الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحديث من جميع الطوائف، وصاروا متفقين على تعظيم أحمد وجعله إماماً للسنة، فصار يظهر في أصحابه من الإثبات ما لا يظهر في غيرهم، بسبب كثرة نصوصهم في هذا الباب.
والنفاة يسمون المثبتة مجسمة ومشبهة.
وصاحب هذا الكتاب يجعل مثبتة الصفات -من الأشعرية ونحوهم- مشبهة، وأنه يلزمهم التركيب، والتركيب أصل للتجسيم.
كلام ابن رشد في تهافت التهافت في نفي الصفات ورد ابن تيمية عليه
مثل قوله في كتابه الذي سماه تهافت التهافت فإنه قال: وأيضاً فالذي يلزم الأشعرية للتجسيم من المحال أكثر من الذي يلزم مقدماتهم، التي منها صاروا إلى التجسيم، وذلك أنه إن كان مبدأ الموجودات ذاتاً ذات حياة وعلم وقدرة وإرادة، وكانت هذه الصفات زائدة على الذات، وتلك الذات غير جسمانية، فليس بين النفس وهذا الموجود فرق، إلا أن النفس هي في جسم، وهذا الموجود هو نفس ليس في جسم، وما كان بهذه الصفة فهو ضرورة مركب من ذات وصفات، وكل مركب فهو محتاج ضرورة إلى مركب، إذ ليس يمكن أن يوجد شيء مركب في ذاته، كما أنه ليس يمكن أن يوجد متكون من ذاته، لأن التكوين -الذي هو فعل المكون- ليس هو شيئاً غير تركيب المتكون، والمكون ليس شيئاً غير المركب.
وبالجملة فكما أن لكل مفعول فاعلاً، كذلك لكل مركب مركباً فاعلاً، لأن التركيب شرط في وجود المركب ولا يمكن أن يكون الشيء هو علة في شرط وجوده، لأنه كان يلزم أن يكون الشيء علة نفسه.
ولذلك كانت المعتزلة في وضعهم هذه الصفات في المبدأ الأول -راجعة إلى الذات، لا زائدة عليها، على نحو ما يوجد عليه كثير من الصفات الذاتية لكثير من الموجودات، مثل كون الشيء موجوداً وواحداً وألياً وغير ذلك- أقرب إلى الحق من الأشعرية.
قال: ومذهب الفلاسفة في المبدأ الأول هو قريب من مذهب المعتزلة.
فيقال له: قولك: ليس بين النفس وبين هذا الموجود فرق، إلا من جهة أنها في جسم خطأ محض.
وذلك أن اتفاق الشيئين في بعض الصفات لا يوجب تماثلهما في الحقيقة، إذ لو كان كذلك لكانت المختلفات متماثلات، فإن السواد مخالف للبياض، وهو يشاركه في كون كل منهما لوناً وعرضاً وقائماً بغيره.
وأيضاً فمحققو الفلاسفة توافق على أن الأجسام ليست متماثلة، مع اشتراكها في التحيز، وقبول الأعراض، وغير ذلك من الأحكام.
والحيوان الصغير الحي، مثل البعوض والبق والذباب، ليس مثلاً للإنسان ولا للملك ولا للجني، وإن كان كل منهما حياً قادراً شاعراً متحركاً بالإرادة.
والفلك عندهم حي ناطق، وليس مثل بدن الإنسان، الذي هو حي ناطق.
وقوله: هذا على الضرورة مركب من ذات وصفات.
إن أراد به أن ذات موصوفة بصفات لازمة لها، فهذا حق، وهم لا يسمون هذا تركيباً، فإذا سماه تركيباً لم تكن هذه التسمية حجة له على ما نفاه، لأن الذي نفاه بالدليل هو ما كان مركباً، وهو الذي جعله غيره مركباً، أو ما كان متركباً بنفسه، أي كانت أجزاؤه متفرقة فتركبت، بحيث يصير مركباً بعد أن لم يكن.
ومعلوم أن ما تركب بعد افتراقه، لم يكن تركبه بنفسه، كما ذكره في المتكون، فإن ما تكون بعد أن لم يكن متكوناً، لم يكن تكونه بنفسه.
وكما قال: كما أن لكل مفعول فعلاً، فإن لكل مركب مركباً فهذا إنما يعقل فيما ركبه غيره، أو ما كان مفرقاً فركب، كما أن المفعول لا يعقل أن له فاعلاً، إلا إذا فعله غيره، أو كان حادثاً، فلا بد للحادث من محدث.
أما ما كان واجباً بنفسه قديماً أزلياً مستلزماً لصفات لازمة له، فهذا لم يركبه أحد، ولا كان مفترقاً فتركب.
فمن أين يجب أن يحتاج هذا إلى مركب؟ وكيف يصح تمثيل هذا بالمتكون والمفعول اللذين كل منهما محتاج إلى غيره، بل هو حادث يفتقر إلى محدث؟.
وليس المعنى الذي سماه مركباً إلا موصوفاً بصفة لازمة له، فلو قال: كل متصف فلا بد له من واصف، أي ممن يجعل الصفة قائمة
بمحلها، ما كان مبطلاً، فإن المتصف بالصفة إذا كان قديماً أزلياً واجباً بنفسه، كيف يجب هذا فيه؟
ثم هؤلاء الفلاسفة يقولون: إن الأفلاك قديمة أزلية.
وهذا الرجل لا يسميها مركبة، ويبطل قول من يقول: هي مركبة من الهيولى والصورة، وقول من يقول: هي ممكنة، ومع هذا فهي جسم قائم به صفات وحركات.
فإذا كانت هذه لم تحتج عنده إلى ما يحتاج إليه المتكون، فكيف يحتاج إلى ذلك ما هو واجب بنفسه؟.
وقوله: لأن التركيب شرط في وجود المركب معناه أن لزوم الصفة للموصوف، أو أن التلازم الذي بين الأمور المتعددة في الواجب، شرط في وجودها، وهذا صحيح.
لكن الشرط لا يجب أن يتقدم المشروط، بل تجوز مقارنته له، وإذا كان الواجب الوجود واجباً بنفسه المتضمنة لصفاته، وكل من صفاته لا يوجد إلا مع الأخرى، ولا توجد الذات إلا بالصفات، ولا الصفات إلا بالذات كان هذا هو حقيقة الاشتراط، ولم يلزم من ذلك أن يكون المتصف بهذه الصفات هو علة فاعلة لما هو من لوازم وجوده، ولما لا يوجد إلا معه، وهو الشرط في وجوده.
وإن عنى بالعلة أعم من ذلك، حتى جعل الشرط علة، كان حقيقة قوله: لا يكون الشيء شرطاً في شرط وجوده.
وهذا ليس بصحيح، بل يجوز أن يكون كل من الشيئين شرطاً في وجود الآخر،
وإن لم يكن علة فاعلة للآخر.
وهذا هو الدور المعي الاقتراني، وهو جائز، بخلاف الدور المعي القبلي، فإنه ممتنع.
وهذا موجود في عامة الأمور، فالأمور المتلازمة كل منها شرط في الآخر، فكل من الشرطين شرط في وجوده.
وغاية ذلك أن يكون الشيء شرطاً في وجود نفسه، أي لا توجد نفسه إلا إذا وجدت نفسه.
وهذا كلام صحيح، بخلاف ما إذا كانت نفسه فاعلة لنفسه.
فإن هذا ممتنع، فكل واحد من الأبوة والبنوة شرط في وجود الآخر.
وكل واحد من العلو والسفل شرط في وجود الآخر.
وكل واحد من التحيز والمتحيز شرط في الآخر.
وكل واحد من الماء والنار وطبيعته الخاصة به شرط في الآخر، ونظائر هذا كثيرة.
فكون إحدى الصفتين مشروطة بالأخرى، والذات مشروطة بصفاتها اللازمة، والصفات مشروطة بالذات، بحيث يمتنع تحقق شيء من ذلك إلا مع تحقق الآخر، وبحيث يلزم من ثبوت كل من ذلك ثبوت الآخر، هو معنى كون كل من ذلك شرطاً في الآخر، وهو شرط في شرط نفسه ووجوده.
وهؤلاء من أصول ضلالهم ما في لفظ العلة من الإجمال، فإن لفظ العلة كثيراً ما يريدون به ما لا يكون الشيء إلا به، فتدخل في ذلك العلة الفاعلة، والقابلة، والمادة، والصورة.
وكثيراً ما يريدون بذلك الفاعل فقط.
وهو المفهوم من لفظ
العلة.
وبحوثهم في مسألة واجب الوجود عامتها مبنية على هذا التلبيس، فإن الممكن الذي لا يوجد إلا بموجد يوجده، لا بد له من واجب يكون موجوداً بنفسه، لا بموجد أوجده.
فهذا هو معنى واجب الوجود الذي دلت عليه الممكنات، وهم يريدون أن يجعلوه وجوداً مطلقاً ليس له نعت ولا صفة ولا حقيقة غير الوجود المطلق، لأن الوجود الواجب يكون معلولاً لتلك الحقيقة، فلا يكون واجباً.
ولفظ المعلول مجمل، فإنهم يوهمون أنه يكون مفعولاً لها، وهي علة فاعلة له.
ومعلوم أن هذا ممتنع في الوجود الواجب، لكن الحقيقة الواجبة إذا قدر أن لها وجوداً يقوم بها، لم يلزم في ذلك الوجود إلا أن يكون له محل، وهو الحقيقة التي يقوم بها الوجود، وذلك الذي يسمونه العلة القابلة.
ومعلوم أن الدليل إنما أثبت موجوداً ليس له موجد، لم يثبت دليلهم موجوداً لا يكون وجوده قائماً بحقيقة، إن كان من الوجود ما هو قائم بحقيقة.
وهذا على قول من يقول: وجود كل شيء زائد على حقيقته، كما يقول ذلك طائفة من متكلمي المعتزلة وغيرهم، وإلا فالصواب عند أهل السنة والجماعة أن وجود كل شيء -وهو الوجود الذي في الخارج- هو عين حقيقته الموجودة في الخارج، فكل موجود فله حقيقة مختصة به في الخارج عن الذهن، والوجود الذي يشار إليه في الخارج هو تلك الحقيقة نفسها، لا وجود آخر قائم بها.
فإذا قال أهل السنة: إن وجود الخالق عين حقيقته، أرادوا به إبطال قول أبي هاشم ومن وافقه من المعتزلة، ولم يريدوا بذلك قول ابن سينا وإخوانه من الفلاسفة: إن الواجب وجود مطلق بشرط الإطلاق، أو مطلق لا بشرط، فإن هذا القول أعظم فساداً من قول أبي هاشم بكثير.
بل هذا القول يعلم من تصوره بصريح العقل أن ما ذكروه يكون في الأذهان لا في الأعيان.
والمطلق بشرط الإطلاق قد سلموا في منطقهم أنه لا يكون إلا في الأذهان، والمطلق لا بشرط يسلمون أنه لا يوجد في الخارج مجرداً عن الأعيان.
وقد تقدم ما ذكره هو من أنه ألزم الأشعرية أن يكونوا مجسمة، والحنابلة فيهم ما في بقية الطوائف، منهم من هو على طريقة الإمام أحمد وأمثاله من الأئمة، لا يطلقون هذا اللفظ على الله لا نفياً ولا إثباتاً، بل يقولون: إن إثباته بدعة، كما أن نفيه بدعة.
ومما أنكر أحمد وغيره على الجهمية نفي هذا اللفظ، وامتنع من الموافقة على نفيه، كما هو ممتنع عن إطلاق إثباته.
كذلك جرى في مناظرته لأبي عيسى برغوث وغيره من نفاة الصفات في مسألة القرآن، في محنته المشهورة، لما ألزمه بأن القول بأن
القرآن غير مخلوق مستلزم أن يكون الله جسماً، فأجابه أحمد بأنه لا يدري ما يريد القائل بهذا القول فلا يوافقه عليه، بل يعلم أنه أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
وذلك أن أهل الكلام الذين تنازعوا في إثبات الجسم ونفيه، كالهشامية والكرامية ونحوهم ممن أثبته، وكالجهمية والمعتزلة ونحوهم ممن نفاه، قد يدخل كل منهم في ذلك ما يخالف النصوص، فمن المثبتة من يدخل في ذلك ما يجب تنزيه الله عنه من صفات النقص ومن مماثلته بالمخلوقات.
والنفاة يدخلون في ذلك ما أثبته الله لنفسه من صفات الكمال.
ومن الحنابلة من يصرح بنفيه، كـ أبي الحسن التميمي وأهل بيته، والقاضي أبي يعلى وأتباعه، وغيرهم ممن سلك مسلك ابن كلاب والأشعري في ذلك.
ومنهم من يسلك مسلك المعتزلة كانتـ ابن عقيل، وصدقة بن الحسين، وابن الجوزي، وغيرهم.
والذين لا يثبتونه أو ينفونه يصرح كثير منهم بتكفير المجسمة، فمنهم من يقول: من قال: هو جسم فقد كفر، ومن قال: ليس بجسم فقد ابتدع.
ومنهم من يصوب من قال: ليس بجسم، ويكفر من يقول بالتجسيم.
وقد حكى الأشعري في المقالات النفي عن أهل السنة والحديث، كما حكي عنهم أشياء بموجب ما اعتقده هو من مذهبهم.
والسلف والأئمة وأهل الحديث والسنة المحضة من جميع الطوائف لا يصفون الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله.
والألفاظ