الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذلك أنه إن قال: إن نفس العلم إضافة، فالتكثر والتجدد في العلم إضافة.
وإن قال: بل هو صفة مضافة، والتكثر في المعلوم لا في العلم، بل يعلم بعلم واحد جميع المعلومات، كما يقوله ابن كلاب والأشعري ومن وافقهما.
قيل له: والتغير في المعلوم لا في العلم، لأن العلم واحد لا يتعدد، فضلاً عن أن يتغير.
وإن قال: هذا باطل، فإن العلم بأن سيكون الشيء، ليس هو العلم بأن قال قد كان.
قيل له: وكذلك العلم بالسماء، ليس هو العلم بالأرض.
وأنت تقول أبلغ من ذلك، تقول: ليس العلم إلا العالم، بل تقول: العلم والعالم شيء واحد.
ومعلوم أن هذا القول أبعد عن المعقول، من قول من قال: العلم بالمعلومات شيء واحد.
فإن هذا يقول: إن العلم ليس هو العالم ولا هو المعلوم، بل هو صفة للعالم.
ولا ريب أن ابن سينا يتناقض في هذه المواضع.
فتارة يجعل العلم زائداً على الذات العالمة، وتارة لا يقول بذلك.
أبت
كلام ابن سينا في الإشارات ورد ابن تيمية عليه
فإنه قال: لما رد على من قال باتحاد العاقل بالمعقول: فيظهر
لك من هذا أن كل ما يعقل، فإنه ذات موجود، تتقرر فيها الجلايا العقلية، تقرير شيء في شيء آخر
فصرح بأنه يتقرر في ذات العاقل الجلايا العقلية تقرير شيء في شيء آخر، وهذا خلاف قول: العاقل والمعقول والعقل شيء واحد.
والمقصود قبول ما يقوله من الحق، وهو ما أثبته من كون الرب عالماً بالأعيان الثابتة، وبيان صحة حجته على ذلك.
وأما ما نفاه من علمه بالجزئيات، فحجته على نفيه ضعيفة.
وقد بين أبو حامد وأبو البركات وغيرهما، أنه يلزمهم القول بعلمه بالجزئيات، وبينوا فساد ما نفوا به ذلك.
قال ابن سينا: إشارة: الأشياء الجزئية قد تعقل كما تعقل الكليات، من حيث تجب بأسبابها، منسوبة إلى مبدأ نوعه في شخصه يتخصص به، كالكسوف الجزئي، فإنه قد يعقل وقوعه بسبب توافق أسبابه الجزئية وإحاطة العقل بها، ويعقلها كما يعقل الجزئيات، وذلك غير الإدراك الجزئي الزماني لها، الذي يحكم أنه
وقع الآن، وهو قبله، أو يقع بعده، بل مثل أن نعقل أن كسوفاً جزئياً يعرض عند حصول القمر، وهو جزئي ما، وقت كذا، وهو جزئي ما في مقابلة كذا.
ثم ربما وقع ذلك الكسوف، ولم يكن عند العاقل الأول إحاطة بأنه وقع، أو لم يقع.
وإن كان معقولاً له على النحو الأول، لأن هذا إدراك آخر جزئي، يحدث مع حدوث المدرك، ويزول مع زواله.
وذلك الأول يكون ثابتاً الدهر كله، وإن كان علماً بجزئي، وهو أن العاقل يعقل أن بين كون القمر في موضع كذا، وبين كونه في موضع كذا، يكون كسوف معين في وقت من زمان أول الحالين محدود.
عقله ذلك أمر ثابت قبل الكسوف ومعه وبعده.
هذا لفظه.
قلت: وهذا الذي ذكره إنما يتأتى في الأمور الدائمة عنده، كالشمس والقمر والكواكب والأفلاك، فإنه يعلمها بأعيانه، فإنها دائمة.
وأما الأمور المتجددة، مثل حركاتها، ومثل الكسوف والخسوف، والإهلال والإبدار، ومثل أشخاص الناس والحيوان، فهذه لا يتصور أن يعقلها إلا على وجه كلي، مثل أن يعلم أنه في كل شهر يحصل إهلال وإبدار، وفي كل سنة يحصل صيف وشتاء.
فأما العلم بإهلال معين
وإبدار معين وكسوف معين، فهذا جزئي حادث كائن بعد أن لم يكن زائل بعد ما كان، فإن علمه بعينه لزم ما حذروه من التغير في علمه، فإنه إذا علمه قبل وجوده، علمه معدوماً سيوجد، ثم إذا وجد علمه موجوداً.
ثم إذا زال علمه معدوماً قد كان، وهذا الذي فروا منه.
ولو علم الجزئيات بأعيانها بعلم ثابت، لزم وجود ما لا نهاية له من المعقولات دائماً في ذاته.
وأما قوله: مثل أن يعقل أن كسوفاً جزئياً يعرض عند حصول القمر، وهو جزئي وقت كذا، وهو جزئي في مقابلة كذا، ثم ربما وقع ذاك الكسوف ولم يكن عند العاقل الأول إحاطة بأنه وقع أو لم يقع، وإن كان معقولاً له على النحو الأول، لأن هذا إدراك آخر جزئي، يحدث مع حدوث المدرك، ويزول مع زواله، وذلك الأول يكون ثابتاً الدهر كله، وإن كان عالماً بجزئي.
فيقال: هذا الكسوف المعلوم أهو كسوف واحد بالعين أم بالنوع؟ فالأول أن يعلم أن الشمس تكسف في برج الحمل في السنة الفلانية سنة الطوفان.
والثاني أن يعقل أنها كلها إن حصلت في برج كذا على وجه كذا كسفت.
فإن قيل: إنه كسوف معين، فهذا إذا كان عقله ثابتاً أبداً، يكون
قد عقل قبل وجوده.
وحينئذ يكون معدوماً لا موجوداً، والعلم بأنه موجود جهل، والعلم بأن سيوجد هو الذي فروا منه.
وإن قالوا: نعلم أنه إذا حصل الشيء المعين الجزئي حصل الكسوف، وإن لم نعلم متى يحصل ذاك.
قيل: فمثل هذا لا يكون إلا إذا كان المعلوم كلياً، وهو أن نعلم أنه إذا حصل ذلك الأمر المعين على الوجه المعين حصل الكسوف، وهذا العلم كلي لا جزئي.
ففي الجملة الجزئي لا يكون جزئياً إلا إذا انحصر شخصه ومنع تصوره من وقوع الشركة فيه، وهذا إذا لم يكن أمراً ثابتاً، بل أمراً حادثاً، فلا يعلم على وجهه إن لم يعلم وقته المعين.
وحينئذ فيكون العلم به قبل وقته، وإلا فإذا علم أنه متى حصل كذا على وجه كذا حصل الكسوف، فهذا كلي.
وإن علم أنه لا بد أن يحصل، فإنه كلي من حيث الزمان، فإن تصوره لا يمنع اشتراك الأزمنة فيه، فلم يعلم إلا على وجه كلي لا يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه.
وقولهم مع هذا: إنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات والأرض، مغالطة بل لم يعلم شيئاً من الأمور المعينة الحادثة البتة، بل هو عازب عنه، لا يدري أكان أم لم يكن، فإن نفس تصور الكلي من