الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و (يسقط بأوله) أي أول الغد أو الليل (1) لأن «إلى» لانتهاء الغاية، فلا يدخل ما بعدها، فيما قبلها (2) وإلى صلاة، يسقط بدخول وقتها (3)(و)
يجوز (لمن له الخيار الفسخ
(4) ولو مع غيبة) صاحبه (الآخر (5) و) مع (سخطه) كالطلاق (6) .
(1) ففي: أول الغد. بطلوع فجره، و: أول الليل. بإقباله، عند غروب الشمس، و: إلى طلوعها بأول طلوع القرص، وإلى رجب، عند أوله، وإن شك فالخيار باق، حتى يتيقن طلوع الفجر، وغروب الشمس، ودخول الشهر، ونحو ذلك.
(2)
أي فلا يدخل الغد ونحوه في المدة، لأن الأصل لزوم العقد، وإنما خولف فيما اقتضاه الشرط، فيثبت ما تيقن منه، دون الزائد.
(3)
أي أول وقت صلاة الظهر مثلا، وهو الزوال.
(4)
أي فسخ المبيع مدة الخيار، سواء المالك أووكيله، لأن وكيل الشخص يقوم مقامه، غائبا كان الموكل أو حاضرا.
(5)
أي العاقد معه، لأن الفسخ حل عقد جعل إليه، فجاز مع غيبة صاحبه، ولا يقبل ممن له الخيار منهما إن اختار أو رد إلا ببينة.
(6)
في أن له الطلاق، ولو مع غيبة الزوجة، أو سخطها، كذا أطلقه الأصحاب، وعنه: إنما يملك الفسخ برد الثمن إن فسخ البائع، وجزم به الشيخ كالشفيع، وقال: وكذا التملكات القهرية، قال في الإنصاف: هذا الصواب الذي لا يعدل عنه، خصوصا في زمننا هذا، وقد كثرت الحيل، ويحتمل أن يحمل كلام من أطلق على ذلك.
(والملك) في المبيع (مدة الخيارين) أي خيار الشرط، وخيار المجلس (للمشتري)(1) سواء كان الخيار لهما، أو لأحدهما (2) لقوله عليه السلام «من باع عبدا وله مال، فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع» رواه مسلم (3) فجعل المال للمبتاع باشتراطه (4) وهو عام في كل بيع، فشمل بيع الخيار (5)(وله) أي للمشتري (نماؤه) أي نماء المبيع (المنفصل) كالثمرة (6) .
(1) ينتقل إليه بالعقد، وكذا الثمن إلى بائع بالعقد.
(2)
أي سواء كان الخيار للمتعاقدين معا أو كان لأحدهما، أيهما كان، إذ المشتري فقط يجوز له بيعه، ولا يؤخذ بالشفعة مدة خيار، وإن قلنا: الملك للمشتري لقصوره، ولمنعه التصرف فيه باختياره فلا يؤخذ، حتى تنتهي مدة الخيار.
(3)
وهو في الصحيحين من حديث ابن عمر، وقال في -الثمرة المؤبرة- «للبالغ إلا أن يشترطها المبتاع» وكل شرط لا ينافي مقتضى العقد، لا ينافي البيع بالاتفاق.
(4)
أي اشتراط البائع مال العبد، والثمرة، حصلا للمبتاع بالشرط، فدل على أن المبيع دخل في ملك المشتري بمجرد العقد، ثم هو بعمومه شامل بيع الخيار، دال على جواز الشرط فيه.
(5)
ولأن البيع تمليك، بدليل صحته بقوله: ملكتك فيثبت به الملك في بيع الخيار، كسائر البيع.
(6)
أي ثمرة الشجرة يشتريها، ثم تثمر بعد عقد البيع، والولد، واللبن، ونحو ذلك.
(وكسبه) في مدة الخيارين (1) ولو فسخاه بعد (2) لأنه نماء ملكه، الداخل في ضمانه (3) لحديث «الخراج بالضمان» صححه الترمذي (4) وأما النماء المتصل كالسمن (5) فإنه يتبع العين مع الفسخ، لتعذر انفصاله (6) .
(1) أي وكسب العبد المبيع ونحوه للمشتري، ولو حصل في يد بائع قبل قبضه، في مدة خيار المجلس، وخيار الشرط، وهو أمانة عند البائع.
(2)
لأن الفسخ رفع للعقد من حين الفسخ، لا من أصله.
(3)
أي لأن النماء المنفصل نماء ملك المشتري، الداخل في ضمان المشتري.
(4)
أي الخراج مستحق بالضمان وذلك أن المشتري استعمل المبيع، ووجد فيه عيبا فرده، فقال البائع: يا رسول الله خراجه؟ فقال: «الخراج بالضمان» فما يحصل من غلة العين المبتاعة للمشتري، كأن يشتري عينا، ويستغلها زمانا، ثم يفسخ لخيار، أو يعثر على عيب قديم، لم يطلعه البائع عليه، أو لم يعرفه، فله رد العين، وأخذ الثمن، وللمشتري مستغله، فلو كان المبيع تالفا في يده صار من ضمانه ولم يكن على البائع رد.
(5)
وتعلم الصنعة، والحمل الموجود وقت العقد، ونحو ذلك.
(6)
وقيل: الحمل الموجود وقت العقد مبيع لا نماء، فإذا ردها على البائع بخيار الشرط، لزم رده، لأن تفريق المبيع ضرر على البائع، وبعيب بقسطها، وقال القاضي وابن عقيل: قياس المذهب حكمه حكم الأجزاء، لا الولد المنفصل، فيرد معها، قال ابن رجب: وهو أصح، وجزم به في الإقناع؛ وقيل: لتحريم التفريق على القولين.
(ويحرم ولا يصح تصرف أحدهما في المبيع (1) و) لا في (عوضه المعين فيها) أي في مدة الخيارين (بغير إذن الآخر)(2) فلا يتصرف المشتري في المبيع بغير إذن البائع إلا معه (3) كأن آجره له (4) ولا يتصرف البائع في الثمن المعين زمن الخيارين إلا بإذن المشتري أو معه (5) .
(1) أي في مدة الخيارين، خيار المجلس، وخيار الشرط، بغير إذن الآخر، لأنه ليس ملكا للبائع، فيتصرف فيه، ولم تنقطع علقه عنه، فيتصرف فيه المشتري، قال في الإنصاف: نفوذ التصرف ممنوع على الأقوال كلها، صرح به الأكثر لأنه لم يتقدمه ملك.
(2)
أي ويحرم ولا يصح تصرف أحدهما في عوض المبيع المعين، في مدة الخيارين، بغير إذن الآخر، أو في ثمن كان في الذمة، ثم صار إلى البائع، في مدة الخيارين، بغير إذن، لأنه ليس ملكا للمشتري فيتصرف فيه، ولم تنقطع علقه عنه، فيتصرف فيه البائع، وتصرفه فيه يدل على اختياره البيع، نظير تصرف المشتري في المثمن، وقال جمع: يحرم التصرف في الثمن كالمثمن، ولم يحكوا في ذلك خلافا، وسواء كان الخيار لهما، أو لأحدهما.
(3)
أي إلا مع البائع، فيصح تصرفه فيه ببيع أو غيره زمن الخيارين ويكون إمضاء له منهما.
(4)
أي كأن آجر المشتري المبيع للبائع فيصح، أو باعه السلعة اشتراها منه بشرط الخيار لهما، أو لأحدهما، فيصح، ويكون إمضاء للبيع منهما، وإن تصرف مشتر بإذن بائع نفذ، لأن الحق لا يعدوهما.
(5)
أي مع المشتري فيصح، وهو أقوى من الرضى، ويكون إمضاء له منهما
وكذا لو كان الثمن غير معين وقت عقد، ثم قبضه البائع، أو تصرف بإذن صح، وهذا كله فيما إذا كان الإذن ونيته حادثين بعد العقد، لم ينوياه، ولم يريداه في العقد، بل دخلا في البيع على أصله الشرعي، ثم حدث هذا الإذن، وإلا فإن أراده قبل العقد، ودخلا في البيع عليه، وعلى انتفاع المشتري بغلة المبيع، وحرم وبطل البيع لأن الذي يقبضه البائع قرضا، فكان هذا الخيار حيلة ليربح في قرض.
كأن استأجر منه به عينا (1) هذا إن كان التصرف (بغير تجربة المبيع)(2) فإن تصرف لتجربته، كركوب دابة لينظر سيرها (3) وحلب دابة ليعلم قدر لبنها، لم يبطل خياره، لأن ذلك هو المقصود من الخيار (4) كاستخدام الرقيق (5) .
(1) أي كأن استأجر البائع عينا من المشتري، بالثمن المعين، أو غير المعين، وقد قبض فيصح.
(2)
أي هذا الحكم فيما مر إذا كان التصرف بغير تجربة المبيع وأما ما تحصل به تجربة المبيع كعرضه على البيع وشبهه فلا يحرم، ولا يتعلق به نفوذ ولا استئذان بل هو مأذون فيه، لدعاء الحاجة إليه.
(3)
لم يبطل خياره، لأنه المقصود منه.
(4)
يعني الإشراف على حقيقة المبيع، وتأمل أحواله، فلم يبطل به، ولهذا ثبت خيار المصراة، وكالطحن على الرحى، ليعلم كيف طحنها، ونحو ذلك مما تحصل به تجربة المبيع.
(5)
أي كما لا يسقط الخيار باستخدام الرقيق، ولو لغير تجربة المبيع، لأن الخدمة لا تختص بالملك، فلم يبطل الخيار بها كالنظر، وحده سبعة أيام على المعروف تجربة، ومشتريه أحوج شيء إلى تجربته باستخدامه فافتقر إلى التجربة.
(إلا عتق المشتري) لمبيع زمن الخيار، فينفذ مع الحرمة (1) ويسقط خيار البائع حينئذ (2)(وتصرف المشتري) في المبيع بشرط الخيار له زمنه، بنحو وقف (3) أو بيع، أو هبة (4) أو لمس لشهوة (فسخ لخياره) وإمضاء للبيع، لأنه دليل الرضى به (5) .
(1) لقوته، وسرايته، وتصرف المشتري بما يقتضي لزوم المبيع، وهو العتق، لتشوف الشرع للعتق، ابتداء وتكميلا، فيعتق، ويبطل الخيار، مع حرمة التصرف على المشتري لما للبائع من الحقوق.
(2)
وملكه الفسخ لا يمنع العتق، ولا ينفذ عتقه لمبيع، ولا شيء من تصرفاته فيه، لزوال ملكه عنه، قال الوزير: اتفقوا على أنه إذا كان المبيع عبدا، والخيار للمشتري خاصة، فأعتقه نفذ، وإن كان للبائع فإنه لا ينفذ.
(3)
كإجارة فسخ لخياره، وإمضاء للبيع لأنه دليل رضاه، وإن كان الخيار لهما لم ينفذ من أحدهما إلا بإذن الآخر كالبيع.
(4)
أي وتصرف المشتري في المبيع ببيع أو هبة فسخ لخياره، وكذا برهن أو مساقاة ونحو ذلك من أنواع التصرف الذي ليس للتجربة، ولو قال: أنا أجهل أن البيع ونحوه يبطل الخيار، فلايقبل، لأنه دليل الرضى، لعمله أعمالا لا تصدر إلا عن رضى.
(5)
أي بإمضاء البيع، وكذا عرضه للبيع، فسخ لخياره، لأنه دليل الرضى به ملكا، أو لينظر قيمته، لأنه تصرف فيه، ورضي به، فكأنه يقول: أسقطت خياري: وأمضيت البيع، ولو قاله لفظا صح، ونص أحمد في فسخ البائع أنه لا ينفذ بدون رد الثمن، واختاره الشيخ، ولأن التسليط على انتزاع الأموال قهرا.
إن لم يقترن به دفع عوض، وإلا حصل به ضرر وفساد، ومتى لم يعطه ماله فليس له خيار.
بخلاف تجربة المبيع، واستخدامه (1) وتصرف البائع في المبيع إذا كان الخيار له وحده ليس فسخا للبيع (2) ويبطل خيارهما مطلقا بتلف مبيع بعد قبض (3) وبإتلاف مشتر إياه مطلقا (4)(ومن مات منهما) أي من البائع والمشتري بشرط الخيار (بطل خياره) فلا يورث (5) .
(1) أي ولو لغير تجربة، فلا يكون فسخا لخياره كما تقدم.
(2)
لأن الملك انتقل عنه فلا يكون تصرفه استرجاعا، كوجود ماله عند من أفلس.
(3)
أي ويبطل خيار بائع ومشتر مطلقا، -أي سواء كان خيار مجلس، أو خيار شرط- بتلف مبيع بعد قبض للمبيع، وكذا قبله مما هو من ضمان مشتر، بخلاف نحو ما اشترى بكيل، فيبطل بتلفه، ويبطل معه الخيار.
(4)
أي ويبطل خيار بإتلاف مشتر للمبيع مطلقا، أي سواء قبض أو لم يقبض، وسواء اشتري بكيل، أو وزن أولا، لاستقرار الثمن بذلك في ذمته، والخيار يسقطه.
(5)
لأن معنى الخيار تخييره بين فسخ وإمضاء، وهو صفة ذاتية، كالاختيار، فلم يورث، كعلمه وقدرته، ولأنه حق فسخ، لا يجوز الاعتياض عنه، فلم يورث، كخيار الرجوع في الهبة.
إن لم يكن طالب به قبل موته (1) كالشفعة وحد القذف (2)(الثالث) من أقسام الخيار، خيار الغبن (3)(إذا غبن في المبيع غبنا يخرج عن العادة)(4) لأنه لم يرد الشرع بتحديده، فرجع فيه إلى العرف (5) .
(1) فإن كان طالب به قبل موته ورث.
(2)
أي فإنها لا تورث إلا بطلب المورث لها، قال أحمد: الموت يبطل به ثلاثة أشياء، الشفعة، والحد إذا مات المقذوف، والخيار إذا مات الذي اشترط له الخيار، لم يكن للورثة هذه الثلاثة الأشياء، إنما هي بالطلب فإذا لم يطلب لم يجب، إلا أن يشهد أنه على حقه من كذا وكذا، وأنه قد طلبه، فإن مات بعده كان لوارثه الطلب به، ولا يشترط في غير خيار الشرط.
(3)
بسكون الموحدة، مصدر: غبنه يغبنه، خدعة في البيع، والتغابن أن يغبن بعضهم بعضا، فإذا حصل الغبن فللمغبون الخيار، بين الإمساك والرد، للأخبار وقال ابن رجب: ويحط ما غبن به من الثمن ذكره الأصحاب قال المنقح: وهو قياس خيار العيب والتدليس، وعلى قول اختاره جمع.
(4)
وهو أن يبيع ما يساوي عشرة بثمانية، أو يشتري ما يساوي ثمانية بعشرة، وكبيع في غبن إجارة، لأنها بيع المنافع، وكذا صلح وهبة.
(5)
فما عده الناس غبنا، ويخرج عن العادة أوجب الخيار، وحده بعضهم بالثلث، وهو مذهب مالك، وقيل: بالربع، وقيل: بالسدس، وقيل: بمجرد الغبن، لحديث «لا ضرر، ولا ضرار» وحديث «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفس منه» وغير ذلك، والمغبون لم تطب نفسه، فإن لم يخرج عن عادة، فلا فسخ، لأنه يتسامح به، وقال الوزير: اتفقوا على أن الغبن في المبيع بما لا يفحش لا يؤثر في صحته.
وله ثلاث صور (1) إحداها تلقي الركبان (2) لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار» رواه مسلم (3) .
(1) أي للغبن الذي يثبت به الخيار ثلاث صور، للأخبار، ولو كان وكيلا، قبل إعلام موكله، وأما غبن أحد الزوجين في مهر مثل، فلا فسخ فيه.
(2)
جمع راكب، وهو في الأصل: راكب البعير، ثم اتسع فيه، فأطلق على كل راكب، والمراد بهم هنا القادمون من السفر بجلوبة، وإن كانوا مشاة.
(3)
وفي رواية «لا تلقوا الركبان» ولهما: «نهى عن تلقي البيوع» وفي رواية «لا تلقوا السلع، حتى يهبط بها السوق» فنهى عن تلقي الجلب خارج السوق، الذي تباع فيه السلع، فدل على التحريم، وهو مذهب الجمهور، وأخبر أنه إذا أتى سيده الذي تعرف فيه قيم السلع، يعني السوق، فهو بالخيار، أي إذا فعل ذلك، وأتى البائع السوق، وعرف، فهو بالخيارين أن يمضي البيع، أو يفسخ، وقال: أحمد: إن كان في البيع غبن.
وقال الشيخ: وأثبت النبي صلى الله عليه وسلم للركبان الخيار إذا تلقوا، لأن فيه نوع تدليس، وغش، وقال ابن القيم: نهى عن ذلك لما فيه من تغرير البائع، فإنه لا يعرف السعر، فيشتري منه المشتري بدون القيمة، ولذلك أثبت له النبي صلى الله عليه وسلم الخيار إذا دخل السوق.
ولا نزاع في ثبوت الخيار له مع الغبن، فإن الجالب إذا لم يعرف السعر، كان جاهلا بثمن المثل، فيكون المشتري غارا له، وكذا البائع إذا باعهم شيئا، فلهم الخيار إذا هبطوا السوق، وعلموا أنهم قد غبنوا غبنا يخرج عن العادة، أما إذا صادف الجلب، فلا خيار له، والعقد صحيح، لأنه قصره على التلقي، ولم يقل
لا تشتروا بل قال: «لا تلقوا» والحديث وإن كان ظاهره الإطلاق، فيقيد بما هو جار، متسامح فيه، من التغابن اليسير، الجاري في الأسواق.
(و) الثانية: المشار إليها بقوله (بزيادة الناجش) الذي لا يريد شراء (1) ولو بلا مواطأة (2) .
ومنه: أعطيت كذا، وهو كاذب، لتغريره المشتري (3) .
«الثالثة» ذكرها بقوله (والمسترسل)(4) .
(1) تفسير للناجش، وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها، من: نجشت الصيد، إذا أثرته، كأن الناجش يثير كثرة الثمن بنجشه، ويرفع ثمنها، وأجمعوا على تحريمه، لخبر «نهى عن النجش» ولما فيه من تغرير المشتري وخديعته، فهو في معنى الغش، ويتجه: من زاد ليغر، فإن زاد ليبلغ القيمة فلا تحريم.
(2)
أي ولو كانت زيادة من لا يريد شراء، بغير مواطأة من البائع لمن يزيد فيها، أو زاد بنفسه والمشتري لا يعلم، قال الشيخ: فإنه يكون ظالما ناجشا، بل هو أعظم من نجش الأجنبي.
(3)
أي ومن النجش حكما لا لغة: قول بائع سلعة: أعطيت فيها كذا والبائع كاذب، فيحرم النجش، لتغريره المشتري، وقد نهى الشارع عن بيع الغرر، وقال ابن القيم: الغرر ما انطوت عنا معرفته، وجهلت مغبته، ويثبت له الخيار، وكذا لو أخبره أنه اشتراها بكذا، وهو زائد عما اشتراها به، فيثبت له الخيار، لأنه باعه مساومة، وقال الشيخ: يحرم تغرير مشتر، بأن يسومه كثيرا، ليبذل قريبا منه، كأن يقول في سلعة ثمنها خمسة: أبيعها بعشرة.
(4)
أي الصورة الثالثة، من صور الغبن، ذكرها الماتن بقوله: والمسترسل قال ابن القيم: وفي الحديث «غبن المسترسل ربا» واختار الشيخ ثبوت خيار
الغبن لمسترسل لم يماكس، وهو المذهب، وقال: لا يربح على المسترسل أكثر من غيره، قال: وهو الذي لا يماكس، بل يقول: أعطني، والجاهل بقيمة المبيع، فلا يغبن غبنا فاحشا، لا هذا ولا هذا، وكذا المضطر الذي لا يجد حاجته إلا عند شخص، ينبغي أن لا يربح عليه إلا كما يربح على غيره.
وهو من جهل القيمة، ولا يحسن يماكس (1) من استرسل، إذا اطمأن، واستأنس (2) فإذا غبن ثبت له الخيار (3) ولا أرش مع إمساك (4) .
(1) أي يشاح في المبيع، ويناقص في الثمن، ويحاط صاحبه، من بائع ومشتر، فيثبت له الخيار، لأنه حصل له الغبن لذلك، ولجهله بالبيع، أشبه القادم من سفر.
(2)
أي من قولهم: استرسل إذا اطمأن وسكن، وفي القاموس: استرسل إليه، انبسط واستأنس، ضد استوحش، وقال أحمد: المسترسل الذي لا يماكس، بل يسترسل إلى البائع، ويقول: أعطني هذا: معتمدا على صدق غيره، لسلامة سريرته فينقاد له انقياد الدابة لقائدها.
(3)
أي فإذا غبن غبنا يخرج عن العادة، ثبت له الخيار، ويقبل قوله بيمينه أنه جاهل بالقيمة، ما لم تكن قرينة تكذبه، لخبر حبان «فقل: لا خلابة» أي لا خديعة، وأما من له خبرة بسعر المبيع، ويدخل على بصيرة بالغبن، ومن غبن لاستعجاله في البيع، ولو تثبت لم يغبن، فلا خيار لعدم التغرير.
(4)
أي ولا أرش لمغبون مع إمساك مبيع، في صور الغبن الثلاث، لأن الشرع لم يجعله له، ولم يفته جزء من مبيع يأخذ الأرش في مقابلته، بل إما أن يرده ويأخذ ثمنه، أو لا يرده بخلاف الرد بالعيب على ما يأتي.
والغبن محرم (1) وخياره على التراخي (2)(الرابع) من أقسام الخيار (خيار التدليس)(3) من الدلسة وهي الظلمة (4) فيثبت بما يزيد به الثمن (5) .
(1) لما فيه من التغرير للمشتري، والغش المنهي عنه، ويحرم تعاطي أسبابه، ثم هذا التحريم ليس خاصا بالثلاث الصور، بل يحرم أن تبيع ما يساوي سبعة بعشرة، قال شيخنا: وهذا كثير في بياعات الناس، فلا يصح، ويستثنى منه أحوال الموسم، فما كان من زيادة السوق أيام الموسم فلا يدخل فيه، ولا يقال: غبن، لأنه حدوث رغبة، والعقد صحيح في الصور الثلاث، لما تقدم في تلقي الركبان.
(2)
أي لا يسقط إلا بما يدل على الرضا، من تصرف ونحوه، كخيار العيب.
(3)
وفعله حرام، قال في الإنصاف، بلا نزاع، لما فيه من الغرر والغش.
(4)
بالضم، كأن البائع بتدليسه صير المشتري في ظلمة معنوية بالنسبة إلى حقيقة، الحال، فلم يتم إبصاره له، وهو ضربان، أحدهما: كتمان العيب، وهو حرام، وذكره الترمذي نص العلماء، والثاني: ما يزيد به الثمن، وأصول الشريعة توجب الرد بالتدليس والغش، والرد بهما أولى من الرد بالعيب، فإن المشتري إنما بذل ماله في المبيع بناء على الصفة التي أظهرها له البائع، ولو علم أنه على خلافها، لما بذل له فيها ما بذل له.
(5)
أي يثبت خيار التدليس، بما يزيد به الثمن، فإذا أظهر البائع للمشتري أن المبيع على صفة فبان للمشتري خلافها، كان له الخيار بين الإمساك والرد، لأن البائع قد غشه ودلس عليه، والبائع تارة يظهر صفة المبيع بقوله: وتارة بفعله.
(كتسويد شعر الجارية (1) وتجعيده) أي جعله جعدا، وهو ضد السبط (2)(وجمع ماء الرحى) أي الماء الذي تدور به الرحى (3)(وإرساله عند عرضها) للبيع (4) لأنه إذا أرسله بعد حبسه اشتد دوران الرحى حين ذلك (5) .
(1) المبتاعة ليظن المشتري أن ذلك صفته، حيث يكون شعرها أشقر أو أبيض، فيسوده فيزيد في ثمنها، وكتحمير وجهها ونحو ذلك، ولو حصلت الحمرة من خجل، أو تعب، فله الخيار، وكذا تسويد شعرها لشيء حصل فيه، ومال الموفق وغيره إلى عدم الخيار في حمرة الخجل والتعب، وقطعوا بالخيار في غيرهما ولو من غير قصد.
(2)
وضد القصير، وتجعد تقبض، فالشعر الجعد: هو ما فيه التواء وانقباض، لا تفلفل وامتداد، فيظن المشتري أنه خلقة فيزيد في الثمن، قال في الإنصاف: وتحسين وجه الصبرة وتصنع النساج وجه الثوب، وصقال الإسكاف، وجه المتاع ونحوه يثبت للمشتري خيار الرد بلا نزاع اهـ، وما لا يزيد في الثمن، كتسبيط الشعر، لا خيار فيه، والسبط يدل على ضعف البدن، والجعودة تدل على قوة البدن، ووطء الأمة يمنع ردها، اختاره الشيخ.
(3)
إذا كانت تدور بالماء.
(4)
فيحسب هذه القوة تكسب دائما، لما فيه من التدليس والغش، وإظهار ما ليس معتادا ليغر المشتري.
(5)
أي حين إرسال الماء بعد حبسه، وذلك أن تكون الرحى في منصب ماء، فإنه بقوته يمر بالجانب الذي يلي الماء من العجل، فبالقوة تدفع، إلخ، ومنه ما يستعمل للكهرباء على الأنهار المنصبة.
فيظن المشتري أن ذلك عادتها، فيزيد في الثمن (1) فإذا تبين له التدليس، ثبت له الخيار (2) وكذا تصرية اللبن في ضرع بهيمة الأنعام (3) لحديث أبي هريرة يرفعه «لا تصروا الإبل، والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين، بعد أن يحلبها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعا من تمر» متفق عليه (4) .
(1) لأجل ما رأى من سرعة دوران الرحى، وهو غير عادتها، وإنما هو تدليس وغش من البائع، قال الشيخ: وإن دلس مستأجر على مؤجر، وغره حتى استأجره بدون القيمة فله أجرة المثل، قال ابن عقيل: هو كالغش والتدليس.
(2)
أي فإذا تبين له التدليس، من أن الشعر مجعد، ونقصان دوران الرحى، ثبت له الخيار، لأنه تغرير لمشتر، أشبه النجش، قال الشيخ: وإذا دلس يرجع المشتري بالثمن على الأصح، وصوبه في الإنصاف، فإن علم المشتري بالتدليس، فلا خيار له، لدخوله على بصيرة.
(3)
أي وكتسويد شعر الجارية ونحوه -في ثبوت الخيار- تصرية اللبن، وهو جمعه في ضرع بهيمة الأنعام أو غيرها، قال الوزير وغيره: أجمعوا على أنه لا يجوز تصرية الإبل، والبقر، والغنم، تدليسا على المشتري فيثبت بها الخيار، كالذي قبله ببينة ولو قدمه ومثل به، لورود النص فيه لكان أولى.
(4)
«لا تصروا الإبل» بضم ففتح أي لا تربطوا أخلافها، ليجتمع لبنها فيكثر، فيظن المشتري أن ذلك عادتها، فيزيد في ثمنها لما يرى من كثرة لبنها «فمن ابتاعها» أي اشتراها بعد التصرية «فهو بخير النظرين» أي الرأيين «بعد
أن يحلبها» فجعله قيدا في ثبوت الخيار، لكونها لا تعرف غالبا إلا بعد الحلب إلا ما علم بإقرار بائع أو بينة، والجمهور على أنه إذا علم بالتصرية، ثبت له الخيار على الفور، ولو لم يحلبها، وإن حلبها لم يلزمه قبوله، وأخذوا بظاهر الحديث، وأفتى به ابن مسعود، وأبو هريرة، ولا يعلم لهما مخالف في الصحابة.
وذكر ابن القيم أن هذا الحديث أصح من حديث «الخراج بالضمان» بالاتفاق مع أنه لا منافاة بينهما، فإن الخراج ما يحدث في ملك المشتري، وهنا اللبن كان موجودا في الضرع، فصار جزءا من المبيع، ولم يجعل الصاع عوضا عما حدث، بل عن اللبن الموجود في الضرع وقت العقد، وتقديره بالشرع، لاختلاطه بالحادث، وتعذر معرفة قدره، فقدر قطعا للنزاع، وبغير الجنس لأنه بالجنس قد يفضي إلى الربا.
وخيار التدليس على التراخي (1) إلا المصراة، فيخير ثلاثة أيام منذ علم، بين إمساك بلا أرش (2) ورد مع صاع تمر سليم إن حلبها (3) .
(1) كخيار عيب، لأن كلا منهما ثبت لإزالة ضرر المشتري المتحقق، وإن صار لبنها عادة سقط الرد.
(2)
لأن الحديث يقتضي ذلك، وفيه «فإن شاء أمسك» ولمسلم «فهو بالخيار ثلاثة أيام» لأنه يتبين به حاصل لبنها عادة، وإن مضت بطل خياره، وإن رضي بالتصرية فأمسكها ثم وجد بها عيبا، ردها به.
(3)
للخبر، وظاهره: لا يرد اللبن، وإن كان باقيا على صفته، ولا فرق بين كون اللبن قليلا أو كثيرا، لتقدير الشارع بحد لا يبعد، لدفع التشاجر
وقطع النزاع، وشرط كون التمر سليما، حيث أن الإطلاق يحمل عليه، واختار الشيخ أنه يعتبر في كل بلد صاع من غالب قوته، لأن التمر غالب قوت الحجاز إذا ذاك، وغير بهيمة الأنعام له الرد بالتصرية بلا عوض.
فإن عدم التمر فقيمته (1) ويقبل رد اللبن بحاله (2)(الخامس) من أقسام الخيار (خيار العيب)(3) وما بمعناه (4)(وهو) أي العيب (ما ينقص قيمة المبيع) عادة (5) فما عده التجار في عرفهم منقصا أنيط الحكم به، وما لا فلا (6) .
(1) واختيار الشيخ من غالب قوت البلد، ولو لم يعدم التمر، وكونه من التمر لكونه أيسر أموال أهل المدينة إذا ذاك.
(2)
يعني اللبن الموجود حال العقد، لا روب، ولا غيره ولا ما تجدد بعد، لأنه حصل في ملكه.
(3)
وتقدم أنه من التدليس، وأنه حرام، وفي الاختيارات: يحرم كتم العيب في السلعة، وكذا لو أعلمه به، ولم يعلمه قدر عيبه، ويجوز عقابه بإتلافه، والتصدق به، وقد أفتى به طائفة من أصحابنا.
(4)
أي ويثبت الخيار بما هو بمعنى العيب، كطول مدة نقل ما في الدار المبيعة عرفا كما سيأتي.
(5)
أو عينه، ولو زادت القيمة كخصاء، وهذا في باب البيع، أما الأضحية فلا، فإذا كانت ناقة مثلا يوجد فيها عيب لا ينقصها بالنسبة إلى الذبح عندما تجلب، فليس بعيب، وإذا اختلفوا رجع إلى ما عدوه عيبا.
(6)
أي ما عداه التجار المعتبرون في عرفهم منقصا للبيع، علق الحكم به، واعتمد عليه، وما لم يعدوه منقصا لم يثبت الخيار به، وقال الشيخ: لا يطمع في
إحصاء العيوب، لكن يقرب من الضبط ما قيل: إن كان ما يوجد بالمبيع مما ينقص العين أو القيمة، نقصا يفوت به غرض صحيح، يثبت الرد إذا كان الغالب في جنس المبيع عدمه.
والعيب (كمرضه) على جميع حالاته، في جميع الحيوانات (1)(وفقد عضو) كإصبع (وسن (2) أو زيادتهما (3) وزنا الرقيق) إذا بلغ عشرًا، من عبد أو أمة (4)(وسرقته) وشربه مسكرا (5)(وإباقه، وبوله، في الفراش)(6) .
(1) أي جميع حالات المريض، في جميع الحيوانات الجائز بيعها.
(2)
أي والعيب كفقد عضو من أعضاء الحيوانات، إصبع، أو يد، أو رجل، أو ذهاب سن من آدمي من ثغر، ولو من آخر الأضراس.
(3)
أي زيادة نحو إصبع، أو سن فيهما يشوه المنظر، وينقص الصنعة فذلك عيب، يثبت به الخيار.
(4)
فيثبت به الخيار للمشتري، قال الوزير وغيره: واتفقوا على أن الزنا عيب في الجارية، وفي الغلام إلا أبا حنيفة، فقال: إذا تكرر منه، وكذا اللواط ممن بلغ عشرا، فاعلا أو مفعولا به، لأنه ينقص قيمته، ويقلل الرغبة فيه، لما فيه من الخبث والعشر هي المعتبرة فيه، وقبلها في حكم الصغر، والصغر فيه خبر رفع القلم.
(5)
أي ويثبت الخيار بسرقة الرقيق إذا بلغ عشرا، وبشربه مسكرا، لأنه يدل على خبث طويته بخلاف الصغير، فإنما يدل على نقصان عقله.
(6)
أي ويثبت أيضا الخيار بإباق الرقيق إذا بلغ عشرا للخوف عليه وقال
الشيخ وغيره: إذا أبقت الجارية عند المشتري، وكانت معروفة بذلك قبل البيع، وكتمه البائع، رجع المشتري بالثمن، على الأصح اهـ. ويثبت أيضا الخيار ببوله في الفراش، لأنه يدل على داء في بطنه، فإن كان من دون عشر فليس عيبا لأن ما قبلها يبول في الفراش غالبا.
وكونه أعسر، لا يعمل بيمينه عملها المعتاد (1) وعدم ختان ذكر كبير (2) وعثرة مركوب، وحرنة ونحوه (3) وبخر، وحول، وخرس (4) وطرش، وكلف وقرع (5) .
(1) أي يثبت بذلك الخيار لمشتر، فإن عمل بها أيضا فليس بعيب، ولا خيار لمشتر.
(2)
للخوف عليه، لا في أنثى، ولا صغير، لأنه الغالب.
(3)
كرفسه، وعضه، واستعصائه، وكلها عيوب، يثبت بأحدها الخيار لمشتر.
(4)
أي والعيب كبخر، بالتحريك نتن رائحة الفم، في عبد أو أمة، وأما الصنان اليسير فليس بعيب فيهما وفاقا، و «حول» بالتحريك بياض في مؤخر العين، وعدم اعتدال العين في مركزها، بل مائلة إلى جانب، يبصر بها أولا، و «خرس» محرك يعقد اللسان، فيمتنع معه الكلام، يثبت بها الخيار للمشتري.
(5)
أي والعيب أيضا كـ «طرش» محرك وهو نقص السمع، دون الصمم و «كلف» شيء يعلو الوجه كالسمسم، تغير معه بشرة الوجه، وقيل: لون بين السواد والحرة، وهي حمرة كدرة، تعلو الوجه، عكس لون البرص، ويقال للبهق كلف، و «قرع» بفتحتين أي صلع، مصدر: قرع الرأس، إذا لم يبق
عليه شعر، وقال الجوهري: إذا ذهب شعره من آفة، وإن لم يكن له ريح منكرة، فيثبت بها الخيار، وكالصمم، والبرص، والجذام والفالج، والعفل، والقرن، والاستحاضة ونحو ذلك، وككثرة كذب، وحمق من كبير، وإهمال الأدب والوقار في محالهما نص عليه.
وحمل أمة (1) وطول مدة نقل ما في دار مبيعة عرفا (2) وكونها ينزلها الجند (3) لا سقوط آيات يسيرة من مصحف ونحوه (4) .
(1) فيثبت به الخيار، لا حمل بهيمة إن لم يضر باللحم، وذلك لأن حمل الأمة خطر، وقد يكون نقصا من ناحية أخرى، يضعف عملها مدة الحمل، أو يسبب منعها من أعمالها إذا كانت ترضع، بخلافه في سائر الحيوان لأنه يراد للنماء، وغالب الناس يستنسلون الحيوان، لا الإماء.
(2)
شرع في التمثيل لما في معنى العيب المثبت للخيار، ومنه: كطول مدة نقل ما في در مبيعة ونحوها عرفا، لطول تأخر تسليم المبيع بلا شرط، لكون طول مدة النقل يفوت منفعته، كما لو كانت مؤجرة، فإن لم تطل المدة عرفا فلا خيار، وكبق ونحوه غير معتاد بها، لحصول الأذى به.
(3)
بأن تكون معدة لنزولهم، إذ هو بمعنى العيب، لأن الغالب أنما يتولونه تكون سلطتهم عليه، وكذا من في معناهم، ممن لا يخرج إلا بمشقة، لفوات منفعتها زمانه، وكذا كونها ينزلها الجن، لكونها مفزعة من سكنهم، أو مؤذية من سكن بها برجم ونحوه، قال الشيخ: والجار السوء عيب، ولهذا يقال: الجار قبل الدار، وأصله قوله:{رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} حيث ذكر {عِنْدَكَ} قبل {بَيْتًا}
(4)
كسقوط نحو كلمات بالكتب، فلا يثبت له الخيار بذلك لأنه لا يخلو
مصحف منه، بل لا يسلم عادة من ذلك، ومثله يتسامح فيه، كيسير تراب ونحوه ببر وكغبن يسير، فإن كثر ذلك فله الخيار.
ولا حمى، وصداع يسيرين (1) ولا ثيوبة، أو كفر (2) أو عدم حيض (3) ولا معرفة غناء (4)(فإذا علم المشتري العيب بعد) العقد (أمسكه بأرشه) إن شاء (5) .
(1) أي فلا يثبت بهما الخيار، لكونهما مما يعرض كثيرا ويزول، والحمى فتور ظاهر الجلد، والحرارة، فإذا كان قليلا فلا يضر، وكذا الصداع اليسير.
(2)
أي ولا خيار له إن وجد الأمة ثيبا، ولم يشترط أنها بكر، لأن الثيوبة هي الغالب على الجواري، ولا خيار له إن وجد الرقيق كافرا، لأن الغالب عليه الكفر، بل أصل استرقاقه هو الكفر، ولعل الأولى أن يفرق بين الأزمان والبلدان فالأزمان التي يوجد الكفر فيها كثيرا، إذا وجد كافرا فهو الأصل والغالب، أما البلدان التي يقل فيها وجود الكفر فلا، لكن من يؤتى بهم، يؤتى بهم من بلدان لا يعرفون الدين، ولا الصلاة، فهذا مثله كافر، وإن ادعوا الإسلام، والذي لا يعرف أمر الدين فيه تفصيل، ولعل من يشتري من بلاد بعيدة، الغالب عليها الكفر والجهل فليس بعيب، ومن بلاد المسلمين يكون عيبا، وكذا الفسق بالاعتقاد والعجمة والتغفيل.
(3)
لأن الإطلاق لا يقتضي الحيض ولا عدمه، فليس فواته عيبا.
(4)
فليست عيبا، لأنه لا نقص بها في عين ولا قيمة، وكذا طبخ وحجامة ونحو ذلك، وقال ابن عقيل وغيره: الغناء عيب، ومن يستعمله فهو يحبه، لأن إحسانه له يسبب استعماله.
(5)
سواء علم البائع بعيبه فكتمه، أو لم يعلم، أو حدث به عيب بعد عقد
وقبل قبض، فيما ضمانه على بائع، رضي البائع أو سخط، تعذر الرد أولا، وإن قال البائع، أنا أزيل ما به من عيب؛ لم يمنع الرد، ولا الأرش وإن رضي المشتري بذلك جاز.
لأن المتبايعين تراضيا على أن العوض في مقابلة المبيع، فكل جزء منه يقابله جزء من الثمن (1) ومع العيب فات جزء من المبيع، فله الرجوع ببدله وهو الأرش (2)(وهو) أي الأرش (قسط ما بين قيمة الصحة والعيب)(3) فيقوم المبيع صحيحا، ثم معيبا (4) ويؤخذ قسط ما بينهما من الثمن (5) .
(1) أي فكل جزء من المبيع يقابله جزء من الثمن، وهذا تعليل لجواز الإمساك بالأرش.
(2)
هذا على القول بالإمساك بالأرش، ولا يستحق الأرش في نحو المصراة، لأنه ليس فيها عيب، وإنما له الخيار فيها بالتدليس، لا لفوات جزء.
(3)
فيرجع المشتري إذا اختار الإمساك بمثل نسبته من ثمنه المعقود به.
(4)
أي يقومه عدل إن تنازع المتعاقدان سليما بمائة مثلا، ثم يقومه معيبا بتسعين وتعتبر القيمة يوم عقد، لأن ما زاد عليها في ملك المشتري، لا يقوم عليه، وما نقص فهو مضمون عليه، لأن جملة المبيع من ضمانه، فلو لبس المبيع، أو حلبه أو عمل عليه فرده، فعليه نقص قيمته.
(5)
لأن المبيع مضمون على المشتري، ففقد جزء منه يسقط ما قابله من الثمن، وفي الاختيارات يجبر المشتري على الرد، أو أخذ الأرش، لتضرر البائع بالتأخير.
فإن قوم صحيحا بعشرة، ومعيبا بثمانية، رجع بخمس الثمن قليلا كان أو كثيرا (1) .
وإن أفضى أخذ الأرش إلى ربا -كشراء حلي فضة بزنته دراهم- (2) أمسك مجانا إن شاء (3)(أو رده وأخذ الثمن) المدفوع للبائع (4) .
(1) وهو الواجب للمشتري قال ابن رشد: فإن اتفقا على أن يمسك المشتري سلعته، ويعطيه البائع قيمة العيب، فعامة فقهاء الأمصار يجيزون ذلك اهـ، وعن أحمد: ليس له إلا الإمساك بلا أرش، أو الرد، اختاره الشيخ، وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، قال الزركشي، هذا أعدل الأقوال، وصوبه في الإنصاف وهو مقيد بما إذا لم يتعذر رده.
(2)
أو حلي ذهب بزنته دنانير، ونحوها، أو شراء قفيز مما يجري فيه الربا، كبر وشعير، بمثله جنسا وقدرا.
(3)
أي بلا أرش، فإن تعيب الحلي عنده فسخه الحاكم، ورد بائع الثمن، وطالب مشتر بقيمة المبيع معيبا بعيبه الأول، فإن اختار المشتري إمساكه مجانا فلا فسخ، وكذا إن اختار الأرش فليس له الفسخ، لأن اختياره الأرش يتضمن إمضاء البيع، وإسقاط حقه من الأرش.
(4)
كاملا، لأنه بالفسخ استحق استرجاع جميع الثمن، قال الوزير: اتفقوا على أن للمشتري الرد بالعيب الذي لم يعلم به حال العقد، ما لم يحدث عنده عيب آخر، وأن له إمساكه إن شاء بعد عثوره عليه اهـ، وإن علم العيب، فأخر الرد، لم يبطل خياره، إلا أن يوجد منه ما يدل على الرضى، من التصرف ونحوه كما سيأتي وإن عثر المشتري على عيب في الحلي أو القفيز، بعد تلفه عنده فسد العقد، ورد البائع الموجود، ونقد الثمن، وتبقى قيمته المبيع إن كان متقوما، أو مثله إن كان مثليا في ذمته، وليس له أخذ الأرش.
وإن أسقط مشتر خيار رده، بعوض بذله له البائع أو غيره، قل أو كثر جاز، وليس من الأرش في شيء وإذا حلب الدابة، أو حمل عليها أو لبس الثوب، ووجد عيبا، وأراد ردها فإن كانت قيمتها نقصت بحلب، أو حمل، أو لبس عن حالة العقد، فإنه عيب حدث عند المشتري، فيرد أرشه معه، وإلا ردها مجانا.
وكذا لو أبرئ المشتري من الثمن (1) أو وهب له، ثم فسخ البيع لعيب، أو غيره، رجع بالثمن على البائع (2) وإن علم المشتري قبل العقد بعيب المبيع (3) أو حدث العيب بعد العقد، فلا خيار له (4) إلا في مكيل ونحوه تعيب قبل قبضه (5)(وإن تلف المبيع) المعيب (6) .
(1) ثم فسخ البيع لعيب أو غيره، رجع بكل الثمن على البائع، وإن أبرئ من بعضه رجع بقسطه.
(2)
لأنه بالفسخ استحق جميع الثمن، وإن أبرئ من نصفه مثلا رجع بنصفه ولا رد لمشتر وهبه بائع ثمنه أو أبرأه منه.
(3)
فلا خيار له، لدخوله على بصيرة، قال في الإنصاف: إن باع عبدا يلزمه عقوبة -من قصاص أو غيره، يعلم المشتري ذلك- فلا شيء له، بلا نزاع.
(4)
لخروجه من ملك بائع سليما.
(5)
فلمشتر الخيار، لأنه من ضمان بائع إلى قبضه، ونحو المكيل الموزون والمعدود، والمذروع، والثمر على الشجر، والمبيع بصفة، أو رؤية متقدمة.
(6)
ولو بفعل المشتري، كأكله ونحوه، ثم علم عيبه، تعين الأرش، لتعذر الرد.
(أو عتق العبد)(1) أو لم يعلم عيبه حتى صبغ الثوب، أو نسجه (2) أو وهب المبيع (3) أو باعه، أو بعضه (تعين الأرش) لتعذر الرد (4) وعدم وجود الرضا به ناقصا (5) وإن دلس البائع بأن علم العيب وكتمه عن المشتري فمات المبيع (6) .
(1) أي المبيع، ثم علم عيبه، تعين الأرش، وسقط الرد لتعذره.
(2)
أي الثوب المبيع، فله الأرش، ولا رد، لأنه شغل المبيع بملكه، فلم يكن له رده، لما فيه من سوء المشاركة.
(3)
أو رهنه، أو وقفه، ثم علم بعيبه تعين الأرش.
(4)
أي أو باع المبيع المعيب غير عالم بعيبه، أو باع بعضه، ثم علم بالعيب، تعين الأرش في كل الصور لتعذر الرد، ولأن البائع لم يوفه، ما أوجبه له العقد، ويكون الأرش ملكا للمشتري، لأنه في مقابلة الجزء الفائت من المبيع.
(5)
أي فيوجب تعين الأرش، قال ابن رشد: إن تغير بموت، أو فساد، أو عتق ففقهاء الأمصار على أنه فوت، ويرجع المشتري على البائع بقيمة العيب اهـ ويقبل قوله في قيمته، وعلم منه أنه لا رد له في الباقي، بعد تصرفه في البعض.
(6)
المعيب، ذهب على البائع، ورجع عليه المشتري بكل الثمن، سواء تعيب المبيع عند المشتري بفعل الله تعالى كالمرض، أو بفعل المشتري، كوطء البكر ونحوه مما هو مأذون فيه، بخلاف قطع عضو، فلا يذهب هدرا، وكذا إن تعيب بفعل آدمي، كجناية عليه، أو بفعل العبد كسرقته، فيفوت التالف على البائع، حيث دلس العيب، ويرد الثمن كله.