الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ويدعو حتى يسفر)(1) لأن في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل واقفا عند المشعر الحرام حتى أسفر جدا (2) فإذا أسفر سار قبل طلوع الشمس بسكينة (3)(فإذا بلغ محسرا) وهو واد بين مزدلفة ومنى سمي بذلك لأنه يحسر سالكه (4) .
(1) أي إسفارا بليغا، وهو مذهب الجمهور، وما روي عن مالك من الدفع قبل الإسفار، لا يدفع به ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم والضمير في يسفر للصبح، أو الداعي، ويكثر الدعاء، ويبالغ في الابتهال والتضرع، وإظهار الضعف والافتقار، وتقدم ما رواه أبو ذر الهروي، مباهاة الله بهم في عرفة، وفيه ثم قال:«إن القوم أفاضوا من عرفات إلى جمع، فقال: يا ملائكتي انظروا إلى عبادي، وقوفا وعادوا في الطلب، والرغبة، والمسألة، اشهدوا أني قد وهبت مسيئهم لمحسنهم، وتحملت التبعات التي بينهم» .
(2)
أي لم يزل قائما راكبا على ناقته، حتى أسفر جدًّا رواه مسلم وغيره، وحكى الطبري وغيره الإجماع على أن من لم يقف بها حتى طلعت الشمس فاته الوقوف.
(3)
وقاله الشيخ وغيره، ولا خلاف في استحبابه، لفعله صلى الله عليه وسلم وقال ابن القيم:
الإفاضة من مزدلفة قبل طلوع الشمس
سنة باتفاق المسلمين، وعن ابن عباس: أفاض قبل طلوع الشمس، حسنه الترمذي: وللبخاري عن عمر أهل الجاهلية كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، وكانوا يقولون: أشرق ثبير، كيما نغير، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفهم فأفاض قبل طلوع الشمس.
(4)
أي يعييه، وقيل: لأن أصحاب الفيل حسروا فيه، أو الفيل، أي أعيي
وانقطع عن الذهاب، وحسر من باب نصر، ويسميه أهل مكة: وادي النار، ومحسر برزخ بين منى ومزدلفة، لا من هذه ولا من هذه كما أن عرنة برزخ بين عرفة والمشعر الحرام، فبين كل مشعرين برزخ ليس منهن، فمنى من الحرم، وهي مشعر، ومحسر من الحرم، وليس بمشعر ومزدلفة حرم ومشعر وعرنة ليست مشعرا، وهي من الحل، وعرفة حل ومشعر.
(أسرع) قدر (رمية حجر)(1) إن كان ماشيا، وإلا حرك دابته (2) لأنه صلى الله عليه وسلم لما أتى بطن محسر حرك قليلا، كما ذكره جابر (3)(وأخذ الحصى) أي حصى الجمار، من حيث شاء (4) .
(1) قال ابن القيم: وغيره: والإسراع في وادي محسر سنة، نقلها طوائف عنه صلى الله عليه وسلم.
(2)
قال بعضهم: وعليه السكينة والوقار، ويلبي مع ذلك.
(3)
رواه مسلم وغيره، ولفظه: حتى أتى بطن محسر، فحرك قليلا وللخمسة عنه: أوضع في وادي محسر، يعني أسرع السير فيه، وهذه عادته صلى الله عليه وسلم في المواضع التي نزل بها بأس الله بأعدائه، فإن هناك أصاب أصحاب الفيل ما قص الله علينا، ولذلك سمي الوادي محسرا، لأن الفيل حسر فيه، كما ذكره غير واحد من أهل العلم، قال النووي في قوله:«لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين، إلا أن تكونوا باكين» فيه الحث على المراقبة عند المرور بدار الظالمين ومواضع العذاب، ومراده بالإسراع بوادي محسر، لأن أصحاب الفيل هلكوا هناك، فينبغي للمار في مثل هذه المواضع المراقبة، والخوف، والبكاء، والاعتبار بمصارعهم وأن يستعيذ بالله من ذلك.
(4)
وقاله الشيخ وغيره وقال أحمد: لا خلاف في الإجزاء، لقوله لابن عباس
غداة العقبة وهو على ناقته القصواء «القط» فلقطت له سبع حصيات من حصى الخذف رواه ابن ماجه وغيره، وهو في صحيح مسلم عن الفضل، ولفظه: حتى إذا دخل منى، قال:«عليكم بحصى الخذف» وهو الجمار، واحدتها جمرة وهي في الأصل الحصاة، ثم يسمى الموضع الذي ترمى فيه الحصيات السبع جمرة وتسمى الحصيات السبع جمرة أيضا، تسمية للكل باسم البعض.
وكان ابن عمر يأخذ الحصى من جمع (1) وفعله سعيد بن جبير، وقال: كانوا يتزودون الحصى من جمع (2) والرمي تحية منى (3) فلا يبدأ قبله بشيء (4) .
(1) اسم للمزدلفة، سميت به لاجتماع الناس بها، وتقدم.
(2)
أي الصحابة رضي الله عنهم، ولم يثبت أخذه صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه من غير منى، وإن لم يرد التصريح به، فهو كالظاهر، بل ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما كان في طريقه إلى منى أمر ابن عباس أن يلتقطها له، ولم يلتقطها بالليل، حال نزوله بمزدلفة، كما يثابر عليه بعض العوام قبل الصلاة، ولا أمر أصحابه، ولم ينقل أنه التقط سبعين منها، كما يفعله كثير من العوام اليوم، وفيه استعارة تبعية مكنية وذلك أنه شبه الأخذ الذي هو مصدر المستعار له، بالتزويد الذي هو مصدر المستعار منه، ثم اشتق منه الفعل، فسرت الاستعارة إليه، ثم شبه الحصى بالزاد فحذف المشبه، وأبقى المشبه به.
(3)
لفعله صلى الله عليه وسلم وبداءته به قبل كل شيء، واستمر العمل عليه، وكتحية الكعبة بالطواف، والمسجد بتحيته.
(4)
لا بحلق، ولا ذبح، ولا طواف، اتباعا لسنته صلى الله عليه وسلم حيث بدأ به قبل كل شيء.
(وعدده) أي عدد حصى الجمار (سبعون) حصاة (1) كل واحدة (بين الحمص والبندق)(2) كحصى الخذف (3) فلا تجزئ صغيرة جدًّا (4) ولا كبيرة (5) ولا يسن غسله (6)(فإذا وصل إلى منى، وهي من وادي محسر، إلى جمرة العقبة)(7) .
(1) يرمي يوم النحر بسبع، وأيام التشريق بثلاث وستين إن لم يتعجل، وذكر الرافعي أن أخبار رميه صلى الله عليه وسلم الجمار بسبعين متواترة.
(2)
قاله الشيخ وغيره، دون الأنملة طولا وعرضا، قدر حبة الباقلا المعتدلة وقيل: كقدر النواة، «والحمص» حب معروف يؤكل، بفتح الميم وكسرها، أعجمي معرب، والعامة تقول له: الحنبص، و «البندق» بضم الباء والدال، الذي يرمى به، الواحدة بندقة، بهاء، والجمع بنادق، وثمر شجر.
(3)
بالخاء والذال المعجمتين، الرمي بنحو حصاة، أو نواة بين السبابتين يحذف بها، لحديث جابر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار بمثل حصى الخذف، رواه الترمذي وغيره، وصححه، وقال: وهو الذي اختاره أهل العلم، أن تكون الجمار مثل حصى الخذف، ولابن ماجه: قال لي «القط» فلقطت له سبع حصيات، من حصى الخذف، ويكره بهيئة الخذف، للنهي الصحيح عنها، الشامل للحج وغيره.
(4)
لخروجها بالصغر عن الحد المعتاد المتعارف الخذف به، لما مر.
(5)
لقوله صلى الله عليه وسلم «بمثل هذا فارموا، وإياكم والغلو» وقال «عليكم بحصى الخذف» وهو يشير بيده، كما يخذف الإنسان، قال الشيخ: وإن كسره جاز، والتقاط الحصى أفضل من تكسيره من الجبل.
(6)
أي حصى الجمار، ما لم يكن عليه نجاسة.
(7)
فليسا من منى، لأن الحد غير المحدود، وجمرة العقبة هي آخر الجمرات
من ناحية منى، وأقربهن من مكة، وهي الجمرة الكبرى، والجمع العقبات، وقد صارت علما على العقبة التي ترمى عندها الجمرة، وتعريفها بالعلمية بالغلبة، لا باللام، وامتازت عن الأخريين بأربعة أشياء، اختصاصها بيوم النحر، وأن لا يوقف عندها، وترمى ضحى يوم النحر، ومن أسفلها، ويجزئ من فوقها، لفعل عمر، والأول أفضل، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وخروجا من الخلاف، ويستحب سلوك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى.
بدأ بجمرة العقبة (1) فـ (رماها بسبع حصيات متعاقبات) واحدة بعد واحدة (2) فلو رمى دفعة واحدة لم يجزئه إلا عن واحدة (3) .
(1) لبداءته صلى الله عليه وسلم منها، ولأنها تحية منى، فلم يتقدمها شيء كالطواف بالبيت.
(2)
أي ترمى واحدة بعد واحدة، لما في الصحيحين وغيرهما، عن ابن عمر وغيره، أنه صلى الله عليه وسلم رماها بسبع حصيات، وقال الوزير وغيره: أجمعوا على وجوب رمي جمرة العقبة يوم النحر خاصة بسبع حصيات، وقال ابن الماجشون: هو ركن، لا يتحلل إلا به، كسائر الأركان، وقال صلى الله عليه وسلم «إنما جعل رمي الجمار، والسعي بين الصفا والمروة، لإقامة ذكر الله» صححه الترمذي وغيره، وذكر غير واحد من أهل التفسير أنها من شعائر الله، وسئل سعيد بن منصور عنها فقال: الله ربكم تكبرون، وملة أبيكم تتبعون، ووجه الشيطان ترمون، وسببه: رمي الخليل الشيطان الذي كان يراه في تلك المواضع، ثم بقي بعده كسبب السعي والرمل.
(3)
عند جمهور أهل العلم، لفعله صلى الله عليه وسلم قال في الإنصاف: بمنزلة حصاة، لا أعلم فيه خلافا، ودفعة بفتح الدال المرة وبالضم، اسم لما يدفع بمرة.
ولا يجزئ الوضع (1)(يرفع يده) اليمنى حال الرمي (حتى يرى بياض إبطه)(2) لأنه أعون على الرمي (3)(ويكبر مع كل حصاة)(4) ويقول: «اللهم اجعله حجا مبرورا، وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا» (5)(ولا يجزئ الرمي بغيرها) أي غير الحصا (6) كجوهر، وذهب، ومعادن (7) .
(1) أي من غير رمي أو طرح، قولا واحدا، لأنه خلاف الوارد، ولا يسمى رميا، ولا في معنى الرمي الذي هو مجاهدة الشيطان، بالإشارة إليه بالرمي الذي يجاهد به العدو، كما يدل عليه ما تقدم عن سعيد بن منصور، قال: ووجه الشيطان ترمون، والأولى أن يكون بينه وبين المرمى خمسة أذرع، وإن طرحه طرحا أجزأ، جزم به الموفق وغيره، ولو رمى بها، فذهبت بها ريح عن المرمى لم يجزئه، أو وقعت على ثوب إنسان فنفضها، لم يجزئه، لأن حصولها في المرمى بفعل غيره.
(2)
مبالغة في الرفع «ويرى» بالبناء للمجهول.
(3)
وأمكن لحصولها في المرمى.
(4)
أي يستحب أن يكبر مع كل حصاة، وفي صحيح مسلم: رماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة.
(5)
لأن ابن عمر، وابن مسعود كانا يقولان، ذلك «ومبرورا» أي متقبلا يقال: بر الله حجك أي قبله.
(6)
أي غير جنس الحصا، لفعله صلى الله عليه وسلم وأمره به.
(7)
قال في الإنصاف: قولا واحدا، وخشب، وعنبر، ولؤلؤ، لأنها ليست من جنس الأرض، ولأنه نثار وليس برمي.
(ولا) يجزئ الرمي (بها ثانيا)(1) لأنها استعملت في عبادة، فلا تستعمل ثانيا، كماء الوضوء (2)(ولا يقف) عند جمرة العقبة بعد رميها (3) لضيق المكان (4) وندب أن يستبطن الوادي (5) وأن يستقبل القبلة (6) .
(1) أي بحصاة رمى بها، قال الشيخ: ولا يرمى بحصى قد رمي به.
(2)
أي كما لا يجزئ استعمال ماء الوضوء مرة ثانية، فكذا حصى الرمي.
(3)
حكاه غير واحد إجماعا، لفعل ابن عمر وغيره، وقوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، وقد تظافرت به الأخبار.
(4)
وعدم مشروعية الوقوف عندها، وانتهاء العبادة.
(5)
أي يدخله من بطنه، وبعضهم يرى وجوبه، وأنه لا يجوز من أعلى الجبل، والأكثر أنه جائز، وخلاف السنة، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، يختارون أن يرمي الرجل من بطن الوادي، وقد رخص بعض أهل العلم: إن لم يمكنه أن يرمي من بطن الوادي، رمي من حيث قدر عليه، وقال ابن الهمام: ثبت أنه رمى خلق كثير من الصحابة من أعلاها، ولم يؤمروا بالإعادة.
(6)
فتكون الجمرة عن يمينه، وعنه: يستقبلها، لما ثبت في الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يرميها من بطن الوادي، مستقبلا لها، البيت عن يساره، ومنى عن يمينه وفي لفظ: حتى إذا حاذى بالشجرة اعترضها
وقال الشيخ: يرميها مستقبلا لها، يجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه، هذا هو الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها: وفي الصحيحين عن ابن مسعود: انه انتهى إلى جمرة العقبة، فجعل البيت عن يساره، ومنى عن يمينه ورمى بسبع، وقال: هكذا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة، ولا تكون منى
عن يمينه، ومكة عن يساره، إلا وهو مستقبل للجمرة، وفيهما عنه أنه استقبل الجمرة حالة الرمي، فهو السنة المتبعة.
وأن يرمي على جانبه الأيمن (1) وإن وقعت الحصاة خارج المرمى، ثم تدحرجت فيه أجزأت (2) .
(1) لفعل ابن عمر، صححه الترمذي، ولفظ المبدع: على حاجبه الأيمن.
(2)
أي فإن وقعت خارج مجتمع الحصى، وهو الجمرة، والشاخص المرتفع منه، وإنما وضع علما على الجمرة، فهو ثلاثة أذرع من سائر الجوانب، إلا جمرة العقبة، فليس لها إلا جهة واحدة من بطن الوادي، وإذا وقع الرمي قريبا من الجمرة جاز، لأن هذا القدر مما لا يمكن الاحتراز عنه، وقال النووي وغيره: المراد مجتمع الحصى في موضعه المعروف، وهو الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم وحده الطبري وغيره بأنه ما كان بينه وبين الجمرة ثلاثة أذرع، والمشاهدة تؤيده فإن مجتمعه غالبا لا ينقص عن ذلك.
ومن مجتمع الحصى موضع الشاخص، ولم يقل أحد: إنه لا يجوز قصد الشاخص بالرمي، ولا يبعد أن يكون في موضع الشاخص أحجار موضوعة أصلا، أو بأمره صلى الله عليه وسلم، بني الشاخص عليها، والناس في زمنه صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يرمون حوالي محله، ويتركون محله، ولو وقع ذلك لنقل.
ولو فرش جميع المرمى بأحجار كفى الرمي عليه، لأن المرمى وإن كان هو الأرض، فالأحجار عليه تعد منه، ويعد الرمي عليها رميا على تلك الأرض، فالشاخص المبني يكفي الرمي عليه، واتفق الناس عليه خلفا عن سلف، ولم ينقل عن أحد طعن في ذلك، والناس لا يقصدون إلا فعل الواجب، والرمي إلى المرمى، وقد حل بفعل الرامي، وهو الذي يسع الناس، ولا يشترط بقاء الحجر في المرمى، فلا يضر تدحرجه، بعد وقوعه في المرمى، لحصول اسم الرمي.
(ويقطع التلبية قبلها)(1) لقول الفضل بن العباس: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة، أخرجاه في الصحيحين (2) (ويرمي) ندبا (بعد طلوع الشمس) (3) لقول جابر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة ضحى يوم النحر، وحده أخرجه مسلم (4) .
(1) أي قبل رمي الجمرة، وعند الشروع فيه، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، وجماهير العلماء، لأنه شرع فيما يحصل به التحلل.
(2)
قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، أن الحاج لا يقطع التلبية حتى يرمى الجمرة، ولهما عن ابن عباس أن أسامة والفضل كلاهما قالا: لم يزل يلبي حتى رمي جمرة العقبة، أي حتى شرع في رمي جمرة العقبة، وروى حنبل: قطع عند أول حصاة، وقال الطحاوي وغيره: جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آثار متواترة بتلبيته بعد عرفة، إلى أن رمى جمرة العقبة، وقال الشيخ: فإذا شرع في الرمي قطع التلبية، فإنه حينئذ يشرع في التحلل، وهكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ولا يزال يلبي في ذهابه إلى عرفات، وذهابه منها إلى مزدلفة حتى يرمي جمرة العقبة.
(3)
هذا هو الأفضل وحكاه ابن عبد البر وغيره إجماعا.
(4)
فدل على أفضلية رميها بعد طلوع الشمس يوم النحر لا غير، فوحده راجع ليوم النحر، وليس هو راجعا لقول جابر: رأيت
…
إلخ، فجمرة العقبة يندب أن ترمى ضحى يوم العيد وحده، وما بعد يوم العيد بعد الزوال، ويأتي
وعن ابن عباس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة ماشيا، رواه الترمذي وحسنه، وقال: العمل عليه عند بعض أهل العلم، ويجوز راكبا، والأكثر ماشيا.
(ويجزئ) رميها (بعد نصف الليل) من ليلة النحر (1) لما روى أبو داود عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة ليلة النحر، فرمت جمرة العقبة قبل الفجر، ثم مضت، فأفاضت (2) .
(1) وهذا مذهب الشافعي، وقال غير واحد: بعد الفجر، وأبو حنيفة وطوائف لا يجوزونه إلا بعد طلوع الفجر.
(2)
أي طافت طواف الإفاضة، ولأن أسماء نزلت بجمع، عند المزدلفة فقامت تصلي، ثم قالت: هل غاب القمر؟ قال مولاها عبد الله: نعم قالت: فارتحلوا فارتحلنا، ومشينا، حتى رمينا الجمرة، ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت: يا هنتاه، ما أرانا إلا قد غلسنا، قالت: يا بني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن متفق عليه، وقال ابن القيم: أنكره أحمد وغيره، وما روى هو وغيره عن ابن عباس أنهم رموها قبل الفجر، قد روى هو وغيره حديثا أصح منه، ولفظه «أي بني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس» رواه الخمسة وفيه انقطاع.
وعلى كل تقدير فلا تعارض، فإنه أمر الصبيان أن لا يرموا حتى تطلع الشمس، فإنه لا عذر لهم في تقديم الرمي، أما من قدمه من النساء، فإن قيل: رمين قبل طلوع الشمس، للعذر، والخوف عليهن من مزاحمة الناس، لأجل الرمي فقد يسوغ وأما القادر فلا يجوز له ذلك، وقول جماعة أهل العلم، الذي دلت عليه السنة رمي القادر بعد طلوع الشمس، قال ابن المنذر وغيره: السنة أن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز قبل طلوع الفجر، لأن فاعله مخالف للسنة، ومن رماها بعده فلا إعادة عليه إذ لا أعلم أحدا قال: لا يجزئه.
فإن غربت شمس يوم الأضحى قبل رميه، رمى من غد، بعد الزوال (1)(ثم ينحر هديا إن كان معه) واجبا كان أو تطوعا (2) .
(1) جزم به في الإنصاف وغيره، وتقدم أن وقت الرمي بعد طلوع الشمس، وإن أخره إلى آخر النهار جاز، وأما الليل فرخص فيه للرعاة خاصة.
(2)
لحديث أنس أتى منى، فأتى الجمرة، فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر: الحديث رواه مسلم، وعليه إجماع المسلمين، قال ابن القيم: ولم ينحر هديه إلا بعد أن حل، ولم ينحره قبل يوم النحر، ولا أحد من أصحابه ألبتة، وقال صلى الله عليه وسلم «ونحرت ههنا، ومنى كلها منحر، فانحروا في رحالكم» أي فلا تتكلفوا النحر في موضع نحري، بل يجوز لكم النحر في منازلكم وظاهره أن نحره في ذلك المكان وقع عن اتفاق، لا لشيء يتعلق بالنسك، ومنزله بين منحره ومسجد الخيف، ومنحره عند الجمرة الأولى.
قال الوزير وغيره: اتفقوا على أنه أي موضع نحر فيه من الحرم أجزأه إلا مالكا فقال: لا ينحر في الحج إلا بمنى، ولا في العمرة إلا بمكة، قال الشيخ: وكل ما ذبح بمنى، وقد سيق من الحل إلا الحرم فإنه هدي، سواء كان من الإبل، أو البقر، أو الغنم، ويسمى أيضا أضحية، بخلاف ما يذبح يوم النحر بالحل، فإنه أضحية، وليس بهدي، وليس بمنى ما هو أضحية وليس بهدي، كما في سائر الأمصار.
وقال هو وابن القيم: هدي الحاج بمنزلة الأضاحي للمقيم، ولم ينقل أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه جمعوا بين الهدي والأضحية، بل كان هديهم هو أضاحيهم، فهو هدي بمنى، وأضحية بغيرها، قال: فإذا اشترى الهدي من عرفات، وساقه إلى منى، فهو هدي باتفاق العلماء وكذلك إن اشتراه من الحرم فذهب به إلى التنعيم، وأما إذا اشترى الهدي من منى، وذبحه فيها، ففيه نزاع، فمذهب مالك أنه ليس بهدي، وهو منقول عن ابن عمر، ومذهب الثلاثة أنه هدي، وهو منقول عن عائشة.
فإن لم يكن معه هدي، وعليه واجب اشتراه (1) وإن لم يكن عليه واجب سن له أن يتطوع به (2) وإذا نحر الهدي فرقه على مساكين الحرم (3)(ويحلق)(4) ويسن أن يستقبل القبلة (5) .
(1) وذبحه والأفضل بمنى، للخبر.
(2)
لقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} إلى قوله: {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ *} ولا نزاع في سنيته.
(3)
لقوله: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} الآية، ولا يتعين ذبحه، فلو أطلقه لهم أجزأ، كما تقدم.
(4)
أي ثم بعد النحر يحلق، على هذا الترتيب، لثبوته في صحيح مسلم وغيره، فـ «الواو» هنا بمعنى «ثم» لأنه رمى جمرة العقبة، ثم عاد إلى منى، فذبح بدنة، ثم دعا بالحلاق فحلق رأسه، صلاة الله وسلامه عليه، وروي في الحديث «لكل من حلق رأسه بكل شعرة سقطت نور يوم القيامة» قال ابن الهمام: ومقتضى الدليل في الحلق وجوب الاستيعاب، كما هو قول مالك، وهو الذي أدين الله به قال مالك: ولا يخرج منه إلا بالاستيعاب، وحكى النووي الإجماع على حلق الجميع، والمراد إجماع الصحابة والسلف، ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه الاكتفاء بحلق بعض شعر الرأس، وتقدم النهي عنه.
(5)
لما تقدم من استحباب استقبال القبلة في كل طاعة إلا لدليل.
ويبدأ بشقه الأيمن (1)(أو يقصر من جميع شعره)(2) لا من كل شعرة بعينها (3) .
(1) للأمر بالبداءة باليمين، ولقوله صلى الله عليه وسلم للحلاق «خذ» وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، رواه مسلم وغيره، ولأبي داود، فأخذ شقه الأيمن فحلقه، فجعل يقسمه بين من يليه، ثم حلق شق رأسه الأيسر، وذكر جماعة: ويدعو وقت الحلق، لأنه نسك، وذكر الموفق وغيره، ويكبر، لأنه نسك، ولا يشارط على أجرة، ونقل عن بعض الأئمة أنه قال: أخطأت في حلق رأسي في خمسة أحكام، علمنيها حجام بمنى، قلت: بكم تحلق؟ قال: النسك لا يشارط عليه، فجلست، فقال: حول وجهك إلى القبلة، وقال: أدر الأيمن، وكبر فلما فرغت قال: صل ركعتين، فقلت: من أين لك؟ قال: رأيت عطاء يفعله والأربعة الأول هي فعل السلف.
(2)
نص عليه، لدعائه صلى الله عليه وسلم للمحلقين والمقصرين، ولقوله:{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} ويعمه لذلك لأنه بدل عن الحلق، فاقتضى التعميم للأمر بالتأسي، وظاهره التخيير بين الحلق والتقصير، لأن بعضهم حلق، وبعضهم قصر، ولم ينكر، والحلق أفضل من التقصير إجماعا، لما في الصحيحين أنه دعا للمحلقين ثلاثا، ثم قال:«والمقصرين» قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، يرون أن يحلق رأسه، وإن قصر يرون ذلك يجزئ عنه، ولأن المقصود قضاء التفث، وهو بالحلق أتم، فكان أولى، ولأنه أبلغ في العبادة، وأدل على صدق النية، لقوله:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} مرتبا على الذبح، وعن أنس: أتى جمرة العقبة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق «خذ» فقدم الذبح عليه لأن الذبح ليس بمحلل على سبيل العموم، فقدمه على الحلق، ليقع في الإحرام.
(3)
وقال شيخ الإسلام، وفي الإنصاف: هذا لا يعدل عنه، ولا يسع الناس غيره، وقال الشيخ: وإذا قصر جمع شعره، وقص منه بقدر الأنملة، أو أقل أو أكثر.
ومن لبد رأسه، أو ضفره أو عقصه فكغيره (1) وبأي شيء قصر الشعر أجزأ (2) وكذا إن نتفه (3) أو أزاله بنورة (4) لأن القصد إزالته (5) لكن السنة الحلق أو التقصير (6)(وتقصر منه المرأة) أي من شعرها (7)(قدر أنملة) فأقل (8) .
(1) يقصر من مجموعه، و «لبده» بالتشديد: ألزقه بصمغ ونحوه حتى يتلبد، وضفره، أي: جعله ضفائر، وعقصه: لواه وعقده، فكغيره في التقصير.
(2)
سواء كان بموسي أو غيره.
(3)
أجزأ، وهو خلاف السنة.
(4)
أو غيرها أجزأ
(5)
بعد أن منعه الإحرام من الترفه بأخذه.
(6)
للأمر به، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه له، وذكر بعض أهل العلم فيمن عدم الشعر، إمرار الموسي على رأسه، وحكى اتفاقا، وذكره الهيتمي إجماعا، تشبها بالحالقين، وقال غير واحد: إذا سقط ما وجب الحلق لأجله، سقط الحلق، وإمرار الموسي عبث وقد حل، وينبغي أن يأخذ من شاربه ليكون قد وضع من شعره شيئا لله.
(7)
أي تقصر المرأة من شعرها، وهو واجب إجماعا.
(8)
بلا خلاف، لعدم التقدير الشرعي، فيجب ما يقع عليه الاسم، وأجمعوا أنه لا يجب عليها حلق، وإنما شرع لهن التقصير، قال الشيخ: ولا تقصر أكثر من ذلك وأما الرجل فله أن يقصر ما شاء اهـ ونقل أبو داود، تجمع شعرها إلى مقدم رأسها، ثم تأخذ من أطرافه قدر أنملة.
لحديث ابن عباس يرفعه «ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير» رواه أبو داود (1) فتقصر من كل قرن قدر أنملة أو أقل (2) وكذا العبد (3) ولا يحلق إلا بإذن سيده (4) وسن لمن حلق أو قصر أخذ ظفر، وشارب، وعانة، وإبط (5)(ثم) إذا رمى وحلق أو قصر فـ (قد حل له كل شيء) كان محظورا بالإحرام (إلا النساء) وطأ (6) .
(1) وللترمذي وغيره عن علي: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها، قال: والعمل عليه عند أهل العلم، لا يرون على المرأة حلقا، ويرون أن عليها التقصير، ولأن الحلق مثلة في حقهن.
(2)
من الأنملة، قال في المبدع، بعد حكاية ابن الزاغوني، يجب أنملة، والأشهر يجزئ أقل منها، إذ لم يرد فيه تقدير.
(3)
أي حكمه حكم المرأة أنه يقصر قدر أنملة.
(4)
لأن الشعر ملك للسيد ويزيد في قيمته، ولم يتعين زواله، فلم يكن له ذلك كغير حالة الإحرام، فإن أذن له جاز، إذ الحق له.
(5)
قال ابن المنذر: صح أنه صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه قص أظفاره، ولأنه من التفث، فيستحب قضاؤه.
(6)
وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي، لأن تحريم المرأة ظاهر في وطئها، ولأنه أغلظ المحرمات، ويفسد النسك، بخلاف غيره، قال الشيخ: فإذا فعل ذلك فقد تحلل، باتفاق المسلمين، التحلل الأول، فيلبس الثياب، ويقلم أظفاره، وكذلك له على الصحيح أن يتطيب ويتزوج، ويصطاد، يعني خارج الحرم، ولا يبقى عليه من المحظورات إلا النساء، وحكى الوزير وغيره: اتفاقهم على أن للمحرم تحللين، أولهما رمي جمرة العقبة، وآخرهما طواف الإفاضة.
ومباشرة، وقبلة، ولمسا لشهوة، وعقد نكاح (1) لما روي سعد عن عائشة مرفوعا، «إذا رميتم وحلقتم، فقد حل لكم الطيب، والثياب، وكل شيء إلا النساء» (2)(والحلاق والتقصير) ممن لم يحلق (نسك)(3) .
(1) وهو أحد قولي الشافعي، وظاهر كلام جماعة حله، اختاره شيخ الإسلام وذكره رواية عن أحمد.
(2)
ورواه الأثرم وغيره، ولأحمد عن ابن عباس مرفوعا معناه، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، يرون أن المحرم إذا رمى جمرة العقبة يوم النحر، وذبح، وحلق أو قصر، فقد حل له كل شيء حرم عليه، إلا النساء، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وروي عن عمر وغيره: والطيب، وهو قول أهل الكوفة، وعن عائشة طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم، ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت، بطيب فيه مسك.
(3)
وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، وقال النووي وغيره: عند جماهير العلماء، والنسك العبادة فيثاب على فعله، ويعاقب على تركه، قال تعالى:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} فوصفهم ومنَّ عليهم بذلك، فدل على أنه من العبادة مع قوله:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} قيل: المراد به الحلق، ولو لم يكن نسكا لم يتوقف الحل عليه، ولأنه صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين والمقصرين، وفاضل بينهم، فلولا أنه نسك لما استحقوا لأجله الدعاء منه لهم، والحلاق بكسر الحاء، مصدر: حلق حلقا وحلاقا، والواو هنا بمعنى «أو» وعلم من كونهما نسكا أنه لا بد من نيتهما كنية الطواف.