الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أعني من هذا.
هذا بتقدير أن يكون ما ذكروه في المنطق صحيحاً، فكيف وفيه من الفساد والتناقض ما هو مذكور في موضعه؟.
كلام ابن رشد في مناهج الأدلة عن التنزيه ورد ابن تيمية عليه
قال: الفصل الرابع: في معرفة التنزيه.
قال: وإذ قد تقرر من هذه المناهج التي سلكها الشرع في تعليم الناس: أولاً: وجود الباري سبحانه، والطرق التي سلكها في نفي الشريك عنه ثانياً، والتي سلكها ثالثاً في معرفة صفاته، والقدر الذي صرح به من ذلك في جنس جنس من هذه الأجناس، وهو القدر الذي إذا زيد فيه أو نقص أو حرف أو أول، لم تحصل به السعادة المشتركة للجميع، فقد بقي علينا أن نعرف أية الطرق التي سلكها بالناس في تنزيه الخالق سبحانه عن النقائص، ومقدار ما صرح به من ذلك، والسبب الذي من قبله اقتصر بهم على ذلك المقدار.
ثم نذكر بعد ذلك الطرق التي سلك بالناس في معرفة
أفعاله، والقدر الذي سلك بهم من ذلك، فإذا تم لنا ذلك فقد استوفينا غرضنا الذي قصدناه.
قال: فنقول: أما معرفة هذا الجنس الذي هو التنزيه والتقديس، فقد صرح به أيضاً في غير ما آية من الكتاب العزيز، فأبينها في ذلك وأتمها قوله تعالى:{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]، وقوله:{أفمن يخلق كمن لا يخلق} [النحل: 17] .
والآية الأولى هي نتيجة هذه والثانية برهان، أعني أن قوله تعالى:{أفمن يخلق كمن لا يخلق} [النحل: 17]، هو برهان قوله:{ليس كمثله شيء} وذلك أنه من المغروز في فطر الجميع أن الخالق يجب أن يكون: إما على غير صفة الذي لا يخلق شيئاً، أو على صفة غير شبيهة بصفة الذي لا يخلق شيئاً، وإلا كان من يخلق ليس
بخالق فإذا أضيف إلى هذا الأصل أن المخلوق ليس بخالق يلزم من ذلك أن تكون صفات المخلوق: إما منتفية عن الخالق، أو موجودة فيه على غير الجهة التي هي عليها في المخلوق.
قلت: صفات النقص يجب تنزيهه عنها مطلقاً، وصفات الكمال تثبت له على وجه لا يماثله فيها مخلوق.
قال: وإنما قلنا على غير الجهة، لأن من الصفات التي في الخالق صفات استدللنا على وجودها بالصفات التي هي لأشرف المخلوقات هنا، وهو الإنسان، مثل إثبات العلم والحياة والقدرة والإرادة والكلام وغير ذلك.
قال: وهذا معنى قوله عليه السلام: إن الله خلق آدم على صورته.
قال: وإذا تقرر أن الشرع قد صرح بنفس المماثلة بين الخالق والمخلوق، وصرح بالبرهان الموجب لذلك، وكان نفي المماثلة يفهم منه
شيئان: أحدهما: أن يعدم الخالق كثيراً من صفات المخلوق، والثاني: أن توجد فيه صفات المخلوق على وجه أتم وأفضل بما لا يتناهى في العقل، فلينظر ما صرح به الشرع من هذين الصنفين، وما سكت عنه، وما السبب الحكمي في سكوته.
قلت: ونفي المماثلة قد يتضمن إثبات صفات الكمال للخالق، لا يثبت للمخلوق منها شيء، فكما أن في صفات المخلوق ما لا يثبت للخالق، فكذلك في صفات الخالق ما لا يثبت للمخلوق.
لكن هذا الضرب لا يمكن الناس معرفته في الدنيا، فلهذا لم يذكر.
قال: فنقول: أما ما صرح به الشرع من نفي صفات المخلوق عنه، فما كان ظاهراً من أمره أنه من صفات النقائص، فمنها الموت، كما قال تعالى:{وتوكل على الحي الذي لا يموت} [الفرقان: 58] .
ومنها النوم وما دونه مما يقتضي الغفلة والسهو عن الإدراكات والحفظ للموجودات، وذلك مصرح به في قوله تعالى:{لا تأخذه سنة ولا نوم} [البقرة: 255] .
ومنها النسيان والخطأ، كما قال تعالى:{لا يضل ربي ولا ينسى} [طه: 52] .
والوقوف على انتقاء هذه النقائض هو قريب من العلم الضروري.
وذلك أن ما كان قريباً من هذه من العلم الضروري، فهو الذي صرح الشرع بنفيه عنه سبحانه وتعالى، وأما ما كان بعيداً من المعارف الأولى الضرورية، فإنما نبه عليه بأن عرف أنه من علم الأقل من الناس، كما قال في غير ما آية من الكتاب العزيز:{ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم: 30] : مثل قوله: {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس} [غافر: 57] .
ومثل قوله: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [الروم: 30] .
قال: فإن قيل: فما الدليل على انتفاء هذه النقائض عنه، أعني: الدليل الشرعي؟ قلنا: الدليل عليه ما يظهر من أن
الموجودات محفوظة لا يتخللها اختلال ولا فساد، ولو كان الخالق يدركه خطأ أو غفلة، أو سهو أو نسيان لاختلت الموجودات.
وقد نبه سبحانه على هذا المعنى في غير ما آية من كتابه.
فقال تعالى: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده} [فاطر: 41]، قال تعالى:{ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم} [البقرة: 255] .
قال: فإن قيل: فما تقولون في صفة الجسمية: هل هي من الصفات التي صرح الشرع بنفيها عن الخالق تعالى؟ أم هي من المسكوت عنها؟ أو أنه لم يصرح بنفيها ولا إثباتها، ولكن صرح بأمور تلزم -يعني الجسمية في بادي الرأي منها- فنقول: إنه من البين من أمر هذه الصفة أنها من الصفات المسكوت عنها، وهي إلى التصريح بإثباتها في الشرع أقرب منها إلى نفيها، وذلك أن الشرع
قد صرح بالوجه واليدين في غير آية من كتابه، وهذه الآيات قد توهم أن الجسمية هي له من الصفات التي فضل فيها الخالق المخلوق، كما فضله في صفة القدرة والإرادة وغير ذلك من الصفات، التي هي مشتركة بين الخالق والمخلوق، إلا أنها في الخالق أتم وجوداً.
ولهذا صار كثير من أهل الإسلام إلى أن يعتقد في الخالق أنه جسم لا يشبه الأجسام، وعلى هذا الحنابلة وكثير ممن تبعهم.
وهؤلاء أيضاً قد ضلوا إذ صرحوا بما ليس حقاً في نفسه، وما يوهم أيضاً التشابه بين الخالق والمخلوق.
وإنما صرح الشرع بأشياء توهمها لا يصر، فتوهمها من كان من الناس لا يقدر أن يتصور موجوداً ليس بجسم، ولا أيضاً إذا سمع تلك الأشياء خيف عليه أن يتطرق ذهنه إلى القول بالجسمية.
وهذه هي حال جمهور الناس، لأن الذين يتطرق لهم من ذلك إثبات الجسمية هم قليل من الناس، وهؤلاء ففرضهم الوقوف على الدلائل التي توجب نفي الجسمية.
قلت: ولقائل أن يقول: أما قوله: صار كثير من أهل الإسلام يقولون: إنه جسم لا يشبه الأجسام فهذا صحيح.
وأما قوله: وعلى هذا الحنابلة وكثير ممن اتبعهم.
فيقال له: ليس في الحنابلة من أطلق لفظ الجسم، لكن نفاة الصفاة يسمون كل من أثبتها مجسماً بطريق اللزوم، إذا كانوا يقولون: إن الصفة لا تقوم إلا بجسم، وذلك لأنهم اصطلحوا في معنى الجسم على غير المعنى المعروف في اللغة، فإن الجسم في اللغة هو البدن، وهؤلاء يسمون كل ما يشار إليه جسماً، فلزم -على قولهم- أن يكون ما جاء به الكتاب والسنة، وما فطر الله عليه عباده، وما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها تجسيماً.
وهذا لا يختص طائفة: لا الحنابلة ولا غيرهم، بل يطلقون لفظ المجسمة والمشبهة على أتباع السلف كلهم، حتى يقولوا في كتبهم: ومنهم طائفة يقال لهم المالكية ينتسبون إلى مالك بن أنس، ومنهم طائفة يقال لهم الشافعية ينتسبون إلى الشافعي.
لكن لما جرت محنة الجهمية نفاة الصفات وسموا من أثبتها مجسماً في عهد الإمام أحمد، وقالوا: إن القرآن مخلوق، وحقيقة ذلك أن الله لم يتكلم بشيء، وقالوا: إنه لا يرى، ونحو ذلك -قام أحمد بن حنبل من إظهار السنة والصفات، وإثبات ما جاء في الكتاب والسنة من هذا الباب بما لم يحتج إليه غيره من الأئمة، وظهر ذلك في جميع أهل السنة