الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأول الواجب يعقل تلك الجواهر مع تلك الصور، لا بصور غيرها، بل بأعيان تلك الجواهر والصور، وكذلك الوجود على ما هو عليه، فإذن لا يعزب عنه مثقال ذرة، من غير لزوم محال من المحالات المذكورة.
قال: فهذا أصل إن حققته وبسطته انكشفت لك كيفية إحاطته تعالى بجميع الأشياء الكلية والجزئية، إن شاء الله تعالى.
و {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} [المائدة: 54] .
ولولا أن تلخيص هذا البحث على هذا الوجه الشافي يستدعي كلاماً بسيطاً، لا يليق أن نورد أمثاله على سبيل الحشو، لذكرت ما فيه كفاية، لكن الاقتصار هنا على هذا الإيماء أولى.
الرد على كلام الطوسي من وجوه
قلت: فليتدبر العاقل الذي هداه الله تعالى وفهمه ما جاءت به الرسل، وما قاله غيرهم، كلام هذا الذي هو رئيس طائفته في وقته، وما قرر به كلام سلفه الملحدين في علم الله تعالى، لما كان ابن سينا -وهو أفضل متأخريهم- قد قال في ذلك بعض الحق الذي يقتضيه العقل الصريح، مع موافقته للنقل الصحيح، فأراد هذا الطوسي أن يرد ما قاله ابن سينا من الحق انتصاراً لطائفته الملاحدة، فقال في الكلام الذي عظم قدره وتبجح به، ما يظهر
لمن فهمه أنه من أفسد أقوال الآدميين، وأشبه الأشياء بأقوال المجانين.
ولا ريب أن هذه عقول كادها باريها، لما ألحدت في صفات الله تعالى، وأرادت نصر التعطيل، وقعت في هذا الجهل الطويل.
فجعل نفس الحقائق، المعلومة الموجودة المباينة للعالم، هي نفس علم العالم بها، ولا ريب أن هذا أفسد من قول من جعل العلم نفس العالم، كما يقوله طائفة من النفاة، كابن رشد ونحوه وقول أبي الهذيل خير منه.
ولا ريب أن من جعل نفس المخلوقات نفس علم الخالق بها.
فقد أتى من السفسطة بما هو من أعظم الأشياء فرية على الخالق تعالى وعلى مخلوقاته، وما هو من أظهر الأقوال فساداً عند كل من تدبره.
والحمد لله الذي جعل أقوال الملحدين يظهر فسادها لكل ذي عقل، كما علم إلحادهم كل ذي دين، هذا مع تعظيم أتباعهم لهم، ونسبتهم لهذا ونحوه إلى التحقيق في المعارف الحكمية، والعلوم الإلهية.
ثم إن هذه اللوازم الظاهرة لفساد بناها على مقدمة ستسلفها ممن سلمها له من أشباهه.
وأقرب الأشياء شبهاً بهذا القول، قول أهل الوحدة، الذين يقولون: وجود المخلوق عين وجود الخالق.