الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[المبحث الرابع تحديد موضوع الخطبة وإعدادها]
[المطلب الأول تحديد الموضوع]
المبحث الرابع
تحديد موضوع الخطبة وإعدادها إن من مهام الخطيب الجليلة، ومسؤولياته الجسيمة، أن يحسن اختيار موضوع الخطبة، فلا تكون تكرارا لخطب سابقة، ولا تكون بعيدة في معالجتها، غريبة في مضمونها، عقيمة عن الفائدة، خالية عن الموعظة.
إن أفضل الخطب أصدقها لهجة، وأنفعها موضوعا، وأسلسها أسلوبا، يستطيع الخطيب من خلالها أن يوصل فكرته للناس بأوضح عبارة، ومن أقصر طريق. وحتى تستكمل الخطبة عناصر التأثير، ومقومات النجاح لا بد من مراعاة الأمور التالية:
المطلب الأول
تحديد الموضوع ينبغي أن يكون موضوع الخطبة واضحا لدى الخطيب كل الوضوح حتى يتسنى الإعداد المسبق له، ومما لا يخفى على الخطيب أن موضوع الخطب يتغير من آن لآخر، ومن وسط لآخر، ومن مناسبة لأخرى، فعليه أن يراعي هذه الأمور حتى لا يكون كلامه في " الفائت "، أو خطبته مكررة وموضوعه مقتولا قد فرغ منه عشرات الخطباء.
وعلى الخطيب عند اختياره الموضوع أن يضع نصب عينيه أمورا ثلاثة أساسية: (1) .
1 -
الجمهور المستمع، وليحدث الناس بما يعرفونه، وما لا يصطدم بعقولهم، وليراع مستواهم الثقافي والاجتماعي، ولا يهمل التفاوت في المستويات بين الناس، وعليه أن يراعي هذا التفاوت لكي يختار الأسلوب المناسب للوسط الذي يخاطبه، والموضوع المناسب لذلك.
2 -
الوقت: فعليه أن يراعي الوقت المناسب لجمهوره، المناسب لموضوعه
(1) انظر: خصائص الخطبة والخطيب (ص 27- 28) .
حتى يتم له إكمال الموضوع، وعدم إملال الجمهور المخاطب.
3 -
المناسبة: فالمناسبة لها أثر كبير في تحديد المنطلق الرئيس لموضوع الخطبة، لذا فلا يصح من الخطيب أن يغفل شأن المناسبة عند تحديد موضوع خطبته، وليعلم أن المناسبات متغيرة، وليحذر من الاستمرار في المناسبات الثابتة سنويا أو شهريا على الخطب المكتوبة لكل مناسبة، فإن هذه الخطب وإن استوفت الكلام على المناسبة لكنها أغفلت ربطها بالواقع الحالي الذي يعيشه المخاطبون، والذي يهمهم بالدرجة الأولى معالجته. لذا يجب مراعاة ما يلي: -
أ- تحديد موضوع الخطبة: إن تحديد موضوع الخطبة يجعل الخطيب واثقا مما سيقول، واعيا لما سيقول محددا الأسلوب المطرح والخطاب الذي ينبغي أن يختاره لذلك، وعندما يأتي الخطيب للمسجد يجب أن يكون مستحضرا لأهمية الموضوع وأثره الكبير في تلمس وحاجة الأمة لطرح مثله من الموضوعات حتى يعطيه ما يستوجب من الحماسة والتأثر، وإن هذه القناعة بأهميته تهبه القدر الكافي من الشجاعة في مناقشته، وحرارة التفاعل معه، ونقله بهذه القوة وهذه الحرارة إلى المخاطبين، وليكن ملما بجوانب الموضوع، مطلعا على مشكلاته، مهيئا للأسئلة التي قد تطرح حوله، لئلا يفاجأ ببعض الشبهات فيضيق صدره ولا ينطلق لسانه.
ب- تحديد الهدف: لا بد للخطيب أن يقصد هدفا معينا محددا بالذات من خطبته، وهذا يجعله لا يصعد المنبر بصورة تلقائية رتيبة ليقول ما يخطر على باله، وقد يكون له هدف قريب "مرحلي " وهدف بعيد " نهائي ".
وخطبة الجمعة هدفها النهائي الموعظة، وتربية الأمة، واستئنافها لحياة العزة والكرامة في ظل الإسلام عقيدة وشريعة، فلا يجوز أن يغيب هذا عن بال الخطيب، ولا يصح الإخلال به.
وأما الهدف القريب فقد يكون بإيصال فكرة محددة، كفكرة أن العبادة حق لله تعالى وحده على جميع العباد، أو أن التشريع تحليلا وتحريما حق الله تعالى وحده وأن له تعالى حق الطاعة فلا طاعة لغيره، كائنا من كان في معصيته سبحانه.
وقد تكون الفكرة في تجلية مفهوم إسلامي اختلط عند كثير من الناس، أو في توضيح حكم شرعي تهاون فيه كثير من الناس إلى غير ذلك.
وليكن الخطيب حكيما في ترتيب الأمور، إما بحسب أهميتها، وإما بحسب الظرف المناسب للبدء ببعضها دون بعض، ولا ضير عليه في التقديم والتأخير إذا كان ذلك ضمن خطة شاملة، وتسلسل في إيصال هذه الأفكار وتوضيحها للناس واحدة بعد الأخرى.
وإذا كان ذلك ضمن الهدف النهائي الذي يخطط ويعمل من أجل الوصول إليه، وعلى ضوء تحديد الهدف، فإن الخطيب يستطيع أن يقوم أداءه بين حين وآخر، ويحكم بالتالي على مدى نجاحه في تحقيق هدفه، وإلى أي قدر استطاع أن يصل من الهدف الذي يصبو إليه.
وغياب الهدف من خطبة الجمعة جعل بعض الخطباء يقف على المنبر منطفئ الحماسة، فاتر الهمة، وكأنه يلقي درسا معتادا على الناس منبتر الصلة عما قبله وعما بعده، فيفقد بهذا قوة تأثيره، وشدة انجذاب المخاطبين إليه، بل ربما أصاب الكثير منهم الملل، وقد يرى الخطيب بعض الحضور وهو نائم دون أن يكترث لذلك، وكأنه شيء مألوف لا غرابة فيه.
ج- تحديد مدة الخطبة: على ضوء تحديد موضوع الخطبة، وتحديد الهدف الذي يرمي إليه الخطيب يستطيع أن يحدد المدة المناسبة لهذه الخطبة، بحيث لا تتجاوز القدر المقبول، ويستوفي الكلام فيها على الموضوع، وخير الخطب في هذا الشأن ما كانت وافية