الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أن يكون الحج واجبا فيؤديه (1) و
إن أخطأ الناس، فوقفوا في الثامن، أو العاشر أجزأهم
(2) وإن أخطأ بعضهم فاته الحج (3)(ومن) أحرم فـ (صده عدو عن البيت) ولم يكن له طريق إلى الحج (أهدى) أي نحر هديًا في موضعه (4) .
(1) وفاقًا، إلا رواية عن مالك، واستحسنها الوزير، واتفقوا أنه لا يلزمه مع الحج عمرة، إلا أبا حنيفة، فقال: يلزمه، وإن كان تطوعًا، لم يلزمه القضاء للشرط.
(2)
إجماعًا والعاشر هو يوم عرفة في حقهم، والحادي عشر، هو العيد شرعًا، في حق كل من أحرم بالحج، أو أحرم في ذلك اليوم، ولا يجزئ تضحية في اليوم التاسع، وإذا وقفوا في الثامن، وعلموا قبل فوت الوقت، وجب الوقوف في الوقت، وإن لم يعلموا أجزأ لقوله صلى الله عليه وسلم «الحج يوم يحج الناس» ولمشقة القضاء عليهم مع كثرتهم مشقة عظيمة، ولأنهم لا يأمنون وقوع مثله في القضاء، والمقصود أنه لا لغلط في العدد أو الطريق، فقد قال الشيخ: الهلال اسم لما يراه الناس، يدل عليه لو أخطئوا لغلط في العدد، أو في الطريق ونحوه، فوقفوا العاشر لم يجزئهم إجماعا.
(3)
وظاهر عبارته -كالمقنع والتنقيح- ولو كان الجمهور، والمذهب إن كان الخطأ من الجمهور أجزأهم أيضًا كالناس، فقد ألحق الأكثر بالكل في مواضع، فكذا هنا، وعبارة المنتهى، وإن وقف الكل إلا يسيرًا الثامن أو العاشر خطأ أجزأ نصًّا فيهما، وفي الانتصار، عدد يسير، قال الشيخ: والوقوف مرتين بدعة، لم يفعله السلف.
(4)
قال في المبدع: بغير خلاف نعلمه، وقال في الشرح وغيره: بلا خلاف للآية، ولفعله صلى الله عليه وسلم وينوي بذبحه التحلل به.
(ثم حل)(1) لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (2) سواء كان في حج أو عمرة أو قارنًا (3) وسواء كان الحصر عاما في جميع الحاج، أو خاصا بواحد، كمن حبس بغير حق (4) .
(1) إن شاء، ولا يجب عليه، قال الوزير: اتفقوا على أن الإحصار بالعدو يبيح التحلل، وقال أبو حنيفة والشافعي، يجب عليه الهدي، ولا يتحلل إلا بهدي، ينحره وقت حصره في محله، وقال أبو حنيفة: في الحرم، وإذا أمكنه سلوك طريق آخر غلبت فيه السلامة، ووجدت شروط الاستطاعة لزمه سلوكه، وإن علم الفوت وتحلل بعمرة، والأولى لمعتمر وحاج، -اتسع زمن إحرامه- الصبر إن غلب على ظنه انكشاف العدو وإمكان الحج.
(2)
أي: وأردتم التحلل، إذ الإحصار بمجرده، لا يوجب هديًا، قال الشافعي: لا خلاف بين أهل التفسير، أن هذه الآية نزلت في حصر الحديبية، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صلح الحديبية، لما فرغ من قضية الكتاب، لأصحابه «قوموا فانحروا ثم احلقوا» ولأن الحاجة داعية إلى الحل، لما في تركه من المشقة العظيمة، وهي منتفية شرعًا، والآية ظاهرة في حصر العدو، وحملها غير واحد على العموم في حق كل من أحصر، سواء كان قبل الوقوف، أو بعده، وبمكة أو غيرها، طاف بالبيت أو لم يطف لأن الله أطلق ولم يخص، اختاره الشيخ وغيره.
(3)
لأن الصحابة حلوا في الحديبية، وكانت عمرة ولا فرق بين الحج الصحيح والفاسد ولا قبل الوقوف ولا بعده.
(4)
أو أخذته اللصوص، يهدي ثم يحل، لعموم النصوص ووجود المعنى
في الكل، وأما من حبس بحق يمكنه الخروج منه، فلا يجوز له التحلل في الحبس، فإن كان عاجزًا فبغير حق، ولا قضاء على المحصر المتطوع، بحصر عام أو خاص، وإن اقترن به فوات الحج، إذ لم يرد الأمر به، وقد أحصروا عام الحديبية، ولم يعتمر منهم معه في عمرة القضية إلا البعض، فعلم أنها لم تكن قضاء، ولم ينقل أنه أمر الباقين بالقضاء، ولأنه تطوع جاز التحلل منه، مع صلا ح الزمان له، فلم يجب قضاؤه، وفارق الفوات، لأنه مفرط، بخلاف المحصر، وقال ابن القيم: لا يلزم المحصر هدي، ولا قضاء، لعدم أمر الشارع به اهـ ومعنى القضية: الصلح الذي وقع في الحديبية، ولا يرد عليه أن المحصر يلزمه القضاء، إذا أخر التحلل مع إمكانه حتى فاته، أو فاته ثم أحصر، أو زال الحصر والوقوف باق ولم يتحلل ومضى في النسك ففاته، أو سلك طريقا آخر ففاته، وذلك لأن القضاء في هذه الصور للفوات لا للحصر.
(فإن فقده) أي فقد الهدي (1)(صام عشرة أيام) بنية التحلل (ثم حل)(2) ولا إطعام في الإحصار (3) وظاهر كلامه كالخرقي وغيره: عدم وجوب الحلق أو التقصير (4) .
(1) فلم يكن معه، ولا قدر عليه.
(2)
وهو أحد قولي الشافعي، والثاني: له التحلل قبل الإتيان بالبدل، من غير توقف على الصوم، لتضرره ببقاء إحرامه إلى فراغ الصوم، وقال: أحب أن لا يحل حتى يصوم إن قدر، فإن صعب عليه حل ثم صام بالنية عن الهدي، ولأنه دم واجب للإحرام فكان له بدل ينتقل إليه، كدم المتعة.
(3)
لعدم وروده وقال الآجري: إن عدم الهدي قومه طعاما، وصام عن كل مد يوما وحل، فإن شق عليه حل ثم صام.
(4)
لأنه من توابع الوقوف، كالرمي.
وقدمه في المحرر، وشرح ابن رزين (1)(وإن صد عن عرفة) دون البيت (تحلل بعمرة)(2) ولا شيء عليه (3) لأن قلب الحج عمرة، جائز بلا حصر، فمعه أولى (4) وإن أحصر عن طواف الإفاضة فقط، لم يتحلل حتى يطوف (5) .
(1) والمغني والشرح وغيرهم، لأن الله ذكر الهدي وحده، ولم يشترط سواه، وقال أكثر الأصحاب، يجب عليه الحلق أو التقصير وفاقا، واختاره القاضي وغيره، وقال في تصحيح الفروع: على الصحيح، لأن الصحيح من المذهب أنه نسك فكذا يكون هنا، وابن رزين هو عبد الرحمن بن رزين بن عبد الله الغساني الحوراني ثم الدمشقي، له شرح على الخرقي قتل سنة 656 هـ شهيدا بسيف التتار.
(2)
مجانًا، لتمكنه من وصوله إلى البيت، فيفسخ نية الحج، ويجعله عمرة، وإن كان قد طاف للقدوم وسعى، ثم حصر أو مرض، أو فاته الحج، تحلل بطواف وسعي آخرين لأن الأولين لم يقصدهما للعمرة، وليس عليه أن يجدد إحرامًا.
(3)
أي لا دم عليه، لأنه في معنى الفسخ.
(4)
جزم به في الشرح وغيره، ولأنه يمكنه أن يأتي بعمل العمرة، فعلي هذا يتحلل بطواف وسعي وحلق.
(5)
بأن رمى وحلق بعد وقوفه، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، والقديم من قولي الشافعي، ويبقى محرمًا أبدًا، حتى يطوف طواف الزيارة، وقال الإمام العادل أبو المظفر، الصحيح عندي ما ذهب إليه الشافعي في قوله الجديد، وأحمد فإن قوله تعالى:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} محمول على العموم في حق كل من أحصر سواء كان قبل الوقوف أو بعده، وبمكة أو غيرها وسواء كان طاف بالبيت أو لم يطف، وأن له أن يتحلل، كما قال الله تعالى، أطلق ذلك في قوله ولم يخصصه.
في الكل، وأما من حبس بحق يمكنه الخروج منه، فلا يجوز له التحلل في الحبسن فإن كان عاجزا فبغير حق، ولا قضاء على المحصر المتطوع، بحصر عام أو خاص، وإن اقترن به فوات الحج، إذ لم يرد الأمر به، وقد أحصروا عام الحديبية ولم يعتمر منهم معه في عمرة القضية إلا البعض، فعلم أها لم تكن قضاء، ولم ينقل أنه أمر الباقين بالقضاء، ولأنه تطوع جاز التحلل منه، مع صلاح الزمان له، فلم يجب قضاؤه، وفارق الفوات، لأنه مفرط، بخلاف المحصر، وقال ابن القيم: لا يلزم المحصر هدي، ولا قضاء لعدم أمر الشارع به اهـ ومعنى القضية: الصلاح الذي وقع في الحديبية، ولا يرد عليه أن المحصر يلزمه القضاء، إذا أخر التحلل ومضي في النسك ففاته، أو سلك طريقا آخر ففاته، وذلك لأن القضاء في هذه الصور الفوات لا للحصر.
وإن أحصر عن واجب، لم يتحلل، وعليه دم (1) و (إن حصره مرض (2) أو ذهاب نفقة) (3) .
(1) لأنه متمكن منه بالطواف والحلق كرمي، فلم يجز له التحلل، والتحلل مباح لحاجته في الدفع إلى قتال أو بذل مال، فإن كان البذل يسيرا فقياس المذهب وجوبه، ومع كفر العدو يستحب قتاله إن قوي المسلمون عليه.
(2)
بقي على إحرامه، حتى يبرأ لأن المرض لا يمنع الإتمام، وفي شرح الإقناع، ومثله حائض تعذر مقامها، أو رجعت ولم تطف، لجهلها بوجوب طواف الزيارة، أو لعجزها عنه، أو لذهاب الرفقة، وقال أبو حنيفة: المحصر بالمرض كمن أحصر بالعدو سواء، وهو رواية عن أحمد، اختاره الشيخ، وقال: يجوز له التحلل، قال الزركشي، ولعلها أظهر، لظاهر قوله:{فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} ، ولما روى الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كسر أو عرج فقد حل، وعليه الحج من قابل» قال سمعته يقول ذلك فسألت ابن عباس وأبا هريرة عما قال فصدقاه، رواه الخمسة وحسنه الترمذي، ولفظ الإحصار إنما هو للمرض، يقال: أحصره المرض إحصارًا فهو محصور قال الأزهري: هو كلام العرب.
وقال ابن قتيبة في الآية: هو أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين الحج، من مرض أو كسر أو عدو، اهـ واستفيد حصر العدو بطريق التنبيه، فيكون حكمه كمن حصره العدو، على ما تقدم، واختار الشيخ: أن الحائض لها التحلل، كمن حصره عدو، فإن الله لم يوجب على المحصر أن يبقى محرمًا حولاً بغير اختياره ولتحلل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما حصروا عن إتمام العمرة، مع إمكان رجوعهم محرمين، إلى العام القابل.
(3)
أي وإن حصره ذهاب نفقة بقي محرمًا، وهذا مذهب مالك والشافعي
وعنه: له التحلل، وهو مذهب أبي حنيفة، وجماعة من السلف، للخبر المتقدم ولعموم {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} .
أو ضل الطريق (بقي محرمًا) حتى يقدر على البيت (1) لأنه لا يستفيد بالإحلال التخلص من الأذى الذي به (2) بخلاف حصر العدو (3) فإن قدر على البيت بعد فوات الحج، تحلل بعمرة (4) ولا ينحر هديًا معه إلا بالحرم (5) هذا (إن لم يكن اشترط) في ابتداء إحرامه أن محلي حيث حبستني (6) وإلا فله التحلل مجانًا في الجميع (7) .
(1) هذا المذهب عند بعض الأصحاب، وعنه: له التحلل لعموم الآية.
(2)
ولا يستفيد بالإحلال، الانتقال من حاله، لمفهوم خبر ضباعة.
(3)
فإنه يفيد التخلص، والانتقال من حاله.
(4)
فيطوف ويسعى، ويحلق أو يقصر.
(5)
فليس كالمحصر فيبعث الهدي.
(6)
لتأثير الشرط كما تقدم.
(7)
أي وإن كان اشتراط في ابتداء إحرامه، أن محله حيث حبس، فله التحلل بلا هدي، ولا قضاء في جميع ما تقدم، وهو مذهب الشافعي، فإن له شرطه، ويستفيد به التحلل إذا وجد الشرط، سواء كان الحصر بمرض، أو عدو أو غيره، فيستفيد بالشرط عند المرض والخطأ التحلل، وإسقاط الهدي، وعند العدو إسقاط الدم، لأن للشرط تأثيرًا في العبادات، بدليل قوله: إن شفي الله مريضي صمت شهرًا، فيلزمه بوجود الشرط، ويعدم بعدمه، ولأنه صار بمنزلة من أكمل أفعال الحج.
باب الهدي والأضحية والعقيقة (1)
الهدي ما يهدى للحرم، من نعم وغيرها (2) سمي بذلك لأنه يهدى إلى الله سبحانه وتعالى (3) والأُضحية بضم الهمزة وكسرها،
(1) أي بيان أحكامها، وما يتعلق بذلك، قال ابن القيم: والذبائح التي هي قربة إلى الله وعبادة، هي الهدي والأضحية والعقيقة، وقال: القربان للخالق، يقوم مقام الفدية عن النفس المستحقة للتلف وقال تعالى:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} فلم يزل ذبح المناسج وإراقة الدماء على اسم الله مشروعًا في جميع الملل، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع الهدي ولا الأضحية وحث عليهما.
(2)
وقال ابن المنجا: هو ما يذبح بمنى، وأصل الهدي التشديد، من: هديت الهدي أهديه، وكلام العرب: أهديت الهدي إهداء.
(3)
قربانا لله تعالى، وفداء عن النفس، وسوقه مسنون ولا يجب إلا بالنذر، ويستحب أن يقفه بعرفة، ويجمع فيه بين الحل والحرم بلا نزاع، فلو اشتراه في الحرم، ولم يخرجه إلى عرفة وذبحه كفاه.
واحدة الأضاحي (1) ويقال: ضحية (2) وأجمع المسلمون على مشروعيتهما (3) .
(أفضلها إبل ثم بقر) إن أخرج كاملاً (4) لكثرة الثمن، ونفع الفقراء (5)(ثم غنم)(6) .
(1) والجمع ضحايا، وأضحاة، والجمع أضحى، كأرطاة وأرطى.
(2)
بفتح الضاد المعجمة كسوية، وبتشديد الياء والتخفيف.
(3)
أي الهدي والأضحية، وحكاه غير واحد ممن يحكي الإجماع لقوله
تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قال المفسرون: المراد به الأضحية بعد صلاة العيد، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، وأهدى في حجته مائة بدنة، ولم يكن يدعهما وأوجبها أبو حنيفة على كل حر مسلم مقيم، مالك لنصاب، وروي عن مالك، والجمهور: أنها سنة مؤكدة، على كل من قدر عليها، من المسلمين المقيمين والمسافرين إلا الحجاج بمنى، فقال مالك: لا أضحية عليهم، واختاره شيخ الإسلام، اكتفاء بالهدي، ولم يعد الضمير إلى الجميع، لعدم الإجماع في مشروعية العقيقة، فإن أبا حنيفة لا يراها.
(4)
من إبل أو بقر، قال في الإنصاف، بلا نزاع.
(5)
فكانت أفضل من غيرها، ولحديث أبي هريرة يرفعه في «من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، وفي الثانية بقرة، وفي الثالثة كبشا» قربتها على قدر الفضيلة، وسألت امرأة ابن عباس: أي النسك أفضل؟ قال: إن شئت فناقة أو بقرة، قالت: أي ذلك أفضل؟ قال: انحري ناقة.
(6)
ولا نزاع في جواز كل منها لا من غيرها، ولو كان أحد أبويه وحشيًّا، وذلك فيما إذا قوبل الجنس بالجنس، وإلا فسيأتي أن سبع شياه أفضل من البدنة والبقرة.
وأفضل كل جنس أسمن، فأغلى ثمنًا (1) لقوله تعالى:{وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ *} (2) .
فأشهب وهو الأملح أي الأبيض (3) أو ما بياضه أكثر من سواده (4) فأصفر، فأسود (5) .
(1) إجماعًا إلا ما روي عن بعض أصحاب مالك، وعند الشيخ: الأجر على قدر القيمة مطلقًا.
(2)
أي ومن يعظم أعلام دينه، والهدي والأضاحي من أعلام دين الإسلام
قال ابن عباس: تعظيمها استسمانها، واستعظامها، واستحسانها (فإنها) أي فإن تعظيمها (من) فعال ذوي (تقوى القلوب) وخصَّ القلوب لأنها مراكز التقوى، ومن تمكن الإخلاص من قلبه، بالغ في أداء الطاعات، على سبيل الإخلاص وقال تعالى:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ} أي تهدى إلى بيته الحرام (مِنْ شَعَائِرِ اللهِ) أي من أعلام دينه، سميت شعائر لأنها تشعر، وهو أن تطعن بحديدة في سنامها فيعلم أنها هدي، ومن شعائر الله تعظيمها، وروي «استفرهوا ضحاياكم فإنها في الجنة مطاياكم» وفي الصحيح عن سهل: كنا نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يسمنون.
(3)
قاله ابن الأعرابي وغيره، وهذا تفريع على التفضيل بين أنواع الغنم، وفي الصحيح عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين، ولأحمد عن أبي هريرة مرفوعًا «دم عفراء أحب إلى الله من دم سوادين» والعفراء البيضاء بياضًا ليس بالشديد وقال أحمد: يعجبني البياض.
(4)
قاله الكسائي وغيره.
(5)
أي بعد الأبيض، أو ما بياضه أكثر من سواده، والأصفر يعني ما لونه أصفر، فأسود لما في السنن، ضحى بكبش أقرن كحيل، يأكل في سواد، وينظر في سواد، ويمشي في سواد، والذكر والأنثى سواء، لقوله تعالى:{عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} وثبت أنه صلى الله عليه وسلم أهدى جملاً لأبي جهل في أنفه برة فضة، وقيل: اتفقوا على أن الضأن من الغنم أفضل من المعز، وفحول كل جنس أفضل من إناثه، وقال في المبدع: المقصود هنا اللحم، ولحم الذكر أوفر، ولحم الأنثى أرطب، فيتساويان، بخلاف الزكاة، وفي الإنصاف: جذع ضأن أفضل من ثني معز.
(ولا يجزئ فيها إلا جذع ضأن) ماله ستة أشهر كما يأتي (1)(وثني سواه) أي سوى الضأن، من إبل، وبقر، ومعز (2)(فالإبل) أي السن المعتبر لإجزاء إبل (خمس) سنين (3)(والبقر سنتان (4) والمعز سنة (5) والضأن نصفها) أي نصف سنة (6) لحديث «الجذع من الضأن أضحية» رواه ابن ماجه (7) .
(1) أي قريبا، وقال الجوهري وغيره: الجذع من الضأن، هو ماله ستة أشهر، وقال الوزير: اتفقوا أنه لا يجزئ من الضأن إلا الجذع، وهو ماله ستة أشهر، وقد دخل في السابع، ويعرف بنوم الصوف على ظهره، قاله الخرقي عن أبيه عن أهل البادية.
(2)
لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يذبحون لهما، قال الوزير: اتفقوا أنه لا يجزئ مما سوى الضأن إلا الثني على الإطلاق، من المعز، والإبل، والبقر، وذكره كما صرحوا به فيما يأتي.
(3)
ودخل في السادسة، قال الأصمعي والجوهري وغيرهما: سمي بذلك لأنه حينئذ يلقى ثنيته.
(4)
قاله الجوهري أيضا وغيره.
(5)
وهو كذلك عند أهل اللغة وغيرهم، وقد سبق في الزكاة.
(6)
قال الوزير: اتفقوا على أنه من ذبح الأضحية من هذه الأجناس، بهذه الأسنان، فما زاد فإن أضحيته مجزئة صحيحة، وأن من ذبح منها ما دون هذه الأسنان، من كل جنس منها، لم تجزئه أضحية.
(7)
وللترمذي وأحمد من حديث أبي هريرة، «نعمت الأضحية الجذع من الضأن» وله عن هلال نحوه، وكذا لأبي داود عن مجاشع، والنسائي عن عقبة
وما رواه مسلم عن جابر مرفوعا «لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن» فعلى الاستحباب عند أهل العلم بالأخبار، واتفقوا على أنه يجزئ من الضأن، الجذع، وهو ما له ستة أشهر، حكاه الوزير وغيره، وتقدم عن بعضهم: أنه أفضل من ثني معز.
(وتجزئ الشاة عن واحد) وأهل بيته وعياله (1) لحديث أبي أيوب: كان الرجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه، وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون، قال: في شرح المقنع، حديث صحيح (2)(و) تجزئ (البدنة والبقرة عن سبعة)(3) .
(1) أي وتجزئ الشاة في الهدي، والأضحية، عن واحد لحصول الوفاء به، والخروج عن الأمر المطلق، وتجزئ عن أهل بيته، وعن عياله ولو كثروا.
(2)
ورواه أبو داود، وابن ماجه، والترمذي، وغيرهم وصححه، وضحى صلى الله عليه وسلم بكبشين، أحدهما عن محمد وآل محمد، والآخر عن أمة محمد، ولمسلم عن عائشة مرفوعا «اللهم تقبل من محمد، وآل محمد، ومن أمة محمد» .
(3)
يعني الواجب، إذ الإجزاء يشعر بذلك، وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي، وأكثر أهل العلم، سواء أراد جميعهم القربة أو بعضهم، وبعضهم اللحم، لأن الجزء المجزئ لا ينقص بإرادة الشريك غير القربة، فجاز، كما لو اختلفت جهات القرب، فأراد بعضهم المتعة، وبعضهم القران، وأما عنه، وعن أهل بيته، ونحو ذلك في التطوع، فتقدم أن جنس الإبل والبقر أفضل من جنس الغنم، وإجزاء الواحدة من الغنم لا نزاع فيه، فالبدنة والبقرة أولى.
لقول جابر: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر، كل سبعة في واحد منهما» رواه مسلم (1) .
(1) وفي لفظ: نحرنا بالحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، يرون الجزور عن سبعة، والبقرة عن سبعة، وفي لفظ: فنذبح البقرة عن سبعة، نشترك فيها، وحينئذ فيعتبر ذبحها عنهم، قال الوزير: اتفقوا على أن الاشتراك في الأضحية على سبيل الازدياد من البعض للبعض جائز وأجازه بالأثمان والأعراض أبو حنيفة، والشافعي وأحمد، وقال: أجاز الشافعي وأحمد الاشتراك مطلقًا.
وقال الزركشي وغيره: الاعتبار أن يشترك الجميع دفعة واحدة، فلو اشترك ثلاثة في بقرة ضحية، وقالوا: من جاء يريد أضحية أشركناه، فجاء قوم فشاركوهم، لم تجز إلا عن ثلاثة، وقال الشيرازي: والمراد إذا أوجبوها على أنفسهم، كما يفهم من كلامه في الإنصاف وغيره، وصرح به في الإقناع، ولو ذبحوها على أنهم سبعة فبانوا ثمانية ذبحوا شاة وأجزأتهم، على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، ولو اشترك اثنان في شاتين على الشيوع أجزأ على الصحيح، ولو اشترى سبع بقرة، أو سبع بدنة ذبحت للحم، على أن يضحى به لم يجزئه، قال أحمد: هو لحم اشتراه، وليس بأضحية، صرح به في الإنصاف وغيره.
وأما التشريك في السبع منها، فمفهوم هذا الحديث وحديث «تجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته» أنه لا يجزئ شرك في سبع من بدنة أو بقرة، وجزم به شيخنا وغيره، وتعبير الشارع بجواز البدنة عن سبعة لأن الأصل أنه لا يضحي بالدم إلا عن شخص، فإن أصل الأضحية، هي فداء إسماعيل بكبش كامل فخص الشارع الشاة عن الرجل وأهل بيته، وضحى بكبش عن محمد وآل محمد، وبكبش عن أمة محمد، والبدنة والبقرة أولى، دون التشريك في سبع بدنة أو بقرة.
وشاة أفضل من سبع بدنة أو بقرة (1)(ولا تجزئ العوراء) بينة العور (2) بأن انخسفت عينها (3) في الهدي ولا في الأضحية (4) ولا العمياء (5)(و) لا (العجفاء) الهزيلة التي لا مخ فيها (6)(و) لا (العرجاء) التي لا تطيق مشيًا مع صحيحة (7) .
(1) أي أو سبع بقرة، وسبع بضم الباء، وزيادة العدد من جنس أفضل، قال أحمد: بدنتان سمينتان بتسعة، وبدنة بعشرة، البدنتان أعجب إلي، ورجح الشيخ تفضيل البدنة وفي سنن أبي داود، وحديث علي ما يدل عليه، والجواميس في الهدي والأضحية كالبقر، ومن جنس في الزكاة.
(2)
أي في هدي، ولا في أضحية ولا عقيقة، قال في الإنصاف: بلا نزاع فإذا لم تكن بينة العور، بل كانت عينها قائمة لم تنخسف، إلا أنها لا تبصر بها، أجزأت وكذا إن كان عليها بياض وهي قائمة لم تذهب، أجزأت وصرح في المنتهى، بأن قائمة العينين لا تجزئ فمفهومه إجزاء قائمة العين الواحدة.
(3)
أي ذهب جرمها، لا القائمة، أو عليها بياض.
(4)
حكاه الوزير وغيره اتفاقًا، ومثلهما العقيقة، ورجح أهل الحديث عدم الإجزاء، إذا ذهبت إحدى عينيها بأي حال من الأحوال، سواء فقدت الحدقة، أو بقيت، لفوات المقصود وهو النظر، وجاء النهي عن البخقاء، وهي التي تبخق عينها، فيذهب بصرها، والعين صحيحة الصورة في موضعها.
(5)
من باب أولى، لأن في النهي عن العور تنبيهًا على العمى، وإن لم يكن عماهما بينًا إجماعًا.
(6)
أي ذهب مخ عظامها، وشحم عينها لهزالها، وفاقا، والمخ: الودك الذي في العظم، وخالص كل شيء، وقد سمي الدماغ مخًّا.
(7)
قولا واحدا في الجملة، وقيده بذلك، لما في كلام الماتن من إطلاق
العرج، وليس كذلك، قال غير واحد: لا تجزئ العرجاء البين عرجها وفاقا، والمراد أن فيها عرجا فاحشا، يمنعها مما ذكر، لأنه ينقص لحمها بسبب ذلك فإن كان عرجها لا يمنعها أجزأت، وعلم منه: أن الكسيرة لا تجزئ من باب أولى.
(و) لا (الهتماء) التي ذهبت ثناياها من أصلها (1)(و) لا (الجداء) أي ما شاب ونشف ضرعها (2)(و) لا (المريضة) بينة المرض (3) لحديث البراء بن عازب: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أربع لا تجوز في الأضاحي، العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والعجفاء التي لا تنقي» رواه أبو داود والنسائي (4) .
(1) قاله جماعة، وفي التلخيص: هو قياس المذهب، وقال الشيخ: هي التي سقط بعض أسنانها، وتجزئ في أصح الوجهين.
(2)
جد الضرع يبس فهو أجد «وشاب» أي أبيض ضرعها ونشف، فانقطع منه اللبن، فالجداء اسم لما لم يكن في ضرعها لبن، ولو كان لا يزيد في ثمنها، فإذا وجد فيه شيء فليست بجداء، وتجزئ لو جدَّ فيها شطر، وسلم الآخر.
(3)
وهو المفسد للحمها، والمقلص له وفاقًا، وكذا جرب وغيره، ومفهومه أنه إذا لم يكن بينا أنها تجزئ، لأنها قريبة من الصحيحة، وذكر الخرقي أنها التي لا يرجى برؤها لأن ذلك ينقص قيمتها ولحمها.
(4)
ونحوه للترمذي وصححه، قال النووي: أجمعوا على أن التي فيها العيوب المذكورة في حديث البراء لا تجزئ التضحية بها، وكذا ما كان في معناها أو أقبح منها، كالعمي وقطع الرجل ونحوه، اهـ، وهذه العيوب تنقص اللحم
لضعفها وعجزها عن استكمال الرعي، فلا تجزئ كما هو ظاهر الحديث، وقال الوزير وغيره: اتفقوا على أنه لا يجزئ في الأضحية ذبح معيب ينقص، و «ظلعها» بفتح الظاء المشالة، وسكون اللام وتفتح الغمز والعرج، والعجفاء، والمصفرة، والهزيلة بمعنى، وأنقت الإبل وغيرها، إذا سمنت وصار فيها نقي، وهو مخ العظم، وشحم العين من السمن، ويقال: ناقة منقية وهذه لا تنقي بضم التاء.
وعن علي قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة، ولا شرقاء، ولا خرقاء» رواه أحمد، وأهل السنن، وصححه الترمذي، ولهم عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضحي بأعضب القرن والأذن، وفي الإنصاف: وكره بعضهم معيبة الأذن بخرق، أو شق، أو قطع لأقل من النصف.
(و) لا (العضباء) التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها (1)(بل) تجزئ (البتراء) التي لا ذنب لها (خلقه) أو مقطوعا (2) .
(1) لا النصف فأقل، قال أحمد: لا تجزئ الأضحية بأعضب القرن والأذن، لحديث علي، صححه الترمذي، وظاهره التحريم والفساد، وذكر الخلال أنهم اتفقوا على ذلك، ولأبي داود عن عتبة «نهي عن المصفرة والمستأصلة والبخقاء، والمشيعة والكسيرة» فهذه العيوب كلها مانعة من الإجزاء عند الجمهور، وصحح في الفروع الإجزاء مطلقًا، وهو مذهب الشافعي، لأن في صحة الخبر نظر، ولأن الأذن والقرن لا يقصد أكلها غالبا، ثم هي كقطع الذنب وأولى بالإجزاء، وصوبه في الإنصاف.
(2)
دفع ما في كلام الماتن من الإيهام، والبتراء بوزن حمراء، وقال الموفق وغيره في التي انقطع منها عضو كالألية: لا تجزئ.
والصمعاء، وهي صغيرة الأذن (1)(والجماء) التي لم يخلق لها قرن (2)(وخصي غير مجبوب) بأن قطع خصيتاه فقط (3)(و) يجزئ مع الكراهة (ما بأذنه أو قرنه) خرق أو شق (4) أو (قطع أقل من النصف)(5) أو النصف فقط، على ما نص عليه في رواية حنبل وغيره (6) .
(1) فتجزئ لعدم النهي والإخلال بالمقصود.
(2)
لعدم النهي، ولأنه لا يخل بالمقصود، بخلاف التي ذهب أكثر أذنها أو قرنها كما تقدم.
(3)
ولم يقطع ذكره، أجزأ بلا خلاف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوءين وعن عائشة نحوه، رواه أحمد، وسواء رضت، أو سلت أو قطعت لأنه إذهاب عضو غير مستطاب، بل يطيب اللحم بزواله، ويسمن، قال أحمد: والخصي أحب إلينا من النعجة، لأن لحمه أوفر وأطيب، فإن قطعت خصيتاه أو سلت، أو رضت وقطع ذكره، فهو الخصي المجبوب، ولا يجزئ نص عليه، وجزم به غير واحد.
(4)
أقل من النصف.
(5)
كيلا يقع فيها نقص وعيب.
(6)
لما تقدم من حديث علي: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نضحي بمقابلة، ولا مدابرة، ولا خرقاء، ولا شرقاء وحمل على الكراهة، لأن ذلك لا ينقص لحمها، ولا يوجد سالم منها.
قال في شرح المنتهى: وهذا هو المذهب (1)(والسنة نحر الإبل قائمة (2) معقولة يدها اليسرى (3) فيطعنها بالحربة) أو نحوها (4)(في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر)(5) لفعله عليه السلام، وفعل أصحابه (6) كما رواه أبو داود عن عبد الرحمن بن سابط (7) .
(1) أي إجزاء ما بأذنه أو قرنه قطع أقل من النصف، لأنه لا يقصد أكلها غالبًا وتقدم أنها أولى بالجواز من قطع الذنب.
(2)
لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} أي قياما على ثلاث قوائم، قد صفت رجليها وإحدى يديها، ولفعله صلى الله عليه وسلم وقال ابن عمر -وقد رأى رجلاً أناخ بدنة ينحرها- ابعثها قيامًا مقيدة، سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه، وقوله تعالى:{فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} دال على ذلك، وهو مذهب الجمهور مالك، والشافعي، وغيرهم، وقال الموفق وغيره: لا خلاف في استحباب نحر الإبل، وذبح ما سواها.
(3)
أي مربوطة قائمتها اليسرى، مشدود وظيفها مع ذراعها بالعقال ونحوه.
(4)
كسكين «ويطعن» بضم العين، في الطعن الحسي، وبفتحها في المعنوي، كالطعن في العرض ونحوه، هذا الأكثر، وقيل: بضمها وفتحها فيهما.
(5)
الوهدة بسكون الهاء، المكان المطمئن والجمع وهد ووهاد، والعنق بضم العين والنون وسكونها، الرقبة والجمع أعناق.
(6)
ينحرون الإبل قائمة بالحربة ونحوها في الوهدة، لأنه أسهل لخروج روحها.
(7)
عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون
البدن معقولة اليسرى، قائمة على ما بقي من قوائمها، في الوهدة، فتطعن بين أصل العنق والصدر لأن عنق البعير طويل، فلو طعن بالقرب من رأسه لحصل له تعذيب عند خروج روحه، وكيفما نحر أجزأ وعبد الرحمن بن سابط هو ابن عبد الله بن سابط الجمحي المكي، ثقة كثير الإرسال، قاله الحافظ وغيره.
(و) السنة أن (يذبح غيرها) أي غير الإبل (1) على جنبها الأيسر (2) موجهة إلى القبلة (3)(ويجوز عكسها) أي ذبح ما ينحر، ونحر ما يذبح (4) لأنه لم يتجاوز محل الذبح (5) .
(1) لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} ولفعله صلى الله عليه وسلم.
(2)
عند الذبح، يضع رجله على صفحته، ليكون أثبت له، وأمكن، لئلا يضطرب فيمنعه من كمال ذبحه أو يؤذيه، وأجمع المسلمون على إضجاع الغنم والبقر في الذبح، ولأنه صلى الله عليه وسلم أمر بكبش فأضجعه، ثم قال:«بسم الله، والله أكبر» ثم ضحى به، ولأنه أسهل على الذابح.
(3)
استحبابًا إجماعًا، لما رواه أبو داود وغيره، أنه صلى الله عليه وسلم وجهها إلى القبلة، وفي خبر الكبشين حين وجههما إلى القبلة، وقال لعائشة:«ما من مسلم يستقبل بذبيحته القبلة إلا كان دمها، وقرنها، وصوفها، حسنات في ميزانه يوم القيامة» ولأنها أشرف الجهات، وتستحب في كل طاعة إلا بدليل، وكره ابن عمر، وابن سيرين الأكل من الذبيحة الموجهة إلى غير القبلة.
(4)
أي من البقر والغنم، بأن تطعن في الوهدة كالإبل، وذبح الإبل كما تذبح البقر والغنم، وسيأتي إن شاء الله تعالى أن محل الذبح الحلق واللبة، وأنه لا يجوز في غيرهما.
(5)
فجاز هذا المذهب والأولى فعل السنة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعليه عامة المسلمين.
ولحديث «ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه فكل» (1)(ويقول) حين يحرك يده بالنحر أو الذبح (2)(بسم الله) وجوبا (3)(والله أكبر) استحباب (4)(اللهم هذا منك ولك)(5) .
(1) وإن كان عند الحاجة، فما جاز فيها جاز في غيرها، وقالت أسماء: نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه، وقال بعضهم: يكره، قال ابن القيم: والمستحب في الإبل النحر، وفي البقر والغنم الذبح، لموافقة السنة المتواترة، ويكره العكس لمخالفة السنة.
(2)
أي فيما السنة فيه النحر، أو السنة فيه الذبح.
(3)
لقوله: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} أي إنما شرعت لكم نحر هذه الهدايا والضحايا لتذكروه عنه ذبحها ولقوله {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} من البدن، والذبائح والتجارات، ورضى الله في الآخرة {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} وقال الغزالي: الأخبار متواترة فيها واتفقوا على استحبابها، أي وتسقط سهوا، كما يأتي في الذبائح، وقال مالك: إن تعمد ترك التسمية لم يجز أكلها، والمشروع عند الذبح الاقتصار على (بسم الله) بخلاف الأكل والشرب، فالسنة زيادة (الرحمن الرحيم) .
(4)
إجماعا لقوله {وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} وقاله ابن المنذر: ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول ذلك، واختير التكبير هنا اقتداء بأبينا إبراهيم عليه السلام حين أتى بفداء إسماعيل عليه السلام.
(5)
وقاله الشيخ وغيره، أي من فضلك ونعمتك علي، لا من حولي ولا من قوتي، ولك التقرب به، لا إلي من سواك، ولا رياء، ولا سمعة وكره مالك، قول: اللهم هذا منك ولك، وقال بدعة، وقد جاء من غير وجه عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال حين وجهها إلى القبلة «بسم الله، والله أكبر، اللهم هذا
منك ولك» رواه أبو داود وغيره، وفي لفظ:«بسم الله، والله أكبر، لا إله إلا لله، اللهم منك ولك» ، قال الشيخ: ويقول: «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض» إلخ.
ولا بأس بقوله: اللهم تقبل من فلان (1) ويذبح واجبًا قبل نفل (2)(ويتولاها) أي الأضحية (صاحبها) إن قدر (3)(أو يوكل مسلما ويشهدها) أي يحضر ذبحها إن وكل فيه (4) .
(1) لقوله صلى الله عليه وسلم «اللهم تقبل من محمد، وآل محمد، وأمة محمد» ثم ضحى، رواه مسلم، وقال الشيخ: يقول اللهم تقبل مني، كما تقبلت من إبراهيم خليلك، قال الخرقي: وليس عليه أن يقول عند الذبح: عن فلان، قال الشارح: بغير خلاف.
(2)
استحبابًا، مع سعة الوقت، وتقدم فيمن عليه زكاة، له الصدقة تطوعا قبل إخراجها، ولا فرق.
(3)
أي يتولى ذبحها بيده، إن قدر على ذلك، استحبابًا وفاقا لأنه صلى الله عليه وسلم نحر هديه ثلاثا وستين، وضحى بكبشين ذبحهما بيده الشريفة صلوات الله وسلامه عليه، وقال في الإنصاف: وإن ذبحها بيده كان أفضل بلا نزاع ولأن فعل القرب أولى من الاستنابة فيها، واتفقوا على أن ذبح العبد من المسلمين في الجواز كالحر، والمرأة من المسلمين والمراهق في ذلك كالرجل.
(4)
أي الذبح، لأنه قال لفاطمة «احضري أضحيتك فإنه يغفر لك بأول قطرة من دمها» وعن ابن عباس نحوه، وتعتبر نيته حال التوكيل في الذبح، لا نية وكيل، ولا تعتبر النية إن كانت الأضحية معينة، ولا تسمية المضحى عنه، ولا المهدي عنه، اكتفاء بالنية، قال الوزير: إذا ذبح أضحية غيره بغير إذنه، ونواه بها، أجزأت عن صاحبها، ولا ضمان عليه واتفقوا على أنها لا تكون بهذا الذبح ميتة.
وإن استناب ذميًّا في ذبحها أجزأت مع الكراهة (1)(ووقت الذبح) لأضحية وهدي نذر، أو تطوع، أو متعة، أو قران (بعد صلاة العيد) بالبلد (2) فإن تعددت فيه فبأسبق صلاة (3) فإن فاتت الصلاة بالزوال ذبح بعده (4)(أو) إن كان بمحل لا تصلى فيه العيد فالوقت بعد (قدره) أي قدر زمن صلاة العيد (5) ويستمر وقت الذبح (إلى) آخر (يومين بعده) أي بعد يوم العيد (6) .
(1) لأنها قربة وطاعة، فلا يتولاها غير أهل القرب، وإن استنابه جاز، كغير الأضحية، لكن تعتبر نية المسلم اتفاقا.
(2)
الذي هو فيه، قال ابن القيم: والاعتبار بنفس فعل الصلاة والخطبة، لا بوقتهما، وما ذبح قبل الصلاة ليس من النسك، وإنما هو لحم قدمه لأهله، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص في نحر الهدي قبل طلوع الشمس ألبتة فحكمه حكم الأضحية إذا ذبحت قبل الصلاة.
(3)
لتعلق الحكم بالصلاة لا بالوقت.
(4)
أي بقية يومه بعد الزوال، سواء كان لعذر أو لا.
(5)
في حق من لم يصل، جزم به الأكثر، ومنه منى، فإنه لا يصلى فيه العيد، فيجوز الذبح من بعد أسبق صلاة، وإذا اجتمع عيد وجمعة، وصليت الجمعة قبل الزوال، واكتفى بها عن صلاة العيد، جاز الذبح بعد صلاة الجمعة، لقيامها مقام صلاة العيد.
(6)
وهو مذهب أبي حنيفة ومالك.
قال أحمد: أيام النحر ثلاثة، عن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) والذبح في اليوم الأول عقب الصلاة والخطبة وذبح الإمام أفضل (2) ثم ما يليه (3)(ويكره) الذبح (في ليلتهما) أي ليلتي اليومين بعد يوم العيد، خروجا من خلاف من قال بعدم الإجزاء فيهما (4) .
(1) وفي رواية عن خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وروي عن أنس، وعنه إلى آخر اليوم الثالث من أيام التشريق، وهو مذهب الشافعي وغيره، واختاره ابن المنذر، والشيخ وغيرهما، لقوله صلى الله عليه وسلم «كل أيام التشريق ذبح» ، وقال علي: أيام النحر يوم الأضحى، وثلاثة أيام بعده، قال ابن القيم: ولأن الثلاثة تختص بكونها أيام منى، وأيام التشريق، ويحرم صيامها، فهي إخوة في هذه الأحكام فكيف تفترق في جواز الذبح؟ بغير نص، ولا إجماع؟ وروي من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر «كل أيام التشريق ذبح» وروي من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع، ومن حديث أسامة بن زيد، عن عطاء، عن جابر.
(2)
أي مما يليه، وكان صلى الله عليه وسلم يذبح بعد الصلاة، ولا نزاع في ذلك.
(3)
أي ما يلي اليوم الأول، يعني الثاني، ثم الثالث، كذلك ما بادر به فهو أفضل مما تأخر.
(4)
ومنهم مالك رحمه الله، والخرقي من أصحابنا، وجماعة وقال الوزير: اتفقوا على أنه يجوز ذبح الأضحية ليلا، وفي وقتها المشروع لها، كما يجوز في نهاره إلا مالكًا وأبو حنيفة يكرهه مع جوازه.
(فإن فات) وقت الذبح (قضي واجبه)(1) وفعل به كالأداء (2) وسقط التطوع لفوات وقته (3) ووقت ذبح واجب بفعل محظور من حينه (4) فإن أراد فعله لعذر فله ذبحه قبله (5) وكذا ما وجب لترك واجب، وقته من حينه (6) .
(1) كالمنذور والمعين، وكذا الموصى به، لأن حكم القضاء كالأداء، ولا يسقط بفواته، لأن الذبح أحد مقصودي الأضحية، فلا يسقط بفوات وقته كما لو ذبحها ولم يفرقها حتى خرج الوقت.
(2)
أي وفعل بالواجب المقضي كما يفعل بالمذبوح في وقته، وليس المراد أن القضاء في وقت الأداء من العام القابل.
(3)
لأن المحصل للفضيلة الزمان وقد فات، فلو ذبحه وتصدق به كان لحما تصدق به، لا أضحية في الأصح، قال الوزير: اتفقوا على أنه إذا خرج وقت الأضحية على اختلافهم فقد فات وقتها، وأنه إن تطوع به متطوع لم يصح إلا أن تكون منذورة، فيجب عليه ذلك وإن خرج الوقت.
(4)
أي حين فعل المحظور.
(5)
أي فإن أراد فعل المحظور لعذر من الأعذار المتقدمة، فله ذبح ما يجب به قبل فعل ذلك المحظور الذي يريد فعله، لوجود سببه، كحر وبرد وقمل.
(6)
أي ومثل ذبح واجب بفعل محظور، ما وجب لترك واجب من واجبات الحج المتقدمة، وقته الذي يذبح فيه من حين ترك ذلك الواجب، فـ «وقت» مبتدأ خبره «من حينه» والجملة سيقت لبيان ما قبلها، فلا محل لها.
فصل (1)
(ويتعينان) أي الهدي والأضحية (بقوله: هذا هدي أو أضحية) أو لله (2) لأنه لفظ يقتضي الإيجاب، فترتب عليه مقتضاه (3) وكذا يتعين بإشعاره، أو بتقليده بنيته (4)(لا بالنية) حال الشراء أو السوق (5) .
(1) في أحكام التعيين، والمنع من بيع شيء منها، وأحكام الأكل والصدقة وغير ذلك، وبيان ما يتعلق بذلك.
(2)
أي الهدي أو الأضحية، ونحو ذلك، لا بالنية فقط، فإذا تلفظ بأحد هذه الثلاثة مشيرا إلى بدنة، أو بقرة، أو شاة بعينها، وجبت بذلك، وإن عين معيبا لم يجزئه عما في ذمته.
(3)
لأنه دال عليه، وقال ابن نصر الله: الهدي منه واجب، وليس في هذا اللفظ ما يقتضي الوجوب، إذ يجوز أن يريد: هذا هدي تطوعت به، وقال الحجاوي: أو تطوع بأن ينوي هديًا ولا يوجبه بلسانه، ولا بتقليده وإشعاره وقدوم نية فيه، قبل ذبحه، فإن فسخ نيته فعل به ما شاء.
(4)
لأن الفعل مع النية كاللفظ، إذا كان الفعل دالاًّ على المقصود، كمن بنى مسجدًا وأذن للناس بالصلاة فيه، والإشعار هو أن يشق جانب سنامه الأيمن، والتقليد أن يعلق نعالاً أو آذان قربة ونحوها، وكان ابن عمر وغيره يجللها، ويدع السنام ليرى الإشعار، فيعرف أنها هدي.
(5)
وهو مذهب مالك والشافعي، قال الوزير: لا يوجبها عندهم إلا القول، لأن التعيين إزالة ملك على وجه القربة، فلم يؤثر فيه مجرد النية، كالعتق، والوقف.
كإخراجه مالاً للصدقة (1)(وإذا تعينت) هديًا أو أضحية (لم يجز بيعها، ولا هبتها)(2) لتعلق حق الله تعالى بها (3) كالمنذور عتقه نذر تبرر (4)(إلا أن يبدلها بخير منها) فيجوز (5) وكذا لو نقل الملك فيها (6) واشترى خيرًا منها جاز نصًّا، واختاره الأكثر (7) .
(1) فإنه لا يتعين بذلك، وفي الإنصاف، يحتمل أن يتعين الهدي والأضحية بالنية حال الشراء، وهو رواية عن أحمد، ومذهب أبي حنيفة، واختاره الشيخ، وقال المجد، ظاهر كلام أحمد أنه يصير أضحية إذا اشتراها بنيتها، كما يتعين الهدي بالإشعار.
(2)
بل يلزمه ذبحها متى أتت، ولو بعد وقت الأضحية، لوجوبها بالتعيين لأنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يعطى الجزار شيئا منها، فلأن يمنع من بيعها من باب أولى، قال أحمد: كيف يبيعها وقد جعلها لله تعالى؟
(3)
فلم يجز بيعها، وإذا عينها ثم مات وعليه دين لم يجز بيعها فيه مطلقا.
(4)
وكما لو نذر أن يذبحها بعينها بخلاف نذر اللجاج.
(5)
نظرا لمصلحة الفقراء لحصول مقصودهم، ولأنه عدول عن المعين إلى خير منه من جنسه كما لو أخرج حقه عن بنت لبون، ويجوز بمثلها، ما لم يكن أهزل.
(6)
ببيع أو هبة.
(7)
ونقله الجماعة عن أحمد، وفي المبدع: والمذهب كما نقله الجماعة أنه يجوز نقل الملك فيه، وشراء خير منه، وذكر ابن الجوزي أيضًا أنه المذهب، لأنه صلى الله عليه وسلم أشرك عليًّا في هديه، وهو نوع منها ولأنه إذا اشترى أضحية لم يزل ملكه عنها.
لأن المقصود نفع الفقراء، وهو حاصل بالبدل (1) ويركب لحاجة فقط بلا ضرر (2)(ويجزُّ صوفها ونحوه) كشعرها ووبرها (إن كان) جزه (أنفع لها (3) ويتصدق به) (4) وإن كان بقاؤه أنفع لها لم يجز جزُّه (5) .
(1) سواء كان ببيعها بخير منها، أو بنقد أو غيره، ثم يشتري به خيرًا منها، وكذا إبدال لحم بخير منه، لا بمثل ذلك لعدم الفائدة، ودونه لأنه تفويت جزء منها فلم يجز بلا خلاف.
(2)
لما في الصحيح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة، فقال:«اركبها» قال: إنها بدنة، قال:«اركبها ويلك» في الثانية أو في الثالثة، ولمسلم «اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها، حتى تجد ظهرًا» وذلك ما لم يضرها.
(3)
بلا نزاع مثل كونه في زمن الربيع، فإنه يخف بجزء ويسمن لأنه لمصلحتها.
(4)
كما بعد الذبح، ولا يتعين التصدق به، بل له الانتفاع به كالجلد لجريانه مجراه في الانتفاع به دوامًا، وإذا قيد العلماء بذكر الصدقة فإنها تختص بالفقراء والمساكين، لأن تعبيرهم لغير الفقير بالهدية، وعلى هذا لا يهدى جلد الأضحية ونحوه، ولا يتصدق به على غني وإذا أعطيه قريب أو صديق غني على طريق الإباحة والانتفاع، لا على طريق التمليك، فإنه يجوز أن ينتفع به مع غناه، لكون المعطي إقامة مقامه، ويمنع مما يمنع منه المعطي، كالبيع ونحوه من المعاوضات.
(5)
ككونه يقيها الحر أو البرد، أو كان لا يضر بها لقرب مدة الذبح لم يجز.
ولا يشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها (1)(ولا يعطي جازرها أجرته منها)(2) لأنه معاوضة (3) ويجوز أن يهدى له أو يتصدق عليه منها (4)(ولا يبيع جلدها ولا شيئا منها) سواء كانت واجبة أو تطوعًا (5) .
(1) إجماعًا لأن شرب الفاضل لا يضر بها، ولا بولدها، فكان كالركوب فإن أضر بها أو نقص لحمها حرم، قال الوزير، اتفقوا على أن ما فضل عن حاجة الولد من لبن الأضحية يجوز شربه، إلا أبا حنيفة فإنه قال: لا يجوز اهـ وإن ولدت المعينة ذبح ولدها معها، قال في الإنصاف: بلا نزاع، وعن علي أن رجلا سأله عن بقرة اشتراها ليضحي بها وإنها وضعت عجلاً، فقال: لا تحلبها إلا ما فضل عن ولدها، فإذا كان يوم الأضحى فاذبحها وولدها، رواه سعيد وغيره.
(2)
لا من اللحم، ولا من الجلد، في نظير أجرته، باتفاق الأئمة، وأمر صلى الله عليه وسلم عليًّا أن لا يعطي الجزار في جزارتها شيئا منها، وقال:«نحن نعطيه من عندنا» .
(3)
وهي غير جائزة فيها، وقد يفهم من إطلاق الشارع منع الصدقة على الجازر، لئلا تقع مسامحة في الأجرة لأجل ما يأخذ، فيرجع إلى المعاوضة.
(4)
بالبناء للمجهول، لأنه ساوى غيره، وزاد عليه بمباشرتها، وتتوق نفسه إليها، قال الزركشي، وبهذا يتخصص عموم حكم الحديث.
(5)
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليًّا أن يقسم بدنه كلها، لحومها، وجلودها، وجلالها قال الوزير: اتفقوا على أنه لا يجوز بيع شيء من الأضاحي بعد ذبحها إلا جلدها، عند أبي حنيفة، فيجوز بآلة البيت، قال ابن رجب وغيره: لو أبدل جلود الأضاحي بما ينتفع به في البيت من آلة جاز، نص عليه، لأن ذلك يقوم مقام الانتفاع بالجلد نفسه في متاع البيت.
وقال بعض الأصحاب: لو دبغه بجزء منه، أو بصوفه صح كما يجوز إصلاح الوقف ببعضه، وإن اشترى نصيب الدباغ صح، وعنه يجوز بيع جلدها، ويشتري بالثمن ماعونًا لبيته، وعنه: يبيعه ويشتري به أضحية أخرى.
لأنها تعينت بالذبح (1)(بل ينتفع به) أي بجلدها أو يتصدق به استحبابًا (2) لقوله عليه السلام «لا تبيعوا لحوم الأضاحي والهدي، وتصدقوا واستمتعوا بجلودها» (3) وكذا حكم جلها (4) .
(وإن تعيبت) بعد تعينها (5)(ذبحها وأجزأته)(6) وإن تلفت، أو عابت بفعله أو تفريطه لزمه البدل، كسائر الأمانات (7) .
(1) فلم يجز بيع شيء منها لتعينها به.
(2)
لا نزاع في الانتفاع بجلدها، وروي عن علقمة، ومسروق أنهما كانا يدبغان جلد أضحيتهما ويصليان عليه، وكذا الصدقة به، لأنه جزء من الأضحية كلحمها، ونقل ما لم تكن واجبة.
(3)
روي من حديث قتادة بن النعمان.
(4)
بضم الجيم: كساء من كتان أو غيره، يطرح على ظهر الدابة.
(5)
بقوله: هذا هدي، أو أضحية، أو لله ونحو ذلك.
(6)
أي التي حدث بها عيب من نحو عمى وعرج، لأنه عيب حدث بها، فلم يمنع الإجزاء، لحديث أبي سعيد قال: ابتعنا كبشا نضحي به، فأصاب الذئب من أليته، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن نضحي به، رواه ابن ماجه.
(7)
أي إذا تلفت ونحوه بفعله أو تفريطه لزمه بدلها، واستظهر في حاشية
المنتهى أن المراد المعين عن واجب، أما إذا كان معينًا ابتداء فلا، لعدم وجوب بدله، وفي الإنصاف: وإن تلفت بغير تفريطه لم يضمنها، بلا نزاع عند الأكثر، قبل ذبحها أو بعده، وإذا ذبحها فسرقت فلا شيء عليه، وإن ذبحها ذابح في وقتها، بغير إذن، أجزأت ولا ضمان على ذابحها لأنه وقعت موقعها.
(إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين)(1) كفدية ومنذور في الذمة، عين عنه صحيحًا فتعيب، وجب عليه نظيره مطلقا (2) وكذا لو سرق أو ضل ونحوه (3) .
(1) يعني الهدي أو الأضحية لتعلقها بذمته.
(2)
سواء كان مساويًا لما في ذمته أولا، وسواء فرط أو لا، وسواء تعيب بفعل الله أو فعل غير الله فعليه بدله، لأن عليه دمًا سليمًا، ولم يوجد ذلك، فلم يجزئه، وكما لو كان الرجل عليه دين فاشترى منه مكيلاً، فتلف قبل قبضه انفسخ البيع، وعاد الدين في ذمته، وفي الإنصاف: لا خلاف في ضمان صاحبها إذا أتلفها مفرطًا، فإن ضمنها بمثلها وأخرج فضل القيمة جاز، ويشتري بها شاة أو سبع بدنة بلا نزاع.
(3)
كما لو غصب ونحوه فيجب عليه نظيره، وكذا قال غير واحد: يلزمه نظيره ولو زاد عما في ذمته، وإن أتلفها أجنبي فعليه قيمتها، قال في الإنصاف: بلا نزاع، وإن عطب الهدي في الطريق نحره في موضعه، وصبغ نعله في دمه، وضرب به صفحته، ليعرفه الفقراء فيأخذوه، ولا يأكل هو ولا أحد من رفقته، لحديث ابن عباس رواه مسلم، والعلة أن لا يقصر في حفظها، فيعطبها ليتناول هو ورفقته منها، وقال أحمد: ما كان من واجب فعطب أو مات فعليه البدل، وإن شاء باعه أو نحره يأكل منه، ويطعم، وإن كان تطوعًا فعطب فلينحره ولا يأكل منه هو ولا أحد من أهل رفقته، وليخله للناس.
وليس له استرجاع معيب وضال ونحوه وجده (1)(والأضحية سنة) مؤكدة على المسلم (2) وتجب بنذر (3)(وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها)(4) .
(1) أي ليس لمن نحر بدل ما ذكر استرجاعه وإبقاؤه على ملكه، بل يلزمه ذبحه إذا وجده، ويتعين للفقراء ولو ذبح بدله، في أصح الروايتين لفعل عائشة لما أهدت هديين فأضلتهما، فبعث إليها ابن الزبير بهديين فنحرتهما ثم عاد الضالان فنحرتهما، وقالت: هذا سنة الهدي، رواه الدارقطني وروي عن عمر، وابنه، وابن عباس.
(2)
وهو مذهب أبي حنيفة، والشافعي، وأكثر أهل العلم، وصرح به ابن القيم، وابن نصر الله، لفعله صلى الله عليه وسلم وفعل خلفائه وعنه: واجبة ذكرها جماعة، واختارها أبو بكر، وغيره من الأصحاب، وذهب أبو حنيفة، ومالك، وغيرهما إلى القول بوجوبها على من ملك نصابا، وزاد أبو حنيفة اشتراط الإقامة، لحديث «من وجد سعة فلم يضح، فلا يقربن مصلانا» رواه أحمد وغيره، وقال ابن عمر: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين يضحي وقال الشيخ: الأضحية من النفقة بالمعروف، فتضحي المرأة من مال زوجها عن أهل البيت بلا إذن ومدين لم يطالبه رب الدين، وقال في الرعاية وغيرها: يكره تركها مع القدرة نص عليه.
(3)
كالهدي يجب بنذره، كقوله لله علي كذا لقوله صلى الله عليه وسلم «من نذر أن يطيع الله فليطعه» .
(4)
لأنه صلى الله عليه وسلم وخلفاءه بعده واظبوا عليها، وعدلوا عن الصدقة بثمنها، وهم لا يواظبون إلا على الأفضل، وهي عن ميت أفضل، لعجزه، واحتياجه للثواب، ويعمل بها كأضحية الحي، قال الشيخ وابن القيم وغيرهما، التضحية عن الميت أفضل من الصدقة بثمنها.
كالهدي والعقيقة (1) لحديث «ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة الدم» (2) .
(وسن أن يأكل) من الأضحية (ويهدي ويتصدق أثلاثا)(3) فيأكل هو وأهل بيته الثلث، ويهدي الثلث، ويتصدق بالثلث، حتى من الواجبة (4) .
(1) ذبحها أفضل من الصدقة بثمنها، لفعله صلى الله عليه وسلم وخلفائه، والتابعين، وقال أحمد وغيره: إحياء السنن واتباعها أفضل.
(2)
«وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها، وأظلافها، وأشعارها، وإن الدم ليقع عند الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفسًا» رواه ابن ماجه، والترمذي وحسنه وللطبراني «ما أنفق الورق في شيء أفضل من نحيرة في يوم عيد» ، وقال تعالى لما أخبر أنه الغني فلا تناله:{لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} أي يرفع إليكم منكم التقوى، والأعمال الصالحة الخالصة.
(3)
لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} والقانع السائل، والمعتر المتعرض لك تطعمه، فتقسم أثلاثا، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«كلوا وادخروا وتصدقوا» وفي رواية «فكلوا وأطعموا وتصدقوا» وهو أحد قولي الشافعي، ولم يقدر أبو حنيفة ومالك ذلك، وإنما قالا: يأكل ويتصدق، ويهدي وقال ابن عمر: الهدايا والضحايا ثلث لك، وثلث لأهلك، وثلث للمساكين وهو قول ابن مسعود، ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة وقيل: يأكل النصف، ويتصدق بالنصف، لقوله:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} ومن أهدي له أوتصدق عليه بجلد الأضحية أو الهدي جاز التصرف فيه بما شاء، من بيع وغيره.
(4)
أي بنذر، أو تعيين، أو وصية، أو وقف على أضحية ونحو ذلك
وقال الشيخ: مما عينه، لا عمَّا في ذمته، وجمهور الأصحاب أنه لا يأكل من الأضحية المنذورة وصرح بعضهم بعدم جواز أكل الوكيل من أضحية موكله بلا نص، ومال الشيخ أبا بطين إلى الجواز، واختار أبو بكر، والقاضي، والموفق والشارح الجواز.
وما ذبح ليتيم، أو مكاتب لا هدية ولا صدقة منه (1) وهدي التطوع، والمتعة، والقران، كالأضحية (2) والواجب بنذر أو تعيين لا يأكل منه (3) .
(وإن أكلها) أي الأضحية (إلا أوقية تصدق بها جاز)(4) لأن الأمر بالأكل والإطعام مطلق (5) .
(1) بل يوفر لهم وجوبًا كما يأتي في الحجر، لأن الصدقة لا تحل من ماله تطوعًا، جزم به الموفق وغيره، وقال في الإنصاف: لو قيل بجواز الصدقة والهدية منها باليسير عرفًا لكان متجهًا.
(2)
يأكل ويتصدق ويهدي ولا ريب في هدي التطوع وفي الإنصاف: بلا نزاع، ودم المتعة والقران سببه غير محظور، فأشبها هدي التطوع.
(3)
ظاهره الإطلاق، وهو غير مراد، بل مقيد بما إذا كان واجبًا في الذمة ثم عينه، لا ما عين ابتداءً، قال الموفق وجماعة: أن يأكل من هدي التطوع وسواء في ذلك ما أوجبه بالتعيين من غير أن يكون واجبًا في ذمته، وما نحره تطوعًا من غير أن يوجبه، قال الشيخ: مما عينه، لا عمَّا في ذمته.
(4)
عند جمهور أهل العلم، وقيل: أدنى جزء، وهو المشهور عن الشافعي، وأجازها مطلقًا، وقد حمل الجمهور الأمر بالصدقة على الاستحباب في أضحية التطوع.
(5)
أي من غير تقييد، فيعم القليل والكثير ويخرج عن العهدة بصدقته
بالأقل وللترمذي وصححه، كان الرجل من الصحابة يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون ويجوز الادخار، إلا في مجاعة لأنه سبب تحريمه، واختاره الشيخ، قال في الإنصاف: وهو ظاهر في القوة.
(وإلا) يتصدق منها بأوقية بأن أكلها كلها (ضمنها) أي الأوقية بمثلها لحمًا (1) لأنه حق يجب عليه أداؤه مع بقائه، فلزمته غرامته إذا أتلفه كالوديعة (2)(ويحرم على من يضحي) أو يضحى عنه (3)(أن يأخذ في العشر) الأول من ذي الحجة (من شعره) أوظفره (أو بشرته شيئا) إلى الذبح لحديث مسلم عن أم سلمة مرفوعا «إذا دخل العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره، ولا من أظفاره شيئًا حتى
(1) للأثر بالإطعام منها، لا بقيمتها، هذا مذهب جمهور العلماء.
(2)
في أنه يضمنها بإتلافها، قال في المبدع: ويتوجه، لا يكفي التصدق بالجلد والقرن.
(3)
أي من يضحي لنفسه، أو يضحي عنه غيره في قول، ولم يدل عليه الأثر، والوجه الثاني: يكره نص عليه واختاره القاضي وجماعة، قال في الإنصاف: وهو أولى وأما إذا ضحى عن غيره فلا يحرم عليه حلق ونحوه، ولا يكره.
ولو بواحدة كمن يضحي بأكثر منها، لعموم (حتى يضحي) قال الوزير اتفقوا على أنه يكره لمن أراد الأضحية أن يأخذ من شعره وظفره من أول العشر، إلى أن يضحي وقال أبو حنيفة: لا يكره.
يضحي (1) وسن حلق بعده (2) .
(1) وفي رواية «لا يمس من شعره أو بشرته شيئًا» والحكمة أن يبقى كامل الأجزاء، ليعتق من النار، فإن فعل شيئا من ذلك استغفر الله، ولا فدية عليه، عمدًا كان أو سهوًا إجماعًا.
(2)
أي بعد الأضحية، وقيل: وإن لم يضح، لقوله لمن لم يجد «ولكن تأخذ من شعرك، وتقلم أظفارك، وتقص شاربك» رواه أبو داود وغيره، وعنه: ليس بسنة، ولا مستحب مطلقا، اختاره الشيخ.
فصل (1)
(تسن العقيقة) أي الذبيحة عن المولود في حق أب (2) ولو معسرًا ويقترض (3) قال أحمد: العقيقة سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عقَّ عن الحسن والحسين (4) وفعله أصحابه (5) .
(1) في العقيقة، وبيان مشروعيتها، -وهي في الأصل- صوف الجذع وشعر كل مولود من الناس والبهائم، الذي يولد وهو عليه، وقال الوزير: هي في اللغة أن يحلق عن الغلام أو الجارية شعرهما الذي ولدا به، ويقال لذلك عقيقة وإنما سميت الشاة عقيقة لأنها تذبح في اليوم السابع، وهو اليوم الذي يعق فيه شعر الغلام الذي ولد وهو عليه، أي يحلق.
(2)
أي فلا يعق غيره إلا إن تعذر بموت أو امتناع، وقالوا: فلو تركها الأب لم يسن للمولود أن يعقَّ عن نفسه، سواء كان غنيًّا أو فقيرًا، وبعد بلوغه فلا تسمى عقيقة، واستحب جمع أن يعق عن نفسه إذا بلغ، قال في الرعاية: تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولأنها مشروعة عنه، ومرتهن بها، فينبغي أن يشرع له فكاك نفسه، وقال الشيخ: يعق عن اليتيم كالأضحية وأولى، لأنه مرتهن بها.
(3)
قال أحمد: إن استقرض رجوت أن يخلف الله عليه، أحيا سنة، وقال الشيخ: محله لمن له وفاء.
(4)
رواه أبو داود وغيره.
(5)
وكذا التابعون، وهو مذهب الشافعي، وقال مالك: وهو الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا، وعن أحمد: واجبة: اختارها أبو بكر وغيره، وقال الحسن
عن سمرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«كل غلام مرتهن بعقيقته» وفي الصحيح «مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دمًا، وأميطوا عنه الأذى» وقال «كل غلام رهين بعقيقته» صححه الترمذي، وقال أحمد: مرتهن عن الشفاعة لوالديه، وقال ابن القيم: في حسن أخلاقه وسجاياه، إن عق عنه صار سببا في ذلك.
ودل الحديث على أنها لازمة لا بد منها، فإنه شبه لزومها بالرهن، فهي سنة مؤكدة، ولو بعد موت المولود، مشروعة في قول الجمهور، وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها، لأنها سنة، ونسيكة مشروعة بسبب تجدد نعمة الله على الوالدين، وفيها معنى القربان، والشكران، والصدقة والفداء، وإطعام الطعام عند السرور، فإذا شرع عند النكاح، فلأن يشرع عند الغاية المطلوبة، وهو وجود النسل أولى.
(عن الغلام شاتان) متقاربتان سنا وشبها (1) فإن عدم فواحدة (2) .
(1) وهذا مذهب الشافعي، وللنسائي: عق النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين، كبشين كبشين، ولأبي داود وغيره، كبشًا كبشًا، ولكن تضمنت رواية النسائي الزيادة فكان أولى، إذ قد صح من قوله صلى الله عليه وسلم كما يأتي، وحكي تواتره، وهو أعم، والله فضله على الأنثى، فتلحق العقيقة به، ويدل القول على الاستحباب، والفعل على الجواز، وتتفق السنة قال ابن القيم: والتفضيل تابع لشرف الذكر، وما ميزه الله به على الأنثى، ولما كانت النعمة به على الوالد أتم، والسرور والفرحة به أكمل، فكان الشكران عليه أكثر، فإنه كلما كثرت النعمة كان شكرها أكثر.
(2)
أي فإن عدم الشاتين فشاة واحدة، أي لكل واحدة شاة، ولو ولدا في بطن، فلكل حكمه، قال ابن عبد البر: لا أعلم عن أحد من العلماء خلافه، وتجزئ كما يأتي.
(وعن الجارية شاة)(1) لحديث أم كرز الكعبية، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «عن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الجارية شاة» (2) .
(تذبح يوم سابعه) أي سابع المولود (3) ويحلق فيه رأس ذكر (4) ويتصدق بوزنه ورقا (5) ويسمى فيه (6) .
(1) وفاقًا، قال ابن القيم: سنة عن الجارية، كما هي سنة عن الغلام، وهو قول جمهور أهل العلم من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم.
(2)
رواه أحمد والترمذي وصححه، من حديث عائشة ولأنها على النصف من أحكام الذكر، و «متكافئتان» أي متساويتان سنا وشبها، وفي الشمائل: بأن تكون هذه نظيرة هذه، ولعله للتفاؤل بتناسب أخلاقه، فإنه يعجبه الفأل «وأم كرز» بضم الكاف، وسكون الراء بعدها زاي، المكية صحابية لها أحاديث.
(3)
وفاقا، والتقييد بذلك استحباب، فلو ذبح في الثالث، أو التاسع، أو غيرها أجزأ، والحكمة والله أعلم أن الطفل حين يولد متردد فيه بين السلامة والعطب، إلى أن يأتي عليه ما يستدل به على سلامة بنيته وأقل مقداره أيام الأسبوع.
(4)
أي في يوم سابعه استحباب وفاقا، قال ابن عبد البر: كانوا يستحبون ذلك، وقد ثبت أنه قال «ويحلق رأسه»
(5)
أي فضة لقصة فاطمة وغيرها، وأما الأنثى فيكره.
(6)
أي في اليوم السابع، وفي السنن وغيرها «يذبح عنه يوم سابعه ويسمى» وفي الشرح: وإن سماه قبله فحسن، وفي قوله تعالى:{وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} دليل على جوازه يوم الولادة، وفي الصحيحين «ولد لي الليلة ولد، سميته باسم أبي إبراهيم
وفيهما عن أنس أنه ذهب بأخيه إليه صلى الله عليه وسلم حين ولدته أمه، فحنكه وسماه عبد الله، وسمى المنذر، وسمى غيره، وقال لرجل «سم ابنك عبد الرحمن» وذلك يوم الولادة، وقال البيهقي: باب تسمية المولود يوم يولد اهـ وهو أصح من السابع، وحقيقة التسمية تعريف الشيء المسمى، فتعريف المولود يوم الولادة أولى، ويجوز إلى يوم العقيقة، وقبله وبعده.
قال ابن القيم: والأمر فيه واسع، والتسمية للأب، فلا يسمِّى غيره مع وجوده، والتسمية واجبة، وقال ابن حزم: اتفقوا على أن التسمية للرجال والنساء فرض» .
ويسن تحسين الاسم (1) ويحرم بنحو عبد الكعبة، وعبد النبي، وعبد المسيح (2) ويكره بنحو حرب ويسار (3) .
(1) وفاقا لحديث «إنكم تدعون بأسمائكم، وأسماء آبائكم، فأحسنوا أسماءكم» رواه أبو داود: أي تدعون على رءوس الأشهاد بالاسم الحسن، والوصف المناسب له، وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن، ولما جاء سهيل يوم الحديبية قال:«سهل أمركم» وفي تحسين الأسماء تنبيه على تحسين الأفعال.
(2)
وعبد علي، وعبد الحسين، وعبد النور، وروى ابن أبي شيبة عن شريح ابن هانئ، أنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم قوم، فسمعهم يسمون رجلا عبد الحجر، فقال:«إنما أنت عبد الله» وقال ابن حزم: اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله، كعبد عمر، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك، حاشا عبد المطلب، لأنه إخبار، كبني عبد الدار، وعبد شمس، ليس من باب إنشاء التسمية بذلك، ويحرم بنحو مالك الأملاك، ففي الصحيحين «إن أخنع اسم
عند الله رجل تسمى ملك الأملاك، لا مالك إلا الله» وكذا قاضي القضاة وسيد الناس.
(3)
كالعاص، وكلب، وشيطان، وعتلة، وحباب، وشهاب، وحنظلة، ومرة، وحزن، وحية، وثبت «أقبحها حرب ومرة» وكره صلى الله عليه وسلم
مباشرة الاسم القبيح من الأشخاص والأماكن، وذلك لأنه لما كانت الأسماء قوالب للمعاني، ودالة عليه، فتضمنت الحكمة الإلهية أن يكون بينها ارتباطا وتناسبا، وأن لا تكون معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها، فإن حكمة أحكم الحاكمين تأبى ذلك، والواقع يشهد بخلافه، بل لها تأثير في المسميات وللمسميات تأثر عن أسمائها في الحسن، والقبح، والخفة، والثقل، واللطافة، والكثافة.
وثبت «لا تسمين غلامك يسارا، ولا رباحا، ولا نجاحا، ولا أفلح، فإنك تقول: أثمة هو. فلا يكون، فيقال: لا» أي فتوجب تطيرا تكرهه النفوس، ويصدها عما هي بصدده، فاقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن يمنعهم من أسماء توجب لهم سماع المكروه أو وقوعه، وأن يعدل عنها إلى أسماء تحصل المقصود من غير مفسدة، أو لئلا يسمى يسارا من هو أعسر الناس، ونجيحًا من لا نجاح عنده، ورباحا من هو من الخاسرين، فيكون قد وقع في الكذب، أو يطالب بمقتضى اسمه فلا يوجد عنده، فيجعل سببا لذمه، أو يعتقد في نفسه أنه كذلك فيقع في تزكية نفسه وتعظيمها، فيكره بالتقيف، والمتقي والراضي، والمحسن، والمرشد، ونهى الشارع أن يسمى «برة»
ويكره أن يستعمل الاسم الشريف المصون، في حق من ليس كذلك، والمهين في حق من ليس من أهله، وإن لقب بما يصدقه فعله جاز، ويحرم ما لم يقع على مخرج صحيح، ولا يكره بأبي القاسم بعد موته صلى الله عليه وسلم وقد وقع من الأعيان ولم ينكر، والجمع بين اسمه وكنيته ممنوع، جزم به في الغنية، ويجوز بأي فلان، وفلانة كبيرًا كان أو صغيرًا، إجماعًا، ويجوز التصغير مع عدم الأذى.
وقال أبو جعفر النحاس: لا نعلم بين العلماء خلافا أنه لا ينبغي أن يقول أحد
لأحد من المخلوقين: مولاي، ولا يقول: عبدك ولا عبدي، وإن كان مملوكا، ولمسلم «لا يقل أحدكم عبدي وأمتي، كلكم عبيد الله وإماؤه، ولا ربي ومولاي، فإن مولاكم الله» وقد حظر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم على المملوكين، فيكف بالأحرار، ومنهم من كره أن يقال: يا سيدي. أدبًا مع الله عز وجل، وأجازه بعضهم لغير منافق للخبر، وينبغي أن لا يرضى المخاطب بذلك، وأن ينكره، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«السيد الله تبارك وتعالى» الذي يستحق السيادة، وأحب التواضع.
وأحب الأسماء عبد الله وعبد الرحمن (1) .
(1) لحديث «إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله، وعبد الرحمن» رواه مسلم وغيره، وقال «يا بني عبد الله، إن الله قد أحسن اسمكم، واسم أبيكم» لتعبيدهم لله، وقال ابن حزم: اتفقوا على استحسان الأسماء المضافة إلى الله تعالى، قال ابن القيم: ولما كان الاسم مقتضيًا لمسماه، ومؤثرا فيه، كان أحب الأسماء إلى الله ما اقتضى أحب الأوصاف إليه، كعبد الله، ضد ملك الأملاك ونحوه، فإن ذلك ليس لأحد سوى الله، فتمسيته بذلك من أبطل الباطل، ويليه قاضي القضاة وسيد الناس، ولأبي داود «تسموا بأسماء الأنبياء» لأن الاسم يذكر بمسماه ويقتضي التعلق بمعناه.
ويسن الأذان في يمنى أذني المولود، والإقامة في اليسرى، لحديث «من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى، لم تضره أم الصبيان» أي التابعة من الجن، رواه البيهقي وغيره، وأذن عليه الصلاة والسلام في أذن الحسين، حين ولدته فاطمة صححه الترمذي، وليكن التوحيد أول شيء يقرع سمعه حين خروجه إلى الدنيا، كما يلقن عند خروجه منها، ولما فيه من طرد الشيطان، فإنه ينفر عن سماع الأذان، ويسن تحنيكه، لما في الصحيحين من حديث أبي موسى، وأنس: وحنكه بتمرة زاد البخاري: ودعا له.
ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه، فإنه ينشأ على ما عوده المربي من حرد، وغضب ولجاجة، وعجلة، وخفة مع هواه، وطيش، وحدة وجشع، فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك، وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة له، فلو تحرز منها غاية التحرز فضحته، ولا بد يوما ما يعاودها، ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم، وذلك من التربية التي نشئوا عليها، وكذلك يجب أن يجتنب الصبي إذا عقل مجالس الباطل واللهو، فإنه إذا علق سمعه عسر عليه مفارقته في الكبر وعزَّ على وليه استنقاذه منها، وتغيير العوائد من أصعب الأمور، يحتاج صاحبها إلى استحداث طبيعة ثانية، والخروج عن حكم الطبع عسر جدًّا.
(فإن فات) الذبح يوم السابع (ففي أربعة عشر (1) فإن فات ففي إحدى وعشرين) من ولادته، روي عن عائشة (2) ولا تعتبر الأسابيع بعد ذلك (3) فيعق في أي يوم أراد (4) .
(1) ليأتي عليه أسبوع ثان، وهو مذهب الجمهور.
(2)
رضي الله عنها، قال الميموني: قلت لأبي عبد الله: متى يعق عنه؟ قال: أما عائشة فتقول: سبعة أيام، وأربع عشرة، وإحدى وعشرين، وقال الترمذي: العمل عليه عند أهل العلم، يستحبون أن يذبح عن الغلام العقيقة يوم السابع، فإن لم يتهيأ يوم السابع فيوم الرابع عشر، فإن لم يتهيأ عق عنه يوم إحدى وعشرين.
(3)
أي بعد الأيام التي ذكرها ولا آخر لوقتها.
(4)
ولو بعد بلوغ ولده، لأنه قضاء، فلا يتوقف على وقت معين، وإن اتفق وقت عقيقة وأضحية فعق أو ضحى أجزأ عن الآخر، كما لو ولد له أولاد في يوم أجزأت عقيقة واحدة، أو ذبح أضحية يوم النحر وأقام سنة الوليمة في
عرسه أجزأت، لحصول المقصود، كالجمعة والعيد إذا اجتمعا، وصوبه في تصحيح الفروع، قال أحمد: أرجو أن تجزئ الأضحية عن العقيقة لمن لم يعق، وكر أنه قال به غير واحد من التابعين، وقال ابن القيم: ووجه الإجزاء حصول المقصود منها بذبح واحد.
والأضحية عن المولود مشروعة كالعقيقة عنه، فإذا ضحى ونوى أن تكون عقيقة وأضحية واقع عنهما، كما لو صلى ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة المكتوبة، أو صلى بعد الطواف فرضًا أو سنة وقع عن ركعتي الطواف، وكذا لو ذبح المتمتع والقارن شاة يوم النحر أجزأت عن دم المتعة والأضحية وصرح به شيخ الإسلام.
(تنزع جدولاً) جمع جدل بالدال المهملة أي أعضاء (1)(ولا يكسر عظمها) تفاؤلا بالسلامة (2) كذلك قالت عائشة رضي الله عنها (3) وطبخها أفضل (4) ويكون منه بحلو (5)(وحكمها) أي حكم العقيقة فيما يجزئ ويستحب ويكره (6) .
(1) كاليد وحدها، أو الرجل وحدها، ونحو ذلك.
(2)
قاله الوزير وغيره، وقال مالك: ليس فعل ذلك بمستحب ولا بممنوع، ولا بأس به، وقال الزرقاني: لا يلتفت إلى قول من يقول: فائدته التفاؤل بسلامة الصبي وبقائه، إنه لا أصل له من الكتاب، ولا سنة، ولا عمل.
(3)
تطبخ جدولا لا يكسر لها عظم.
(4)
نص عليه للخبر.
(5)
تفاؤلا بحلاوة أخلاقه، ويستحب أن تعطى القابلة فخذ العقيقة.
(6)
أي حكم العقيقة كالأضحية فيما يجزئ من إبل وبقر وغنم وفيما
يستحب، كالسلامة من كل عيب مما مر ونحوه، وكاستسمان، واختيار الأفضل، وفيما يكره، كمعيبة الأذن والألية، ونحو شق أو قطع.
والأكل، والهدية، والصدقة (كالأضحية)(1) لكن يباع جلد ورأس وسواقط، ويتصدق بثمنه (2) (إلا أنه لا يجزئ فيها) أي في العقيقة (شرك في دم) فلا تجزئ بدنة ولا بقرة إلا كاملة (3) قال في النهاية: وأفضلها شاة (4)(ولا تسن الفرعة) بفتح الفاء والراء: نحر أول ولد الناقة (5) .
(1) وفاقا لأنها نسيكة مشروعة، أشبهت الأضحية، بل بسبب تجدد نعمة الله على الوالدين، وفداء يفديه عند ولادته بذبح يذبح عنه، كما فدى الخليل، وصار سنة بعده، ونفس الذبح، وإراقة الدم عبادة مقرونة بالصلاة، فأما الأكل فقال أحمد: يأكل ويطعم جيرانه، لكن لا يعتبر فيها تمليك بخلاف هدي وأضحية.
(2)
استدراك من قوله: وحكمها إلخ، يفيد جواز بيع ما ذكر من العقيقة دون الأضحية، لأن الأضحية أدخل منها في التعبد، وهذا عند بعض أهل العلم، ولم يرد عن السلف بيع ما ذكر منها بخصوصها.
(3)
نص عليه، لكونها فدية عن النفس، فلا تقبل التشريك ولم يرد الاجتزاء فيها بشرك، ولم يفعله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولا التابعون.
(4)
يعني أن الشاة أفضل من البدنة والبقرة، لأنه لم يرد أنه عق بهما، ويقول:«باسم الله والله أكبر، اللهم لك وإليك» ، هذه عقيقة فلان، لحديث عائشة رواه ابن المنذر وحسنه.
(5)
كانوا يذبحونه في الجاهلية لآلهتهم، رجاء البركة في نسلها، ويأكلون لحمه، ويلقون جلده على شجرة.
(ولا) تسن (العتيرة) أيضا وهي ذبيحة رجب (1) لحديث أبي هريرة مرفوعًا «لا فرع ولا عتيرة» متفق عليه (2) ولا يكرهان (3) والمراد بالخبر نفي كونهما سنة (4) .
(1) بوزن عظيمة، كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب، ويسمونها الرجبية، ومنهم من ينذرها، تذبح للصنم، فيصب دمها على رأسه، وجعلوا ذلك في رجب سنة فيما بينهم، كالأضحية في الأضحى.
(2)
قال ابن المنذر: فانتهى الناس عنهما لنهيه إياهم عنهما، ومعلوم بأن لا يكون إلا عن شيء قد كان يفعل، ولا نعلم أن أحدا من أهل العلم يقول: نهى عنهما ثم أذن فيهما، ولأنهما من أعمال الجاهلية، وفي الحديث:«من تشبه بقوم فهو منهم» وشرع الله الأضحية بدل ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من الفرع والعتير، وورد في المسند وغيره «من شاء أفرع ومن شاء لم يفرع، ومن شاء عتر ومن شاء لم يعتر، وفي الغنم أضحية» وجاء في السنن ما يدل على إباحتها إذا كانت على غير الوجه الذي كانت عليه في الجاهلية، بإدخالها في عموم الصدقة، وهذا ولا شك مع إجماع عوام علماء الأمصار على عدم استعمالهم ذلك، وقوف عن الأمر بهما، مع ثبوت النهي عن ذلك.
(3)
أي الفرعة والعتيرة عند جمهور العلماء، إذا لم يكن على وجه التشبه، بما كان عليه أهل الجاهلية، لأخبار النهي عن التشبه بهم، وللطبراني من حديث أبي «أعقر كعقر الجاهلية» .
(4)
أي بقوله «لا فرع ولا عتيرة» وفي رواية (في الإسلام) فلو ذبح شاة في رجب على وجه الصدقة، من غير تشبه بالجاهلية، أو ذبح ولد الناقة لحاجة إلى ذلك، أو للصدقة به وإطعامه، لم يكن ذلك مكروهًا.