الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويتأخر قليلاً) بحيث لا يصيبه الحصى (1)(ويدعو طويلاً) رافعا يديه (2)(ثم) يرمي (الوسطى مثلها) بسبع حصيات ويتأخر قليلاً، ويدعو طويلاً (3) لكن يجعلها عن يمينه (4)(ثم) يرمي (جمرة العقبة) بسبع كذلك (5) .
(1) وعبارة الموفق وغيره: ثم يتقدم قليلاً، كما في الصحيح وغيره، فإنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من غير وجه أنه تقدم أمامها، حتى أسهل فقام مستقبل القبلة.
(2)
بقدر سورة البقرة، وقاله الشيخ، وتلميذه وغيرهما، لما في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما: فيقوم مستقبل القبلة، قيامًا طويلاً ويدعو ويرفع يديه وقيده بعضهم بقدر سورة البقرة.
(3)
بلا نزاع، وظاهر كلام غيره، يتقدم قليلاً ويدعو لما في الصحيحين وغيرهما، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل، ويقوم مستقبل القبلة، ويدعو، ويرفع يديه ويقوم طويلاً، يحمد الله، ويثني عليه، ويهلل ويكبر، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو بحاجته، ويرفع يديه، وقال ابن القيم: ثم انحدر ذات اليسار مما يلي الوادي، فوقف مستقبل القبلة، رافعًا يديه يدعو قريبًا من وقوفه الأول، ف
تضمن حجه ست وقفات للدعاء
، على الصفا، والمروة وبعرفة، ومزدلفة وعند الجمرتين، وإن ترك الوقوف عندها والدعاء فقد ترك السنة ولا شيء عليه.
(4)
لما تقدم ولا يكون كذلك إلا بجعلها عن يمينه.
(5)
أي بسبع حصيات متعاقبات يرفع يده حتى يرى بياض إبطه ويكبر ويدعو إلى آخره، وقال الموفق وغيره: لا نعلم مخالفا لما تضمنه حديث ابن عمر، إلا ما روي عن مالك في رفع يديه، والسنة متظاهرة بذلك.
(ويجعلها عن يمينه (1) ويستبطن الوادي (2) ولا يقف عندها (3) يفعل هذا) الرمي للجمار الثلاث، على الترتيب والكيفية المذكورين (4)(في كل يوم من أيام التشريق (5) بعد الزوال) فلا يجزئ قبله (6) .
(1) فيكون مستقبل القبلة، وعنه: يستقبلها لما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يرميها من بطن الوادي، مستقبلاً لها، ويكون البيت عن يساره، وقال الشيخ: هذا هو الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم.
(2)
لما تقدم من الأخبار، والعمل عليه عند أهل العلم، وبعضهم يرى وجوبه.
(3)
قال الحافظ وغيره: لا نعلم فيه خلافا، لما في الصحيحين وغيرهما: أنه صلى الله عليه وسلم لا يقف عندها، وحكمة الوقوف عندهما دونها والله أعلم تحصيل الدعاء لكونه في وسط العبادة، بخلاف جمرة العقبة، لأن العبادة قد انتهت بفراغ الرمي، والدعاء في صلب العبادة قبل الفراغ منها، أفضل منه بعد الفراغ منها، كالصلاة.
(4)
أي في «المتن» وذلك باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم، وبنقل الخلف عن السلف.
(5)
فيرمي في اليوم الثاني من أيام منى، مثل ما رمى في الأول، ثم إن شاء رمى في اليوم الثالث، وهو الأفضل، وإن شاء تعجل في اليوم الثاني بنفسه، قبل غروب الشمس.
(6)
عند جمهور العلماء فعن عائشة: مكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمار،
إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة
يقف عند الأولى، والثانية، فيطيل القيام والتضرع، ويرمي الثالثة، ولا يقف عندها، رواه أبو داود، ولمسلم عن جابر، رأيته يرمي على راحلته يوم النحر، وأما بعد ذلك، فبعد زول الشمس، وللترمذي وحسنه: عن ابن عباس كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس، قال: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم، أنه لا يرمي بعد يوم النحر إلا بعد الزوال، فوقت الزوال للرمي، كطلوع الشمس لرمي يوم النحر، وله عن ابن عمر مرفوعًا: أنه كان يمشي إلى الجمار، وله عنه أيضا وصححه: كان إذا رمى الجمار مشى إليها، ذاهبًا وراجعًا، وقال: العمل عليه عند أكثر أهل العلم.
ولا ليلاً لغير سقاة ورعاة (1) والأفضل الرمي قبل صلاة الظهر (2) ويكون (مستقبل القبلة) في الكل (3)(مرتبًا) أي يجب ترتيب الجمرات الثلاث على ما تقدم (4) .
(1) فهم يرمون ليلاً ونهارًا «والسقاة» جمع ساق، اسم فاعل والسقاية: مصدر، كالحماية والرعاية، مضاف إلى المفعول: وليس المراد الذين يأتون بالماء للحاج، إنما الرخصة لسقاة زمزم خاصة، لأنها إنما وقعت للعباس، وهو صاحب زمزم، كما قاله المجد وغيره، والرعاة: هم رعاة الإبل خاصة، بضم الراء، جمع راع، ويجمع على رعيان.
(2)
لفعله صلى الله عليه وسلم.
(3)
أي حال الرمي، وآخر وقت كل يوم: المغرب، وتقدم: أنه يرمي جمرة العقبة مستقبلاً لها، والكعبة عن يساره.
(4)
قريبًا، بأن يرمي الأولى، وتلي مسجد الخيف، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، وهو شرط، إلا عند أبي حنيفة، فلو نكسه فبدأ بغير الأولى، لم يحتسب له إلا بها، ويعيد رمي الأخيرتين مرتين، وإن أخل بحصاة من الأولى لم يصح رمي.
الثانية، وإن جهل محلها بنى على اليقين، والموالاة ليست بشرط، جزم به مرعي وغيره، قال الخلوتي، يدل عليه قول: وإن جهل من أيها ترك، بنى على اليقين، أي فيجعلها من الأولى فيذهب إليها، فيرميها بحصاة واحدة فقط، ثم يعيد رمي ما بعدها، فإنها لو كانت الموالاة غير معتبرة، لما أعاد رمي الأولى.
وقال في قوله: وفي ترك حصاة ما في إزالة شعرة، بشرط أن تكون الأخيرة وأن يكون سائر ما قبلها من الجمرات وقع تاما، وأن تكون أيام التشريق قد مضت، فإنه لو كان الترك من غير الأخيرة، لم يصح رميه، ولم يصح رمي ما بعدها بالمرة، ولو كان جميع الترك من الأخيرة، ولم تمض أيام التشريق، وجب عليه أن يعيد، ولم يجزئه الإطعام، لبقاء وقت الرمي، وفي حاشيته، قوله: ومن له عذر، من نحو مرض، وحبس جاز أن يستنيب من يرمي عنه، هذا فيما إذا كان فرضًا، وأما إن كان نفلا جاز أن يستنيب ولو لغير عذر.
(فإن رماه كله) أي رمى حصى الجمار السبعين كله (في) اليوم (الثالث) من أيام التشريق (أجزأه) الرمي أداءً (1) لأن أيام التشريق كلها وقت للرمي (2)(ويرتبه بنيته) فيرمي لليوم الأول بنيته (3) ثم للثاني مرتبا، وهلم جرا (4) .
(1) قال في الإنصاف: بلا نزاع، كتأخير وقوف بعرفة إلى آخر وقته.
(2)
لأنه عليه الصلاة والسلام جوزه للرعاة، فلزم تجويزه لغيرهم.
(3)
فيرمي الأولى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة.
(4)
أي يرمي لليوم الثاني مرتبًا بنيته، يبتدئ بالأولى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة وهلم جرا، فيرمي للثالث كذلك، ويوالي بين الرمي.
كالفوائت من الصلاة (1)(فإن أخره) أي الرمي (عنه) أي عن ثالث أيام التشريق فعليه دم (2)(أو لم يبت بها) أي بمنى (فعليه دم)(3) لأنه ترك نسكًا واجبًا (4) ولا مبيت على سقاة ورعاة (5) .
(1) أي يرتبه بنيته، كما يرتب الفوائت من الصلاة بنيته.
(2)
أي فيستقر عليه الدم شاة.
(3)
وهو مذهب مالك، وقول للشافعي، وعنه: لا شيء عليه، وفاقا لأبي حنيفة.
(4)
فاستقر عليه الدم، لقول ابن عباس: من ترك نسكًا فعليه دم، والمبيت نسك عند الجمهور.
(5)
أي أهل سقاية الحج، القائمين بها، قولاً واحدًا، لما روي عن ابن عمر: أن العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى، من أجل سقايته فأذن له، متفق عليه، وكذا الرعاة، قال في الإنصاف: بلا نزاع، لما روى الترمذي وصححه: رخص لرعاة الإبل في البيتوتة، في أن يرموا يوم النحر، ثم يجمعوا رمي يومين بعد يوم النحر، يرمونه في أحدهما، ولأنهم يشتغلون بإسقاء الماء والرعي، فرخص لهم في ذلك، وكان العباس يلي السقاية، في الجاهلية والإسلام فمن قام بذلك بعده إلى الآن، فالرخصة له، وهم أهل سقاية زمزم.
ولما نزلت {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ} الآية قال العباس: ما أراني إلا تارك سقايتنا فقال صلى الله عليه وسلم «أقيموا على سقايتكم فإن لكم فيها خيرًا» ورواه البغوي بلفظ «اعملوا فإنكم على عمل صالح» وقال الموفق وغيره: أهل الأعذار كالمرضى ونحوهم، ومن له مال يخاف ضياعه، أو فواته، أو موت مريض، حكمه حكم الرعاة والسقاة، في ترك البيتوتة، وجزم به جمع، وصوبه في الإنصاف.
وقال ابن القيم: يجوز للطائفتين ترك المبيت بالسنة، وإذا كان قد رخص لهم، فمن له مال يخاف ضياعه، أو مريض يخاف من تخلفه عنه، أو كان مريضًا لا تمكنه البيتوتة، سقطت عنه، بتنبيه النص على السقاة والرعاة اهـ، وإن أدرك الليل الرعاة بمنى، لزمهم المبيت إلا أن تكون إبلهم في المرعى، ونحوه، فلهم الخروج لها إن خافوا عليها، وأهل السقاية يسقون ليلاً ونهارًا فلا يلزمهم.
ويخطب الإمام ثاني أيام التشريق، خطبة يعلمهم فيها حكم التعجيل والتأخير والتوديع (1)(ومن تعجل في يومين خرج قبل الغروب)(2) ولا إثم عليه (3) وسقط عنه رمي اليوم الثالث (4) .
(1) لما روي أبو داود عن رجلين من بنى بكر قالا: رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بمنى، أوسط أيام التشريق، ونحن عند راحلته، ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك، ليذكر العالم، ويعلم الجاهل.
(2)
قال في الإنصاف: بلا نزاع، وهو النفر الأول.
(3)
قال تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} أي أن يصيب في حجه شيئا نهاه الله عنه، خيرَّه تعالى ونفى الحرج، وظاهره، يشمل مريد الإقامة بمكة وغيره، قال في المبدع: وهو قول أكثر العلماء اهـ والأفضل أن يمكث ويرمي لفعله صلى الله عليه وسلم ونفي الإثم لا يقتضي المساواة، لنزولها بسب أن أهل الجاهلية منهم من يؤثِّم المتقدم، ومنهم من يؤثِّم المتأخر، فنفى الإثم تعالى عنهما لأخذ أحدهما بالرخصة، والآخر بالأفضل، وقيل: معناه: يغفر لهما بسبب تقواهما، فلا يبقى عليهما ذنب، كما روي عن ابن عباس وغيره.
(4)
حيث تعجل، ولا نزاع في ذلك، سوى الإمام، فالسنة بقاؤه، ليقيم لمن تأخر من الحاج نسكهم.
ويدفن حصاه (1)(وإلا) يخرج قبل الغروب (لزمه المبيت، والرمي من الغد) بعد الزوال (2) قال ابن المنذر: وثبت عن عمر أنه قال: من أدركه المساء في اليوم الثاني، فليقم إلى الغد، حتى ينفر مع الناس (3) .
(1) لا حاجة لدفنه، ولا يتعين عليه، بل له طرحه، أو دفعه إلى غيره.
(2)
لأن الشارع إنما جوز التعجيل في اليومين، واليوم: اسم لبياض النهار، فإذا غربت الشمس لزمه المبيت، والرمي من الغد بلا نزاع.
(3)
رواه مالك، وقال الشافعي، ليس له أن ينفر بعد غروب الشمس، وهو رواية عن أبي حنيفة وقاله الشيخ وغيره؛ وقال: ولأن الشارع جوز التعجيل في اليوم وهو اسم لبياض النهار، فإذا غربت الشمس خرج من أن يكون في اليوم فهو ممن تأخر، فلزمه المبيت بمنى، والرمي بعد الزوال، ونص عليه جمهور أهل العلم، وقال: ولا ينفر الإمام الذي يقيم للناس المناسك، بل السنة أن يقيم إلى اليوم الثالث، وقال أيضا: ليس له التعجيل لأجل من يتأخر اهـ، ثم إن نفر في اليوم الثاني، ثم رجع في اليوم الثالث، لم يضره رجوعه، وليس عليه رمي، لحصول الرخصة.
قال الشيخ: ثم إن نفر من منى، فإن بات بالمحصب، وهو الأبطح، وهو ما بين الجبلين إلى المقبرة، ثم نفر بعد ذلك فحسن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بات به وخرج، ولم يقم بمكة بعد صدوره من منى، لكنه ودع البيت، وقال: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت.
وقال ابن القيم: اختلف السلف في التحصيب، هل هو سنة أو منزل اتفاق؟
فقالت طائفة: هو من سنن الحج، لما في الصحيحين:«نحن نازلون غدا إن شاء الله، بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر» فقصد إظهار شعائر الإسلام في المكان الذي أظهروا فيه شعائر الكفر، والعداوة لله ورسوله، ولمسلم: أن أبا بكر وعمر كانوا ينزلونه، وابن عمر يراه سنة.
وذهبت طائفة منهم ابن عباس وعائشة، إلى أنه ليس بسنة، وإنما هو منزل اتفاق، وقال أبو رافع: لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن أنا ضربت قبته فيه، ثم جاء فنزل، فأنزل الله فيه بتوفيقه، تصديقًا لقوله صلى الله عليه وسلم قال في المبدع: ولا خلاف في عدم وجوبه.
(فإذا أراد الخروج من مكة) بعد عوده إليها (1)(لم يخرج حتى يطوف للوداع)(2) إذا فرغ من جميع أموره (3) .
(1) من منى، وظاهره: طال عوده إليها أو قصر؛ طال عهده بالبيت أو لا؛ ومفهومه أيضا أنه لو سافر لبلده من منى، ولم يأت مكة، ولم يكن عليه وداع، وصرح به شيخ الإسلام وغيره، وقال في الفروع: فإن ودع ثم أقام بمنى، ولم يدخل مكة فيتوجه جوازه اهـ ورجحه شيخنا.
(2)
لوجوبه عليه، ولم يصرحوا به، ويؤخذ من قولهم: من ترك طواف الزيارة ولم يقولوا: من اكتفى به، وقال الشيخ وغيره: هو واجب عند الجمهور وقال الوزير وغيره: واجب عند أبي حنيفة، وأحمد، والمشهور عند أصحاب الشافعي، وقال القاضي والأصحاب، إنما يستحق عليه عند العزم على الخروج، واحتج به الشيخ على أنه ليس من الحج، وهو مذهب الشافعي، وفي الإنصاف: يستحب أن يصلي ركعتين بعد الوداع، ويقبل الحجر.
(3)
حتى يكون آخر عهده بالبيت، وهذا مما لا نزاع في مشروعيته.
لقول ابن عباس: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض. متفق عليه (1) ويسمى طواف الصدر (2)(فإن أقام) بعد طواف الوداع (3)(أو اتجر بعده أعاده) إذاعزم على الخروج، وفرغ من جميع أموره (4) .
(1)«أمر الناس» على البناء للمجهول، والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم وكذا «خفف» ولمسلم: كان الناس ينصرفون في كل وجه، فقال صلى الله عليه وسلم «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت» وفيه دليل على وجوبه، وقال الترمذي: العمل عليه عند أهل العلم، ومن حديث الحارث، «من حج هذا البيت أو اعتمر، فليكن آخره عهده بالبيت» وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ارتحل من الأبطح، فمر بالبيت فطاف به، ثم سار متوجها إلى المدينة، من أسفل مكة من ثنية كدى.
(2)
بفتح الصاد والدال المهملتين، وهو: رجوع المسافر من مقصده صححه في الإنصاف وغيره، وقيل: طواف الصدر، هو الإفاضة كما تقدم لأنه يصدر إليه من منى.
(3)
لغير شد رحل ونحوه أعاده نص عليه للأخبار.
(4)
ليكون آخر عهده بالبيت قولاً واحدًا، كما ثبت من قوله وفعله صلى الله عليه وسلم لكن لو اتجر من غير تعريج لم تلزمه الإعادة، وصرح في المغني والشرح وغيرهما أنه: إن قضى حاجة في طريقه، أو اشترى زادًا، أو شيئًا لنفسه في طريقه، لم يعده بلا خلاف، لأن ذلك ليس باتجار، ولا إقامة وقال الشيخ فلا يشتغل بعده بتجارة ونحوها، ولكن إن قضى حاجته أو اشترى شيئا في طريقه بعد الوداع، أو دخل إلى المنزل الذي هو فيه ليحمل على دابته، ونحو ذلك مما هو من أسباب الرحيل، فلا إعادة عليه، وإن أقام بعد الوداع أعاده.
ليكون آخر عهده بالبيت (1) كما جرت العادة في توديع المسافر أهله وإخوانه (2)(وإن تركه) أي طواف الوداع (غير حائض رجع إليه) بلا إحرام، إن لم يبعد عن مكة (3) ويحرم بعمرة إن بعد عن مكة، فيطوف ويسعى للعمرة، ثم للوداع (4)(فإن شق) الرجوع على من بعد عن مكة دون مسافة قصر (5) .
(1) كما أنه أول مقصود له عند قدومه إليه.
(2)
يودعهم عند خروجه، فكذا يكون آخر عهده بالبيت طواف الوداع، ومن أقام بمكة فلا وداع عليه، بإجماع من أوجبه، إلا ما حكي عن أبي حنيفة فيمن نواه بعد ما حل له النفر الأول، وإن خرج غير حاج فظاهر كلام الشيخ لا يودع، ولو خرج من عمران مكة لحاجة فطرأ له السفر، لم يلزمه دخولها لأجل طواف الوداع، لأنه لم يخاطب به حال خروجه.
(3)
لقرب المسافة، ما لم يخف على نفس، ولا مال، ولا فوات رفقة، ولأنه رجوع لإتمام نسك مأمور به، أشبه من رجع لطواف الزيارة، ويأتي بالواجب من غير مشقة تلحقه.
(4)
واستشكله ابن نصر الله، لأنه إذا أحرم بعمرة مع أنه في بقية إحرام الحج، يكون قد أدخل عمرة على حجة، وقال: الصحيح عدم جوازه، وقال الشيخ: ليس الوداع من الحج ولا يتعلق به.
(5)
فعليه دم، لتركه الواجب في الحج، وظاهره، لا يلزمه الرجوع، لما فيه من المشقة، أشبه ما لو وصل إلى بلده.
أو بعد عنها مسافة قصر فأكثر، فعليه دم (1) ولا يلزمه الرجوع إذا (2) (أو لم يرجع) إلى الوداع (فعليه دم) (3) لتركه نسكًا واجبًا (4) (وإن أخر طواف الزيارة) (5) ونصه: أو القدوم (فطافه عند الخروج أجزأ عن) طواف (الوداع)(6) لأن المأمور به: أن يكون آخر عهده بالبيت، وقد فعل (7) .
(1) رجع أو لا.
(2)
دفعا للحرج، سواء تركه عمدا، أو خطأ، لعذر أو غيره، وحاصله أن من خرج قبل الوداع إما أن يرجع قبل مسافة قصر من مكة، أو بعدها، ففي الأول لا شيء عليه، ويعود بلا إحرام، وفي الثاني يحرم بعمرة، ولا يسقط عنه الدم كمن لم يرجع.
(3)
قال النووي وغيره: في قول أكثر العلماء اهـ يوصله إلى الحرم إن أمكن وإلا فرقه في مكانه، أو بلده.
(4)
في قول أكثر أهل العلم، فوجب بتركه دم، وقال ابن المنذر وغيره: هو واجب، للأمر به، إلا أنه لا يجب بتركه شيء، وهو ظاهر كلام الشيخ.
(5)
فطافه عند الخروج أجزأ عن الوداع.
(6)
قطع به الأكثر، وظاهره، ولو لم ينو طواف الوداع.
(7)
أي كان آخره عهده بالبيت الطواف، ولأن ما شرع، كتحية المسجد، يجزئ عنه الواجب من جنسه، كركعتي الطواف، تجزئ عنها المفروضة، فيجزئ طواف الزيارة عن طواف الوداع.
فإن نوى بطوافه الوداع لم يجزئه عن طواف الزيارة (1) ولا وداع على حائض ونفساء (2) إلا أن تطهر قبل مفارقة البنيان (3)(ويقف غير الحائض) والنفساء بعد الوداع في الملتزم (4) وهو أربعة أذرع (5) .
(1) لعدم نيته طواف الزيارة، وهو ركن من أركان الحج، لا يتم إلا به، فلا بد من نيته لتعينه.
(2)
في قول عامة الفقهاء، وفي الإنصاف، بلا نزاع، لقول ابن عباس: إلا أنه خفف عن الحائض، متفق عليه، وتقدم، وهو أصل في سقوط الوداع عنها، والنفساء مثلها فيما يجب، ويسقط، ولا فدية لذلك، قال في المبدع: وألحق الطبري وغيره بهن من خاف نحو ظالم، وغريم وهو معسر، وفوت رفقة.
(3)
أي فعليها أن ترجع، وتغتسل وتودع، لأنها في حكم الحاضرة، فإن لم تفعل، ولو لعذر فعليها دم، لتركها نسكًا واجبًا، وإن كان بعد مفارقة البنيان لم يلزمها الرجوع، لخروجها عن حكم الحضر.
(4)
وهو مذهب الشافعي وغيره، وكان ابن عباس يلتزم ما بين الركن والباب، وكان يقول: لا يلتزم ما بينهما أحد يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، والملتزم اسم مفعول من: التزم ويقال له المدعى، والمتعوذ سمي بذلك بالتزامه للدعاء والتعوذ، ويسمى الحطيم، لأن الناس يزدحمون على الدعاء فيه، ويحطم بعضهم بعضًا.
(5)
أي الملتزم ذرعه أربعة أذرع بذراع اليد.
(بين الركن) أي الذي به الحجر الأسود (والباب)(1) ويلصق به وجهه، وصدره، وذراعيه، وكفيه مبسوطتين (2)(داعيا بما ورد)(3) ومنه «اللهم هذا بيتك، وأنا عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك (4) حملتني على ما سخرت لي من خلقك، وسيرتني في بلادك، حتى بلغتني بنعمتك إلى
(1) أي باب الكعبة المشرفة، قال النووي: وهذا متفق عليه، فيلتزم ذلك الموضع.
(2)
وجميعه، لقول عبد الرحمن بن صفوان، وافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة، وأصحابه قد استلموا البيت، من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا صدورهم على البيت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم رواه أبو داود، وله عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: طفت مع عبد الله، فلما جاء دبر الكعبة، قلت: ألا تتعوذ؟ قال: أعوذ بالله من النار، ثم مضى، حتى استلم الحجر، فقام بين الركن والباب، فوضع صدره، وذراعيه وكفيه، هكذا وبسطهما بسطًا، وقال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه موضع تجاب فيه الدعوات.
(3)
وقال الشيخ وغيره، والمراد إن أحب ذلك، قال: وله أن يفعل ذلك قبل طواف الوداع، فإن هذا الالتزام لا فرق بين أن يكون حال الوداع أو غيره، والصحابة كانوا يفعلون ذلك حين يدخلون مكة، قال: ولو وقف عند الباب، ودعا هنالك، من غير التزام للبيت كان حسنًا، وإن شاء قال في دعائه الدعاء المأثور عن ابن عباس.
(4)
اعترافا لله بالعبودية التي هي أشرف مقامات العبد.
بيتك (1) وأعنتني على أداء نسكي (2) فإن كنت رضيت عني، فازدد عني رضى (3) وإلا فمن الآن (4) قبل أن تنأى عن بيتك داري (5) وهذا أوان انصرافي (6) إن أذنت لي، غير مستبدل بك، ولا ببيتك (7) ولا راغب عنك، ولا عن بيتك (8) اللهم فأصحبني العافية في بدني (9) والصحة في جسمي (10) »
(1) يعني الكعبة المشرفة، وسخرت لي أي ذللت لي من مخلوقك ما أسير عليه، و «بلَّغتني» بتشديد اللام، أي أوصلتني «بنعمتك» أي بإنعامك علي «إلى بيتك» الذي لا أصل إليه إلا بتيسيرك.
(2)
يعني من الحج، والعمرة «وأداء» بالمد اسم للتأدية.
(3)
طلبا لزيادة الرضى من الله، وهي صفة من صفاته جل وعلا.
(4)
أي الوقت الحاضر علي، «وُمنَّ» بضم الميم، وتشديد النون، من: منَّ يمنُّ فعل دعاء، ويروى بكسر الميم، وتخفيف النون، فيصير حرفًا لابتداء الغاية.
(5)
و «تنأى» مضارع «نأت» أي تبعد.
(6)
أي وقت منقلبي.
(7)
أي إن أذنت لي في الانصراف، غير متخذ عوضًا ولا خلفًا بك ولا ببيتك.
(8)
أي معرض، يقال: رغب عنه، أعرض عنه وتركه.
(9)
إذ لم يعط أحد بعد الإسلام خيرًا من العافية، «وأصحبني» بقطع الهمزة.
(10)
وفي الخبر: «اثنتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ» .
والعصمة في ديني (1) وأحسن منقلبي (2) وارزقني طاعتك ما أبقيتني (3) واجمع لي بين خيري الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير (4) ويدعو بما أحب (5) ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم (6) ، ويأتي الحطيم أيضا، وهو تحت الميزاب فيدعو (7) .
(1) العصمة منع الله عبده من المعاصي.
(2)
أي منصرفي و «أحسن» بقطع الهمزة.
(3)
فمن رزقه الطاعة فقد فاز.
(4)
روي عن ابن عباس، وأورده في المحرر، وفي الشرح حكاه عن بعض الأصحاب وهو لائق بالمحل.
(5)
فأي شيء دعا به فحسن من خيري الدنيا والآخرة.
(6)
لأن الدعاء لا يرد إذا اقترن به.
(7)
فهو من المواضع التي تستجاب فيها الدعوات، قال ابن القيم: الصحيح أن الحطيم الحجر نفسه اهـ سمي الحجر «حطيمًا» لما حطم من جداره، وكانت قريش قصرت بها النفقة عن إتمام البيت، وأتمه ابن الزبير على قواعد إبراهيم، لما بلغه الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخرجه الحجاج، ولم يسوه ببناء البيت، وتركه خارجا منه، محطوم الجدار.
وأصل الحطم الكسر، وإنما سمي حجرا لأنه «حجر» أي اقتطع من الأرض، بما أدير عليه من البنيان، وليس كله من البيت كما تقدم، بل ستة أذرع وثلث، وأكثر أهل اللغة على أن الحطيم هو ما بين الباب وزمزم.
ثم يشرب من ماء زمزم (1) ويستلم الحج، ويقبله، ثم يخرج (2)(وتقف الحائض) والنفساء (ببابه) أي باب المسجد (3)(وتدعو بالدعاء) الذي سبق (4)(وتستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبري صاحبيه) رضي الله عنهما (5) .
(1) قال الشيخ وغيره: لما أحب، ويدعو بما ورد؛ كما تقدم، قال الشيخ: ومن حمل من ماء زمزم جاز، فقد كان السلف يحملونه.
(2)
ذكره الشيخ، ورواه منصور، عن مجاهد، فإذا ولى لا يقف، ولا يلتفت، حتى قيل: إن التفت رجع وودع استحبابًا، ذكره جماعة وفي الفائق وغيره: لا يستحب له المشي قهقرى بعد وداعه.
قال الشيخ: بدعة مكروهة فإذا ولى لا يقف، ولا يلتفت، ولا يمشي القهقرى وهي مشية الراجع إلى خلف، بل يخرج كما يخرج الناس من المساجد عند الصلاة، وكذلك عند سلامه عليه صلى الله عليه وسلم.
(3)
ولا تدخله لأنها ممنوعة من دخوله، لخبر «لا أحل المسجد لحائض ولا جنب» وقال ابن عباس: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت الطواف، إلا أنه خفف عن الحائض، متفق عليه، والنفساء في منزلتها، فيتناولها النص دلالة، وقال لما حاضت صفية «أحابستنا هي؟» قالوا: إنها قد أفاضت، فهما أصل في سقوط طواف الوداع، وقال: والعمل عليه عند أهل العلم، أن المرأة إذا طافت طواف الزيارة، ثم حاضت، أنها تنفر وليس عليها شيء، وهو قول الشافعي وأحمد.
(4)
أو بغيره، إذ لا محذور من ذلك، ولمشاركتها الرجل فيه.
(5)
أي ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه، وهو مراد من أطلق من الأصحاب، فإن الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم خير من ألف
صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، قال الشيخ: فإذا دخل المدينة قبل الحج، أو بعده، فإنه يأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي فيه، والصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، ولا تشد الرحال إلا إليه، وإلى المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، هكذا ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد وهو مروي من طرق أُخر، قال: ومسجده كان أصغر مما هو اليوم، وكذلك المسجد الحرام، لكن زاد فيهما الخلفاء الراشدون، ومن بعدهم وحكم الزيادة حكم المزيد في جميع الأحكام.
قال: والنية في السفر إلى مسجده وزيارة قبره مختلفة، فمن قصد السفر إلى مسجده للصلاة فيه، فهذا مشروع، بالنص والإجماع، وكذا إن قصد السفر إلى مسجده وقبره معًا، فهذا قصد مستحبًّا مشروعًا بالإجماع، وإن لم يقصد إلا القبر، ولم يقصد المسجد، فهذا مورد النزاع، فمالك والأكثرون: يحرمون هذا السفر، وكثير من الذين يحرمونه، لا يجوزون قصر الصلاة فيه، وآخرون يجعلونه سفرا جائزا، وإن كان السفر غير جائز، ولا مستحب، ولا واجب بالنذر.
ولم يعرف عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو لا تستحب، ونحو ذلك، ولا علق بهذا الاسم حكمًا شرعيًّا، وقد كره كثير من العلماء التكلم به، وذلك اسم لا مسمى له، ولفظ لا حقيقة له، وإنما تكلم به من تكلم من بعض المتأخرين، ومع ذلك لم يريدوا ما هو المعروف من زيارة القبور، فإنه معلوم أن الذاهب إلى هناك، إنما يصل إلى مسجده صلى الله عليه وسلم والمسجد نفسه يشرع إتيانه، سواء كان القبر هناك أو لم يكن.
لحديث «من حج فزار قبري بعد وفاتي، فكأنما زارني في حياتي» رواه الدارقطني (1) .
(1) قال الشيخ: هذا الحديث ضعيف، باتفاق أهل العلم، ليس في شيء
من دواوين الإسلام التي يعتمد عليها، ولا نقله إمام من أئمة المسلمين، والدارقطني وأمثاله يذكر هذا ونحوه ليبين ضعف الضعيف من ذلك، وقال ابن عبد الهادي: منكر المتن ساقط الإسناد، لم يصححه أحد من الحفاظ، ولا احتج به أحد من الأئمة بل ضعفوه وطعنوا فيه، وذكر بعضهم أنه من الأحاديث الموضوعة، والأخبار المكذوبة، وقال: منكر جدًّا.
فيسلم عليه مستقبلاً له (1) .
(1) وذلك بأن يستقبل مسمار الفضة، في الرخامة الحمراء، ويسمى الآن الكوكب الدري، وظهره إلى القبلة بعد تحية المسجد، فيقول: السلام عليك يا رسول الله، لما رواه أبو داود وغيره عن أبي هريرة مرفوعا «ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله علي روحي، حتى أرد عليه السلام» وظاهره، أن هذه الفضيلة تحصل لكل مسلم، قريبًا كان أو بعيدًا، وكان ابن عمر لا يزيد على ذلك، ثم يتقدم قليلاً، ويسلم على أبي بكر رضي الله عنه، ثم يتقدم قليلا فيسلم على عمر رضي الله عنه.
قال الشيخ: يسلمون عليه مستقبلي الحجرة، مستدبري القبلة، عند أكثر العلماء، كمالك، والشافعي، وأحمد، وأبو حنيفة قال: يستقبل القبلة، ومن أصحابه من قال: يستدبر الحجرة ومنهم من قال: يجعلها عن يساره، وقال: ويسلم عليه، وعلى صاحبيه، فإنه قال:«ما من رجل يسلم علي، إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه السلام» قال: وإذا قال: السلام عليك يا نبي الله، يا خيرة الله من خلقه، يا أكرم الخلق على ربه، يا إمام المتقين، فهذا كله من صفاته يأبى هو وأمي صلى الله عليه وسلم وكذلك إذا صلى عليه مع السلام، فهذا مما أمر الله به اهـ.
وإن قال: السلام عليك يا أبا بكر الصديق، السلام عليك يا عمر الفاروق، السلام عليكما يا صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وضجيعيه، ورحمة الله وبركاته اللهم اجزهما عن نبيهما وعن الإسلام خيرًا (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ *) اللهم لا تجعله آخر العهد بقبر نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، ولا من مسجدك، يا أرحم الراحمين فلا بأس.
ثم يستقبل القبلة، ويجعل الحجرة عن يساره، ويدعو بما أحب (1) ويحرم الطواف بها (2) .
(1) هكذا ذكره بعض الأصحاب، وغيرهم مجردًا عن الدليل، قال الشيخ: ولا يدعو هناك مستقبل الحجرة، فإنه منهي عنه باتفاق الأئمة، ومالك من أعظم الناس كراهة لذلك، ولا يقف عند القبر للدعاء لنفسه، فإن هذا بدعة، ولم يكن أحد من الصحابة يقف عنده يدعو لنفسه، ولكن كانوا يستقبلون القبلة، ويدعون في مسجده، فإنه قال:«اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد» وقال «لا تجعلوا قبري مسجدًا وصلوا علي حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني» فأخبر أنه يسمع الصلاة والسلام من القريب، وأنه يبلغ ذلك من البعيد، وقال «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر ما فعلوا، قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا، أخرجاه.
فدفنته الصحابة في موضعه الذي مات فيه، من حجرة عائشة، وكانت هي وسائر الحجر خارج المسجد، من قبليه وشرقيه، لكن لما كان في زمن الوليد، أمر عمر بن عبد العزيز، أن تشترى الحجر، ويزاد في المسجد، فدخلت الحجرة في المسجد، وبنيت منحرفة عن القبلة، مسنمة لئلا يصلي إليها أحد، فإنه قال صلى الله عليه وسلم «لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها» رواه مسلم.
(2)
بإجماع المسلمين، وقال الشيخ وغيره: يحرم الطواف بغير البيت العتيق اتفاقا.
ويكره التمسح بالحجرة (1) ورفع الصوت عندها (2) .
(1) وتقبيلها والمراد كراهة التحريم، قال الشيخ: اتفقوا على أنه لا يقبل جدار الحجرة ولا يتمسح به، فإنه من الشرك، والشرك لا يغفره الله، وإن كان أصغر إلا بالتوبة منه.
(2)
أي يكره رفع الصوت، عند حجرته صلى الله عليه وسلم كما لاترفع فوق صوته لأنه في التوقير والحرمة كحياته، قال الشيخ: ورفع الصوت في المساجد منهي عنه، وهو في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أشد، وقد ثبت: أن عمر رأى رجلين يرفعان أصواتهما في المسجد، فقال: لو أعلم أنكما من أهل البلد، لأوجعتكما ضربا، إن الأصوات لا ترفع في مسجده صلى الله عليه وسلم، فما يقوله بعض جهال العامة، من رفع الصوت عقب الصلاة، من قولهم: السلام عليك يا رسول الله، بأصوات عالية، أو منخفضة، بدعة محدثة، بل ما في الصلاة من قول المصلين: السلام عليك أيها النبي هو المشروع، كما أن الصلاة مشروعة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل زمان ومكان، وقد ثبت أنه قال «من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرًا» .
وفي الفنون: قدم أبو عمران، فرأى ابن الجوهري يعظ، قد علا صوته، فقال: ألا، لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم في التوقير، والحرمة، بعد موته كحال حياته، وكما لا ترفع الأصوات بحضرته حيًّا، ولا من وراء حجرته، فكذا بعد موته؛ انزل فنزل ابن الجوهري، وفزع الناس لكلام أبي عمران قال ابن عقيل: لأنه كلام صدق وعدل، وجاء على لسان محق، فتحكم على سامعه اهـ وأوجبه بعضهم وكذا عند حديثه يعدونه كرفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم.
قال الشيخ: ويستحب أن يأتي مسجد قباء، ويصلي فيه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تطهر في بيته وأحسن الطهور، ثم أتى مسجد قباء لا يريد
إلا الصلاة، غفرت له ذنوبه» في أحاديث كثيرة، وأما زيارة المساجد، التي بنيت بمكة، غير المسجد الحرام، كالمسجد الذي تحت الصفا، وما في سفح أبي قبيس، ونحو ذلك، من المساجد التي بنيت على آثار النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، كمسجد المولد وغيره، فليس قصد شيء من ذلك من السنة، ولا استحبه أحد من الأئمة ومثل جبل حراء، والجبل الذي عند منى، الذي كان يقال فيه، إنه قبة الفداء، ونحو ذلك، فإنه ليس من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم زيارة شيء من ذلك، بل هو بدعة، وكذلك ما يوجد في الطرقات، من المساجد المبنية.
قال: وقبر الخليل كان مسدودًا، بمنزلة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأحدث عليه المسجد، وكان أهل العلم والدين، العالمون العاملون بالسنة، لا يصلون هناك، وأما التمر الصيحاني، فلا فضيلة فيه، بل غيره من البرني والعجوة خير منه، والأحاديث إنما جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه، كما في الصحيح «من تصبح بسبع تمرات عجوة، لم يصبه ذلك اليوم سم ولا سحر» وكذا قول بعض الجهال، إن عين الزرقاء جاءت معه من مكة، ولم يكن بالمدينة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم عين جارية، لا الزرقاء، ولا عيون حمزة، ولا غيرها، بل كل ذلك مستخرج بعده.
وإذا أدار وجهه إلى بلده، قال:«لا إله إلا الله (1) آئبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون (2) »
(1) أي إذا توجه إليها قال ذلك، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما رأى المدينة راجعًا من حجة الوداع، كبر ثلاث مرات، وقال:«لا إله إلا الله آئبون..» إلخ.
(2)
«آئبون» راجعون من سفرنا، تائبون لربنا، عابدون لربنا، حامدون له أن بلغنا بيته، وقضينا مناسكنا، فله الحمد.
صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده (1)(وصفة العمرة أن يحرم بها من الميقات)(2) إن كان مارا به (3)(أو من أدنى الحل) كالتنعيم (4)(من مكي ونحوه) ممن بالحرم (5) و (لا) يجوز أن يحرم بها (من الحرم) لمخالفة أمره صلى الله عليه وسلم (6) .
(1) ويخبرهم، لئلا يقدم بغتة، ويكره أن يطرقهم ليلا لغير عذر، ويبدأ بالمسجد فيصلي ركعتين، ويستحب أن يقال للقادم من الحج، قبل الله حجك، وغفر ذنبك، وأخلف نفقتك، وكانوا يغتنمون أدعية الحاج، قبل أن يتلطخوا بالذنوب.
(2)
الذي وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل كل جهة من جهات الأرض، وتقدم تفصيلها.
(3)
أي بميقاته الموقت له، أو محاذيا له على ما تقدم.
(4)
موضع معروف، بينه وبين مكة، فرسخان، وكذا «الجعرانة» بكسر فسكون، وتخفيف الراء، على الأفصح، وهي على طريق الطائف، على ستة فراسخ من مكة، عذبة الماء، والأفضل منها، لاعتماره منها عام حنين، ثم الحديبية بئر قريب جدة، بالمهملة بينها وبين مكة، كما بين الجعرانة إليها.
(5)
وكان ميقاتا له، قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه، ولا فرق بين المكي وغيره.
(6)
يعني لعائشة رضي الله عنها، حيث أمرها أن تخرج إلى التنعيم، فتأتي بعمرة منه.
وينعقد وعليه دم (1)(فإذا طاف وسعى، و) حلق أو (قصر حل)(2) لإتيانه بأفعالها (3) .
(1) أي وينعقد إحرامه بالعمرة من الحل وفاقا، كما لو أحرم بعد أن جاوز الميقات الواجب، لإرساله عائشة، قالوا: ولو لم يجب، لما أرسلها لضيق الوقت.
قال ابن القيم: والعمرة التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعلها: نوعان، لا ثالث لهما، عمرة التمتع، وهي التي أذن فيها عند الميقات، وندب إليها في أثناء الطريق، وأوجبها على من لم يسق الهدي، عند الصفا والمروة، والثانية العمرة المفردة التي ينشئ لها سفرًا، كعمره صلى الله عليه وسلم ولم يشرع عمرة مفردة غيرهما، وفي كليهما المعتمر داخل إلى مكة، وأما عمرة الخارج منها إلى أدنى الحل فلم تشرع، وأما عمرة عائشة فزيادة محضة، وإلا فعمرة قرانها قد أجزأت عنها بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الشيخ: يكره الخروج من مكة لعمرة تطوع، وذلك بدعة، لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه على عهده، لا في رمضان، ولا في غيره، ولم يأمر عائشة، بل أذن لها بعد المراجعة، تطييبًا لقلبها، وطوافه بالبيت أفضل من الخروج اتفاقا، وخروجه عند من لم يكرهه، على سبيل الجواز، وإنما اعتمر صلى الله عليه وسلم ثلاث عمر: عمرة الحديبية في ذي الحجة، سنة ست، وعمرة القضية سنة سبع، وعمرة الجعرانة سنة ثمان، والرابعة مع حجة الوداع سنة عشر.
(2)
أي من العمرة، لأنها أحد النسكين فيحل بفعل ما ذكر، كحله من الحج بأفعاله.
(3)
من طواف وسعي، وحلق أو تقصير، وهذا مما لا نزاع فيه.
(وتباح) العمرة (كل وقت) فلا تكره بأشهر الحج (1) ولا يوم النحر أو عرفة (2) ويكره الإكثار (3) والموالاة بينها باتفاق السلف، قاله في المبدع (4) .
(1) قال الوزير وغيره: أجمعوا أن فعلها في جميع السنة جائز، فقد ندب صلى الله عليه وسلم عليها، وفعلها في أشهر الحج، وقال «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» ويكفي كون النبي صلى الله عليه وسلم أعمر عائشة من التنعيم، سوى عمرتها التي كانت أهلت بها مع الحج، قال ابن القيم: هو أصل في جواز العمرتين في سنة في سنة بل في شهر اهـ فثبت الاستحباب من غير تقييد، خلافًا لمالك، وأبى حنيفة، فاستثنى أبو حنيفة الخمسة الأيام، ومالك لأهل منى، وكراهة أحمد على الإطلاق، قال الشيخ وغيره: ولا وجه لمن لم يتلبس بأعمال الحج.
(2)
أي ولا تكره العمرة يوم النحر، أو يوم عرفة، لمن لم يكن متلبسًا بالحج باتفاق الأئمة.
(3)
أي من العمرة، وتكرارها في غير رمضان وكره مالك والحسن العمرة في كل شهر مرتين، وقال مالك: يكره في السنة مرتين، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في سنةمرتين.
(4)
والموفق وقدمه في الفروع، وقال: اختاره الموفق وغيره، وقال أحمد: إن شاء كل شهر وتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعمر عائشة، ولم يأت نص بالمنع من العمرة ولا بالتقرب إلى الله بشيء من الطاعات، ولا من الازدياد من الخير، وهذا قول الجمهور، وقوله:«العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما» دليل على التفريق بين الحج والعمرة في التكرار، وتنبيه على ذلك إذ لو كانت لا تفعل في السنة إلا مرة، لسوى بينهما ولم يفرق.
ويستحب تكرارها في رمضان، لأنها تعدل حجة (1)(وتجزئ) العمرة من التنعيم (2) .
(1) فإنه قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر أم معقل لما فاتها الحج معه، أن تعتمر في رمضان، وأخبرها أنها تعدل حجة وورد أمره بها لغيرها، ولاجتماع فضل الزمان والمكان، ولكن كانت عمره صلى الله عليه وسلم كلها، في أشهر الحج، مخالفة لهدي المشركين، فإنهم كانوا يكرهون العمرة في أشهر الحج، ويقولون: هي من أفجر الفجور.
قال ابن القيم: وهذا دليل على أن الاعتمار في أشهر الحج أفضل من سائر السنة بلا شك، سوى رمضان، لخبر أم معقل، ولكن لم يكن الله ليختار لنبيه صلى الله عليه وسلم إلا أولى الأوقات، وأحقها بها، فكانت في أشهر الحج، نظير وقوع الحج في أشهره، وهذه الأشهر قد خصها الله بهذه العبادة، وجعلها وقتًا لها والعمرة حج أصغر، فأولى الأزمنة بها أشهر الحج، وقد يقال: إنه يشتغل في رمضان من العبادات، بما هو أهم منها، فأخرها إلى أشهر الحج، مع ما فيه من الرحمة لأمته، فإنه لو فعله لبادرت إليه.
(2)
وكره الشيخ وابن القيم الخروج من مكة لعمرة تطوعًا كما تقدم، وأنه بدعة لم يفعله صلى الله عليه وسلم هو ولا أصحابه على عهده، إلا عائشة تطييبًا لنفسها، وكانت طلبت منه أن يعمرها، وقد أخبرها أن طوافها وسعيها قد أجزأها عن حجها وعمرتها، فأبت عليه إلا أن تعتمر عمرة مفردة، وكانت لا تسأله شيئا إلا فعله، فلم يخرج لها في عهده غيرها، لا في رمضان، ولا في غيره اتفاقا، ولم يأمر عائشة، بل أذن لها بعد المراجعة ليطيب قلبها، وتقدم قوله: طوافه وعدم خروجه لها أفضل اتفاقًا، وقال ابن القيم: وأما عمرة الخارج إلى الحل، فلم تشرع، وعمرة عائشة زيادة محضة، ولم يشرع إلا عمرة مع الحج أو مفردة بسفر، لا من الحرم، وفي إجزاء العمرة من التنعيم نزاع.
وعمرة القارن (عن) عمرة (الفرض) التي هي عمرة الإسلام (1)(وأركان الحج) أربعة (2)(الإحرام) الذي هو نية الدخول في النسك (3) لحديث «إنما الأعمال بالنيات» (4)(والوقوف) بعرفة (5) لحديث «الحج عرفة» (6) .
(1) قال في المبدع وغيره: وهي الأصح أنها تجزئ عنها، لقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة لما قرنت وطافت «قد حللت من حجك وعمرتك» رواه مسلم ولأن الواجب عمرة واحدة، وقد أتى بها صحيحة، فأجزأت كعمرة المتمتع وهي لا نزاع في إجزائها، ولأن عمرة القارن أحد النسكين للقارن، فأجزأت كالحج، وأما عمرة عائشة فتطييب لقلبها، كما جزم به الشيخ وغيره، ولو كانت واجبة لأمرها بها قبل سؤالها.
(2)
حكاه الوزير وغيره اتفاقا، إلا السعي فعند أبي حنيفة أنه واجب، ينوب عنه الدم، واختاره القاضي.
(3)
مع تلبية، أو سوى الهدي، لا تجرد من مخيط فقط لأن ذلك واجب كما يأتي، وهو عبادة، ولا يتم إلا بنية كالصلاة، وركن من أركان الحج بالإجماع.
(4)
فلا عمل إلا بنية كما تقدم في غير موضع.
(5)
أي هو ركن من أركان الحج إجماعًا، وتقدم أنه يجزئ منه ساعة من ليل أو نهار، من فجر يوم عرفة، إلى فجر يوم النحر، وأن الأرجح من الزوال.
(6)
أي أنه صلى الله عليه وسلم أمر مناديه «الحج عرفة» أي الحج الصحيح حج «من أدرك عرفة قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج» رواه الخمسة، وقال سفيان: العمل عليه عند أهل العلم فالوقوف بها ركن، من أركان الحج، لا يتم إلا به إجماعًا، قال في الإنصاف: من طلع عليه الفجر يوم النحر، ولم يقف بها فاته الحج بلا نزاع، لعذر حصر أو غيره أو لغير عذر.
(وطواف الزيارة)(1) لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (2)(والسعي)(3) لحديث «اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي» رواه أحمد (4)(وواجباته) سبعة (5) .
(1) فهذه الثلاثة هي، أركان الحج، المجمع عليها، قال ابن القيم وغيره: باتفاق المسلمين.
(2)
أي الطواف الواجب، الذي لا يحصل التحلل من الإحرام، مالم يأت به، وهو طواف الإفاضة، وآخر المناسك، وكذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة، ثم نحر، ثم حلق، ثم أفاض فطاف به، وقال لصفية وقد حاضت «أحابستنا؟» ، فأخبروه أنها طافت يوم النحر، فمن لم يطف هذا الطواف لا يجوز أن ينفر.
(3)
أي هو ركن أيضًا، وهو مذهب الشافعي، والمشهور عن مالك، واختاره جمع، ورجحه ابن كثير.
(4)
ولمسلم عن عائشة قالت: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطاف المسلمون -يعني بين الصفا والمروة- ولعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة، وطاف بهما، وقال «لتأخذوا عني مناسككم» فكل ما فعله في حجته تلك واجب، لا بد له من فعله، في الحج، إلا ما خرج بدليل، وقال تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} أي أعلام دينه، والمراد المناسك التي جعلها الله أعلاما لطاعته، لا يتم الحج إلا بها، ولأنه نسك في الحج والعمرة، فكان ركنًا فيهما كالطواف، واختار القاضي أنه واجب، ليس بركن، قال الموفق: وهو أقرب إلى الحق إن شاء الله تعالى، وفي الشرح: وهو أولى، لأن دليل من أوجبه دل على مطلق الوجوب، لا على أنه لا يتم الحج إلا به، فيجبره بدم.
(5)
بالاستقراء، وهي عبارة عما يجب فعله، ولا يجوز تركه إلا لعذر، وإذا تركه كان عليه دم يجبر به حجه.
(الإحرام من الميقات المعتبر له) وقد تقدم (1)(والوقوف بعرفة إلى الغروب) على من وقف نهارًا (2)(والمبيت لغير أهل السقاية والرعاية بمنى) ليالي أيام التشريق على ما مر (3)(و) المبيت بـ (مزدلفة إلى بعد نصف الليل) لمن أدركها قبله على غير السقاة والرعاة (4)(والرمي) مرتبًا (5)(والحلاق) أو التقصير (6) .
(1) أي في المواقيت، لقوله صلى الله عليه وسلم «هن لهن، ولمن مرَّ عليهن من غير أهلهن» وفي لفظ: وقت لأهل كذا كذا وكذا، فدل على وجوب الإحرام منه، ولا نزاع في ذلك.
(2)
لأن من أدركها نهارًا، يجب عليه أن يجمع بينه وبين جزء من الليل. لفعله صلى الله عليه وسلم وهو مذهب الجمهور.
(3)
من الرخصة لهم على الأصح، وعليه الجمهور للأخبار.
(4)
كما تقدم لأن من أدرك مزدلفة أول الليل، يجب عليه المبيت بها معظم الليل، بخلاف السقاة والرعاة، فلا يجب عليهم، وكذا نحوهم عند الجمهور.
(5)
أي هو واجب إجماعًا مرتبًا، يوم النحر، ثم أيام التشريق، الأول فالأول، وما تركه من اليوم الأول أو الثاني، يرتبه بنية في آخرها على ما تقدم.
(6)
أي أحدهما من واجبات الحج، على ما تقدم، وعند بعضهم: نسك لا يتحلل بدونه.
(والوداع (1) والباقي) من أفعال الحج وأقواله السابقة (سنن)(2) كطواف القدوم (3) والمبيت بمنى ليلة عرفة (4) والاضطباع، والرمل في موضعهما (5) وتقبيل الحجر (6) والأذكار، والأدعية (7) وصعود الصفا والمروة (8)(وأركان العمرة) ثلاثة (9)(إحرام وطواف وسعي) كالحج (10) .
(1) أي طواف الوداع في الأصح، ويسمَّى طواف الصدر، لقوله صلى الله عليه وسلم «لا ينفرن أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت» رواه مسلم، وفي الترغيب والمستوعب، لا يجب على غير الحاج، واختاره الشيخ.
(2)
لا يجب بتركه شيء.
(3)
عند الجمهور.
(4)
قطع به الأكثر، لأنها استراحة والدفع مع الإمام.
(5)
فالاضطباع في الأشواط السبعة، والرمل في الثلاثة الأول منها.
(6)
كلما حاذاه للأخبار.
(7)
في مواضعها المندوب إليها فيها كما تقدم.
(8)
للرجال دون النساء، وتقدم ذكر عدد درجه.
(9)
بالاستقراء وهو إجماع.
(10)
أما الطواف فكالحج، والإحرام كذلك، جزم به المجد وغيره، وقال الوزير: أجمعوا على أن أفعال العمرة، من الإحرام، والطواف، والسعي، أركان لها كلها، وفي الفصول، السعي فيها ركن، بخلاف الحج، لأنها أحد النسكين فلا يتم إلا بركنين كالحج.
(وواجباتها الحلاق) أو التقصير (1)(والإحرام من ميقاتها) لما تقدم (2)(فمن ترك الإحرام لم ينعقد نسكه) حجًّا كان أو عمرة (3) كالصلاة لا تنعقد إلا بالنية (4)(ومن ترك ركنا غيره) أي غير الإحرام (5)(أو نيته) حيث اعتبرت (6)(لم يتم نسكه) أي لم يصح (إلا به) أي بذلك الركن المتروك هو أو نيته المعتبرة (7) .
(1) عند الجمهور، يجب بتركه دم، والأفضل الحلاق لغير المتمتع، إن لم يطل الوقت، فوفر الشعر للحج، وإلا فالتقصير في حقه أفضل، كما تقدم ليحلقه في الحج.
(2)
يعني في صفة العمرة، وهو أنه يحرم بها من الميقات، إن كان مارا به، أو من الحل عندهم لمن بالحرم، وتقدم كلام الشيخ وتلميذه، وسننها الغسل، والذكر والدعاء، والحاصل: أنه يجب للعمرة ما يجب للحج، ويسن لها ما يسن له، وبالجملة فهي كالحج في الإحرام، والفرائض، والواجبات والسنن والمحرمات، والمكروهات، والمفسدات، والإحصار، وغير ذلك، إلا أنها تخالفه في أنه ليس لها وقت معين، ولا تفوت، ولا وقوف بعرفة، ولا نزول بمزدلفة وليس فيها رمي جمار، ولا خطبة، ولا طواف قدوم.
(3)
أي إلا بالإحرام وهو نية النسك، فلو ترك النية لم يصح نسكه إلا بها.
(4)
إجماعا وكذا كل عبادة.
(5)
لم يصح نسكه إلا به.
(6)
كالطواف، والسعي، بخلاف الوقوف بعرفة، فلا تعتبر له النية.
(7)
أي الركن غير الإحرام، لأن الإحرام هو نفس النية، وغير الوقوف لأنه لا يحتاج إليها، لقيام الإحرام عنها، ولا تجبر الأركان ولا بعضها، بدم ولا غيره، لانعدام الماهية بانعدامها أو بعضها.
وتقدم أن الوقوف بعرفة يجزئ، حتى من نائم، وجاهل أنها عرفة (1) (ومن ترك واجبًا) ولو سهوًا (فعليه دم) (2) فإن عدمه فكصوم المتعة (3) (أو سنة) أي ومن ترك سنة (فلا شيء عليه) (4) قال في الفصول وغيره: ولم يشرع الدم عنها (5) لأن جبران الصلاة أدخل (6) فيتعدى إلى صلاته من صلاة غيره (7) .
(1) لما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم «وكان وقف بعرفة ساعة من ليل أو نهار» فلا تعتبر له نية، ولا يضر جهله بها، لكن لا بد من حصوله فيها.
(2)
سواء كان من حج أو عمرة، ولا إثم مع سهو، وكذا جهل أو نسيان وقال في الفروع: وفي الخلاف وغيره: الحلاق والتقصير لا ينوب عنه، ولا يتحلل إلا به على الأصح.
(3)
عشرة أيام، فيصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
(4)
أي هدر، لأنها ليست واجبة، فلم يجب جبرها، كسنن سائر العبادات جزم به الشارح وغيره.
(5)
لعدم استحباب سجود السهو لترك مسنون، فالأولى عدم استحباب الدم لترك مسنون، وصاحب الفصول، هو: أبو الوفاء بن عقيل، صاحب الفنون وغيرها، وله الفصول، عشرة مجلدات.
(6)
أي لأن جبران الصلاة وهو سجود السهو، أدخل من جبران الحج، وهو الدم.
(7)
كما لو سها إمامه فإنه يتعدى إلى صلاة المأموم.
باب الفوات والإحصار (1)
الفوات كالفوت، مصدر «فات» إذا سبق فلم يدرك (2) والإحصار مصدر «أحصره» (3) مرضًا كان أو عدوًّا (4) ويقال: حصره أيضا (5)(من فاته الوقوف) بأن طلع عليه فجر يوم النحر ولم يقف بعرفة (فاته الحج)(6) لقول جابر: لا يفوت الحج حتى يطلع الفجر من ليلة جمع، قال أبو الزبير: فقلت له: أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك؟ قال: نعم، رواه الأثرم (7) .
(1) أي بيان أحكامهما، وما يتعلق بذلك.
(2)
وهو هنا كذلك لغة واصطلاحًا، ولا يتأتى إلا في الحج، إذ العمرة لا تفوت إلا تبعًا لحج القارن.
(3)
إذا حبسه، وأصل الحصر المنع والحبس عن السفر وغيره.
(4)
أي مرضًا كان الحاصر يعني الحابس، أو كان الحاصر عدوًّا، وشرعًا: المنع عن إتمام أركان الحج، أو العمرة، أو هما، لا الواجبات.
(5)
أي ورد مزيدًا، ومجردًا، وحصره أي منعه عن المضي في مقصده، دون الرجوع أو معه.
(6)
إجماعا، وسقط عنه توابع الوقوف، كمبيت بمزدلفة ومنى، ورمي جمار، وظاهره، ولو كان الجمهور وتقدم.
(7)
أي فمفهومه فوت الحج بخروج ليلة جمع، لحديث «الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر، فقد أدرك الحج» ولا نزاع في ذلك.
(وتحلل بعمرة)(1) فيطوف ويسعى، ويحلق أو يقصر (2) ، إن لم يختر البقاء على إحرامه ليحج من قابل (3)(ويقضي) الحج الفائت (4) .
(1) جزم به في المحرر والوجيز، واختاره ابن حامد، لأن قلب الحج عمرة جائز بلا حصر، فمعه أولى، وتجزئه عن عمرة الإسلام.
(2)
فقد اتفقوا على أنه لا يخرج من إحرامه، إلا بالطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، ولا بد فيحل بعمرة، واتفقوا على أن من فاته الحج لا يبقى محرما إلى العام القابل.
(3)
فإن اختار البقاء على إحرامه، فله استدامة الإحرام لأنه رضي بالمشقة على نفسه، ويحتمل أن يتحلل بطواف وسعي، وهو قول للشافعي لظاهر الخبر، وقول الصحابة، وصححه الشارح، وزاد: وحلقٍ لأن إحرامه انعقد بأحد النسكين فلم ينقلب إلى الآخر، كما لو أحرم بالعمرة، وعنه: ينقلب قال في المبدع: اختاره الأكثر، وهو المذهب واستدل بقول عمر لأبي أيوب.
(4)
إن كان فرضًا إجماعًا، لأنه لم يأت به على وجهه، فلم يكن بد من الإتيان به، ليخرج من عهدته، وإن كان نفلا فلأن الحج يلزم بالشروع فيه، وهو قول مالك والشافعي، وأصحاب الرأي لقوله:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للهِ} ولتفريطه ولإجماع الصحابة، ولأنه يلزم بالشروع فيه، فيصير كالمنذور، بخلاف غيره من التطوعات، والصغير والبالغ في وجوب القضاء سواء إلا عند أبي حنيفة لكن لا يصح قضاء الصغير إلا بعد بلوغه، والحج الصحيح والفاسد في ذلك سواء، فإن حل، ثم زال الحصر، وفي الوقت سعة، فله أن يقضي في ذلك العام، قال الموفق وغيره، وليس يتصور القضاء في العام الذي أفسد حجه فيه، في غير هذه المسألة.
(ويهدي) هديًا يذبحه في قضائه (1)(إن لم يكن اشترط) في ابتداء إحرامه (2) لقول عمر لأبي أيوب -لما فاته الحج- اصنع ما يصنع المعتمر، ثم قد تحللت (3) فإن أدركت الحج قابلا فحج، وأهد ما استيسر من الهدي، رواه الشافعي (4) والقارن وغيره سواء (5) ومن اشترط بأن قال: في ابتداء إحرامه وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني فلا هدي عليه ولا قضاء (6) .
(1) أي يجب من حين الفوات، ويؤخره إلى القضاء، وهو الصحيح من المذهب وقول الموفق، والجماهير من الأصحاب، وغيرهم.
(2)
فلا قضاء ولا هدي، ما لم يكن واجبًا قبل في ذمته.
(3)
أي إذا طفت بالبيت وسعيت بين الصفا والمروة، وحلقت أو قصرت، فقد تحللت، كالمعتمر.
(4)
وروى النجاد عن عطاء مرفوعًا نحوه، وروى الأثرم أن هبار بن الأسود، حج من الشام، فقدم يوم النحر، فقال عمر: انطلق إلى البيت، فطف به سبعا، وإن كان معك هدي فانحره، ثم إذا كان عام قابل فاحجج، فإن وجدت سعة فأهد، فإن لم تجد، فصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجعت، وللدارقطني عن ابن عباس مرفوعًا:«من فاته عرفات، فاته الحج، وليتحلل بعمرة، وعليه الحج من قابل» ولأنه يجوز فسخ الحج إلى العمرة من غير فوات، فمعه أولى، وعموم الآثار يشمل الفرض والنفل، بخلاف المحصر.
(5)
لأن عمرته لا تلزمه أفعالها، وإنما يمنع من عمرة على عمرة، إذا لزمه المضي في كل منهما.
(6)
لقوله: «فإن لك على ربك ما استثنيت» رواه أبو داود، ولأحمد «فإن
حبست أو مرضت فقد حللت من ذلك، بشرطك على ربك،» ولأن للشرط تأثير في العبادات فتستفيد التحلل وسقوط الدم.