الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه الكلمات: كل-يطول-الصب-على-تمام-الليل-أم مالك-ليالي-يا- تنظر إليها، فلا تقع منها على شيء، فإذا مارتبها ابن خفاجة، وجعل كل واحدة منها، تتصل بالأخرى نوعا من الاتصال رأيت فيها معنى شعريا ممتازا عامرا بالشوق، والحنين والشجى، قال:"من الطويل":
يطول علي الليل يا أم مالك
…
وكل ليالي الصب فضل تمام
والبلاغيون يسمون المثبت حديثا أو مسندا، والمثبت له محدثا عنه أو مسندا إليه، يقول عبد القاهر:"ومختصر كل أمر أنه لا يكون كلام من جزء واحد، وأنه لا بد من مسند إليه ومسند".
والبلاغيون يدرسون في أحوال الإسناد الخبري ثلاث مسائل، الأولى: أغراض الخبر، الثانية: أحوال الخبر من حيث التوكيد، وعدمه أو أضربه، الثالثة، حال الإسناد من حيث هو حقيقة أو مجاز.
-
أغراض الخبر:
قالوا: إن قصد المخبر بخبره إما أن يخبرك مضمون الخبر، وفائدته مثل أن يقول لك: جاء فلان وأنت لا تعرف هذا، ويسمى هذا فائدة الخبر.
وإما أن يخبرك لازم الفائدة، مثل أن يقول لك: اسمك محمد فأنت تعرف اسمك، ولكنه أراد أن يخبرك أنه يعرف اسمك، فهو لا يفيدك فائدة الخبر، وإنما يفيدك لازم الفائدة أي أنه يعرف الخبر.
ثم إنهم حين قالوا: إن قصد المخبر بخبره إفادة المخاطب إما نفس الحكم، أو لازمه، بينوا مرادهم بالمخبر وهو كما يقول سعد الدين:"من يكون بصدد الإخبار والإعلام لا من يتلفظ بالجملة الخبرية"، فهذا المخبر للذي هو بصدد الإعلام هدفه من التعبير بين واضح، وإحاطة العبارة بهذا الهدف أمر ميسور ما دام ذلك جاريا في أساليب التخاطب، أما المخبر الذي ينطق
بالجملة الخبرية أعني الذي يصطنع اللغة في أفقها الأوسع، ومجالاتها الرفيعة، فإن قصده بخبره يتعدد المثيرات التي تدفعه إلى القول وتحثه عليه، والمثيرات التي تحث على القول، أعني خواطر النفس وهواجسها، ولا يتصدى عاقل إلى حصرها، وإن كان يصح أن نقول في سياق العموم، والإطلاق أن غرض الشاعر بشعره في أغلب أحواله قد يكون الرغبة في إثارة انفعال مشابه لدى القارئ فتتحقق المشاركة النفسية والوجدانية، فيعيش القارئ طربه إن كان طروبا، أو أساه إن كان حزينا، وفي هذه المشاركة متعة الشاعر وهدفه، وقد يكون غرض الشاعر هو الشعر نفسه أي هو هذه الدندنة الشعرية التي يتسلى بها حين يفرغ على قيثارته ألحان نفسه، الذي يعينه هو أن يقول: وليس يعنيه أن يسمع، ونحن في دراستنا لشعره نقول: إنه يقصد كذا وأنه أراد أن يصف لنا كذا، مثل أن نقول في قول متمم بن نويرة:"من الطويل"
وكنا كندماني جذيمة حقبة
…
من الدهر حتى قيل: لن يتصدعا
الشاعر هنا يتلهف على ما فات، وتوجعه ذكرياته التي لا سبيل إلى رجوعها، ومثل أن نقول في قول عمرو بن كثلوم:"من الوافر".
إذا بلغ الفطام لنا رضيع
…
تخر له الجبابر ساجدينا
الشاعر هنا مدل بعظمته وقوته، ويكاد يتفجر نفاجة واقتدارًا، ومثل قولنا في قول ابن خفاجة:
يطول على الليل يا أم مالك
…
وكل ليالي الصب فضل تمام
أن الشاعر هنا يتدله، ويقصد إلى إظهار الوجد والصبابة.
فنحن في دراسة الشعر، والنثر لانشغل بهذا الذي قالوه في قصد المخبر بخبره أي إفادة الفائدة أو لازمها.
وقد نبه البلاغيون إلى هذا، أي إلى أن الخبر غالبا ما يقصد به أغراض تتجاوز حدود الفائدة، ولازمها، يقول سعد الدين: "كثيرا ما تورد الجملة