الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتكلمين كأبي الحسين والرازي وغيرهما، وكما هو معنى ما دل عليه الكتاب والسنة، وذكره أئمة السنة.
فصارت الأقوال للفلاسفة في علم الله أربعة أقوال، بل خمسة، بل ستة، بل سبعة.
وأكثر من ذلك القول الذي ذكره ابن سينا، والقول الذي اختاره ابن رشد، والقول الذي اختاره أبو البركات.
وهذان القولان هما القولان اللذان يقولهما نظار المسلمين.
وقول أرسطو وابن سينا، فلا يمكن أن يقولهما مسلم.
ولهذا كان ذلك مما كفرهم به الغزالي وغيره، فضلاً عن أئمة المسلمين، ك مالك والشافعي وأحمد، فإنهم كفروا غلاة القدرية، الذين أنكروا علمه بالأفعال الجزئية قبل وجودها، فكيف من أنكر علمه بالجزئيات كلها قبل وجودها وبعد وجودها؟!
ول السهروردي المقتول قول آخر سنحكيه بعد إن شاء الله.
وكذلك ل الطوسي قول قريب منه، مضمونه أن العلم ليس صفة له، بل هو نفس المعلومات.
كلام ابن ملكا في المعتبر عن مسألة عدم الله وتعليق ابن تيمية عليه
قال أبو البركات: فأما معرفته وعلمه فقد اختلف فيه كثير من العلماء، من المحدثين والقدماء، يعني علماء النظار من الفلاسفة، لا يعني به أتباع الأنبياء.
قال: فقال قوم منهم: إنه لا يعرف ولا يعلم سوى ذاته، وصفاته التي له بذاته.
وقال آخرون: بل يعرف ذاته وسائر مخلوقاته، في
سائر الأوقات، على اختلاف الحالات، فيما هو كائن، وفيما هو آت.
وقال آخرون: بل يعرف ذاته بذاته، والصفات الكلية من مخلوقاته، والذات الدائمة الوجود من معلولاته، ولا يعرف الجزئيات، ولا يعلم الكليات الفاسدات المتغيرات المستحيلات، ولا شيئاً من الحوادث من الأفعال والذات.
قال: واشتهر القول بين المتفلسفة من القدماء بالمذهب الأول، أعني تنزيه الذات فقط، وبين المحدثين القول الثالث: وهو معرفة الكليات.
وضعفت بينهم حجج القائلين بمعرفة الجزئيات، لتدقيق النظر، وتقرير أصول لم تحرر، وافقهم عليها السامعون، فألزمهم بتصديقهم من حيث لا يشعرون.
قال: ونحن الآن نقتص مذاهب الذين يقولون بأنه تعالى لا يعرف الجزئيات وحججهم، ثم نشرع في اعتبارها والنظر فيها، وفي مذهب القائلين بخلافها، ونجري على العادة في توفية كل مذهب حجته،
مما قيل، ومما لم يقل، حتى ينتهي النظر إلى الحجة التي لا مرد لها، ولا حجة تبطلها، فنعرف الحق فيها.
ثم قال: الفصل الرابع عشر: في شرح كلام من قال: إن الله لا يحيط علماً بالموجودات.
قال أرسطو طاليس ما هذه حكايته فيما بعد الطبيعة: فأما على أية جهة هو المبدأ الأول، ففيه صعوبة.
فإنه إن كان عقلاً وهو لا يعقل، كالعالم النائم، فهذا محال.
وإن عقل أفترى عقله في الحقيقة لشيء غيره؟ وليس جوهره معقوله، لكن فيه قوة على ذلك، وبحسب هذا لا يكون جوهراً، فإن كان هذا الجوهر بهذه الصفة، أعني أنه عقل، فليس يخلو أن يكون عاقلاً لذاته أو لشيء آخر.
فإن كان عاقلاً لشيء آخر، فلا يخلو أن يكون عقله دائماً لشيء واحد أو لأشياء كثيرة.
فإن كان معقوله لأشياء كثيرة، فمعقوله على هذا منفصل، عنه فيكون كماله إذن لا في أن يعقل ذاته، لكن في عقل شيء آخر، أي شيء كان.
إلا أنه من المحال أن يكون كماله بعقل غيره، إذ كان جوهراً في
الغاية من الإلهية والكرامة والعقل، فلا يتغير.
والتغير فيه انتقال إلى الأنقص، وهذا هو حركة ما، فيكون هذا العقل ليس عقلاً بالفعل، لكن بالقوة.
وإن كان هكذا، فلا محالة أنه يلزمه الكلال والتعب في إيصال للمعقولات، ومن بعد فإنه يصير فاضلاً بغيره، كالعقل في المعقولات، فيكون ذلك العقل في نفسه ناقصاً، ويكمل بمعقولاته.
وإن كان هذا هكذا، فيجب أن يهرب من هذا الاعتقاد، وإن لا يبصر بعض الأشياء أفضل من أن يبصرها، فكمال ذلك العقل، إذ كان أفضل الكمالات، يجب أن يكون بذاته لها، فإنها أفضل الموجودات وأكملها وأشرف المعقولات.
وهذا يوجد هكذا دائماً، دون تعرف أو حسن أو رأي أو فكر.
فهذا ظاهر جداً، فإنه إن كان معقول هذا العقل غيره، فإما أن يكون شيئاً واحداً دائماً، أو يكون علمه بما يعلمه واحداً بعد آخر.
وهذه الأمور بالهيولى غير الصورة، فأما في الأمور العقلية، فطبيعة الأمر وكونه معقولاً شيء واحد، فليس العقل فيها شيئاً غير المعقول.
وبالجملة فجميع الأشياء العرية عن الهيولى، فمعنى العقل والمعقول فيها واحد.
قلت: وقد صنف أبو البركات مقالة في العلم ذكر فيها نحو ما ذكره في المعتبر وقال: هذا القول هو الذي نقل عن أرسطو طاليس في مقالة اللام من كتابه المعروف بـ ما بعد الطبيعة، وقد تداولته العقلاء، وتصرفت فيه العقول، وأكثر فيه المفسرون.
والغرض منه ظاهر، وهو إجلال المبدأ الأول عن أن يكون له كمال بغيره، فيكون بذاته ناقصاً بالقياس إلى ذلك الكمال، وتكون له غيرية بإدراك الأبصار، وتغير بإدراك المتغيرات، وتعب باتصال إدراكها وازدحامها، وخروجه من القوة إلى الفعل فيفعلها.
قال: وإذا كان هذا مفهوم الكلام قد لاح عن كثب، فلا حاجة إلى التطويل.
وهذا قول إذا تتبع بطريقة النظر المحض، لم يثبت له قدم فيه وساق كلامه عليه.
قال أبو البركات في المعتبر: وقد كان أرسطو قال قبل هذا ما قصد به أن ينفي عنه أن تتجدد له الأحوال، ويمنع به تغيره من حال إلى حال، حتى يحكم بذلك في العلوم والمعارف.
قال: وليس يمكن في العلة الأولى أن تنفعل، وجميع هذه هي
حركات توجد بآخرة بعد الحركة المكانية، وجميع هذه هي بينة على هيئة على هذه الصفة.
ثم ذكر عبارة ابن سينا في هذه المسألة كما سنذكره.
وكلام أرسطو فيه أربعة أمور:
أحدها: أن العلم بالغير يوجب كونه كاملاً بغيره، فأن لا يبصر بعض الأشياء أولى من أن يبصرها.
الثاني: أن علمه بالمتغيرات يوجب تعبه وكلاله.
الثالث: أن هذا نوع من الحركة يستلزم تقدم الحركة المكانية.
الرابع: أن علمه الأشياء نوع حركة يوجب كثرة العلوم، فيكون هو لها كالهيولى للصورة.
ومدار الحجج على أن العلم يوجب الكثرة والتغير والاستكمال بالمعلوم.
قال أبو البركات: الفصل الخامس عشر: في اعتبار الحجج المنقولة عن أرسطو طاليس: أما قول أرسطو بأن تعقله للغير كمال يوجب له نقصاً باعتبار لا كونه، فيرد بأن يقال فيه على طريق الجدال الذي يلزمه الإذعان له، وهو أن يقال: إنك تعرفه مبدأ أولاً، وخالق
الكل، فنقول في خلقه مثلما قلت في تعقله.
فإن قلت: الخلق لزم عن ذاته.
قلنا: والتعقل لزم عن ذاته.
وإن قلت: إن ذلك يمنعه عنه، حتى لا يجعل له به كمالاً، أعني كونه يعقل الأشياء.
قلنا: فامنع هذا أيضاً، أعني كونه يخلق الأشياء، حتى لا يكون له به كمال، فيما لا يخلق لا يكون خالق المخلوقات ومبدأً أول لها، كما أنه بما لا يعقل لا يكون عاقل المعقولات، ولو بما لا يعقل واحداً منها، مثلما لا يخلق واحداً منها، فإن الذي لزم في علم المعلوم، يلزم مثله في خلق المخلوقات أو إبداع المبدع، فإنه بقياس لا وجوده عنه ليس بخالق ولا مبدع، فإن لم يوجب هذا نقصاً، لم يوجب ذاك.
وإن أوجب ذاك، فقد أوجب هذا، وإجلاله عن ذلك، كإجلاله عن هذا، وقدرته على هذا، كقدرته على ذاك، فلم نزهته عن ذاك، ولم تنزهه عن هذا؟ ولم خشيت عليه التعب في أن يعقل، ولم تخشه عليه في أن يفعل؟.
قال: فهذا جواب كاف في رده على مذهب المجادلة.
قلت: قوله على مذهب المجادلة -يعني المعارضة والنقض- التي تبطل حجة المستدل، وتبين أنها فاسدة وإن لم يعلم حلها، وذلك أن ما ذكره في العلم يلزم مثله بطريق الأولى في الفعل، فإنه من المعلوم بصريح العقل أن كون الشيء مفعولاً دون كونه معلوماً، فإن المفعولات دون الفاعل، وليس كل معلوم دون العالم، فالإنسان يعلم ما هو أكمل منه، ولا يفعل ما هو أكمل منه.
فالمفعول يجب أن يكون دون الفاعل، ويجب أن يكون الفاعل أكمل من المفعول، ولا يجب مثل ذلك في العالم والمعلوم، بل يجوز أن يعلم العالم ما هو أكمل منه، وما لا يفتقر إليه بوجه من الوجوه.
وأما مفعوله فهو مفتقر إليه.
فإذا لم يكن كون الأشياء مفعولة له، مما يوجب نقصاً له وكمالاً بها، فأن لا يوجب كونها معلومة له نقصاً له وكمالاً بها بطريق الأولى، إذ كونها مفعولة أنقص لها من كونها معلومة له، فإذا كانت فاعليته لا تتم إلا بها، ولم يكن ذلك نقصاً، فأن لا تكون عالميته التي لا يتم إلا بها نقصاً بطريق الأولى.
وذلك من وجوه:
أحدها: أن كونها مفعولة أنقص لها من كونها معلومة.
الثاني: أن لزوم الفعل له أولى بأن يجعل نقصاً من لزوم العلم له.
الثالث: أن استلزام الفاعلية المفعول أولى من استلزم العالمية لوجود
المعلوم، فإن العالم قد يعلم المعلوم معدوماً، ويعلمه ممتنعاً، ويعلمه قبل وجوده.
وأما الفعل فلا يكون إلا لما يوجد بالفعل، لا لما يكون معدوماً مع وجود الفعل.
وحينئذ فتوقف كونه فاعلاً على وجودها أولى من توقف كونه عالماً على وجودها.
الرابع: أنه إذا قيل: فعله لها لا يوجب احتياجه إليها، بل هي المحتاجة إليه من كل وجه، وكماله بفعله الذي هو من ذاته لا منها.
قيل: وعلمه بها لا يوجب حاجته إليها بوجه، بل العالم أغنى عن المعلوم من الفاعل إلى المفعول، إذ لا يعقل في الشاهد فاعل إلا وهو محتاج إلى فعل، بل ومفعوله، ويوجد عالم لا يفتقر إلى معلوماته، بل ولا إلى علمه بكثير من المعلومات، وإن كان علمه بها صفة كمال، وجوده أكمل منه.
وإذا قدر أن بعض الأفعال لا يحتاج إليه بل هو صفة كمال.
قيل: الفعل الاختياري لا يكون إلا بإرادة، وحاجة الإنسان إلى وجود كل مراد مطلقاً، أعظم من حاجته إلى العلم بما يعلمه مطلقاً، تعلق النفوس بمراداتها، أعظم من تعلقها بمعلوماتها.
ولهذا يقول بعض الناس ويحكونه عن علي: قيمة كل امرئ ما يحسن ولا يصح هذا عن علي.
ويقول أهل المعرفة: قيمة كل امرئ ما يطلب.
فكمال النفوس ونقصها بمرادها، أعظم من كمالها ونقصها بمعلومها.
بل نفس العلم بأي معلوم كان لا يوجب لها نقصاً، وأما إرادة بعض
الأشياء فيوجب لها نقصاً، فإذا كان فعله لكل ما في الوجود لا يوجب له نقصاً، فكيف بعلمه بذلك؟ وإذا كان فعله لها لا يوجب كونه محتاجاً إليها مستكملاً بها، فكيف يوجب ذلك علمه بها؟
ونحن نعلم أن كون الفاعل لا يفعل بعض الأشياء أكمل من فعلها، وأما كونه لا يعلمها، فلا يعقل كونه نقصاً، إلا إذا اقترن بالعلم ما يذم، لا أن نفس العلم يذم، فإذا كان فعله لبعض الموجودات ليس أكمل من فعله لها كلها، ولم يكن أن لا يفعلها أكمل من أن يفعلها، فكيف يكون أن لا يبصرها أفضل من أن يبصرها؟
وإذ قيل: هو فاعل لبعضها بتوسط بعض.
قيل: كيفما قدرت وجود الفعل ونفي كونه نقصاً، كان تقدير وجود العلم ونفي كونه نقصاً أولى وأحرى.
فإن قلت: فعله للمفعول الأول لازم لذاته وهلم جراً، ولا يكون نقصاً.
قيل: إن قدر أن هناك معلولاً أول يلزمه، فإن علمه بنفسه إذا كان يستلزم علمه بالمعلول الأول ولوازمه، لم يكن نقصاً بطريق الأولى.
وإذا قيل: إن في التعقلات تعباً.
قيل: من لم يتعب بالفعل، فأن لا يتعب بالعلم بطري الأولى، فكيف يعقل فاعل يفعل دائماً ولا يتعب بالفعل؟ فأن لا يتعب بالعلم بطريق الأولى.
فكيف يعقل فاعل يفعل دائماً ولا يتعب بالفعل، ولكن يتعب
بعلمه بالمفعول مع كونه عقلاً؟ والعقل الذي هو العلم أولى به من الفعل.
وهم يعلمون -وكل عاقل- أن نفس الإنسان لا يتعب بالعلم، كما يتعب بالفعل.
وكذلك بدنه إذا قدر فعل لا يكون استحالة وتغيراً، فلأن يقدر علم به لا يكون استحالة وتغيراً بطريق الأولى.
وإذا قدر فعل لا يوجب حركة مكانية، فالعلم به أن لا يوجب ذلك أولى وأحرى.
ففي الجملة كل ما توهم المتوهم أنه نقص في العلم، مثل كونه استكمالاً بالغير، أو كونه تغيراً، أو كونه متعباً، مثله في فعل ذلك لغير المعلوم بطريق الأولى.
وإذا كان الفعل لا نقص فيه بل هو كمال، فكذلك للعلم وللغير المذكور، هو مفعوله ومخلوقه الذي هو أبدعه.
فإذا قيل: إن كماله به، فليس كماله إلا بنفسه، إذ هو المبدع له، فلم تفتقر نفسه إلى غير نفسه، ونحن نعقل أن ما هو غني عنا علمنا به أكمل من أن لا نعلمه وإن كان غنياً عنا، فلو قدر أن في الوجود ما ليس مفعولاً له، كان أن يعلمه أكمل من أن لا يعلمه، فكيف إذا كان هو مفعوله؟
وهل يقال: إن من علم الأشياء بعلوم متجددة، بل علمها بعد وجودها، أنقص ممن لا يعلمها بحال، فكيف يكون من لا يعلمها قبل وجودها وبعد وجودها؟
ولو سمى مسم العلم بالمتغيرات تغيراً وحركة واستكمالاً بالغير، ومهما سماه من ذلك، فإذا قيس من يعلم الإشياء إلى من لا يعلمها، كان الأول أكمل بكل حال.