الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن صولحوا في بلادهم على جزية، أو خراج، لم يمنعوا شيئا من ذلك (1) و
ليس لكافر دخول مسجد، ولو أذن له مسلم
(2) .
(1) لأنهم في بلادهم أشبهوا أهل الحرب زمن الهدنة، ولأن بلدهم ليست بلد إسلام، لعدم ملك المسلمين لها، فلا يمنعون من إظهار دينهم فيه كمنازلهم.
(2)
لأن أبا موسى دخل على عمر ومعه كتاب فيه حساب عمله، فقال له عمر: ادع الذي كتبه ليقرأه، قال: إنه لا يدخل المسجد، قال: ولم لا يدخله؟ قال: إنه نصراني، فانتهره عمر، ولأن عليا بصر بمجوسي وهو على المنبر فنزل وضربه، وأخرجه، وهذا يدل على اتفاقهم على أن الكفار لا يدخلون المساجد، ولأن حدث الجنابة والحيض يمنع، فالشرك أولى.
وقال مالك، وأحمد: لا يجوز لهم دخول المساجد بحال، وقال الوزير: اتفقوا على أنه يمنع الكافر من دخول الحرم، ويمنع هو والذمي من استيطان الحجاز، ومن دخل منهم تاجرا أقام ثلاثة أيام، ثم ارتحل، ولم ير أبو حنيفة المنع في الكل، وصحح في الشرح وغيره أنه يجوز، لإنزاله صلى الله عليه وسلم وفد الطائف في المسجد، والجمهور يرون المنع.
ويرون المنع أيضا من المقام في الحجاز، وهو مكة، والمدينة، واليمامة، والينبع، وفدك، وتبوك ونحوها، وما دون المنحنى، وهو عقبة الصوى من الشام كمعان، لقوله صلى الله عليه وسلم «لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب» صححه الترمذي.
ولأحمد: آخر ما تكلم به «اخرجوا اليهود من أرض الحجاز» وقال تعالى في حق مكة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} والمراد حرم مكة، سواء أذن له أو لا، بالإقامة أو غيرها ولو غير مكلف، فإن قدم رسول من الكفار لا بد له من لقاء الإمام وهو به، خرج إليه ولم يأذن له، فإن دخل عالما، عزر وأخرج.
وإن تحاكموا إلينا فلنا الحكم والترك (1) لقوله تعالى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} (2) وإن اتجر إلينا حربي (3) أخذ منه العشر (4) وذمي نصف العشر (5) لفعل عمر رضي الله عنه، مرة في السنة فقط (6) .
(1) هذا المذهب، وكذا لو استعدى بعضهم على بعض، خير الحاكم بين الحكم وتركه.
(2)
فيحكم لأحدهما على الآخر إن شاء، ولا يحكم إلا بحكم الإسلام، ويلزمهم حكمنا لا شريعتنا، وقال بعض أهل العلم: إنها منسوخة بقوله: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ} وإن لم يتحاكموا إلينا فليس للحاكم أن يتبع شيئا من أمورهم، ولا يدعوهم إلى حكمنا، وإن تحاكموا إلى حاكمنا مع مسلم ألزم الحكم بينهم لما فيه من إنصاف المسلم من غيره، أورده عن ظلمهم، وذلك واجب، وإن تبايعوا بيوعًا فاسدة، وتقابضوا من الطرفين، ثم أتونا أو أسلموا لم ينقض فعلهم وإن لم يتقابضوا فسخه الحاكم، وإن تبايعوا بربا في سوقنا منعوا.
(3)
ذكرا أو أنثى، أعمى أو بصيرًا، كبيرًا أو صغيرًا.
(4)
دفعة واحدة، سواء عشروا أموال المسلمين أو لا، لأن عمر أخذ من أهل الحرب العشر، واشتهر ولم ينكر، وعمل به الخلفاء بعده، وكذا حكم المستأمن إذا اتجر إلى بلد الإسلام.
(5)
فليس كالحربي من كل وجه.
(6)
وذلك أن نصرانيا جاء إلى عمر فقال: إن عاملك عشرني في السنة
مرتين، فكتب إلى عامله أن لا يعشر في السنة إلا مرة، رواه أحمد، ومتى أخذه كتب له به حجة.
ولا تعشر أموال المسلمين (1)(وإن تهود نصراني (2) أو عكسه) بأن تنصر يهودي (لم يقر) لأنه انتقل إلى دين باطل، قد أقر ببطلانه أشبه المرتد (3)(ولم يقبل منه إلا الإسلام أو دينه) الأول (4) فإن أباهما هدد، وحبس، وضرب (5) .
(1) فليس يجب عليهم في أموالهم سوى الزكاة المشروعة، وكذا تحرم الكلف التي ضربها الملوك على الناس بغير طريق شرعي إجماعًا، ولا يسوغ فيها اجتهاد.
(2)
لم يقر على اليهودية لأنه انتقل إلى دين باطل، قد أقر ببطلانه، أشبه المرتد هذا المذهب.
(3)
فلا يقر على النصرانية، لأن الإسلام دين الحق، والدين الذي كان عليه دين صولح عليه، فلم يقبل منه غيرهما، قال الموفق وغيره: لا نعلم فيه خلافًا، قال الشيخ: اتفقوا على التسوية بين اليهود والنصارى، لتقابلهما، وكانوا يسمون بها قبل النسخ والتبديل، وكانوا يسمون مؤمنين، أو مسلمين.
(4)
وهو اليهودية، أو النصرانية.
(5)
ولم يقتل، لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب، فلم يقتل كالباقي على دينه ولأنه مختلف فيه فلا يقتل للشبهة.
قيل للإمام: أنقتله؟ قال: لا (1) .
(1) أي قيل للإمام أحمد رحمه الله فيمن انتقل من اليهودية إلى النصرانية وبالعكس، أنقتله؟ فقال: لا للشبهة في قتله، وإن انتقل إلى دين المجوس، أو إلى غير دين أهل الكتاب، لم يقر، ولم يقبل منه إلا الإسلام، أو السيف وإن انتقل غير الكتابي إلى دين أهل الكتاب أقر.
قال الشيخ: ومن كان من أهل الذمة زنديقًا يبطن جحود الصانع، أو جحود الرسل، أو الكتب المنزلة، أو الشرائع، أو المعاد ويظهر التدين بموافقة أهل الكتاب، فهذا يجب قتله بلا ريب، كما يجب قتل من ارتد من أهل الكتاب إلى التعطيل، فإن أراد الدخول في الإسلام فهل يقال: إنه يقتل أيضا، كما يقتل منافق المسلمين، لأنه ما زال يظهر الإقرار بالكتب والرسل؟ أو يقال: بل دين الإسلام فيه ما يزيل شبهته؟ هذا فيه نظر.
فصل فيما ينقض العهد (1) .
(فإن أبى الذمي بذل الجزية)(2) أو الصغار (3)(أو التزام حكم الإسلام)(4) أو قاتلنا (5) .
(1) وما يتعلق بنقضه، من مخالفة شيء مما صولحوا عليه، لما في كتاب أهل الجزية، وإن نحن غيرنا، أو خالفنا عما شرطنا على أنفسنا، وقبلنا الإمام عليه فلا ذمة لنا، وقد حل لك منا ما يحل لك من أهل المعاندة والشقاق، وأمره عمر أن يقرهم على ذلك.
(2)
من مجيئه بها، ووقوفه، ونحوه، لأن الله تعالى أمر بقتالهم {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} .
(3)
أي الذلة، والامتهان من بذل الجزية، أو التزام أحكامنا.
(4)
في ضمان النفس، والمال، والعرض، وإقامة الحدود كما تقدم انتقض عهده، لعدم وفائه بمقتضى الذمة من أمن جانبه، قاله الشيخ وغيره، ولأنها نسخت كل حكم يخالفها، فلا يجوز بقاء العهد مع الامتناع بذلك.
(5)
أي منفردا أو مع أهل الحرب، أو لحق بدار الحرب مقيمًا بها، انتقض عهده، لأنه صار حربا لنا بدخوله في جملة أهل الحرب، ولو لم نشترط عليهم أنهم إذا فعلوا شيئا من ذلك انتقض عهدهم، لأن ذلك هو مقتضى العقد، وقال ابن القيم: أهل العهد إذا حاربوا من في ذمة الإمام وعهده، وصاروا بذلك أهل الحرب، نابذين لعهده، فله أن يبيتهم وإنما يعلمهم إذا خاف منهم الخيانة، وأنه ينتقض عهد الجميع، إذا لم ينكروا عليهم، وينتقض عهد النساء والذرية بذلك.
(أو تعدى على مسلم بقتل (1) أو زنا) بمسلمة (2) وقياسه اللواط (3)(أو) تعدى بـ (قطع طريق (4) أو تجسيس أو إيواء جاسوس) (5) .
(1) عمدًا، أو فتنة عن دينه، انتقض عهده، وحل دمه وماله، لعدم وفائه بمقتضى الذمة من أمن جانبه.
(2)
قال الشيخ: ولا يعتبر في الشهادة على الوجه المعتبر في المسلم، بل يكفي استفاضة ذلك، واشتهاره، لما روي عن عمر، أنه رفع إليه ذمي أراد استكراه امرأة على الزنا، فقال: ما على هذا صالحناكم، وأمر به فصلب في بيت المقدس، وكذا لو أصابهما باسم نكاح.
(3)
أي قياس الزنا بجامع الحد اللواط فينتقض عهد بذلك.
(4)
أي على المسلمين.
(5)
أي تعدى على المسلمين بتجسيس للكفار، أو إيواء جاسوسهم، وهو عين الكفار، انتقض عهده، لما فيه من الضرر على المسلمين، قال ابن القيم: وفي غزوة الفتح جواز قتل الجاسوس، وإن كان مسلمًا لقوله «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر» فمنع من القتل بشهوده بدرًا، اهـ.
قال الشيخ: ومن قطع الطريق على المسلمين، أو تجسس عليهم، أو أعان أهل الحرب على سبي المسلمين، أو أسرهم وذهب بهم إلى دار الحرب، ونحو ذلك مما فيه مضرة على المسلمين، فهذا يقتل، ولو أسلم، ولو قال الذمي هؤلاء المسلمون الكلاب، أبناء الكلاب، ينغصون علينا، إن أراد طائفة معينين، عوقب عقوبة تزجره وأمثاله، وإن ظهر منه قصد العموم، ينتقض عهده، ويجب قتاله.
قال: وليس لأحد من أهل الذمة أن يكاتب أهل دينه في طلب فتح الكنائس ولا يخبرهم بشيء من أخبار المسلمين، ولا يطلب من رسولهم أن يكلف ولي أمر المسلمين ما فيه ضرر على المسلمين، ومن فعل ذلك منهم وجبت عقوبته باتفاق المسلمين، وفي أحد القولين، يكون قد نقض عهده، وحل دمه وماله.
أو ذكر الله، أو رسوله (1) أو كتابه أو دينه (بسوء انتقض عهده) لأن هذا ضرر يعم المسلمين (2) وكذا لو لحق بدار حرب (3) لا إن أظهر منكرًا (4) أو قذف مسلمًا (5) وينتقض بما تقدم عهده (دون) عهد (نسائه، وأولاده) فلا ينتقض عهدهم تبعا له (6) .
(1) بسوء، انتقض عهده، قيل لابن عمر: إن راهبًا يشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو سمعته لقتلته إنا لم نعط الأمان على هذا.
(2)
أشبه الامتناع من الصغار، وأشبه ما لو لطمه.
(3)
انتقض عهده، وحل دمه وماله.
(4)
أو رفع الصوت بكتابه، أو ركب الخيل، ونحوه مما تقدم أنهم ينهون عنه، لم ينقض عهده بذلك، لأن العقد لا يقتضيه، ولا ضرر على المسلمين في ذلك، يوجب نقض عهده، وحل دمه، وماله.
(5)
بالزنا، أو اللواط، أو آذاه بسحر، في تصرفه فلا ينتقض عهده.
(6)
أي لا ينتقض عهد نسائه وأولاده، بانتقاض عهده سواء لحقوا بدار الحرب أو لا.
لأن النقض وجد منه فاختص به (1)(وحل دمه) ولو قال: تبت (2) فيخير فيه الإمام -كأسير حربي- بين قتل، ورق، ومن وفداء بمال، أو أسير مسلم (3) .
(و) حل (ماله) لأنه لا حرمة له في نفسه، بل هو تابع لمالكه، فيكون فيئا (4) وإن أسلم حرم قتله (5) .
(1) ولو لم ينكروا عليه النقض، قال ابن القيم: إذا كان الناقض واحدًا من طائفة لم يوافقه بقيتهم، لم يسر النقض إلى زوجته، وأولاده كما أن من أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دماءهم ممن كان يسبه، لم يسب نساءهم، وذريتهم وهذا هديه، وهو لا محيد عنه.
(2)
لانتفاض عهده بما تقدم ونحوه.
(3)
وقال الشيخ: وإذا نقضوا العهد، لم يجب على المسلمين أن يعاهدوهم ثانيًا، بل لهم قتالهم، وإن طلبوا أداء الجزية، وللإمام أن يقتلهم حتى يسلموا وأن يجليهم من ديار الإسلام، وإذا رأى ذلك مصلحة، بل يجوز قتل كل من نقض العهد وقتاله، وإن بذل الجزية ثانيا قال تعالى:{وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} الآية فأمر بقتال الناكثين مطلقا.
(4)
أي حكمه حكم الفيء، لأن المال لا حرمة له في نفسه، إنما هو تابع لمالكه حقيقة، وقد انتقض عهد المالك في نفسه فكذا في ماله.
(5)
وكذا رقه، لا إن رق ثم أسلم، وفي الفروع، يقتل سابه صلى الله عليه وسلم وإن أسلم، قال الشيخ: وهو الصحيح من المذهب، وقال: إن سبه حربي ثم تاب بإسلامه، قبلنا توبته إجماعًا.