المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كلام ابن رشد في ضميمة في مسألة العلم القديم ورد ابن تيمية عليه - درء تعارض العقل والنقل - جـ ٩

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌كلام ابن أبي موسى في شرح الإرشاد

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام عبد الوهاب بن أبي الفرج المقدسي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام عبد الوهاب بن أبي الفرج المقدسي وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام أبي يعلى عن عدم وجوب النظر

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الفرج الشيرازي عن وجوب المعرفة بالشرع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ابن الزاغوني عن وجوب النظر

- ‌فصل

- ‌كلام الكلوذاني في تمهيده وتعليق ابن تيمية

- ‌فصل. كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل. كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كلام أبي الحسين البصري في غرر الأدلة وتعليق ابن تيمية

- ‌كلام أبي الحسين البصري في غرر الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌تابع كلام أبي الحسين البصري

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الجويني في "الإرشاد" عن امتناع حوادث لا أول لها

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الرازي في "المباحث المشرقية" عن مسألة حدوث العالم وتعليق ابن تيمية

- ‌فصل. أهل الكلام أقرب إلى الإسلام من الفلاسفة

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌كلام السهرودي المقتول في "التلويحات

- ‌الرد عليه من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌كلام السهرودي المقتول في "حكمة الإشراق

- ‌الرد عليه من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌كلام ابن سينا في الإشارات

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الرازي في شرح الإشارات

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الجواب عن هذه الحجة بوجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌كلام الآمدي في "دقائق الحقائق

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الآمدي في أبكار الأفكار

- ‌الجواب عن حجتهم من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌فصل

- ‌كلام ابن سينا في الإشارات وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام الرازي في شرح الإشارات

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ابن سينا في الإشارات

- ‌شرح الرازي لكلام ابن سينا

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ثابت بن قرة في تلخيص ما بعد الطبيعة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌الرد عليه من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الرد على كلام آخر لثابت بن قرة من وجوه

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الرد على كلام آخر لثابت بن قرة

- ‌فساد كلام آخر له من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الوجه التاسع

- ‌الوجه العاشر

- ‌الوجه الحادي عشر

- ‌الوجه الثاني عشر

- ‌الوجه الثالث عشر

- ‌الوجه الرابع عشر

- ‌الوجه الخامس عشر

- ‌الوجه السادس عشر

- ‌الوجه السابع عشر

- ‌الوجه الثامن عشر

- ‌الوجه التاسع عشر

- ‌الوجه العشرون

- ‌الوجه الواحد والعشرون

- ‌الوجه الثاني العشرون

- ‌الوجه الثالث العشرون

- ‌الوجه الرابع العشرون

- ‌بقية كلام ثابت بن قرة ورد ابن تيمية عليه

- ‌فصل. عود إلى كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل. عود إلى كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل. عود إلى كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام ابن رشد في ضميمة في مسألة العلم القديم ورد ابن تيمية عليه

- ‌كلام ابن ملكا في المعتبر عن مسألة عدم الله وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌ما ذكره ابن ملكا عن أرسطو من الحجج لنفي العلم باطل من وجوه

- ‌بقية كلام ابن ملكا في المعتبر وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌الرد على أرسطو من وجوه أخرى غير ما ذكره ابن ملكا. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌عود لكلام ابن ملكا في المعتبر وتعليق ابن تيمية

الفصل: ‌كلام ابن رشد في ضميمة في مسألة العلم القديم ورد ابن تيمية عليه

بعد وجودها: إما بعلم زائد عند بعضهم، وإما بذلك الأول عند بعضهم.

وأما هذا فلا يثبت إلا العلم الذي هو سبب وجودهما.

كما سيأتي كلامه.

وهذا عندهم حكم يعم الواجب والقديم.

وهذا يقول: بل ذلك حكم يخص المحدث.

وهو لم يأت على الفرق بحجة إلا مجرد الدعوى.

وقد بين ذلك في كلام أفرده في مسألة العلم، وأراد أن ينتصر بذلك للفلاسفة الذين قيل عنهم: إنهم يقولون: إنه يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات إلا على وجه كلي، فذكر أنهم يقولون: إنه يعلم الجزئيات، لكن على هذا الوجه.

‌كلام ابن رشد في ضميمة في مسألة العلم القديم ورد ابن تيمية عليه

فقال لمن راسله: لما فقتم بجودة ذهنكم، وكرم طبعكم، كثيراً ممن يتعاطى هذه العلوم، وانتهى نظركم السديد إلى أن وقفتم على الشك العارض في العلم القديم، مع كونه متعلقاً بالأشياء المحدثة، وجب علينا لمكان الحق، ولمكان إزالة الشك والشبهة عنكم، أن تحل هذا الشك بعد أن نقول في تقريره، فإن لم يعرف الربط لم يقدر على

ص: 383

الحل والشك يلزم هكذا إن كانت الأشياء كلها في علم الله تعالى قبل أن تكون، فهل هي في علمه في حال كونها كما كانت عليه قبل أن توجد؟.

فإن قلنا: إنها في علم الله تعالى في حال وجودها على غير ما كانت عليه في علمه قبل أن توجد، لزم أن يكون العلم القديم متغيراً، وأن تكون إذا خرجت من العدم إلى الوجود، فقد حدث هناك علم زائد، وذلك مستحيل على العلم القديم.

وإن قلنا: إن العلم القديم فيها واحد في الحالين.

قيل: فهل هي في نفسها -أعني الموجودات الحادثة قبل أن توجد- كما هي حين وجدت؟ فيجب أن يقال: ليست في نفسها قبل أن توجد كما هي حين وجدت، وإلا كان المعدوم والموجود واحداً.

فإذا سلم الخصم هذا، قيل له: أفليس العلم الحقيقي هو معرفة الوجود على ما هو عليه؟.

ص: 384

فإذا قال: نعم.

قيل: فيجب على هذا إذا اختلف الشيء في نفسه، أن يكون العلم به يختلف، وإلا فقد علم على غير ما هو عليه، فإذاً يجب أحد الأمرين: إما أن يختلف العلم القديم في نفسه، أو تكون الحودث غير معلومة، وكلا الأمرين مستحيل عليه سبحانه.

ويؤكد هذا الشك ما يظهر من حال الإنسان، أعني من تعلق علمه بالأشياء المعدومة على تقدير الوجود، وتعلق علمه بها إذا وجدت، فإنه من البين بنفسه أن العلمين يتغايران، وإلا كان جاهلاً بوجودهما في الوقت الذي وجدت فيه، وليس ينجي من هذا ما جرت به عادة المتكلمين في الجواب عن هذا، بأنه سبحانه يعلم الأشياء قبل كونها، على ما تكون عليه في كونها، من زمان ومكان، وغير ذلك من الصفة المختصة به بوجود موجود.

فإنه يقال لهم: إذا وجدت فهل حدث هنالك تغير أو لم يحدث، وهو خروج الشيء من العدم إلى الوجود؟

ص: 385

فإن قالوا: لم يحدث، فقد كابروا.

وإن قالوا: حدث هنالك تغير.

قيل لهم: فهل حدوث هذا التغير معلوم للقديم أم لا؟ فيلزم الشك المتقدم.

وبالجملة فيعسر أن ستصور أن العلم بالشيء قبل أن يوجد، وأن العلم به بعد أن وجد علم واحد بعينه.

فهذا هو تقرير هذا الشك.

قال: وقد رام الإمام أبو حامد الغزالي حل هذا الشك في كتابه الموسوم بـ تهافت الفلاسفة بشيء ليس فيه منتفع.

وذلك أنه قال قولاً معناه هذا، وهو أنه زعم أن العلم والمعلوم من المضاف، وكما أنه قد يتغير أحد المتضايفين ولا يتغير هذا الآخر في نفسه، كذلك يشبه أن يعرض للأشياء في علم الله سبحانه وتعالى، أعني أن تتغير في أنفسها، ولا يتغير علمه سبحانه وتعالى بها.

ص: 386

ومثال ذلك في المضاف: أنه قد تكون الاسطوانة الواحدة يمنة زيد ثم تعود يسرته، وزيد بعد لم يتغير في نفسه.

قال: وليس هذا بصادق، فإن الإضافة قد تغيرت في نفسها، وذلك أن الإضافة التي كانت يمنة قد عادت يسرة، وإنما الذي لم يتغير موضع الإضافة، أعني الحامل لها الذي هو زيد.

وإن كان كذلك، وكان العلم هو نفس إضافة، فقد يجب أن يتغير عند تغير المعلوم كما تتغير الإضافة: إضافته الاسطوانة إلى زيد عند تغيرها في نفسها، وذلك أنها عادت يسرة بعد أن كانت يمنة.

قال: والذي ينحل به هذا الشك عندنا، هو أن يعرف أن الحال في العلم القديم مع الموجود بخلاف الحال في العلم المحدث مع

ص: 387

الموجود، وذلك أو وجد الموجود هو علة وسبب لعلمنا، والعلم القديم هو علة وسبب للموجود، فلو كان إذا وجد الموجود بعد أن لم يوجد فقد حدث في العلم القديم علم زائد كما يحدث ذلك في العلم المحدث، للزم أن يكون العلم القديم معلولاً للموجود لا علة له، فإذاً وجب أن لا يحدث هنالك تغير، كما يحدث في العلم المحدث.

وأنما أتى هذا الغلط من قياس العلم القديم على العلم المحدث، وهو قياس الغائب على الشاهد، وقد عرف فساد هذا القياس.

وكما لا يحدث في الفاعل تغير عند وجود مفعول له، أعني تغيراً لم يكن قبل ذلك، كذلك لا يحدث في العلم القديم تغير عند حدوث مفعوله عنه.

فإذاً قد انحل هذا الشك، ولم يلزمنا أنه إذا لم يحدث هنالك تغير، أعني في العلم القديم، فليس يعلم الموجود في حين حدوثه على ما هو عليه، وإنما لزم أنه لا يعلمه بعلم محدث، بل لا يعلمه إلا بعلم قديم، كما ظن أنه لازم من ذلك القول، لأن حدوث التغير في

ص: 388

العلم عندنا بتغير الموجود إنما هو شرط في العلم المعلول عن الموجود، وهو العلم المحدث.

فإذاً العلم القديم إنما يتعلق بالموجود على صفة غير الصفة التي يتعلق بها العلم المحدث، لا أنه غير متعلق أصلاً، كما حكى عن الفلاسفة أنهم لموضع هذا الشك قالوا: إنه لا يعلم الجزئيات.

ولي الأمر كما توهم عليهم، بل يرون أنه لا يعلم الجزئيات بالعلم المحدث الذي من شرطه الحدوث بحدوثها، ويعلمها بالعلم القديم الذي ليس من شرطه الحدوث بحدوثها، إذا كان علة لها لا معلولاً عنها، كالحال في العلم المحدث.

وهذا هو غاية التنزيه الذي يجب أن يعترف به، فإنه إذاً قد اضطر البرهان إلى أنه عالم بالأشياء من جهة أن صدورها عنه، إنما هو من جهة أنه عالم، لا من جهة أنه موجود فقط، أو موجود بصفة كذا، بل من جهة أنه عالم.

كما قال تعالى: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} [الملك: 14] .

وقد اضطر البرهان إلى أنه غير عالم بها بعلم هو على صفة العلم

ص: 389

بالمحدث، فواجب أن يكون هناك بالموجودات علم آخر لا يكيف، وهو العلم القديم.

قال: وكيف يمكن أن يتصور أن المشائين من الحكماء يرون أن العلم القديم لا يحيط بالجزئيات، وهم يرون أنه سبب الإنذار في المنامات والوحي وغير ذلك من أنواع الإلهامات.

قال: فهذا ما ظهر لنا في وجه هذا الشك، وهو أمر لا مرية فيه ولا شك.

قلت: لقائل أن يقول: ليس فيما ذكره جواب، وذلك أن تفريقه بين العلم القديم والعلم المحدث، بأن ذلك سبب للوجود، وهذا سبب عنه -هو قول تقوله طائفة من الفلسفة، وقد عارضهم طائفة من المتكلمين، فزعموا أن ليس في العلم ما هو سبب لوجود الموجود، بل العلم يطابق المعلوم على ما هو عليه، فلا يكسبه صفة، ولا يكتسب عنه صفة.

وأولئك يقولون: علمه فعل، وهؤلاء يمنعون ذلك.

والتحقيق أن كلاً من العلمين: علم الخالق وعلم المخلوق، ينقسم إلى ما يكون له تأثير في وجود معلومه، وإلى ما لا يكون كذلك، فما لا يكون كذلك علم الله بنفسه سبحانه، فإن هذا العلم ليس سبباً لهذا الموجود، فلا يجوز إطلاق القول بأن ذلك العلم سبب للوجود مطلقاً.

ص: 390

وكذلك علمنا بمخلوقات الله التي لا أثر لنا فيها كالسماوات.

وأما الثاني فعلم الله بمخلوقاته، فإن خلق المخلوقات مشروط بالعلم بها.

كما قال: {ألا يعلم من خلق} [الملك: 14] ، فالعلم بها شرط في وجودها، لكن ليس هو وحده العلة في وجودها، بل لا بد من القدرة والمشيئة.

ومن هنا ضل هؤلاء المتفلسفة، فجعلوا مجرد العلم بنظام المخلوقات موجباً لوجوده، ولم يجعلوا للقدرة والمشيئة أثراً، مع أن تأثير القدرة والمشيئة في ذلك أظهر من تأثير العلم، مع أنهم متناقضون في ذلك، فإنهم قد يثبتون العناية والمشيئة تارة وينفوها تارة.

وعلم العبد بما يريد فعله من أفعاله، هو أيضاً شرط في وجود المعلوم، فهذا العلم بهذا المحدث شرط في حصوله، والمعلوم تابع للعلم المحدث هنا، فليس وجود كل معلوم لنا هو علة وسبباً لعلمنا مطلقاً، بل يفرق في ذلك بين العلم النظري والعلم العملي، فبطل هذا الفرق.

ثم يقال أيضاً: لا ريب أن الفاعل إذا أراد أن يفعل أمراً، فعلم ما يريد أن يفعل، لم يكن هذا هو العلم بأن سيكون، فإنه ليس كل من تصور ما يريد أن يفعل يعلم أن سيكون ما يريده، بل الواحد منا يتصور أشياء يريدها ولا يعلم أنها تكون، بل لا تكون، ثم إذا علم العالم أن الشيء سيكون ثم كان، علم أنه قد كان.

فهنا في حقنا ثلاثة علوم، وهو إنما ذكر في حق الله العلم المشروط في الفعل، وهو الذي لا يكون المريد مريداً حتى يحصل ذلك، فإن الإرادة مشروطة بتصور المراد.

ص: 391

أما العلم بأن سيكون المراد، فهذا لا يثبت بمجرد ما ذكره، فإن هذا علم خبري، وذاك علم طلبي، ثم إذا ثبت هذا العلم جاء الشك، وهو أنه هل يكون هذا العلم هو نفس العلم بوقوعه إذا وقع أم لا؟

والمتكلمون تكلموا في هذين العلمين، وأرادوا جعل أحدهما هو الآخر، فكانوا أقرب إلى الصواب ممن جعل العلم بما يريده هو العلم بأن سيكون المراد، وذلك هو العلم بأن قد كان.

فتبين أن طريقة المتكلمين أقل إشكالاً، وأقرب إلى الصواب.

وأيضاً فيقال له: العالم بما يريد أن يفعل إذا فعله علم أنه سيكون، ثم علم أن قد كان، لم يخرج بذلك عن أن يكون العلم القديم شرطاً في وجود المعلوم، وهو من تمام علة وجوده، إذا كانت نفسه مستلزمة لعلمه بالموجود بشرط فعله لها، كما في سمعه وبصره، لم يكن شيء من أحواله معلولاً لغيره.

فقوله: يلزم أن يكون العلم القديم معلولاً للوجود لا علة له -ليس بلازم.

وأما ما ذكره من نفي التغير، فهو قد طعن في دليل المتكلمين على نفيه، ولم يذكر هو دليلاً على نفيه، فبقي نفيه له بلا حجة أصلاً، إلا قوله: يلزم أن يكون العلم القديم معلولاً للوجود لا علةً له، وليس هذا بصحيح، فإنه بتقدير تجدد علم ثان، لا يخرج العلم الذي به كان الفاعل فاعلاً عن أن يكون علة.

وأيضاً فعلم الله لازم لذاته، وهو الذي فعل الموجودات.

فإذا قيل

ص: 392

إن ذاته أوجبت له هذا العلم، بشرط فعله ما فعل، لم يكن ذلك موجباً لافتقاره في العلم إلى غيره.

وقوله: إنما أتى هذا من قياس الغائب على الشاهد.

فيقال: جميع ما تذكره أنت وأصحابك والمتكلمون في هذا الباب، لا بد فيه من مقدمة كلية تتناول الغائب والشاهد، ولولا ما يوجد في الشاهد من ذلك، لما تصور من الغائب شيء أصلاً، فضلاً عن معرفة حكمه، فإن أبطلت هذا بطل جميع كلامكم.

وأما قوله: كما لا يحدث في الفاعل تغير عند وجود مفعول له، كذلك في العلم عند حدوث مفعوله.

فيقال له: أنت قد أبطلت دليل المتكلمين على هذا الأصل الذي قاسوا عليه، ولم تذكر لك عليه دليلاً، فإن أولئك بنوه على أن ما لا يسبق الحوادث حادث، وهذا ثبت بطلانه، فيجوز عندك أن تقوم الحوادث بالقديم، وإذا كان كذلك، لم يمتنع عندك أن يتجدد للفاعل القديم عند فعله حال من الأحوال، بل أنت قد بينت في غير موضع أنه لا يعقل صدور الحوادث عن المحدث بدون هذا.

وأما قوله: لا يلزمنا إذا لم يحدث هناك تغير أن لا يعلم الموجود في حين حدوثه على ما هو عليه.

فيقال: هذا لك ألزم منه للمتكلمين، لأنك ألزمتهم أن العلم بأن ما سيكون قد كان، ومعلوم أن العلم بما نريد أن نفعل، ليس هو العلم بأن سيكون، ولا بأن قد كان.

ص: 393

فإن نفيت علمه بأن ستكون الموجودات قبل وجودها، وعلمه بأن قد كانت بعد وجودها -كان هذا أعظم عليك.

وإن جعلت ذلك هو نفس علمه بما يريد فعله، كان جعلهم العلم بالشيء قبل كونه واحداً أقرب إلى العقل.

وأما قوله: حدوث التغير في العلم عندما يتغير الموجود، هو شرط في العلم المعلول عن الموجود، وهو المحدث.

فيقال له: هذا ضعيف لوجهين:

أحدهما: أن ما ذكرته من الدليل لا يفرق.

الثاني: أنه يلزم علم العبد بما يريد أن يفعله، فإنه متقدم على المعلوم به الموجود، وهو متغير، فليس هو معلولاً عن الموجود، فتبين أن كونه سبباً في الوجود أو تابعاً له، لا يمنع ما ذكر من التغير.

وعلم الرب تبارك وتعالى لا يجوز أن يكون مستفاداً من شيء من الموجودات، فإن علمه من لوازم ذاته، فعلم العبد يفتقر إلى سبب يحدثه، وإلى المعلوم، الذي هو الرب تعالى، أو بعض مخلوقاته، وعلم الرب لازم له، من جهة أن نفسه مستلزمة للعلم، والمعلوم: إما نفسه المقدسة، وإما معلوماته التي علمها قبل خلقها.

وهذه المسألة: مسألة تعلق صفاته بالمخلوقات بعد وجودها، تعلق العلم والسمع والبصر ونحو ذلك، هي مسألة كبيرة.

والناس متفقون على تجدد نسب وإضافات لا تقوم بذات الرب،

ص: 394

وتنازعوا فيما يقوم بذات الرب، وهذا كما تنازعوا في الاستواء ونحوه: هل هو مفعول للرب يحدثه في المخلوقات من غير قيام أمر به؟ أم يقوم به أمر؟ على القولين

فالكلابية والمعتزلة ينفون أن يقوم بالرب شيء من ذلك.

وأكثر أهل الحديث، وكثير من أهل الكلام يجوزون ذلك.

وأما النسب والإضافات فتتجدد باتفاقهم.

وابن عقيل يسمي هذه النسب والإضافات الأحوال، ولعله سماها بذلك، كما يسمى غيره كونه عالماً وقادراً حالاً معللة بالعلم والقدرة، كما هي طريقة القاضي أبي بكر، ومن وافقه كالقاضي أبي يعلى وابن عقيل وغيرهما.

وهؤلاء يقولون -تبعاً لأبي هاشم- إن الحال لا موجودة ولا معدومة، وكذلك هذه النسب والإضافات على قولهم.

أو أن يكون ابن عقيل شبه ذلك بالأحوال التي يثبتها أبو هاشم، ويجعلها لا موجودةً ولا معدومةً، كذلك هذه النسب والإضافات.

ولأهل الحديث والتفسير والكلام وغيرهم من الكلام في هذه المسألة ما هو معروف.

ولهذا صار طائفة من أهل الكلام، كهشام بن الحكم، والجهم، وأبي الحسين البصري، والرازي، وغيرهم -إلى إثبات أمور متجددة.

والكلام على هذا متعلق بما ذكره الله في القرآن في غير موضع.

كقوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه} [البقرة: 143] .

ص: 395

وقوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} [آل عمران: 142] .

وقوله: {وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء} [آل عمران: 140] .

وقوله: {أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم} [آل عمران: 165] إلى قوله: {فبإذن الله وليعلم المؤمنين * وليعلم الذين نافقوا} [آل عمران: 165-166] الآية.

وقوله: {ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا} [الكهف: 12] .

وقوله: {ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} إلى قوله: {وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين} [العنكبوت: 3-11] .

وغير ذلك في كتاب الله.

هذا مع اتفاق سلف الأمة وأئمتها، على أن الله عالم بما سيكون قبل أن يكون.

وقد نص الأئمة على أن من أنكر العلم القديم فهو كافر.

ومن هؤلاء غلاة القدرية، الذين ينكرون علمه بأفعال العباد قبل أن يعملوها، والقائلون بالبداء من الرافضة ونحوهم.

ص: 396

وإنما المسألة الدقيقة أنه عند وجود المسموع والمرئي والمعلوم، إذا سمعه ورآه علمه موجوداً فهل هذا عين ما كان موجوداً قبل وجود ذلك؟ أو هناك معنى زائد؟

وأما قول من قال من الفلاسفة: إنه لا يعلم إلا الكليات، فهذا من أخبث الأقوال وشرها، ولهذا لم يقل به أحد من طوائف الملة.

وهؤلاء شر من المنكرين لعلم القديم، من القدرية وغيرهم.

وأما ما ذكره من أن الفلاسفة لا يقولون: إنه لا يعلم الجزئيات، بل يرون أنه لا يعلمها بالعلم المحدث، وإنكاره أن يكون المشاؤون من الفلاسفة ينكرون علمه بجزيئات العالم، فهذا يدل على فرط تعصبه لهؤلاء الفلاسفة بالباطل، وعدم معرفته بحقيقة مذهبهم، فإنه دائماً يتعصب لأرسطو، صاحب التعاليم المنطقية والإلهية.

وكلامه في مسألة العلم معروف مذكور في كتابه ما بعد الطبيعة، وقد ذكر بألفاظه أبو البركات صاحب المعتبر وغيره، ورد ذلك عليه أبو البركات، مع تعظيمه له.

ص: 397

وأرسطو ينكر علم الرب بشيء من الحوادث مطلقاً.

وكلامه في ذلك وحججه من أفسد الكلام كما سنذكره إن شاء الله.

ولكن ابن سينا وأمثاله زعموا أنه إنما يعلم الكليات والجزئيات: يعلمها على وجه كلي.

وهؤلاء فروا من وقوع التغير في علمه.

وأما من قبل أرسطو من المشائين، فلا ريب أن في كلامهم ما هو خير وأقرب إلى الأنبياء من كلام أرسطو.

ولهذا نقل عنهم أنهم كانوا يقولون بحدوث الأفلاك، وأن أرسطو أول من قال بقدمها من المشائين.

وأما احتجاجه على إثبات علم الرب بالجزئيات بالإنذارات والمنامات، فاستدلال ضعيف، فإن ابن سينا وأمثاله يدعون أن ما يحصل للنفوس البشرية من العلم والإنذارات والمنامات، إنما هو فيض العقل الفعال والنفس الفلكية، وإذا أرادوا أن يجمعوا بين الشريعة والفلسفة، قالوا: إن النفس الفلكية هي اللوح المحفوظ، كما يوجد مثل ذلك في كلام أبي حامد في كتاب الإحياء والمضنون وغير ذلك من كتبه.

وكما يوجد في كلام من سلك سبيله من الشيوخ المتفلسفة المتصوفة، يذكرون اللوح المحفوظ، ومرادهم به النفس الفلكية، ويدعون أن العارف قد يقرأ ما في اللوح المحفوظ ويعلم ما فيه.

ومن علم دين الإسلام، الذي بعث الله به رسله، علم أن هذا من أبعد الأمور عن دين الإسلام، كما قد بسط في موضع آخر، إذ تنزيهه هنا للفلاسفة المشائين عن أن يكون هذا كلامهم، هو تعصب جسيم منه لهم.

ص: 398

وهذا نظر سيء في نقل أقوال الناس، وليس تحقيق هذا من غرضنا هنا.

والفلاسفة طوائف متفرقون لا يجمعهم قول ولا مذهب، بل هم مختلفون أكثر من إاتلاف فرق اليهود والنصارى والمجوس.

وكلام المشائين في الإلهيات كلام قليل الفائدة، وكثير منه بلا حجة.

والنقل المذكور موجود في كتب المتبعين لهم كابن سينا وأضرابه.

وقد نظرت فيما نقل عنهم من الأقوال في العلم فوجدتها عدة مقالات، لكن من الناس من يحكي عنهم قولين أو ثلاثة، ومن الناس من لا يحكي إلا قولاً واحداً.

وقد وجدت أربعة مقالات منقولة عنهم صريحاً في كتب متعددة.

فنقل طائفة عنهم.

ك الشهرستاني وغيره في العلم ثلاث مقالات.

قالوا: ذهب قدماء الفلاسفة إلى أنه عالم بذاته فقط، ثم من ضرورة علمه بذاته يلزم منه الموجودات، وهي غير معلومة عنده، أي لا صورة لها عنده على التفصيل والإجمال

وذهب قوم منهم إلى أنه تعالى يعلم الكليات دون الجزئيات.

وذهب قوم إلى أنه يعلم الكلي والجزئي جميعاً، على وجه لا يتطرق إلى علمه نقص وقصور.

ص: 399

فهذا القول الثالث هو شبيه بالقول الذي اختاره ابن رشد.

وأما القول الثاني والأول فهما اللذان حكاهما الغزالي عن الفلاسفة.

قال: منهم من قال: لا يعلم إلا ذاته، ومنهم من يسلم أنه يعلم غير ذاته.

قال: وهو الذي اختاره ابن سينا، فإنه زعم أنه يعلم الأشياء كلها بنوع كلي، لا يدخل تحت الزمان، ولا يعلم الجزئيات التي يوجب تجدد الإحاطة بها تغيراً في ذات العالم.

وذكر الغزالي أنهم اتفقوا على أنه لا يعلم الجزئيات المنقسمة بانقسام الزمان إلى الكائن، وما كان، ويكون

قال: فمن ذهب منهم إلى أنه لا يعلم إلا نفسه، لا يخفى فساد هذا من مذهبه، ومن ذهب منهم إلى أنه يعلم غيره، كما اختاره ابن سينا، فقد زعم أنه يعلم الأشياء علماً كلياً، لا يدخل تحت الزمان، ولا يختلف بالماضي والمستقبل والآن، ومع ذلك زعم أنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، إلا أنه يعلم الجزئيات بنوع كلي.

قلت: ول أبي البركات صاحب المعتبر مقالة في العلم رد فيها على أرسطو.

ونصر فيها أنه يعلم الكليات والجزئيات.

ص: 400

وما ذكره ابن رشد عنهم من أنهم يرون أن العلم سبب الإنذار بالجزئيات.

فيقال: أما الفلسفة الموجودة في كتب ابن سينا وأمثاله، ففيها أن ذلك من العقل الفعال والنفس الفلكية، وعندهم ذلك هو المنذر بذلك، ويسمون ذلك اللوح المحفوظ، ومن ذلك ينزل عندهم الوحي على الأنبياء، ومن ذلك كلم موسى.

وكثير من المتصوفة الذين سلكوا مسلكهم قد دخل ذلك في كلامهم.

فإن كان فريق غير هؤلاء المتفلسفة يجعله ذلك من علم الله، فلا ريب أن من جعل الله منذراً لعباده بالجزئيات، لزم أن يكون عالماً بها، فإن الإعلام بالشيء فرع على العلم به، وهذا ما يثبت القول الثالث المحكي عنهم.

وذكر أبو البركات في معتبره الأقوال الثلاثة: قول من قال: لا يعلم إلا ذاته، وذكره عن أرسطو، وذكر ألفاظه.

وابن رشد هو يعظم أرسطو إلى الغاية، وهو من أعظم الفلاسفة عنده، فكيف ينفي هذا القول عنهم؟!

وذكر أبو البركات قول ابن سينا، وذكر عنهم القول الثالث، وهو أنه يعرف ذاته وسائر مخلوقاته في سائر الأوقات، على اختلاف الحالات، مما هو كائن، وما هو آت.

وهذا القول ينزع إلى قولين: أحدهما: القول الذي اختاره ابن رشد، الذي قربه من التغير، ولم يجب عنه، والثاني التزام هذا اللازم، وبيان أنه ليس بمحذور.

وهذا قد اختاره أبو البركات، كما يختاره طوائف من

ص: 401