الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيء؟ والذين فرقوا قالوا: ذاته لا تضاف إلى ذاته، وهذا الفرق منتف فيما سواهما.
قالوا: ليس بينه وبين ذاته واسطة أقرب من ذاته إلى ذاته وهذا منتف فيما سوى ذاته.
وقالوا: العلم هو العالم وليس هو المعلوم، فعلمه بذاته هو نفس ذاته، بخلاف علمه بغيره.
وبالجملة فهم قد ذكروا فروقاً، إن كانت صحيحة بطل الجمع، وإن كانت باطلة منع الحكم في الأصل.
أما كون الحكم في الأصل يوجد مسلماً، مع قياس العلم بما سواه على العلم بنفسه، في أن كل عالم بمعلوم هو نفس المعلوم، وليس هناك علم زائد على المعلوم- فهذا مردود بصريح العقل، ومجرد تصوره التام كاف في العلم بفساده.
الوجه الثالث
أن يقال: قوله: فلا يحتاج في إدراك ما يصدر عن ذاته بذاته، إلى صورة غير صورة ذلك الصادر، التي بها هو هو قضية معلومة الفساد بالضرورة، فإن الإنسان يجد من نفسه أنه إذا أراد أن تصدر عنه صورة خارجية، من قول أو فعل، فإنه يتصور في ذهنه ما يريد أن يظهره قبل أن يظهره، ويميز بين الصورة التي في ذهنه، وبين ما يظهره بقوله وفعله.
والفلاسفة، مع سائر العقلاء، متفقون على هذا، ويقولون: أول الفعلة آخر العمل، وأول البغية آخر الدرك، ويقولون: العلة الغائية هي أول في التصور آخر في الوجود.
وجمهور العقلاء يقولون: السابق هو تصور العلة الغائية وإرادتها.
وأما ابن سينا ونحوه من الفلاسفة فيقولون: بل نفس العلة هي السابقة في الذهن.
ويقولون: العلة الغائية علة فاعلية للعلة الفاعلية.
وجمهور العقلاء لا يجعلونها علة فاعلية، بل يقولون: تصور الفاعل لها، وإرادته لها، به صار فاعلاً، فلولا تصور الغاية والإرادة لها لما كان فاعلاً، فتصورها وإرادتها شرط في كون الفاعل فاعلاً، وهي مقدمة في التصور والإرادة، وإن تأخرت في الوجود.
ففي الجملة العاقل الفاعل فعلاً باختياره، يتصور ما يريد أن يفعله في نفسه، ثم يوجده في الخارج، فتلك الصورة الموجودة في الخارج بفعله، ليست هي الصورة المعقولة في ذهنه، كمن أراد أن يصنع شكلاً مثلثاً أو مربعاً، أو يصنف خطبة، أو يبني داراً، أو يغرس شجراً أو يسافر إلى مدينة، فإنه يتصور ما يريده ابتداءً، فتكون له صورة عقلية في نفسه، قبل صورته التي توجد في الخارج، وهو معنى قولهم: أول البغية آخر الدرك، أي أول ما تبغيه فتريده وتطلبه، هو آخر ما تدركه وتناله.