الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الخاتمة]
الخاتمة لقد بدا لنا من خلال هذا الكتاب أهمية خطبة الجمعة، وآثارها العظيمة التي تبرز في الوسط الإسلامي، وسواء أكان المسلمون يعيشون في البلاد الإسلامية، أم كانوا في بلاد أخرى لا تدين بالإسلام، وهم فيها أقلية، فإن المسجد في مثل هذه البيئات هو سفينة النجاة، وشاطئ السلامة، وخطبة الجمعة تبقى بإذن الله تعالى هي المنارة للمسجد، وهي الجامعة والمدرسة التي يجتمع إليها أفواج المسلمين، يتعاضدون على الحق، ويتناصرون عليه، يذكر بعضهم بعضا، ويقوي بعضهم بعضا، ويعلم بعضهم بعضا، وتتقوى بينهم الأواصر وتتوثق العلاقات، وتتوطد أسس التعارف بهذا اللقاء الأسبوعي المتكرر، وكلما جمعت الخطبة مقومات النجاح كانت أعظم أثرا، وأكبر وقعا على نفوس المصلين بمختلف فئاتهم ومستوياتهم.
وأهم مقومات النجاح وعناصر التأثير التي ينبغي أن تشتمل عليها خطبة الجمعة ما يلي:
1 -
أن تشتمل على الآيات القرآنية، فالتذكير بالقرآن ركن أساسي في الدعوة إلى الله تعالى، وعلى الخطيب أن يحرص على قراءة الآيات التي يستشهد بها قراءة صحيحة، وأن يختار الآيات المناسبة للحال، والتي ترقق القلوب وتقرع العقول بوعدها ووعيدها، وعليه أن يحذر من إقحام الآيات في غير ما يحتمله تأويلها، وتتبع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.
2 -
أن تشتمل على الأحاديث النبوية الصحيحة، وعلى الخطيب أن يتحرى الصحة، لئلا يقول على الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقل، وليعلم أنه في موطن القدوة، يتلقف الناس أقواله ويستدلون بأفعاله، وإن في الصحيح غنية عن الضعيف فضلا عن الواهي والموضوع.
3 -
أن تشتمل على ضرب المثل من التاريخ الإسلامي، وتاريخ الأمم الأخرى، ومن واقع المخاطبين، فإن ضرب المثل له أثره على النفوس، ولضرب المثل ضوابط وقواعد.
4 -
أن تشتمل على الأسلوب الحسن، والأدب الإسلامي الرفيع، بتجنب التخصيص، والتجريح لهم.
5 -
أن تشتمل على العظة، والحث على التقوى، والتذكير بالآخرة، ومشاهد القيامة، وما يرقق القلوب، ويحيي النفوس.
أما بالنسبة لمقومات الخطيب الناجح، فأبرزها الإخلاص وصدق اللهجة، وحسن السيرة والسمعة وحسن الخلق، بالإضافة إلى ما يتمتع به من علم وثقافة، وفصاحته وحسن مظهره، ثم تثبته من المعلومات، والأخبار، والأحكام التي يلقيها على الناس، وتجنبه للتقعر والتكلف وتقليد غيره في الكلام والحركات، وأن يقوم بإعداد الخطبة إعدادا جيدا، ويقوم بتقويمها تقويما دقيقا حتى يتسنى له تجنب الأخطاء والعثرات، ويرتقي إلى المستوى المطلوب.
أما المخاطبون فيراعى فيهم اختلاف مستواهم من حيث السن والعلم والأعراف، فالخطبة في الوسط الشبابي المثقف غير الخطبة في وسط الكبار في السن الذين يغلب عليهم قلة العلم، وتتمكن منهم العادات والتقاليد.
ويراعى فيهم الأمراض الاجتماعية المختلفة، وكيفية معالجتها بالحكمة والموعظة الحسنة، وذلك بأن يحرص الخطيب على القرب منهم، ومشاركتهم مناسباتهم المختلفة، ومخالطتهم، وتحسس مشكلاتهم، والعمل معهم على حلها، والتعاون معهم على تذليل العقبات التي تعترض حياتهم، وبذلك تتعزز ثقتهم به، وتتقوى الأواصر معه فيصبح فردا منهم، يستشيرونه في أمورهم، ولا يقطعون أمرا دونه، ثم عليه أن يتابع انفعالاتهم بالخطبة، وما تحدثه من تغيير في حياتهم ليتسنى له تقويمها تقويما صحيحا
وبهذا يتضح أنه لا ينبغي التهاون بشأن خطبة الجمعة، والتقليل من أهميتها وخطورتها وآثارها الجليلة على الأمة، ومما ينبغي للمسؤولين عن شؤون المساجد التعاون على الارتقاء بالخطبة، وتفعيل دورها في المجتمع، والخروج بها عن دائرة الرتابة، والنمطية الواحدة التي تخلو عن التجديد والتطوير.
ومشاركة مني في هذا الجانب المهم فإنني أقترح على القائمين على شؤون المساجد والخطابة - وفقهم الله تعالى - المقترحات التالية:
1 -
العمل على تدوير الخطباء، أي: تنقلهم بين المساجد، وتبادلهم وتناوبهم المنابر، فيخطب أحدهم هذه الجمعة في مسجده، والجمعة التي تليها في مسجد آخر، ويخلفه خطيب ذلك المسجد الجامع على الخطابة في مسجده، وهكذا بحيث يعمل على كسر طوق الرتابة والتكرار الممل.
2 -
القيام بعمل دورات للخطباء للارتقاء بمستوى الخطيب، وتبصيره بأهمية الخطبة، وكيفية إعدادها، والأسلوب الخطابي المؤثر على أن لا تقل مدة هذه الدورة عن شهرين على الأقل، ويوضع لها مساق مكثف منتقى يقوم بإعداده أهل الخبرة والاختصاص من أهل العلم، وعلماء اللغة والبيان والأدب.
3 -
إجراء مسابقات دورية سنوية، أو كل سنتين، أو نحو ذلك لاختيار أحسن الخطباء عمليا، وأحسن الخطب المكتوبة، ورصد جوائز ومكافآت قيمة لهذا الغرض، والعمل على تدريب الخطباء وتشجيعهم على ذلك.
4 -
توزيع استبانات معدة إعدادا جيدا على المصلين في أحياء ومناطق متعددة تتناول الأمور التالية:
1 -
استبانة عن موضوع الخطبة.
2 -
استبانة عن الخطيب الناجح.
5 -
إجراء استفتاءات وبحوث توصيفية عن أثر خطبة الجمعة في الأحياء والمناطق المختلفة، والعمل على رفع النسبة الإيجابية لهذا الأثر بتغيير الخطيب، وتغيير موضوع الخطبة، وغير ذلك.
6 -
تعاون المؤسسات والمراكز الإسلامية المتخصصة مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف على وضع المناهج والبرامج المتنوعة الكفيلة بالارتقاء بمستوى الخطيب والخطبة، وعمل دورات متقدمة لهذه الغاية.
7 -
عمل لقاءات واجتماعات دورية للخطباء، إما في المدينة الواحدة، وإما خطباء شرق المدينة على حدة، وخطباء غرب المدينة على حدة. . . إلخ، وذلك لتدارس موضوعات الخطب، والمشكلات التي تواجه الخطباء، والتداول حول أهم القضايا على الساحة الإسلامية والعالمية، وكيفية تناولها وطرحها، والمقترحات، والتوصيات التي تقترح لمعالجة المشكلات.
8 -
العمل على توفير " مكتبة الخطيب " في كل مسجد جامع، وتحتوي هذه المكتبة على عدد من المصادر والمراجع القديمة والحديثة المنتقاة التي تصلح للتحضير منها، بالإضافة إلى اقتناء الخطيب لعدد من المجلات والجرائد الأسبوعية واليومية التي تطلعه على أخبار العالم الإسلامي، وأخبار العالم المتجددة.
هذا وأسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لطاعته وهداه، وأن يجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.