المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والخل كالماء يبدي لي ضمائره … مع الصفاء ويخفيها مع - خصائص التراكيب دارسة تحليلية لمسائل علم المعاني

[محمد محمد أبو موسى]

الفصل: والخل كالماء يبدي لي ضمائره … مع الصفاء ويخفيها مع

والخل كالماء يبدي لي ضمائره

مع الصفاء ويخفيها مع الكدر

أراد جنس الخليل.

وقد ترد اللام في الكلام الفصيح وهي تحتمل المعنيين، مثال ذلك قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ} 1، فهذه اللام يصح أن تكون لام العهد أي: آمنوا كما آمن رسول الله ومن معه، ويصح أن تكون لام الجنس أي كما آمن جنس الناس، والجنسية هنا يتولد منها معنى لطيف؛ لأنها تشير إلى أنهم هم الناس الكاملون في الإنسانية، فالذين آمنوا هم جنس الناس، ومعدن الإنسانية وما عداهم، فليس منها في شيء كما أشار الزمخشري، وسوف نرى مزيدا من معاني اللام في مواضع أخرى إن شاء الله.

1 البقرة: 13.

ص: 211

‌التعريف بالإضافة:

قالوا: إن التعريف بالإضافة يكون؛ لأنه ليس للمتكلم طريق إلى إحضاره في ذهن السامع أخصر منه، أي: يقصد إليه رغبة في الإيجاز كقول جعفر الحارثي، وكان مسجونا بمكة فزارته صاحبته مع ركب من قومها، فلما رحلت قال:"من الطويل"

هواي مع الركب اليمانين مصعد

جنيب وجثماني بمكة موثق

وأراد بقوله: "هواي"، الذي أهوى، وأطلق الهوى على المهوي مجازًا، قالوا: وحسن هذا الاختصار؛ لأن الشاعر ضائق وسجين، وهذا أخصر طريق يؤدي به المعنى، وقد تكون الإضافة -كا قالوا- مغنية عن تفصيل يتعذر، مثل قوله:"من الطويل".

بنو مطر يوم اللقاء كأنهم

أسود لها في غيل خفان أشبل

1 البقرة: 13.

ص: 211

أراد ببني مطر قومه، وتفصيل ذكرهم أمر متعذر، والغيل الشجر المجمع، وخفان مأسدة قرب الكوفة، والأشبل، أولاد الأسود، وذكر الخطيب قول الحارث الجرمي:"من الكامل".

قومي هم قتلوا أميم أخي

فإذا رميت يصيبني سهمي

مثالًا للتعريف بالإضافة الذي أغنى عن تفصيل مرجوح أي قال: قومي ولم يذكر أسماءهم؛ لأنه لو فعل ذلك لأوغر صدورهم عليه، وعندنا أن هذه الإضافة وراءها معنى أكبر من هذا؛ لأنها ترشد إلى بشاعة جريمتهم، وترمز إلى ما في قلبه من الأسى، فإن الذين قتلوا أخاه هم قومه الذين إذا أصابتهم رميته، فإنما تصيبه معهم، الإضافة كما ترى إضافة القوم القاتلين إلى النفس الموجوعة بهذا القتل، وقد مر بنا هذا البيت، وتأمل التناقض والتضارب الذي بني عليه البيت، والذي يكاد يتفجر به الشعر والشاعر.

وقد تكون الإضافة لتعظيم المضاف إليه كما في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} 1، فالإضافة إلى الله سبحانه تشريف ما بعده تشريف، وقد تفيد الحث على فعل الشيء كقوله تعالى:{لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} 2، فإنه لما نهى المرأة عن المضارة أضاف الولد إليها استعطافا لها، وحثا على عدم المضارة ومثله:{وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} 3.

1 الجن: 19.

2، 3 البقرة:233.

ص: 212