المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل. كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه - درء تعارض العقل والنقل - جـ ٩

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌كلام ابن أبي موسى في شرح الإرشاد

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام عبد الوهاب بن أبي الفرج المقدسي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام عبد الوهاب بن أبي الفرج المقدسي وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام أبي يعلى عن عدم وجوب النظر

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الفرج الشيرازي عن وجوب المعرفة بالشرع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ابن الزاغوني عن وجوب النظر

- ‌فصل

- ‌كلام الكلوذاني في تمهيده وتعليق ابن تيمية

- ‌فصل. كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل. كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كلام أبي الحسين البصري في غرر الأدلة وتعليق ابن تيمية

- ‌كلام أبي الحسين البصري في غرر الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌تابع كلام أبي الحسين البصري

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الجويني في "الإرشاد" عن امتناع حوادث لا أول لها

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الرازي في "المباحث المشرقية" عن مسألة حدوث العالم وتعليق ابن تيمية

- ‌فصل. أهل الكلام أقرب إلى الإسلام من الفلاسفة

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌كلام السهرودي المقتول في "التلويحات

- ‌الرد عليه من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌كلام السهرودي المقتول في "حكمة الإشراق

- ‌الرد عليه من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌كلام ابن سينا في الإشارات

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الرازي في شرح الإشارات

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الجواب عن هذه الحجة بوجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌كلام الآمدي في "دقائق الحقائق

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الآمدي في أبكار الأفكار

- ‌الجواب عن حجتهم من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌فصل

- ‌كلام ابن سينا في الإشارات وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام الرازي في شرح الإشارات

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ابن سينا في الإشارات

- ‌شرح الرازي لكلام ابن سينا

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ثابت بن قرة في تلخيص ما بعد الطبيعة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌الرد عليه من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الرد على كلام آخر لثابت بن قرة من وجوه

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الرد على كلام آخر لثابت بن قرة

- ‌فساد كلام آخر له من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الوجه التاسع

- ‌الوجه العاشر

- ‌الوجه الحادي عشر

- ‌الوجه الثاني عشر

- ‌الوجه الثالث عشر

- ‌الوجه الرابع عشر

- ‌الوجه الخامس عشر

- ‌الوجه السادس عشر

- ‌الوجه السابع عشر

- ‌الوجه الثامن عشر

- ‌الوجه التاسع عشر

- ‌الوجه العشرون

- ‌الوجه الواحد والعشرون

- ‌الوجه الثاني العشرون

- ‌الوجه الثالث العشرون

- ‌الوجه الرابع العشرون

- ‌بقية كلام ثابت بن قرة ورد ابن تيمية عليه

- ‌فصل. عود إلى كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل. عود إلى كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل. عود إلى كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام ابن رشد في ضميمة في مسألة العلم القديم ورد ابن تيمية عليه

- ‌كلام ابن ملكا في المعتبر عن مسألة عدم الله وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌ما ذكره ابن ملكا عن أرسطو من الحجج لنفي العلم باطل من وجوه

- ‌بقية كلام ابن ملكا في المعتبر وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌الرد على أرسطو من وجوه أخرى غير ما ذكره ابن ملكا. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌عود لكلام ابن ملكا في المعتبر وتعليق ابن تيمية

الفصل: ‌فصل. كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

متحركة، ولم ينف عنها المحبة، ولا تبرأ منها كما تبرأ مما يشركون لما أفلت، فدل ذلك على أن حركتها لم تكن منافية لمقصود إبراهيم، بل نافاه أفولها.

‌فصل. كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

فصل.

كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

قال ابن رشد: وأيضاً فإن الزمان من الأعراض، ويعسر تصور حدوثه، وذلك أن كل حادث فيجب أن يتقدمه العدم بالزمان، فإن تقدم عدم الشيء على الشيء لا يتصور إلا من قبل الزمان.

وأيضاً فالمكان الذي يكون فيه العالم، إذا كان كل متكون، فالمكان سابق له، يعسر تصور حدوثه، لأنه إن كان خلاء -على رأي من يرى أن الخلاء هو المكان - احتاج أن يتقدم حدوثه، إن فرض حادثاً خلاء آخر.

وإن كان المكان نهاية الجسم المحيط بالمتمكن - على الرأي الثاني - لزم أن يكون ذلك الجسم في مكان، فيحتاج ذلك الجسم إلى الجسم، ويمر الأمر إلى غير نهاية.

وهذه كلها شكوك عويصة.

وأدلتهم التي يرومون بها بيان إبطال

ص: 84

قدم الأعراض إنما هي لازمة لمن يقول بقدم ما يحسن منها حادثاً.

أعني من يضع أن جميع الأعراض غير حادثة.

وذلك أنهم يقولون: إن الأعراض التي يظهر للحس أنها حادثة، إن لم تكن حادثة، فإما أن تكون منتقلة من محل إلى محل، وإما أن تكون كامنة في المحل الذي ظهرت فيه من قبل أن تظهر.

ثم يبطلون هذين القسمين فيظنون أنهم قد بينوا أن جميع الأعراض حدوثه، ولا ما يشك في أمره، مثل الأعراض الموجودة في الأجرام السماوية من حركاتها وأشكالها وغير ذلك، فتؤول أدلتهم على حدوث جميع الأعراض إلى قياس الشاهد على الغائب، وهو دليل خطابي، إلا حيث النقلة معقولة بنفسها، وذلك عند التيقن باستواء طبيعة الشاهد والغائب وأما المقدمة الثالثة: وهي القائلة: إن ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث، فهي مقدمة مشتركة الاسم.

وذلك أنها يمكن أن تفهم على معنيين: أحدهما ما لا يخلو من

ص: 85

جنس الحوادث ويخلو من آحادها، والثاني: ما لا يخلو من واحد منها مخصوص مشار إليه.

كأنك قلت: ما لا يخلو من هذا السواد المشار إليه فهو مادي، فأما هذا المفهوم الثاني فهو صادق أعني ما لا يخلو من عرض ما يشار إليه.

وذلك أن العرض الحادث يجب بالضرورة أن يكون الموضوع له حادثاً، لأنه إن كان قديماً فقد خلا من ذلك العرض، وقد كنا فرضناه لا يخلو، وهذا خلف لا يمكن.

وأما المفهوم الأول، وهو الذي يريدونه فليس يلزم عنه حدوث المحل.

أعني الذي لا يخلو من جنس الحوادث، لأنه يمكن أن يتصور المحل الواحد- أعني الجسم -تتعاقب عليه أعراض غير متناهية: إما متضاده، وإما غير متضاده.

كأنك قلت: حركات لا نهاية لها، وحركات وسلوكيات لانهاية لها، كما يرى كثير من القدماء في

ص: 86

العالم، أعني أنه يتكون واحد بعد واحد.

ولهذا لما شعر المتأخرون من المتكلمين بوهاء هذه المقدمة رامو شدها وتقويتها، بأن بينوا - في زعمهم - أنه لا يمكن أن تتعاقب على محل واحد أعراض لا نهاية لها.

وذلك أنهم زعموا أنه يجب على هذا الوضع أن لا يوجد في المحل منها عرض ما مشار إليه إلا وقد وجدت قبله أعراض لا نهاية لها، وذلك يؤدي إلى امتناع الموجود منها، أعني المشار إليه، لأنه يلزم ألا يوجد إلا بعد انقضاء ما لا نهاية له.

ولما كان ما لا نهاية له لا ينقضي، وجب ألا يوجد المشار إليه، أعني المفروض موجوداً.

مثال ذلك: أن الحركة الموجودة اليوم للجرم السماوي، إن كان قد وجد قبلها حركات لا نهاية لها، فقد كان يجب ألا يوجد ذلك.

ومثلوا ذلك برجل قال لرجل: لا أعطيك هذا الدينار حتى أعطيك قبله دنانير لانهاية لها.

قالوا: فليس يمكن أن يعطيه ذلك الدينار المشار إليه أبداً.

قال: وهذا التمثيل ليس بصحيح، لأن في هذا التمثيل وضع

ص: 87

مبدأ ونهاية ووضع ما بينهما غير متناه.

لأن قوله وقع في زمان محدود، وإعطاءه إياه يقع في زمان محدود، فاشترط هو أن يعطيه الدينار في زمان يكون بينه وبين ذلك الزمان، الذي تكلم فيه، أزمنة لا نهاية لها، وهي التي يعطيه فيها دنانير لانهاية لها، وذلك مستحيل.

فهذا التمثيل بين أمره لا يشبه المسألة الممثل بها.

وأما قولهم: إن ما يوجد بعد وجود أشياء لا نهاية لها لا يمكن وجوده، فليس بصادق من جميع الوجوه.

وذلك أن الأشياء التي بعضها قبل بعض توجد على نحوين: إما على جهة الدور، وإما على جهة الاستقامة.

فالتي توجد على جهة الدور، الواجب فيها أن تكون غير متناهية، إلا أن يفرض فيها ما ينهيها.

مثال ذلك: أنه إن كان شروق فقد كان غروب، وإن كان غروب فقد كان شروق، فإن كان شروق فقد كان شروق.

وكذلك إن كان غيم فقد كان بخار صاعد من الأرض، وإن كان بخار

ص: 88

صاعد من الأرض فقد ابتلت الأرض، وإن كان قد ابتلت الأرض فقد كان مطر، وإن كان مطر فقد كان غيم.

وأما التي تكون على استقامة، مثل كون الإنسان من الإنسان، وذلك الإنسان من إنسان آخر، فإن هذا إن كان بالذات لم يصح أن يمر إلى غير نهاية، لأنه إذا لم يوجد الأول من الأسباب لم يوجد الآخر، وإن كان ذلك بالعرض، مثل أن يكون الإنسان بالحقيقة عن فاعل آخر غير الإنسان، الذي هو الإله وهو المصور له، ويكون الأب إنما منزلته منزلة الآلة من الصانع، فليس يمتنع إن وجد ذلك الفاعل يفعل فعلاً لا نهاية له بآلات غير متناهية متبدلة، أن يكون فعله لأشخاص الناس على الدوام بأشخاص لا نهاية لها، أعني أنه يفعل الأبناء بالآباء، وإليه الإشارة في قوله تعالى {أن اشكر لي ولوالديك} .

قلت: مضمون هذا الكلام أن التسلسل في العلل ممتنع، لأن العلة يجب وجودها عند وجود المعلول.

وأما في الشروط والآثار - مثل كون

ص: 89

الوالد شرطا في وجود الولد، ومثل كون الغيم شرطا في وجود المطر - فلا يمتنع.

وهذا فيه نزاع معروف، وقد ذكر في غير هذا الوضع.

وليس في هذا ما ينفع الفلاسفة في قولهم بقدم الأفلاك، وإنما غايته إبطال ما يقوله من يقول بوجوب تناهي الحوادث.

وقد تقدم غير مرة أن حجة الفلاسفة باطلة على تقدير النقيضين، فإنه إذا امتنع وجود ما لا يتناهى بطل قولهم، وإن جاز وجوده لم يمتنع أن يكون وجود الأفلاك متوقفاً على حوادث قبله، وكل حادث مشروط بما قبله، كما يقولون هم في الحوادث عن علة تامة مستلزمة لمعلولها، ويقتضي أنه يلزم من قولهم أن لا يكون للحوادث فاعل، إذا كان كل حادث مشروطاً بحادث قبله.

والعلة التامة المستلزمة لمعلولها يمتنع عندهم -وعند غيرهم - أن يحدث عنها شيء بوسط أو غير وسط، لأن ذلك يقتضي تأخر شيء من معلولاتها فلا تكون تامة، بل فيها إمكان ما بالقوة لم يخرج إلى الفعل، وهو نقيض قولهم.

قال ابن رشد: وأيضاً فإن قولهم: إن الحركة المشار إليها لا تخرج إلا وقد انقضت قبلها حركات لانهاية لها، قول لا يسلمه الخصوم، فإن الخصوم: إنه لا ينقضي إلا ما له ابتداء، وما لا مبدأ له - كما

ص: 90

نضعه نحن - فلا انقضاء له وبهذا ينكرون قولهم: إن ما وقع في الماضي فقد دخل في الوجود، لأن معنى: دخل في الوجود، أنه تناهى وجوده وكمل، ولا يتناهى إلا ما له ابتداء، فأما ما لم يبتدي فلا يدخل في الوجود.

قلت: لفظ الانقضاء والقضاء قد يعنى به الكمال والتمام.

كما قال تعالى: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض} ، {فإذا قضيتم مناسككم} ويقال: قد انقضت هذه السنة، والمضي والزوال.

فمعلوم أن الحوادث التي كانت قبلها قد انقضت ومضت وانتهت، بمعنى أنها لم يبق منها شيء.

وعلى هذا فقول القائل: كل حركة لا تكون حتى يكون قبلها حركات لا نهاية لها، معناه: حتى توجد قبلها حركات لا ابتداء لها.

ليس

ص: 91

المراد: لا آخر لها، بل المراد: ليس لها ابتداء، وهذا صحيح، وهو أول المسألة.

والمنازع يقول: إذا كانت الحركات لا أول لها، فالمعنى أنه قد مضى في الماضي ما لا ابتداء له، كما يقال: إنه سيوجد في المستقبل ما لا انتهاء له.

وهذا هو قوله، فما الدليل على بطلان هذا؟

فهناك اشتراك واشتباه في الألفاظ والمعاني، إذا ميزت ظهر المعنى.

ولفظ الدخول في الوجود قد يتناول ما كمل وجوده وما لم يكمل وجوده، ويتناول ما وجد معاً وما وجد متعاقباً.

لكن قول القائل: إن الماضي دخل في الوجود دون المستقبل، عند منازعه فرق لا تأثير له.

فإن أدلته النافية لإمكان دوام ما لا يتناهى، كالمطابقة والشفع والوتر وغير ذلك، يتناول الأمرين، وهي باطلة في أحدهما، فيلزم بطلانها في الآخر، ومن اعتقد صحتها مطلقاً، ك أبي الهذيل والجهم، طردوها في الماضي والمستقبل، وهو خلاف دين المسلمين وغيرهم من أهل الملل.

وهذا الذي يذكره هؤلاء المتفلسفة إنما يتوجه فيما مضى ولم يبق كالحركات، فأما النفوس الإنسانية المجتمعة، إذا قالوا بأنه الآن في الوجود منها ما لا يتناهى وهو مجتمع، وأن ذلك لا يزال يزيد، لم يكن ما ذكروه في الحركات متناولاً لهذا.

ولهذا فر ابن رشد من ذلك إلى أن جعل النفوس واحدة بالذات، وشبهها بالضوء مع الشمس، والضوء عرض.

وفساد هذا القول معلوم، وليس هذا موضع بسطه.

ص: 92

ولهذا قال ابن رشد هنا: وهذا كله ليس بيناً في هذا الموضع، وإنما سقناه ليعرف أن ما توهم القوم من هذه الأشياء أنه برهان فليس برهاناً، ولا هو من الأقاويل التي تليق بالجمهور، أعني التراهين البسيطة التي كلف الله تعالى بها الجميع من عباده الإيمان به.

قال: فقد تبين لك من هذا أن هذه الطريقة ليست برهانية صناعية ولا شرعية.

وأيضاً فإن خصماءهم لا يضعون قبل الدورة المشار إليها دورات لا

ص: 93

نهاية لها، لأن من أصولهم أن ما لا نهاية له الجائز الوجود، هو الذي يوجد أبداً شيء خارج عنه، أعني أنه يمكن أن يزاد عليه دائماً، فهم إنما يضعون أن قبل هذه الدورة المشار إليها دورة، وقبل تلك الدورة دورة، وذلك إلى غير نهاية على التعاقب على محل واحد أي متى وجدت دورة وجدت قبلها في المحل دورة وبعدها دورة، وأن هذا المرور إلى غير نهاية، كالحال في المستقبل، فإنما نقول: إن بعد هذه الدورة دورة وبعدها دورة وذلك إلى غير نهاية، ولا نقول: إن بعد هذه الدورة دورات لا نهاية لها، فيلزم عن هذا أن يكون بعد الدورة التي كانت اليوم بمدة عشرة آلاف سنة دورات لا نهاية لها، وبعد الدورة المشار إليها الآن، فيكون ما لا نهاية لها أعظم مما لا نهاية له وذلك محال، وكذلك الحال في الأدوار الماضية.

وقولهم: إن الفرق بين ما مضى وبين ما يأتي: أن ما يأتي لم يدخل في

ص: 94

الوجود بعد، وأن مضى قد أنصرم وانقضى، وما انصرم وانقضى فواجب أن يدخل في الوجود، فهو متناه - قول حق، إلا أن الوضع الذي يضعه خصماؤهم في الدورات ليس بهذه الصفة، وذلك أنه لم يكن هناك حركة، واجب أن تكون أولى يستحيل أن تكون قبلها حركة، فليس يجب أن يكون ها هنا جملة، هي أو لجملة دخلت في الوجود، ولا جزء منها هو أول جزء دخل في الوجود.

والذي دخل منها في الوجود إنما هو شخص واحد أو أشخاص متناهية، إن كانت من الأشياء التي يوجد منها أكثر من شخص واحد.

وذلك على جهة التعاقب على محل وحد.

فمن أين-يلزم ليت شعري-إن كان الداخل منها في الوجود إنما هو واحد، وقبله واحد، أن يكون هاهنا جملة غير متناهية دخلت في الوجود معا؟.

ص: 95

والأصل في هذا كله أن لا يدخل في الوجود إلا ما انقضى وجوده، وما انقضى وجوده ولا ينقضي إلا ما ابتدى وجوده، وإنما كان يلزم أن يدخل في الوجود ما لا نهاية له الماضي في الوجود، لو كان دخوله معا، أعني ما لا نهاية له، وأما الداخل فيه شخص فشخص على محل واحد، وكأنك قلت على الجسم الدوري وليس هناك أول، فليس يجب أن يكون ما دخل منها في الوجود منحصرا أو متناهيا، لأن المتناهي هو الذي يمكن يزاد عليه شيء، وأي جملة فرضناها متناهية فإنه يمكن أن يكون فيها جملة قبلها جملة أخرى.

هذا هو حد ما لا نهاية له الجائز الوجود، أعنى أن يكون أبداً يوجد شيء خارج عنه، ويسألون: كما أن تقدير وجود الباري سبحانه وتعالى في الماضي غير متناه، وكما أن تقدير وجوده في المستقبل غير متناه ـوهذا معنى قولنا لم يزل ولا يزال: هل تقدر أفعاله في الماضي متناهية أو غير متناهية؟ .

ص: 96

فإن قالوا: غير متناهية، كما هو في المستقبل، فقد اعترفوا بوجود ما لا نهاية له في الماضي، على الشرط الذي يوجد ما لا نهاية له، أعني أن لا يوجد معاً، وأن لا ينقطع المكان.

وإن قالوا غير ذلك فقد أحالوا على الوجود الأزلي أن تكون أفعاله أزلية، يلزمهم ذلك في علمه بالحادثات وإرادته لها، فتكون معلوماته بالفعل متناهية، وكذا إرادته وبالقوة غير متناهية.

أما في الماضي فمن قبل أنه لا يجوز عندهم أن تكون أفعال لا نهاية لها، وأما في المستقبل فمن قبل أن ما لا نهاية له إنما يوجد عنده بالقوة، وذلك شيء لا يقولونه.

فإن قالوا: إرادته ومعلوماته غير متناهية بالفعل فقد سلموا دخول ما لا نهاية له بالفعل في الوجود.

قال: وهذا كله تشويش لعقائد المتشرعين، وصد عن الغاية التي قصد بها تعريفهم هذه الأشياء، وهو أن يكونوا مصمين في هذه الأشياء أخياراً، فإن من ليس بمصمم العقيدة في هذه ليس بخير.

ص: 97

قلت: قول القائل: هذا متناه أو غير متناه لفظ مجمل، يراد به ما لا يتناهى من أوله ولا من آخره، فلا يمكن أن يزال عليه، وهذا هو مراد ابن رشد بما لا يتناهى من أوله فقط، أو من آخرهس فقط، كالحوادث الماضية إذا قيل: لا تتناهى، فإنه لا نهاية له من جهة الابتداء، بمعنى أنه لا ابتداء لها، ولكن إذا قدر أنها انقضت اليوم فقد تناهت من هذا الطرف.

قال ابن رشد: فخصماء هؤلاء المتكلمين لا يقولون: قيل هذه الدورة المعنية دورات لا نهاية لها بالمعنى الأول، أي ليس لها أول ولا آخر، بل يعترفون أنه حينئذ يكون للدورات آخر.

وهذا عندهم هو الذي لا يتناهى بالمعنى الآخر وهو جائز عندهم.

قال: لأن من أصولهم أن ما لا نهاية له الجائز الوجود، هو الذي يوجد أبداً شيء خارج عنه، أعني أنه يمكن أن يزاد عليه دائماً.

قال: فهم إنما يضعون أن قبل هذه الدورة المشار إليها دورة،

ص: 98

وقبل تلك الدورة دورة، إلى غير نهاية على التعاقب على محل واحد، كالحال في المستقبل، فإنا نقول: إن بعد هذه الدورة دورات لا نهاية لها، فيلزم أن يكون بعد هذه الدورة بمدة عشرة آلاف سنه دورات لانهاية لها، وبعد هذه الدورة دورات لا نهاية لها، فيكون ما لا نهاية له أعظم مما لا نهاية له، وذلك محال.

فمعنى ما لا نهاية له الذي جعل مقتضاه محالاً، هو الذي لا يقبل أن يزاد عليه، وهو ما لا أول له ولا آخر.

وأما إذا قيل: وجد قبل هذه الدورة دورة، وقبلها دورة إلى غير نهاية، فهنا إنما نفيت النهاية عن الجانب الماضي دون المستقبل، فلا يطلق على الجملة أنها لا تتناهى، لأنها تناهت من أحد الجانبين، وإن كانت غير متناهنة من الجانب الآخر.

فهو يسلم امتناع انقضاء وجود ما لا يتناهى في الماضي، إذا أريد به ما لا يتناهى من الجانبين.

وما قدر متناهياً من أحدهما فلا يسلم امتناع أنقضائه، ولا يطلق عليه أنه لا يتناهى، بل هو عنده قد تناهى لأنه انقضى، والتناهي

ص: 99

والانقضاء واحد.

ولكن يقال فيه: إنه وجد شيئاً قبل شيء إلى غير نهاية، فتكون النهاية مسلوبة عن ابتدائه، لا عن الجانب الذي انتهى إليه.

ويقال: لا يتناهى مقيداً لا مطلقاً كما قال: لأن من أصولهم أن ما لا نهاية له الجائز وجودة، هو الذي يوجد أبداً شيء خارج عنه، أي يمكن أن يزاد عليه دائماً، فهذا يسميه ما لا نهاية له الجائز وجوده، وهو أن يكون خارجاً عنه شيء يمكن أن يزاد عليه دائماً، هو إنما يقبل الزيادة من الجهة التي تناهى منها، فهو متناه من احد الطرفين، غير متناه من الطرف الآخر.

فلهذا جاز أن يقال: ليس هو مما لا يتناهى لتناهيه من جانب، ويجوز أن يقال: هو لا يتناهى لعدم تناهيه من الجانب الآخر.

ولهذا نقول: إنه لا يدخل في الوجود إلا ما انقضى وجوده.

وما انقضى _ ولا ينقضي إلا ما ابتدأ وجوده - لأنه إذا قدر أن الحوادث دائمة لم تزل ولا تزال فلم تنقض، وإنما يفرض الإنسان انقضاء الماضي فرضاً، وإنما المنقضي ما لم يبق فيه شيء.

والحوادث إذا كانت مستمرة فما انقضت ولا انتهت، فما دخلت في

ص: 100

الوجود.

والذي وجد في الماضي فهو متناه ليس هو مما لا يتناهى، وإنما يكون قد دخل ما لا يتناهى إذا كان ممتنعا في الوجود، فيكون قد انقضى، مع كونه غير متناه، وهذا ممتنع.

فأما ما يوجد شيئاً بعد شيء، وهو لم يزل ولا يزال، فهذا ليس يجب أن يكون ما دخل منه في الوجود منحصراً أو متناهياً لأنه لم ينقض، بل هو متواصل الوجود، والمنقضي عنده ما انقطع وجوده ولم يبق منه شيء، وليست الحوادث المستمرة كذلك.

فلفظ انقضى وانتهى وانصرم ونحو ذلك معناها متقارب.

فإذا قال المتكلم: الحوادث الماضية قد انقضت، فلو لم تكن متناهية للزم انقضاء ما لا نهاية له، كان هذا تلبيساً، فإنها إذا جعلت منقضية، فإنما انقضت من جهتنا لا من البداية، ومن هذه الجهة هي متناهية، وأما من جهة الابتداء فلا انتهاء لها ولا انقضاء، وما لا يتناهى هو ما لا ينقضي ولا ينصرم.

فإذا قيل: انصرم وانقضى ما لا يتناهى، كان هذا تناقضياً بيناً.

والحوادث الماضية ليس لها أول، فإذا قدر أنها انقضت فقد انتهت وانصرمت، فلا يطلق عليها أنها لا تتناهى، مع تقدير أنها منقضية، بل إذا قدر تناهيها فقد انقضت، وإن قدر استمرارها فلم تنقض.

وما ذكره ابن رشد، كما أنه مبطل لقول من يقول بامتناع وجود ما لا

ص: 101

يتناهى في الماضي والمستقبل -كما يقوله من يقوله من المتكلمين - فهو مبطل أيضاً لقول إخوانه من الفلاسفة، الذين يقولون بوجود ما لا يتناهى، ولا له أول ولا آخر في قديميين مختلفين، كما يقولونه: إن حركات كل واحد من الأفلاك لا تتناهى ولا لها بداية ولا نهاية، مع أن إحدى الحركات أكثر وأعظم من الأخرى.

كما يقولون: إن القمر يتحرك في كل شهر مرة، والشمس في كل سنة مرة، والفلك المحيط في كل يوم مرة، فهو أعظم مقداراً وأسرع حركة من فلك الشمس القمر وغيرهما، فإنه محيط بالجميع، فهو أعظم، وهو يتحرك كل يوم الحركة الشرقية التي تحرك بها جميع الأفلاك، وليس في الأفلاك ما يتحرك كل يوم غيره، فتكون حركته أكبر وأكثر من حركة سائر الأفلاك: فلك الشمس والقمر وغيرهما، فإن الأيام أكثر عدداً من الشهور، والشهور أكثر عدداً من الأعوام.

ونفس المتحرك كل يوم حركته أعظم مقداراً مما يتحرك في الشهر والعام، مع أن كلاً من هذه الحركات ليس لها أول ولا آخر عندهم، فيلزم من ذلك أن يكون ما لا يتناهى وليس له أول ولا آخر، كحركة فلك القمر والشمس، يقبل أن يزاد عليه أضعافاً مضاعفة، بل وجد ما هو بقدره أضعافاً مضاعفة، وهو حركة الفلك المحيط، فيكون ما لا يتناهى من

ص: 102

الجانبين وليس له أول ولا آخر، أعظم مما لا يتناهى وليس له أول ولا آخر وأكبر منه، وهذا هو الذي بين ابن رشد وغيره من النظار أنه ممتنع.

ولايلزم هذا أئمة أهل الملل قالوا: إن الرب يفعل أفعالاً، أو يقول كلمات لا نهاية لها، ليس لها أول ولا آخر.

فإن هؤلاء يقولون: لا قديم إلا الله وحده، وما سواه محدث مخلوق، فلم يقم بغيرة ولا يصدرعن غيره ما لا يتناهى، وإنما ذلك له وحده، فلم يكن لغيره ما لا يتناهى من الطرفين، لا أقل مما له ولا أكثر.

وذلك أن ابن رشد عنده ما لا يتناهى هو ما لا أول له ولا آخر، فما كان له منتهى ينتهي إليه محدود، فلا بد أن يكون له مبدأ محدود، فلا يتناهى شيء في النهاية إلا وله مبدأ محدود.

ولهذا قال: وأيضاً فإن خصماءهم لا يضعون قبل الدورة المشار إليها دورات لا نهاية لها، لأن من أصولهم أن ما لا نهاية له الجائز الوجود هو الذي يوجد أبداً شيء خارج عنه، أعني أنه يمكن أن يزاد عليه دائماً إلى قوله: (إن الفرق بين ما مضى وبين ما يأتي: أن ما يأتي لم يدخل في الوجود بعد، وأن ما مضى قد انقضى وانصرم، وما انقضى ونصرم فواجب أن يدخل في الوجود فهو متناه، فهو قول حق ومراده

ص: 103

بذلك أن الذي ينقضي وينصرم هو ما له مبتدأ.

وأما ما لا ابتداء له فلا انتهاء له ولا ينقضي ولا ينصرم

ولهذا قال: إلا أن الوضع الذي يضعه خصماؤهم في الدورات ليس بهذه الصفة، وذلك أنه لم يكن هناك حركة، واجب أن تكون أولى بحيث يستحيل أن تكون قبلها حركة، فليس يجب أن يكون ها هنا جملة دخلت في الوجود، ولا جزء منها هو أول جزء دخل في الوجود.

والذي دخل منها في الوجود إنما هو شخص واحد أو أشخاص متناهيه، إن كانت من الاشياء التي يوجد منها أكثر من شخص واحد.

إلى قوله: فمن أين يلزم - ليت شعري - إن كان الداخل منها في الوجود إنما هو واحد وقبله واحد، أن يكون ها هنا جملة غير متناهية دخلت في الوجود معا.

قال: والأصل في هذا كله ألا يدخل في الوجود إلا ما انقضى وجوده، وما انقضى، ولا ينقضي إلا ما ابتدأ وجوده.

إلى قوله: لأن المتناهي هو الذي يمكن أن يزاد عليه شيء.

وأي جمله فرضناها متناهية فإنه يمكن قبلها جملة أخرى.

وهذا هو حد مالا يتناهى الجائز الوجود.

ص: 104

وقد قال قبل ذلك: لأن من أصولهم أن ما لا نهاية له الجائز الوجود هو الذي يوجد أبدا شيء خارج عنه، أعني أنه يمكن أن يزاد عليه دائما.

إلى قوله: ولا نقول: إن بعد هذه الدورة دورات لا نهاية لها، فيلزم من هذا أن يكون بغد الدورة التي كانت اليوم بمدة عشرة آلاف سنة دورات لا نهاية لها وبعد الدورة المشار إليها دورات لا نهاية لها فمن تدبر كلامه تبين له ما قلناه.

قلت: فأما الكلام على إحاطة علم الله تعالى بالكليات والجزئيات وإرادته، فمذكور في غير هذا الموضع.

وهذا الرجل قد أورد على هؤلاء هذا السؤال المعروف، وهو الذي أوقع أبا المعالي في قوله بالارسترسال، وأن العلم يحيط بأعيان الجواهر وأنواع الأعراض، ويسترسل على أعيان الأعراض.

هذا ليس هو قول من يقول بأنه يتعلق بالكليات فإن ذلك لا يفرق بين الجواهر وأنواع أعراض وأعيانها.

ومن علم أن الكليات لا تكون إلا كلية في الذهن، وأن كل موجود فإنه معين، والأفلاك معينة، والعقول والنفوس عندهم معينة، ونفسه المقدسة معينة، تبين له أن قول من يقول: يعلم الكليات، وأنه إنما يعلم الجزئيات

ص: 105

على وجه كلي، مضمون كلامه أنه لا يعلم نفسه ولا شيئا من الموجودات.

وهذا وهم يقولون: إنه مبدع لها وسبب في وجودها، وأنا العلم بالسبب يقتضي العلم بالمسبب.

فقولهم هذا يوجب علمه بنفسه وبكل موجود، وذلك يناقض هذا.

وهذا مبسوط في موضعه.

وهذا الرجل -أعني ابن رشد - أراد أن يجمع بين قولهم هذا وبين علمه بالجزئيات، فقال قولا فيه من الحيرة والتناقض ما هو مذكور في موضعه.

والمقصود هنا ذكر ما ناقض به قول هؤلاء المتكلمين الذين يزعمون أن عقلياتهم تعارض الكتاب والسنة، وله أيضا من عقلياته، التي يزعم أنها تناقض ذلك في الباطن، ما هو مردود عليه بالعقل الصريح أيضا.

لكن من عرف كلام بعض هؤلاء مع بعض، تبين له فساد كل ما يعارض به كل طائفة للنصوص النبوية، وأنه ما من معقول يدعى معارضته لذلك إلا وقد نقضه أهل المعقول بما يتبين فساده، {سبحان ربك رب العزة عما يصفون * وسلام على المرسلين * والحمد لله رب العالمين} الصافات: 180 -182.

قال ابن رشد: والأولى أن يقال لمن وصل من الجمهور إلى هذا

ص: 106