الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد تكلم في ذلك السهروردي المقتول صاحب التلويحات وحكمة الإشراق وغيرهما، مع تألهه على طريقتهم، ومع أنه في حكمة الإشراق سلك طريقاً لم يقلد فيها المشائين، بل بين فساد أقوالهم فيها في مواضع، وكان كلامه في مواضع متعددة خيراً من كلامهم، وإن كانت سمة الإلحاد تتناولهم كلهم.
فالمقصود بيان الحق، وإذا كان بعضهم ينازع بعضاً ويرد عليه، وكان أحدهما أقرب إلى الحق في ذلك الموضع من الآخر، كان بيان رد بعضهم على بعض بما قاله من الباطل مما يؤيد الله به الحق.
فرد عليهم دعواهم أن العقول عشرة.
وهؤلاء المتأخرون يقولون: إنها الملائكة بلسان أهل الملل، ويسميها صاحب حكمة الإشراق الأنوار، ويقول: إن قدماء الفلاسفة وفلاسفة الفرس والهند يقولون: هي كثيرة أكثر مما أثبته المشاؤون، مع أنا قد بينا في غير هذا الموضع أن ما أثبته المشاؤون من العقول لا حقيقة له في الخارج البتة، وإنما الحق ما أثبته الله ورسوله من الملائكة التي أخبرت بها الأنبياء، ودلت عليها الدلائل العقلية.
والمقصود هنا مسألة العلم.
كلام السهرودي في حكمة الإشراق
قال السهروردي: فصل لما تبين أن الإبصار
ليس من شرطه انطباع شبح أو خروج شيء، بل كفى عدم الحجاب بين الباصر والمبصر، فنور الأنوار ظاهر لذاته فلا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، لا يحجبه شيء عن شيء، فعلمه وبصره واحد، ونوره قدرته، إذ النور مباين لذاته.
قال: والمشاؤون وأتباعهم قالوا: علم واجب الوجود ليس بزائد عليه، بل هو عدم غيبته من ذاته المجردة عن المادة.
وقالوا: وجود الأشياء عن علمه بها.
قال: فيقال لهم: إن علم لزم من العلم شيء، فيقدم العلم على الأشياء وعلى عدم الغيبة، فإن عدم الغيبة عن الأشياء يكون بعد تحققها، فكما أن معلوله غير ذاته فالعلم بمعلوله غير العلم بذاته.
قال: وأما ما يقال: إن علمه بلازمه منطو في علمه بذاته، فكلام لاطائل تحته، فإن علمه سلبي عنده، فكيف يندرج العلم بالأشياء في السلب؟ والتجرد عن المادة سلبي، وعدم الغيبة أيضاً سلبي، فإن عدم الغيبة لا يجوز أن يعني به الحضور، إذ الشيء لا يحضر عند ذاته، فإن الذي حضر غير من يكون عنده الحضور، فلا يقال إلا في شيئين -بل أعم، فكيف يندرج العلم بالغير في السلب؟ ثم الضاحكية غير الإنسانية، فالعلم بها غير العلم بالإنسانية، والضاحكية علمها عندنا ما انطوى في الإنسانية، فإنها ما دلت مطابقةً أو تضمناً عليها، بل دلالةً خارجية، فإذاً الضاحكية التي احتجنا في العلم بها غلى صورة أخرى، ودون تلك الصورة إنما هي معلومة لنا بالقوة.
قال: وما ضربوه من المثال في الفرق بين العلم التفصيلي
بمسائل، وبين العلم بالقوة بها، كمسائل ذكرت، فوجد الإنسان من نفسه ملكةً وقدرة على الجواب لهذه المسائل المذكورة فهذه القوة أقرب مما كانت قبل السؤال، فإن القوة مراتب، ولا يكون عالماً بجواب كل واحدة على الخصوص ما لم يكن عنده صورة كل واحد، وواجب الوجود منزه عن هذه الأشياء.
ثم إذا كان ج غير باء فسلب باء كيف يكون علماً بهما، وعنايةً بكيفية ما يجب أن يكونا عليه من النظام، وإن كان علمه بالأشياء هو العلم المتقدم؟.
قال: فإذاً الحق في العلم هو قاعدة الإشراق، وهو أن علمه بذاته هو كونه نوراً لذاته وظاهراً لذاته، وعلمه بالأشياء كونها ظاهرةً له، إما أنفسها أو متعلقاتها التي هي مواضع الشعور