الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى الآخر يمكن أن يقال: بل العلم قديم العين، ولكن تتجدد له الإضافات، كما يقوله ابن كلاب.
وهؤلاء جعلوا العلم ثابتاً في الأزل دون التكوين، فإذا ثبت أن كونه فاعلاً لا يقتضي تكويناً قائماً بذاته، مع تجدد التكوينات الإضافية.
فهؤلاء إذا أثبتوا علماً قديماً، وقالوا بتجدد تعلقاته، كانوا أبعد عن الامتناع.
وأما من جعل الفاعلية أمراً قائماً بالفاعل، وقال: إنه يتجدد عند تجدد المفعولات، فإنه إذا قال بتجدد عالمية بعد وجود المعلوم، مع قوله: إنه علم ما سيكون قبل أن يكون، كان اقتضاء ذاته لهذه العالمية كاقتضائها لتلك الفاعلية، وإذا كان واجب الوجود مع تلك الفاعلية فكذلك مع هذه العالمية.
الوجه التاسع
أنه إذا قدر واجب الوجود يقدر على الأفعال الحادثة شيئاً فشيئاً، وقدر آخر لا يمكنه إحداث شيء -قضى صريح العقل أن من أمكنه الإحداث شيئاً بعد شيء، هو أكمل ممن لا يمكنه إحداث شيء.
وإذا قال القائل: هذا كان فيه شيء بالقوة لا يخرج إلى الفعل إلا شيئاً فشيئاً، وذاك كله بالفعل ليس فيه شيء بالقوة.
قيل له: كل ما لهذا بالفعل هو للآخر، فإن ذاته وصفاته التي يمكن قدمها لازمة له.
وأما الحوادث التي لا يمكن وجودها إلا شيئاً فشيئاً، فهذا يمتنع أن تكون بالفعل قديمة أزلية، فلا تكون بالفعل
في الأزل، بل لا يمكن أن تكون إلا بالقوة، ثم تخرج إلى الفعل بحسب الإمكان شيئاً فشيئاً.
وإذا لم يمتز من قدر عدم هذه له بوصف كمال بل المتصف بها أكمل.
كان نفى هذه عن واجب الوجود نفي صفة كمال لا إثبات كمال له.
وهؤلاء النفاة المعطلة من الجهمية والمتفلسفة والباطنية يظنون أن ما نفوه عن الرب هو كمال له وهو تعظيم له، وذلك من جهلهم بل إثبات ما نفوه هو الكمال الذي يكون مثبته معظماً للرب.
ولكن هم في ذلك نظير إخوانهم من معطلة النبوات، الذين قالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء، وقالوا: الله أعظم من أن يرسل رسولاً من البشر.
قال تعالى: {أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس} [يونس: 2] .
أو لم يعلموا أن إرسال رسول من البشر يبلغهم رسالات ربهم ويهديهم إلى صراط مستقيم، أبلغ في قدرة الرب ورحمته بعباده، وإحسانه إليهم، وأعظم إثباته للكمال من كون ذلك عنه ممكن له ومن امتناعه عن فعله؟.
وكذلك كونه يخلق الأشياء شيء بعد شيء أبلغ من كونه لا يمكنه إحداث شيء، بل عند كثير من الناس -أو أكثرهم- كونه يخلق أكمل من كونه لا يخلق.
كما قال تعالى: {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون} [النحل: 17] .