الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في أحكام أهل الذمة
(1)
(ويلزم الإمام أخذهم) أي أخذ أهل الذمة (بحكم الإسلام في) ضمان (النفس (2) والمال والعرض (3) وإقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه) كالزنا (4)(دون ما يعتقدون حله) كالخمر (5) لأن عقد الذمة لا يصح إلا بالتزام أحكام الإسلام كما تقدم (6) .
(1) أي فيما يجب عليهم ولهم، بعقد الذمة، مما يقتضيه عقدها لهم.
(2)
فمن قتل أو قطع طرفا، أخذ بموجب ذلك كالمسلم، لما في الصحيحين، أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها، فقتله صلى الله عليه وسلم.
(3)
فلو أتلف مالا لغيره ضمنه، أو قذف إنسانا، أو سبه ونحوه، أقيم عليه ما يقام على المسلم.
(4)
والسرقة كما تقدم على المسلم إذا زنا أو سرق، ونحو ذلك.
(5)
وأكل لحم خنزير، ونكاح محرم، ولأنهم يقرون على ذلك، وهو أعظم جرما، إلا أنهم يمنعون من إظهار ذلك بين المسلمين، لتأديهم به، وكذا دون ما يرون صحته من العقود، ولو رضوا بحكمنا، ما لم يرتفعوا إلينا، قال الشيخ: وإذا تزوج اليهودي بنت أخيه، أو بنت أخته، كان ولده منها يلحقه، ويرثه باتفاق المسلمين، وإن كان هذا النكاح باطلا باتفاق المسلمين لاعتقادهم حله.
(6)
أي قريبا فيشترطه الإمام عليهم لاشتراط أهل الجزية ذلك على أنفسهم
حيث قالوا: وأن نلزم زينا حيثما كنا، وأن لا نتشبه بالمسلمين، في لبس قلنسوة ولا عمامة، ولا فرق شعر، إلخ، وأمضاه عمر رضي الله عنه.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بيهوديين قد فجرا، بعد إحصانهما، فرجمهما (1)(ويلزمهم التميز عن المسلمين)(2) بالقبور، بأن لا يدفنوا في مقابرنا (3) والحلي بحذف مقدم
رءوسهم (4) لا كعادة الأشراف (5) ونحو شد زنار (6) ولدخول حمامنا جلجل (7) .
(1) وهو في الصحيحين، ولمسلم من حديث جابر: أنه صلى الله عليه وسلم رجم رجلا من اليهود، وامرأة يعني من جهينة وقال تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ} .
(2)
فقد شرط عليهم عمر رضي الله عنه، والخلفاء بعده، وملوك المسلمين أن لا يتشبهوا بالمسلمين.
(3)
بل تميزا ظاهرا كالحياة وأولى، بل ينبغي مباعدة مقابرهم عن مقابر المسلمين، وكلما بعدت كان أصلح.
(4)
أي حلق مقدمها، بأن يجزوا نواصيهم.
(5)
فلا يتخذوا شوابين، ولا يفرقوا شعورهم، بل تكون جمة.
(6)
فوق ثياب نصراني وتحت ثياب نصرانية، وكخرج بقلانسهم، وعمائمهم، وثوب أدكن، وبين لون خف، وعمامة صفراء، وزرقاء وبما يحصل به التميز.
(7)
بالضم: الجرس الصغير، الذي يجعل في الأعناق، وغيرها، والجلجلة صوته.
أو نحو خاتم رصاص برقابهم (1)(ولهم ركوب غير خيل) كالحمير (بغير ساج) فيركبون (بإكاف) وهو البرذعة (2) لما روى الخلال أن عمر أمر بجز نواصي أهل الذمة (3) وأن يشدوا المناطق (4) وأن يركبوا الأكف بالعرض (5)(ولا يجوز) تصديرهم في المجالس (6) ولا القيام لهم (7) ولا بداءتهم بالسلام (8) .
(1) ونحو ذلك كحديد، وطوق من ذلك، لا من ذهب ونحوه، ليتميزوا عنا في الحمام، ولا يجوز لهم جعل مكانه صليبا، لمنعهم من إظهاره، ويلزمهم التميز عنا بكناهم، وبألقابهم، حكاه الشيخ وغيره، وقال: فلا يتكنون بكناية المسلمين، كأبي عبد الله، ولا بألقابهم، كزين العابدين.
(2)
كساء يلقى على ظهر الدابة، وقاية تحت الراكب.
(3)
فدل على وجوب تميزهم بنحو ذلك.
(4)
وهي ما يشد به الوسط، وتسمى الحياصة.
(5)
بأن تكون رجلاه إلى جانب، وظهره إلى آخر، قال الشيخ: ويمنعون من حمل السلاح والعمل به، وتعلم المقاتلة، بالدقاق ونحوه، والرمي وغيره.
(6)
لأن فيه تعظيما لهم، وقد حكم عليهم بالصغار.
(7)
لأنه في معنى التصدير، ولا لمبتدع كرافضي يجب هجره، ولا يوقرون كما يوقر المسلم.
(8)
إجماعا، وحكى النووي وغيره تحريمه عن عامة السلف، وأكثر العلماء، وفي الصحيحين «إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم» واتفق أهل العلم على أنه يرد كذلك، واختلف كلام الشيخ: هل ترد مثلها، أو «وعليكم» فقط للخبر؟ وجوز طائفة من العلماء ابتداءهم للضرورة والحاجة.
أو بكيف أصبحت، أو أمسيت، أو حالك (1) ولا تهنئتهم، وتعزيتهم، وعيادتهم (2) وشهادة أعيادهم (3) لحديث أبي هريرة مرفوعا «لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقها» قال الترمذي حديث حسن صحيح (4) .
(1) أي ولا يجوز أن يقال لهم: كيف أنت وكيف حالك؟ قال أحمد: هذا عندي أكبر من السلام، وجوز الشيخ أن يقال: أهلا وسهلا، وكيف أصبحت وكيف حالك؟ ويجوز بأكرمك الله، وهداك الله، يعني للإسلام ويجوز: أطال الله بقاءك، وأكثر مالك وولدك، قاصدا بذلك كثرة جزيته، وكره الشيخ الدعاء بالبقاء ونحوه، لأنه شيء فرغ منه، وذكره النووي اتفاقا وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم دعا لأنس بطول العمر، وتكره مصافحة الذمي، وتشميته والتعرض لما يوجب المودة.
(2)
وهو مذهب الجمهور، وعنه: يجوز إن رجي إسلامه، لأنه صلى الله عليه وسلم عاد يهوديا، وعرض عليه الإسلام فأسلم، رواه البخاري، وجوز الشيخ عيادتهم وتهنئتهم، وتعزيتهم، ودخولهم المسجد للمصلحة الراجحة، كرجاء الإسلام، وقال العلماء: يعاد الذمي، ويعرض عليه الإسلام.
(3)
قال الشيخ: يحرم شهود عيد اليهود، والنصارى، وغيرهم من الكفار، وبيعه لهم فيه، ومهادتهم لعيدهم، لما في ذلك من تعظيمهم وتعظيم أعيادهم.
(4)
نهى صلى الله عليه وسلم عن بداءتهم بالسلام، لما فيه من تعظيمهم وقد حكم عليهم بالصغار، وأمر باضطرارهم إلى أضيق الطريق إذلالا لهم وإهانة، وشهادة أعيادهم أولى بالتحريم، قال الشيخ: ويحرم بيعهم ما يعملونه كنيسة
أو تمثالا ونحوه، وكل ما فيه تخصيص كعيدهم، وتمييز لهم، وهو من التشبه بهم، والتشبه بهم منهي عنه إجماعا، للخبر، وتجب عقوبة فاعله وأصل دروس الدين والشرائع التشبه بالكفار، كما أن أصل كل خير المحافظة على سنن الأنبياء وشرائعهم.
قال: والكنائس ليست ملكا لأحد، وأهل الذمة ليس لهم منع من يعبد الله فيها، لأنا صالحناهم عليه، والعابد بينهم، وبين الغافلين أعظم أجرا، ودل أيضا على وجوب تميزهم عن المسلمين في اللباس، والشعور، والمراكب وغيرها لئلا يعاملوا معاملة المسلم، قال ابن القيم: فالشروط المضروبة على أهل الذمة تضمنت تمييزهم عن المسلمين، في اللباس، والشعور، والمراكب، وغيرها، لئلا تفضي مشابهتهم إلى أن يعامل الكافر معاملة المسلم، فسدت هذه الذريعة بإلزامهم التميز عن المسلمين.
(ويمنعون من إحداث كنائس وبيع)(1) ومجتمع لصلاة في دارنا (2)(و) من (بناء ما انهدم منها ولو ظلمًا)(3) لما روى كثير بن مرة قال سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تبنى الكنيسة في الإسلام،
(1) بدار الإسلام، وبناء صومعة لراهب، قال الوزير وغيره: اتفقوا على أنه لا يجوز إحداث كنائس، ولا بيعة في المدن، والأمصار، في بلاد الإسلام، والكنائس والبيع معابد اليهود والنصارى.
(2)
لتأذي المسلمين بذلك.
(3)
وهذا اختيار أكثر الأصحاب، والاصطخري، وغيره من أصحاب الشافعي.
ولا يجدد ما خرب منها» (1)(و) يمنعون أيضًا (من تعلية بنيان على مسلم) ولو رضي (2) .
(1) لأنها بعد الهدم كأنها لم تكن، كما يمنعون من زيادتها، ورم شعثها وقال ابن عباس: أيما مصر مصرته العرب، فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة رواه أحمد، واحتج به، ولأبي داود عن ابن عباس مرفوعًا:«لا يجتمع قبلتان بأرض» وفي أثر آخر «لا يجتمع بيت رحمة، وبيت عذاب» ولهذا أقرهم المسلمون في أول الفتح على ما في أيديهم من أرض العنوة، بأرض مصر، والشام، وغير ذلك، فلما كثر المسلمون، وبنيت المساجد في تلك الأرض، أخذ المسلمون تلك الكنائس، فأقطعوها، وبنوها مساجد، وغير ذلك.
وقال: اتفق المسلمون أن ما بناه المسلمون من المدائن، لم يكن لأهل الذمة أن يحدثوا فيها كنيسة، وإذا كان لهم كنيسة بأرض العنوة، فبنى المسلمون مدينة عليها، فإن لهم أخذ تلك الكنيسة، ولو هدم ولي الأمر كل كنيسة بأرض العنوة كمصر، والسواد بالعراق، وبر الشام ونحو ذلك، مجتهدًا في ذلك، ومتبعًا في ذلك لمن يرى ذلك، لم يكن ظلما منه، بل تجب طاعته ومساعدته في ذلك.
قال: والمدينة والقرية التي يسكنها المسلمون، وفيها مساجدهم، لا يجوز أن يظهر فيها شيء من شعائر الكفر، لا كنائس ولا غيرها، إلا أن يكون لهم عهد، فيوفى لهم بعهدهم، فلو كان بأرض القاهرة ونحوها كنيسة قبل بنائها، لكان للمسلمين أخذها، لأن الأرض عنوة، فكيف وهذه الكنائس أحدثها لهم النصارى، قال: والكنائس العتيقة إذا كانت بأرض العنوة، فلا يستحقون إبقاءها، ويجوز هدمها مع عدم الضرر علينا، وإذا كانت في مكان قد صار فيه مسجد للمسلمين يصلى فيه، وهو أرض عنوة فإنه يجب هدم الكنيسة التي به.
(2)
أي المسلم بذلك.
لقوله عليه السلام: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» (1) وسواء لاصقه أو لا، إذا كان يعد جارًا له (2) فإن علا وجب نقضه (3) و (لا) يمنعون من (مساواته) أي البنيان (له) أي لبناء المسلم، لأن ذلك لا يقتضي العلو (4) وما ملكوه عاليًا من مسلم لا ينقض (5) .
(1) بل يظهر، ويرفع على سائر الأديان، قال تعالى:{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} ولاطلاعهم على عوراتنا، ولأنه حق لله تعالى، ويدوم على دوام الأوقات، ورضاه يسقط حق من يأتي بعده، ولأن فيه ترفعا على المسلمين، فمنعوا منه، كالتصدير في المجالس، قال العلماء: ولو في ملك مشترك بين مسلم وذمي، حكاه الشيخ وغيره، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
(2)
فيمنع من تعلية بنائه على المسلم.
(3)
أي إن علا بنيان الكتابي، على بنيان المسلم، وجب نقض بنيان الكتابي.
(4)
ولا إطلاعهم على عورات المسلم.
(5)
وهذا والله أعلم اعتبار منهم بتعلية البناء بعد الملك، ولا فرق بين تعليته بعده أو قبله، فلو احتال مبطل بأن يعليه مسلم، ثم يشتريها الكافر فيسكنها فقال ابن القيم: هذه أدخلت في المذهب غلطًا محضًا، ولا توافق أصوله، ولا فروعه، فالصواب المقطوع به، عدم تمكينه من سكناها، فإن المفسدة لم تكن في نفس البناء، وإنما كانت في ترفع الذمي على المسلمين، ومعلوم قطعا أن هذه المفسدة في الموضعين واحدة، ولو وجدنا دار ذمي عالية، ودار مسلم أنزل منها، وشككنا في السابقة، فقال ابن القيم: لا تقر دار الذمي عالية، لأن التعلية مفسدة، وقد شككنا في شرط الجواز، والأصل عدمه.
ولا يعاد عاليًا لو انهدم (1)(و) يمنعون أيضا (من إظهار خمر وخنزير) فإن فعلوا أتلفناهما (2)(و) من إظهار (ناقوس (3) وجهر بكتابهم) ورفع صوت على ميت (4) ومن قراءة قرآن (5) ومن إظهار أكل، وشرب بنهار رمضان (6) .
(1) لأنها بعد الانهدام كأن لم تكن موجودة قبل.
(2)
أي أتلفنا الخمر والخنزير إذا أظهروهما، في أسواق المسلمين وغيرها، لتأذي المسلمين بذلك وسببية فشوه فيهم، وإن لم يظهروهما لم نتعرض لهم، قال الشيخ: وإذا كثر منهم بيع الخمر لآحاد المسلمين، استحقوا العقوبة التي تردعهم وأمثالهم عن ذلك.
(3)
لأن في شروطهم، وأن لا نضرب ناقوسًا، إلا ضربًا خفيفًا في جوف كنائسنا، ولا نرفع أصواتنا في الصلاة، فيمنعون من إظهار المنكر كنكاح محارم، وإظهار عيد، وصليب ونحو ذلك.
(4)
لأنه من شعارهم، وقال الشيخ: وليس لهم إظهار شيء من شعار دينهم، في دار الإسلام، لا وقت استسقاء، ولا عند لقاء الملوك.
(5)
لئلا ينالوه فلا يمسه إلا المطهرون، قال الشيخ: ويمنعون من شراء مصحف، وكتاب فقه، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ارتهان ذلك، ولا يصحان لقوله تعالى:{وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} ولما يؤدي إليه ذلك من امتهان كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(6)
قال الشيخ: فإن هذا من المنكر في دين الإسلام، ومن إظهار بيع مأكول فيه كشوي.