمقام.
(2)
لتركه جزءا من البيت، المجمع على الطواف على جميعه، فمتى ترك شيئا منه، لم يكن طاف به جميعه.
(3)
لا نزاع أنه طاف من وراء الحجر، وقال لعائشة لما أرادت دخول البيت «عليك بالحجر، فإنه من البيت» فيجب أن يطوف من وراء الحجر إجماعًا، لأنه من أصل البيت الذي بناه الخليل إبراهيم عليه السلام، ومن لم يطف به لم يعتد بطوافه عند الجمهور، لفعله صلى الله عليه وسلم وإطباق المسلمين عليه، وشذ أبو حنيفة وقال: إن خرج أراق دما وإلا أعاده.
(4)
قال الوزير: اتفقوا أن من شرائطه الطهارة، وستر العورة، إلا أبا حنيفة، فقال: سنة، إلا أنه يجب بتركهما دم، وعنه يجزئه، لأن الطواف عبادة، لا يشترط فيها الاستقبال، فلم يشترط فيها ذلك، كالسعي قاله في المبدع، ويجبره بدم، وظاهره صحته من حائض بدم، وهو ظاهر كلام جماعة، واختاره الشيخ وقال: ما يعجز عنه من واجبات الطواف، مثل من كان به نجاسة لا يمكنه إزالتها كالمستحاضة، ومن به سلس البول، فإنه يطوف ولا شيء عليه، باتفاق الأئمة.
وقال: وكذلك لو لم يمكنه الطواف إلا عريانا، وكذلك المرأة الحائض، إذا لم يمكنها طواف الفرض إلا حائضًا، بحيث لا يمكن التأخر بمكة، في أحد قولي
العلماء الذين يوجبون الطهارة على الطائف، ومن المعلوم أن الشريعة لا تأتي بسوى هذا، فتطوف بالبيت والحالة، هذه، وتكون هذه ضرورة، مقتضية لدخول المسجد مع الحيض، والطواف معه، وليس في هذا ما يخالف قواعد الشريعة، بل يوافقها، إذ غايته سقوط الواجب، أو الشرط بالعجز عنه، ولا واجب في الشريعة مع العجز، ولا حرام مع ضرورة، وتتلجم، كما أبيح للمستحاضة دخول المسجد للطواف، إذا تلجمت اتفاقا لأجل الحاجة، وحاجة هذه أولى فلا يمتنع الإذن لها في دخول المسجد، لهذه الحاجة التي تلتحق بالضرورة هذا إذا قيل: إنها ممنوعة من المسجد، وأما أن عبادة الطواف لا تصح مع الحيض كالصلاة فغايته، أن تكون الطهارة شرطًا من شروط الطواف، فإذا عجزت عنه سقط، كما لو انقطع دمها، وتعذر عليها الاغتسال، والتيمم، فإنها تطوف على حسب حالها، كما تصلي بغير طهور لقوله:{فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وهذه قد اتقت الله ما استطاعت فليس عليها غيره، بالنص وقواعد الشريعة، والأشبه: لا يجب عليها دم، لأن الطهارة واجب يؤمر به مع القدرة، لا مع العجز، وأحمد يقول: لا دم عليها، كما صرح به فيمن طاف جنبا وهو ناسٍ.
وقال ابن القيم: بل تفعل ما تقدر عليه من مناسك الحج، ويسقط عنها ما تعجز عنه من الشروط والواجبات، ومن المعلوم أن الشريعة لا تأتي بسوى هذا.
وذكر أنه لم يدل على اشتراط الطهارة للطواف نص ولا إجماع، وإذا لم يمكنها إلا على غير طهارة، فليس عليها غيره، بالنص، وقواعد الشريعة.
وقال: لم تفرط ولم تترك ما أمرت به، فإنها لم تؤمر بما لا تقدر عليه، وقد لا يمكنها السفر مرة ثانية، فإذا قيل: تبقى محرمة إلى أن تموت، فهذا لا يكون مثله في دين الإسلام، فتطوف وتكون هذه ضرورة مقتضية لدخول المسجد مع الحيض، والطواف معه.
........................................................
لقوله عليه السلام «الطواف بالبيت صلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه» رواه الترمذي والأثرم عن ابن عباس (1) ويسن فعل باقي المناسك كلها على طهارة (2) وإن طاف المحرم لابس مخيط صح وفدى (3)(ثم) إذا تم طوافه (يصلي ركعتين) نفلا (4) .
(1) قال النووي وغيره: رفعه ضعيف، والصحيح أنه موقوف، وقال الشيخ: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هو ثابت عن ابن عباس، وقد روي مرفوعا، ولا ريب أنه يشبه الصلاة من بعض الوجوه، ليس المراد أنه نوع من الصلاة، التي يشترط لها الطهارة، وهذا كقوله:«إن العبد في الصلاة، ما دامت الصلاة تحبسه» «وما دام ينتظر الصلاة» «وإذا أتى المسجد، فلا يشبك بين أصابعه، فإنه في صلاة» ونحو ذلك.
وقال: والطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أباح فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير، ولهذا يؤمر الطائف أن يكون متطهرا الطهارة الصغرى والكبرى، مستور العورة، مجتنبا النجاسة التي يجتنبها المصلي، وفي وجوب الطهارة في الطواف نزاع بين العلماء، فإنه لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالطهارة للطواف، ولا نهى المحدث أن يطوف ويمتنع أن يكون واجبا ولا يبينه للأمة، وتأخير البيان عن وقته ممتنع، إلا أنه طاف طاهرا، وثبت عنه أنه نهى الحائض عن الطواف ويأتي.
(2)
لأنها أكمل وكذا سائر الأوقات، ينبغي أن يكون فيها على طهارة، وتقدم.
(3)
أي حال كونه لابس مخيط، وتقدم.
(4)
قال الشيخ: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفاق السلف والأئمة، وحكي وجوبها عن أبي حنيفة، وفي المبدع: وعنه وجوبها، وهي أظهر، وحكاه الوزير عن مالك، ورواية عن الشافعي، واتفقوا على مشروعيتهما ولما أتى صلى إلى المقام قرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} بيانا منه لتفسير القرآن، ومراد الله منه، بفعله صلى الله عليه وسلم ويصح السعي قبل صلاة الركعتين، باتفاق الأئمة، وفي أسباب الهداية، يأتي الملتزم قبل الركعتين.
يقرأ فيهما بـ «الكافرون» ، و «الإخلاص» بعد «الفاتحة» (1) وتجزئ مكتوبة عنهما (2) وحيث ركعهما جاز (3) والأفضل كونهما (خلف المقام) لقوله تعالى:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (4) .
(1) أي سورة الإخلاص، وبـ «الكافرون» على الحكاية، لما رواه مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قرأ فيهما {قل هو الله أحد} و {قل يا أيها الكافرون} وتقدم أن مشروعية قراءتهما لما اشتملتا عليه من التوحيد، واستحباب قراءتهما مجمع عليه، وإن قرأ غيرهما جاز.
(2)
كركعتي الإحرام، وعند أبي حنيفة ومالك والشافعي، لا تجزئ كما لا تجزئ المنذورة وعنه: أنه يصليهما بعد المكتوبة قال أبو بكر: وهو أقيس، كركعتي الفجر.
(3)
أي وفي أي مكان صلاهما جاز، ولو خارج المسجد، قال غير واحد: أجمع أهل العلم على أن الطائف، تجزئه ركعتا الطواف حيث شاء، وصلاهما عمر وغيره خارج الحرم، وفي المنتهى، والمبدع وغيرهما، وله جمع أسابيع بركعتين لكل أسبوع، وعليه، فلا تعتبر الموالاة بين الطواف وركعتيه، كما لا يكره الفصل بين الفرض وراتبته، بخلاف سجدة التلاوة ونحوها، فإنه يكره لأنه يؤدي إلى فواته.
(4)
أي لصلاة الطواف، على وجه الاستحباب، عند جمهور المفسرين والفقهاء المعتبرين قال البغوي وغيره: وهو الحجرالذي يصلي إليه الأئمة اهـ وهو حجر تقدم أنه نزل من الجنة، قام عليه الخليل، لبناء البيت، وكان إسماعيل يناوله الحجارة، وكان كلما كمل ناحية انتقل إلى الناحية التي تليها، وهكذا حتى تم جدار الكعبة، وأثر قدمي الخليل فيه، قال أنس: رأيت فيه أصابعه، وأخمص قدميه، غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم، ثم صفح بالفضة، وكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ملتصقا بالبيت، يمنة الداخل، ثم أخره عمر وأقره المسلمون، وهو نحو شبر ونصف طولا وعرضا، وضع عليه قبة من خشب، ثم من حديد، وعليه قبة عالية من خشب، قائم على أربعة أعمدة دقيقة من حجارة، بينها شبابيك من حديد، نصبت في القرن التاسع، فيصلي خلفه، لفعله صلى الله عليه وسلم متفق عليه، وما حوله مما يطلق عليه اسم المقام عرفا، ثم ما قرب من البيت خصوصا ما قرب من الملتزم والباب، ثم الحجر ثم ما قرب من سائر جوانب البيت، ويجوز في غير ذلك، لأن عمر ركعهما بذي طوى، رواه البخاري، ولا يشرع تقبيله ولا مسحه إجماعًا، ولا سائر المقامات وتقدم.
قال الشيخ وغيره: ولو صلى المصلي في المسجد والناس يطوفون أمامه لم يكره، سواء مر أمامه رجل أو امرأة، وهذا من خصائص مكة اهـ، ولا خلاف أنه يأتي الملتزم إن شاء، متضرعا كما سيأتي في موضعه، ويشرب من ماء زمزم، ويتضلع منه، وحاصل كلامه أنه يشترط لصحة الطواف عشرة أشياء، النية وستر العورة والطهارة من الحدث، والخبث وتكميل السبع، وجعل البيت عن يساره، وأن لا يمشي على شيء منه، ولا يخرج من المسجد، وأن يوالي بينه، وأن يبتدئ من الحجر الأسود فيحاذيه وكذا في الإنصاف وغيره، وزاد عثمان وغيره: إسلام وعقل، والمشي مع القدرة، وفي الرعاية وغيرها، وله شرب الماء فيه، وجوز بعضهم الأكل، وله الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وسننه عشر، استلام الحجر، وتقبيله أو ما يقوم مقامه، واستلام الركن اليماني، واضطباع ورمل في مواضعه، ودعاء، وذكر ودنو من البيت، وركعتا الطواف، ولو ترك شيئا من ذلك صح بالاتفاق، وكان تاركًا للسنة.
.............................................................
فصل (1)
(ثم) بعد الصلاة يعود و (يستلم الحجر)(2) لفعله عليه السلام (3) ويسن الإكثار من الطواف كل وقت (4) .
(1) في السعي بين الصفا والمروة، والتحلل من العمرة، وما يتعلق بذلك، قال الشيخ: ولو أخر ذلك إلى ما بعد طواف الإفاضة جاز، فإن الحج فيه ثلاثة أطوفة، طواف عند الدخول، وهو يسمى طواف القدوم، والدخول والورود، والطواف الثاني هو بعد التعريف، ويقال له طواف الإفاضة، والزيارة وهو طواف الفرض الذي لا بد منه كما قال تعالى:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} والطواف الثالث هو لمن أراد الخروج من مكة وهو طواف الوداع، وإذا سعى عقب واحد منها أجزأه اهـ ولو لم يكن السعي متوقفا على تقدم الطواف عليه لما أخرته عائشة رضي الله عنها.
(2)
قال الشيخ وغيره: هو سنة إجماعا.
(3)
رواه مسلم وغيره، من حديث جابر وغيره، صلى ركعتين، والمقام بينه وبين البيت ثم أتى الحجر بعد الركعتين، واستلمه، ثم خرج إلى الصفا، ورواه أحمد، وأهل السنن وغيرهم، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، فكل طواف بعده سعي، يسن أن يعود إلى الحجر فيستلمه إن أمكن لأن الطواف لما كان يفتتح بالاستلام، فكذا السعي، بخلاف ما إذا لم يكن بعده سعي.
(4)
ليلاً ونهارًا، كلما بدا له، لأنه يشبه الصلاة، والصلاة خير موضوع، وطواف التطوع للغرباء أفضل من صلاة التطوع اتفاقا، لأنهم لا يمكنهم الطواف في بلدانهم، فكان الاشتغال به أولى، قال ابن عباس: من طاف بالبيت خمسين مرة خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وقال ابن عمر: من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه كان كعتق رقبة، وقال: لا يضع قدمًا، ولا يرفع أخرى إلا حط الله بها عنه خطيئة وكتب له بها حسنة.
قال الشيخ: والإكثار من الطواف من الأعمال الصالحة، فهو أفضل من أن يخرج الرجل من الحرم ويأتي بعمرة مكية، فإن هذا لم يكن من أعمال السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، ولا رغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم أمته، بل كرهه السلف اهـ حتى قال أحمد: النظر إلى البيت عبادة، قال شيخنا: وأما في الصلاة فمأمور بنظره إلى موضع سجوده.
(ويخرج إلى الصفا من بابه) أي باب الصفا ليسعى (1)(فيرقاه) أي الصفا (2)(حتى يرى البيت) فيستقبله (3) .
(1) أي بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ويخرج إليه من أي باب شاء، لأن المقصود يحصل به، وإنما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من باب بني مخزوم وهو الذي يسمى باب الصفا، لأنه أقرب الأبواب إليه، فكان اتفاقا لا قصدا.
(2)
أي يصعد عليه استحبابًا بلا نزاع، لفعله صلى الله عليه وسلم ورواه مسلم وغيره، وهو بالقصر الحجارة الصلبة واحدتها صفاة كحصاة والمراد به هنا: المكان المعروف عند المسجد، في طرف المسعى الجنوبي أسفل جبل أبي قبيس ورقي يرقى، صعد، بكسر القاف في الماضي، وفتحها في المضارع، وحكي فتحها وكسرها مع الهمز، قال الشيخ: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقى على الصفا والمروة، وهما في جانبي جبلي مكة، واليوم قد بني فوقهما دكتان، فمن وصل إلى أسفل البناء أجزأه السعي، وإن لم يصعد فوق البناء، وذكر الأزرقي وغيره أنه اثنتا عشرة درجة، وقال ابن بطوطة: وللصفا أربع عشرة درجة علياهن كأنه مصطب ومن تأمل علو الوادي اليوم، تيقن كثرة المدفون من درج الصفا.
(3)
ولو لم يره، وليس بواجب، لأنه لو ترك صعوده فلا شيء عليه إجماعًا.
(ويكبر ثلاثا (1) ويقول ما ورد) ثلاثا (2) ومنه «الحمد لله على ما هدانا (3) لا إله إلا الله وحده لا شريك له (4) له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير (5) وهو على كل شيء قدير (6) لا إله إلاالله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» (7) .
(1) لما رواه مسلم وغيره، وفي لفظ «فوحد الله وكبره» ، فيستحب توحيد الله وتكبيره، وتهليله.
(2)
أي يكرر ما ورد من الأدعية على الصفا والمروة ثلاث مرات، لفعله صلى الله عليه وسلم.
(3)
أن بلغنا مشاعر الحج.
(4)
في ربوبيته ولا في إلهيته، ولا في أسمائه وصفاته.
(5)
يحيي إلى آخره رواه النسائي وغيره، بسند صحيح.
(6)
ولابن عمر من رواية إسماعيل، عن أيوب عن نافع:«لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين، ولو كره الكافرون» .
(7)
زاد مسلم، «أنجز وعده» إلخ وأنه قاله ثلاث مرات، فيسن الدعاء بما دعابه صلى الله عليه وسلم ولا نزاع في ذلك، لثبوته عنه صلى الله عليه وسلم وصدق الله وعده، يعني في إظهار الدين، «ونصر عبده» يعني محمدًا على أعدائه، والأحزاب الطوائف التي تجتمع على محاربة الأنبياء، والإشارة بالأحزاب هنا إلى الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الخندق، وهم قريش، وغطفان، ويهود قريظة والنضير وغيرهم.
ويدعو بما أحب، ولا يلبى (1)(ثم ينزل) من الصفا (ماشيا إلي) أن يبقى بينه وبين (العلم الأول) وهو الميل الأخضر في ركن المسجد، نحو ستة أذرع (2) .
(1) لعدم فعله عليه الصلاة والسلام ولمسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه أتى الصفا، فعلا عليه، حتى نظر إلى البيت، ورفع يديه، فجعل يحمد الله، ويدعو بما شاء، ولأنه موضع ترجى فيه الإجابة.
(2)
قول الماتن قاله جماعة وقدم غير واحد أنه يمشي حتى يأتي العلم، وما صرفه إليه الشارح، وهو أنه يمشي إلى أن يصير بينه وبينه ستة أذرع قاله آخرون، واختاروه واستظهره في الفروع، وصححه في التصحيح، وخرج بقوله: ماشيًا الراكب، وحامل المعذور، والمرأة، والصحيح من المذهب أن السعي راكبًا، كالطواف راكبًا، فإنه صح عنه أنه صلى الله عليه وسلم سعى ماشيًا، فلما كثروا عليه أتمه راكبًا، وقطع الموفق، والشارح، وغيرهما بجواز السعي راكبًا، لعذر وغيره، لأن المعنى الذي منع من أجله الطواف راكبًا غير موجود فيه، وقال أحمد: لا بأس به على الدواب لضرورة.
(ثم يسعى) ماشيًا سعيًا (شديدا إلى) العلم (الآخر)(1) وهو الميل الأخضر بفناء المسجد، حذاء دار العباس (2) .
(1) فإنه صلى الله عليه وسلم نزل من الصفا يمشى، فلما انصبت قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا جاوز الوادي وأصعد مشي، وعليه الجماهير واستظهره في الفروع، وصححه في التصحيح، وسبب مشروعية السعي والله أعلم أن إبراهيم لما ترك هاجر وإسماعيل هناك، عطش فصعدت الصفا تنظر: هل بالموضع ماء؟ فلم تر شيئا فنزلت فسعت في بطن الوادي، حتى خرجت منه إلى جهة المروة، لأنها توارت بالوادي عن ولدها، فسعت شفقة عليه، فجعل ذلك نسكًا، إظهارًا لشرفها، وتفخيمًا لأمرها.
وعن ابن عباس: إنما سعى بين الصفا والمروة ليرى المشركين جلده وقوته، صححه الترمذي: وقال: وهو الذي يستحبه أهل العلم، وإن سعى ومشى رأوه جائزا، وله عن ابن عمر، لئن سعيت لقد رأيته يسعى، ولئن مشيت لقد رأيته يمشي، وأنا شيخ كبير، أي يشق عليه السعي، والسعي الشديد مشروط بأن لا يؤذي.
(2)
أي ركن المسجد، وإنما عبر به في الأول، وهنا بالفناء تفننا ودار العباس رباط معروف، منسوب إليه، والعلم في الأصل العلامة، والعلمان هنا هما ما عرفهما به، وفي مجمع البحرين، شيئان منحوتان من نفس جدار الحرم، علامتان لموضع السعي، وقال المطرزي وغيره: الميلان علامتان بموضع الهرولة في ممر بطن الوادي.
وقال ابن القيم وغيره: بطن الوادي هو ما بينهما لم يتغير، واستمر عمل المسلمين عليه، خلفًا عن سلف اهـ والسعي بينهما وإن لم يكن اليوم هو بطن الوادي باعتبار ما كان سابقًا، فإن ما بينهما كان منخفضًا، وطرفا المسعي من جهة الصفا والمروة مرتفعان.
(ثم يمشي ويرقى المروة (1) ويقول ما قاله على الصفا (2) ثم ينزل) من المروة (فيمشي في موضع مشيه، ويسعى في موضع سعيه، إلى الصفا (3) يفعل ذلك) أي ما ذكر من المشي والسعي (سبعًا (4) ذهابه سعية، ورجوعه سعية) (5) .
(1) وهي الحجارة البيضاء، البراقة أو الرخوة جمعها مروات، وجمع الكثير مرو، سمي بها المكان الذي في طرف المسعى الشمالي، واتفقوا على أن العقد الكبير المشرف، الذي بوجهها، هو حدها، علامة على أولها، وقال المحب الطبري وغيره: المروة في وجهها عقد كبير مشرف، قد تواتر كونه حدا، بنقل الخلف عن السلف، وكذا في مسالك الأبصار، وذكر الأزرقي وغيره أن على المروة خمس عشرة درجة، كحلت بالنورة في خلافة المأمون، وذلك قبل أن يعلو الوادي، ويتغطى أكثر الدرج، وعمارة العقد من جهة الملك الظاهر، سنة 880 هـ ضمن عمارة المنصور
(2)
من التكبير، والتهليل، والدعاء مستقبلا القبلة، لما رواه مسلم وغيره، أنه صلى الله عليه وسلم فعل على المروة ما فعله على الصفا، فيسن اتفاقًا.
(3)
كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم يمشي إلى بطن الوادي، ثم يسعى فيه، وهو ما بين العلمين، ثم يمشي إلى المروة، قال الشيخ: وإن لم يسع في بطن الوادي بل مشى على هيئته، جميع ما بين الصفا والمروة، أجزأه باتفاق العلماء، ولا شيء عليه.
(4)
لأن رواة نسك النبي صلى الله عليه وسلم اتفقوا على أنه صلى الله عليه وسلم طاف بينهما سبعة أشواط.
(5)
باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، قال الوزير وغيره: اتفق الأئمة أنه يستحب بالذهاب سعية، وبالرجوع سعية، وغلطوا الطحاوي وغيره مما قال الذهاب والرجوع شوط، وقال ابن القيم: لم ينقله أحد، ولا قاله أحد من الذين اشتهرت أقوالهم، فلا خلاف أنه بدأ بالصفا، وختم بالمروة.
يفتتح بالصفا، ويختم بالمروة (1) ويجب استيعاب ما بينهما في كل مرة (2) فيلصق عقبه بأصلهما إن لم يرقهما (3) فإن ترك مما بينهما شيئًا ولو دون ذراع، لم يصح سعيه (4)(فإن بدأ بالمروة سقط الشوط الأول) فلا يحتسبه (5) .
(1) أي يفتتح سعيه بالصفا لقوله صلى الله عليه وسلم «ابدءوا بما بدأ الله به» وهو قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} فبدأ تعالى بالصفا، ولا يبدأ إلا بالأهم، وعن ابن عباس أنه قرأ الآية: وقال: نبدأ بالصفا، اتبعوا القرآن، فما بدأ به القرآن فابدءوا به، ويختم بالمروة، لقول جابر: فلما كان آخر طوافه يعني عند المروة قال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي، ولجعلتها عمرة» .
(2)
فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم رقى الصفا والمروة.
(3)
أي أصل الصفا والمروة، بأول الدرج، والراكب يفعل ذلك بدابته.
(4)
لتركه جزءا من المسعى الذي يجب استيعابه بالسعي.
(5)
لمخالفة فعل النبي صلى الله عليه وسلم المستفيض عنه، ولأمره صلى الله عليه وسلم بالبداءة بالصفا، كما رواه النسائي وغيره، أنه قال:«ابدءوا بما بدأ الله به» وعن جابر «نبدأ بما بدأ الله به» فبدأ بالصفا، وقرأ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} بيانا لمراد الله، وتقريرا وصححه الترمذي، وقال: والعمل على هذا عند أهل العلم، أنه يبدأ بالصفا قبل المروة، فإن بدأ بالمروة قبل الصفا لم يجزئه، وبدأ بالصفا.
ويكثر من الدعاء والذكر في سعيه (1) قال أبو عبد الله: كان ابن مسعود إذا سعى بين الصفا والمروة قال: «رب اغفر وارحم، واعف عما تعلم، وأنت الأعز الأكرم» (2) ويشترط له النية وموالاة (3) وكونه بعد طواف نسك ولو مسنونًا (4)(وتسن فيه الطهارة) من الحدث، والنجس (5)(والستارة) أي ستر العورة (6) .
(1) لقوله صلى الله عليه وسلم «إنما جعل السعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله تعالى» .
(2)
وروي أنه كان يقوله بين الميلين، وأبو عبد الله هو الإمام أحمد رحمه الله.
(3)
أي بين أشواطه، اختاره الأكثر، فإن فصل يسيرًا أو أقيمت مكتوبة أو حضرت جنازة صلى وبنى وأما النية فالجمهور أنها شرط، لأنه عبادة قطعًا، فاعتبرت له، صححه غير واحد، وصوبه في تصحيح الفروع والإنصاف.
(4)
كطواف القدوم، لأنه يصدق عليه أنه مسنون، وطواف نسك وتقدم، ولأنه الوارد عنه صلى الله عليه وسلم وحكي فيه الإجماع، لخبر عائشة وغيره، فلا يجوز بدونه، ولا بعد طوف نفل، وإن سعى قبل أن يطوف لم يجزئه السعي إجماعًا.
(5)
كبقية المناسك، في قول أكثر أهل العلم، وفي الإنصاف: سنة بلا نزاع لأنه أكمل، ولا تجب لأنه عبادة لا تتعلق بالبيت، بل كالوقوف بعرفة، فاستحب له الطهارة ولم تجب فيه.
(6)
لأنه إذا لم تشترط له الطهارة مع آكديتها فغيرها أولى.
فلو سعى محدثًا، أو نجسًا، أو عريانًا أجزأه (1)(و) تسن (الموالاة) بينه وبين الطواف (2) والمرأة لا ترقى الصفا ولا المروة (3) ولا تسعى سعيا شديدا (4) وتسن مبادرة معتمر بذلك (5)(ثم إن كان متمتعا لا هدي معه قصر من شعره)(6) .
(1) لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر بالطهارة فيه، وليس بصلاة، فيشترط له ما يشترط لها، من طهارة وستارة ونحو ذلك.
(2)
في ظاهر كلام أحمد، قال في المبدع: وهو الأصح، ورجحه الموفق وغيره، لأنه لا تعلق له بالبيت، فلم تشترط، فلو فصل بينهما بطواف أو غيره، أو طاف أول النهار، وسعى آخره أجزأه.
(3)
لئلا تزاحم الرجال، وهو أستر، وقال ابن عمر: لا تصعد المرأة فوق الصفا والمروة، ولا ترفع صوتها بالتلبية رواه الدارقطني.
(4)
وفاقا وحكى ابن المنذر الإجماع على أنها لا ترمل، لأنه يقصد لها التستر وقال ابن عمر: ليس على النساء رمل بالبيت، ولا بين الصفا والمروة فالمطلوب منها التستر، وفي هذا، وفي الصعود على الصفا والمروة تعرض للانكشاف والقصد بشدة السعي إظهار الجلد، وليس ذلك مطلوبا في حقها.
(5)
أي بالطواف والسعي، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يلو على شيء، ولا دخل بيتًا، ولا اشتغل بشيء، بل بدأ بالبيت فطاف به، ثم خرج إلى الصفا والمروة، فسعى بينهما كما مر.
(6)
إن كان له شعر، والمعتمر لا يتحلل إلا بالطواف والسعي، والتقصير أو الحلق، والقص هو الأخذ من الشعر بمقص أو غيره، وهو هنا أفضل من الحلق، لأمره صلى الله عليه وسلم به في حديث جابر وغيره.
ولو لبده (1) ولا يحلقه ندبًا ليوفره للحج (2)(وتحلل) لأنه تمت عمرته (3) .
(1) أي يقصر من مجموع شعره، لا من جميعه، ولو كان لبده، لقوله «ولبدت رأسي» والتلبيد هو: جعل نحو خطمي وصمغ في شعر رأسه، لينضم الشعر، ويلتصق بعضه ببعض، احترازًا عن تمعطه وتقميله.
(2)
ولأنه أكمل، ولقوله صلى الله عليه وسلم وليقصر وليحلل، فلم يأمره بالحلق ليبقى له شعر يحلقه في الحج، فإن الحلق في تحلل الحج، أفضل منه في تحلل العمرة، وقوله:«ويحلقوا، أو يقصروا» إن كان بحيث يطلع شعره، فإن الأولى له الحلق، وإلا فالتقصير، ليقع له الحلق، قال الشيخ: ويستحب له أن يقصر من شعره، ليدع الحلاق للحج، وكذلك أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم اهـ ولا يحلق بعضه في أحدهما، وباقيه في الآخر، لأنه من القزع المنهي عنه.
(3)
وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في غير ما حديث لما طافوا بالبيت، وسعوا بين الصفا والمروة، أن يحلوا، إلا من كان معه هدي، فيبقى على إحرامه حتى يتم حجه، وقاله الشيخ وغيره: ونزل عليه القضاء بين الصفا والمروة أن يأمرهم بالإحلال، ولما توقفوا من جعلها متعة قال: انظروا ما أمركم به فافعلوه.
قال الشيخ وغيره: وهو مذهب أهل الحديث، وإمامهم أحمد بن حنبل، وأهل الظاهر، لبضعة عشر حديثًا صحيحًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها «من تطوف بالبيت، وسعى ولم يكن معه هدي حل» ومنها أنهم لما راجعوه قال: «انظروا ما آمركم به فافعلوه» فردوا عليه فغضب، وأقسم طائفة من أصحابه أنه ما نسخ، ولا صح حرف واحد يعارضه، وأنهم لم يخصوا به، بل أجرى الله على لسان سراقة أن يسأله، فقال:«بل للأبد» وفي لفظ «بل لأبد الأبد» .
وتواتر عن حبر الأمة عبد الله بن عباس أنه قال: ما طاف بالبيت حاج، ولا غير حاج، إلا حل، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه صلى الله عليه وسلم لما تم سعيه أمر من لا هدي معه أن يحل حتما، ولا بد قارنا كان أو مفردًا، وأمرهم أن يحلوا الحل كله، من رداء وطيب وغيرهما، وأن يبقوا إلى يوم التروية.
وقال رجل لابن عباس: ما هذه الفتيا؟ فقال: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن رغمتم، قال ابن القيم: صدق ابن عباس، كل من طاف بالبيت وسعى، ممن لا هدي معه، من مفرد أو قارن، أو متمتع فقد حل إما وجوبا، وإما حكما، هذه هي السنة التي لا راد لها، ولا مدفع، وقال أحمد لسلمة: عندي أحد عشر حديثا صحاحًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتركها لقولك؟ ويقال أيضا: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قصد مخالفة المشركين، تعين مشروعيته إما وجوبا، وإما استحبابًا، وإذا حل حل له ما حرم عليه بالإحرام.
(وإلا) بأن كان مع المتمتع هدي لم يقصر (1) و (حل إذا حج) فيدخل الحج على العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعًا (2) والمعتمر غير المتمتع يحل، سواء كان معه هدي أو لم يكن، في أشهر الحج أو غيرها (3) .
(1) ولم يحل حتى ينحر هديه والمفرد والقارن لا يحلان إلا يوم النحر.
(2)
يوم النحر، لحديث ابن عمر وعائشة المتفق عليهما، قال الشيخ: ولو أحرم بالحج، ثم أدخل عليه العمرة لم يجز، على الصحيح، ويجوز العكس بالاتفاق.
(3)
لفراغه من نسكه، واعتمر صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر، سوى عمرته التي مع حجه، وكان يحل إذا سعى بلا نزاع، وقال ابن رشد: اتفقوا على أن المعتمر يحل من عمرته إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، قال ابن القيم: ومن هديه ذبح هدي العمرة عند المروة.
(والمتمتع) والمعتمر (إذا شرع في الطواف قطع التلبية)(1) لقول ابن عباس يرفعه: كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر (2) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح (3) ولا بأس بها في طواف القدوم سرا (4) .
(1) وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، ونص أحمد كما ذكر الموفق وغيره أنه إذا استلم الحجر قطع التلبية.
(2)
أي إذا شرع في الطواف، لأن التلبية إجابة إلى العبادة، وشعار الإقامة عليها، والأخذ في التحلل منافٍ، وهو يحصل بالطواف والسعي، فإذا شرع في الطواف فقد أخذ في التحلل، فيقطعها، كما يقطع الحاج التلبية إذا شرع في رمي جمرة العقبة، لحصول التحلل به.
(3)
ورواه أبو داود وغيره: قال الترمذي: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، قالوا: لا يقطع المعتمر التلبية حتى يستلم الحجر، وقال بعضهم: إذا انتهى إلى البيوت، والعمل على حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
أي لا بأس بالتلبية حال طواف القدوم سرًّا، وكذا في السعي بعده، ويكره الجهر بها، لئلا يخلط على الطائفين، وقال النووي: الصحيح أنه لا يلبي في الطواف والسعي، لأن لهما أذكارا مخصوصة.
باب صفة الحج والعمرة (1)
(يسن للمحلين بمكة) وقربها، حتى متمتع حل من عمرته (الإحرام بالحج (2) يوم التروية) وهو ثامن ذي الحجة (3) سمي بذلك لأن الناس كانوا يتروون فيه الماء لما بعده (4)(قبل الزوال)(5) .
(1) أي كيفيتهما، وبيان ما شرع فيهما من أقوال وأفعال، والأصل فيه حديث جابر، رواه مسلم وغيره.
(2)
من مكة أو من الحرم، على ما سيأتي وحل من إحرامه فهو حال وأحل فهو محل.
(3)
نص عليه، قال الوزير: اتفقوا على أنه يحرم بالحج يوم التروية وقبله، وقال مالك وأحمد: الأفضل يوم التروية، واستحب تقديمه أبو حنيفة، وفعله يوم التروية هو السنة، لفعله صلى الله عليه وسلم وأمره.
(4)
إذ لم يكن بمنى ولا عرفات ماء، فيتزودون من الماء ما يكفيهم أيام منى وعرفات، وأما الآن فكثر الماء، واستغنوا عن حمله، أو لأنهم كانوا يروون إبلهم فيه، وقيل: لأن إبراهيم رأى في تلك الليلة أنه يذبح ابنه، فلما أصبح روى أي: تفكر في النهار إنما رآه من الله، فلما رأى الليلة الثانية، عرف أنه من الله، فمن ثم سمي يوم عرفة، فلما رأى الليلة الثالثة، هم بنحره فسمي يوم النحر، وقيل: لأن الإمام يروي مناسكهم.
(5)
لحديث جابر: توجه قبل صلاة الظهر يوم التروية إلى منى، رواه مسلم وغيره.
فيصلي بمنى الظهر مع الإمام (1) ويسن أن يحرم (منها) أي من مكة (2) والأفضل من تحت الميزاب (3)(ويجزئ) إحرامه (من بقية الحرم) ومن خارجه (4) ولا دم عليه (5) .
(1) إن أمكنه، لحديث ابن عمر، صلى الفجر يوم التروية بمكة، فلما طلعت الشمس راح إلى منى، فصلى بها الظهر، الحديث، واتفقت الرواة، أنه صلى الظهر بمنى، ومنى فرسخ من مكة.
(2)
بلا نزاع، وظاهره، أنه لا ترجيح لمكان على غيره، والجمهور من منزله وحكي أنه لا نزاع فيه، وفي صحيح مسلم عن جابر: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حللنا أن نحرم، فأهللنا من الأبطح، وكان منزلهم وقال الشيخ: السنة أن يحرم من الموضع الذي هو نازل فيه، وكذلك المكي يحرم من أهله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «ومن كان منزله دون الميقات، فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة» وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إنما أحرموا كما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم وأهلوا من البطحاء، وكان منزلهم إذ ذاك، وقال ابن القيم، وأحرموا من منزلهم، ومكة خلف ظهورهم، ولم يدخلوا المسجد ليحرموا منه اهـ ويستحب أن يفعل عند إحرامه هذا ما يفعله عند الإحرام من الميقات، من الغسل، والتنظيف ويتجرد من المخيط.
(3)
لم يذكره الأصحاب في الإيضاح، ولا المبهج، وقيل: من المسجد، والسنة من منزله كما فعل صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو الأفضل بلا ريب.
(4)
قال الشيخ: هذا هو الصواب، لأن الأبطح خارج البلد، ولم يرد ما يوجب قصر الإحرام على الحرم.
(5)
لعدم ورود وجوبه.
والمتمتع إذا عدم الهدي وأراد الصوم سن له أن يحرم يوم السابع، ليصوم الثلاثة محرما (1)(ويبيت بمنى)(2) ويصلي مع الإمام استحبابا (3)(فإذا طلعت الشمس) من يوم عرفة (سار) من منى (إلى عرفة)(4) .
(1) يعني السابع والثامن والتاسع، فيكون آخرها يوم عرفة.
(2)
يصلي بها الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والفجر، لحديث جابر: فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى، فأهلوا بالحج، فركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر، والمغرب والعشاء والفجر، وكل من أدركه الليل فقد بات، نام أو لم ينم، وسمي مني لأنه يمنى فيه الدم، أي: يصب.
(3)
لصلاة الحاج معه صلى الله عليه وسلم بها الفروض الخمسة، قصرا بلا جمع، قال الشيخ: والإيقاد بمنى بدعة، مكروهة باتفاق العلماء.
(4)
قال الشيخ: والسنة أن يبيت الحاج بمنى، فيصلون بها الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، والفجر، لا يخرجون منها حتى تطلع الشمس، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فالمبيت بها، والمسير إذا طلعت الشمس، سنة باتفاق العلماء، قال: ويسيرون منها على طريق ضب، من يمين الطريق اهـ وهو المعروف الآن بطريق القناطر، والسنة في وصوله إلى عرفة أن يكون عليه، وافتراقه من مزدلفة، ينعطف على اليمين، قرب المشعر الحرام، وضب اسم للجبل الذي حذاء مسجد الخيف، قال ابن القيم: ومن أصحابه الملبي والمكبر، ولم ينكر على أحد منهم، وفيه حديث مرفوع، وقال الشيخ: ولا يزال يلبي في ذهابه من مشعر
إلى مشعر، مثل ذهابه إلى عرفات، وذهابه منها إلى مزدلفة حتى يرمي جمرة العقبة اهـ، وعرفة: اسم لموضع الوقوف، سميت:«عرفة» ؛ لأن جبرئيل
حج بالخليل حتى إذا أتاها قال: عرفت روي عن علي وعطاء وغيرهما، وقيل: لعلو الناس على جباله، والعرب تسمى ما علا عرفة، وقيل: لأن الناس يتعارفون في ذلك اليوم، ويسمَّى، المشعر الحرام، والمشعر الأقصى، قال أبو طالب.
وبالمشعر الأقصى إذا قصدوا له
…
... إلا إلى تلك الشراج القوابل.
فأقام بنمرة إلى الزوال (1) يخطب بها الإمام أو نائبه (2) .
(1) أي زوال الشمس عن كبد السماء إلى جهة المغرب، قال الشيخ: كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهي: قرية كانت خارجة عن عرفات من جهة اليمين اهـ، وموضعها أكمة، عليها أنصاب الحرم، على يمينك إذا خرجت من مأزمي عرفة، تريد الموقف، فهي شرقي شمالي عرفة، خراب اليوم، قال ابن الهمام: ونزول النبي صلى الله عليه وسلم بنمرة لا نزاع فيه، ولأبي داود وغيره عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم نزل بنمرة، وهو منزل الإمام الذي ينزل بعرفة، حتى إذا كانت عند صلاة الظهر، راح مهجرًا، فجمع بين الظهر والعصر، وفي حديث جابر: وأمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زالت الشمس أمر بالقصوى فرحلت له.
(2)
أي يخطب الإمام أو نائبه بعرنة، كما خطب النبي صلى الله عليه وسلم رواه مسلم من حديث جابر، وروى الحاكم وغيره عن المستورد نحوه، قال عبد الحق: خطبته قبل الصلاة مشهورة، وعمل به الأئمة والمسلمون وقال الشيخ: يسير إليها من بطن الوادي: وهو موضع النبي صلى الله عليه وسلم الذي صلى فيه الظهر والعصر، وخطب وهو في حدود عرفة ببطن عرنة، وهناك مسجد يقال له، مسجد إبراهيم، يعني ابن محمد العباسي، لا الخليل وإنما بني في أول دولة بني العباس اهـ ثم زيد فيه من عرفة، والزيادة في نفس المسجد معلمة
بصخرات كبار فرشت هناك، فصدر المسجد من عرنة، وآخره من عرفة، وبين المسجد والحرم نحو ألف ذراع.
خطبة قصيرة (1) مفتتحة بالتكبير (2) يعلمهم فيها الوقوف، ووقته، والدفع منه والمبيت بمزدلفة (3)(وكلها) أي كل عرفة (موقف (4) إلا بطن عرنة) (5) .
(1) قال سالم للحجاج: إن كنت تريد أن تصيب السنة، فقصر الخطبة وعجل الصلاة، قال ابن عمر: صدق، رواه البخاري، قال الشيخ: خطبة نسك لا خطبة جمعة.
(2)
وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح خطبه بالحمد، وقال:«كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أقطع» .
(3)
فيذكر العالم، ويتعلم الجاهل، ثم ينزل فيصلي بهم الظهر والعصر قصرا، يجمع بينهما، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه.
(4)
إجماعا فمن وقف في أي جزء كان من عرفات صح وقوفه، وحدها، من الجبل المشرف على عرنة، إلى الجبال المقابلة، إلى ما يلي حوائط بني عامر ويقال: قصور آل مالك، يبلغ طولها ميلين وكذا عرضها، قال الوزير: اتفقوا على أن عرفات وما قارب الجبل كله موقف، لقوله صلى الله عليه وسلم «وقفت ههنا، وعرفة كلها موقف» وأرسل للناس، أن يكونوا على مشاعرهم، ويقفوا بها، فإنها من إرث أبيهم إبراهيم، إلا ما كان من الحمس.
(5)
بضم العين وفتح الراء والنون، الوادي الذي يقال له مسجد عرنة، وهي مسايل، يسيل فيها الماء إذا كان المطر، فيقال لها الجبال، وهي ثلاثة جبال أقصاها مما يلي الموقف، ذكره البكري وغيره.
لقوله عليه السلام «كل عرفة موقف، وارفعوا عن بطن عرنة» رواه ابن ماجه (1)(وسن أن يجمع) بعرفة من له الجمع (2) .
(1) ولأنه لم يقف بعرفة، فلم يجزئه، كما لو وقف بمزدلفة، وحكاه ابن المنذر وغيره، إجماع الفقهاء، وقال الوزير وغيره: بطن عرنة لا يجزئ الوقوف به باتفاق الأئمة.
(2)
يعني المسافر ومن له عذر، ممن تقدم في بابه، بخلاف المكي، وقال في الشرح الكبير، والصحيح أن الإمام يجمع، وكل من صلى معه، وقال الشيخ: فيصلي الإمام، ويصلي خلفه جميع الحاج، أهل مكة وغيرهم، قصرًا وجمعًا، كما جاءت بذلك الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مذهب أهل المدينة، وأحد الأقوال في مذهب الشافعي وغيره، ومن قال: لا يجوز القصر إلا لمن كان منهم على مسافة القصر، فهو مخالف للسنة.
وقال: ويصلي بعرفة ومزدلفة ومنى قصرًا، ويقصر أهل مكة، وغير أهل مكة، وكذلك يجمعون الصلاة بعرفة ومزدلفة، وكذلك كانوا يفعلون خلف أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه أحدا من أهل مكة أن يتموا الصلاة ولا قالوا لهم بعرفة ومزدلفة ومنى: أتموا الصلاة فإنا قوم سفر، ومن حكى ذلك عنهم فقد أخطأ وغلط غلطا بينا، ووهم وهما قبيحا وقال قولا باطلا، باتفاق أهل الحديث، ولكن المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك في غزوة الفتح، لما صلى بهم بمكة، وأما في حجه فإنه لم ينزل بمكة، ولكن كان نازلا خارج مكة، وهناك كان يصلي بأصحابه، ثم لما خرج إلى منى وعرفة، خرج معه أهل مكة وغيرهم، ولما رجع من عرفة رجعوا معه، ولما صلى بمنى أيام منى صلوا معه، ولم يقل لهم: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم السفر بمسافة، ولا بزمان، وفيه أوضح دليل على أن سفر القصر، لا يتحدد بمسافة معلومة، ولا بأيام معلومة.
(بين الظهر والعصر) تقديما (1)(و) أن (يقف راكبا)(2) .
(1) ليتفرغ للدعاء، قال الشيخ وغيره: فيصلي الظهر والعصر قصرا، إذا قضى الخطبة أذن ثم أقام، كما جاءت السنة بذلك، واستفاض النقل به، وفي حديث جابر: بأذان واحد وإقامتين.
وفي لفظ: ثم أذن بلال، ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، لم يصل بينهما شيئا، ويشمل كل واقف بعرفة من مكي وغيره، لأنه صلى الله عليه وسلم فعل بهم ذلك ولا يجهر بالقراءة.
(2)
أي ويسن بعد الصلاة بعرنة، أن يذهب إلى عرفات إجماعًا، لقول جابر: ثم ركب حتى أتى الموقف، وأن يقف راكبا للخبر، ولأنه أعون على الدعاء إلى غروب الشمس، لكن لا يكاد يذهب أحد إلى نمرة، ولا إلى مصلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا القليل، بل يدخلون عرفات بطريق المأزمين ويدخلونها قبل الزوال، ومنهم من يدخلها ليلاً، ويبيتون بها، قبل التعريف، كما قاله الشيخ وغيره، وكما هو الواقع اليوم، قال: وهذا الذي يفعله الناس كله مجزئ معه الحج، لكن فيه نقص عن السنة.
قال ويجوز الوقوف ماشيا وراكبا، وأما الأفضل فيختلف باختلاف أحوال الناس، فإن كان ممن إذا ركب رآه الناس لحاجتهم إليه، أو كان يشق عليه الوقوف، وقف راكبا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وقف راكبا، وهكذا الحج فإن من الناس من يكون حجه راكبا أفضل، ومنهم من يكون حجه ماشيا أفضل، وقال ابن القيم: التحقيق أن الركوب أفضل إذا تضمن مصلحة، من تعليم المناسك، والاقتداء به، وكان أعون له على الدعاء، ولم يكن فيه ضرر على الدابة.