الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه} ، فجعل الحاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه الكتاب المنزل من السماء.
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} .
فأمر عند التنازع بالرد إلى الله والرسول.
كلام عبد الوهاب بن أبي الفرج المقدسي
ولهذا قال هؤلاء المقررون لكون المعرفة لاتحصل بمجرد العقل ما قاله عبد الوهاب ابن أبي الفرج وغيره: (إنا نقول إن المعرفة لو كانت بالعقل، لوجب أن يكون كل عاقل عارفاً بالله تعالى، مجمعاً على رأي واحد في التوحيد، ولما وجدنا جماعة من العقلاء كفاراً، مع صحة عقولهم ودقة نظرهم - دل على أن المعرفة لم تحصل بالعقل، لأن العقل حاسة من جملة الحواس.
فالحواس لا تختلف في محسوساتها، ألا ترى أن ما يدرك بالنظر من أسود وأحمر وأخضر وأصفر، وحيوان، وحجر، لا يختلف أرباب النظر فيه؟ فدل على أن معرفة الله حصلت بمعنى غير العقل، لوجود الأختلاف في المعرفة، والاتفاق فيما طريقة العقل والحواس) .
تعليق ابن تيمية
وتسمية هؤلاء للعقل حاسة من الحواس هومما نازعهم فيه طوائف من أصحابهم وغيرهم، كأبي الحسن بن الزاغوني وغيره.
والنزاع في ذلك عند التحقيق يرجع إلى اللفظ، ولذلك قالوا: لوكان العقل علة في معرفة الباري، لوجب أن تحصل المعرفة بوجوده، وتعدم بعدمه.
كالمنظورات تدرك بوجود البصر، وتعدم معرفتها ونظرها بعدم البصر.
وكذلك المسموعات وسائر المحسوسات.
ولما رأينا المسلم يرتد عن الإسلام، مع وجود عقله الذي كان به قبل الارتداد مؤمناً، علمنا أن المعرفة حصلت له بغير ذلك.
وكذلك نرى المؤمن بالله يذهب عقله، ويحكم بجنونه، وهو باق على المعرفة، مقر بالتوحيد، عارف بالله.
وعقلاء كثيرون يكفرون بالله ويشركون به.
فدل على أن المعرفة مستفادة بمعنى غير العقل.
وهذا الكلام يقتضي أن مجرد الغريزة ولوازمها لا تستلزم المعرفة الواجبة على العباد.
وهذا مما لا ينازع فيه أحد، فإن من يقول: إن المعرفة تحصل بالعقل، يقول: إن أصل الإقرار بالصانع يحصل بعلوم عقلية، ولكن ليس ذلك هو جميع المعرفة الواجبة، ولا بمجرد ذلك يصير مؤمناً.
وهذا العقل هوالعقل الذي هو شرط في الأمر والنهي.
وقد يراد بالعقل ما تحصل به النجاة.
كما قال تعالى عن أهل النار: {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} .
وقال تعالى: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً} .
وقال تعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} .
وقال: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} ، وأمثال ذلك في القرآن.
واحتجوا على أن المعرفة لا تحصل بمجرد العقل، بقوله تعالى: {وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم
ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله} .
وهذه الآية وأمثالها تدل على أن السمع والأبصار والأفئدة لا تنفع صاحبها مع جحده بآيات الله.
فتبين أن العقل الذي هو مناط التكليف لا يحصل بمجرده الإيمان النافع، والمعرفة المنجية من عذاب الله.
وهذا العقل شرط في العلم والتكليف لا موجب له.
احتجوا أيضاً بما ذكروه «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تعلموا العلم، فإن تعليمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقه، به يعرف الله ويعبد، وبه يمجد الله ويوحد.
هو إمام العمل، والعمل تابعه.
يرفع الله بالعلم أقواماً فيجعلهم للناس قادة وأئمة يقتدى بهم، وينتهى إلى رأيهم» .
قالوا: فوجه الدليل قوله: (به يعرف الله ويعبد) .
وهذا الكلام معروف عن معاذ بين جبل رضي الله عنه، رووه عنه بالأسانيد المعروفة.
وهو كلام حسن، ولكن روايته مرفوعاً فيه نظر.
وفيه: أن الله يعرف ويعبد بالعلم، لا بمجرد الغريزة العقلية.
وهذا صحيح لا ينازع فيه من يتصور ما يقول.
ومن يقول: إن المعرفة تحصل بالعقل، يقول: إنما تحصل بعلوم عقلية، أي يمكن معرفة صحتها بنظر العقل، لا يقول: إن نفس العقل - الذي هو الغريزة ولوازمها - يوجب حصول المعرفة والعبادة.
وقد تنازع كثير من الناس في مسمى العلم والعقل، أيهما أشرف؟ وأكثر ذلك منازعات لفظية.
فإن العقل قد يراد به: الغريزة، وقد يراد به: علم يحصل بالغريزة.
وقد يراد به: عمل بالعلم.
فإذا أريد به علم كان أحدهما من جنس الآخر.
لكن قد يراد بالعلم: الكلام المأثور عن المعصوم.
فإنه قد ثبت أنه علم، لقوله:{فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم} .
وأمثاله.
ويراد بالعقل: الغريزة.
فهنا يكون أحدهما غير الآخر.
ولا ريب أن مسمى العلم بهذا الاعتبار أشرف من مسمى العقل.
فإن مسمى العلم هنا كلام الله تعالى، وكلام الله أشرف من الغريزة التي يشترك فيها المسلم والكافر.
وأيضاً فقد تسمى العلوم المسموعة عقلاً، كما قيل:
رأيت العقل عقلين
…
فمطبوع ومسموع
فلا ينفع مسموع
…
إذا لم يك مطبوع
كما لا تنفع العين
…
وضوء الشمس ممنوع
وأما العمل لعلم، وهو جلب ما ينفع الإنسان، ودفع ما يضره، بالنظر في العواقب، فهذا هو الأغلب على مسمى العقل في كلام السلف والأئمة، كالآثار المروية في فضائل العقل.
ومنه الحديث المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان مرسلاً: إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات.
وبهذا الاعتبار فالعقل يتضمن العلم، والعلم جزء مسماه.
ومعلوم أن مجموع العلم والعمل به أفضل من العلم الذي لا يعمل به.
وهذا كما قال غير واحد من السلف في مسمى الحكمة، كما قال مالك بن أنس:(الحكمة معرفة الدين والعمل به) .
وكذلك قال الفضيل بن
عياض، وابن قتيبة، وغير واحد من السلف.
قال الشاعر:
وكيف يصح أن تدعى حكيماً،
…
وأنت لكل ما تهوى ركوب
وقال آخر:
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها
…
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
وهذا المعنى موجود في سائر الألسنة، لكن لكل أمة حكمة بحسبها، كما أن لكل أمة ديناً.
فاليونان لهم ما يسمونه حكمة، وكذلك الهند.
وأما حكمة أهل الملل فهي أجل من ذلك.
ومما احتج به هؤلاء أنهم قالوا: لا يدرك بالعقل إلا ما يكنفه العقل ويحيط به علماً.
والباري سبحانه وتعالى لا تدركه العقول ولا تحيط به.
لقوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} وقوله: {ولا يحيطون به علما} .
قال ذو النون المصري: العقل عاجز ولا يدل إلا على عاجز، فأما الربوبية فلا سبيل إلى كيفية إدراكها بالعقول، ليس هو إلا الرضا والتسليم والإيمان والتصديق) .
لكن هذا الكلام وما يشبهه إنما يقتضي أن معرفة كنهه وحقيقته لا تدركه العقول.
وهذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء، وإنما نازع في ذلك طوائف من متكلمي المعتزلة ومن وافقهم.
ولهذا كان السلف والائمة يذكرون أنهم لا يعرفون كيفية صفاته.
كقولهم: (الأستواء معلوم، والكيف مجهول) .
وهذا الكيف المجهول هو