المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السنة أن يرمي، ثم ينحر، ثم يحلق، ثم يطوف - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٤

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كره إخراج تراب الحرم، وحجارته

- ‌لا يشرع صعود جبل الرحمة

- ‌«من وقف بعرفة، ساعة من ليل أو نهار، فقد تم حجه»

- ‌ الإفاضة من مزدلفة قبل طلوع الشمس

- ‌«من قدم شيئا قبل شيء فلا حرج»

- ‌ يخطب الإمام بمنى يوم النحر

- ‌السنة أن يرمي، ثم ينحر، ثم يحلق، ثم يطوف

- ‌تضمن حجه ست وقفات للدعاء

- ‌إن أخطأ الناس، فوقفوا في الثامن، أو العاشر أجزأهم

-

- ‌كتاب الجهاد

- ‌يقسم فاضل بين أحرار المسلمين

- ‌ أخذ الجزية من جميع الكفار

- ‌فصل في أحكام أهل الذمة

- ‌ليس لكافر دخول مسجد، ولو أذن له مسلم

-

- ‌كتاب البيع

- ‌ لفظ الإيجاب والقبول، يشتمل على صور العقد

- ‌ الخامس (أن يكون) المعقود عليه (مقدورًا على تسليمه)

- ‌ يجوز دخول الأرض المملوكة لأخذ الماء والكلأ

- ‌ السابع (أن يكون الثمن معلومًا) للمتعاقدين

- ‌ البيعتان في بيعة هو الشرطان في البيعة

- ‌«الثاني» ما يصح معه البيع

- ‌باب الخياروقبض المبيع والإقالة

- ‌ يجوز (لمن له الخيار الفسخ

- ‌ ما لم يعلم عيبه بدون كسره

- ‌باب بيع الأصول والثمار

الفصل: ‌السنة أن يرمي، ثم ينحر، ثم يحلق، ثم يطوف

ويحصل التحلل الأول باثنين من حلق، ورمي، وطواف (1) والتحلل الثاني بما بقي مع سعي (2) ثم‌

‌ يخطب الإمام بمنى يوم النحر

، خطبة يفتتحها بالتكبير (3) .

(1) حكاه الوزير وغيره اتفاق الأئمة، وذكروا أنه يتحلل التحلل الأول بالرمي والحلاق، أو بالرمي والطواف، أو بالطواف والحلاق، ويحصل التحلل الثاني بما بقي منها اتفاقا، ويبيح جميع محظورات الإحرام، ويعيد المحرم حلالا، وفي المبدع: والأكثر على أنه لا يحصل التحلل إلا بالرمي والحلق أو التقصير، لأمره صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي أن يطوف ويقصر، ثم يحل وتقدم أن الأنساك ثلاثة، رمي وحلق، وطواف وقال ابن القيم: والمحفوظ جواز تقديم الرمي، والنحر، والحلق، بعضها على بعض اهـ و‌

‌السنة أن يرمي، ثم ينحر، ثم يحلق، ثم يطوف

، يرتبها رواه أبو داود وغيره، عن أنس: أنه فعل هكذا صلى الله عليه وسلم.

(2)

من متمتع مطلقا، وقارن لم يسع مع طواف القدوم، لأنه ركن، وعليه فالتحلل الأول باثنين من ثلاثة كما مر، والتحلل الثاني باثنين من أربعة، وفاقا.

(3)

وفاقا للشافعي، لقول ابن عباس: خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس يوم النحر، رواه البخاري، وعن نافع، عن ابن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى، حين ارتفع الضحى، على بغلة شهباء، وعلي بعيد عنه، والناس بين قائم وقاعد.

ص: 163

يعلمهم فيها النحر، والإفاضة، والرمي (1) .

(1) لقول عبد الرحمن بن معاذ: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، فطفق يعلمهم مناسكهم، حتى بلغ الجمار، رواه أبو داود، ولأن الحاجة تدعو إليه وقال الشيخ: وليس بمنى صلاة عيد، بل رمي الجمرة لهم، صلاة العيد لأهل الأمصار.

وهذا اليوم هو يوم الحج الأكبر، قاله غير واحد من أهل العلم، واختاره ابن جرير وغيره، لأن فيه تمام الحج، ومعظم أفعاله، وقال عليه الصلاة والسلام عند الجمرات، هذا يوم الحج الأكبر، ولابن جرير وغيره بسند صحيح قال:«أليس هذا يوم الحج الأكبر؟» وأصله في الصحيح.

ص: 164

فصل (1)

(ثم يفيض إلى مكة (2) ويطوف القارن والمفرد بنية الفريضة، طواف الزيارة) (3) ويقال طواف الإفاضة (4) فيعينه بالنية (5) .

(1) أي في حكم طواف الإفاضة، والسعي، وأيام منى، والوداع، وغير ذلك.

(2)

لفعله صلى الله عليه وسلم المتفق عليه، واستمر عمل المسلمين عليه «وأفاض الحاج» أسرعوا في دفعهم من عرفة إلى المزدلفة، وأيضا رجعوا من منى إلى مكة يوم النحر.

(3)

سمي بذلك لأنهم يأتون من منى، زائرين البيت، ويعودون في الحال، أو لأنه يفعل عند زيارة البيت، قال الشيخ: إن إمكنه فعله يوم النحر، وإلا فعله بعد ذلك.

(4)

سمي بذلك لإتيانهم به عقب الإفاضة من منى، وهذه التسمية عند أهل العراق، ويقال:«طواف الفرض» لتعينه، (وطواف الركن) عند أهل الحجاز، ويقال: طواف يوم النحر، وطواف النساء، لأنهن يبحن بعده، و «طواف الصدر» لأنه يصدر إليه من منى.

(5)

لحديث «إنما الأعمال بالنيات» ولأن الطواف بالبيت صلاة، وهي لا تصح إلا بنية معينة، فإن طاف للقدوم، أو الوداع، أو بنية النفل، وكان ذلك كله بعد دخول وقت الطواف المفروض، لم يقع عنه، وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، لا يجب تعيينها.

ص: 165

وهو ركن، لا يتم حج إلا به (1) وظاهره أنهما لا يطوفان للقدوم، ولو لم يكونا دخلا مكة قبل (2) وكذا المتمتع، يطوف للزيارة فقط (3) كمن دخل المسجد وأقيمت الصلاة، فإنه يكتفي بها عن تحية المسجد (4) واختاره الموفق، والشيخ تقي الدين، وابن رجب (5) ونص الإمام واختاره الأكثر أن القارن والمفرد، وإن لم يكونا دخلاها قبل يطوفان للقدوم برمل، ثم للزيارة (6) .

(1) وتقدم لقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} فإن آخر المناسك الطواف، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم ولقوله:«أطافت يوم النحر؟» قالوا: نعم. قال: «فانفري» وفي لفظ «أحابستنا هي؟» فثبت أن من لم يطف يوم النحر لم يحل له أن ينفر حتى يطوف، وأنه حابس لمن لم يأت به، ووصفه صلى الله عليه وسلم بالتمام، لأنه لم يبق من أركان الحج سواه، فإذا أتى به حصل تمام الحج.

(2)

أي ظاهر كلام المصنف، حيث لم ينبه إلا على طواف الزيارة، أنهما لا يطوفان للقدوم، والأطوفة ثلاثة بالإجماع، طواف القدوم، والوداع والإفاضة بعد الرمي، وأجمعوا على أنه يفوت الحج بفواته، وهو المعني بالآية ولا يجزئ عنه دم، والجمهور أنه يجزئ عن طواف الوداع.

(3)

أي وكالقارن والمفرد المتمتع، في الكفاية بطواف الزيارة، وإنما فصله عما قبله لعدم الصراحة به في كلامه.

(4)

أي فطواف الزيارة يكتفي به المتمتع عن طواف القدوم.

(5)

قال الشيخ: ولا يستحب للمتمتع ولا لغيره أن يطوف للقدوم بعد التعريف.

(6)

بلا رمل، لأنه رمل قبل، قال الموفق: لا أعلم أحدا وافق أبا عبد الله على

هذا الطواف، بل المشروع طواف واحد للزيارة، كمن دخل المسجد وأقيمت الصلاة، وحديث عائشة دليل على هذا، فلم تذكر طوافا آخر، ولو كان الذي ذكرته طواف القدوم، لكانت أخلت بذكر الركن الذي لا يتم الحج إلا به، وذكرت ما يستغنى عنه.

ص: 166

وأن المتمتع يطوف للقدوم، ثم للزيارة بلا رمل (1) (وأول وقته) أي وقت طواف الزيارة (بعد نصف ليلة النحر) لمن وقف قبل ذلك بعرفات (2) وإلا فبعد الوقوف (3) (ويسن) فعله (في يومه) (4) لقول ابن عمر: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر، متفق عليه (5) .

(1) قال الشيخ: لا يستحب للمتمتع أن يطوف طواف القدوم، بعد رجوعه من عرفة، قبل الإفاضة، وصوبه وقال: هو قول جمهور الفقهاء، وقال ابن القيم: لم يذكر أحد أن الصحابة لما رجعوا من عرفة طافوا للقدوم وسعوا، ثم طافوا للإفاضة بعده، ولا النبي صلى الله عليه وسلم هذا لم يقع قطعا.

(2)

لأن أم سلمة رمت، ثم طافت، ثم رجعت، فوافت النبي صلى الله عليه وسلم عند جمرة العقبة، وبينها وبين مكة فرسخان:.

(3)

أي وإن لم يكن وقف قبل ذلك، فوقت طواف الإفاضة في حقه بعد الوقوف، وآخر وقت الوقوف إلى فجر يوم النحر، ولا آخر لوقته لأنه لم يرد فيه توقيت، وكذا السعي كما سيأتي.

(4)

أي يسن فعل طواف الإفاضة في يوم النحر بعد الرمي، والنحر، والحلق.

(5)

ولقول جابر: ثم أفاض النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر إلى البيت، ونحوه عن عائشة، وابن عمر، ولم يرجع صلى الله عليه وسلم بعد أن طاف للإفاضة إلى حين الوداع.

ص: 167

ويستحب أن يدخل البيت (1) فيكبر في نواحيه (2) ويصلي فيه ركعتين بين العمودين، تلقاء وجهه (3) ويدعو الله عز وجل (4) .

(1) لفضله وشرفه، وفعله صلى الله عليه وسلم وقالت عائشة: كنت أحب أن أدخل البيت، فأصلي فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر، فقال: صلي في الحجر إن أردت دخول البيت فإنما هو قطعة من البيت، قال الشيخ: والحجر أكثره من البيت من حيث ينحني حائطه، فمن دخله فهو كمن دخل الكعبة، وقال هو وابن القيم: لم يدخل صلى الله عليه وسلم البيت في حجته، ولا في عمرته، وإنما دخله عام الفتح. وقال في الفنون، تعظيم دخوله فوق الطواف يدل على قلة العلم، وللترمذي وغيره وصححه عن عائشة: خرج من عندي قرير العين طيب النفس، فرجع إليَّ وهو حزين، فقلت له، فقال:«إني دخلت الكعبة، ووددت أني لم أكن فعلت، إني أخاف أن أكون أعتبت أمتي من بعدي» .

(2)

لخبر أسامة عند أحمد، والنسائي، أنه صلى الله عليه وسلم قام إلى ما بين يديه من البيت، فوضع صدره عليه، وخده ويديه، ثم هلل، وكبر، ودعا، ثم فعل ذلك بالأركان كلها.

(3)

قال الشيخ: فإذا دخل مع الباب، تقدم حتى يصير بينه وبين الحائط ثلاثة أذرع، والباب خلفه، فذلك المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وللترمذي وصححه عن بلال، أنه صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة، قال: والعمل عليه عند أهل العلم، لا يرون بالصلاة في الكعبة بأسًا، وكره صلاة المكتوبة فيه الشافعي، وقال مالك: لا بأس بالصلاة النافلة.

(4)

ويذكره قاله الشيخ وغيره، فإن لم يدخله فلا بأس ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يدخله في حجه ولا في عمرته، وإنما دخله عام الفتح، ويكثر النظر إليه لأنه عبادة إلا في الصلاة فإن المطلوب فيها النظر إلى موضع سجوده، لأنه أجمع لقلبه على العبادة.

ص: 168

(وله تأخيره) أي تأخير الطواف عن أيام منى (1) لأن آخر وقته غير محدود كالسعي (2)(ثم يسعى بين الصفا والمروة إن كان متمتعا)(3) لأن سعيه أولا كان للعمرة فيجب أن يسعى للحج (4) .

(1) لأنه تعالى أمر بالطواف مطلقا، فمتى أتى به صح، قال الشارح: بغير خلاف، وظاهره أنه لا دم عليه بتأخيره.

(2)

قال في الإنصاف: وإن أخره عنه، وعن أيام منى جاز بلا نزاع وقال الشيخ: ينبغي أن يكون في أيام التشريق، فإن تأخيره عن ذلك فيه نزاع اهـ فالمذهب كقول الشافعي، أن آخره غير موقت، وعند أبي حنيفة: أيام التشريق ومالك: ذي الحجة، والتعجيل أفضل، فإن أخره فعليه دم.

(3)

هذا المذهب وهو إحدى الروايات عن أحمد، ومذهب أبي حنيفة.

(4)

وقال أحمد: إن طاف طوافين بين الصفا والمروة فهو أجود وإن طاف طوافا واحدا فلا بأس، وقال: وإن طاف طوافين فهو أعجب إلي، قال الشيخ وهذا منقول عن غير واحد من السلف، وعنه: يجزئه سعي واحد، قال ابن عباس: المفرد والمتمتع يجزئه طواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، واختاره الشيخ، وقال، هو أصح أقوال جمهور العلماء، وأصح الروايتين عن أحمد، فإن الصحابة الذين تمتعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يطوفوا بين الصفا والمروة إلا مرة واحدة قبل التعريف، وأكثرهم متمتعون وحلف على ذلك طاوس، وثبت مثله عن ابن عمر، وابن عباس وجابر، وغيرهم وهم أعلم الناس بحجه صلى الله عليه وسلم وذكر ابن القيم رواية أبي داود، ولم يطف بين الصفا والمروة، وفيه اكتفاء المتمتع بسعي واحد.

وقال الشيخ: لم ينقل أحد منهم أن أحدا منهم طاف وسعى، ثم طاف وسعى.

ومن المعلوم أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فلما لم ينقله أحد علم أنه لم يكن، وعمدة من قال بالطوافين ما روى أهل الكوفة عن علي، وابن مسعود، وعن علي: أن القارن يكفيه طواف واحد، وسعي واحد، خلاف ما رواه عنه أهل الكوفة، قال ابن حزم: وما روي في ذلك عن الصحابة لم يصح منه ولا كلمة واحدة، قال الشيخ: فإذا اكتفى المتمتع بالسعي الأول أجزأه، كما يجزئ المفرد والقارن، وهو الذي ثبت في صحيح مسلم عن جابر: لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا، طوافه الأول.

وقد روي في حديث عائشة أنهم طافوا مرتين، لكن هذه الزيادة قيل: إنها من قول الزهري، وقال ابن القيم: قيل: من كلام عروة اهـ قال الشيخ: وقد احتج بها بعضهم على أنه يستحب طوافان بالبيت، وهذا ضعيف، والأظهر ما في حديث جابر، ويؤيده «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» فالمتمتع من حيث أحرم بالعمرة دخل بالحج، لكنه فصل بتحلل، ليكون أيسر على الحاج، وأحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة.

ص: 169

(أو) كان (غيره) أي غير متمتع بأن كان قارنا، أو مفردا (ولم يكن سعي مع طواف القدوم)(1) .

(1) فيسعى لأنه إما ركن، وإما واجب، أو سنة، ولم يأت به، لأنه لا يكون إلا بعد طواف، لفعله صلى الله عليه وسلم وأمره بمتابعته فإن كان سعى مع طواف القدوم لم يسع، لقول جابر: لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا، طوافه الأول فأجزأه سعي واحد، قال الشيخ عند جمهور العلماء إلا أبا حنيفة في القارن، وأما جواز تقديمه فقال الوزير: أجمعوا على أن السعي بين الصفا والمروة، يجوز تقديمه على طواف الزيارة، بأن يفعل عقب طواف القدوم، ويجزئ، فلا يحتاج إذا طاف طواف الزيارة إلى السعي بين الصفا والمروة، ولا خلاف بينهم في ذلك.

ص: 170

فإن كان سعى بعده لم يعده (1) لأنه لا يستحب التطوع بالسعي، كسائر الأنساك (2) غير الطواف، لأنه صلاة (3)(ثم قد حل له كل شيء) حتى النساء (4) وهذا هو التحلل الثاني (5)(ثم يشرب من ماء زمزم لما أحب (6)) .

(1) لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يسعوا إلا بعد طواف القدوم، رواه مسلم وغيره.

(2)

قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه، وقال النووي: يكره.

(3)

أي حكمه حكم الصلاة.

(4)

وأجمعت الأمة على ذلك، وقال الوزير وغيره: اتفقوا على أن التحلل الثاني يبيح محظورات الإحرام جميعها، ويعود المحرم حلالا، لقول عمر: لم يحل النبي صلى الله عليه وسلم من شيء حرم منه حتى قضى حجه، ونحر هديه يوم النحر فأفاض بالبيت، ثم حل من كل شيء حرم منه، وعن عائشة نحوه، متفق عليهما، و «النساء» بالرفع عطف على «كل»

(5)

وفاقا، حيث رمى، ونحر، وحلق، وطاف، وبها تمت أركان الحج الثلاثة، ولم يبق من أعمال الحج إلا المبيت بمنى، والرمي، وهما من الواجبات.

(6)

أي يستحب أن يشرب من ماء زمزم، لقول جابر: ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب، وهم يسقون فناولوه، فشرب، وينوي بشربه لما أحب أن يعطيه الله منه من خيري الدنيا والآخرة، فعن ابن عباس مرفوعا «ماء زمزم لما شرب له» رواه أحمد وابن ماجه والحاكم، وغيرهم بسند حسن، أي لما أحب من خيري الدنيا والآخرة، وفي الصحيحين أنه قال لأبي ذر، «إنها مباركة إنها طعام طعم» ، ولمسلم عن ابن عباس مرفوعا، «ماء زمزم طعام طعم»

أي تشبع شاربها كالطعام، زاد الطيالسي (وشفاء سقم) وفي قوله صلى الله عليه وسلم «لولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم» استحباب شرب مائها، وفضيلة الاستقاء، والعمل فيه، وسميت «زمزم» لكثرة مائها، وقيل: لضم هاجر لمائها حين انفجرت، وزمها إياه، وقيل: لزمزمة جبريل وكلامه عند فجره لها، وقال علي:«هي خير بئر في الأرض» .

ص: 171

ويتضلع منه (1) ويرش على بدنه وثوبه (2) ويستقبل القبلة (3) ويتنفس ثلاثا (4)(ويدعو بما ورد)(5) فيقول: «بسم الله، اللهم اجعله لنا علما نافعا، ورزقا واسعا، وريا، وشبعا، وشفاء من كل داء، واغسل به قلبي، واملأه من خشيتك وحكمتك» (6) .

(1) أي يملأ أضلاعه منه بلا نزاع في الجملة، بأن يروي، أو يزيد على الري، ويكره نفسه عليه، لما روى ابن ماجه وغيره «آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من ماء زمزم» وقال ابن عباس لرجل: تضلع منها، وذكر الخبر.

(2)

صرح به في التبصرة، وذكر الواقدي وغيره: أنه صلى الله عليه وسلم لما شرب صب على رأسه.

(3)

لقول ابن عباس: إذا شربت منها فاستقبل القبلة، واذكر اسم الله، ولا بأس بالشرب قائما للحاجة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم شرب منها قائما للحاجة.

(4)

لأنه أهنى، وأمرى، وأروى، قال ابن عباس: إذا شربت من زمزم فاستقبل القبلة، واذكر اسم الله، وتنفس وتضلع منه، فإذا فرغت فاحمد الله.

(5)

من الأدعية الشرعية، ولا يستحب الاغتسال منها، قاله الشيخ وغيره.

(6)

روي عن عكرمة وغيره، ولأنه لائق به، وشامل لخيري الدنيا والآخرة، فيرجى له حصوله، وروي عن ابن عباس أنه كان إذا شرب منه يقول: اللهم

إني أسألك علما نافعا، ورزقا واسعا، وشفاء من كل داء، و «الري» بكسر الراء وفتحها، ضد الظمأ «والشبع» بكسر الشين المعجمة وفتح الموحدة «والداء» المرض.

ص: 172

(ثم يرجع) من مكة بعد الطواف والسعي (1)(فـ) يصلي ظهر يوم النحر بمنى (2)(ويبيت بمنى ثلاث ليال) إن لم يتعجل (3) وليلتين إن تعجل في يومين (4) ويرمى الجمرات أيام التشريق (5) .

(1) ولا يبيت بمكة ليالي منى، بلا نزاع في الجملة، بل بمنى، ليتم ما بقي عليه من أعمال الحج، ولم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم لأحد يبيت بمكة إلا العباس، من أجل سقايته.

(2)

لقول ابن عمر: أفاض النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر، ثم رجع فصلى الظهر بمنى، متفق عليه، قال الشيخ، والسنة أن يصلي بالناس بمنى، ويصلي خلفه أهل الموسم، ويستحب أن لا يدع الصلاة في مسجد منى، وهو مسجد الخيف، مع الإمام فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وعمر، كانوا يصلون بالناس قصرا بلا جمع بمنى، ويقصر الناس خلفهم، أهل مكة، وغير أهل مكة، فإن لم يكن للناس إمام عام صلى الرجل بأصحابه، والمسجد بني بعد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن على عهده.

(3)

قال الوزير وغيره: هو مشروع إجماعًا، إلا في حق سقاة ورعاة، وهو واجب عند أحمد، في رواية وقول للشافعي اهـ وعنه: سنة وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، والقول الثاني للشافعي.

(4)

أي ويبيت بمنى غير سقاة ورعاة ونحوهم ليلتين إن تعجل في يومين ولا نزاع في جوازه.

(5)

وجوابًا إجماعًا وهي الثلاثة بعد يوم النحر، وقال الوزير: اتفقوا على

وجوبه كل جمرة بسبع حصيات، قال الشيخ: ويستحب أن يمشي إليها اهـ، ولأن بعده وقوف ودعاء، فالمشي أقرب إلى التضرع، وقال ابن القيم: لما زالت الشمس مشى من رحله إلى الجمار ولم يركب.

ص: 173

(فيرمي الجمرة الأولى (1) وتلي مسجد الخيف (2) بسبع حصيات) متعاقبات (3) يفعل كما تقدم في جمرة العقبة (4)(ويجعلها) أي الجمرة (عن يساره)(5) .

(1) إجماعا، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بدأ بها، وسميت الأولى، والدنيا لقربها من مسجد الخيف، وهي أبعدهن من مكة، ويرميها بعد الزوال كما سيأتي، ويسن قبل الصلاة.

(2)

وهو المسجد المعروف، وأول من بناه المنصور العباسي، وهو محل خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى وصلواته «والخيف» ما انحدر من غلظ الحبل وارتفع عن مسيل الماء.

(3)

واحدة بعد واحدة يكبر مع كل حصاة، وفعله صلى الله عليه وسلم بيان للصفة المشروعة، وثبت رميه بسبع، من حديث عمر، وابن مسعود، وعائشة وغيرهم، وثبت التساهل عن بعض الصحابة في البعض، قال سعد: رجعنا من الحجة بعضنا يقول: رميت بست وبعضنا يقول: بسبع، فلم يعب بعضنا على بعض، رواه الأثرم، وعن ابن عمر معناه، قال الموفق: الظاهر عن أحمد لا شيء في حصاة ولا حصاتين.

(4)

بأن يرميها بسبع حصيات، واحدة بعد واحدة، يرفع يده، حتى يرى بياض إبطه، ويكبر مع كل حصاة، قاله الشيخ وغيره، قال: وإن شاء قال: اللهم اجعله حجًّا مبرورًا إلخ.

(5)

لما في الصحيحين وغيرهما أنه صلى الله عليه وسلم تقدم أمامها فوقف

مستقبل القبلة، وفي لفظ: ثم يتقدم حتى يسهل، فيقوم مستقبل القبلة، ولا يكون كذلك إلا بجعلها عن يساره.

ص: 174