الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنه مستور بحائل من أصل خلقته أشبه الرمان (1)(و) يصح بيع (الحب المشتد في سنبله)(2) لأنه عليه السلام جعل الاشتداد غاية للمنع (3) وما بعد الغاية يخالف ما قبلها (4) فوجب زوال المنع (5)(و) الشرط
السابع (أن يكون الثمن معلومًا) للمتعاقدين
أيضا كما تقدم (6) .
(1) أي والبيض، ونحوهما، مما مأكوله في جوفه مستتر بقشره، ويصح بيع طلع قبل تشققه، إذا قطع من شجره.
(2)
أي المتقوي، المتصلب، في سنبله، مقطوعًا، أو في شجره، والمراد بعد بدو صلاحه، وهو مذهب أبي حنيفة، ومالك، وغيرهما، وكذا الأرز في قشره، والدخن في غلافه.
(3)
يعني في قوله صلى الله عليه وسلم من حديث أنس: «نهى عن بيع الحب حتى يشتد» متفق عليه، فدل على صحة بيعه بعد اشتداده.
(4)
أي ما بعد الغاية، وهو الاشتداد، يخالف ما قبلها، وهو غايته، فإن قيل: المقرر دخول ما بعد حتى، قيل: ليس على الإطلاق، بل إذا عدمت القرينة، وهنا القرينة قائمة على عدم دخول المشتد في النهي.
(5)
وهو عدم صحة البيع، وثبتت صحة بيع الحب المشتد في سنبله ونحوه.
(6)
أي في المثمن، وهو إما رؤيته لجميعه مقارنة، أو متقدمة على البيع بزمن لا يتغير معها تغيرا ظاهرًا، أو صفة تكفي في السلم، أو بعضه الدال عليه، أو شم أو ذوق أو مس.
لأنه أحد العوضين، فاشترط العلم به كالمبيع (1)(فإن باعه برقمه) أي ثمنه المكتوب عليه (2) وهما يجهلانه أو أحدهما، لم يصح للجهالة (3)(أو) باعه (بألف درهم ذهبًا وفضة) لم يصح (4) لأن مقدار كل جنس منهما مجهول (5) .
(1) أي كما يشترط العلم بالمبيع، وكرأس مال السلم.
(2)
أي فإن باع الثوب ونحوه برقمه، أي ختمه لفظا ومعنى، وفسره بثمنه المكتوب عليه، وهو من بيع التولية، فعليه: لا بد أن يكون هو الراقم، أو رقم وهو ينظره.
(3)
والغرر لأنه لا بد أن يكون الثمن معلومًا للمتعاقدين، فإن علم المتعاقدان الرقم، صح البيع بلا خلاف، واختار الشيخ: صحة بيع السلعة برقمها، وجوزه أحمد في روايات عنه فيه، وفي معناه قال الشيخ: وقول أحمد: كل ذلك جائز دليل على أنه ذكر صورتين إحداهما: أن يعين الرقم كذا وكذا، والثانية: أن يقول: بزيادة على الرقم كذا وكذا، ولا يعينه، فقال: كل ذلك جائز، ولولا أن الرقم غير معين، لم يكن لسؤالهم وجه، ولا يقول أبو داود: كان لم ير به بأسًا.
(4)
وكذا إن باعه بألف، بعضها ذهب، وبعضها فضة، أو قال بألف ذهبًا وفضة، ولم يقل درهما ولا دينارا، لم يصح البيع، وقيل: قوله بألف درهم ذهبا وفضة، لا جهالة فيه، لأنه يئول الأمر إلى أن البيع وقع بألف درهم، وهو المعلوم من الفضة، إلا أن يكون استعمله في المقدار من الذهب أيضا.
(5)
فلم يصح البيع مع الجهالة، لما تقدم من النهي عن الغرر، وقال الشيخ: الذي يقتضيه كلام أحمد أنه إذا باعه بكذا درهما صح، وله نقد الناس، وإن كانت النقود مختلفة فأوسطها، وفي رواية: أقلها، وكلامه نص لمن تأمله، أن البيع بالنقد المطلق يصح بكل حال.
(أو) باعه (بما ينقطع به السعر) أي بما يقف عليه، من غير زيادة لم يصح، للجهالة (1) .
(أو) باعه (بما باع) به (زيد وجهلاه (2) أو) جهله (أحدهما لم يصح) البيع للجهل بالثمن (3) وكذا لو باعه كما يبيع الناس (4) أو بدينار أو درهم مطلق، وثم نقود متساوية رواجا (5) .
(1) هذا المذهب، ومنصوص أحمد: يصح اختاره الشيخ، وقال: هو أطيب لنفس المشتري من المساومة، يقول: لي أسوة بالناس، آخذ بما يأخذ به غيري، قال ابن القيم: وهو الصواب المقطوع به، وهو عمل الناس في كل عصر ومصر، وليس في كتاب الله، ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إجماع الأمة ولا قول صاحب، ولا قياس صحيح، ما يحرمه والمانعون منه يفعلونه، ولا يجدون بدا منه، ولا تقوم مصالح الناس إلا به اهـ والبيع بالسعر له صور إما أن يقول: يعني بالسعر، وقد عرفاه فلا ريب فيه، أو يكون عرف عام أو خاص، أو قرينة تقتضي البيع بالسعر، وهما عالمان فقياس ظاهر المذهب صحته، كبيع المعاطاة، والثالث: إن تبايعا بالسعر لفظا وعرفا، وهما أو أحدهما لا يعلمه صح، ووجه الصحة، إلحاقه بقيمة المثل في الإجارة، إذا دخل الحمام ونحوه.
(2)
لم يصح البيع، للجهل بالثمن.
(3)
وتقدم أنه لا بد أن يكون الثمن معلوما كالمبيع، سواء جهلاه أو أحدهما.
(4)
أي لم يصح البيع، والفرق بينه وبين قوله: أو ما ينقطع به السعر.
أن ما يبيع الناس قد شرعوا في البيع فيه، وما ينقطع به السعر لم يشرع فيه، وأجازهما الشيخ وتلميذه كما مر، وفي الاختيارات، ولو باع ولم يسم الثمن، صح بثمن المثل كالنكاح.
(5)
أي أو باعه بدينار أو درهم، مطلق غير معين ولا موصوف وهناك
في البلد نقود من المسمى المطلق متساوية رواجا بفتح الراء، أي نفاقا يعني كلها رائجة لم يصح البيع، لتردد المطلق بينهما لأن الثمن غير معلوم حال العقد.
وإن لم يكن إلا واحدًا (1) أو غلب صح، وصرف إليه (2) ويكفي علم الثمن بالمشاهدة، كصبرة، من دراهم أو فلوس (3) ووزن صنجة، وملء كيل، مجهولين (4) (وإن باع ثوبا أو صبرة) وهي: الكومة المجموعة من الطعام (5)(أو) باع (قطيعا كل ذراع) من الثوب بكذا (6) .
(1) أي وإن لم يكن في البلد المعقود فيه إلا نقد واحد، صح البيع وانصرف إليه لأنه تعين بانفراده.
(2)
لدلالة القرينة الحالية على إرادته، قال الوزير: اتفقوا على أنه إذا أطلق البيع بالثمن، ولم يعين النقد، انصرف إلى غالب نقد البلد.
(3)
أو بر، ولو لم يعلما عددها، ولا وزنها.
(4)
عرفا، وعرفهما المتعاقدان بالمشاهدة، كبعتك ونحوه، هذه الدار، بوزن هذا الحجر فضة أو بملء هذا الوعاء، أو الكيس دراهم، صح البيع، ولو كان في موضع فيه كيل معروف، اكتفاء بالمشاهدة، والصنج: شيء يتخذ من صفر، يضرب أحدهما بالآخر.
(5)
بلا كيل ولا وزن، جمعها صبار وصبر، وسميت صبرة، لإفراغ بعضها على بعض، وروى الأوزاعي مرفوعًا «من عرف مبلغ شيء فلا يبعه جزافًا» .
(6)
أي بدرهم ونحوه، صح البيع (وكل) بالنصب: بدل من مفعول مقدر، والقطيع: الطائفة من البقر والغنم، وقال ابن سيده: من العشرة إلى الأربعين وقيل: ثلاثون.
(أو) كل (قفيز) من الصبرة بكذا (1)(أو) كل (شاة) من القطيع (بدرهم صح) البيع (2) ولو لم يعلما قدر الثوب والصبرة والقطيع (3) لأن المبيع معلوم بالمشاهدة (4) والثمن معلوم، لإشارته إلى ما يعرف مبلغه، بجهة لا تتعلق بالمتعاقدين (5) وهي الكيل والعد والذرع (6)(وإن باع من الصبرة كل قفيز بدرهم) لم يصح (7) لأن «من» للتبعيض و «كل» للعدد فيكون مجهولا (8) .
(1) أي بدرهم ونحوه، صح البيع، والقفيز: ثمانية أرطال بالمكي، ستة عشر بالعراقي، وقيل: ثمانية بالعراقي، وعليه: فهو قفيز الحجاز، وصاع عمر، والقفيز الهاشمي مكوكان، ثلاثون رطلاً عراقيًا.
(2)
لمشاهدة البيع، والعلم به.
(3)
فإنه لا يضر جهلها، ويحرم على بائع، جعل صبرة على نحو ربوة مما ينصبها، ويثبت لمشتر الخيار إن لم يعلم، لأنه عيب، وإن كان تحتها حفرة لم يعلمها بائع، فله الفسخ.
(4)
فانتفت الجهالة وصح البيع.
(5)
فصح البيع، للعلم بالثمن والمثمن.
(6)
أي كيل الصبرة وذرع الثوب، وعد القطيع، فانتفى الغرر.
(7)
البيع، لأنه لم يبعها كلها، ولا قدرًا معلومًا.
(8)
لتناوله القليل والكثير، فإن قصدا بـ «من» ابتداء الغاية، أو أنها للبيان صح، بخلاف ما إذا لم يتفقا على قصد ذلك، ويحتمل أن يصح، بناء على قولهم، إذا آجر الدار كل شهر بدرهم، قال ابن عقيل: وهو الأشبه.
بخلاف ما سبق، لأن المبيع الكل، لا البعض، فانتفت الجهالة (1) وكذا لو باعه من الثوب كل ذراع بكذا (2) أو من القطيع كل شاة بكذا، لم يصح لما ذكر (3)(أو) باعه (بمائة درهم إلا دينارا) لم يصح (4)(وعكسه) أن باع بدينار أو دنانير إلا درهما، لم يصح (5) لأن قيمة المستثنى مجهولة، فيلزم الجهل بالثمن (6) .
(1) يعني في بيع ما سبق، من قوله: وإن باع ثوبا أو صبرة، إلخ، لإسقاطه «من» التبعيضية.
(2)
لم يصح البيع لأن «من» للتبعيض.
(3)
بالبناء للمجهول، من أن «من» للتبعيض و «كل» للعدد فيكون مجهولا، وفي المحرر وغيره: وإن باع ذراعًا مبهما من أرض، أو ثوب، لم يصح، باتفاق الأئمة، ويصح بيع ما بوعاء مع وعائه موازنة، كل رطل بكذا، ودونه مع الاحتساب بزنته، إن علما مبلغ كل منهما، ويصح جزافا، مع ظرفه ودونه.
(4)
قال في الفروع: وفاقا: لأنه قصد استثناء قيمة الدينار مع المائة الدرهم، وذلك غير معلوم، لأنه من غير جنسه، والاستثناء من غير الجنس لا يصح.
(5)
وكذا لو باعه سلعة بمائة درهم إلا قفيزا من حنطة، أو غيره مما فيه المستثنى من غير جنس المستثنى منه، لم يصح البيع، ونقله أبو طالب وفاقا.
(6)
وإذا كان الثمن مجهولا، لم يصح البيع كما تقدم.
إذ استثناء المجهول من المعلوم يصيره مجهولا (1)(أو باع معلوما ومجهولا يتعذر علمه)(2) كهذه الفرس، وما في بطن أخرى (3)(ولم يقل كل منهما بكذا، لم يصح) البيع (4) لأن الثمن يوزع على المبيع بالقيمة (5) والمجهول لا يمكن تقويمه (6) فلا طريق إلى معرفة ثمن المعلوم (7) وكذا لو باعه بمائة ورطل خمر (8) .
(1) أي يصير المعلوم مجهولا، بعد أن كان معلومًا، وهذه قاعدة مطردة وإذا تقرر أن ثمن المعلوم مجهول لم يصح البيع.
(2)
وتجهل قيمته مطلقا، بحيث لا يتمكن الإطلاع عليها، لم يصح البيع.
(3)
وهو المجهول مطلقا، فلا يطمع في قيمته، وقال الموفق وغيره: بغير خلاف نعلمه.
(4)
فيهما لعدم اتحاد الصفقة وجهالة الثمن في الحال، حيث لم يقل حال العقد في كل من المعلوم والمجهول، هذا بكذا وهذا بكذا.
(5)
أي في نحو ما مثل به ولا بد، والحمل لا يمكن تقويمه، فالمعلوم مجهول الثمن، فلم يصح بيعه.
(6)
ولا نزاع في أنه لا يصح بيعه.
(7)
لجهالة ثمن المجهول، وقيل: يصح في المعلوم، صوبه في تصحيح الفروع.
(8)
لم يصح البيع، لأن الخمر لا قيمة له في حقنا اتفاقا، وما لا قيمة له، ولا ينقسم عليه الثمن، لا يصح مع البيع، وكذا لو باع شيئًا بثمن معلوم وكلب، أو جلد ميتة نجس، لم يصح البيع.
وإن قال: كل منهما بكذا، صح في المعلوم بثمنه، للعلم به (1)(فإن لم يتعذر) علم مجهول بيع مع معلوم (2)(صح في المعلوم بقسطه) من الثمن لعدم الجهالة (3) وهذه إحدى مسائل تفريق الصفقة الثلاث (4) والثانية أشير إليها بقوله (ولو باع مشاعًا بينه وبين غيره كعبد) مشترك بينهما (5)(أو ما ينقسم عليه الثمن بالأجزاء) كقفيزين متساويين لهما (6) .
(1) مما سماه للمعلوم من الثمن، بخلاف بيعه الفرس وحملها بكذا، فلا يصح، ولو بين ثمن كل منهما، وتقدم.
(2)
كما لو قال: بعتك هذا الثوب وثوبا صبغته كذا، موجودًا عنده، يقدر أن يريه إياه، وكهذا العبد وثوب غير معين.
(3)
وبطل في المجهول، لأن المعلوم صدر فيه البيع بشرطه، ومعرفة ثمنه ممكنة بتقسيط الثمن على كل منهما وهو ممكن.
(4)
والصفقة في الأصل: المرة من صفق له بالبيع، ضرب بيده على يده، ثم نقلت للبيع، لفعل المتعاقدين ذلك، وفي الاصطلاح أن يجمع بين ما يصح بيعه، وما لا يصح بيعه، في عقد واحد، وتفريقها هو: تفريق ما اشتراه في عقد واحد.
(5)
أي بين البائع وشريكه، بغير إذن شريكه، صح البيع في نصيبه، بقسطه من الثمن.
(6)
أي للبائع وشريكه، صفقة واحدة، بثمن واحد.
(صح) البيع (في نصيبه بقسطه) من الثمن لفقد الجهالة في الثمن، لانقسامه على الأجزاء (1) ولم يصح في نصيب شريكه، لعدم إذنه (2) والثالثة، ذكرها بقوله:(وإن باع عبده وعبد غيره بغير إذنه (3) أو) باع (عبدًا وحرًّا (4) أو) باع (خلاًّ وخمرًا صفقة واحدة) بثمن واحد (5)(صح) البيع (في عبده) بقسطه (6)(وفي الخل بقسطه) من الثمن (7) .
(1) ويوزع الثمن عليها، وهو مذهب الجمهور.
(2)
أي من شريكه في البيع، وتقدم أنه لا بد أن يكون العقد من مالك أو مأذونًا له فيه، ولمشتر الخيار إن لم يعلم الحال، لتفريق الصفقة عليه.
(3)
صفقة واحدة، بثمن واحد.
(4)
صفقة واحدة بثمن واحد.
(5)
لا بعقدين، ولا بثمنين، فيخرج عن حكم تفريق الصفقة، فمعنى تفريق الصفقة، تفريق ما اشتراه في عقد واحد، وهو أن يجمع بين ما يصح بيعه وما لا يصح بيعه، صفقة واحدة، بثمن واحد، في هذه الصور الثلاث.
(6)
دون عبد غيره، ودون الحر، لأن العقد يتعدد بتعدد المبيع، وهذا الفرق بين هذه والتي قبلها فتكون بمنزلة عقدين، ويعطي كل عقد حكم نفسه، وهذا بخلاف حكم الثمن، فإنه لا يتعدد بتعدده إلا إن فصل.
(7)
على قدر قيمة المبيعين، ليعلم ما يخص كل منهما، فيؤخذ ما يصح التصرف فيه بقسطه.
لأن كل واحد منهما له حكم يخصه (1) فإذا اجتمعا بقيا على حكمهما (2) ويقدر خمر خلا (3) وحر عبدًا، ليتقسط الثمن (4)(ولمشتر الخيار إن جهل الحال) بين إمساك ما يصح فيه البيع بقسطه من الثمن (5) وبين رد المبيع، لتبعيض الصفقة عليه (6) وإن باع عبده وعبد غيره بإذنه (7) أو باع عبديه لاثنين (8) .
(1) لأنه يصح بيعه مفردا، فلم يبطل بانضمام غيره إليه، وتسمية ثمن في مبيع، وسقوط بعضه، لا يوجب جهالة تمنع الصحة.
(2)
أي من الصحة فيما تناط به، والفساد فيما يتعلق به.
(3)
ليقسط الثمن عليهما، والمراد إذا لم يعلم.
(4)
لكون الحر والخمر لا يمكن تقسيط الثمن عليهما، لعدم صحة بيعهما، فيقدر الخمر خلا، والحر عبدا.
(5)
لإمكان العلم بالثمن، وانتفاء الغرر.
(6)
وإن علم فلا خيار له، لدخوله على بصيرة، ويتجه بطلان البيع مع العلم، كما لو باعه شاة وكلبًا بدينار، أو اشترى بمائة درهم ورطل خمر، ولا خيار لبائع مطلقا، على الصحيح من المذهب، وفي الفائق عن الشيخ: أنه يثبت له الخيار، وإن علما بالخمر ونحوه لم يصح.
(7)
بثمن واحد، صح البيع، لأن جملة الثمن معلومة، كما لو كانا لواحد، ويقسط الثمن على قدر القيمة، فيأخذ قدر ما يقابل عبده.
(8)
بثمن واحد، لكل واحد منهما عبد، صح البيع، ويقسط الثمن على قيمة العبدين، ويؤدي كل مشتر ما يقابل عبده.
أو اشترى عبدين من اثنين (1) أو وكيلهما بثمن واحد صح، وقسط الثمن على قيمتهما (2) وكبيع إجارة، ورهن، وصلح، ونحوها (3) .
(1) بثمن واحد صح البيع، ويأخذ كل ما قابل عبده.
(2)
أي على قيمة العبدين، ليعلم ثمن كل منهما، وكذا لو كان لاثنين عبدان فباعاهما لرجلين بثمن واحد، صح وقسط الثمن.
(3)
كالهبة والسلم، وغير ذلك من سائر العقود، فيما سبق تفصيله، لأن الإجارة ونحوها بيع للمنافع، فلو آجر داره ودار غيره بإذنه، بأجرة واحدة صحت وقسطت الأجرة على الدارين، وكذا باقي الصور، وقال الموفق وغيره: الحكم في الرهن، والهبة وسائر العقود، إذا جمعت ما يجوز وما لا يجوز، كالحكم في البيع، إلا أن الظاهر فيها الصحة، ولو لم نصحح البيع، لأنها ليست عقود معاوضة فلا توجد جهالة العوض فيها.
فصل (1)
(ولا يصح البيع) ولا الشراء (ممن تلزمه الجمعة بعد ندائها الثاني)(2) أي الذي عند المنبر عقب جلوس الإمام على المنبر (3) لأنه الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختص به الحكم (4) .
(1) أي فيما نهي عنه من البيوع ونحوها.
(2)
أي لا يصح ممن تلزمه بنفسه، كالحر، المكلف، المقيم، وقيل: أو بغيره، كالمسافر المقيم مدة لا يقصر فيها، بعد الشروع، في النداء الثاني، الذي عند الخطبة، ولو لم يعلم به، وهو مذهب مالك وغيره، واتفقوا على كراهته، واحترز بقوله: ممن تلزمه، عن المسافر، والمقيم في قرية لا جمعة فيها عليهم، والعبد، والمرأة، ونحوهم، لأن غير المخاطب بالسعي لا يتناوله النهي.
ولو وكل في بيع أو شراء، من لا تلزمه فعقد بعد النداء مع من لا تلزمه جاز، وكره منه مع من تلزمه، لما فيه من الإعانة على الإثم، وتحرم الصناعات، ممن تلزمه، بعد ندائها الثاني، لأنها تشغل عنها، وذريعة إلى فواتها.
(3)
لخطبة الجمعة، ولو أذن بعيدًا منه، أو في المكان الذي يؤذن فيه الأول.
(4)
أي لأن النداء الثاني، الذي عند المنبر، هو الذي كان على عهده صلى الله عليه وسلم لا النداء الأول، لأنه حادث بعد، أحدثه عثمان رضي الله عنه لما كثر الناس، فاختص الحكم بما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (1) والنهي يقتضي الفساد (2) وكذا قبل النداء، لمن منزله بعيد، في وقت وجوب السعي عليه (3) وتحرم المساومة، والمناداة إذًا (4) لأنها وسيلة للبيع المحرم (5) وكذا لو تضايق وقت مكتوبة (6) .
(1) أي اتركوا البيع، إذا نودي للصلاة، نهى تعالى عن البيع وقت نداء الجمعة، لئلا يتخذ ذريعة إلى التشاغل بالتجارة عن حضورها، وخص البيع لأنه من أهم ما يشتغل به المرء من أسباب المعاش، والنهي يقتضي التحريم، وعدم صحة البيع، وكذا الشراء لأن اسم البيع يتناولهما جميعًا، ثم قال تعالى:{ذَلِكُمْ} يعني الذي ذكرت من حضور الجمعة وترك البيع (خير لكم) من المبايعة (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) مصالح أنفسكم.
(2)
أي فساد البيع، وهو ظاهر الآية، فلا يصح البيع بعد ندائها الثاني، على الصحيح من المذهب.
(3)
وهو الوقت الذي يمكنه إدراكها فيه، وإن كان في البلد جامعان تصح الجمعة فيهما فبسبق أحدهما.
(4)
أي وقت وجوب السعي، ويستمر التحريم إلى انقضاء الصلاة، وتحرم أيضًا الصناعات كلها.
(5)
يعني المساومة وسيلة للبيع المحرم، الذي هو ذريعة إلى فواتها، والوسائل لها حكم الغايات.
(6)
أي ولا يصح البيع إذا تضايق وقت مكتوبة ولو وقت الاختيار، وإن كان متسعًا لم يحرم.
(ويصح) بعد النداء المذكور البيع لحاجة، كمضطر إلى طعام، أو سترة ونحوهما، إذا وجد ذلك يباع (1) ويصح أيضا (النكاح، وسائر العقود)(2) كالقرض، والرهن، والضمان، والإجارة، وإمضاء بيع خيار (3) لأن ذلك يقل وقوعه (4) فلا تكون إباحته ذريعة إلى فوات الجمعة، أو بعضها (5) بخلاف البيع (6)(ولا يصح بيع عصير) ونحوه (ممن يتخذه خمرا)(7) .
(1) أي الطعام، أو السترة المضطر إليهما أو المحتاج لهما، ونحوهما كوجود أبيه ونحوه يباع، مع من لو تركه معه لذهب به، أو يبيعه لغيره، وكشراء كفن، لميت خيف عليه، أو مركوب لعاجز ونحو ذلك.
(2)
لأن النهي ورد في البيع وحده.
(3)
أو فسخه.
(4)
ولا يساوي البيع في التشاغل المؤدي لفواتها.
(5)
ولو وقت الاختيار.
(6)
فلا يصح لأنه ذريعة لتركها، وتقييده بالجمعة يفهم منه صحته لغيرها، ويحرم إذا فاتته الجماعة، وتعذر عليه جماعة أخرى.
(7)
أي ولا يصح بيع ما قصد به الحرام، كعصير، وعنب، وزبيب، ونحو ذلك ممن يتخذه خمرا، علم ذلك ولو بالقرائن، أو غلب على ظنه، قال الشيخ وغيره: كمن يؤجر أمة لزنا، أو دارًا لمعصية، قال ابن القيم: القصود في العقود معتبرة، فعصر العنب بنية أن يكون خمرا معصية، وخلاًّ ودبسًا جائز.
لقوله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1)(ولا) بيع (سلاح في فتنة) بين المسلمين (2) لأنه صلى الله عليه وسلم نهى عنه، قال أحمد (3) قال: وقد يقتل به، وقد لا يقتل به (4) وكذا بيعه لأهل حرب (5) .
(1) وبيع ما قصد به الحرام من التعاون على الإثم والعدوان، ولحديث «من حبس العنب أيام القطاف، حتى يبيعه ممن يتخذه خمرا، فقد تقحم النار على بصيرة» وهو مع القصد محرم إجماعًا ويكره مع عدم القصد.
(2)
أي ولا يصح بيع سلاح لمن يقتل به، وكذا ترس، ودرع، ونحوه من آلة القتال، في حال فتنة بين المسلمين، وهو من التعاون على الإثم والعدوان.
(3)
ولقوله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وقال ابن القيم: قد تظاهرت أدلة الشرع على أن القصود في العقود معتبرة، وأنها تؤثر في صحة العقد وفساده، وفي حله وحرمته، وذكر السلاح يبيعه الرجل لمن يعرف أنه يقتل به مسلما، حرام باطل، لما فيه من الإعانة على الإثم والعدوان، وإذا باعه لمن يعرف أنه يجاهد به في سبيل الله فهو طاعة وقربة.
(4)
وإنما هو ذريعة للقتل به، وتعطى الوسائل أحكام المقاصد، في غالب الأحكام فلا يتوقف المنع على القتل به، والتحريم منوط بالعلم، ولو بقرائن، لا بالظن على الصحيح، فإن ظن ولم يتحقق كره وصح، واختار الشيخ: لا يصح ولو ظنا، وهو ظاهر نص أحمد، وصوبه في الإنصاف.
(5)
أي وكما أنه لا يصح بيع سلاح ونحوه في فتنة لا يصح بيعه لأهل حرب للمسلمين لأنه إعانة على معصية.
أو قطاع طريق، لأنه إعانة على معصية (1) ولا بيع مأكول ومشموم لمن يشرب عليهما المسكر (2) ولا قدح لمن يشرب به خمرا (3) ولا جوز، وبيض لقمار (4) ويحرم أكله ونحو ذلك (5)(ولا) بيع (عبد مسلم لكافر، إذا لم يعتق عليه)(6) لأنه ممنوع من استدامة ملكه عليه (7) لما فيه من الصغار (8) .
(1) أي وكذا لا يصح بيع سلاح ونحوه لقطاع طريق، لأن بيعه لهم إعانة على معصية الله، وقد قال تعالى:{وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ} والمراد إذا علم ذلك ممن يشتريه، ولو بقرائن.
(2)
قال أحمد: إذا كان عندك يريده للنبيذ فلا تبعه اهـ لأن ذلك إثم وعدوان.
(3)
لأنه إعانة على المعصية، وإثم وعدوان.
(4)
أي ولا يصح بيع جوز، ولا بيع بيض، وبندق، ونحوه لقمار، وهو من الميسر، المنهي عنه في الكتاب والسنة، وكذا بيع غلام لمن عرف بالوطء في الدبر، أو بيع أمة للغناء، للنهي عن بيع المغنيات، ولأن ذلك إثم وعدوان.
(5)
كشرائه ممن اكتسبوه لأنه لم ينتقل إلى ملك المكتسب.
(6)
ولو كان الكافر وكيلاً لمسلم، لأنه لا يصح أن يشتريه لنفسه، فلم يصح أن يتوكل فيه، و «عبد» بالإضافة، ليعم المسلم والكافر إن كان عبدًا لمسلم، فإن بيع العبد الكافر للكافر لا يجوز على المشهور، لرجاء إسلامه، وصنيع الشارح يقضي بقراءته بالتنوين.
(7)
لما يأتي من الآية والخبر.
(8)
وإذلال المسلم تحت الرق للكافر.
فمنع من ابتدائه (1) فإن كان يعتق عليه بالشراء صح (2) لأنه وسيلة إلى حريته (3)(وإن أسلم) قن (في يده) أي يد كافر (4) أو عند مشتريه منه، ثم رده لنحو عيب (5)(أجبر على إزالة ملكه) عنه (6) بنحو بيع، أو هبة، أو عتق (7) لقوله تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (8)(ولا تكفي مكاتبته)(9) .
(1) أي ابتداء ملك الكافر للمسلم، وهو أولى بالمنع من الاستدامة فلم يصح البيع.
(2)
أي الشراء واغتفر هذا الزمن اليسير لأجل العتق.
(3)
ولأن ملكه لا يستقر عليه، وهذا قول أكثر الأصحاب، وهو مذهب أبي حنيفة، ومن يعتق عليه هو كل ذي رحم محرم منه.
(4)
أجبر على إزالة ملكه عنه.
(5)
أي أو أسلم قن عند مشتريه من كافر، ثم رد على الكافر بنحو عيب في القن، أوجب الرد، كغبن، أو نجش، وكذا لو وجد الثمن المعين معيبا فرده، وكان قد أسلم.
(6)
أي عن العبد المسلم من حين القدرة، وإنما ثبت الملك لأن الاستدامة أقوى من الابتداء.
(7)
مما يرفع يد الكافر عن المسلم.
(8)
فدلت على أنه لا يجوز إبقاء المسلم تحت يد الكافر، ولقوله صلى الله عليه وسلم «الإسلام يعلو ولا يعلى» وغير ذلك.
(9)
لأن له تعجيزه، وهو قن ما بقي عليه درهم.
لأنها لا تزيل ملك سيده عنه (1) ولا بيعه بخيار، لعدم انقطاع علقه عنه (2)(وإن جمع) في عقد (بين بيع وكتابة) بأن باع عبده شيئًا وكاتبه، بعوض واحد، صفقة واحدة (3)(أو) جمع بين (بيع وصرف)(4) أو إجارة، أو خلع (5) أو نكاح، بعوض واحد (6)(صح) البيع وما جمع إليه (7) .
(1) بل يبقى إلى الأداء، ولأنه قد يعجز نفسه.
(2)
أي ولا يكفي في إزالة ملك الكافر عن القن المسلم بيعه بخيار، لعدم انقطاع علق الكافر عن الرقيق المسلم، ويدخل أيضًا في ملك الكافر ابتداء بالإرث، وإفلاس المشتري، وإذا رجع في هبة لولده، وفيما إذا ملكه الحربي، وغير ذلك، ويجبر على إزالة ملكه عنه.
(3)
أي بعقد واحد، وبثمن واحد، بطل البيع.
(4)
كأن باعه دينارا بثوب وستة دراهم صح، فإن اشترى الثوب بنصف دينار، واشترط عليه أن يصرف النصف الآخر بستة دراهم لم يصح، قال الشيخ: ولا بد أن يكون الثمن من غير جنس ما مع المبيع، مثل أن يبيعه ثوبا ودراهم بذهب، فإن كان من جنسه فهي مثل مسألة (مد عجوة) .
(5)
بأن باعه عبده، وآجره داره بعوض واحد، أو اشترت منه دارا أو غيرها، واختلعت نفسها بعوض واحد.
(6)
كبعتك عبدي، وزوجتك بنتي بألف درهم.
(7)
أي صح البيع وما معه من صرف، وإجارة وخلع، ونكاح، وغير ذلك، قال الشيخ: في أظهر قولي العلماء، لأن اختلاف العقدين لا يمنع الصحة، كما لو جمع بين ما فيه شفعة، وما لا شفعة فيه، ويقسط الثمن على قيمتهما.
(في غير الكتابة) فيبطل البيع (1) لأنه باع ماله لماله (2) وتصح هي (3) لأن البطلان وجد في البيع فاختص به (4)(ويقسط العوض عليهما) أي على المبيع وما جمع إليه بالقيم (5)(ويحرم بيعه على بيع أخيه) المسلم (6)(كأن يقول لمن اشترى سلعة بعشرة: أنا أعطيك مثلها بتسعة)(7) .
(1) أي في صورة: ما إذا كاتبه وباعه صفقة واحدة، كبعتك عبدي هذا، وكاتبتك بمائة درهم.
(2)
فالعبد المكاتب ماله، والعبد ونحوه الذي باعه إياه مع الكتابة مال السيد، فلم يصح البيع، ومفهومه أنه لو كاتبه ثم باعه شيئا صح، لأن تصرفه إذا مع سيده كالأجنبي.
(3)
أي تصح الكتابة بقسطها من الثمن، لعدم المانع.
(4)
ولم يسر إلى الكتابة، لأن اختلاف العقدين لا يمنع الصحة، كما تقدم.
(5)
أي وما جمع إلى المبيع من إجارة وصرف، وخلع ونكاح، وكتابة ونحوها، بالقيم، ليعرف عوض كل منهما تفصيلاً، وذلك بأن ينظر إلى قيمة العبد لو بيع وحده، وإلى أجرة الدار ونحوها سنة، لو أجرت وحدها، ويجمع بين عوضيهما، وينسب كل واحد من العوضين إلى مجموع العوضين، ويؤخذ له من المسمَّى بقسطه.
(6)
قال الحافظ: لا خلاف في التحريم اهـ واتفق أهل العلم على كراهته، وأبطله مالك، والمذهب عدم صحته.
(7)
أو أعطيك خيرًا منها بثمنها، أو يعرض عليه سلعة يرغب فيها المشتري، ليفسخ البيع ويعقد معه.
لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يبع بعضكم على بيع بعض» (1)(و) يحرم أيضا (شراؤه على شرائه (2) كأن يقول لمن باع سلعة بتسعة: عندي فيها عشرة) (3) لأنه في معنى البيع المنهي عنه (4) ومحل ذلك إذا وقع في زمن الخيارين (5) .
(1) متفق عليه، ولهما أيضًا لا يبع الرجل على بيع أخيه، والنهي يقتضي الفساد.
(2)
أي شراؤه على شراء مسلم، بلا خلاف، ولا يصح، قال الشيخ: يحرم الشراء على شراء أخيه، وإذا فعل كان للمشتري الأول مطالبة البائع بالسلعة، وأخذ السلعة أو عوضها اهـ، وكذا اقتراضه على اقتراضه، واتهابه على اتهابه، وطلبه العمل من الولايات، ونحو ذلك، لما فيه من الإضرار بالمسلم، والإفساد عليه.
(3)
لإدخاله الضرر على أخيه المسلم، بما بذل من الزيادة بنحو ما ذكر.
(4)
يعني في قوله صلى الله عليه وسلم «لا يبع بعضكم على بيع بعض» «ولا يبع الرجل على بيع أخيه» والبيع: يشمل البيع والشراء، كما تقدم، فيدخل في عموم النهي.
(5)
أي خيار المجلس، وخيار الشرط، واختار الشيخ، وابن القيم، وابن رجب، وغيرهم، التحريم، ولو فات زمن الخيار، لأن ذلك يورث عداوة بين المسلمين.
وذكر الشيخ: أن كلام أحمد، وقدماء أصحابه يدل عليه، لأنه يتسبب إلى ردها بأنواع من الطرق، المقتضية لضرره، وأما قبل العقد فهو سومه على سومه.
(ليفسخ) المقول له العقد (ويعقد معه)(1) وكذا سومه على سومه (2) بعد الرضا صريحا لا بعد ردٍّ (3) .
(1) أي ليفسخ المقول له العقد في صورة ما إذا قيل للمشتري، أنا أعطيك مثلها بتسعة؛ وفي صورة ما إذا قيل للبائع، عندي فيها عشرة، ونحو ذلك ويعقد هذا القائل مع المشتري والبائع، ويدخل الضرر على أخيه المسلم.
(2)
أي وكما يحرم بيعه على بيع أخيه، يحرم سومه على سومه، لقوله «ولا يسم على سومه» وفصله عما قبله بكلمة «كذا» تنبيهًا على عدم اتصافه بكل ما اتصف به ما قبله، والسوم: أن يتفق مالك السلعة، والراغب فيها، على البيع، ولم يعقداه، فيقول الآخر للمالك: استرده، فأنا أشتريه بأكثر، وللمستام: رده، لأبيعك خيرا منه بثمنه؛ أو مثله بأرخص وإن كان تصريحًا فقال الحافظ: لا خلاف في التحريم، وليس المراد السوم في السلعة التي تباع في سوق من يزيد، فلا يحرم بالاتفاق، لما في السنن، «من يزيد على درهم؟» وفي الصحيحين، في قصة المدبر «من يشتريه مني؟» عرضه للزيادة، ولم يزل المسلمون يتبايعون في أسواقهم بالمزايدة.
وقال الشيخ: لو قيل إنه في بيوع المزايدة: ليس لأحدهما أن يفسخ، لما فيه من الضرر بالآخر، كان متوجهًا، لأنه لو لم يقبل أمكنه أن يبيع الذي قبله، فإذا قبل ثم فسخ كان قد غر البائع، بل يتوجه، كقول مالك إنه في بيع المزايدة إذا زاد أحدهما شيئا لزمه، ألا ترى أنه في النجش إذا زاد غر المشتري، فكذلك هنا إذا زاد فقد غر البائع، وقد نهي عن أنواع من العقود، لما فيها من الضرر بالغير، فعلى قياسه ينهى عن الفسوخ التي فيها ضرر للبائع.
(3)
أي يحرم سومه على سوم أخيه بعد الرضا صريحًا، من المالك والمستام، وركون أحدهما إلى الآخر، واستقرار الثمن، لا بعد رد من المالك أو المستام
فلا يحرم، لعدم المحذور، قال الشيخ: يفرق فيه بين الركون وعدمه، ولهذا جاز بيع المزايدة، لأن البائع طلب المزايدة فلم يركن.
(ويبطل العقد فيهما) أي في البيع على بيعه (1) والشراء على شرائه (2) ويصح في السوم على سومه (3) والإجارة كالبيع في ذلك (4) ويحرم بيع حاضر لبادٍ (5) .
(1) وهو إعطاء مشتري سلعة بعشرة، مثلها بتسعة.
(2)
وهو أخذ السلعة المشتراة بتسعة بعشرة، وتقدم أنه لا يصح، وأبطله مالك في الصورتين ونحوهما، وقال الشيخ: للمشتري الأول مطالبة البائع بالسلعة، وأخذها أو عوضها.
(3)
أي ويصح العقد مع التحريم، في مسألة السوم على سوم أخيه، لأن المنهي عنه السوم لا البيع.
(4)
وسائر العقود، وطلب الولايات ونحوها، بحيث تختلف جهة المالك ونحوه، لأنه ذريعة إلى التباغض والتعادي، فيحرم أن يؤجر أو يستأجر على مسلم، ولا يصح، ولا يسوم على سومه للإجارة وغيرها، بعد الرضا صريحًا، للإيذاء.
(5)
الحاضر المقيم في المدن، والقرى، والبادي المقيم بالبادية، لقوله «ولا يبع حاضر لباد» وفسره ابن عباس بقوله: لا يكون له سمسارًا، أي دلَاّلاً يتوسط بين البائع والمشتري، وفي لفظ:«وإن كان أخاه لأبيه وأمه» وفي لفظ «دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض» وكما أنه لا يجوز أن يبيع الحاضر للبادي، كذلك، لا ينبغي أن يشتري له، وفي لفظ «أن تبيعوا وتبتاعوا» ولفظ البيع يتناول الشراء، وليس كالبيع له في التضييق على الناس.
ويبطل إن قدم لبيع سلعته، بسعر يومها (1) جاهلاً بسعرها (2) وقصده الحاضر (3) وبالناس حاجة إليها (4)(ومن باع ربويا بنسيئة) أي مؤجل (5) وكذا حال لم يقبض (6)(واعتاض عن ثمنه ما لا يباع به نسيئة)(7) .
(1) أي ويبطل البيع بشروط خمسة: أحدها إن قدم البادي والمراد به الغريب، سواء كان من البادية أو غيرها، لبيع سلعة، لا لخزنها أو أكلها وأن يكون بسعر يومها، لأنه إذا قصد بيعها بزائد على ذلك، كان المنع من جهته.
(2)
لأنه إذا علمه لم يزده الحاضر على ما عنده.
(3)
أي العارف بالسعر، أما إذا كان جاهلاً أولاً، أو كان القاصد البادي فلا محذور.
(4)
أي وأن يكون بالناس حاجة إلى تلك السلعة، وهو الخامس، فإن فقد شيء مما ذكر، لم يوجد الذي من أجله نهى الشارع، وهو التضييق، وصح البيع ومفهومه أنه إن لم يباشر له البيع، بل أشار إليه عدمت الحرمة، فإن استشاره جاهل بالسعر، وجب بيانه، لوجوب النصح لكل مسلم.
(5)
ويقال: باعه بنسيئة بآخرة، ونسأه أخره، والربوي: كل مكيل وموزون ويأتي.
(6)
أي ومثل من باع ربويًّا بنسيئة في الحكم، من باع بثمن حال لم يقبض، واستنكر بعضهم القبض، وقال: ليس بشرط، وفي الإنصاف وغيره، بثمن حال.
(7)
لم يجز، وقال ابن القيم: إما أن يواطئه على الشراء منه لفظا، أو يكون العرف بينهما قد جرى بذلك، أو لا يكون، فإن كان الأول فباطل، وإن لم تجر بينهما مواطأة، لكن قد علم المشتري أن البائع يريد أن يشتري منه ربويًّا بربوي
فكذلك، وإن قصد البائع الشراء منه بعد البيع، ولم يعلم المشتري، فكرهه أحمد وغيره، والمتقدمون حملوا المنع على التحريم.
كثمن بُرٍّ اعتاض عنه برًّا، أو غيره من المكيلات لم يجز (1) لأنه ذريعة لبيع ربوي بربوي نسيئة (2) وإن اشترى من المشتري طعامًا بدراهم، وسلمها إليه، ثم أخذها منه وفاء (3) أو لم يسلمها إليه، لكن قاصه جاز (4) .
(1) وكذا لو اشترى بثمن الموزون موزونًا لم يجز، قال الشيخ: لا يجوز أن يبتاع منه بالثمن ربويًّا لا يباع بالأول نسأ، لأن أحكام العقد الأول لا تتم إلا بالتقابض، فإذا لم يحصل صار ذريعة إلى الربا، وقال: الأظهر أنه إذا كان أرفق بالمشتري، مثل أن لا يكون عنده إلا حنطة يحتاج أن يبيعها ويوفيه بثمنها، وإعطاؤه الحنطة أرفق به، جاز، وإلا فلا، والمراد والله أعلم ولم يكن مواطأة لما تقدم.
(2)
ويكون الثمن المعوض عنه بينهما كالمعدوم، لأنه لا أثر له، والطريق إلى الحلال هي العقود المقصودة، المشروعة، التي لا خداع فيها، ولا تحريم، ولا يصح أن يلحق بها صورة عقد لم تقصد حقيقته، وإنما قصد التوصل به إلى استحلال ما حرم الله، بتسمية ثمن تلبيسا وخداعا، ووسيلة إلى الربا.
(3)
أي عن ثمن الربوي الأول جاز.
(4)
حيث سقط عن كل واحد منهما ما يلزمه للآخر، ولا يحتاج لرضاهما كأن يشتري منه صاعا بدرهم مؤجلا، ثم يشتري البائع من المشتري صاعا بدرهم مثلا، فيكون لكل واحد منهما على صاحبه درهم، فيتقاصان، بأن يقول أحدهما: أسقط الذي علي من الذي عليك، وإن عين الدرهم، بأن قال: اشتريت منك صاعًا بالدرهم الذي عندك لم يصح.
(أو اشترى شيئًا) ولو غير ربوي (نقدًا بدون ما باع به نسيئة)(1) أو حالا لم يقبض، (لا بالعكس لم يجز)(2) لأنه ذريعة إلى الربا، ليبيع ألفًا بخمس مائة (3) وتسمى مسألة العينة (4) وقوله: لا بالعكس، يعني: لا إن اشتراه بأكثر مما باعه به، فإنه جائز (5) .
(1) لم يجز للأحاديث والآثار المتظاهرة، في المنع من عود السلعة إلى البائع، وإن لم يتواطأ على الربا، سدًّا للذريعة، ويأتي أنه معنى البيعتين في بيعة المنهي عنه.
(2)
أي البيع بدون ما باع به نسيئة، وعبارة الإنصاف: بثمن حال، أي: قبض أو لم يقبض، فليس القبض شرطًا.
(3)
ويتحيل إلى الربا بما هو في الصورة ليس بربا، وجزم جمهور العلماء بالتحريم، وعدم الصحة مطلقا، وقالت عائشة في قصة أم ولد زيد بن أرقم وأمه: بئس ما اشتريت قال الشيخ: متى قال صاحب الدين للغريم: إما أن تقلب وإما أن تقوم معي إلى الحاكم، وهو معسر، فقلب على هذا الوجه، كانت المعاملة حرامًا، غير لازمة باتفاق المسلمين، فإن الغريم مكره عليها بغير حق.
(4)
لأن مشتري السلعة إلى أجل، يأخذ بدلها عينًا، نقدًا حاضرًا، والآثار المتظاهرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم العينة، تدل على المنع، منها قوله:«إذا تبايعتم بالعينة» وقوله «يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع» والعينة عند من يستعملها إنما يسميها بيعًا، وهو حيلة ومكر، وخبر «إنما الأعمال بالنيات» أصل في إبطال الحيل.
(5)
كأن باعه بمائة فاشتراه بمائتين.
كما لو اشتراه بمثله (1) وأما عكس مسألة العينة، بأن باع سلعة بنقد ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة فنقل أبو داود: يجوز بلا حيلة (2) ونقل حرب أنها مثل مسألة العينة (3) وجزم به المصنف في الإقناع (4) وصاحب المنتهى (5) وقدمه في المبدع، وغيره (6) قال في شرح المنتهى: وهو المذهب (7) لأنه يتخذ وسيلة للربا، كمسألة العينة (8) .
(1) أي فإنه جائز، جزم به في الفروع وغيره، لانتفاء الربا المتوسل إليه به.
(2)
ونقل المروذي، بأكثر لا بأس، والحيلة في ذلك هو التوصل إلى الربا، بما هو في الصورة ليس بربا.
(3)
أي إن اشتراه بأكثر مما باعه به نسيئة، لأن هذا يتخذ وسيلة إلى الربا، قال ابن القيم: فهو كمسألة العينة سواء، وهي عكسها صورة، وفي الصورتين قد ترتب في ذمته دراهم مؤجلة بأقل منها نقدًا، لكن في إحدى الصورتين: البائع هو الذي اشتغلت ذمته، وفي الصورة الأخرى المشترى هو الذي اشتغلت ذمته فلا فرق بينهما.
(4)
ولفظه: وعكسها مثلها، أي عكس مسألة العينة، وهو أن يبيع السلعة أولا بنقد يقبضه، ثم يشتريها من مشتريها بأكثر من الأول من جنسه نسيئة، أو لم يقبض، مثلها في الحكم، لأنه يتخذ وسيلة إلى الربا.
(5)
وعبارته كعبارة صاحب الإقناع، وهي قوله: وعكسها مثلها.
(6)
كالفروع.
(7)
أي على ما اصطلحوه.
(8)
أي إذا اشتراه بأكثر، فهو مثل مسألة العينة إذا اشتراه بأقل، لأنه ذريعة إلى بيع مائة بمائة وخمسين مثلاً.
وكذا العقد الأول فيهما، حيث كان وسيلة إلى الثاني، فيحرم ولا يصح (1)(وإن اشتراه) أي اشترى المبيع في مسألة العينة أو عكسها (بغير جنسه)(2) .
(1) أي وكذا العقد الأول، في مسألة العينة وعكسها، حيث كان الأول وسيلة إلى العقد الثاني، يحرم ولا يصح إذا أوقع الأول، ليتوصل به إلى الثاني وذكر الشيخ أنه يصح الأول، إذا كان بتاتًا بلا مواطأة، وإلا بطلا، وذكر أنه قول أحمد، ومذهب أبي حنيفة، ومالك، قال في الفروع: ويتوجه أنه مراد من أطلق.
ولما ذكر ابن القيم الصورتين، وصورة التورق، قال: وللعينة صورة رابعة وهي أخت صورها، وهي أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا نسيئة، ونص أحمد على كراهة ذلك، فقال: العينة أن يكون عنده المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة، فإن باع بنسيئة ونقد فلا بأس، قال ابن عقيل: إنما كره ذلك لمضارعته الربا وعلله الشيخ، بأنه يدخل في بيع المضطر، فإن غالب من يشتري بنسيئة إنما يكون لتعذر النقد عليه، فإذا كان الرجل لا يبيع إلا بنسيئة كان ربحه على أهل الضرورة والحاجة؛ وإذا باع بنقد ونسيئة كان تاجرًا من التجار.
قال: وللعينة، صورة خامسة وهي أقبح صورها، وأشدها تحريمًا، وهي أن المترابيين يتواطآن على الربا، ثم يعمدان إلى رجل عنده متاع، فيشتريه منه المحتاج، ثم يبيعه للمربي بثمن حال، ويقبضه منه ثم يبيعه إياه للمربي بثمن مؤجل، وهو ما اتفقا عليه، ثم يعيد المتاع إلى ربه، ويعطيه شيئا، وهذه تسمى الثلاثية وإن كانت بينهما خاصة فهي الثنائية.
(2)
أي بغير جنس ثمنه، سواء كان بأقل أو أكثر، واختار الموفق وغيره: لا يجوز لأنهما كالشيء الواحد، في معنى الثمنية وصوبه في الإنصاف، وإن كان حيلة فقياس المذهب البطلان.
بأن باعه بذهب، ثم اشتراه بفضة (1) أو بالعكس (2)(أو) اشتراه (بعد قبض ثمنه (3) أو بعد تغير صفته) (4) بأن هزل العبد، أو نسي صنعته، أو تخرق الثوب (5)(أو) اشتراه (من غير مشتريه)(6) بأن باعه مشتريه، أو وهبه ونحوه (7) ثم اشتراه بائعه ممن صار إليه جاز (8) (أو اشتراه أبوه) أي: أبو بائعه (أو ابنه) أو مكاتبه، أو زوجته (جاز) الشراء (9) .
(1) أو بعرض صح، أو باعه بعرض، ثم اشتراه بنقد، صح البيع.
(2)
بأن باعه بفضة، ثم اشتراه بذهب أو بعرض، وفي الإنصاف: لو اشتراها بعرض، أو كان بيعها الأول بعرض، فاشتراها بنقد جاز، قال الموفق: لا أعلم فيه خلافًا، وإن كان بنقد، واشتراها بنقد آخر، فاختار الموفق أنه لا يجوز وصوبه في الإنصاف.
(3)
أي باع السلعة، وقبض ثمنها، ثم اشتراها صح، لأنه لا توسل به إلى الربا.
(4)
بما ينقصها ولا حيلة جاز.
(5)
ونحو ذلك، كأن قطعت يد العبد.
(6)
أي اشترى المبيع بائعه بنسيئة، ولم يقبض الثمن من غير مشتري المبيع منه بنسيئة.
(7)
أو ورث عنه، ونحو ذلك من أي سبب من أسباب الانتقال.
(8)
ولو بنقد أقل من ثمنه الأول.
(9)
أي لهم، وصح، لأن كل واحد منهم كالأجنبي، بالنسبة إلى الشراء.
ما لم يكن حيلة على التوصل إلى فعل مسألة العينة (1) ومن احتاج إلى نقد، فاشترى ما يساوي مائة بأكثر، ليتوسع بثمنه فلا بأس (2) .
(1) أي ما لم يكن شراء الأب، وما عطف عليه حيلة، بأن يكون شراؤهم له، وقال ابن القيم: ومن الحيل المحرمة الباطلة: التحيل على جواز مسألة العينة، مع أنها حيلة في نفسها على الربا، وجمهور الأئمة على تحريمها.
وقد ذكر أرباب الحيل لاستباحتها عدة حيل، منها: أن يحدث المشتري في السلعة حدثًا تنقص به، فحينئذ يجوز لبائعها أن يشتريها بأقل مما باعها به، ومنها: أن تكون السلعة قابلة للتجزؤ، فيمسك منها جزءًا ويبيعه بقيمتها، أو يضم إلى السلعة منديلاً ونحوه، فيملكه المشتري، ويبيعه السلعة بما يتفقان عليه من الثمن، أو يبيعه السلعة ويضم إلى ثمنها خاتما ونحوه.
ولا ريب أن العينة على وجهها أسهل من هذا التكليف، وأقل مفسدة، وإن كان الشارع قد حرم مسألة العينة لمفسدة فيها، فإن المفسدة لا تزول بهذه الحيل، بل هي بحالها، وانضم إليها مفسدة أخرى أعظم منها، وهي مفسدة المكر والخداع، واتخاذ أحكام الله هزوا.
(2)
بأن يشتري ما يساوي مائة بأكثر قليلا، وقدره بعضهم بخمسين، إلى سنة مثلا، ويختلف باختلاف الأحوال والأوقات، قيل لأحمد: إن ربح الرجل في العشرة خمسة يكره ذلك قال: إذا كان ذلك أجل إلى سنة أو أقل بقدر الربح، فلا بأس به، وقال: بيع النسيئة إذا كان مقاربًا فلا بأس، قال الشيخ: وهذا يقتضي كراهة الربح الكثير الذي يزيد على قدر الأجل، لأنه شبه بيع المضطر
الذي لا يجد حاجته إلا عند شخص، وينبغي أن لا يربح عليه إلا كما يربح على غيره، وله أن يأخذ بالقيمة المعروفة بغير اختياره.
وتسمى مسألة التورق (1) ويحرم التسعير (2) .
(1) من الورق وهي الفضة، لأن مشتري السلعة يبيعها بها، فإن مقصوده أخذ الورق، فينظر السلعة كم تساوي نقدا، فيشتريها إلى أجل، ثم يبيعها في السوق نقدا، قال الشيخ: وهذا مكروه في أظهر قولي العلماء، وفي الإنصاف: وعنه يحرم: اختاره الشيخ، وقال: إذا لم يكن للمشتري إلى السلعة حاجة، بل حاجته في الذهب والورق، فيشتريها ليبيعها بالعين الذي احتاج إليها، فإن أعادها إلى البائع فهو الذي لا يشك في تحريمه، وإن باعها لغيره بيعا تاما، ولم تعد إلى الأول بحال، فقد اختلف السلف في كراهته، ويسمونه التورق.
(2)
وهو أن يأمر الوالي الناس بسعر لا يجاوزونه، وحكي الوزير الاتفاق على كراهته، ويكره الشراء به، وقال ابن القيم: التسعير منه ما هو محرم، ومنه ما هو عدل جائز، فإذا تضمن ظلم الناس، وإكراههم بغير حق، على البيع بشيء لا يرضونه، أو منعهم مما أباح الله لهم، فهو حرام، وإذا تضمن العدل بين الناس، مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ الزيادة على عوض المثل فهو جائز بل واجب.
فالأول مثل ما روى أنس قال: غلا السعر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: سعر لنا، فقال:«إن الله هو المسعر، القابض، الباسط» الحديث فإذا كانوا يبيعون سلعهم على الوجه المعروف، من غير ظلم منهم، وقد ارتفع السعر، إما لقلة الشيء، أو لكثرة الخلق، فهذا إلى الله، فإلزام الناس أن يبيعوا بقيمة بعينها إكراه بغير حق.
والثاني مثل: أن يمتنع أرباب السلع من بيعها، مع ضرورة الناس إليها
بزيادة على القيمة المعروفة، فهنا يجب عليهم بيعها بقيمة المثل، ولا معنى للتسعير إلا إلزامهم بقيمة المثل، والتسعير هنا إلزام بالعدل الذي ألزمهم الله به، ولا يجوز عند أحد من العلماء أن يقول لهم: لا تبيعوا إلا بكذا وكذا، ربحتم أو خسرتم من غير أن ينظر إلى ما يشترون به، ومنع الجمهور أن يحد لأهل السوق حد لا يتجاوزونه مع قيامهم بالواجب.
قال: وجماع الأمر أن مصلحة الناس إذا لم تتم إلا بالتسعير، سعر عليهم، تسعير عدل، لا وكس، ولا شطط، وإذا اندفعت حاجتهم، وقامت مصلحتهم بدونه، لم يفعل، وأوجب الشيخ المعاوضة بثمن المثل، وأنه لا نزاع فيه، لأنه مصلحة عامة لحق الله تعالى، ولا تتم مصلحة الناس إلا بها.
والاحتكار في قوت آدمي (1) ويجبر على بيعه كما يبيع الناس (2) .
(1) أي ويحرم الاحتكار في قوت آدمي، نحو تمر، وبر، لا خل، وعسل، وجبن، ونحوه، لخبر «لا يحتكر إلا خاطئ» والاحتكار: هو الشراء للتجارة وحبسه مع حاجة الناس إليه، والمحتكر هو الذي يتلقى القافلة، فيشتري الطعام منهم ويريد إغلاءه على الناس، وهو ظالم لعمومهم، وقيل: لا فرق بين القوت وغيره.
(2)
أي يجبر المحتكر طعام الآدمي أن يبيع طعام الآدميين، كما يبيع الناس، دفعا للضرر، قال ابن القيم: فيمن يشتري الطعام يريد إغلاءه، هو ظالم لعموم الناس، ولهذا كان لولي الأمر أن يكره المحتكرين على بيع ما عندهم، بقيمة المثل، عند ضرورة الناس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه، والناس في مخمصة أو سلاح لا يحتاج إليه، والناس محتاجون إليه للجهاد، أو غير ذلك، واختاره الشيخ وغيره، وقال: إذا اتفق أهل السوق على أن لا يتزايدوا في السلعة، وهم محتاجون إليها، ليبيعها صاحبها بدون قيمتها، فإن ذلك فيه من غش الناس ما لا يخفي، وإن كان ثم من يزيد فلا بأس، قال: ويكره أن يتمنى الغلاء.
ولا يكره إدخار قوت أهله ودوابه (1) ويسن الإشهاد على البيع (2) .
(1) سنة أو سنتين، ولا ينوي التجارة، وروي أنه صلى الله عليه وسلم ادخر قوت أهله سنة، ومن ضمن مكانا ليبيع ويشتري فيه وحده، كره الشراء منه بلا حاجة، كجالس على طريق، ويحرم عليه أخذ زيادة بلا حق، قاله الشيخ وغيره.
(2)
لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} والأمر فيه للندب لقوله: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} إلا في قليل الخطر فلا يستحب الإشهاد، للمشقة، قال بعض السلف: التجارة رزق من رزق الله، لمن طلبها بصدق، وفي الحديث «أفضل الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور» وقال أحمد: الزم السوق تصل به الرحم، وتعود به على نفسك؛ وقال: لا ينبغي أن يدع العمل، وينتظر ما بيد الناس، وقال عمن فعل هذا، هم مبتدعة، قوم سوء، يريدون تعطيل الدنيا، قال الشيخ: كسب الإنسان يقوم بالنفقة الواجبة على نفسه وعياله، واجب عليه.
باب الشروط في البيع (1)
والشرط هنا: إلزام أحد المتعاقدين الآخر بسبب العقد ماله فيه منفعة (2) ومحل المعتبر منها صلب العقد (3) وهي ضربان (4) ذكر الأول منهما بقوله (منها صحيح)(5) وهو ما وافق مقتضى العقد (6) .
(1) وهي غير الشروط السابقة، فتلك لصحة البيع.
(2)
أي غرض صحيح، وتأتي أمثلته.
(3)
أي مقارنته له، فلا يصح قبله، وفي الفروع، ويتوجه كنكاح، وقال ابن نصر الله: فلا يضر تقدم الشرط، وكذا نيته، أو اتفقا عليه قبله، على الأصح، وقيل: زمن الخيارين كحالة العقد، فلو ألحق به شرط فاسد لحق به، وترتب عليه حكمه، من إفساد العقد، وفساده.
(4)
أي الشروط في البيع وشبهه، مما يشترطه أحد المتعاقدين صنفان، صحيح وفاسد.
(5)
لازم ليس لمن اشترط عليه فكه، فإن عدم فالفسخ أو أرش فقد الصفة.
(6)
وترتب عليه، ولم يبطله الشرع، ولم ينه عنه، فلازم لخبر «المسلمون على شروطهم» وقال ابن القيم: الأصل في العقود والشروط الصحة، إلا ما أبطله الشارع، ونهى عنه.
وهو ثلاثة أنواع:
«أحدها» شرط مقتضى البيع (1) كالتقابض، وحلول الثمن، فلا يؤثر فيه (2) لأنه بيان، وتأكيد لمقتضى العقد، فلذلك أسقطه المصنف (3) .
«الثاني» شرط ما كان من مصلحة العقد (4)(كالرهن) المعين (5) أو الضامن المعين (6)(و) كـ (تأجيل الثمن) أو بعضه إلى مدة معلومة (7) .
(1) بأن يشترطا شيئا يطلبه البيع بحكم الشرع.
(2)
أي لا يؤثر الشرط الذي يقتضيه البيع فيه، قال في الإنصاف: بلا نزاع فوجوده من حيث الاشتراط كعدمه، وكذا تصرف كل من متبايعين فيما يصير إليه من ثمن ومثمن، وكرد مبيع بعيب قديم.
(3)
لعدم تأثيره في البيع.
(4)
أي مصلحة تعود على المشترط له، ويصح معه البيع.
(5)
بالثمن أو ببعضه، فيصح الشرط، ويدخل في اشتراط الرهن، لو باعه وشرط عليه رهن المبيع على ثمنه فيصح، وقال ابن القيم: هو الصواب في مقتضى قواعد الشرع وأصوله.
(6)
بالثمن أو ببعضه وكذا شرط كفيل ببدن مشتر، فيصح الشرط، وليس للبائع طلب الرهن، والضمين، والكفيل بعد العقد، لأنه إلزام للمشتري بما لم يلتزمه.
(7)
فيصح الشرط، وإن وفى به لزم البيع، قال ابن القيم: والأمة مجمعة على جواز اشتراط الرهن، والكفيل، والضمين، والتأجيل، والخيار ثلاثة أيام، ونقد غير نقدا لبلد، وقال الشيخ: إن باعه نساء، وشرط إن باعه فهو أحق به بالثمن، جاز البيع والشرط، وبشرط أن يتسرى بها، لا للخدمة، قال أحمد: لا بأس به.
قال الشيخ: وروي عنه نحو العشرين نصا على صحة هذا الشرط، وهذا من أحمد يقتضي أنه إذا شرط على البائع فعلا أو تركا في المبيع، مما هو مقصود للبائع، أو للمبيع نفسه، صح البيع والشرط، كاشتراط العتق، واختار الشيخ صحة هذا الشرط، بل اختار صحة العقد والشرط في كل عقد، وكل شرط لم يخالف الشرع، لأن إطلاق الاسم يتناول المنجز والمعلق، والصريح، والكناية، كالنذر، وكما يتناوله بالعربية والعجمية.
(و) كشرط صفة في المبيع كـ (كون العبد كاتبا (1) أو خصيا، أو مسلما) أو خياطا مثلا (2)(والأمة بكرا) أو تحيض (3) والدابة هملاجة (4) والفهد أو نحوه صيودا فيصح (5) .
(1) أي يحسن الكتابة، ويحمل على المتعارف في محل العقد.
(2)
أي فلا يقتصر على ما ذكر فقط، بل يصح شرط ذلك وغيره، ككونه فحلا، أو راميا، ونحو ذلك.
(3)
أي وكشرط كون الأمة المشتراة بكرا لم تفتض أو تحيض لأنها إن لم تحض طبعا ففقده يمنع النسل، أو ذات صنعة بعينها، ونحو ذلك.
(4)
أي وكشرط كون الدابة هملاجة، أي ذات مشية سهلة في سرعة، فيصح الشرط وكذا كونها حاملا.
(5)
أي أو شرط كون الفهد ونحوه -كالبازي والصقر- صيودا، أي معدا للصيد فيصح الشرط، وكذا لو شرط أن الأرض خراجها كذا، ونحو ذلك، صح الشرط في كل ما ذكر، لأن الرغبات تختلف باختلاف ذلك، فلو لم يصح اشتراط ذلك ونحوه لفاتت الحكمة التي لأجلها شرع البيع، ويؤيده قوله «المسلمون على شروطهم» .
فإن وفى بالشرط (1) وإلا فلصاحبه الفسخ (2) أو أرش فقد الصفة (3) وإن تعذر رد تعين أرش (4) وإن شرط صفة فبان أعلى منها فلا خيار (5)(و) الثالث: شرط بائع نفعا معلوما في مبيع، غير وطء ودواعيه (6) .
(1)«وفى» بالتخفيف، أي وإن حصل للمشترط شرطه، فلا فسخ، ولزم البيع.
(2)
أي وإلا يحصل لصاحب الشرط شرطه، فله الفسخ، لفوات الشرط، ويدخل فيه: شرط الرهن المعين، والضمين المعين، إلا الحيض في الأمة الصغيرة فإنه يرجى مجيئه.
(3)
أي فيخير من فات شرطه، بين الفسخ، وبين الإمساك مع أرش فقد الصفة التي شرطها فيقوم المبيع بما يساوي حال وجودها، ثم يقوم بعد فقدها وينزل قيمة فقدها.
(4)
أي وإن تعذر على المشتري رد ما وجده فاقد الصفة، بنحو تلف، تعين له أرش فقد الصفة، كالمعيب إذا تلف عند المشتري، ولم يرض بعيبه.
(5)
كأن شرط الأمة ثيبا أو كافرة، أو سبطة أو حاملا، فبانت أعلى بأن كانت بكرا أو مسلمة أو جعدة، أو حائلا فلا خيار لمشتر، لأنه زاده خيرا، كما لو شرط العبد كاتبا فبان عالما، ولا يصح اشتراط كون الأمة مغنية، أو الحامل تلد في وقت بعينه، ونحو ذلك مما هو إما محرم، أو لا يمكن الوفاء به.
(6)
كمباشرة دون فرج، وقبلة، فلا يصح شرطه، لأنه لا يحل إلا بملك يمين، أو عقد نكاح وقد انتفيا.
(نحو أن يشترط البائع سكنى الدار) أو نحوها (شهرا (1) وحملان البعير) أو نحوه المبيع (إلى موضع معين)(2) لما روى جابر: أنه باع النبي صلى الله عليه وسلم جملا، واشترط ظهره إلى المدينة، متفق عليه (3) واحتج في التعليق والانتصار وغيرهما بشراء عثمان من صهيب أرضا، وشرط وقفها عليه وعلى عقبه، ذكره في المبدع (4) .
(1) أو أقل أو أكثر، أو البيت شهرا أو سنة، فيصح كما لو باعه دارا مؤجرة ونحوها.
(2)
فيصح الشرط، وكذا اشتراط خدمة العبد المبيع مدة معلومة، فإن لم يكن معينا، لم يصح الشراء، وكذا لو شرط بائع نفع غير مبيع، ويفسد البيع، والمبيع بالجر: نعت البعير.
(3)
وفي لفظ: واستثنيت حملانه إلى أهلي، وورد بألفاظ أخر، وفيه دليل على جواز البيع، مع استثناء الركوب إلى موضع معين، وهو مذهب جمهور أهل العلم.
(4)
أي احتج على صحة هذا الشرط في التعليق، للقاضي أبي يعلى، وفي الانتصار لأبي الخطاب رحمهما الله تعالى، وكذا في عيون المسائل وغيرها، بشراء عثمان بن عفان رضي الله عنه من صهيب أرضا، وشرط وقفها عليه، وعلى عقبه، ذكره في المبدع، والفروع وغيرهما، وقال ابن القيم: لو باع دارا أو عبدا أو سلعة واستثنى منفعة المبيع، مدة معلومة جاز، كما دلت عليه النصوص والآثار، والمصلحة، والقياس الصحيح.
ومقتضاه صحة الشرط المذكور (1) ولبائع إجارة وإعارة ما استثنى (2) وإن تعذر انتفاعه بسبب مشتر فعليه أجرة المثل له (3)(أو شرط المشتري على البائع) نفعا معلوما في مبيع كـ (حمل الحطب) المبيع إلى موضع معلوم (أو تكسيره (4)
(1) أي مقتضى شراء عثمان صحة شرط الوقف ونحوه، والمذهب: عدم جواز ذلك، وذكر الشيخ: أنه يلزم تسليمه، ثم يرده لبائعه، لتستوفي المنفعة قال: وإن شرط تأخير قبضه بلا غرض صحيح لم يجز.
(2)
لملكه النفع، كالعين المؤجرة، لمستأجرها إجارتها، وإعارتها لا لمن هو أكثر منه ضررا ومفهومه أن غير البائع إذا شرط له النفع لا يؤجر، ولا يعير، ويفهم منه أنه لو باع مشتر مستثنى نفعه مدة معلومة صح البيع، وكان في يد المشتري الثاني مستثنى النفع، وله الخيار إن لم يعلم.
(3)
أي وإن تعذر انتفاع بائع بسبب مشتر، بأن أتلف العين المذكورة أو أعطاها لمن أتلفها، أو باعها، أو الدار هدمها، فعليه أجرة مثله لبائع، لتفويته المنفعة المستحقة، وإن تلفت بغير فعله، ولا تفريطه، لم يضمن شيئا، كما لو تلفت نخلة يستحق البائع ثمرتها، وإن شرط البائع نفع المبيع لغيره مدة معلومة جاز، فإن أم سلمة أعتقت سفينة، وشرطت عليه أن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ما عاش واستثناء خدمة غيره في العتق كاستثنائها في المبيع.
(4)
أي الحطب المبيع، فيصح الشرط والبيع، فإن لم يعلم لم يصح الشرط، وله الخيار، فلو شرط الحمل إلى منزله، وهو لا يعرف منزله، لم يصح الشرط، وكذا لو شرط بائع نفع غير مبيع، أو مشتر نفع بائع في غير مبيع، لم يصح وفسد البيع.
أو خياطة الثوب) المبيع (أو تفصيله)(1) إذا بين نوع الخياطة أو التفصيل (2) واحتج أحمد لذلك بما روى أن محمد بن مسلمة اشترى من نبطي جرزة حطب، وشارطه على حملها (3) ولأنه بيع وإجارة (4) فالبائع كالأجير (5) .
(1) أو جز رطبة مبيعة، أو حصاد زرع ونحوه، بشرط علمه النفع المشروط، وهذا ونحوه من مقتضى البيع، والذي من مصلحته اشتراط رهن، وضمين معين، ونحوه.
(2)
فإن لم يبين لم يصح الشرط، وله الخيار، وإن شرط ما ليس في نفس المبيع كأن يشتري منه ثوبا، ويشترط عليه خياطة ثوب آخر لم يصح.
(3)
روى بفتح الراء أي روى الإمام أحمد أن محمد بن مسلمة اشترى من نبطي، والأنباط جيل من الناس، يسكنون العراق «جرزة» بضم الجيم، وإسكان الراء، أي حزمة حطب، وشارطه على حملها، فدل على جواز بيع وشرط، وما روي: نهى عن بيع وشرط، فقال ابن القيم: لا يعلم له إسناد، مع مخالفته للسنة الصحيحة، والقياس، والإجماع، وقال أحمد: إنما النهي عن شرطين في بيع، وهذا بمفهومه يدل على جواز الشرط الواحد، والمراد غير الشرط الفاسد فيبطل، وإن كان واحدا، نص عليه وهو قول أكثر العلماء.
(4)
أي باعه الحطب، وأجره نفسه لحمله، أو باعه الثوب، وأجره نفسه لخياطته، وكل من البيع والإجارة يصح إفراده بالعقد، فجاز الجمع بينهما كالعينين.
(5)
أي فحكم البائع والحالة هذه حكم الأجير، فلو مات، أو تلف المبيع، قبل عمله فيه ما شرط عليه، أو استحق نفعه، بأن أجر نفسه إجارة خاصة، فلمشتر عوض ذلك النفع، لفوات ما وقع عليه العقد.
وإن تراضيا على أخذ أجرته ولو بلا عذر جاز (1)(وإن جمع بين شرطين) من غير النوعين الأولين (2) كحمل حطب وتكسيره، وخياطة ثوب وتفصيله.
(بطل البيع)(3) لما روى أبو داود، والترمذي عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لايحل سلف وبيع (4) ولا شرطان في بيع، ولا بيع ما ليس عندك» قال الترمذي: حديث حسن صحيح (5) .
(1) أي وإن تراضيا على أخذ أجرته، أي أخذ العوض، ولو بلا عذر، كتلف المبيع ونحوه جاز، لجواز أخذ العوض عنها مع عدم الاشتراط، فكذا معه، وصورته أن يشتري زيد من عمرو ثوبا، ويشترط زيد على عمرو خياطته، ثم يقول عمرو لزيد: أريد أن أعطيك أجرة الخياطة التي شرطت علي، وتراضيا على أخذ الأجرة المذكورة جاز.
(2)
وهما شرط ما كان من مقتضى البيع، وشرط ما كان من مصلحته، فالأول كاشتراط حلول الثمن، والثاني كرهن وضمين.
(3)
إذا كان الجمع بين الشرطين من أحد المتعاقدين، وأما إذا اشترط كل منهما شرطا فلا تأثير، وذكر الخلوتي أنه ظاهر كلام الأصحاب، وقال أحمد: إذا قال: بعتك ثوبي بكذا، وعلي قصارته وخياطته، يصح البيع، وعليه العمل.
(4)
أي لا يحل قرض وبيع، بأن يكون أحدهما مشروطا في الآخر، قال أحمد: أن يقرضه قرضا ثم يبايعه بيعا يزايده عليه، وهو فاسد لأنه إنما يقرضه على أن يحابيه في الثمن، «وكل قرض جر نفعا فهو ربا ويأتي» .
(5)
«ما ليس عندك» أي في ملكك، والشاهد من الحديث قوله «ولا شرطان
في بيع» فلا يصح الجمع فيه بين شرطين، واتفقوا على عدم صحة ما فيه شرطان ليسا من مقتضى البيع، ولا من مصلحته، وقيل: هو أن يقول: بعتك هذا العبد بألف نقدا، أو بألفين نسيئة، فهذا بيع واحد تضمن شرطين، يختلف المقصود فيه باختلافهما، وهو البيعتان في بيعة.
وقال ابن القيم: عامل عمر الناس على أنهم إن جاءوا بالبذر فلهم كذا، وإلا فلهم كذا، قال: وهذا صريح في جواز: بعتك بعشرة نقدا، أو بعشرين نسيئة، قال: والصواب جواز هذا كله، للنص، والآثار والقياس، وكان ذكر أمثلة يصح تعليقها بالشروط، قال: والمقصود أن للشروط عند الشارع شأنا ليس عند كثير من الفقهاء، ثم قال: فالصواب الضابط الشرعي، الذي دل عليه النص، أن كل شرط خالف حكم الله وكتابه فهو باطل، وما لم يخالف حكمه فهو لازم، والشرط الجائز بمنزلة العقد، بل هو عقد وعهد، وكل شرط قد جاز بذله بدون الاشتراط لزم بالشرط اهـ.
والذي عليه العمل أن الشرطين الصحيحين لا يؤثران في العقد، اختاره الشيخ وغيره، وإن كان الشرطان المجموعان من مقتضى البيع، كاشتراط حلول الثمن، مع تصرف كل منهما فيما يصير إليه، صح بلا خلاف، أو أن يكونا من مصلحته، كاشتراط رهن وضمين معينين بالثمن صح.
والضرب الثاني من الشروط أشار إليه بقوله (ومنها فاسد)(1) وهو ما ينافي مقتضى العقد (2) .
(1) يحرم اشتراطه في الجملة.
(2)
أي حكمه، ووجه المنافاة: أن حكم العقد يقتضي ترف كل بما آل إليه، وشرط ذلك ينافيه.