المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تابع كلام ابن رشد عن صفة الكلام ورد ابن تيمية عليه - درء تعارض العقل والنقل - جـ ١٠

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌فصل. باقي كلام ابن ملكا في المعتبر وتعليق ابن تيمية

- ‌نقل ابن ملكا لكلام ابن سينا في النجاة

- ‌كلام ابن سينا باطل من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الوجه التاسع

- ‌الوجه العاشر

- ‌الوجه الحادي عشر

- ‌الوجه الثاني عشر

- ‌الوجه الثالث عشر

- ‌الوجه الرابع عشر

- ‌الوجه الخامس عشر

- ‌الوجه السادس عشر

- ‌كلام الرازي في "شرح الإشارات

- ‌كلام الآمدي

- ‌كلام الطوسي في "شرح الإشارات

- ‌الرد على كلام الطوسي من وجوه

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الوجه التاسع

- ‌الوجه العاشر

- ‌الوجه الحادي عشر

- ‌الوجه الثاني عشر

- ‌الوجه الثالث عشر

- ‌الوجه الرابع عشر

- ‌الوجه الخامس عشر

- ‌الوجه السادس عشر

- ‌الوجه السابع عشر

- ‌الوجه الثامن عشر

- ‌الوجه التاسع عشر

- ‌الوجه العشرون

- ‌كلام السهرودي في حكمة الإشراق

- ‌الرد عليه

- ‌فصل. تابع كلام ابن سينا في مسألة علم الله تعالى

- ‌معارضة ابن ملكا لابن سينا

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌فصل. عود لكلام ابن سينا في مسألة علم الله تعالى

- ‌كلام الطوسي في شرح كلام ابن سينا

- ‌اعتراض الرازي على ابن سينا

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الغزالي في تهافت الفلاسفة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام ابن رشد في تهافت التهافت وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام ابن سينا في الإشارات ورد ابن تيمية عليه

- ‌كلام الطوسي في شرح الإشارات ورد ابن تيمية عليه

- ‌رد الغزالي على الفلاسفة في تهافت الفلاسفة وتعليق ابن تيمية

- ‌كلام ابن سينا باطل من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌كلام ابن رشد في مناهج الأدلة عن صفة الإرادة ورد ابن تيمية عليه

- ‌تابع كلام ابن رشد عن صفة الكلام ورد ابن تيمية عليه

- ‌كلام ابن رشد السابق خطأ من عدة وجوه

- ‌تابع كلام ابن رشد عن صفة الكلام ورد ابن تيمية عليه

- ‌كلام ابن رشد في مناهج الأدلة عن صفتي السمع والبصر ورد ابن تيمية

- ‌رد ابن رشد على أقوال الأشاعرة والمعتزلة في مسألة الصفات ورد ابن تيمية

- ‌كلام ابن رشد في مناهج الأدلة عن التنزيه ورد ابن تيمية عليه

- ‌كلام ابن رشد في تهافت التهافت في نفي الصفات ورد ابن تيمية عليه

- ‌عود إلى كلام ابن رشد في مناهج الأدلة ورد ابن تيمية

- ‌عود إلى كلام ابن رشد في مناهج الأدلة ورد ابن تيمية

- ‌عود إلى كلام ابن رشد في مناهج الأدلة ورد ابن تيمية

الفصل: ‌تابع كلام ابن رشد عن صفة الكلام ورد ابن تيمية عليه

‌تابع كلام ابن رشد عن صفة الكلام ورد ابن تيمية عليه

قال ابن رشد: وقد يكون من كلام الله ما يلقيه إلى العلماء الذين هم ورثة الأنبياء بواسطة البراهين، وبهذه الجهة صح عند العلماء أن القرآن كلام الله.

أعني أن القرآن تضمن براهين عجزت العقول البشرية عنها، فوجب أن يكون فاعلها هو الله.

وفاعل البرهان عند الناظر فيه مقطوع عنده أن فاعل ذلك متكلم.

قلت: هذا بناه على ما تقدم من أن التكليم ليس إلا مجرد الإعلام، فما علمه العالم بالدليل هو من هذا النمط وهذا مما يبين ضلاله، فإنه من المعلوم بالإضرار أن تكليم الله لأنبيائه بالوحي الذي يخصهم أمر لا يحصل للعلماء، ما ذكره في القرآن مضمونه أن القرآن فيه من البراهين ما تعجز عنه العقول، فوجب أن يكون مفعولاً لله على زعمه.

وهو، والمعتزلة، يقولون: إنه مفعول أحدثه في شيء منفصل عن الرسول وعن جبريل، وهؤلاء عندهم لا يكون إحداثه إلا في نفس الرسول أو جبريل، عند من يسلم أن جبريل ملك منفصل عن النبي قائم بنفسه، وهذا لا يقوله إلا من قرب إلى الإسلام منهم، وأئمتهم لا يقولون ذلك، ولا يعرفون جبريل إلا ما في نفس النبي من الخيال أو

ص: 214

العقل الفعال.

فقول المعتزلة خير من قول هؤلاء بكثير.

ويقال له: القرآن إذا تضمن براهين عجزت العقول عنها، فمن أين وجب أن يكون مفعولاً لله؟ وما المانع من أن يكون كلاماً يتكلم الله به؟ هذا لا مانع منه إلا ما يقوله نفاة الصفات، وأنتم قولكم في إثباتها ونفيها متناقض، تثبتونها تارة وتنفونها أخرى، ولا دليل لكم على النفي إلا ما قد عرف فساده، والأدلة اليقينية توجب إثباتها، أو ما يقوله من ينفي أفعاله، وما يقوم به من الأمور التي يختارها ويقدر عليها، كالتكليم مثلاً، وأنتم قد بينتم فساد هذه الحجة التي استدل بها نفاة ذلك.

قال: فقد تبين لك أن القرآن -الذي هو كلام الله- قديم، وأن اللفظ الدال عليه مخلوق له سبحانه وتعالى لا للبشر.

فيقال له: ليس فيما ذكرته ما يقتضي أن القرآن -الذي هو كلام الله- قديم، فإن غاية ما ذكرته أن يكون القديم هو العلم، والقرآن ليس هو مجرد العلم: لا حروفه ولا معانيه.

أما حروفه، فظاهر.

وأما معانيه، فإن معاني الكلام نوعان: إنشاء وإخبار.

فأما الإنشاء ففيه الأمر والنهي، المتضمن للطلب أو للإرادة، التي بمعنى المحبة.

ونحو ذلك.

وأما الخبر فهل معناه من جنس العلم، أو حقيقة أخرى غير العلم؟ ففيه قولان معروفان.

فإذا لم يكن في كلامك ما يمكن أن يكون قديماً غير العلم، لم يكن

ص: 215

معنى القرآن عندك قديماً، ولكن بعض معناه.

ثم الكلام في تعدد هذه المعاني واتحادها، وتعدد العلم والإرادة واتحاد ذلك لم يتكلم هو فيه، وقد ذكر في غير هذا الموضع.

وكذلك يقال له: ليس فيما ذكرته أن اللفظ الدال عليه مخلوق له سبحانه لا لبشر، فإنك لم تذكر إلا مجرد دعوى: أنه يسمع ألفاظاً في نفسه، ولم تقم دليلاً على ذلك.

ولو قدر أن مثال ذلك يسمى كلام الله، كان قول القائل: إن القرآن من هذا الباب -دعوى تفتقر إلى دليل، وهو لم يذكر دليلاً على ذلك، ولا دليل له إلا ما قد اعترف هو بضعفه، كدليل ابن سينا على نفي الصفات، ودليل المعتزلة والأشعرية على أن ما لم يسبق الحوادث فهو حادث، أو دليل المعتزلة على نفي الصفات، وهو أضعف من ذلك.

فهذا مجموع ما ذكره، هو وأمثاله في كتبهم، وهي ترجع إلى دليل الحوادث والتعدد والاختصاص، ليس لهم رابع.

ثم يقال له: بتقدير تسليم ما قدمته، قولك في القرآن باطل، وذلك لأنه لا يمكنك أن تقول فيه ما قلته في تكليم موسى، فإن موسى كلمه الله تكليماً، فزعمت أنت وأمثالك من الملاحدة أن معنى ذلك خلق كلام مسموع في مسامع موسى، كما زعم المعتزلة - الذين هم خير منكم - أن ذلك كلام مسموع خلقه في جسم من الأجسام فسمعه

ص: 216

موسى، وأما القرآن فنزل به جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لم يكلم الله به محمداً بلا واسطة.

وإذا كان جبريل نزل به من الله، وأنتم تقولون ليس هنا جبريل منفصل عن النبي، وإنما جبريل ما يتخيل في نفسه من الصور النورانية التي تخاطبه، وحينئذ فيكون من خلق في نفسه هذه الأصوات ابتداءً قد كلمه الله تكليماً، ومن خلقت فيه بواسطة هذه الصورة نزل جبريل بها، فيكون ما يحصل لآحاد الناس من الأصوات التي يسمعها في نفسه أعظم من القرآن، وهي بأن تكون كلام الله أحق من القرآن، وتكون التوراة أعظم من القرآن.

وقد علم بالاضطرار من دين المسلمين أن جبريل ملك حي متكلم، كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي، ليس هو مجرد ما يتخيل في نفسه.

قال تعالى: {إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين} إلى قوله: {ولقد رآه بالأفق المبين} [التكوير: 19-23] ، فأخبر أنه رسول كريم، ذو قوة عند ذي العرش، وأنه مطاع هناك أمين.

ومن المعلوم أن ما في نفوس البشر من الصور لا يوصف بهذا وقال تعالى: {علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى *

ص: 217

ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى} [النجم: 5-18] ، فأخبر أن معلمه معلم شديد القوى، وأنه ذو مرة.

والناس قد تنازعوا في المرئي مرتين، فقال ابن مسعود وعائشة وغيرهما: هو جبريل، رآه على صورته التي خلق عليها مرتين، كما ثبت ذلك في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن عباس وغيره: رأى ربه بفؤاده مرتين.

ومن المعلوم أنه إذا كان المرئي جبريل، وأنه الذي رآه عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأموى، وأنه استوى وهو بالأفق الأعلى -امتنع أن يكون جبريل ما في نفسه.

وإن كان المرئي هو الله، فهو أعظم.

ومن هؤلاء من يقول: جبريل هو العقل الفعال، ويقول: ليس بضنين: أي ببخيل، لأنه فياض.

وهذا جهل، لأن قراءة الأكثرين: بظنين، أي بمتهم.

وهو المناسب، أي ما هو بمتهم على ما غاب عنا، بل هو أمين في إخباره بالغيب.

وإذا قيل: ضنين، بمعنى بخيل، كان ذلك وصفاً له بأنه لا ينجل بعلم الغيب، بل يبين الحق.

ولهذا قال: على الغيب بظنين.

ص: 218

وما يزعمونه من العقل الفعال هو عندهم تفيض منه جميع الأمور المشاهدة، فليس هنا غيب وشهادة.

ثم من المعلوم بالاضرار من دين المسلمين أن جبريل لم يبدع الأرض والجبال، والهواء والسحاب، والحيوان والمعدن والنبات.

وهم يزعمون أن هذا العقل الفعال أبدع كل ما تحت فلك القمر.

وقد بسط الكلام على هذا، وبين أن الملائكة التي وصفها الله في كتابه لا يصح أن تكون هي ما يذكرونه من العقول والنفوس بوجوه كثيرة.

قال: وبهذا باين لفظ القرآن الألفاظ التي ينطق بها في غير القرآن، أعني أن هذه الألفاظ هي فعل لنا بإذن الله.

وألفاظ القرآن هي خلق الله، ومن لم يفهم هذا على هذا الوجه لم يفهم هذه الصورة، ولا فهم كيف يقال في القرآن: إنه كلام الله.

فيقال له: كلا ما يحدثه الله تعالى في نفوس الآدميين من الحروف والأصوات التي يتخيلونها في المنام واليقظة، هي على قولكم بمنزلة القرآن في أنها خلق الله.

ومن المعلوم أن الألفاظ التي يؤلفها الفضلاء خير من أكثر الألفاظ التي يتخيلها أكثر الناس في المنام واليقظة، فأي فضيلة للقرآن بهذا الإعتبار؟!.

قال: ومن نظر إلى اللفظ دون المعنى، قال: إن القرآن

ص: 219

مخلوق.

ومن نظر إلى المعنى الذي يدل عليه اللفظ، قال: إنه غير مخلوق.

والحق هو الجمع بينهما.

قال: والأشعرية قد نفوا أن يكون المتكلم فعل الكلام، لأنهم تخيلوا أنهم إذا سلم، هذا الأصل، وجب أن يعترفوا أن الله فاعل لكلامه، ولما اعتقدوا أن المتكلم هو الذي يقوم الكلام بذاته، ظنوا أنه يلزمهم عن هذين الأصلين أن يكون الله فاعلاً للكلام في ذاته، فتكون ذاته محلاً للحوادث، فقالوا: المتكلم ليس فاعلاً للكلام، وإنما هي صفة قديمة لذاته كالعلم وغير ذلك، وهذا يصدق على كلام النفس، ويكذب على الكلام الذي يدل على ما في النفس، وهو اللفظ.

والمعتزلة لما ظنوا أن الكلام هو ما فعله المتكلم، قالوا: إن الكلام هو اللفظ فقط.

ولهذا قال هؤلاء: إن اللفظ مخلوق.

واللفظ عند هؤلاء من حيث هو فعل، فليس من شرطه أن يقوم بفاعله، والأشعرية تتمسك بأن من شرطه أن يقوم بالمتكلم، وهذا صحيح في الشاهد في الكلامين معاً: أعني كلام النفس، واللفظ الدال عليه.

وأما في الخالق فكلام النفس هو الذي قام به، فأما الدال عليه فلم يقم به سبحانه.

ص: 220

والأشعرية لما شرطت بإطلاق أن يكون الكلام قائماً بالمتكلم، أنكرت أن يكون المتكلم فاعلاً للكلام على الإطلاق، والمعتزلة لما شرطت أن يكون المتكلم فاعلاً للكلام بإطلاق أنكروا كلام النفس.

وفي قول كل واحدة من الطائفتين جزء من الحق وجزء من الباطل، على ما لاح لك من قولنا.

فيقال له: ليس فيما ذكرته قول الأشعرية ولا قول المعتزلة ولا جمعاً بينهما وبل هو قول المتفلسفة والصابئة، الذين هم شر من اليهود والنصارى.

وذلك أن المعتزلة، وإن قالت: إن الكلام مفعول للرب، فإنها لا تجعلها محدثاً في نفس المتكلم، بل يقولون: إنه مفعول في جسم منفصل عن المستمع، وهو آية من آيات الله التي يخلقها، ومن قال بقولك كفرته المعتزلة.

وأما الأشعرية فهم، وإن قالوا: إنه معنى قائم بنفس المتكلم، فلا يجعلونه مجرد العلم، بل الكلام عندهم صفة ليست هي العلم ولا الإرادة، والكلام يكون خبراً ويكون أمراً.

والناس وإن خالفوهم في هذا المعنى، وقالوا لا يعقل إلا العلم

ص: 221

والإرادة، وضايقوهم في جعل المعنى الواحد يكون أمراً وخبراً، حتى احتاج بعضهم إلى أن جعل الكلام كله بمعنى الخبر، والخبر مع المخبر كالعلم مع المعلوم، وقد يضطرون إلى أن يفسروا معنى الخبر بالعلم لعدم الفرق -فهذه لوازم المذهب الذي قد يستدل بها، إن كانت لازمة، على فساده، وليس كل من قال قولاً يلتزم بوازمه.

والناس لهم في الكلام ثلاثة أقوال: هل هو اسم اللفظ والمعنى جميعاً؟ كما هو قول الأكثرين، أم للفظ فقد بشرط دلالته على المعنى؟ كقول المعتزلة وكثير من غيرهم، أو للمعنى المدلول عليه باللفظ، كقول الكلابية؟ ومن متأخريهم من جعله مشتركاً بينهما اشتراكاً لفظياً.

وأما المتكلم ففيه أيضاً ثلاثة أقوال: أحدها: أنه من فعل الكلام، ولو في غيره، كما يقوله المعتزلة.

والثاني: من قام به الكلام، وإن لم يفعله، ولم يكن مقدوراً مراداً له، كما يقوله الكلابيه.

والثالث: من جمع الوصفين، فقام به الكلام وكان قادراً عليه.

ولا ريب أن جمهور الأمم يقولون: لا يكون متكلماً إلا من قام به الكلام، كما لا يكون متحركاً إلا من قامت به الحركة، ولا عالماً إلا من قام به العلم، ونحو ذلك.

لكن الكلابية اعتقدوا أنه لا تقوم به الحوادث، فامتنع لهذا عندهم أن يكون الكلام مقدوراً له مراداً.

قالوا: لأن المقدور المراد حادث لا يكون صفة لازمة له.

وأنت قد بينت فساد هذا الأصل، فكان يلزمك على أصلك أن تجوز قيام ذلك به، فإنه لا دليل لك على نفيه، إلا ما تنفى به سائر

ص: 222

الصفات.

وأنت تعترف بأن حدوث الحوادث بدون ذلك مما يتعرى ويتعذر بعقله.

وكذلك ما ذكرته عن المعتزلة من أن اللفظ عندهم فعل، وليس من شرطه أن يقوم بفاعله، وأنت مقر بالفرق بين الفعل والمفعول، وأنه لا يعقل مفعول بدون فعل.

وهذا مما أوردته على أبي حامد في تهافت التهافت، وقلت: إن حدوث العالم بدون إحداث يكون هو فعل والحادث هو المفعول محال.

وقد أبطلت أصل المعتزلة في أن ما تقوم به الحوادث فهو حادث، فكان يلزمك أن تثبت فعلاً قائماً بالفاعل: إما قديماً، وإما حادثاً، ويكون الكلام قائماً بالمتكلم، وهو فعل له.

فكيف وأنت وأصحابك لم تثبتوا كلاماً لله إلا ما كان في نفوس البشر؟ فالمعتزلة خير منكم.

وإذا قلت: نحن نثبت المعنى أنه قديم بخلاف المعتزلة.

قيل لك: المعتزلة أيضاً تقر بأن الله عليم بكل شيء، أعظم مما تقرون أنتم به.

والمعتزلة لا تنكر هذا المعنى، وهم، وإن كانوا متناقضين في إثبات الصفات ونفيها، فلا ريب أن قولهم أقرب إلى إثبات الصفات من قول أصحابك.

فما جعلته أنت قديماً يمكنهم جعله قديماً.

وأعظم ما شنع الناس به في الصفات على المعتزلة قول رئيسهم أبي الهذيل، قوله: إن الله عالم بعلم هو ذاته.

وليست ذاته علماً.

وأنت تقول: إن العلم هو العالم، بل تقولون: إن العلم والعالم

ص: 223