الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن عنيت أنه لا يصدر عنه شيء بعد أن لم يكن شيء من الأشياء صادراً عنه، وهذا هو مراده.
فيقال: غاية ما في هذا دوام فعله.
وحينئذ فهذا لا يستلزم دوام المفعول المعين، لا الفلك ولا غيره بل يجوز تعاقب الأفعال القائمة به، وتعاقب المفعولات المحدثة شيئاً بعد شيء، على قولك، وتعاقبها جميعاً.
وعلى التقديرات الثلاثة، فحدوث الأفلاك ممكن، فيبطل استدلالك على قدمها.
الوجه الثاني
أن يقال: حدوث الحوادث المنفصلة عنه شيئاً بعد شيء من غير فعل يقوم به: إما أن يكون ممكناً، وإما ألا يكون.
فإن لم يكن ممكناً بطل قولكم، بأن سبب الحوادث هو حركات الفلك.
وإن كان ممكناً أمكن حدوث حوادث متعاقبة، الفلك واحد منها.
كما أخبرت بذلك الأنبياء، وهو قول قدماء الفلاسفة وأساطينهم.
الوجه الثالث
أن يقال: دوام حدوث الحوادث إما أن يكون ممتنعاً، أو ممكناً، كما ذكرت.
فإن كان ممتنعاً لزم حدوث الأجسام وحركاتها، ودخل في ذلك الفلك وغيره.
وإن كان ممكناً، لم يجب أن يكون الفلك دائماً، بل يجوز أن يكون حادثاً بعد حوادث قبله كما تقدم.
الوجه الرابع
أن يقال: قولكم: إما أن يكون المرجح نفسه، أو على ما أخذ من صفاته وهو دائم، فيجب دوام الترجيح، ودوام وجود المعلول.
وإن لم يفعل، ثم فعل، فلا بد من حدوث ما ينبغي.
لأهل الملل هنا جوابان:
أحدهما: قول من يقول: إنه لم يزل يقوم به الفعل والكلام بقدرته ومشيئته، وعلى هذا فيمكن دوام الترجيح، ولا يجب قدم شيء من المفعولات، فضلاً عن قدم الأفلاك.
والجواب الثاني: قول من يقول: يمتنع وجود المفعول في الأزل.
وعلى هذا، فإذا قلت لهؤلاء: إذا قلتم: لم يفعل ثم فعل، فلا بد من حدوث ما ينبغي فعله، أو عدم ما لا ينبغي، ويعود الكلام إليه ولا يقف.
قالوا: فعل واجب الوجود لما فعله من المفعولات المختلفة الحادثة: إما أن يجوز صدوره عنه من غير فعل قائم به، وإما ألا يجوز.
فإن لم يجز ذلك بطل قولك.
وإن جاز ذلك فحاله حين حدوث الطوفان كحاله حين إرسال محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد وجد منه في أحد الزمانين من المفعولات ما لا يوجد في الزمان الآخر، مع تماثل حاله بالنسبة إلى الزمانين.
وإذا قيل: إن ذلك لأجل الحوادث المختلفة، كالحركات الفلكية، والاتصالات الكوكبية.
قيل: الكلام في الحوادث التي أوجبت حدوث الطوفان، كالقول في الحوادث حين المبعث وغيره من الحوادث المختلفة.
فإذا كان الفاعل حاله مماثل في جميع الأزمنة، واللوازم عنه كذلك، كان اختصاص أحد الزمانين بما يخالف الزمان الآخر ترجيحاً بلا مرجح.
فإن كان ذلك جائزاً، جاز أن تحدث عنه الحوادث بعد أن لم تكن.