المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌«من وقف بعرفة، ساعة من ليل أو نهار، فقد تم حجه» - حاشية الروض المربع لابن قاسم - جـ ٤

[عبد الرحمن بن قاسم]

فهرس الكتاب

- ‌كره إخراج تراب الحرم، وحجارته

- ‌لا يشرع صعود جبل الرحمة

- ‌«من وقف بعرفة، ساعة من ليل أو نهار، فقد تم حجه»

- ‌ الإفاضة من مزدلفة قبل طلوع الشمس

- ‌«من قدم شيئا قبل شيء فلا حرج»

- ‌ يخطب الإمام بمنى يوم النحر

- ‌السنة أن يرمي، ثم ينحر، ثم يحلق، ثم يطوف

- ‌تضمن حجه ست وقفات للدعاء

- ‌إن أخطأ الناس، فوقفوا في الثامن، أو العاشر أجزأهم

-

- ‌كتاب الجهاد

- ‌يقسم فاضل بين أحرار المسلمين

- ‌ أخذ الجزية من جميع الكفار

- ‌فصل في أحكام أهل الذمة

- ‌ليس لكافر دخول مسجد، ولو أذن له مسلم

-

- ‌كتاب البيع

- ‌ لفظ الإيجاب والقبول، يشتمل على صور العقد

- ‌ الخامس (أن يكون) المعقود عليه (مقدورًا على تسليمه)

- ‌ يجوز دخول الأرض المملوكة لأخذ الماء والكلأ

- ‌ السابع (أن يكون الثمن معلومًا) للمتعاقدين

- ‌ البيعتان في بيعة هو الشرطان في البيعة

- ‌«الثاني» ما يصح معه البيع

- ‌باب الخياروقبض المبيع والإقالة

- ‌ يجوز (لمن له الخيار الفسخ

- ‌ ما لم يعلم عيبه بدون كسره

- ‌باب بيع الأصول والثمار

الفصل: ‌«من وقف بعرفة، ساعة من ليل أو نهار، فقد تم حجه»

(ومن وقف ليلا فقط فلا) دم عليه (1) قال في شرح المقنع: لا نعلم فيه خلافا (2) لقول النبي صلى الله عليه وسلم «من أدرك عرفات بليل، فقد أدرك الحج» (3)(ثم يدفع بعد الغروب) مع الإمام أو نائبه (4) على طريق المأزمين (5) .

(1) لأنه لم يتصور منه انصراف قبل الغروب، وأجزأه الوقوف ليلاً، بالنص والإجماع، وأشبه من منزله دون الميقات.

(2)

وكذا قاله الموفق وغيره، وفي الإنصاف: بلا نزاع.

(3)

وللخمسة «من جاء ليلة جمع، قبل طلوع الفجر، فقد أدرك الحج» ، وتقدم قوله:

«من وقف بعرفة، ساعة من ليل أو نهار، فقد تم حجه»

.

(4)

لحديث علي «دفع حين غابت الشمس» رواه أبو داود، وقال: صحيح وفي حديث جابر: «لم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا» ، رواه مسلم، ولأن فيه إظهار مخالفة المشركين، فإنهم كانوا يدفعون قبل أن تغيب الشمس، فقال:«وإنا ندفع بعد أن تغيب، مخالفا هدينا هديهم» وقال في المزدلفة عكسه، والأفضل أن يقف في مكانه، كيلا يؤذي ويخالف السنة

(5)

بالهمزة، وكسر الزاي، مضيق بين الجبلين الذين بين عرفة ومزدلفة وكل طريق بين جبلين يقال له «مأزم» فالسنة في رجوعه من عرفة أن يكون على على طريق المأزمين، قال الشيخ: وهو طريق الناس اليوم، وإنما قال الفقهاء: على طريق المأزمين، لأنه إلى عرفة طريق أخرى، تسمى طريق ضب، ومنها دخل إلى عرفات، وخرج على طريق المأزمين، وكان في الأعياد والمناسك يذهب من طريق ويرجع من أخرى، وقال: إذا غربت الشمس يخرجون إن شاءوا بين العلمين وإن شاءوا من جانبيها، والعلمان الأولان حدود عرفة، فلا يجاوزونهما حتى تغرب الشمس، والميلان بعد ذلك حد الحرم، وما بينهما بطن عرنة.

ص: 139

(إلى مزدلفة) وهي ما بين المأزمين، إلى وادي محسر (1) ويسن كون دفعه (بسكينة)(2) لقوله عليه السلام «أيها الناس السكينة السكينة» (3)(ويسرع في الفجوة)(4) .

(1) وكذا ما على يمين ذلك، وشماله من الشعاب، ونبهوا على ذلك، ليعلم أن أي موضع وقف الحاج منها أجزأ لأنه صلى الله عليه وسلم وقف بجمع، وقال:«ارفعوا عن بطن محسر» ومحسر بضم الميم، وفتح الحاء، وكسر السين المشددة بعدها راء، واد معروف، بين مزدلفة ومنى، ويأتي «ومزدلفة» سميت بذلك من الزلف، وهو التقرب، لأن الحاج إذا أفاضوا من عرفة ازدلفوا إلى منى، أي تقربوا منها، ومضوا إليها، وتسمى جمعا، لاجتماع الناس بها، قال البغوي وغيره: هي ما بين جبلي المزدلفة، وليس المأزمان، ولا المحسر من المشعر الحرام.

وسئل عليه الصلاة والسلام عن المشعر، فسكت حتى هبطت أيدي رواحلنا بالمزدلفة، فقال:«هذا المشعر الحرام» وكلها موقف إجماعا، قال الشيخ: يقال لها المشعر الحرام، وهي ما بين مأزمي عرفة إلى بطن محسر، وكلها موقف، لكن الموقف عند قزح أفضل، وهو جبل الميقدة، وهو المكان الذي يقف فيه الناس اليوم، وقد بني عليه بناء، وهو المكان الذي يخصه كثير من الفقهاء بالمشعر الحرام.

(2)

أي تؤدة ووقار، وخضوع مستشعرًا فضل تلك المشاعر والوقت، مستغفرًا ذاكرا لله تعالى، وملبيا، لقوله:«ولم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة» .

(3)

بالنصب على الإغراء، أي الزموا السكينة، ألزموا السكينة، لما يرى من شدة انزعاجهم كما هو الواقع.

(4)

بفتح الفاء وسكون الجيم، الفرجة بين الشيئين والمتسع أي سعة الطريق، قال الشيخ وغيره: ولا يزاحم الناس.

ص: 140

لقول أسامة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير العنق، فإذا وجد فجوة نص، أي أسرع (1) لأن العنق انبساط السير (2) والنص فوق العنق (3)(ويجمع بها) أي بمزدلفة، (بين العشائين)(4) أي يسن لمن دفع من عرفة أن لا يصلي المغرب حتى يصلي إلى مزدلفة، فيجمع بين المغرب والعشاء، من يجوز له الجمع (5) قبل حط رحله (6) .

(1) أي أسرع سيره فوق المعتاد، متفق عليه، ولمسلم عن جابر «أيها الناس السكينة السكينة» ، كلما أتى حبلا أرخى لها قليلا حتى تصعد، والعنق بفتحات آخرها قاف.

(2)

وأعنقت الدابة، سارت سيرا واسعا فسيحا ممتدا.

(3)

نص الدابة استحثها شديدا.

(4)

بلا نزاع، وقال ابن المنذر وغيره: لا اختلاف بين العلماء، أن السنة الجمع بينهما، لفعله صلى الله عليه وسلم رواه جابر وابن عمر وأسامة، والسنة أن لا يتطوع بينهما بلا نزاع.

(5)

أي فالسنة بالإجماع لمن دفع من عرفة إلى المزدلفة، أي لا يصلي المغرب حتى يصل إلى المزدلفة، فيجمع بين المغرب والعشاء، بأذان واحد، وإقامتين لفعله صلى الله عليه وسلم وقالوا: لمن يجوز له الجمع، وتقدم أنه كان يصلي معه صلى الله عليه وسلم جميع الحجاج أهل مكة وغيرهم، قصرا وجمعا، كما جاءت بذلك الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن من قال: لا يجوز إلا لمن كان منهم على مسافة قصر فهو مخالف للسنة.

(6)

وتبريك الجمال، فإذا صلى المغرب حط عن رحله ثم أقام الصلاة

ثم صلى العشاء، لما في الصحيح: ثم أقيمت الصلاة، فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء فصلاها، وقال الشيخ: فإذا وصل إلى المزدلفة صلى المغرب قبل تبريك الجمال إن أمكن، ثم إذا بركوها صلوا العشاء، وإن أخر العشاء لم يضره ذلك.

ص: 141

وإن صلى المغرب بالطريق ترك السنة وأجزأه (1)(ويبيت بها) وجوبا (2) لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها، وقال «خذوا عني مناسككم» (3) .

(1) أي فعلها، لأن كل صلاتين جاز الجمع بينهما جاز التفريق، كالظهر والعصر بعرفة، والسنة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم: الجمع بينهما ومن فاتته الصلاة مع الإمام بمزدلفة، أو بعرفة جمع ولو وحده، لفعل ابن عمر، ولأن كل جمع جاز مع الإمام جاز منفردا.

(2)

أي بمزدلفة، قال الوزير وغيره: أجمعوا أنها تجب البيتوتة جزءا من الليل في الجملة، إلا مالكا، فقال: سنة، وهو قول للشافعي، ويتأكد المبيت والوقوف بمزدلفة بأمور، منها قول:«من صلى صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وكان وقد وقف بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه» صححه الترمذي وغيره، وقوله تعالى:{فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خرج مخرج البيان لهذا الذكر المأمور به، وينبغي أن يجتهد تلك الليلة في الدعاء والتضرع، فإنها ليلة عيد، جامعة لأنواع الفضل، من الزمان والمكان، وأمر الله بذكره فيها، وليس بركن لحديث «الحج عرفة» .

(3)

فيجب المبيت بها، لفعله صلى الله عليه وسلم المستفيض، وفي الحديث: ثم رقد بعد الصلاة، ولم يحي تلك الليلة، ولا صح عنه في إحياء ليلتي العيدين شيء، كما حكاه ابن القيم وغيره، وقال الشيخ: السنة أن يبيت بها إلى أن يطلع

الفجر، فيصلي بها الفجر في أول الوقت، ثم يقف بالمشعر الحرام إلى أن يسفر جدًّا قبل طلوع الشمس.

ص: 142

(وله الدفع) من مزدلفة قبل الإمام (بعد نصف الليل)(1) لقول ابن عباس: كنت فيمن قدم النبي صلى الله عليه وسلم في ضعفة أهله، من مزدلفة إلى منى متفق عليه (2)(و) الدفع (قبله) أي قبل نصف الليل (فيه دم)(3) .

(1) قال الوزير: اتفقوا على جوازه، إلا أبا حنيفة، وقال: عليه دم، ولا يلزمه الرجوع إليها.

(2)

قال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم، لم يروا بأسا أن يتقدم الضعفة من المزدلفة بليل، يصيرون إلى منى، لما فيه من الرفق بهم، ودفع المشقة عنهم، رموا قبل الزحمة، وقال: أكثر أهل العلم بالحديث إنهم لا يرمون حتى تطلع الشمس، ورخص بعض أهل العلم في أن يرموا بليل، والعمل على حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لا يرمون، وهو قول الشافعي، ولفظه: وقال: «لا ترموا حتى تطلع الشمس» والضعفة بفتح الضاد المعجمة والعين المهملة والفاء جمع ضعيف: النساء والصبيان، والمشايخ العاجزون، وأصحاب الأمراض، قال الشيخ وغيره: فإن كان من الضعفة، كالنساء والصبيان ونحوهم، فإنه يتعجل من مزدلفة إلى منى، إذا غاب القمر، ولا ينبغي لأهل القوة أن يخرجوا من مزدلفة حتى يطلع الفجر فيصلون بها الفجر، ويقفون بها، قال ابن القيم: وقول جماعة أهل العلم، الذي دلت عليه السنة، جواز التعجيل بعد غيبوبة القمر، لا نصف الليل، وليس مع من حده بنصف الليل دليل.

(3)

وهو مذهب الشافعي، إلا أنه يجزئ جزء من الليل، وكذا قال مالك، مع أنه سنة عنده، وقال أبو حنيفة: لا دم عليه.

ص: 143

على غير سقاة ورعاة (1) سواء كان عالما بالحكم أو جاهلا، عامدا أو ناسيا (2)(كوصوله إليها) أي إلى مزدلفة (بعد الفجر) فعليه دم (3) لأنه ترك نسكا واجبا (4)(لا) إن وصل إليها (قبله) أي قبل الفجر، فلا دم عليه (5) وكذا إن دفع من مزدلفة قبل نصف الليل، وعاد إليها قبل الفجر، لا دم عليه (6)(فإذا) أصبح بها (صلى الصبح) بغلس (7) ثم (أتى المشعر الحرام) وهو جبل صغير بالمزدلفة (8) .

(1) ونحوهم فإن لهم السقي، والرعي، وغير ذلك مما يماثله، ولا يلزمهم المبيت كليالي منى.

(2)

أي إن دفع قبل نصف الليل، لأنه فعل مأمور به، فلم يعذر بتركه.

(3)

قال في الإنصاف: بلا نزاع.

(4)

وهو المبيت بمزدلفة، لفعله صلى الله عليه وسلم وتقدم: أنه يجب جزء من الليل في الجملة، عند الجمهور.

(5)

لقوله: «من صلى صلاتنا هذه» ، يعني الفجر «ووقف معنا حتى ندفع فقد تم حجه» وتقدم.

(6)

لأنه حصل منه الوقوف المشروع في الوقت المنصوص.

(7)

وهو اختلاط ضياء الصبح بظلمة الليل، والمراد في أول الوقت، لقول جابر صلى الصبح بها، حين تبين له الصبح، بأذان وإقامة، وليتسع وقت الوقوف عند المشعر الحرام.

(8)

يقال له: «قُزح» عليه بناء، وبه الميقدة، مشهور، يقف به الناس.

ص: 144

سمي بذلك لأنه من علامات الحج (1)(فيرقاه أو يقف عنده (2) ويحمد الله ويكبره) ويهلله (3)(ويقرأ {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} الآيتين)(4) .

(1) مأخوذ من الشعيرة، وهي العلامة، وسميت المزدلفة، المشعر الحرام لأنها داخل الحرم، والحرام يعني: المحرم فيه الصيد وغيره، أو ذا الحرمة الأكيدة، وأصله: من المنع، فهو ممنوع أن يفعل فيه ما لم يؤذن فيه.

(2)

لفعله صلى الله عليه وسلم ولمسلم: فصلى الفجر، ثم ركب، حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، لأنها أشرف الجهات، ويستحب استقبالها في كل طاعة إلا لدليل، والوقوف عند المشعر الحرام، مشروع إجماعا، ومذهب مالك وأحد القولين للشافعي وأحمد وجوبه.

(3)

وفي صحيح مسلم: فدعا الله، وكبره، وهلله، ووحده، أي قال:«لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله» ونحو ذلك.

(4)

ويكثر من الدعاء، ومنه: اللهم كما وفقتنا للوقوف فيه، وأريتنا إياه، فوفقنا لذكرك، كما هديتنا، واغفر لنا، كما وعدتنا بقولك، وقولك الحق {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ * ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} وقوله:{أَفَضْتُمْ} أي: دفعتم، فالإفاضة دفع بكثرة، من «أفاض الماء» أي صبه (واذكروه) أي بالتوحيد والتعظيم (كَمَا هَدَاكُمْ) أي أنعم عليكم: من الهداية، والإرشاد إلى مشاعر الحج، على ما كان عليه الخليل عليه السلام، و {النَّاسُ} يعني سائر العرب سوى الحمس.

ص: 145