الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعريف المسند:
قالوا: إذا أردت أن تفيد مخاطبك انطلاق زيد، ولم يكن يعرف شيئًا عن هذا الانطلاق قل: زيد منطلق، فإذا كان يعرف أن انطلاقا وقع، ولكنه لم يعلم أن هذا الانطلاق كان من زيد، أو من عمرو وأردت أن تفيده أنه كان من زيد قلت له: زيد المنطلق فأنت في هذا تفيده أن الانطلاق الذي يعلم أنه وقع، ويحتم عنده أن يكون من زيد، أو من عمرو هو من زيد على القطع بخلاف الصورة الأولى التي يكون فيها المسند نكرة، فأنت فيها تفيده انطلاق زيد، ولم يكن يعلم شيئا عن الانطلاق، فهو في صورة التعريف كان يعلم أن انطلاقا وقع، ولكنه لا يعلم ممن وقع، وفي صورة التنكير كان لا يعلم أن انطلاقا وقع، وهذا هو أساس الفرق بين الصورتين.
قال عبد القاهر: "والنكتة أنك تثبت في الأول الذي هو قولك: زيد منطلق، فعلا لم يعلمه السامع من أصله أنه كان، وتثبت في الثاني الذي هو زيد المنطلق فعلا، قد علم السامع أنه كان، ولكنه لم يعلمه زيد، فأفدته ذلك".
وإذا دققت النظر وأرحبته وجدت كثيرًا من معاني تعريف المسند، كأنها متفرعة عن هذا الأصل.
والمهم أنك في صورة التنكير تستطيع أن تعطف فتقول: زيد منطلق وعمرو، ولا يجوز لك أن تقول: زيد المنطلق وعمرو، وذلك؛ لأنك في الأول لا تتحدث عن انطلاق معروف ومعين، فجاز أن تشرك عمرًا فيه، وفي الثاني تتحدث عن انطلاق معروف للمخاطب، ومعين فإذا أثبته لزيد لم يصح لك أن تثبته لعمرو، فإذا قلت: يمكن أن يكون هذا الانطلاق المخصوص المبين كان من زيد وعمرو، وأردت الإخبار بذلك، فالعبارة عنه أن تقول: زيد وعمرو المنطلقان بخلاف زيد المنطلق وعمرو؛ لأنك حينئذ تثبته أولا لزيد، ثم تجيء فتثبته لعمرو وهذا خطأ.
وقال عبد القاهر: "ومن الواضح في تمثيل هذا النحو قولنا: هو القائل بيت كذا، كقولك: جرير هو القائل: "وليس لسيفي في العظام بقية".
لو حاولت أن تشرك في هذا الخبر غيره، وقلت: جرير هوالقائل هذا البيت وفلان حاولت محالا؛ لأنه قول بعينه فلا يتصور أن يشرك جرير غيره".
وقد يفيد تعريف المسند قصر المسند على المسند إليه لقصد المبالغة، وتقول: زيد الجواد، وعمرو الشجاع فتفيد قصر جنس الجود على زيد، وقصر جنس الشجاعة على عمرو، ولكنك لا تقصد القصر الحقيقي، وأن الجود لا يتصف به أحد إلا زيد على وجه الحقيقة التحقيقية، وأن الشجاعة لا يتصف بها أحد إلا عمرو، وإنما تقصد المبالغة في وصف زيد بالجود، وعمرو بالشجاعة، فتخيل بهذا قصر هذه الصفات على المذكورين قصدا للمبالغة، وأنك لم تعتد بهذه الصفات في غيرهم، وتقول: زيد الشاعر على معنى أنه بالغ في الشاعرية مبلغا صير غيره، كأنهم ليسوا شعراء، وتقول: زيد العالم لا تقصد أنه وحده العالم على الحقيقة، وإنما تقصد أنه بالغ في العلم مبلغ الكمال حتى صار غيره كأنه ليس بعالم، وهذا لا يجوز فيه العطف، فلا تقول: زيد الشاعر وعمرو، وإنما تقول: زيد الشاعر فإن أردت أن تشرك عمرا في هذه الصفة، وأنه بالغ فيها مبلغ زيد، فالعبارة عن ذلك أنك تقول: زيد وعمرو الشاعران على معنى أنك لا تعتد بشعر غيرهما كما قلنا، ومثله قول مزرد بن ضرار:"من الطويل"
فقد علمت فتيان ذبيان أنني
…
أنا الفارس الحامي الذمار المقاتل
اراد أنه لا فارس سواه؛ لأن غيره من الفرسان لا يعتد بهم، ولا يذكرون إذا ذكره.
ومثله قول المتنبي: "من الطويل"
ودع كل صوت دون صوتي فإنني
…
أنا الصائح المحكي والآخر الصدى
أراد أنه لا شاعر يروي شعره سواه، وأن غيره من الشعراء ينهجون سبيله ويرددون صوته.
وقول ابن الدمينة: "من الوافر"
ونحن الوازعون الخيل تردي
…
بفتيان الصباح المعلمينا
والوازع: هو الذي يدير أمر الجيش، وردى الفرس يردي رديا رجم الأرض بحوافره، والمعلم: الرجل الذي جعل لنفسه علامة، ولا يكون ذلك إلا عنده فرط الشجاعة، فقد أراد أنه لا يزع الخيل القوية بفتيان معلمين إلا قومه، وذلك مبني على المبالغة كما ترى.
وقد يفيد تعريف المسند قصر المسند على المسند إليه حقيقة، وذلك كقولك: زيد الشاعر، إذا لم يكن هناك في الحقيقة شاعر سواه، ومثله قول ابن الدمينة:
ونحن التاركون على سليل
…
مع الطير الخوامع يعترينا
والخوامع الضباع يعني أنه لم يقتل سليلا، ويطعم بها الطير، والضباع سواهم.
وإذا راجعنا كثيرًا من الشواهد التي ذكرناها نجدها تفيد هذا المعنى، راجع قول عمرو بن كلثوم، وابن الدمينة، والحادرة وغيرهم.
هذا وإذا كان الخبر اسم موصول في مثل هذا السياق رأيته يفيد مع الاختصاص شيئا آخر تغمغم به الصلة، انظر إلى قول جميل بن معمر يخاطب بثينة:
وأنت التي إن شئت كدرت عيشتي
…
وإن شئت بعد الله أنعمت باليا
وأنت التي ما من صديق ولا عدى
…
يرى نضو ما أبقيت إلا رثى ليا
واضح أن المعنى على قصر مدلول الصلة عليها، ثم فيه أن ذلك أي كونك
وحدك تكدرين عيشي أو تسعدينه وفق ما تشائين هذا أمر معروف، وقصة يعرفها الناس وهكذا.
وهذه الدلالة الهامسة تكمن في طبيعة التعريف بالصلة كما أشرنا؛ لأنها لا بد أن تكون أمرًا معروفا كما يقول النحاة، وترى هذه الإيماضة الجاذبة حين تتأمل مواقعها في الكتاب العزيز اقرأ قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} 1، تجد أن التعريف بالصلة فوق دلالته على الاختصاص يشير إلى أن أمر إنشاء السمع، والأبصار ذلك الأمر الذي تشغل به النفوس، أو ينبغي أن تشغل به مختص به سبحانه، ولو قال: هو أنشأ لكم السمع، والأبصار لخلا التعبير من هذه الإشارة.
ومثله: {وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ} 2، وقوله:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} 3، أي أن قصة ذرئكم في الأرض وانتشاركم فيها على هذه الصورة، تلك القصة التي أثارت النفوس إلى التعرف على مصدرها مختصة بالله سبحانه، وكذلك قصة خلق الليل والنهار والشمس، والقمر تلك القصة اللافتة، والتي جذبت أنظاركم إلى محيط النظر فيها إنما فاعلها هو الله، ولو حذفت الموصول في ذلك، ونقلت الجملة من وضعها أي كونها صلة لها هذه الخصوصية إلى أن تكون خبرًا فحسب لذهب هذا المعنى.
ومما هو واضح في إفادة الاختصاص قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى، قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} 4، أي أنت الأعلى لا هم، وانظر إلى دقة التعبير عن حال موسى عليه السلام، وكيف استطاعت كلمة أوجس أن تصور في دقة بارعة هواجس الخوف التي أنبثت فجأة في
1 المؤمنون: 78.
2 المؤمنون: 79.
3 الأنبياء: 33.
4 طه: 67، 68.
نفس نبي الله موسى عليه السلام لما رأى حبالهم وعصيهم، وخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، ثم كيف جاء وعد الله له بالغلبة، والفوز المستعلي عليهم مؤكدا بما ترى من أداة التوكيد، وتكرار المسند إليه، وتعريف المسند باللام، وصياغته على طريقة أفعل المشيرة إلى التفوق، ثم كيف جاءت كلمة الأعلى من العلو حتى ينهض بهذه النفس التي استشعرت الوجل في موقف التحدي الجامع الذي كان يوم الزينة، وفيه محشر هائل من الناس، وهكذا استطاعت هذه الجملة: إنك أنت الأعلى، أن تبث السكينة والأمن في نفس موسى عليه السلام.
وقد يفيد المعنى المقصور بقيد يخصصه، ويجعله في حكم نوع برأسه، وذلك كقولك: زيد الكريم حين يبخل الناس، وعمرو الشجاع حين يتأخر الأبطال، وخالد الوفي حين لا تظن نفس بنفس خيرًا، أنت هنا لا تقصر مطلق الشجاعة على زيد، وإنما تقصر جنسا معينا من الشجاعة، وكذلك الجود والوفاء، ومنه قول الأعشى:"من المتقارب".
هو الواهب المائة المصطفاة
…
إما مخاضا وإما عشارًا
يريد قصر جنس معين من الهبة على الممدوح، أي هو وحده الذي من عادته أن يهب المائة المصطفاة، وفرق بين أن تقول: هو وحده الذي من عادته أن يهب، وأن تقول: هو وحده الذي من عادته أن يهب المائة المصطفاة، فالأول يفيد مطلق الهبة، والثاني يفيد جنسا معينا من الهبة.
ومثله قول الخنساء في رثاء صخر: "من مجزوء الكامل"
الحامل الثقل المهم من الملمات الفوادح
الجابر العظم الكسير من المهاصر والممانح
الواهب المائة الهجان من الخناذيذ السوابح
الغافر الذنب العظيم لذي القرابة والممالح
ترى المسند المقصور في ذلك كله مفيدا بقيد، فالمقصور في الأول حمل الثقل المهمأي الأمر الثقيل الذي يبعث الهمة وينهضها لمعالجته، والفوادح جمع فادحة، وهم يقولون: فدحت ظهره الأثقال أي آضته وأثقلته، والمقصود في الناس هو جبر العظم الكسير من الأحداث التي تميل الناس، وتجذبهم جذبا عنيفا، والهصر في كلامهم يفيد الجذب والإمالة، ومنه سمي الأسد هصورا؛ لأنه يميل فريسته بشدة، والممانح هي الناقة الحلوب، ومانحت العين ممانحة إذا سالت دموعها لم تنقطع، وقد أرادت النوائب التي تتوافد توافد لا ينقطع، والمقصود في البيت الثالث هو هبة المائة الهجان أي البيض الكرام، والخناذيذ من الخيل جيادها ومن الإبل فحولها، والمقصود في البيت الرابع هو مغفرة الذنب العظيم للقريب والمعاهد، والممالح مأخوذ من الملح، وكأن المعاهد قد صارت بينك وبينه حرمة المؤاكلة وذمامها، والعرب تعظم أمر الملح، ويقولون: فلان ملحه على ركبتيه إذا كان مضيعا لعهده، وملحه في يمينه إذا كان بضد ذلك.
وقد يفيد تعريف المسند تقريره للمسند إليه، وبيان أن ثبوته له أمر مقرر لا يشك فيه أحد، وأنه ظاهر ظهورًا لا يخفى، وذلك كقول حسان:"من الطويل"
وإن سنام المجد من آل هاشم
…
بنو بنت مخزوم ووالدك العبد
أراد أن يقرر صفة العبودية لوالده، ويثبتها له ثم يجعله ظاهر الأمر في العبودية ومعروفا بها، قال عبد القاهر:"ولو قال: ووالدك عبد لم يكن قد قد جعل حاله في العبودية حاله في العبودية حالة ظاهرة متعارفة"، ومعلوم أن حسان لم يقصد قصر العبودية على والده حقيقة، ولا ادعاء وإنما أراد ظهور أمره في العبودية أي، ووالدك العبد الذي عرف الناس جميعا أنه عبد، وأما سنام المجد وذراه، فهو لبني هاشم بني بنت مخزوم أراد عبد الله بن عبد المطلب.
ومثله قوله الخنساء: "من الوافر"
إذا قبح البكاء على قتيل
…
رأيت بكاءك الحسن الجميلا
فهي لم تقصد أن تقصر صفة الحسن على بكائه، كما قصد الأعشى قصر هبة المائة على الممدوح؛ لأن القصر لا معنى له، وإنما أرادت أن تقرر لبكائه، صفة الحسن، وأن تفيد أن حسنه حسن ظاهر لا ينكره أحد، ولا يشك فيه شاك.
ومثله قول أبي الطيب:
هو الجد حتى تفضل العين أختها
…
وحتى يكون اليوم لليوم سيدا
فالتعريف في قوله: هو الجد أي هو المعروف المتعالم في هذا المعنى، أي في أنه يغب تدبير العقلاء والجد الحظ، وواضح أن هذا البيت ليس كقول حسان، ولا الخنساء من حيث إنه يفيد أن ثبوته للمسند إليه أمر ظاهر، وذلك؛ لأن المسند إليه هنا والمسند شيء واحد كما هو واضح، وإنما أفاد التنويه وأنه متعالم في معناه، ومثله قوله تعالى:{يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} 1، فالتعريف جاء في الذكور ليفيد
التنويه والتشهير، وكأنه قال: ويهب لمن يشاء الفرسان الأعلام المذكورين الذين لا يخفون عليكم، هكذا قال الزمخشري.
وقد يكون تعريف المسند للإشارة إلى بلوغ المسند إليه في الصفة مبلغ الكمال، أو أنه بلغ فيها حقيقتها المتصورة في الذهن، أي التي يتصورها الذهن في أنقى وأكمل، وأثم صورها كما تقول: هو الرجل أي الذي احتاز الصفات والشمائل، والخلال وكل ما تدل عليه الرجولة في صورة نقية متكاملة، وكأنه احتاز المثال الأفلاطوني لهذه الكلمة، وهكذا تقول: هو الصادق أو هو الصاحب، أو هو الأخ إلى آخر هذا مما تجد آثاره لا تزال عالقة في الفطرة، وتأمل ما تسمعه من كلام العامة الذين برئت فطرتهم من التنطس، والحذق والتدقيق، ويقول عبد القاهر في هذا الوجه:"إن للخبر فيه مسلكا دقيقا، ولمحة كالخلس يكون المتأمل عنده كما يقال: يعرف وينكر"، ويقول فيه أيضا: "وهذا فن
1 الشورى: 49.
عجيب الشأن، وله مكان من الفخامة النبل، وهو من سرح البيان الذي تقصر العبارة عن تأدية حقه، والمعول فيه على مراجعة النفس، واستقصاء التأمل".
وتأمل هذا الكلام واستق منه.
ومثال هذا النوع قولك: هو البطل المحامي، على معنى أن تقول للمخاطب: هو تصورت البطل المحامي، وكيف يكون الإنسان حتى يبلغ في هذه الصفة مبلغها الأعلى؟ إذا تصورت هذا في نفسك، ومثلته لفكرك فعليك بفلان فهو الذي تجد فيه هذه الصفة كما تصورتها، ومثله هو الحامي لكل حقيقة، والمترجي لكل ملمة، والدافع كل كريهة، قال العلوي:"كأنك قلت: هل تعقل الحامي والمرتجي وتسمع بهما، فإن كنت تعقل ذلك وتعرفه حقيقة معرفته، فاعلم أنه فلان فإني خبرته وجربته، فوجدته على هذه الصفة، فأشدد يدك به، فإنه ضالتك التي تنشدها، وبغيتك التي تقصدها".
نعم هو ضالة من يبحث في الخلال الكريمة عن مثلها العليا، وإن الله يحب مكارم الأخلاق.
وقد ذكر عبد القاهر في هذا قول ابن الرومي: "من الطويل"
هو الرجل المشروك في جل ماله
…
ولكنه بالمجد والحمد مفرد
وعلق عليه بقوله: "كأنه يقول للسامع: فكر في رجل لا يتميز عفاته، وجيرانه ومعارفه عنه في ماله وأخذ ما شاءوا منه، فإذا حصلت صورته في نفسك، فاعلم أنه ذلك الرجل".
ومنه قول الفرزدق يهجو الحجاج: "من الطويل"
فلولا بنو مروان كان ابن يوسف
…
كما كان عبدا من عبيد إياد
زمان هو العبد المقر بذلة
…
يراوح أبناء القرى ويغادي
وكان الحجاج معلم صبية كما قالوا: وكان يلقب بكليب، قال شاعر: يعنيه: "من المتقارب"
أينسى كليب زمان الهزال
…
وتعليمه سورة الكوثر
رغيف له فلكة ما ترى
…
وآخر كالقمر الأزهر
والعرب يقولون كما روى الجاحظ: لا ينبغي لعاقل أن يشاور أحدا من خمس: الغزال، والقطان، والمعلم، وراعي الضأن، والرجل الكثير المحادثة للنساء.
والمهم هو قوله: العبد المقر بذلة، فإنه لم يرد أن يقصر العبودية عليه كما لم يرد أن يقول: إنه معلوم مشهور بها، وإنما أراد معنى أدق وأوقع، أراد أن يقول: إنه كان يكون الشخص الذي تتمثل فيه العبودية في صورتها التامة، وكأنك لو أردت أن ترى ذلك الإنسان الذي تتمثل، وتتشخص فيه الذلة لوجدت ذلك الإنسان في الحجاج لولا بنو مروان، وهذا كما ترى أبلغ من كونه مشهورًا بها.. والمعول عليه في إدراك هذا المعنى الدقيق هو كما يقول عبد القاهر:"مراجعة النفسي"، "واستقصاء التأمل"، وهاتان الكلمتان مفتاح باب الفهم في هذا العلم، ويذكر عبد القاهر أن كلمة الذي تفيد هذا المعنى في كثير من مواقعها، فقول الشاعر:"من الطويل"
أخوك الذي إن تدعه لملمة
…
يجبك وإن تغضب إلى السيف يغضب
تجد اسم الموصول فيها يعبر عن صفة عالية تتمثل في الأخ، كما تسمع العامة يقولون: هو الآخ وهو الصاحب.
ومثله قول الآخر:
أخوك الذي إن ربته قال: إنما
…
أربت وإن عاتبته لان جانبه
قال عبد القاهر: "فهذا ونحوه على أنك قدرت إنسانا هذه صفته وهذا شأنه، وأحلت السامع على من يتعين في الوهم دون أن يكون قد عرف رجلا بهذه الصفة، فأعلمته أنا لمستحق لاسم الأخوة هو ذلك الذي عرفه حتى كأنك قلت: أخوك زيد الذي عرفت أنك إن تدعه لملمة يجبك".