الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو أبق، ذهب على البائع، لأنه غره (1) ورد للمشتري ما أخذه (2) .
(وإن اشترى
ما لم يعلم عيبه بدون كسره
، كجوز هند (3) وبيض نعام، فكسره فوجده فاسدا، فأمسكه فله أرشه (4) وإن رده رد أرش كسره) الذي تبقى له معه قيمة وأخذ ثمنه (5) لأن عقد البيع يقتضي السلامة (6) .
(1) بالتدليس، ويتبع بائع عبده حيث كان.
(2)
أي رد البائع من العوض للمشتري في مقابلة ما أخذ العبد، وإلا يكن دلس، تعين الأرش كما تقدم.
(3)
نوع من الآنية، كما أن بيض النعام لصلابة قشره قد يتخذ إناء، وجوز الهند إذا وجد ماءه الذي يشرب فاسدا، فله رده بالعيب.
(4)
إن لم يدلس البائع، فإن دلس فلا شيء له، لأنه غره، وكلاهما لا يعلم عيبه بدون كسره.
(5)
وكذا بطيخ في مكسروه نفع، يرد ما نقصه بكسره عنده، ولو كان الكسر بقدر الاستعلام، لأنه عيب حدث عنده والكسر كسران، كسر تبقى معه قيمة، وكسر لا تبقى معه، فما لا تبقى إن كسرها كلها أو كسرها كسرا لا تبقى معه قيمة، فيتعين الأرش للمشتري، مثل أصلها، وما تبقى له معه قيمة، فيخير بين الإمساك وله أرش العيب، والرد مع أرش الكسر.
(6)
أي من العيوب، والعيب نقيصة، يقتضي العرف سلامة المبيع عنها غالبا فإذا ظهر في المبيع عيب، خير مشتر بين رد، استدراكا لما فاته، وإزالة لما يلحقه من الضرر في بقائه في ملكه ناقصا عن حقه، وبين إمساك مع أرش، لأنهما تراضيا
على أن العوض في مقابلة المعوض، ومع العيب فات جزء من المبيع، فرجع ببدله وهو الأرش.
ويتعين أرش مع كسر لا تبقى معه قيمة (1)(وإن كان) المبيع (كبيض دجاج)(2) فكسره فوجده فاسدا (رجع بكل الثمن)(3) لأنا تبينا فساد العقد من أصله، لكونه وقع على مالا نفع فيه (4) وليس عليه، رد فاسد ذلك إلى بائعه، لعدم الفائدة فيه (5)(وخيار عيب متراخ)(6) لأنه لدفع ضرر متحقق، فلم يبطل بالتأخير (7) .
(1) كأن كسره كسرا لا تبقى معه قيمة للمكسور، من نحو جوز الهند، لأنه أتلفه، ويسقط الرد، لتعذره بإتلاف المبيع.
(2)
وجه مذرا، وكبطيخ وجده مرضا.
(3)
أي على بائع، وظاهر إطلاقهم، سواء دلس أو لا.
(4)
كبيع الحشرات، فيكون البيع غير صحيح، ومن شرط صحة البيع أن ينتفع به، وإن وجد البعض فاسدا رجع بقسطه، فإن كان الفاسد النصف، رجع بنصف الثمن، وإن كان الربع رجع بربعه وهكذا.
(5)
إذ لا قيمة له، ولا أرش فيرجع بكل الثمن، وكذا ليس عليه رد مالا قيمة لمكسوره من نحو جوز، ولوز.
(6)
أي متسع وقته، ليس على الفور.
(7)
يعني الخالي عن الرضا، كخيار القصاص، فمن علم العيب، وأخر
الرد به، لم يبطل خياره بالتأخير، وليس عليه أن يشهد قبل استعماله أنه يريد الأرش بل تكفي نيته، ومتى اختلفا، كان القول قوله في نيته، فيحلف: ما بعد علمي رضيت به، وما استعملته إلا بنية أخذ الأرش.
(ما لم يوجد دليل الرضا)(1) كتصرف فيه بإجارة، أو إعارة، أو نحوهما (2) عالما بعيبه (3) واستعماله لغير تجربة (4)(ولا يفتقر) الفسخ للعيب (إلى حكم (5) ولا رضا، ولا حضور صاحبه) أي البائع، كالطلاق (6) .
(1) فيسقط الخيار، لأن دليل الرضا منزل منزلة التصريح به.
(2)
كوطء، وسوم، وغير ذلك من أنواع التصرف.
(3)
أي فيبطل خياره، وإن كان جاهلا بعيبه فخياره بحاله، ولا تأثير لتصرفه.
(4)
مما يدل على الرضا، كركوب دابة لغير تجربة لها، ولغير طريق رد، وكوطء وقبلة ولمس لشهوة، ولم يختر الإمساك قبل تصرفه، فلا رد، وقال بعضهم: ولا أرش له العيب، لأنه قد رضي بالمبيع ناقصا، فسقط حقه من الأرش، ولا يقبل قوله: أنه مطالب بالأرش، إلا ببينة وعنه: له الأرش، كما لو اختار إمساكه قبل تصرفه، وصوبه في الإنصاف.
(5)
بل هو يفسخ من نفسه، سواء كان الرد بالعيب قبل القبض أو بعده.
(6)
أي كما أن الطلاق لا يفتقر إلى حكم حاكم، ولا رضا، ولا حضور، لأنه رفع عقد جعل إليه، فلم يعتبر فيه ذلك.
ولمشتر مع غيره معيبا (1) أو بشرط خيار، الفسخ في نصيبه (2) ولو رضي الآخر (3) والمبيع بعد فسخ أمانة بيد مشتر (4) (وإن اختلفا) أي: البائع والمشتري في معيب (عند من حدث العيب) مع الاحتمال (5) .
(1) الفسخ في نصيبه، ولو رضي الآخر، لأنه جميع ما ملكه بالعقد، فله رده بالعيب.
(2)
أي ولمشتر مع غيره، بشرط خيار، الفسخ في نصيبه، لأن نصيبه جميع ما ملكه بالعقد، فجاز له رده بالخيار الذي شرطه، كشراء واحد من اثنين شيئا بشرط خيار، أو وجده معيبا، فله رده عليهما، وله رد نصيب أحدهما عليه، وإمساك نصيب الآخر، وإن كان أحدهما غائبا والآخر حاضرا، رد المشتري على الحاضر منهما حصته بقسطها من الثمن، ويبقى نصيب الآخر في يده، حتى يقدم فيرده عليه.
(3)
أي بالبيع مع العيب، أو بشرط الخيار، فأمضاه، لأنه كان مشقصا قبل البيع.
(4)
لحصوله في يده، فإن تلف بغير تعد منه ولا تفريط، فلا ضمان عليه، لكن إن قصر في رده فتلف ضمنه، كثوب أطارته الريح إلى داره، وإذا فسخ والبائع غائب، ولا يمكنه رد المبيع إليه إلا بخطر، أو مشقة وضرر على البائع، فقال بعضهم: للمشتري بيعه، وحفظ ثمنه، لأنه مصلحة للبائع، وصرحوا به في الوديعة.
(5)
أي احتمال قول كل منهما، كخرق ثوب ونحوه، وجنون وإباق، ولا بينة لأحدهما.
(فقول مشتر مع يمينه)(1) إن لم يخرج عن يده (2) لأن الأصل عدم القبض في الجزء الفائت، فكان القول قول من ينفيه (3) فيحلف أنه اشتراه وبه العيب (4) أو أنه ما حدث عنده، ويرده (5) .
(1) وقال ابن عطوة: إن كان العيب لا يخفى، فالقول قول البائع أن المشتري رآه.
(2)
وهي اليد المشاهدة، فإن خرج إلى يد غيره، وغاب عنه، لم يجز له الحلف على البت، ولو غلب على ظنه صدق ذلك الغير، لاحتمال حدوث العيب عنده، ولا يجوز له الرد، لعدم الحلف على البت، فيتعين حلف البائع على صفة جوابه، فإن أجاب: بعته بريئا من العيب، حلف على ذلك، وإن أجاب: لا يستحق على ما يدعيه من الرد، حلف على ذلك، فيحلف على البت.
(3)
أي مع يمينه، لاحتمال صدق البائع.
(4)
أي يحلف مشتر على البت أنه اشترى هذا المبيع وبه هذا العيب.
(5)
أي أو يحلف مشتر على البت، أن هذا العيب ما حدث في هذا المبيع عنده، لأنه الأيمان كلها على البت، إلا ما كان على نفي فعل الغير، ويرد المبيع الذي اختلفا في حدوث عيبه بعد حلفه، وعن أحمد: القول قول بائع على البت، وهو مذهب الجمهور، وعليها العمل.
وقال ابن القيم: إذا ادعى العيب، فالقول قول من يدل الحال على صدقه، وإن احتمل صدقهما فقولان، أظهرهما أن القول قول البائع، لأن المشتري يدعي ما يسوغ فسخ العقد بعد تمامه ولزومه، والبائع ينكره اهـ وإن اختلفا في مفسد، أو شرط ونحوهما فقول منكر بيمينه، سواء كان البائع أو المشتري، ما لم يكن للآخر بينة.
(وإن لم يحتمل إلا قول أحدهما) كالإصبع الزائد (1) والجرح الطري، الذي لا يحتمل أن يكون قبل العقد (2)(قبل) قول المشتري في المثال الأول (3) والبائع في المثال الثاني (بلا يمين) لعدم الحاجة إليه (4) ويقبل قول بائع أن المبيع المعيب ليس المردود (5) .
(1) بيد أو رجل، إذا ادعى البائع حدوثها، ولا يمكن حدوثها، كالشجة المندملة التي لا يمكن حدوثها.
(2)
أي وادعى المشتري كونه قديما.
(3)
أي بلا يمين، لعدم الحاجة إليه، لأنه لا يمكن حدوث الإصبع الزائد في الغالب، وإنما تنشأ في زمن التخطيط.
(4)
وهو كون الجرح طريا، لا يحتمل أن يكون قبل العقد، وتقدم أنه إذا ادعي العيب، فالقول قول من يدل الحال على صدقه، وإن ادعى غلطا، أو أن الثمن أكثر، لم يقبل قوله إلا ببينة، اختاره الموفق وغيره، وصوبه في الإنصاف.
(5)
لإنكار بائع كونه سلعته، وإنكاره استحقاق الفسخ، والقول قول المنكر مع يمينه، وصوابه: المبيع المعيب، والمعين بعقد، ولم يفصل بعضهم بين المعين، وما في الذمة، وظاهر القواعد أن الحكم فيهما سواء، وفرق السامري وغيره وهو مقتضى ما يأتي، وقال شيخنا: مراد الأصحاب المعين، والحال أنه إذا أنكرها البائع، وكان ذلك معينا، أنكر أنه عين ماله، ويذكر أن عند بعض الأصحاب أن غير المعين كالمعين أيضا، لأنه لا يستحق عليه الرد.
إلا في خيار شرط، فقول مشتر (1) وقول قابض في ثابت في ذمة (2) من ثمن، وقرض، وسلم ونحوه (3) إن لم يخرج عن يده (4) وقول مشتر في عين ثمن معين بعقد (5) ومن اشترى متاعا، فوجده خيرا مما اشترى، فعليه رده إلى بائعه (6) .
(1) لأنهما هنا اتفقا على استحقاق الفسخ، وكذا لو اعترف البائع بعيب ما باعه، ففسخ المشتري، ثم أنكر البائع أن المبيع هو المردود، فقول مشتر.
(2)
أي ويقبل قول قابض بيمينه سواء كان بائعا، أو مقرضا، أو مسلما، أو مؤجرا، أو متلفا، أو غير ذلك، في ثابت في ذمة عمرو مثلا لزيد.
(3)
كأجرة وقيمة متلف، وصداق وجعالة، إذا رد بعيب، وأنكره مقبوض منه، مثال ذلك: إذا ثبت على عمرو لزيد صاع ثمن مبيع، أو قرض، أو دين سلم في ذمة عمرو لزيد، أو أجرة ونحوه، فبعد ما قبضه زيد من عمرو رده بعيب وجده فيه، وأنكر عمرو أن الصاع المردود هو الصاع الذي دفعه، فالقول قول القابض، وهو زيد بيمينه، لأن الأصل بقاء شغل الذمة بهذا الحق الثابت في ذمة عمرو.
(4)
أي المشاهدة، دون الحكمية، بحيث يغيب عنه، لأن الأصل بقاؤه في الذمة، فلا يملك رده.
(5)
أي إن رد عليه بعيب أنه ليس المردود، لأنه إذا عين تعلق الحكم به، فصار الثمن هنا نظير المثمن، فإن رد عليه بخيار شرط، فقياس التي قبلها يقبل قول بائع.
(6)
إذا كان البائع جاهلا به.
(السادس) من أقسام الخيار (خيار في البيع بتخيير الثمن (1) متى بان) الثمن (أقل أو أكثر) ما أخبر به (2)(ويثبت) في أنواعه الأربعة (3)(في التولية) وهي بيع برأس المال (4) .
(1) إذا أخبر بائع بخلاف الواقع، فإنه يثبت للمشتري الخيار، فصار قسما من أقسام الخيار.
(2)
أو أخفي التأجيل، أو شيئا مما يلزمه بيانه، ويحرم على البائع التخبير بما يخالف الواقع في الثمن، فإنه كذب، وأكل للمال بالباطل، والعقد غير صحيح، ويثبت الخيار، قال في الإنصاف، بيع المرابحة في هذه الأزمان أولى للمشتري، وأسهل يعني لتركه المماسكة، وهي أضيق على البائع، لأنه يحتاج أن يعلم المشتري بكل شيء من النقد، والوزن، وتأخير الثمن، وممن اشتراه، والمؤونة، والرقم، والسمسرة، والقصارة، والحمل، ولا يغر فيه، ولا يحل له أن يزيد على ذلك شيئا إلا بينه للمشتري، ليعلم بكل ما يعلمه البائع.
(3)
أي يثبت الخيار في البيع بتخيير الثمن، في صور أربع من صور البيع، اختصت بهذه الأسماء الآتية، كاختصاص السلم باسمه، وتصح بلفظ البيع، وبكل ما يؤدي ذلك المعنى.
(4)
فقط، فيقول البائع: وليتك المبيع، أو بعتكه برأس ماله، أو بما اشتريته به، أو برقمه المعلوم عندهما، وهو الثمن المكتوب عليه، وينعقد بالاتفاق، وإن جهلا الثمن أو أحدهما لم يصح، والتولية في اللغة تقليد العمل، وفي العرف ما ذكره الشارح.
(و) في (الشركة) وهي بيع بعضه بقسطه من الثمن (1) و: أشركتك. ينصرف إلى نصفه (2)(و) في (المرابحة) وهي بيعه بثمنه، وربح معلوم (3) وإن قال: على أن أربح في كل عشرة درهما، كره (4)(و) في (المواضعة) وهي بيعه برأس ماله وخسران معلوم (5) .
(1) أي المعلوم لهما: نحو: أشركتلك في نصفه، أو ثلثه، أو ربعه ونحوه، أو: هو شركة بيننا.
(2)
لأنها تقتضي التسوية، بخلاف الإقرار، لأنه لما كان الجزء المأخوذ بغير عوض رجع في تفسيره إليه، لئلا يلزم الإجحاف عليه، والمأخوذ هنا بعوض، فلا فوت، فحملت على الأصل، وإن قال لآخر عالم بشركة الأول، فله نصف نصيبه وهو الربع، وإلا أخذ نصيبه كله، لأنه إذا لم يعلم، فقد طلب منه نصف المبيع، وأجابه إليه، وإن قال: أشركاني، فأشركاه معا أخذ ثلثه.
(3)
فيقول مثلا: رأس مالي فيه مائة، بعتكة بها، وربح عشرة، صح، لأن الثمن والربح معلومان.
(4)
واحتج أحمد بكراهة ابن عمر وابن عباس، وقال: كأنه دراهم بدراهم وقال الوزير: اتفقوا على أن ربح المرابحة صحيح، وهو أن يقول: أبيعك والربح في كل عشرة درهم، وكرهه أحمد، لشبهه بيع العشر بأحد عشر، لا أنه منه حقيقة وإلا لحرم.
(5)
كأن يقول: بعتكه برأس ماله مائة مثلا، وأضع لك عشرة، فيصح البيع، لأنه لفظ محصل لمقصود البيع بدون رأس المال، وكذا لو قال: بعتكه بمائة هي -رأس مالي- ووضيعة درهم من كل عشرة، وهذه الصورة مكروهة، كما كرهت نظيرتها في المرابحة.
(ولا بد في جميعها) أي الصور الأربع (1)(من معرفة المشتري) والبائع (رأس المال)(2) لأن ذلك شرط لصحة البيع (3) فإن فات لم يصح (4) وما ذكره من ثبوت الخيار في الصور الأربع تبع فيه المقنع، وهو رواية (5) والمذهب أنه متى بان رأس المال أقل حط الزائد (6) .
(1) يعني التولية، والشركة، والمرابحة، والموضعة، إذا عقدا البيع بإحداها كما تقدم.
(2)
ولا تكفي معرفة أحدهما به، ولا بد أن يبين البائع للمشتري النقد، والحمل، ونحو ذلك مما تقدم.
(3)
وتقدم أن معرفة الثمن شرط لصحة البيع بالإجماع.
(4)
أي فات على المتعاقدين معرفة رأس المال، لم يصح البيع بواحدة من تلك الصور.
(5)
أي عن الإمام أحمد رحمه الله، نقلها حنبل، فيما إذا ظهر الثمن أقل مما أخبر به البائع
(6)
أي عن رأس المال في الأربع، لأنه باعه برأس مال فقط، أو مع ما قدره من الربح، أو وضيعته، فإذا بان رأس ماله دون ما أخبر به، كان مبيعا به على ذلك الوجه، ولا خيار، لأنه بالإسقاط قد زيد خيرا، فلو باع فرسا من عمرو بأربعين، تولية، فظهر أن الثمن ثلاثون، تسقط العشرة، ولو أشركه فيها بنصف ثمنها وهو عشرون، سقط خمسة.
ويحط قسطه في مرابحة (1) وينقصه في مواضعة (2) ولا خيار للمشتري (3) ولا تقبل دعوى بائع غلطا في رأس المال بلا بينة (4)(وإن اشترى) السلعة (بثمن مؤجل (5) أو) اشترى (ممن لا تقبل شهادته له) كأبيه، وابنه وزوجته (6) .
(1) أي يحط قسط الزائد في مرابحة، لأنه تابع له، كما لو باعه شاة بثمانية، فظهر أنها بستة، سقط اثنان وقسطه من الربح، وهو الربع.
(2)
أي وينقص الزائد في مواضعه تبعا له، كما لو باعه عشرة آصع بعشرة مثلا، فظهر أنها بثمانية، سقط اثنان، مع بقاء الوضيعة على ما هي عليه.
(3)
لأن الثمن إذا بان أقل مما أخبر به، وسقط عنه الزائد، فقد زيد خيرا، فلم يكن له خيار، كما لو وكل من يشتري له معينا بمائة، فاشتراه بتسعين، لم يملك الفسخ.
(4)
أي ولا تقبل دعوى بائع لإحدى الصور الأربع غلطا، نسيانا كان أو سهوا، في إخبار برأس المال، بلا بينة تشهد بما ادعاه، كما لو قال: اشتريته بعشرين، ثم قال: غلطت، بل بثلاثين؛ لأنه أقر بالثمن، وتعلق به حق الغير، ولو كان مؤتمنا، لأنه مدع الغلط على غيره، أشبه المضارب إذا أقر بالربح، ثم ادعى الغلط، لم تقبل إلا ببينة، وعنه: يقبل معروف بالصدق، استظهره في التنقيح، ولا سيما مع القرائن.
(5)
أي ولم يبين ذلك للمشتري في تخبيره بالثمن، فلمشتر الخيار، وإن اشتراه بدنانير، وأخبر بدراهم، أو بالعكس، أو بعرض وأخبر بثمن، أو بالعكس فلمشتر الخيار.
(6)
أي وكتم ذلك عن المشتري في تخبيره بالثمن، فلمشتر الخيار، لأنه متهم في حقهم، لكونه يحابيهم، ويسمح لهم.
(أو) اشترى شيئا (بأكثر من ثمنه حيلة)(1) أو محاباة (2) أو لرغبة تخصه (3) أو موسم فات (4)(أو باع بعض الصفقة بقسطها من الثمن) الذي اشتراها به (5) .
(1) ليربح، كأن يشتريها من إنسان بأكثر من ثمنها صورة، ليخبر بذلك، أو ليبيعه تولية، أو شركة، أو مرابحة، أو موضعة، أو كتم البائع عن المشتري فله الخيار، وهو حرام، كتدليس العيب، فإن لم يكن حيلة جاز.
(2)
كأن يشتريه من صديقه، أو من نحو غلامه الحر، لم يجز بيعه مرابحة حتى يبين أمره، لأنه يتهم في حقه، ولمشتر الخيار، وإن لم يحاب في ذلك جاز.
(3)
كأن يشتري دارا بجواره، أو أمة لرضاع ولده، ولم يبين ذلك للمشتري في تخبيره، فله الخيار، لأنه قد يزيد في ثمنها لحاجة، فيبين للمشتري الحال.
(4)
كأن يشتري سلعة لأجل الموسم، ولم يحصل، وكتم ذلك عن المشتري، وكذا إن تغيرت السلعة بنقص، بمرض أو غيره، وكتمه عن المشتري فله الخيار، كالتدليس، فهذه الصور حرام، لما فيها من الكذب، والغش، وإن غلت أخبر بثمنها الذي اشتراها به، لا بقيمتها الآن، وإن اشترى نصف سلعة بعشرة، وآخر بعشرين، ثم باعها مساومة، بثمن واحد، فهو بينهما نصفين، قال الموفق: لا نعلم فيه خلافا، وإن باعها مرابحة، أو مواضعة، أو تولية فكذلك نص عليه.
(5)
أي باع بعض المبيع بقسطه من الثمن، وليس المبيع بعضه من المتماثلات المتساويات، كزيت ونحوه، من كل مكيل أو موزون متساوي الأجزاء، كالثياب ونحوها.
(ولم يبين ذلك) للمشتري (في تخبيره بالثمن، فلمشتر الخيار بين الإمساك والرد) كالتدليس (1) والمذهب فيما إذا بان الثمن مؤجلا أنه يؤجل على المشتري ولا خيار، لزوال الضرر، كما في الإقناع، والمنتهى (2)(وما يزاد في ثمن (3) أو يحط منه) أي من الثمن (4)(في مدة خيار) مجلس أو شرط (5)(أو يؤخذ أرشا لعيب (6))
(1) أي إذا كتم ما ذكر ونحوه عن المشتري فله الخيار، كما أن له الخيار إذا دلس البائع العيب على المشتري وتقدم.
(2)
فإنهما صرحا أن المذهب إذا بان مؤجلا، وقد كتمه بائع في تخييره بالثمن، ثم علم مشتر، أخذ به مؤجلا، ولا خيار له، وإن لم يعلم مشتر إلا بعد مضي الأجل فكالحال.
(3)
يعني في زمن الخيارين، كأن يشتري زيد من عمرو دارا بمائة، فيخشى أن يفسخ، فيقول: ولك زيادة عشرة، فلا يلزم زيدا أن يقول: اشتريتها بمائة، وزدت عشرة؛ بل يقول: بمائة وعشرة.
(4)
يعني يوضع من الثمن زمن الخيارين، كأن يخشى الفسخ فيقول: وعنك عشرة، فيقول: علي بتسعين، ولا يلزمه أن يقول: كانت بمائة ووضعت عشرة.
(5)
أي لحق ذلك الفعل بالعقد، فوجب إلحاقه برأس المال، والإخبار به.
(6)
أخبر به على وجهه، ولو كان في مدة الخيارين، فيخبر أنه اشتراه بكذا وأخذ أرشه بكذا، ولا يحط ثمنه من أرشه، ويخبر بالباقي.
(أو) لـ (جناية عليه) أي على المبيع (1) ولو بعد لزوم البيع (يلحق برأس ماله (2) و) يجب أن (يخبر به) كأصله (3) وكذا ما يزاد في مبيع، أو أجل، أو خيار (4) أو ينقص منه في مدة خيار، فيلحق بعقد (5)(وإن كان ذلك) أي ما ذكر من زيادة أو حط (6) .
(1) أي أو ما يأخذه المشتري أرشا لجناية على المبيع، ولو كان في مدة الخيارين.
(2)
لأنه ذلك من الثمن، فألحق برأس المال، وقوله:«ولو بعد لزوم البيع» راجع لقوله «أو يؤخذ أرشا لعيب، أو لجناية عليه» لأن المأخوذ في مقابلة جزء من المبيع.
(3)
إذا باعه بتخبير الثمن، فيجب أن يخبر أنه اشتراه بكذا، وأخذ أرشه كذا، ولا يحط أرشه من ثمنه، ويخبر بالباقي.
(4)
أي ومثل ما يزاد في ثمن إلخ، ما يزاد في مبيع، بأن أعطاء شيئا آخر مع المبيع زمن الخيارين، أو يزاد في أجل الثمن زمن الخيارين، أو يزاد في خيار شرط في بيع، بأن كان إلى رجب، ثم قال: بل إلى جماد، فيلحق بعقد، ويخبر به كأصله.
(5)
أي أو يوضع من مبيع، أو أجل، أو خيار في مدة خيار مجلس، أو شرط فيلحق به، ويجب أن يخبر به كأصله تنزيلا لحال الخيار، منزلة حال العقد.
(6)
أي زيادة في ثمن، أو مثمن، أو أجل، أو خيار، أو حط من ثمن، أو مثمن، أو أجل، أو خيار.
(بعد لزوم البيع) بفوات الخيارين (لم يلحق به) أي بالعقد (1) فلا يلزم أن يخبر به (2) لا إن جنى المبيع ففداه المشتري (3) لأنه لم يزد به المبيع ذاتا ولا قيمة (4)(وإن أخبر بالحال) بأن يقول: اشتريته بكذا (5) أو زدته، أو نقصته كذا؛ ونحو (6)(فحسن) لأنه أبلغ في الصدق (7) .
(1) أي لا يلحق بعقد بعد لزوم بيع ما ذكر من زيادة، أو حط، كسائر الشروط وتقدم.
(2)
لأن ما ذكر لا يلحق بالعقد بعد لزومه.
(3)
أي لا إن جنى المبيع جناية توجب قودا، أو مالا، ففداه المشتري. فلا يلحق فداؤه بالثمن، ولو كان في مدة الخيارين.
(4)
أي فلا يلزم أن يخبر به، لأنه مزيل لنقصه بالجناية، وكذا الأدوية والمؤونة والكسوة، لا تلحق بالثمن، فلا يلزم أن يخبر بها.
(5)
أي وزيادته كذا؛ أو ونقيصته كذا، أو: اشتريته مثلا بخمسة عشر، ثم بعته بعشرة، ثم اشتريته بكذا؛ فحسن لأنه أبلغ في الصدق.
(6)
أي وإن أخبر بالحال، بأن قال: زدت المبيع كذا، أي شيئا آخر معه، أو: نقصت المبيع كذا؛ كأن أخذ جزءا منه بقسطه، ونحوه من مؤونة أو كسوة، أو غير ذلك بعد لزوم البيع.
(7)
وأقرب إلى الحق، وأنفى عن التهمة، ولا يجب، حيث كان بعد لزوم البيع، ولا يلتحق بالعقد.
ولا يلزم الإخبار بأخذ نماء، واستخدام (1) ووطء، إن لم ينقصه (2) وإن اشترى شيئا بعشرة مثلا، وعمل فيه صنعة (3) أو دفع أجرة كيله، أو مخزنه، أخبر بالحال (4) ولا يجوز أن يجمع ذلك، ويقول: تحصل علي بكذا (5) وما باعه اثنان مرابحة، فثمنه بحسب ملكيهما، لا على رأس ماليهما (6)(السابع) من أقسام الخيار (خيار) يثبت (لاختلاف المتبايعين) في الجملة (7) .
(1) أي ولا يلزم الإخبار إذا باع بتخيير الثمن بأخذ نماء، كصوف، ولبن غير موجودين حال العقد، ولا يلزم الإخبار باستخدام رقيق أو غيره.
(2)
أي ولا يلزم الإخبار بوطء ثيب، إن لم ينقص الوطء المبيع، كوطء البكر، فيجب الإخبار به، كما لو وطئها غيره وأخذ الأرش.
(3)
كأن اشترى ثوبا بعشرة، وعمل فيه هو أو غيره ما يساوي عشرة، بأن صبغة، أو قصره ولو بأجرة ما يساوي عشرة، أخبر بالحال.
(4)
أي وإن اشترى شيئا مثلا بعشرة، ودفع أجرة كيله، أو مخزنة، أو سمساره ونحوه بعشرة، أخبر بالحال على وجهه.
(5)
أي بعشرين مثلا، لأنه تلبيس، بل يخبر به على وجهه، ولا يضمه إلى الثمن فيخبر به ويغر المشتري.
(6)
لأن الثمن عوض المبيع، فهو على قدر ملكيهما، ومثاله لو اشترى شخص نصف شيء بعشرة، واشترى غيره باقيه بعشرين، ثم باعه مرابحة، أو مواضعة، أو تولية، صفقة واحدة، فإن الثمن لهما بالتساوي، كما لو باعه مساومة.
(7)
أي في بعض الصور، لا بالجملة، فهناك بياعات لا يقع فيها.
(فإذا اختلفا) هما أو ورثتهما (1) أو أحدهما وورثة الآخر (في قدر الثمن)(2) بأن قال بائع: بعتكه بمائة؛ وقال مشتر: بثمانين ولا بينة لهما (3) أو تعارضت بينتاهما (تحالفا)(4) ولو كانت السلعة تالفة (5) .
(1) أي في قدر الثمن، تحالفا، ولكل منهما الفسخ إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر، لحديث «إذا اختلف المتبايعان، وليس بينهما بينة، فالقول قول البائع، أو يترادان البيع» وهو حديث مشهور، دل على إثبات الخيار لاختلاف المتبايعين، وقال الوزير وغيره: اتفقوا على أنه إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة، فإنهما يتحالفان ويترادان.
(2)
أي إذا اختلف أحد المتبايعين وورثة الآخر في قدر الثمن، وليس بينهما بينة، تحالفا، وترادا البيع، أو اختلف ورثتهما فكذلك، والورثة يقومون مقام مورثهم، إذا تم العقد في حياة المورث.
(3)
أي للمتبايعين أولا بينة لأحد المتبايعين وورثة الآخر، أو لا بينة لورثة كل منهما بالمائة، ولا بالثمانين.
(4)
لتعارض البينتين وتساقطهما، فيصيران كمن لا بينة لهما، لأن كلا منهما مدع ومنكر، البائع مدع أنه مائة، ومنكر أنه ثمانون، والمشتري منكر ومدع.
(5)
«لو» هنا إشارة لخلاف في المذهب وغيره، لعموم الخبر، قال أحمد: لم يقل في الحديث «والمبيع قائم» إلا يزيد بن هارون، وقد أخطأ، فلا فرق بين أن تكون موجودة، أوتالفة، فيرجع إلى قيمة مثلها، فنزلت منزلة الموجودة في قيمة مثلها.
(فيحلف بائع أولا: ما بعته بكذا، وإنما بعته بكذا (1) ثم يحلف المشتري: ما اشتريته بكذا، وإنما اشتريته بكذا) (2) . وإنما بدأ بالنفي لأنه الأصل في اليمين (3)(ولكل) المتبايعين بعد التحالف (الفسخ إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر)(4) وكذا إجارة (5) وإن رضي أحدهما بقول الآخر (6) .
(1) أي فيحلف البائع أولا، لقوة جنبته، لأن المبيع يرد إليه، ويجمع بين النفي والإثبات، النفي لما ادعي عليه، والإثبات لما ادعاه، وظاهره وجوب البداءة بحلف البائع، ثم المشتري، وإن لم يبدأ بحلف البائع، لا يكتفى بحلف المشتري.
(2)
ويقدم النفي، ويحلف وارث على البت، إن علم الثمن، وإلا على نفي العلم.
(3)
وإن قدم الإثبات عليه لم يعتد به.
(4)
ولو بلا حاكم، لأنه فسخ لاستدراك الظلامة، أشبه رد المعيب، ولا يفسخ إلا بفسخهما، لأنه عقد صحيح، فلم ينفسخ باختلافهما، وتعارضهما في الحجة.
(5)
أي فيما إذا اختلف المؤجر والمستأجر في قدر الأجرة، لأنها بيع النافع، فيحلف مؤجر: ما أجرته بكذا، وإنما أجرته بكذا، ثم يحلف مستأجر: ما استأجرته بكذا، وإنما استأجرته بكذا، ولكل منهما الفسخ بعد التحالف، إذا لم يرض أحدهما بقول الآخر.
(6)
أقر العقد، لأن من رضي صاحبه بقوله منهما حصل له ما ادعاه فلا خيار له.
أو حلف أحدهما ونكل الآخر، أقر العقد (1)(فإن كانت السلعة) التي فسخ البيع فيها بعد التحالف (تالفة رجعا إلى قيمة مثلها)(2) ويقبل قول المشتري فيها، لأنه غارم (3) وفي قدر المبيع (4) (فإن اختلفا في صفتها) أي صفة السلعة التالفة (5) بأن قال البائع: كان العبد كاتبا، وأنكره المشتري (6)(فقول مشتر) لأنه غارم (7) .
(1) أي بما حلف عليه الحالف منهما، لقضاء عثمان، ولأن النكول كإقامة البينة، على من نكل، وإن نكلا صرفهما الحاكم.
(2)
إن كانت مثلية، وإلا فإلى قيمتها، لتعذر رد العين، يقومها عدل أو اثنان، إن كان من باب الشهادة، فيأخذ مشتر الثمن إن كان قد قبض، إن لم يرض بقول بائع، وبائع القيمة، وإن تساويا، وكانا من جنس، تقاصا وتساقطا، وإلا سقط الأقل، ومثله من الأكثر.
(3)
أي يقبل قول المشتري في قيمة المبيع التالف بيمينه، نص عليه، لأنه غارم أي ملزم نفسه ما التزمه بالعقد، فيقبل قوله.
(4)
كأن قال البائع، بعتك هذين العبدين بثمن واحد، فقال: بل أحدهما أو قال البائع: هو قفيزان، وقال المشتري: هو قفيز، قبل قوله بيمينه لأنه غارم، فلو وصفها بعيب، كبرص، وخرق ثوب وغيرهما، فقول من ينفيه بيمينه.
(5)
بفعل الله أو فعل آدمي.
(6)
ولا بينة لهما، أو لهما بينة وتعارضتا.
(7)
لاتفاقهما على وجوب الثمن، واختلافهما في التعيين وكذا كل غارم
يقبل قوله بيميه، في قيمة ما يغرمه، لأن الأصل براءة ذمته، وقدره، وصفته كمشتر، وإن مات المتعاقدان، أو أحدهما، فورثتهما بمنزلتهما.
وإذا تحالفا في الإجارة، وفسخت بعد فراغ المدة، فأجرة المثل (1) وفي أثنائها بالقسط (2)(وإذا فسخ العقد) بعد التحالف (انفسخ ظاهرا وباطنا) في حق كل منهما، كالرد بالعيب (3) (وإن اختلفا في أجل) بأن يقول المشتري: اشتريته بكذا مؤجلا، وأنكره البائع (4)(أو) اختلفا في (شرط) صحيح أو فاسد، كرهن، أو ضمين، أو قدرهما (5) .
(1) أي أجرة مثل العين المؤجرة مدة الإجارة.
(2)
أي من أجرة المثل، لأنه بدل ما تلف من المنفعة.
(3)
فإن المبيع إذا وجد به العيب، ثم فسخ المشتري، انفسخ العقد ظاهرا وباطنا، فيجري فيما هنا كالرد بالعيب، وقوله «ظاهرا» يعني في ظاهر الحكم «وباطنا» في باطن الأمر، فلو تبين لأحدهما بعد الفسخ صدق صاحبه، لم يلزمه إعلامه، ولا استحلاله، وظاهر عباراتهم: له ذلك، قال في الإقناع: ولو مع ظلم أحدهما، وفي الشرح: وإن فسخ الكاذب، لم ينفسخ بالنسبة إليه باطنا لأنه لا يحل له الفسخ، واختار الموفق، الانفساخ باطنا لا يكون في حق الظالم، بل يلزمه السعي في التحلل من المظلوم، والخروج من مظلمته، لقوله:«إنكم تختصمون إلي» إلخ.
(4)
فقول من ينفيه بيمينه، لأن الأصل عدمه، وإن اختلفا في قدر الأجل فقول منكر الزائد، سوى أجل في سلم.
(5)
أي قدر الرهن، أو المضمون، وكما لو شرط أن لا يخسر ونحو ذلك، إذا ادعى أحدهما اشتراط ذلك وأنكر الآخر.
(فقول من ينفيه) بيمينه، لأن الأصل عدمه (1)(وإن اختلفا في عين المبيع) كبعتني هذا العبد، قال: بل هذه الجارية (تحالفا (2) وبطل) أي فسخ (البيع)(3) كما لو اختلفا في الثمن (4) وعنه: القول قول بائع بيمينه: لأنه كالغارم (5) وهي المذهب، وجزم بها في الإقناع، والمنتهى وغيرهما (6) وكذا لو اختلفا في قدر المبيع (7) .
(1) أي عدم الأجل أو الشرط، ثم الزائد الذي يدعى، الأصل عدمه، ولأنه كالغارم، ويتجه: ما لم يكذبه الحس.
(2)
فيحلف مشتر ثم بائع.
(3)
لأن أصل العقد صحيح، وبعد التحالف يفسخ البيع، إذا لم يكن لأحدهما بينة.
(4)
على ما تقدم من: أنهما يتحالفان، ويبطل البيع، واختاره القاضي، وقال الشارح، هو أقيس وأولى.
(5)
لاتفاقهما على وجوب الثمن، واختلافهما في التعيين.
(6)
وقدمه في الفروع، وجزم به في المقنع وغيره، وهو الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
(7)
وصفة ذلك قول بائع: بعتك قفيزين، فيقول مشتر: بل ثلاثة، فالقول قول البائع، لأنه منكر للزيادة، وهذا الصحيح من المذهب، وجزم به أكثر الأصحاب، وتقدم حديث «إذا اختلف المتبايعان، وليس بينهما بينة، فالقول ما قال البائع» .
وإن سميا نقدا، واختلفا في صفته، أخذ نقد البلد (1) ثم غالبه رواجا (2) ثم الوسط إن استوت (3) (وإن أبي كل منهما تسليم ما بيده) من المبيع والثمن (حتى يقبض العوض) (4) بأن قال البائع: لا أسلم المبيع حتى أقبض الثمن (5) وقال المشتري: لا أسلم الثمن حتى أستلم المبيع (6)(والثمن عين) أي معين (7) .
(1) ولا يقبل قول مدعي صفة غيره، لأنه كالشاهد، وكذا لو اختلفا في جنس النقد، إذا لم يكن في البلد إلا نقد واحد، وادعاه أحدهما، قضي له به، عملا بالقرينة، ولم يقيد بذلك لوضوحه.
(2)
أي نفاقا، لأن الظاهر وقوع العقد به لغلبته.
(3)
أي النقود رواجا، تسوية بين حقيهما، ودفعا للميل على أحدهما، لأن العدول عنه ميل على أحدهما، وعلى مدعي نقد البلد -أو غالبه رواجا أو الوسط- اليمين، لاحتمال ما قال خصمه.
(4)
أي المبيع يقبضه المشتري، والثمن يقبضه البائع وتشاحا.
(5)
خشية أن يذهب بالمبيع، ولا يتمكن من قبض الثمن.
(6)
خشية أن يذهب البائع بالمبيع، ولا يتمكن مشتر من قبضه.
(7)
في العقد، من نقد، أو عرض ليس المراد أنه عين ذهب، أو فضة، بل سواء كل منهما أو من غيرهما، كهذه العشرة الدراهم مثلا، أو هذا الثوب، فإنه قد تعلق حق المشتري بالعين، وهي الفرس مثلا، وتعلق حق البائع بعين الثمن، الذي هو العشرة أو الثوب.
(نصب عدل) أي نصبه الحاكم (1)(يقبض منهما) المبيع والثمن (2)(ويسلم المبيع) للمشتري (3)(ثم الثمن) للبائع لجريان عادة الناس بذلك (4)(وإن كان) الثمن (دينا حالا (5) أجبر بائع) على تسليم المبيع، لتعلق حق المشتري بعينه (6)(ثم) أجبر (مشتر إن كان الثمن في المجلس) لوجوب دفعه عليه فورا، لتمكنه منه (7) .
(1) ليقطع النزاع بين البائع والمشتري حيث تشاحا.
(2)
أي يقبض المبيع من البائع، والثمن المعين من المشتري.
(3)
أي يسلم العدل المبيع للمشتري أولا.
(4)
أي قديما وحديثا، بتسليم المبيع للمشتري ثم الثمن للبائع، ولأنهما استويا في تعلق حقهما بعين الثمن والمثمن، وظاهره اللزوم، قال ابن القيم: للبائع حبس سلعته على ثمنها، لأنه عقد يقتضي استواءهما في التسلم والتسليم، ففي إجبار البائع على التسليم قبل حضور الثمن، وتمكينه من قبضه، إضرار به اهـ. ومن امتنع منهما من تسليم ما عليه، مع إمكانه حتى تلف، ضمنه كغاصب، وأيهما بدأ بالتسليم أجبر الآخر.
(5)
أي غير معين، فنص أحمد على أنه لا يحبس المبيع على قبض ثمنه.
(6)
أي عين المبيع، وحق البائع إنما تعلق بالذمة، فوجب تقديم ما تعلق بالعين، كحق المرتهن، على سائر الغرماء.
(7)
ولأنه غني، ومطله ظلم، وعنه: يجبر مشتر على تسليم الثمن، وهو مذهب مالك، وأبي حنيفة، واختار الشيخ: أن للبائع الفسخ إذا كان المشتري مماطلا، وصوبه في الإنصاف، والفسخ هنا على التراخي كالعيب، لكونه لدفع ضرر متحقق.
(وإن كان) دينا (غائبا في البلد)(1) أو فيما دون مسافة القصر (2)(حجر عليه) أي على المشتري (في المبيع وبقية ماله حتى يحضره)(3) خوفا من أن يتصرف في ماله تصرفا يضر بالبائع (4)(وإن كان) المال (غائبا بعيدا) مسافة القصر (5) أو غيبة بمسافة القصر (عنها) أي عن البلد (6)(والمشتري معسر) يعني أو ظهر أن المشتري معسر (فلبائع الفسخ)(7) .
(1) حجر على المشتري في المبيع حتى يحضر الثمن.
(2)
أي أو كان الثمن غائبا فيما دون مسافة القصر عن البلد، وهو ما دون مسيرة يومين، لأنه في حكم البلد.
(3)
أي يحضر الثمن كله، ويسلمه للبائع.
(4)
لأنه لا ينفذ تصرفه فيه، فلذلك قلنا، للبائع حبس المبيع على ثمنه، لما تقدم من أنه عقد يقتضي التسلم والتسليم، وإن أحضر بعض الثمن، لم يملك أخذ ما يقابله إن نقص الباقي بالتشقيص، وقلنا: للبائع حبس المبيع على ثمنه، وإلا فله أخذ الجميع.
(5)
أي عن البلد فلبائع الفسخ، وكذا لو كان بعض المال غائبا عنها مسافة القصر فأكثر، فلبائع الفسخ.
(6)
أي فله الفسخ، وكذا لو غيب بعض المال، عنها مسافة القصر فأكثر، فلبائع الفسخ.
(7)
في الحال، لأن في تأخيره ضررا عليه، وظاهر المتن: أنها جملة حالية
فلذا صرفها الشارح، وجعل الواو بمعنى «أو» لأنه المراد عند الأصحاب، أي لا يقدر على وفائه، وسواء كان معسرا به كله أو ببعضه، وصوبه في الإنصاف، وفي الإغاثة: الصحيح أن البائع يملك حبس السلعة على الثمن، حتى يقبضه، وعليه: فلو دفعه إلا درهما، فله حبسه كله عليه، وكذا لو ظهر أنه مماطل اختاره الشيخ وغيره، وهو على التراخي، كعيب، ولا يلزمه إنظاره، وكل موضع قيل: له الفسخ؛ فإنه يفسخ بغير حكم حاكم، ولعله لا نزاع فيه، وكل موضع قيل: يحجر عليه، فلذلك إلى الحاكم.
لتعذر الثمن عليه (1) كما لو كان المشتري مفلسا (2) وكذا مؤجر بنقد حال (3)(ويثبت الخيار للخلف في الصفة)(4) إذا باعه شيئا موصوفا (5) .
(1) أي على البائع مع الإعسار أو المطل، أو بعد المال عن البلد، ونحو ذلك.
(2)
وباعه جاهلا بالحجر عليه، له الفسخ، والرجوع بعين ماله، كما يأتي في الحجر.
(3)
أي وكبائع فيما ذكر مؤجر بنقد حال، إذا آجر زيد داره من عمرو، وكانت الأجرة دينا حالا غير مؤجل، وأبى تمكينه من الدار حتى يسلم له الأجرة، فإن كان مؤجلا لم يطالب به حتى يحل.
(4)
وهو الثامن من أقسام الخيار المعلومة بالاستقراء، ويتضمن أربع صور إما أن يتفقا على اشتراط صفة وتخلفت أو يدعي المشتري اشتراط صفة، ويخالفه البائع، أو بشرط عدم تلك الصفة، أو بشرط غيرها.
(5)
معينا كان أو في الذمة كما تقدم.
(ولتغير ما تقدت رؤيته) العقد (1) وبذلك تمت أقسام الخيار
ثمانية (2) .
(1) وتقدم أنه يثبت الخيار به باتفاق الأئمة.
(2)
قيل ويتجه، أن يزاد: التاسع خيار يثبت لفقد شرط صحيح، أو فاسد على ما مر، والعاشر: لفوات غرض من ظن دخول ما لم يدخل في شراء، أو عدمه في بيع، والحادي عشر، لظهور عسر مشتر ولو ببعض الثمن، هرب أولا، حجر عليه لفلس، أو غيب ماله ببعيد.
فصل
في التصرف في المبيع قبل قبضه، وما يحصل به قبضه (1) .
(ومن اشترى مكيلا ونحوه) وهو الموزون، والمعدود والمذروع (صح) البيع (2)(ولزم بالعقد) حيث لا خيار (3)(ولم يصح تصرفه فيه) ببيع أو هبة أو إجارة (4) أو رهن، أو حوالة (حتى يقبضه)(5) .
(1) أي قبض المبيع من عد أو ذرع ونحو ذلك، وحكم الإقالة، وغير ذلك.
(2)
ولو كان قفيزا من صبرة، أو رطلا من زبرة حديد ونحوه، ومكيل، أصله: مكيول معتل العين، كمبيع أصله مبيوع، والمكيل والموزون: محله باب الربا، لأن الكيل والوزن من جملة علل الربا.
(3)
أي لزم المبيع لتمام شروطه، وملك بالعقد إجماعا، حيث لا خيار لهما، أو لأحدهما، إلى أمد، ولا خيار مجلس، كباقي المبيعات، وسواء احتاج لحق توفية أو لا، إلا ما يوجب الرد بنحو عيب.
(4)
أي ولم يصح تصرف المشتري فيما اشتراه بكيل، أو وزن، أو عد، أو ذرع، ببيع، أو هبة ولو بلا عوض، أو إجارة حتى يقبضه لما يأتي.
(5)
أي ولم يصح تصرف المشتري برهن، ولو بعد قبض ثمنه، أو حوالة عليه، أو به، قبل قبضه صورة لا حقيقة، وإلا فشرط الحوالة كما يأتي أن تكون في ذمة على ما في ذمة، وقيل معنى الحوالة عليه هنا، توكيل الغريم في قبضه لنفسه، نظير ماله، لأنه ليس في الذمة، وكذا الثمن إذا وقع بإحدى الصور الأربع، الكيل والوزن
والعد والذرع، قال الوزير وغيره: اتفقوا على أن الطعام إذا اشترى مكايلة أو موازنة أو معادة، فلا يجوز لمن اشتراه أن يبيعه من آخر، أو يعاوض به، حتى يقبضه الأول، فإن القبض شرط في صحة هذا البيع.
لقوله عليه السلام «من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه»
متفق عليه (1) ويصح عتقه (2) وجعله مهرا، وعوض خلع (3) ووصية به (4) .
(1) وفي لفظ «حتى يقبضه» وحكاه الشيخ إجماعا، ولمسلم «حتى يكتاله» أي حتى يأخذه بالكيل، قال ابن عباس: ولا أحسب غيره إلا مثله، ولأحمد «إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه» ولأبي داود «نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم» قال الشيخ: وابن القيم وغيرهما: علة النهي عن البيع قبل القبض، عجز المشتري عن تسلمه، لأن البائع قد يسلمه، وقد لا يسلمه، لا سيما إذا رأى المشتري قد ربح، فإنه يسعى في رد البيع إما بجحد أو احتيال في الفسخ، وتأكد بالنهي عن ربح ما لم يضمن.
(2)
أي عتق المبيع قبل قبضه، لقوة سرايته، كما لو اشترى عبيدا على أنهم عشرة فأعتقهم قبل عدهم، صح العتق قولا واحدا، قال الشيخ: يملك المشتري المبيع بالعقد، ويصح عتقه قبل قبضه إجماعا فيهما.
(3)
أي ويصح جعل المبيع مهرا قبل قبضه، ويصح جعله عوض خلع، لاغتفار الغرر اليسير فيهما، فخرج عن حكم البيع إذ البيع لا تغتفر فيه الجهالة اليسيرة.
(4)
أي قبل قبضه، لأنها ملحقة بالإرث، وتصح بالمعدوم، وكذا كل ما ملك بعقد سوى البيع، قال الشيخ: ومن اشترى شيئا، لم يبعه قبل قبضه، سواء المكيل والموزون وغيرهما، وسواء كان المبيع من ضمان المشتري أولا، وعلى ذلك تدل
أصول أحمد، ويجوز التصرف فيه بغير البيع، ويجوز بيعه لبائعه، والشركة فيه، وكل ما ملك بعقد سوى البيع فإنه يجوز التصرف فيه قبل قبضه، بالبيع وغيره، لعدم قصد الربح، وإذا تعين ملك إنسان في موروث، أو وصية أو غنيمة لم يعتبر لصحة تصرفه قبضه، بلا خلاف.
وإن اشترى المكيل ونحوه جزافا، صح التصرف فيه قبل قبضه (1) لقول ابن عمر رضي الله عنه: مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا، فهو من مال المشتري (2)(وإن تلف) المبيع بكيل ونحوه (3) .
(1) لأن التعيين كالقبض، هذا المذهب عنه بعض الأصحاب.
(2)
أي فدل على جواز التصرف في الصبرة قبل القبض، وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن: الدليل لا يطابق المدعى، لعدم تلازم الضمان، وجواز التصرف، بدليل ما في الصحيحين: كانوا يتبايعون الطعام جزافا بأعلى السوق، فنهاهم صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه، وقوله «من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه» اهـ.
وتواتر النهي عن بيع مطلق الطعام حتى يقبضه، من غير فرق بين الجزاف وغيره، وهو رواية عن الإمام أحمد، ومذهب الجمهور وجاء الأمر أيضا بنقله، وقال الشيخ: يمتنع التصرف في صبرة الطعام المشتراة جزافا، واختاره الخرقي، وهذه طريقة الأكثرين، وذكر أنه يفضي إلى إنكار البائع البيع، واختاره ابن القيم وغيره، وثبتت السنة «حتى ينقل» .
(3)
كالموزون، والمعدود، والمذروع قبل قبضه، فمن ضمان البائع.
أو بعضه (قبل) قبضه (فمن ضمان البائع)(1) وكذا لو تعيب قبل قبضه (2)(وإن تلف) المبيع المذكور (بآفة سماوية)(3) لا صنع لآدمي فيها (بطل) أي انفسخ (البيع)(4) وإن بقي البعض، خير المشتري، في أخذه بقسطه من الثمن (5)(وإن أتلفه) أي المبيع بكيل أو نحوه (آدمي) سواء كان هو البائع أو أجنبيا (6) .
(1) أي أوتلف بعض المبيع بكيل ونحوه قبل قبضه فمن ضمان بائع، وأما نماؤه فللمشتري فإنه ملكه.
(2)
أي قبل قبض المشتري للمبيع بكيل ونحوه، فمن ضمان البائع، وينتقل الضمان إلى المشتري بتمكنه من القبض.
(3)
أي عاهة كبرد ونحوه.
(4)
أي فيما تلف بآفة سماوية، سواء كان التالف البعض أو الكل، لأنه من ضمان بائعه، وفسر الشارح البطلان بالفسخ، لأن البطلان لا يكون إلا فيما إذا اختل شيء من أركانه أو شروطه، وهنا ليس كذلك.
(5)
أي قسط ما بقي من المبيع، وكذا لو تعيب عند البائع، أو رده، لتفريق الصفقة عليه.
(6)
أي سواء كان المتلف للمبيع -بكيل ونحوه- البائع، أو أجنبيا غير البائع وغير المشتري.
(خير مشتر بين فسخ) البيع، ويرجع على بائع بما أخذ من ثمنه (1)(و) بين (إمضاء، ومطالبة متلفه ببدله) أي بمثله إن كان مثليا (2) أو قيمته إن كان متقوما (3) وإن تلف بفعل مشتر، فلا خيار له، لأن إتلافه كقبضه (4) و (ما عداه) أي عدا ما اشتري بكيل، أو وزن، أو عد، أو ذرع كالعبد والدار (5) .
(1) أي الذي دفعه للبائع، لأنه مضمون عليه إلى قبضه، وكالخيار في المبيع المعيب، وللبائع مطالبة متلفه ببدله، لأنه لما فسخ المشتري عاد الملك للبائع، فكان له الطلب على المتلف.
(2)
أي وخير مشتر بين إمضاء للبيع ومطالبة متلف المبيع بمثله، إن كان المبيع المتلف مثليا كالمكيل والموزون.
(3)
أي على متلف، وهو ما لم يصدق عليه حد المثلي، كالجواهر لأن الإتلاف كالعيب، وعند طائفة: الضمان بالمثل، اختاره الشيخ وابن القيم، لقصة القصعة، وعلم منه أن العقد لا ينفسخ بتلفه بفعل آدمي، بخلاف تلفه بفعل الله تعالى، لأنه لا مقتضي للضمان، سوى حكم العقد، بخلاف إتلاف الآدمي فإنه يقتضي الضمان بالبدل إن أمضى العقد، وحكم العقد يقضتي الضمان بالثمن إن فسخ، فكانت الخيرة للمشتري بينهما، والتالف قبل قبضه بآفة مما ذكر، من ضمان بائع.
(4)
ولو كان الإتلاف غير عمد، وكذا إتلاف متهب بإذن واهب كقبضه ويسعر الثمن على المشتري إذا أتلف المبيع ونحوه فينقده للبائع إن لم يكن دفعه وإن كان دفعه فلا رجوع له به.
(5)
أي العبد المعين، والدار المعينة والأرض، والثوب لم يذكر ذرعهما #
والصبرة المعينة، وكنصف ذلك ونحوه، لأن التعيين كالقبض، وكمكيل ونحوه بيع جزافا.
(يجوز تصرف المشتري فيه قبل قبضه)(1) لقول ابن عمر: كنا نبيع الإبل بالبقيع (2) بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير، وبالعكس (3) فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«لا بأس أن تؤخذ بسعر يومها، ما لم يتفرقا، وبينهما شيء» رواه الخمسة (4) .
(1) أي ببيع، وإجارة، ورهن، وعتق، وغير ذلك، سواء تمكن من قبضه أولا، وعنه: لا يجوز: وهو قول أكثر العلماء، ومذهب أبي حنيفة والشافعي، لا يرون بيع شيء قبل قبضه، واختاره الشيخ وغيره.
(2)
وللبيهقي: في بقيع الغرقد، ولم يكن إذا ذاك فيه قبور والآن هو معروف بالمقبرة شرقي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(3)
أي نبيع بالدنانير، ونأخذ الدراهم وفي لفظ: أبيع بالدنانير، وآخذ مكانها الورق، وأبيع بالورق، وآخذ مكانها الدنانير.
(4)
وصححه الحاكم، والحديث استدلوا به على جواز تصرف المشتري في المبيع قبل قبضه، وقالوا: إن قيل مقتضى الحديث صحة التصرف فيما يحتاج لحق توفية قبل قبضه، قيل: إنها في الذمة فليست كمبيع، بل هي من قبيل بيع الدين لمن هو عليه، بالدين لمن هو عليه، وهو صحيح بشرطه، والحديث دليل على جواز قضاء الذهب عن الفضة وبالعكس، وأن جواز الاستبدال مقيد بالتقابض في المجلس، وتقدم النهي عن التصرف في المبيع قبل قبضه، وهو مذهب الجمهور.
إلا المبيع بصفة، أو رؤية متقدمة (1) فلا يصح التصرف فيه قبل قبضه (2)(وإن تلف ما عدا المبيع بكيل ونحوه فمن ضمانه) أي ضمان المشتري (3) لقوله عليه السلام «الخراج بالضمان» (4) وهذا المبيع للمشتري، فضمانه عليه (5) وهذا (ما لم يمنعه بائع من قبضه)(6) .
(1) ولو كان غير مكيل، أو موزون، أو معدود، أو مذروع.
(2)
أي قبض مشتر، لأنه تعلق به حق توفية، فأشبه المبيع بكيل أو نحوه، وظاهره: ولو بعتق، أو جعله مهرا ونحوه، ولعله غير مراد، بل المراد التصرف السابق.
(3)
ظاهره: تمكن من قبضه أولا، وقال الشيخ: لا يكون من ضمانه إلا إذا تمكن من قبضه، وقال: ظاهر المذهب الفرق بين ما تمكن من قبضه وغيره، ليس الفرق بين المقبوض وغيره.
(4)
أي خراج المبيع -وهو غلته وفائدته- لمن هو في ضمانه، وضمان المبيع بعد القبض على المشتري، فكان له خراجه، فالباء متعلقة بمحذوف تقديره: مستحق بالضمان، أي بسببه، فما يحصل من غلة العين -المبتاعة- للمشتري، ولا شيء عليه لما انتفع به، لضمان أصله، والحديث رواه الخمسة، وصححه الترمذي.
(5)
أي المبيع ملك للمشتري، له دخله وغلته، وهو ضامن لرقبته، إن تلف في يده صار من ضمانه، ولم يكن له رده على البائع.
(6)
أي وهذا الحكم -في أن ضمان المبيع على المشتري- ما لم يمنع المشتري بائع من قبض المبيع، ولو لقبض ثمنه.
فإن منعه حتى تلف، ضمنه ضمان غصب (1) والثمر على الشجر، والمبيع بصفة، أو رؤية سابقة، من ضمان بائع (2) ومن تعين ملكه في موروث، أو وصية أو غنيمة فله التصرف فيه قبل قبضه (3) و (يحصل قبض ما بيع بكيل) بالكيل (أو) بيع بـ (وزن) بالوزن (4)(أو) بيع بـ (عد) بالعد (أو) بيع بـ (ذرع بذلك) الذرع (5) .
(1) وهو أن يسلم المبيع للمشتري، بنمائه المتصل، والمنفصل، لا ضمان عقد.
(2)
أي والثمر على الشجر قبل جذاذه من ضمان بائع، حتى يجذه مشتر، والمبيع بصفة -معينا أو في الذمة -أو رؤية متقدمة- بزمن لا يتغير المبيع فيه عرفا- من ضمان بائع، لأنه يتعلق به حق توفية، وما لا يدخل في ضمان مشتر أربعة أنواع، ما اشتراه بكيل ونحوه، أو بصفة أو رؤية متقدمة، وما منعه بائع قبضه، والثمر على الشجر، والحب المشتد، ويصح تصرفه في النوعين الآخرين، فبين ما يدخل في ضمانه، وما لا يصح تصرفه فيه، عموم وخصوص فكل ما لا يصح تصرفه فيه، لا يدخل في ضمانه، وليس كل ما لا يدخل في ضمانه لا يصح تصرفه فيه.
(3)
بلا خلاف، لعدم ضمانه بعقد معاوضة، فملكه عليه تام، لا يتوهم غرر الفسخ فيه، كمبيع مقبوض، ووديعة، ومال شركة، وعارية، فلم يعتبر لصحة تصرفه فيه قبضه.
(4)
للخبر الآتي، والمرجع في كيفية الاكتيال إلى عرف الناس في أسواقهم من زلزلة كيل، أو عدمها، ونحو ذلك.
(5)
ويصح قبض مبيع متعين، بغير رضا بائع
لحديث عثمان يرفعه «إذا بعت فكل، وإذا ابتعت فاكتل» رواه الإمام (1) وشرطه حضور مستحق، أو نائبه (2) ويصح استنابة من عليه الحق للمستحق (3) ومؤونة كيال، ووزان، وعداد، ونحوه على باذل (4) .
(1) أي أحمد بن حنبل رحمه الله، ورواه البخاري تعليقا، وروى الأثرم «إذا سميت الكيل فكل» .
(2)
أي وشرط صحة القبض حضور مستحق المبيع: -أو حضور نائبه- كيله، أو وزنه أو عده، أو ذرعه للخبر، فإذا ادعى بعد ذلك نقصان ما اكتاله أو اتزنه، أو عده، أو ذرعه، لم يقبل، أو ادعيا أو أحدهما أنهما غلطا فيه، أو ادعى البائع زيادة، لم يقبل قولها، لأن الظاهر خلافه.
(3)
فلو قال: اكتل من هذه الصبرة قدر حقك، ففعل صح، لقيام الوكيل مقام موكله، ومتى وجده زائدا أعلمه به، وإن قبضه ثقة بقول باذل أنه قدر حقه، ولم يحضر كيله أو وزنه، قبل قوله في قدر نقصه، وإن صدقه في قدره، بريء من عهدته، ولو دفع إليه الوعاء فقال: كله، فقيل: يصير مقبوضا.
(4)
أي وأجرة كيال لمكيل، ووزان لموزون، وعداد لمعدود، ونقاد لمنقود، وتصفية ما يحتاج لتصفيته، ونحو ذلك، على باذل، بائع أو غيره، لأنه تعلق به حتى توفية، ولا تحصل إلا بذلك، أشبه السقي على بائع الثمرة، ولعموم (إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أووزنوهم يخسرون) وأجرة النقل لمنقول تكون على قابض، وأجرة الدلال على بائع، وهو العرف المطرد، إلا مع شرط.
ولا يضمن ناقد حاذق أمين خطأ (1)(و) يحصل القبض (في صبرة (2) وما ينقل) كثياب وحيوان (بنقله (3) و) يحصل القبض في (ما يتناول) كالجواهر والأثمان (بتناوله)(4) إذ العرف فيه ذلك (5)(وغيره) أي غير ما ذكر، كالعقار، والثمرة على الشجر، قبضه (بتخليته) بلا حائل (6) .
(1) سواء كان متبرعا، أو بأجرة، إذا لم يقصر، لأنه أمين، فإن لم يكن حاذقا، أو كان غير ذي أمانة وعدالة، فهو ضامن، لتغريره، كما لو تعمد، ولا فرق بين كونه بأجرة أولا.
(2)
بنقلها لخبر: كنا نشتري الطعام جزافا فنهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن نبيعه، حتى ننقله.
(3)
وكأحجار، وطواحين، وعبارة المبدع وغيره: إن كان حيوانا، فقبضه تمشيته من مكانه.
(4)
أي باليد، وكذا كتب ونحو ذلك.
(5)
أي فيكون قبضا شرعيا، يعطي أحكام القبض في نحو المكيل، وقال بعض أهل العلم: الرجوع إلى العرف أحد القواعد الخمس، التي بني عليها الفقه.
(6)
أي مانع من قبضه والتخلية ليست شرطا، وإنما ذلك تعريف لقبض نحو العقار، وهو الضيعة، والبناء، والأرض، والغراس، أن يخلي بينه وبين المشتري، والثمر على الشجر، قبضه أن يخلي بينه وبين مشتريه، يتصرف فيه تصرف المالك.
بأن يفتح له باب الدار (1) أو يسلمه مفتاحها ونحوه (2) وإن كان فيها متاع للبائع، قاله الزركشي (3) ويعتبر لجواز قبض مشاع ينقل إذن شريكه (4)(والإقالة) مستحبة (5) لما روى ابن ماجه عن أبي هريرة مرفوعا «من أقال مسلما أقال الله عثرته يوم القيامة» (6) .
(1) أو باب العقار إن كان محاطا، وإلا فيخلي بينه وبين التصرف فيه.
(2)
كأن يسلمه مقود الدابة أو يرسلها معه، وإسلام المفتاح ليفتح به، وإن شاء أرجعه إليه أو تركه، وكل ما عده الناس قبضا صح، لأن القبض مطلق في الشرع، فيرجع فيه إلى العرف.
(3)
أي يحصل قبضها بتسليم مفتاحها ونحوه، وإن كان فيها متاع للبائع عملا بالعرف.
(4)
أي في قبضه لأن قبضه نقله، ونقله لا يتأتى إلا بنقل حصة شريكه، فيسلم البائع الكل فإن أبى المشتري التوكيل وأبي الشريك التوكل، نصب الحاكم أمينا يقبض، ويصير نصيب الشريك أمانة في يد القابض، وإن سلمه بلا إذن فغاصب وعلم منه: أن قبض مشاع لا ينقل، لا يعتبر له إذن شريك، لأن قبضه تخليته، وليس فيها تصرف.
(5)
أي لأحد المتعاقدين عند ندم الآخر، إما لظهور الغبن، أو زوال الرجاحة، أو لانعدام الثمن، أو غير ذلك، وأجمعوا على مشروعيتها.
(6)
ورواه أبو داود بدون لفظ القيامة، أي: غفر زلته وخطيئته، لإحسانه إلى صاحبه، وفي فضل الإقالة أحاديث أخر.
وهي (فسخ) لأنها عبارة عن الرفع والإزالة (1) يقال: أقال الله عثرتك. أي أزالها (2) فكانت فسخا للبيع لا بيعا (3) فـ (تجوز قبل قبض المبيع)(4) ولو نحو مكيل (5) ولا تجوز إلا (بمثل الثمن) الأول، قدرا ونوعا (6) لأن العقد إذا ارتفع رجع كل منهما بما كان له (7) وتجوز بعد نداء الجمعة (8) .
(1) والفسخ: رفع العقد من حين الفسخ، لا من أصله، سواء وقع بإقالة أو خيار شرط، أو عيب، فما حصل من كسب، أو نماء منفصل فلمشتر، لخبر «الخراج بالضمان» .
(2)
وفي القاموس: قلته البيع بالكسر، وأقلته، فسخته، واستقالة طلب إليه أن يقيله، وتقايل البيعان، وأقال الله عثرتك، وأقالكها.
(3)
أي فسخا لعقد البيع، وليست بيعا، لما تقدم فيعتبر لها شروط البيع، ولجوازها في السلم، مع إجماعهم على المنع من بيعه قبل قبضه، فلو كانت بيعا لم يجيزوها فيه.
(4)
من مسلم وغيره، كمبيع في ذمة، أو بصفة، أو رؤية متقدمة، لأنها فسخ، والفسخ لا يعتبر فيه القبض.
(5)
أي ولو كان المبيع المفسوخ بالإقالة نحو مكيل، كموزون ومعدود، ومذروع، قبل قبضه بكيل، أووزن، أو عد، أو ذرع، لأنها فسخ.
(6)
كما سيأتي فلو قال مشتر لبائع، أقلني، ولك كذا ففعل فقد كرهه أحمد، لشبهه بمسائل العينة.
(7)
فلم تجز الزيادة ولا النقص، ولا بغير الجنس.
(8)
كسائر الفسوخ، والمراد النداء الثاني، ممن تلزمه الجمعة كما تقدم.
ولا يلزم إعادة كيل أو وزن (1) وتصح من مضارب وشريك (2) وبلفظ صلح، وبيع، ومعاطاة (3) ولا يحنث بها من حلف لا يبيع (4)(ولا خيار فيها) أي لا يثبت في الإقالة خيار مجلس (5) ولا خيار شرط، ونحوه (6)(ولا شفعة) فيها لأنها ليست بيعا (7) .
(1) أو عد، أو ذرع، لأن الإقالة رفع للعقد، فلم يحتج لإعادة الكيل ونحوه.
(2)
ولو فيما اشتراه شريكه، بشرط أن يكون فيها مصلحة، ولو بلا إذن رب مال، أو شريك، لا وكيل في شراء، لأنه لا يملك الفسخ بغير إذن موكله.
(3)
لأن القصد المعنى، فيكتفى بما أداه كالبيع.
(4)
أي لا يحنث بالإقالة من حلف لا يبيع، ولا يبر بها من حلف ليبيعن، لأنها فسخ، وليست بيعا.
(5)
لأنها فسخ، والفسخ لا يفسخ، ولأن المحتال يتعين عليه القبول بالشرع، فليس عقدا اختياريا، بل أمر يصدر من المدين للدائن، والشرع يلزمه بقبوله وثبوت خيار المجلس يبطله، فيكون إبطالا للحوالة، وفي الحديث:«إذا اتبع أحدكم على مليء فليتبع» .
(6)
كخيار عيب أو تدليس، أو لفقد شرط ونحو ذلك، وإذا وقع الفسخ بإقالة، أو خيار شرط، أو عيب، أو تدليس أو نحوه، فهو رفع للعقد من حين الفسخ، كما تقدم.
(7)
والمقتضي للشفعة هو البيع، ولم يوجد في الإقالة، وإنما هي رفع للعقد كالرد بالعيب، ولا ترد به.
ولا تصح مع تلف مثمن (1) أو موت عاقد (2) ولا بزيادة على ثمن، أو نقصه أو غير جنسه (3) ومؤونة رد مبيع تقايلاه على بائع (4) .
(1) لفوات محل الفسخ، وتصح مع تلف ثمن.
(2)
أي ولا تصح مع موت عاقد، أو غيبته، بائعا كان أو مشتريا، لعدم تأتيها.
(3)
أي ولا تصح الإقالة بزيادة على ثمن معقود به، أو مع نقصه، أو بغير جنس الثمن المعقود به، لأن مقتضى الإقالة، رد الأمر إلى ما كان عليه، ورجوع كل منهما إلى ما كان له، وتقدم أنه لو قال مشتر لبائع: أقلني ولك كذا، ففعل، فقد كرهه أحمد، لشبهه بمسائل العينة، لأن السلعة ترجع إلى صاحبها، ويبقى له على المشتري فضل دراهم، وإن طلب أحدهما الإقالة، وأبى الآخر، فاستأنفا بيعا، جاز بما ذكر.
(4)
لرضاه ببقاء المبيع أمانة بيد مشتر، بعد التقايل، فلا يلزمه مؤونة رده كوديعة، بخلاف مؤونة رد المبيع بعيب، فعلى المشتري.
باب الربا والصرف (1)
الربا مقصور (2) وهو لغة: الزيادة (3) لقوله تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} أي علت (4) وشرعا: زيادة في شيء مخصوص (5) والإجماع على تحريمه (6) .
(1) أي هذا باب يذكر فيه أحكام الربا والصرف، والحيل، وما يتعلق بذلك، وقد اعتنى الشارع بالنهي عن البيوعات الفاسدة، الربا وغيره، لأنه يحتاج لبيانها لكونها على خلاف الأصل، لا الصحيحة اكتفاء بالعمل فيها بالأصل، وباب الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم، حتى ود عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم عهد إلينا فيما فيه شائبة الربا، عهدا ننتهي إليه.
(2)
يكتب بالألف والواو والياء.
(3)
يقال: ربا الشيء يربو، زاد وعلا.
(4)
وارتفعت وقال: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} أي أكثر عددا {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} أي ليكثر، و «أربى الرجل» إذا عامل في الربا.
(5)
وهو المكيل والموزون، إما بتفاضل في المكيلات بجنسها، والموزونات بجنسها، أو بنسإ في المكيلات بالمكيلات، ولو من غير جنسها، والموزنات بالموزونات كذلك، ما لم يكن أحدهما نقدا، ويطلق الربا على كل بيع محرم.
(6)
أي في الجملة، فلا ربا بين السيد وعبده، وقيل: ومكاتبه ونقل رواية
إباحته في دار الحرب، بل الأصل في تحريمه الكتاب والسنة، ولا ريب أنه أخذ مال من غير عوض، ومال الإنسان متعلق حاجته، وله حرمة عظيمة وحرمة ماله كحرمة دمه، فوجب أن يكون حراما.
لقوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} (1)(والصرف) بيع نقد بنقد (2) .
قيل: سمي به لصريفهما، وهو تصويتهما في الميزان (3) وقيل: لانصرافهما عن مقتضى البياعات، من عدم جواز التفرق قبل القبض ونحوه (4) .
(1) وذلك أن المشركين لما اعترضوا على أحكام الله وشرعه و {قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} أي نظيره فلم أحل هذا وحرم هذا؟ أبطل الله قولهم، وأخبر أن الذين يعاملون به {لا يَقُومُونَ} من قبورهم مما يصيبهم بسبب أكله {إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} أي كما يقوم المصروع حال صرعه، ردا على ما قالوه من الاعتراض بتفريق الله بين البيع والربا حكما، ثم قال:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا} وفي الخبر «وإن كثر فعاقبته إلى قل» ثم قال: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} .
وفي الصحيح «اجتنبوا السبع الموبقات» يعني المهلكات وذكر منها «أكل الربا» ولعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهده وغير ذلك من الأحاديث الدالة على تحريمه، حتى ذكر الشيخ أن الشهادة على العقود المحرمة، على -وجه الإعانة عليها- حرام.
(2)
سواء اتحد الجنس أو اختلف، وهو لغة النقل والرد.
(3)
وسمت العرب صرير الباب والبكرة صريفا، لتصويتهما.
(4)
كعدم الزيادة في بيع نحو: بر ببر، وفي القاموس: وصرف الحديث أن
يزاد فيه ويحسن، من الصرف في الدراهم، وهو فضل بعضه على بعض في القيمة وكذلك صرف الكلام.
والربا نوعان، ربا فضل، وربا نسيئة (1) و (يحرم ربا الفضل في) كل (مكيل) بيع بجنسه (2) مطعوما كان كالبر (3) أو غيره كالأشنان (4)(و) في كل (موزون بيع بجنسه)(5) مطعوما كان كالسكر (6) .
(1) والفضل الزيادة، والنساء التأخير، قال ابن القيم: الأول جلي، والثاني خفي، فالجلي حرم لما فيه من الضرر العظيم، والخفي حرم لأنه ذريعة إلى الجلي، فتحريم الأول قصدا، وتحريم الثاني وسيلة فتحريمه من باب سد الذرائع.
(2)
لعدم التماثل بالإجماع، للخبر الآتي وغيره، ولو كان يسيرا لا يتأتى كيله.
(3)
والشعير، والذرة والدخن والأرز، والعدس، والتمر والباقلا، ونحو ذلك من الثمار والحبوب المطعومة، فلا يباع إلا متساويا، والتساوي لا يعرف إلا بمعياره الشرعي وهو الكيل.
(4)
أي أو كان غير مطعوم كحب الأشنان، وحب القطن، ونحو ذلك من جميع المكيلات.
(5)
أي ويحرم ربا الفضل في كل موزون بيع بجنسه، لعدم التماثل بالإجماع.
(6)
والدهن، والخل، واللبن، واللحم، ونحوه.
أو لا كالكتان (1) لحديث عبادة بن الصامت مرفوعا: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلا بمثل، يدا بيد» رواه أحمد ومسلم (2) .
(1) والقطن، وكالحرير، والصوف، والحديد، والنحاس، والذهب والفضة، ونحو ذلك، وفي الاختيارات، العلة في تحريم ربا الفضل الكيل والوزن مع الطعم، وهو رواية عن أحمد، وطائفة خصت المكيلات بالقوت، وصوبه ابن القيم.
قاعدة كل شيء اجتمع فيه الكيل والوزن والطعم، من جنس واحد، ففيه الربا، ورواية واحدة، كالأرز، والدخن، والذرة، والقطنيات، والدهن، والخل، واللبن، واللحم، ونحوه، وهذا قول أكثر أهل العلم، وما انعدم فيه الكيل والوزن والطعم، أو اختلف جنسه، فلا ربا فيه، رواية واحدة، وهو قول أكثر أهل العلم، كالتبن، والنوى، والقت، والطين، إلا الأرمني، فإنه يؤكل دواء، فيكون موزونا مأكولا، فهو من القسم الأول، وما وجد فيه الطعم وحده، أو الكيل، أو الوزن، من جنس واحد، ففيه الخلاف، وقال الشارح: الأولى حله.
(2)
فدل الحديث على تحريم بيع الذهب بالذهب، بجميع أنواعه، من مضروب وغيره، والفضة بالفضة، بجميع أنواعها إلا مثلا بمثل، يدا بيد، سواء بسواء، وحكاه النووي وغيره إجماعا، والبر بالبر وهو الحنطة، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر بجميع أنواعه، والملح بالملح، مثلا بمثل في المقدار، وسواء بسواء وروي «وزنا بوزن» فلا يباع موزون بجنسه إلا وزنا، ولا مكيل بجنسه إلا كيلا اتفاقا، لعدم تحقق التماثل بغير معياره الشرعي يدا بيد، أي حالا، مقبوضا في المجلس، قبل افتراق أحدهما عن الآخر.
وحكي الوزير وغيره إجماع المسلمين على أنه لا يجوز بيع جنس منها بجنسه إلا مثلا بمثل، يدا بيد، وأنه لا يباع غائب منها بناجز، وحرم في هذا الجنس الربا من طريق الزيادة والنساء، وإذا اتفقا في العلة، واختلفا في الجنس، منع النساء، وجاز التفاضل، وإن اختلفا في العلة جاز النساء والتفاضل، واستثنى النقدان من الموزونات. لئلا ينسد باب السلم، ولإجماعهم على جواز إسلامهما في الموزونات من الحديد وغيره.
ولا ربا في ماء (1) ولا فيما لا يوزن عرفا لصناعته كفلوس (2) غير ذهب وفضة (3) .
(1) لإباحته في الأصل، وعدم تموله عادة، وضعف العلة التي هي الكيل، فلم تؤثر.
(2)
فمعمول الصفر، والنحاس، والرصاص، والفلوس -ولو كانت نافقة- لا يجري فيه الربا، لخروجه عن الكيل والوزن بالصناعة عن علة الوزن وعدم النص والإجماع، وهذا مذهب جمهور العلماء.
(3)
أي غير ما يعمل منهما، فلا يخرجهما عن أن يكون ربوبيين فالحلي لا تخرجه صنعته عن الربا، عند الأكثر، والمعتمد: ما لا يوزن لصناعته، في غير الذهب والفضة، فأما الذهب والفضة فلا يصح مطلقا، لكونهما موزوني جنس وعن أحمد: العلة فيهما الثمنية وهو قول مالك، والشافعي، قال ابن القيم: وهو الصواب، فإنه أجمعوا على جواز إسلامهما في الموزونات من النحاس، والحديد وغيرهما، وقال: التعليل بالوزن ليس فيه مناسبة، وذكر نحوا من ثلاثين دليلا على صحة التعليل بالثمنية، واحتج هو والشيخ بأن الحلي كان عند الصحابة، ولم يجئ أن بيعه بنقد ممنوع، فإنه لا بد أن يتبايعوه، والمانعون معهم أصل المنع، والأحوط المنع.
ولا في مطعوم لا يكال ولا يوزن، كبيض، وجوز (1)(ويجب فيه) أي يشترط في بيع مكيل أو موزون بجنسه مع التماثل (الحلول والقبض)(2) من الجانبين بالمجلس (3) لقوله عليه السلام فيما سبق «يدا بيد» (4)(ولا يباع مكيل بجنسه إلا كيلا)(5) فلا يباع بجنسه وزنا، ولو تمرة بتمرة (6) .
(1) وتفاح، ورمان، وبطيخ، وحيوان، فيجوز بيع بيضة، وجوزة وبطيخة بمثلها لأنه ليس مكيلا، ولا موزونا، قال حمد بن معمر، وما جرى هذا المجرى يجوز فيه التفاضل، إذا كان يدا بيد.
(2)
وهذا بإجماع المسلمين، وفي المستوعب، يشترط القبض في ثمانية من العقود، السلف، والصرف، وما يدخله الربا، والرهن، والقرض، والهبة والهدية والصدقة.
(3)
متعلق بالقبض، أي: يشترط إقباض البائع المبيع، والمشتري الثمن، بمجلس العقد.
(4)
أي فيما سبق قريبا من حديث عبادة «ولا يباع منها غائب بناجز» ولا نزاع في ذلك، تسلم يد البائع المبيع للمشتري، وتسلم يد المشتري الثمن، ويستلم كل منهما من الآخر بالمجلس، قبل افتراق أحدهما عن الآخر.
(5)
كتمر بتمر، وبر ببر، وشعير بشعير، وكذا سائر الحبوب والمائعات لأن الكيل هو معياره الشرعي.
(6)
أي وزنا، لخروجه عن جنس المشروع المأمور به.
(ولا) يباع (موزون بجنسه إلا وزنا)(1) فلا يصح كيلا (2) لقوله عليه السلام «الذهب بالذهب وزنا بوزن، والفضة بالفضة وزنا بوزن، والبر بالبر كيلا بكيل، والشعير بالشعير كيلا بكيل» رواه الأثرم، من حديث عبادة بن الصامت (3) ولأن ما خولف معياره الشرعي، لا يتحقق فيه التماثل (4) .
(1) كذهب بذهب، وفضة بفضة، ونحاس بنحاس، وحديد بحديد، ونحو ذلك مما أصله الوزن.
(2)
لاعتبار الشارع المساواة في الموزونات بالوزن، وفي المكيلات بالكيل، فمن خالف ذلك خرج عن جنس المشروع المأمور به، إذ المساواة المعتبرة فيما يحرم فيه التفاضل، هي المساواة في معياره الشرعي.
(3)
فأما الذهب بالذهب والفضة بالفضة، وزنا بوزن، فهو في صحيح مسلم وغيره، وأما البر ونحوه فجاء مدا بمد، أي مكيالا بمكيال، مثلا بمثل، سواء بسواء، ولأبي داود «مدين بمدين» وحكى الوزير وغيره الاتفاق على أنه لا يباع موزون بجنسه إلا وزنا، ولا مكيل بجنسه إلا كيلا، لعدم تحقق التماثل بغير معياره الشرعي، وأما ما لا يتهيأ فيه الكيل، كالتمور التي تغشاها المياه فالوزن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما ثبت عنده كيل التمر بالمدينة، جعل الكيل معيارا له، فيستفاد منه تأصيل المماثلة، وفي الاختيارات: وما لا يختلف فيه الكيل والوزن -مثل الأدهان- يجوز بيع بعضه ببعض كيلا ووزنا.
(4)
أي فلا يجوز إلا بمعياره الشرعي وهو الكيل في المكيل، والوزن في الموزون، ولا عبرة بالمساواة في القيمة، مع اختلاف الكيل أو الوزن.
والجهل به، كالعلم بالتفاضل (1) ولو كيل المكيل، أو وزن الموزون، فكانا سواء صح (2) .
(ولا) يباع (بعضه) أي بعض المكيل أو الموزون (ببعض) من جنسه (جزافا) لما تقدم (3) ما لم يعلما تساويهما في المعيار الشرعي (4) فلو باعه صبرة بأخرى، وعلما كيلهما وتساويهما (5) أو تبايعاهما مثلا بمثل، وكيلتا فكانتا سواء صح (6) .
(1) أي والجهل بالتماثل -حالة العقد على مكيل بجنسه، أو على موزون بجنسه- كالعلم بالتفاضل، في منع الصحة إذا اتحد جنس المكيل أو الموزون.
(2)
أي ولو بيع المكيل بجنسه كيلا، أو بيع الموزون بجنسه وزنا، فكانا سواء في معيارهما الشرعي، صح البيع، للعلم بالتماثل، المنصوص عليه في قوله «مثلاً بمثل سواء بسواء، يدا بيد» .
(3)
أي من الحديث، والتعليل، فلو باع بعض ربوي ببعض من جنسه جزافا لم يصح البيع، أو كان الجزاف من أحد الطرفين، كمد بر ببر جزافا، لعدم العلم بالتساوي والجزاف -بضم الجيم وتكسر- الحدس في البيع والشراء، ويقال: الجزافة، والمجازفة، وهو بيع الشيء بالشيء بلا كيل، ولا وزن.
(4)
وهو الكيل في المكيل، والوزن في الموزون.
(5)
أي علم المتعاقدان كيل الصبرتين، وعلما تساويهما في الكيل، صح البيع، للعلم بالتساوي.
(6)
أي تبايع المتعاقدان الصبرتين مثلا بمثل، وهما يجهلان كيلهما وكلاهما
أو يجهلان كيل إحداهما، وكالاهما في المجلس، أو تبايعاهما مكايلة، وكيلتا فكانتا سواء، صح البيع، للعلم بالتساوي، وإن لم يتساويا بأن زادت إحداهما على الأخرى، بطل البيع للتفاضل.
وكذا زبرة حديد بأخرى من جنسها (1)(فإن اختلف الجنس) كبر بشعير، وحديد بنحاس (2)(جازت الثلاثة) أي الكيل، والوزن، والجزاف (3) لقوله عليه السلام «إذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد» رواه مسلم، وأبو داود (4) .
(1) أي لا يباع إحداهما بالأخرى جزافا، ما لم يعلما تساويهما في المعيار الشرعي، فإن علما صح.
(2)
وكتمر بزبيب، وذهب بفضة، وكأشنان بملح، وكجص بنورة، وكخز بكتان ونحو ذلك.
(3)
أي جاز الكيل في الموزون، والوزن في المكيل، والجزاف في المكيل، والموزون، وصح بيع بعضه ببعض، كيلا، ووزنا، وجزافا، متفاضلا إذا كان يدا بيد.
(4)
من حديث عبادة وللترمذي وغيره «بيعوا الذهب بالفضة، كيف شئتم يدا بيد، وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدا بيد، وبيعوا الشعير بالتمر، كيف شئتم يدا بيد» فأجاز بيع بعض هذه الأشياء ببعض، من غير تقييد بصفة من الصفات، إذاكان يدا بيد، وقال الوزير وغيره: اتفقوا على أنه يجوز الذهب بالفضة، وعكسه متفاضلين، وكذا التمر بالحنطة، أو الشعير، أو الملح، إذا كان يدا بيد، وأنه لا بد في بيع بعض الربويات ببعض من التقابض، وإلا حرم، وبطل البيع.
(والجنس ماله اسم خاص يشمل أنواعا)(1) فالجنس هو الشامل لأشياء مختلفة بأنواعها (2) والنوع هو الشامل لأشياء مختلفة بأشخاصها (3) وقد يكون النوع جنسا، وبالعكس (4) والمراد هنا الجنس الأخص، والنوع الأخص (5) فكل نوعين اجتمعا في اسم خاص فهو جنس (6) وقد مثله بقوله (كبر ونحوه) من شعير، وتمر وملح (7) .
(1) فهو أعم من النوع، والنوع أخص منه.
(2)
وفي القاموس: هو كل ضرب من الشيء، فالإبل ضرب من البهائم.
(3)
والنوع هو فرع الجنس الذي هو الأصل، وكل صنف من كل شيء.
(4)
أي وقد يكون النوع الذي هو فرع الجنس جنسا، باعتبار ما تحته، إذا اشتمل على أصناف، كالتمر وهو نوع لجنس الحلاوة، وجنس لأنواعه من البرني، والمعقلي ونحوهما، وبالعكس أن يكون الجنس نوعا بالنسبة إلى ما فوقه كالبر جنس، وهو بالنسبة إلى الحب نوع لأنه من الحبوب، فهو بالنسبة إلى ما تحته جنس، وبالنسبة إلى ما فوقه نوع، فالوصف بالجنسية والنوعية أمور نسبية.
(5)
أي لا الجنس العام، ولا النوع العام.
(6)
فالجنس والنوع إما عامان، كالإنسان للجنس، والحيوان للنوع، وإما خاصان، كالحيوان للجنس، والإنسان للنوع، فالمراد هنا الجنس الخاص، كالبر، لا العام الذي هو المكيل، والنوع الخاص الذي هو البحيراني مثلا، لا العام الذي هو البر.
(7)
لشمول كل اسم من ذلك لأنواع، وهو نوع، ويسمى جنسا باعتبار
ما تحته من الأنواع، فالبر بأنواعه جنس، والشعير بأنواعه جنس، والتمر بأنواعه كالبرني والمعقلي جنس، والملح بأنواعه جنس، وكل شيئين فأكثر أصلهما واحد فهما جنس واحد، وإن اختلفت مقاصدهما، كدهن ورد، وزئبق وياسمين لاتحاد أصلها، وقد يكون الجنس الواحد مشتملا على جنسين كالتمر يشتمل على النوى وغيره، وهما جنسان بعد النزع، فلا يباع البر بالبر إلا مثلا بمثل، يدا بيد، وكذا البقية، اتحدت أنواع الجنس أولا، فاختلاف الأنواع لا يبيح التفاضل في الجنس المذكور، كما لا يبيح النساء.
(وفروع الأجناس كالأدقة والأخباز والأدهان) أجناس (1) لأن الفرع يتبع الأصل (2) فلما كانت أصول هذه أجناسا، وجب أن تكون هذه أجناسا (3) فدقيق الحنطة جنس (4) ودقيق الذرة جنس، وكذا البواقي (5) .
(1) وكذا الخلول ونحوها، فدهن الإبل جنس، ودهن البقر جنس، ودهن الغنم جنس.
(2)
فالدقيق والخبز فرع عن أصله، والدهن فرع عن أصله، والخل ونحوه كل من ذلك فرع عن أصله.
(3)
إلحاقا للفروع بأصولها.
(4)
وخبزها جنس وهكذا.
(5)
أي من الأدقة والأخباز، والأدهان والخلول، فدقيق الشعير جنس، وخبزه جنس، وخبز الذرة جنس، ودهن السمسم جنس، ودهن الزيتون جنس، والسمن جنس، وخل العنب جنس، وهكذا. فعسل النحل جنس، وعسل القصب جنس، وزيت الزيتون جنس، وما أشبه ذلك كذلك.
(واللحم أجناس باختلاف أصوله)(1) لأنه فرع أصول هي أجناس، فكان أجناسا كالأخباز (2) والضأن والمعز جنس واحد (3) ولحم البقر والجواميس جنس (4) ولحم الإبل جنس، وهكذا (5)(وكذا اللبن) أجناس باختلاف أصوله لما تقدم (6) .
(1) من إبل، وبقر، وغنم، وخيل، ونعام وغيرها.
(2)
والأدهان، والزيوت، وغير ذلك من فروع أصول أجناس، إلحاقا للفروع بالأصول، كما تقدم.
(3)
لأن المعز نوع من الضأن، ولذلك اجتزي بإخراج الزكاة من أحدهما فلحم الضأن والمعز جنس واحد، فلا يباع بعضه ببعض متفاضلا.
(4)
لأن الجواميس نوع من البقر، والبقر الوحشية يشملها اسم البقر فلحمها جنس واحد.
(5)
أي ولحم الإبل العراب، والبخاتي، جنس واحد، لا يباع لحم أحدهما بالآخر، إلا مثلا بمثل، يدا بيد، وهكذا سائر الحيوانات، ويجوز بيع رطل لحم ضأن برطلي لحم بقر أو إبل.
(6)
أي في قوله: لما كانت أصول هذه أجناسا، وجب أن تكون هذه أجناسا، فلبن الضأن والمعز جنس، ولبن البقر والجواميس جنس، ولبن الإبل العراب والبخاتي جنس، لا يباع بعضه ببعض متفاضلا، ويباع لبن جنس، بلبن جنس آخر متفاضلا، إذا كان يدا بيد.
(واللحم والشحم، والكبد) والقلب، والأَلية، والطحال، والرئة والأكارع (أجناس)(1) لأنها مختلفة في الاسم والخلقة (2) فيجوز بيع جنس منها بآخر متفاضلا (3) .
(ولا يصح بيع لحم بحيوان من جنسه)(4) لما روى مالك، عن زيد بن أسلم، عن سعيد بن المسيب، أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع اللحم بالحيوان» (5) .
(1) وكذا الرءوس، والدماغ، والمخ، والكلا، والكرش، والمعي، والجلود، والأصواف، والعظام ونحوها، أجناس والطحال لكل ذي كرش إلا الفرس.
(2)
فكانت أجناسا، كبهيمة الأنعام.
(3)
نحو أن يشتري رطل شحم برطلي لحم، وبالعكس، ورطل مخ برطلي كرش، ونحو ذلك، إذا كان يدا بيد، لأنهما جنسان كالنقدين، ويحرم بيع جنس منها بعضه ببعض متفاضلاً، فلا يصح بيع لحم بمثله من جنسه بعظامه، ويصح إذا نزع عظمه، وتساويا وزنا، يدا بيد، وإن اختلف الجنس جاز التفاضل كما تقدم، فلحم إبل بلحم غنم لا بأس به متفاوضلاً، إذا كان يدا بيد، ولحم الغنم جنس، فلا يباع لحم ضأن بلحم معز، وإلا وزنا بوزن، ويدل على أنهما جنس واحد نصاب الزكاة.
(4)
مقصود اللحم، وهو مذهب مالك والشافعي، وقاله الشيخ وغيره، كعضو شاة بطفل صغير مثلا، أو عنز.
(5)
وحملوه على جنسه، وقال ابن عبد البر: هذا أحسن أسانيده، وروي:
نهى أن يباع حي بميت، وروى ابن عباس أن جزورًا نحرت، فجاء رجل بعناق، فقال: أعطوني جزءا بهذا العناق؛ قال أبو بكر: لا يصلح هذا، قال الشافعي: لا أعلم مخالفا لأبي بكر في ذلك، وقال أبو الزناد: كل من أدركت ينهى عن بيع اللحم بالحيوان.
(ويصح) بيع اللحم (بـ) حيوان من (غير جنسه)(1) كلحم ضأن ببقرة، لأنه ليس أصله، ولا جنسه، فجاز (2) كما لو بيع بغير مأكول (3)(ولا يجوز بيع حب) كبر (بدقيقه ولا سويقه)(4) لتعذر التساوي (5) لأن أجزاء الحب تنتشر بالطحن، والنار قد أخذت من السويق (6) .
(1) أي بغير لحم أصله.
(2)
أي لأن لحم الضأن ونحوه، ليس أصله البقر ونحوه، ولا جنسه، فيدخل في بيع الجنس بجنسه متفاضلا، فجاز بيعه كذلك، لكن يحرم بيعه نسيئة، عند جمهور الفقهاء، ذكره الشيخ وغيره، وقيده بمقصود اللحم، فالعلة بيع لحم بلحم، فيخرج بيع لحم بحيوان غير مقصود اللحم.
(3)
أي كما يجوز بيع لحم بحيوان غير مأكول، كحمار وبغل، عند جمهور الفقهاء.
(4)
الدقيق هو الطحين، والسويق دقيق الحنطة، أو الشعير يحمص ثم يبل بالسمن أو الماء.
(5)
وفوات المماثلة، المأمور بها في قوله (إلا مثلا بمثل، سواء بسواء) .
(6)
فيزيد الحب بالطحن، وينقص بأخذ النار، وكل منهما مكيل يشترط فيه، التساوي وهو متعذر هنا.
وإن بيع الحب بدقيق أو سويق من غير جنسه صح، لعدم اعتبار التساوي إذا (1)(و) لا بيع (نيئة بمطبوخة) كالحنطة بالهريسة (2) أو الخبز بالنشا (3) لأن النار تعقد أجزاء المطبوخ، فلا يحصل التساوي (4)(و) لا بيع (أصله بعصير)(5) كزيتون بزيت، وسمسم بشيرج، وعنب بعصيره (6)(و) لا بيع (خالصه بمشوبه)(7) .
(1) اتفاقا، كحب بدقيق شعير، لعدم جريان الربا بين أصلهما، لقوله «فإذا اختلفت هذه الأجناس، فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد» .
(2)
أي ولا يجوز بيع نيء بر وذرة وشعير، ونحو ذلك، بمطبوخ بر ونحوه، من جنسه، ومن قوله: كالحنطة -وهي البر- بالهريسة يعني وكالخبز بالعجين ولحم نيء بمطبوخ من جنسه، لأخذ النار من أحدهما، فتفوت المماثلة.
(3)
أو الفالوذج، أو السنبوسك، أو الحريرة ونحو ذلك.
(4)
ولما في ذلك أيضا من الماء، فلا يتأتى العلم بالمماثلة، وكذا لا يجوز بيع خبز بدقيقه أو سويقه، كيلا ولا وزنا، للجهل بالتساوي، لما في الخبز من الماء.
(5)
أي لا يصح بيع أصل ربوي بعصيره، وهو ما تحلب منه.
(6)
وكحب كتان بزيته، واعتصره استخرج ما فيه.
(7)
أي ولا يجوز بيع خالص الربوي بمشوبه، أو مشوبه بمشوبه، لانتفاء التماثل المشترط أو الجهل به.
كحنطة فيها شعير بخالصة (1) ولبن مشوب بخالص (2) لانتفاء التساوي المشترط (3) إلا أن يكون الخلط يسيرا (4) وكذا بيع اللبن بالكشك (5) ولا بيع الهريسة، والحريرة، والفالوذج، والسنبوسك، بعضه ببعض (6) .
(1) أي بحنطة خالصة، أو حنطقة فيها شعير، بحنطة فيها شعير، يقصد تحصيله، أو فيها تراب يظهر أثره.
(2)
أي بلبن خالص، وكذا مشوبه بمشوبه.
(3)
بقوله صلى الله عليه وسلم «مثلا بمثل، سواء بسواء» إذا كان من جنس واحد، وإلا جاز التفاضل، إذا كان يدا بيد.
(4)
أي إذا كان الشعير ونحوه يسيرا، لا يقصد تحصيله، ولا يظهر أثره، فلا يمنع الصحة، لأنه لا يخل بالتماثل.
(5)
لا يجوز، لأن اللبن فيه مقصود، فهو بيع لبن ومع أحدهما غيره، والكشك يعمل من اللبن والقمح، وكذا بيع حب جيد بمسوس، لعدم العلم بالتماثل، ويصح بيع جيد بخفيف وعتيق من جنسه، إذا تساويا كيلا، لأنهما تساويا في معيارهما الشرعي، فلا يضر اختلافهما في القيمة.
(6)
أي ولا يجوز بيع الهريسة بعضها ببعض، ولا بيع الحريرة -بمهملتين- دقيق يطبخ بلبن أو دسم، بعضه ببعض، لأن فيها ماء ودهنا، ولا بيع الفالوذج لباب البر يلبك بالعسل، ولا بيع السنبوسك، بر وماء ورد، يحكم عجنه بالأدهان، بالشيرج والسمن، ثم يرق ويحشى لحما قد نعم قطعه، وفوه، وبزر، ممزوجا بالبصل والشيرج، ويطوى ويقلى في الدهن أو يخبز، فلا يباع بعضه ببعض، لانتفاء التساوي المشترط، وكذا الكعك، وخبز الأبازير لأنه من مسألة مد عجوة.
ولا بيع نوع منها بنوع آخر (1)(و) لا بيع (رطبه بيابسه)(2) كبيع الرطب بالتمر، والعنب بالزبيب (3) لما روى مالك، وأبو داود عن سعد بن أبي وقاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر، قال:«أينقص الرطب إذا يبس؟» قالوا: نعم، فنهى عن ذلك (4)(ويجوز بيع دقيقه) أي دقيق الربوي (بدقيقه إذا استويا في النعومة)(5) .
(1) كبيع خبز بهريسة، أو هريسة بحريرة، أو سنبوسكة بفالوذج، وبالعكس لانتفاء التماثل المعتبر شرعا، إذا كانا من جنس واحد.
(2)
أي رطب شيء من الربوي بشيء من يابسه، وهذا مذهب جمهور العلماء.
(3)
والحنطة المبلولة أو الرطبة باليابسة، وكذا المشمش والتوت وغير ذلك من سائر الربويات.
(4)
أي عن بيع رطب شيء بيابسه، وعلل بالنقصان إذا يبس، وهذا موجود في كل رطب بيابسه، والحديث صححه ابن المديني، والترمذي، وقال: العمل عليه عند أهل العلم، وفي الصحيحين عن ابن عمر «نهى عن بيع الثمر بالتمر كيلا، وعن بيع العنب بالزبيب كيلا، وعن بيع الزرع بالحنطة كيلا» والعلة في ذلك هو الربا، لعدم التساوي، لأن أحدهما أزيد من الآخر قطعا بلينته فهو أزيد أجزاء من الآخر، بزيادة لا يمكن فصلها وتمييزها ولا يمكن أن يجعل في مقابلة تلك الأجزاء من الرطب ما يتساويان به.
(5)
كدقيق بر أو ذرة بدقيق بر أو ذرة، مثلا بمثل، كيلا بكيل، بشرط أستوائهما في النعومة، لئلا تختلف أجزاء الحب بالطحن، فيفوت التساوي.
لأنهما تساويا حال العقد، على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان (1) .
(و) يجوز بيع (مطبوخه بمطبوخه)(2) كسمن بقري، بسمن بقري، مثلا بمثل (3) .
(و) يجوز بيع (خبزه بخبزه، إذا استويا في النشاف)(4) فإن كان أحدهما أكثر رطوبة من الآخر لم يحصل التساوي المشترط (5) ويعتبر التماثل في الخبز بالوزن كالنشا (6) لأنه يقدر به عادة، ولا يمكن كيله (7) لكن إن يبس ودق، وصار فتيتا، بيع بمثله كيلا (8) .
(1) فجاز، كبيع التمر بالتمر، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك، وإن اختلف جنس الدقيقين، صح كيف تراضيا عليه، يدا بيد.
(2)
أي ويجوز بيع مطبوخ جنس ربوي بمطبوخ ذلك الجنس الربوي، مثلا بمثل.
(3)
ولا تمنع زيادة أخذ النار من أحدهما أكثر من الآخر إذا لم يكثر.
(4)
أي ويجوز بيع خبز بر مثلا بخبز بر، مثلا بمثل إذا استوى الخبزان نشافا أو رطوبة.
(5)
أي فلم يجز بيع أحدهما بالآخر لقوله «إلا مثلاً بمثل»
(6)
أي كما يعتبر النشا بالوزن
(7)
خبزا، كما لا يمكن كيل النشا، فاعتبر بما يقدر به عادة وهو الوزن، وكذا التساوي بين الجبن والجبن بالوزن، لأنه لا يمكن كيله، والعنب، والزبد والسمن، لأنه لا يمكن كيلها، صرح به في الإقناع وشرحه.
(8)
لأنه انتقل بالدق من الوزن، إلى الكيل، فإن كان في الخبز من غيره من
فروع الحنطة مما هو مقصود، كالهريسة، وخبز الأبازير، لم يجز إلا اليسير غير المقصود لأنه من مسألة مُد عجوة.
(و) يباع (عصيره بعصيره)(1) كماء عنب بماء عنب (2)(ورطبه برطبه)(3) كالرطب والعنب بمثله، لتساويهما (4) ولا يصح بيع «المحاقلة» (5) وهي بيع الحب المشتد في سنبله بجنسه (6) .
(1) أي يباع عصير الربوي بعصيره، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد.
(2)
وكزيت بزيت، وشيرج بشيرج، مدا بمد، مثلا بمثل.
(3)
أي يجوز بيع رطب الربوي برطبه، مثلا بمثل، ويجوز بيع يابسه بيابسه، مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد.
(4)
أي تساوي الرطب بالرطب، والعنب بالعنب، وكذا التمر بالتمر، والزبيب بالزبيب، مثلا بمثل، لتساويهما يبوسة، وقد يصير الجنس الواحد مشتملا على جنسين، كالتمر يشتمل على النوى وغيره، وهما جنسان بعد النزع، وكاللبن يشتمل على المخيض والزبد، متصلين اتصال خلقة، فما داما كذلك فجنس واحد لاتحاد الاسم، وإذا ميز أحدهما عن الآخر صارا جنسين، ولو خلطا يجوز التفاضل بينهما.
(5)
من الحقل وهو القراح الطيب يزرع فيه، ومنه: لا ينبت البقلة إلا الحُقلة والزرع قد تشعب ورقه، وظهر وكثر، وإذا استجمع خروج نباته، أو ما دام أخضر، كما في القاموس وغيره.
(6)
أي بحب من جنسه، وفي خبر زيد «المحاقلة أن يبيع الحقل بكيل من الطعام معلوم» وفي الصحيحين: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المحاقلة والعلة الجهل بالتساوي.
ويصح بغير جنسه (1) ولا بيع «المزابنة» (2) وهي بيع الرطب على النخل بالتمر (3) إلا في العرايا (4) بأن يبيعه خرصا، بمثل ما يئول إليه إذا جف كيلا (5) .
(1) من حب أو غيره، كبيع بر مشتد في سنبلة بشعير أو فضة، لعدم اشتراط التساوي.
(2)
أي ولا يصح بيع المزابنة، لما ثبت من النهي عن بيعها، والمزابنة مفاعلة من الزبن، وهو الدفع الشديد، لأن كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه، أو إذا وقف على ما فيه من الغبن أراد دفع البيع لفسخه، والآخر دفعه بإمضائه.
(3)
أي كيلا، وبيع العنب بالزبيب كيلا، والعلة في ذلك هو الربا، لعدم التساوي، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، كرهوا بيع المحاقلة، والمزابنة، وألحق الشافعي، وغيره بذلك كل بيع مجهول بمعلوم من جنس يجري الربا في نقده، وهو قول الجمهور، وقد دلت الأحاديث أنه لا يباع جنس بجنسه وأحدهما مجهول المقدار، لأن العلم بالتساوي مع الاتفاق في الجنس شرط، لا يجوز البيع بدونه.
(4)
أي في بيع ثمر العرايا، فيصح بيع الرطب بالتمر فيها بشروطه، والعرايا جمع عرية، والعرية هي النخلة، وفي الأصل: عطية ثمر النخلة، سميت بذلك لأنها أعريت من أن تخرص في الصدقة، وفي الصحيح: نهى عن المزابنة بيع الثمر بالتمر، إلا أصحاب العرايا، فإنه قد أذن لهم، وفي رواية «نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورخص في العرايا أن تشترى بخرصها، يأكلها أهلها رطبا» .
(5)
أي العرايا بأن يبيع الرطب على النخل خرصا، بمثل ما يئول إليه الرطب إذا يبس وكان تمرا يابسا، لا أقل، ولا أكثر، كيلا، لأن الأصل اعتبار الكيل # من الجانبين، وإنما أقيم الخرص مكان الكيل للحاجة،
فيبقى الآخر على مقتضى الأصل والخرص هو التخمين والحدس فيقول الخارص: هذا الرطب الذي على النخلة أو النخلات إذا يبس يحصل منه ثلاثة أوسق مثلا، فيبيعه بثلاثة أوسق تمرا.
فيما دون خمسة أوسق (1) لمحتاج لرطب (2) ولا ثمن معه (3) بشرط الحلول والتقابض قبل التفرق (4) ففي نخل بتخليته، وفي تمر بكيل (5) .
(1) لقوله في «خمسة أوسق» وفي رواية «فيما دون خمسة أوسق» وهذا مذهب الجمهور، قال ابن حبان: الاحتياط أن لا يزيد على الأربعة، وقال الحافظ يتعين المصير إليه.
(2)
وإن لم يكن محتاجا لم يصح، فإنما أبيح للحاجة لا يباح عند عدمها كالزكاة للمساكين.
(3)
أي ولا ثمن مع المشتري من ذهب أو فضة، لما جاء في رواية زيد: أنه سمى رجالا محتاجين من الأنصار، شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نقد في أيديهم يبتاعون به رطبا، ويأكلون مع الناس، وعندهم فضول قوتهم من التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر.
(4)
أي من مجلس العقد، لأنه بيع مكيل بمكيل من جنسه، فاعتبر فيه شروطه، إلا ما استثناه الشارع، مما لم يمكن اعتباره في العرايا، فصارت الشروط خمسة، وزيد بأن يكون الرطب على رءوس النخل، وإلا لم يجز، لما تقدم من النهي عن بيع الرطب بالتمر.
(5)
أي فالقبض فيما على نخل بتخلية بائع بين المشتري وبينه، وفي القبض في تمر بكيل أو نقل لما علم كيله، ولا يشترط حضور تمر عند نخل فلو تبايعا، وسلم أحدهما، ثم مشيا فسلم الآخر قبل تفرق صح القبض.
ولا تصح في بقية الثمار (1)(ولا يباع ربوي بجنسه، ومعه) أي مع أحد العوضين (أو معهما من غير جنسهما)(2) كمد عجوة ودرهم بدرهمين (3) أو بمدي عجوة (4) أو بمد ودرهم (5)
لما روى أبو داود عن فضالة بن عبيد، قال: أتي النبي
صلى الله عليه وسلم بقلادة فيها ذهب وخرز، ابتاعها رجل
(1) للنهي عن بيع الثمر بالتمر، وأنه لا يباع شيء منه إلا بالدنانير والدراهم، وإنما رخص لأصحاب العرايا بالشروط المتقدمة، وغيرها لا يساويها في كثرة الاقتيات، وسهولة الخرص، بل لا تصح الزيادة على القدر المأذون فيه، إلا أن القاضي اختار جوازها في سائر الثمار، وهو قول مالك، وفي الإنصاف: هو مقتضى اختيار الشيخ.
(2)
أي جنس الثمن والمثمن، لئلا يتخذ ذلك حيلة إلى الربا.
(3)
ولو فرض مساواة مد بدرهم، ودرهم بدرهم، لأن التقويم ظن وتخمين، فلا يتحقق معه المساواة، والجهل بالتساوي، كالعلم بالتفاضل، والعجوة تمر بالمدينة معروف.
(4)
أي أو بيع مد عجوة ودرهم، بمدي عجوة، لم يجز، إذ لو صار المدان يساويان ثلاثة دراهم، كان الدرهم في مقابلة ثلثي مد، ويبقى مد في مقابلة مد وثلث، وذلك ربا.
(5)
أي أو بيع مد عجوة ودرهم، بمد عجوة ودرهم، ولو كان المدان والدرهمان من نوع واحد، فلا يجوز، نص عليه، وكبيع محلى بذهب بذهب، أو محلى بعضه بفضة بفضة.
بتسعة دنانير، أو سبعة دنانير (1) فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا، حتى تميز بينهما» (2) قال: فرده حتى ميز بينهما (3) .
(1) قال: وفيها خرز وذهب، وفي رواية: خرز معلق بذهب.
(2)
ولمسلم -حتى تفصل- ولأبي داود قال: إنما أردت الحجارة.
(3)
ولمسلم: أمر بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده، ثم قال لهم:«الذهب بالذهب وزنا بوزن» فدل على تحريم بيع الذهب مع غيره بذهب، حتى يفصل من ذلك الغير، ويميز عنه، ليعرف مقدار الذهب المتصل بغيره، ومثله الفضة مع غيرها بفضة، وكذلك سائر الأجناس الربوية، لاتحادهما في العلة، وهو تحريم بيع الجنس بجنسه متفاضلا، فإذا كان مع أحد العوضين شيء لم يجز، لعدم التمكن من معرفة التساوي على التحقيق، كما تعذر الوقوف على التساوي في القلادة من غير فصل، وهذا مذهب جمهور العلماء، وهو المفتى به.
وجوز الشيخ بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه، من غير اشتراط التماثل، ويجعل التماثل في مقابلة الصنعة، وفي الإنصاف: وعمل الناس عليه اهـ. وظاهر مذهب أحمد جواز بيع السيف المحلى بجنس حليته، لأن الحلية ليست بمقصوده، واختاره الشيخ، والمذهب والمفتى به الأول، سدا للذريعة، وفي الإنصاف: يجوز التفاضل فيما لا يوزن لصناعة، كالمعمول من الذهب، والفضة، والصفر، والحديد والرصاص، والنحاس، ونحوه، وكالمعمول من الموزونات كالخواتم والأسطال، والإبر، والسكاكين، والأكسية ونحو ذلك، اختاره الموفق: والشيخ، وصوبه في الإنصاف.
فإن كان ما مع الربوي يسيرا لا يقصد كخبز فيه ملح بمثله، فوجوده كعدمه (1)(ولا) يباع (تمر بلا نوع، بما) أي بتمر (فيه نوى)(2) لاشتمال أحدهما على ما ليس من جنسه (3) وكذا لو نزع النوى، ثم باع التمر والنوى، بتمر ونوى (4)(ويباع النوى، بتمر فيه نوى (5) .)
(1) أي الملح في الخبز، وكالماء في خل التمر، وخل الزبيب، ودبس التمر، لأنه غير مقصود، وكذا كل ما لا يؤثر في كيل أو وزن، فيما بيع بجنسه، لكونه يسيرا غير مقصود، كذهب مموه به سقف دار، فيجوز بيع الدار -المملوه سقفها بذهب- بذهب، وبدار مثلها، سقفها مموه بذهب، لأن الذهب في السقف غير مقصود، ولا مقابل بشيء من الثمن، وإن كان كثيرا كاللبن المشوب بالماء بمثله، والأثمان المغشوشة بغيرها لم يجز، للعلم بالتفاضل، ويصح: أعطني بهذا الدرهم نصفا وفلوسا، أو حاجة، لأن قيمة النصف في الدرهم كقيمة النصف مع الفلوس أو الحاجة.
(2)
النوى عجم التمر، فإذا بيع تمر بلا نوى، بما فيه نوى، صار كمد عجوة ودرهم، فلم يصح البيع، وفي الإنصاف: الصحيح من المذهب تحريمه.
(3)
أي أحد التمرين على النوى دون الآخر، فانتفى التساوي المشترط شرعا، أو جهل، والجهل بالتساوي، كالعلم بالتفاضل.
(4)
لأن التبعية قد زالت، فصارت كمسألة مد عجوة ودرهم، فلم يصح البيع، للجهل بالتساوي.
(5)
متساويا ومتفاضلا، وإن باع تمرا منزوع النوى بتمر منزوع النوى جاز، للتساوي.
و) يباع (لبن و) يباع (صوف بشاة ذات لبن وصوف)(1) لأن النوى في التمر، واللبن والصوف في الشاة، غير مقصود (2) كدار -مموه سقفها بذهب- بذهب صح (3) وكذا درهم فيه نحاس بمثله، أو بنحاس (4) ونخلة عليها ثمرة بمثلها، أو بثمر (5) .
(1) أي ويباع لبن بشاة ذات لبن، ويباع صوف بشاة عليها صوف، حية كانت النعجة أو مذكاة.
(2)
أي فلا أثر له، ولا يقابله شيء من الثمن، أشبه الملح في الشيرج، ويسير شعير بحنطة، فيصح البيع.
(3)
أي البيع في النوى بالتمر، واللبن والصوف بذات اللبن والصوف، كما يصح في الدار -المموه سقفها بذهب- بذهب لأنه غير مقصود بالبيع.
(4)
أي وكذا يصح بيع درهم فيه نحاس، بدرهم فيه نحاس، متساو ما فيهما من الفضة والنحاس، أو درهم بنحاس، لأن النحاس في الدرهم غير مقصود، وإن زاد غش أحد الدرهمين بطل البيع، وكذا إن جهل، ويصح بيع تراب معدن، وصاغة، بغير جنسه.
(5)
أي ويصح بيع نخلة أو نخل عليها أو عليه ثمرة، بمثلها أي بنخلة أو بمثله، بنخل عليه ثمر، أو بيع نخلة عليها ثمرة بثمر، لأن الربوي في ذلك غير مقصود بالبيع، فوجوده كعدمه، وكذا عبد له مال إذا اشتراه بثمن من جنس ماله، واشتراطه إن لم يقصد المال.
ويصح بيع نوعي جنس، بنوعيه، أو نوعه (1) كحنطة حمراء وسوداء ببيضاء (2) وتمر معقلي وبرني، بإبراهيمي وصيحاني (3)(ومرد) أي مرجع (الكيل لعرف المدينة) على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (4)(و) مرجع (الوزن لعرف مكة زمن النبي صلى الله عليه وسلم (5) لما روى عبد الملك بن عمير عن النبي صلى الله عليه وسلم «المكيال مكيال المدينة، والميزان ميزان مكة» (6) .
(1) إذا تساويا كيلا، ولا تعتبر الجودة، لأن الشارع إنما اعتبر المثلية.
(2)
وكذا عكسه كيلا بكيل، مثلا بمثل، يدا بيد، لما تقدم.
(3)
مثلا بمثل، وكذا لو باع دينارا قُراضة، أو فضة، بدينار صحيح، لأن المعتبر المثلية في الوزن أو الكيل، لا القيمة والجودة.
(4)
وهو مذهب جمهور العلماء في نحو البر، والشعير، وسائر الحبوب.
(5)
وهو مذهب مالك، والشافعي، وغيرهما، وقال الوزير وغيره: اتفقوا على أن المكيلات المنصوص عليها، وهي البر، والشعير، والتمر، والملح، مكيلة أبدا لا يجوز بيع بعضها ببعض إلا كيلا، والموزنات المنصوص عليها، أبدا موزونة وما سواها فالمرجع فيه إلى عرف العادة بالحجاز، في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(6)
أي فما كان مكيلا بالمدينة في زمنه صلى الله عليه وسلم انصرف التحريم بتفاضل الكيل إليه، وهكذا الموزون.
(وما لا عرف له هناك) أي بالمدينة ومكة (اعتبر عرفة في موضعه)(1) لأن ماله عرف له في الشرع يرجع فيه إلى العرف، كالقبض، والحرز (2) فإن اختلفت البلاد اعتبر الغالب (3) فإن لم يكن رد إلى أقرب ما يشبهه بالحجاز (4) .
(1) فإن كان العرف فيه الكيل، بيع بعضه ببعض بالكيل، وإن كان بالوزن بيع بالوزن.
(2)
يعني أنه يرجع فيهما إلى العرف، فكذا الكيل والوزن فيما لا عرف له بالمدينة ولا بمكة، هذا المذهب وفيه وجه في المذهب، وحكاه الوزير وغيره عن الجمهور: أن ما ليس له بالحجاز عرف، احتمل أن يرد إلى أقرب الأشياء شبها بالحجاز، وذكره التمور بسواد العراق، وغيرها من الأراضي، التي تغشى نخيلها المياه، أنه لا يتصور فيها المماثلة، ولا يتحرر إلا بالوزن، قال: والذي أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ثبت عنده كيل التمر بالمدينة، وقال ما تقدم فإنه يستفاد منه تأصيل المماثلة، وأن لا يؤخذ من ذلك شيء إلا بمعيار، فيكون فيما يتهيأ كيله الكيل، وفيما لا يتهيأ كيله الوزن، ولأن الأحكام الشرعية تتعلق بالممكن، دون المستحيل.
(3)
أي فإن اختلفت البلاد في معيار ما لم يكن له عرف بالحجاز، اعتبر الغالب منها.
(4)
أي فإن لم يكن للمبيع بعضه ببعض عرف غالب، رد إلى أقرب الأشياء به شبها بالحجاز، لأن الحوادث ترد إلى أشبه المنصوص عليه بها.
وكل مائع مكيل (1) ويجوز التعامل بكيل لم يعهد (2) .
(1) أي وكل مائع كاللبن، والشيرج، وسائر الأدهان، لخبر: كان يتوضأ بالمد، ونحوه، وما تجب فيه الزكاة من الحبوب والثمار، فهو مكيل، ومن الموزون الذهب، والفضة، والنحاس، والحديد، والحرير، واللحم، والصوف، ونحو ذلك، وفي الاختيارات: وما لا يختلف فيه الكيل والوزن، مثل الأدهان، يجوز بيع بعضه ببعض كيلا ووزنا، وعن أحمد ما يدل عليه اهـ، وغير المكيل والموزون الحيوان، والثياب، والفواكه، والخضر، ونحو ذلك.
(2)
أي بذلك المكان وغيره، لعدم المانع، إن لم يتعارف.
فصل (1)
(ويحرم ربا النسيئة)(2) من النساء بالمد، وهو التأخير (3)(في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل)(4) وهي الكيل والوزن (5) .
(1) أي في أحكام ربا النسيئة، لما فرغ من أحكام ربا الفضل مفصلا، شرع في أحكام ربا النسيئة.
(2)
بالكتاب، والسنة، والإجماع في الجملة، لكونه وسيلة لأخذ مال من غير عوض، والوسائل لها حكم الغايات، فإن الشريعة شاهدة بأن كل حرام، فالوسيلة إليه مثله، لأن ما أفضي إلى الحرام حرام.
(3)
يقال: نسأت الشيء، وأنسأته أخرته، و: بعته بنسيئة بآخرة.
(4)
وكذا بيع شيئين من جنس كمدِّ بُرِّ بجنسه، لقوله:«ولاتبيعوا منها غائبا بناجز» وقال في الذهب «إلا هاء وهاء» وقال: «يدا بيد» *.
(5)
أي علة ربا الفضل الكيل في المكيل، والوزن في الموزون، واختار الموفق، والشيخ، وغيرهما أن العلة الطعم مع الكيل والوزن، فيحرم النساء في بيع الجنسين إذا اتفقا في تلك العلة.
ــ
* والناس في الأوراق على ثلاثة أقوال، قيل: عروض، وقيل: نقود، وقيل: هي بمنزلة الفلوس، قال شيخنا: وأقرب ما يكون عندي أنها نقود، لأنها إسناد متى شاء صاحبها أخذا بها نقودا لأنها أوراق مؤمن عليها في البنك، فالزكاة تجب فيها إذا حال عليها الحول، إلاأنه ينبغي أن يكون المخرج منها مجزيا، ولا يباع بعضها ببعض غائبا بل هو ربا.
(ليس أحدهما) أي أحد الجنسين (نقدا)(1) فإن كان أحدهما نقدا -كحديد بذهب- أو فضة جاز النساء (2) وإلا لانسد باب السلم في الموزونات غالبا (3) إلا صرف فلوس نافقة بنقد، فيشترط فيه الحلول والقبض (4) واختار ابن عقيل وغيره: لا، وتبعه في الإقناع (5)(كالمكيلين، والموزونين) ولو من جنسين (6) .
(1) أي ذهبا أو فضة، بل كانت علة ربا الفضل فيهما واحدة، كمكيل بمكيل من جنسه أو غيره، فلا يجوز النساء فيهما، وقال الموفق: كل شيئين يجري فيهما الربا بعلة واحدة، كالمكيل بالمكيل، والموزون بالموزون، والمطعوم بالمطعوم عند من يعلل به، يحرم بيع أحدهما بالآخر نسيئة، بغير خلاف نعلمه.
(2)
قال الموفق وغيره: بغير خلاف، لأن الشرع أرخص في السلم، والأصل في رأس مال السلم الدراهم والدنانير.
(3)
قيدوه بالأغلبية لأنه يمكن السلم بغيره.
(4)
إلحاقا لها بالنقد، بخلاف الكاسدة، وهذا المذهب عند أكثر الأصحاب وجزم به في المنتهى.
(5)
أي اختار ابن عقيل وشيخ الإسلام وغيرهما أنه لا يشترط الحلول والتقابض في صرف نقد بفلوس نافقة، يعني أنه يتعامل بها، بل جوزوا فيه النساء، وتبع صاحب الإقناع ابن عقيل وغيره، ونصه: ولو في صرف فلوس نافقة به.
(6)
لا يجوز فيهما النساء، لأنهما مالان من أموال الربا، علتهما متفقة، فحرم التفرق فيهما قبل القبض كالصرف
فإذا بيع بر بشعير، أو حديد بنحاس، اعتبر الحلول، والتقابض قبل التفرق (1)(وإن تفرقا قبل القبض بطل) العقد (2) لقوله عليه السلام «إذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم يدا بيد» والمراد به القبض (3)(وإن باع مكيلا بموزون) أو عكسه (4)(جاز التفرق قبل القبض و) جاز (النساء)(5) .
(1) قال الموفق: بغير خلاف نعلمه، لما تقدم من قوله:«ولا تبيعوا منها غائبا بناجز» وغيره، وقال ابن القيم: لو كان الحديد والنحاس، ربويا لم يجز بيعها إلى أجل بدراهم نقدا، والتعليل بالوزن ليس فيه مناسبة، وذكرا نحوا من ثلاثين دليلا على صحة هذا القول، والمكيلات خصته طائفة بالقوت وما يصلحه، وهو قول مالك، قال ابن القيم: وهو الصواب، وإن اتحد الجنس اعتبر التماثل، وإلا جاز التفاضل كما تقدم.
(2)
أي وإن تفرق المتعاقدان قبل القبض من الجانبين، بطل العقد، وكذا إن تفرقا قبل قبض الكل، بطل العقد فيما لم يقبض، وحيث اعتبر القبض فهو شرط لبقاء الصحة، لا لصحة العقد، وإلا لم يتقدم المشروط على الشرط.
(3)
أي قوله «يدا بيد» وكذا قوله «ولا تبيعوا منها غائبا بناجز» وقوله «إلا هاء وهاء» أي: خذ وهات في الحال.
(4)
أي باع موزونا بمكيل مما تقدم أنه مكيل أو موزون، أو كان العرف فيه الكيل أو الوزن، ولم يعتبر الطعم.
(5)
أي التأجيل في بيع مكيل بموزون، أو موزون بمكيل، هذا المذهب.
لأنهما لم يجتمعا في أحد وصفي علة ربا الفضل، أشبه الثياب بالحيوان (1) .
(وما لا كيل فيه ولا وزن، كالثياب والحيوان يجوز فيه النساء)(2) لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو «أن يأخذ على قلائص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة» (3) رواه أحمد، والدارقطني وصححه (4) .
(1) أي فهما من بيع غير الربوي بغير الربوي، وعلة ربا الفضل الكيل والوزن، وعن أحمد: العلة في المكيل الطعم، مع الكيل والوزن، اختاره الشيخ وغيره ومالك خص الربا بالقوت وما يصلحه، واختاره ابن القيم، وتقدم.
(2)
سواء بيع بجنسه أو بغير جنسه، متساويا أو متفاضلا، هذا مذهب الجمهور.
(3)
أي يأخذ البعير ليجهز به بقية الجيش، بالبعيرين مؤجلا، إلى أوان حصول إبل الصدقة.
(4)
ورواه أبو داود، وقال الحافظ: إسناده ثقات، وقال ابن القيم: صريح في جواز التفاضل والنساء، وهو حديث حسن، فدل على جواز بيع الحيوان بالحيوان نساء، ولقصة وفد هوازن «ومن لم تطب نفسه، فله بكل فريضة ست فرائض، من أول ما يفيء الله علينا» واشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه، يوفيها صاحبها بالربذة، ورافع بن خديج بعيرا ببعيرين، وأعطاه أحدهما، وقال: آتيك بالآخر غدا.
وقال ابن المسيب وغيره: لا ربا في البعير بالبعيرين والشاة بالشاتين إلى
أجل ومن منعه احتج بما روى الترمذي وصححه، أنه نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة. وعلل أحمد أحاديث المنع، وأنه ليس فيها حديث يعتمد عليه، وقال أبو داود: إذا اختلفت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم نظرنا إلى ما عمل به أصحابه من بعده، وذكر هو وغيره آثارا عن الصحابة في جواز ذلك متفاضلا ونسيئة. وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: الأصح يجوز للحاجة.
وإذا جاز في الجنس الواحد ففي الجنسين أولى (1)(ولا يجوز بيع الدين بالدين) حكاه ابن المنذر إجماعا (2) لحديث «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ» (3) وهو بيع ما في الذمة بثمن مؤجل لمن هو عليه (4) .
(1) أي فإذا جاز بيع نحو البعير بالبعيرين نسيئة، مع أنهما من جنس واحد، فأولى أن يجوز بيع نحو بعير بنحو شاة نسيئة، لكونهما جنسين.
(2)
وحكاه أحمد وابن عبد البر وغيرهما، وقال الوزير وغيره: اتفقوا على أن بيع الكالئ بالكالئ -وهو بيع الدين بالدين- مثل أن يعقد رجل بينه وبين آخر سلما في عشرة أثواب موصوفة في ذمة المبتاع إلى أجل، بثمن مؤجل، وسواء اتفق الأجلان أو اختلفا في البيع، فهو باطل.
(3)
بالهمز، قيل: هو بيع دين بدين مطلقا، وقال أبو عبيد: هو بيع النسيئة بالنسيئة.
(4)
كأن يكون عند زيد لعمرو عشرة آصع قرضا أو ثمن مبيع، فيقول زيد لعمرو: اشترها مني بريال مثلا، فيبيعها إياه بريال في الذمة، وقال ابن القيم: الكالئ هو المؤخر الذي لم يقبض، كما لو أسلم شيئا في شيء في الذمة، وكلاهما مؤخر، فهذا لا يجوز بالاتفاق.
وكذا بحال لم يقبض قبل التفرق (1) وجعله رأس مال سلم (2) .
(1) أي وكبيع ما في الذمة حالا بثمن مؤجل لمن هو عليه، بيع ما في الذمة بحال في الذمة لم يقبض قبل التفرق.
(2)
وذلك بأن يكون له دين على آخر، فيقول: جعلت ما في ذمتك رأس مال سلم على كذا، ويحرم أن يمتنع من إنظار المعسر حتى يقلب عليه الدين، ومتى قال: إما أن تقلب أو تقوم عند الحاكم، وخاف أن يحبسه لعدم ثبوت إعساره عنده وهو معسر، كانت المعاملة حراما غير لازمة، باتفاق العلماء، ومن صور بيع الدين بالدين، لو كان لأحدهما على آخر دينا من غير جنسه، كذهب وفضة، وتصارفا، ولم يحضرا شيئا.
وقال ابن القيم: بيع الدين بالدين، ينقسم إلى بيع واجب بواجب، وهو ممتنع، وينقسم إلى بيع ساقط بساقط، وساقط بواجب وواجب بساقط، فالساقط بالساقط في صورة المقاصة، والساقط بالواجب كما لو باعه دينا له في ذمته، بدين آخر من جنسه، فسقط الدين المبيع ووجب عوضه، وهو بيع الدين ممن هو في ذمته، وأما بيع الواجب بالساقط، فكما لو أسلم إليه في كر حنطة مما في ذمته، وقد حكي الإجماع على امتناعه ولا إجماع فيه، واختار الشيخ جوازه.
قال ابن القيم: وهو الصواب إذ لا محذور فيه، وليس بيع كالئ بكالئ، فيتناوله النهي بلفظه، ولا في معناه، فيتناوله بعموم المعنى، فإن المنهي عنه قد اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة، وأما ما عداه من الثلاث، فلكل منهما غرض صحيح، وذلك ظاهر في مسألة التقاص، فإن ذمتهما تبرأ من أسرها، وبراءة الذمة مطلوب لهما وللشارع، فأما في الصورتين الأخيرتين فأحدهما يعجل براءة ذمته، والآخر يحصل على الربح، وإن كان بيع دين بدين فلم ينه الشارع عنه، لا بلفظه ولا بمعنى لفظه، بل قواعد الشرع تقتضي جوازه اهـ، لكن القول بالمنع هو قول الجمهور، لا سيما الاحتيال في قلب الدين على المعسر إلى معاملة أخرى بزيادة مال، وذكر الشيخ أنه حرام باتفاق المسلمين.
فصل (1)
(ومتى افترق المتصارفان) بأبدانهما كما تقدم في خيار المجلس (2)(قبل قبض الكل) أي كل العوض العقود عليه في الجانبين (3)(أو) قبل قبض (البعض) منه (بطل العقد فيما لم يقبض)(4) سواء كان الكل أو البعض (5) لأن القبض شرط لصحة العقد (6) .
(1) أي في الصرف، وهو بيع نقد بنقد، اتحد الجنس أو اختلف.
(2)
يعني أن التفرق هنا كالتفرق في خيار المجلس، وهو ما لم يتفرقا عرفا بأبدانهما من مكان التبايع، وتقدم مفصلا.
(3)
أي جانب البائع، وجانب المشتري في المجلس، بطل العقد، لأن القبض في المجلس شرط لصحة الصرف بالإجماع.
(4)
أي من العوض المعقود عليه، لفوات شرطه، وصح فيما قبض، لوجود شرطه.
(5)
أي سواء كان الذي لم يقبض الكل فيبطل الكل، أو كان الذي لم يقبض البعض، فيبطل العقد في البعض الذي لم يقبض، ويقوم الاعتياض عن أحد العوضين وسقوطه عن ذمة أحدهما مقام قبضه.
(6)
أي لأن القبض في مجلس العقد شرط لبقاء العقد، فما لم يقبض فيه بطل عقدة بالتفرق منه.
لقوله صلى الله عليه وسلم «وبيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد» (1) ولا يضر طول المجلس مع تلازمهما (2) ولو مشيا إلى منزل أحدهما مصطحبين صح (3) وقبض الوكيل قبل مفارقة موكله المجلس كقبض موكله (4) ولو مات أحدهما قبل القبض فسد العقد (5) .
(1) وتقدم نحوه من غير وجه، وحكى ابن المنذر وغيره الإجماع على أن القبض في المجلس، شرط لصحة الصرف، وقال ابن القيم: حرم التفريق في الصرف، وبيع الربوي بمثله قبل القبض، لئلا يتخذ ذريعة إلى التأجيل الذي هو أصل باب الربا، فحماهم من قربانه باشتراط التقابض في الحال، ثم أوجب عليهم فيه التماثل، وأن لا يزيد أحد العوضين على الآخر، إذا كانا من جنس واحد.
(2)
أي لا يضر في صحة الصرف طول المجلس قبل القبض، مع تلازم المتبايعين.
(3)
أي ولو مشى المتعاقدان إلى منزل أحدهما مصطحبين لم يتفرقا فتقابضا، أو تماشيا إلى الصراف فتقابضا عنده صح الصرف، لأن المجلس هنا كمجلس الخيار في البيع، ولم يتفرقا قبل القبض، وهذا مذهب أبي حنيفة، والشافعي.
(4)
ما دام موكله بمجلس العقد، لتعلقه به، سواء بقي الوكيل في المجلس إلى القبض، أو فارقه ثم عاد، لأنه كالآلة.
(5)
أي ولو مات أحد المتصارفين قبل القبض في الكل أو البعض، فسد العقد فيما لم يقبض، لعدم تمام القبض، لأن القبض هنا كالقبول في البيع، لا إن مات أحدهما بعد التقابض وقبل التفرق، لأنه قد تم ونفذ.
(والدراهم والدنانير تتعين بالتعيين في العقد)(1) لأنها عوض مشار إليه في العقد، فوجب أن تتعين كسائر الأعواض (فلا تبدل)(2) بل يلزم تسليمها إذا طولب بها، لوقوع العقد على عينها (3)(وإن وجدها مغصوبة بطل) العقد، كالمبيع إذا ظهر مستحقا (4) وإن تلفت قبل القبض فمن مال بائع، إن لم تحتج لوزن أو عد (5) .
(1) فلا تبدل قال الموفق: هذا أظهر الرواتين، وهو مذهب مالك، والشافعي، ويحصل التعيين بالإشارة، سواء ضم إليها الاسم أو لا، كبعتك هذا الثوب بهذه الدراهم، أو بهذه فقط من غير تعيين، أو: بعتك هذا بهذه، من غير تسمية العوضين.
(2)
ولأنها أحد العوضين، فتتعين بالتعيين كالآخر، وتملك بالتعيين حال العقد، فلا يصح ولا يجوز للمشتري ونحوه إبدالها إذا وقع العقد على عينها لتعينها.
(3)
كهذا الدينار بهذه الدراهم، ذكرا وزنهما أم لا، ولو بوزن متقدم على مجلس صرف، وإن عين أحدهما دون الآخر، فلكل حكم نفسه.
(4)
لأنه باع مالا يملكه، وإن ظهر الغصب في البعض بطل العقد فيه فقط، والمراد عقد البيع وما بمعناه، لا كصداق وعوض عتق وخلع، وما صولح به عن دم أو غيره، وعبارة الخرقي: فلا بيع بينهما، وذلك لأن القبض فيه بمنزلة القبول، فلا يتم العقد إلا به.
(5)
أي وإن تلفت تلك الدراهم أو الدنانير المعينة بعقد قبل القبض فمن مال #
بائع ونحوه ممن صارت إليه، إن لم تحتج لوزن أو عد، كالمبيع المعين، فإن كان كذلك فمن ضمان باذل، إذا كان الثمن حاضرا معينا.
(و) إن وجدها (معيبة من جنسها)(1) كالوضوح في الذهب، والسواد في الفضة (أمسك) بلا أرش (2) إن تعاقدا على مثلين، كدرهم فضة بمثله (3) وإلا فله أخذه في المجلس (4) وكذا بعده من غير الجنس (5)(أو رد) العقد للعيب (6) .
(1) أي وإن وجد الدراهم أو الدنانير معيبة من جنس المعيبة، لا من جنس السليمة.
(2)
أي كالبياض في الذهب، وكالسواد في الفضة، والخشونة فيها، وكونها تنفطر عند الضرب، أو لكون سكتها مخالفة لسكة السلطان، أمسكها بلا أرش مطلقا، سواء كان من جنسه أو لا، وسواء تفرقا أو لا.
(3)
أي درهم فضة، وكدينار بدينار، هذا إذا كانت معيبة من جنسها.
(4)
أي وإلا يتعاقدان على مثلين فله أخذ الأرش في المجلس، لا من جنس السليم لئلا يصير من مسألة مد عجوة.
(5)
أي وكذا يجوز أخذ الأرش بعد المجلس، لكن من غير جنس العوضين، كأخذ بر، أو شعير، أو غيرهما، لعدم اشتراط التقابض في ذلك، وكذا سائر أموال الربا، إذا بيعت بغير جنسها مما القبض شرط فيه.
(6)
لأن لمن صار إليه المعيب الخيار بين الرد والإمساك، ومتى رده بطل العقد وليس له أخذ بدله لوقوع العقد على عينه.
وإن وجدها معيبة من غير جنسها (1) -كما لو وجد الدراهم نحاسا- بطل العقد (2) لأنه باعه غير ما سمى له (3) .
(ويحرم الربا بين المسلم والحربي)(4) بأن يأخذ المسلم زيادة من الحربي (5) لعموم ما تقدم من الأدلة (6) .
(1) أي وإن وجد الدراهم أو الدنانير معيبة بطل عقد البيع، ولو كان العيب يسيرا إذا كان من غير جنسها.
(2)
وكذا لو وجدها رصاصا، أو وجد مسا في الذهب، لم يصح العقد كبعتك هذا الفرس؛ فتبين أنه بغل.
(3)
فلم يصح البيع، وكذا إن ظهر العيب في بعض العوض، بأن صارفه دينارين بعشرين درهما، فوجد أحد الدينارين معيبا من غير جنسه، بطل العقد فيه فقط، بما قابله، وصح في السليم بما قابله، ومتى صارفه كان له الشراء منه من جنس ما أخذ منه، بلا مواطأة، ولو اشترى فضة بدينار ونصف، ودفع إلى البائع دينارين، ليأخذ قدر حقه منه فأخذه صح، والزائد أمانة في يده.
(4)
في دار الإسلام ودار الحرب، ولو لم يكن بينهما أمان، وفي الإنصاف: الصحيح من المذهب أن الربا محرم بين الحربي والمسلم مطلقا، وعليه أكثر الأصحاب، وقطع به كثير منهم، ونص عليه.
(5)
وهذا مذهب الجمهور، فيشترط في الحَضْر أن تكون الزيادة للمسلم.
(6)
أي في النهي عن الربا، والوعيد الشديد، فيتناول النهي المسلم مع الحربي، كالمسلم مع الذمي ولأن دار الحربي كدار الذمي، في أنه لا يد للإمام عليهما.
وما روي «لا ربا بين المسلم وأهل الحرب» خبر مجهول، لا يترك له تحريم ما دل عليه الكتاب والسنة.
(و) يحرم الربا (بين المسلمين مطلقا (1) بدار إسلام أو حرب) لما تقدم (2) إلا بين سيد ورقيقه (3) وإذا كان له على آخر دنانير، فقضاه دراهم شيئا فشيئا (4) فإن كان يعطيه كل درهم بحسابه من الدينار صح (5) وإن لم يفعل ذلك ثم تحاسبا بعد، فصارفه بها وقت المحاسبة لم يجز، لأنه بيع دين بدين (6) .
(1) سواء تفرقا أو لا، من جنسه أولا.
(2)
أي من الدليل على التحريم، وفي الإنصاف: يحرم بين المسلمين، في دار الإسلام والحرب بلا نزاع.
(3)
ولو كان الرقيق مدبرا، أو أم ولد، لأن المال كله للسيد، وكذا مكاتب في صورة ما إذا كاتبه، وكان في آخر نجم عليه عشرة مثلا، قال: أريد أن أقدم لك عن العشرة تسعة.
(4)
أي قضاه دراهم متفرقة، ليس دفعة واحدة.
(5)
بأن يقول: هذه الدراهم مثلا عن عشرة، وهذان الدرهمان عن دينار، كل شيء منها بما يقابله، صح الصرف.
(6)
أي وإن أعطاه الدراهم مع السكوت، ثم حاسبه بعد ذلك، فصارفه بها، وقت المحاسبة لم يصح، لأنه بيع دين بدين، حيث تبايعاه في الذمم.
وإن قبض أحدهما من الأخر ماله عليه، ثم صارفه بعين وذمة صح (1) .
(1) أي وإن قبض أحد المتصارفين من الآخر ماله عليه، ثم صارفه «بعين» أي معين، كهذا الدينار فهو معين (وذمة) وهو ما ليس بمعين، كعشرة دراهم في الذمة، صح، وكأن يكون لزيد على عمرو دينار، فيقضيه عمرو دراهم شيئا فشيئا، ولم يحسب عليه كل درهم بحسابه من الدينار، فلما تمت مقابلة الدينار من الدرهم، أخذ عمرو من زيد الدراهم، فقال: هذه عما في ذمتك من الدينار، فيكون مصارفا له بعين وذمة.
وقال ابن القيم: ظن بعض الفقهاء أن الوفاء يحصل باستيفاء الدين، بسبب أن الغريم إذا قبض الوفاء، صار في ذمة المدين مثله، ثم إنه يقاص بما عليه، وهذا تكلف، أنكره جمهور الفقهاء، وقالوا: بل نفس المال الذي قبضه يحصل به، الوفاء، ولا حاجة أن يقدر في ذمة المستوفي دينا، فمن ثبت في ذمته دين مطلق كلي، فالمقصود منه هو الأعيان الموجودة، وأي معين استوفاه، حصل به المقصود من ذلك الدين المطلق.