المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعليق ابن تيمية - درء تعارض العقل والنقل - جـ ٩

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌كلام ابن أبي موسى في شرح الإرشاد

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام عبد الوهاب بن أبي الفرج المقدسي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام عبد الوهاب بن أبي الفرج المقدسي وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام أبي يعلى عن عدم وجوب النظر

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الفرج الشيرازي عن وجوب المعرفة بالشرع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ابن الزاغوني عن وجوب النظر

- ‌فصل

- ‌كلام الكلوذاني في تمهيده وتعليق ابن تيمية

- ‌فصل. كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل. كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كلام أبي الحسين البصري في غرر الأدلة وتعليق ابن تيمية

- ‌كلام أبي الحسين البصري في غرر الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌تابع كلام أبي الحسين البصري

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الجويني في "الإرشاد" عن امتناع حوادث لا أول لها

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الرازي في "المباحث المشرقية" عن مسألة حدوث العالم وتعليق ابن تيمية

- ‌فصل. أهل الكلام أقرب إلى الإسلام من الفلاسفة

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌كلام السهرودي المقتول في "التلويحات

- ‌الرد عليه من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌كلام السهرودي المقتول في "حكمة الإشراق

- ‌الرد عليه من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌كلام ابن سينا في الإشارات

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الرازي في شرح الإشارات

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الجواب عن هذه الحجة بوجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌كلام الآمدي في "دقائق الحقائق

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الآمدي في أبكار الأفكار

- ‌الجواب عن حجتهم من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌فصل

- ‌كلام ابن سينا في الإشارات وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام الرازي في شرح الإشارات

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ابن سينا في الإشارات

- ‌شرح الرازي لكلام ابن سينا

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ثابت بن قرة في تلخيص ما بعد الطبيعة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌الرد عليه من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الرد على كلام آخر لثابت بن قرة من وجوه

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الرد على كلام آخر لثابت بن قرة

- ‌فساد كلام آخر له من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الوجه التاسع

- ‌الوجه العاشر

- ‌الوجه الحادي عشر

- ‌الوجه الثاني عشر

- ‌الوجه الثالث عشر

- ‌الوجه الرابع عشر

- ‌الوجه الخامس عشر

- ‌الوجه السادس عشر

- ‌الوجه السابع عشر

- ‌الوجه الثامن عشر

- ‌الوجه التاسع عشر

- ‌الوجه العشرون

- ‌الوجه الواحد والعشرون

- ‌الوجه الثاني العشرون

- ‌الوجه الثالث العشرون

- ‌الوجه الرابع العشرون

- ‌بقية كلام ثابت بن قرة ورد ابن تيمية عليه

- ‌فصل. عود إلى كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل. عود إلى كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل. عود إلى كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام ابن رشد في ضميمة في مسألة العلم القديم ورد ابن تيمية عليه

- ‌كلام ابن ملكا في المعتبر عن مسألة عدم الله وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌ما ذكره ابن ملكا عن أرسطو من الحجج لنفي العلم باطل من وجوه

- ‌بقية كلام ابن ملكا في المعتبر وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌الرد على أرسطو من وجوه أخرى غير ما ذكره ابن ملكا. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌عود لكلام ابن ملكا في المعتبر وتعليق ابن تيمية

الفصل: ‌تعليق ابن تيمية

‌تابع كلام أبي الحسين البصري

قال أبو الحسين البصري: فإذا ثبت حدوث العالم فالدلالة على أن له محدثاً هي أنه لا يخلو أن يكون حدث وكان يجوز أن لا يحدث، أو كان يجب أن يحدث.

فلو حدث مع وجوب أن يحدث، لم يكن بأن يحدث في تلك الحال أولى من أن يحدث من قبل، فلا يستقر حدوثه على حال، إذا كان حدوثه واجباً في نفسه، وإن حدث مع جواز ألا يحدث لم يكن بالحدوث أولى من أن لا يحدث، لولا شيء اقتضى حدوثه، ويستدل على أنه عالم قادر، فصح قولنا.

قال: واستدل شيوخنا على أن الأجسام تحتاج إلى محدث، بأن تصرفنا يحتاج إلى محدث لأجل أنه محدث، فحدوث كل محدث يحوجه إلى محدث، فإذا كانت الأجسام محدثة احتاجت إلى محدث، والدلالة على حاجة تصرفنا إلى محدث هو أنه لو حدث بنفسه من غير محدث لحدث 0 وإن كرهناه، أو كنا ممنوعين منه، فلما وقع بحسب قصدنا، وانتفى بحسب كراهتنا، علمنا أنه محتاج إلينا 0

قال: والدليل على أنه يحتاج إلينا لأجل حدوثه، أنه إما أن يحتاج إلينا لحدوثه أو لبقائه، أو لعدمه احتاج إلينا لبقائه لوجب ألا يبقى البناء إذا مات الباني 0 ولا يجوز أن يحتاج إلينا لعدمه، لأن تصرفنا كان معدوماً قبل وجودنا وقبل كوننا قادرين 0 فصح أنه يحتاج إلينا ليحدث، ولإن حدوثه هو المتجدد بحسب قصدنا وإرادتنا، وهو الذي لا يتجدد إذا كرهناه 0 فعلمنا أنه يحتاج إلينا لأجل حدوثه.

‌تعليق ابن تيمية

قلت: فهذا أصل أصول القوم الذي بنوا عليه دينهم الصحيح والفاسد فإن الإقرار بوجود الصانع تعالى، وأنه حي عالم قادر، ونبوة

ص: 159

نبيه صلى الله عليه وسلم، حق لا ريب فيه وأما نفيهم صفات الرب تعالى، ودعواهم أنه لم يتكلم بكلام قائم به، ولا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة، ونحو ذلك، فهو من دينهم الفاسد

وهذه الطريقة هي التي سلكها ابن عقيل، إذا مال إلى شيء من أقوال المعتزلة، فإنه كان قد أخذ عن أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبان، وكانا من أصحاب أبي الحسين البصري، ولهذا يوجد في كلامه نصر كلامهم تارة، وإبطاله أخرى، فإنه كان ذكياً كثير الكلام والتصنيف، فيوجد له من المقالات المتناقضة بحسب اختلاف حاله، كما يوجد لأبي حامد والرازي وأبي الفرج بن الجوزي وغيرهم.

وابن الجوزي يقتدي به فيما يدخل فيه من الكلام، مثل كلامه في منهاج الأصول، وفي كف التشبيه ونحو ذلك.

ولهذا يوجد في كلام هؤلاء من نفي الصفات الخبرية، ومنعهم أن تسمى الآيات والأحاديث آيات الصفات وأحاديث الصفات، بل آيات الإضافات، ونصوص الإضافات، ونحو ذلك من الكلام الموافق لأقوال المعتزلة، ما يبين به أن الأشعري وأئمة أصحابه من المثبتين للصفات الخبرية ونحو ذلك، أقرب إلى السنة والسلف والأئمة، كأحمد بن حنبل وغيره، من كلام هؤلاء الذي مالوا في هذا إلى طريقة المعتزلة.

وهذه الطريقة التي سلكها أبو الحسين في إثبات أن المحدث لا بد له من حادث، هي طريقة أبي المعالي وابن عقيل في كثير من كلامهم، وغيرهم.

ص: 160

والقاضي أبو بكر يذكر ما يشبهها في الأصلين من استدلاله على افتقار المحدث إلى محدث بالتخصيص، والاستدلال على ذلك بالقياس.

والأشعري أحسن استدلالاً منه، مع أنهم كلهم سلكوا سبيل المعتزلة في هذا الأصل، وسلموا كلامهم.

وهي طريقة أثبتوا فيها الجلي بالخفي وأرادوا بها إيضاح الواضح، كمن يقرر القضايا البديهية بقضايا نظرية، يسندها إلى قضايا أخرى بديهية، وذلك العلم بأن المحدث لا بد له من محدث، أبين في العقل من العلم بأن ما جاز حدوثه، لم يكن بالحدوث أولى من ألا يحدث، لولا شيء اقتضى حدوثه، وبأن ما وجب حدوثه وجب في كل حال.

فإن هذه القضايا وإن كانت حقاً، وهي ضرورية، فالعلم بأن المحدث لا بد له من محدث أبين منها، والعقل يضطر إلى التصديق بهذه أعظم مما يضطر إلى التصديق بتلك، وتصور طرفي هذه القضية أبده في العقل من تصور تلك، ولا تعرض هذه القضية وتلك على سليم الفطرة إلا صدق بهذه قبل تلك.

وهذا كقول أبي المعالي، ومن وافقه على طريقة، إذا أثبت حدوث العالم: فالحادث جائز وجوده، وكل وقت صادفه كان من المجوزات تقدمه عليه بأوقات، ومن الممكنات استئخار وجوده عن وقته بساعات.

فإذا وقع الوجود الجائز بدلاً عن استمرار العدم المجوز، قضت العقول ببداهتها بافتقاره إلى مخصص خصصه بالوقوع، وذلك - أرشدك

ص: 161

الله - مستبين على ضرورة، لا حاجة فيه إلى سبر الغير والتمسك فيه بسبيل النظر.

ثم إذا وضح اقتضاء الحادث مخصصاً على الجملة، فلا يخلو ذلك المخصص من أن يكون موجباً وقوع الحدوث، بمنزلة العلة الموجبة معلولها، وإما أن تكون طبيعة، كما صار إليه الطبائعيون، وباطلاً أن يكون جارياً مجرى العلل، فإن العلة توجب معلولها على الاقتران، فلو قدر المخصص علة لم يخل من أن تكون قديمة أو حادثة.

فإن كانت قديمة فيجب أن يجب وجود العالم أزلاً، وذلك يفضي إلى القول بقدم العالم، وقد أقمنا الدلالة على حدثه.

وإن كانت حادثة افتقرت إلى مخصص، ثم يتسلسل القول في مقتضى المقتضي.

ومن زعم أن المخصص طبيعة، فقد أحال فيما قال، فإن الطبيعة عند مثبتها توجب أثرها إذا ارتفعت الموانع، فإن كانت الطبيعة قديمة، فلتقتض قدم العالم، وإن كانت حادثة فلتكن مفتقرة إلى مخصص.

قال: وإذا بطل أن يكون مخصص العالم علة أو طبيعة موجبة بنفسها، لا على اختيار، فتعين بعد ذلك القطع بأن مخصص الحوادث فاعل لها على الاختيار، مخصص إيقاعها ببعض الصفات والأوقات.

قلت: فهذه الطريقة هي من جنس طريقة أبي الحسين كما ترى وهي من جنس طريقة القاضي أبي بكر، والقاضي أبي يعلى، وابن عقيل وغيرهم.

ومعلوم لكل ذي فطرة سليمة أن العلم بأن الحادث لا بد له من محدث أبين من العلم بأن التخصص لا بد له من مخصص، فإنه ليس التخصص إلا نوعاً من الحوادث، فإنهم لا يريدون بذلك أن كل

ص: 162

تخصيص، سواء كان محدثاً أو قديماً، لا بد له من مخصص فاعل له على الاختيار، فإن القديم يمتنع عندهم أن يكون له فاعل، فلم يبق إلا التخصص الحادث، فيكون المعنى أن كل تخصيص حادث لا بد له من مخصص فاعل مختار.

والتخصص الحادث إما أن يكون مساوياً للحادث في العموم والخصوص، أو يكون أخص منه، فإن كان مساوياً له، كان هذا بمنزلة أن يقال: المفعول الحادث والمتجدد الحادث وما أشبه ذلك، وإن كان أخص منه كان استدلالاً على أن كل محدث لا بد له من محدث، لأن هذا النوع من الحادث لا بد له من محدث.

ثم إن هذا النوع هو المطلوب إثباته بالدليل، فيكون استدلالاً على هذا النوع بالجنس، ثم استدلالاً على الجنس بذلك النوع، فيكون استدلالاً بالشيء على نفسه.

لكن يقال من جهتهم: التخصص، وإن كان مساوياً للحدوث في العموم والخصوص، فجهة كونه تخصيصاً غير جهة كونه حدوثاً.

وهم استدلوا بما فيه من التخصيص وإن كان مشروطاً بالحدوث، على أنه لا بد له من مخصص.

فيقال: هذا صحيح.

لكن عليه سؤالان: أحدهما أن جهة كونه حدوثاً أدل على المحدث من جهة دلالة كونه مخصصاً على المخصص.

فإنه لو قال لهم قائل: لا نسلم أن التخصص لا بد له من مخصص، لم يكن لهم جواب إلا ما هو دون جوابهم، لمن قال: لا نسلم أن المحدث لا بد له من محدث.

ص: 163

وإذا كان قد قال: إن ما جاز تقدمه وتأخره، فإذا وقع وجوده بدلاً عن عدمه، قضت العقول ببدائهها بافتقاره إلى مخصص خصصه بالوقوع، فلأن يقال: ما حدث بعد أن لم يكن فإن العقول تقضي ببدائهها بافتقاره إلى محدث أحدثه، أولى وأحرى، فإن العلم بافتقاره المحدث إلى محدث أبين من العلم بافتقار المخصص إلى المخصص، وافتقار ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر إلى مرجح.

السؤال الثاني: أن يقال لهؤلاء كلهم، ك أبي الحسين ومن وافقه: هذه المقدمة التي بنيتم عليها إثبات الصانع تعالى تناقضهم فيها، فإن حاصلها أن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح، أو لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح.

فإن هؤلاء يقولون: إذا حدث مع جواز أن يحدث وأن لا يحدث، لم يكن بالحدوث أولى من أن لا يكون.

والآخرون يقولون إذا تخصص بوقت دون وقت مع تشابه الأوقات، أو بقدر دون قدر، لم يكن تخصيصه بأحدهما أولى من الآخر إلا بمخصص، والأول ينبني على أنه قد استوى بالنسبة إلى ذاته الحدوث وعدمه، فيفتقر إلى مرجح للحدوث.

والثاني ينبني على أن الأزمنة والمقادير والصفات مستوية.

فلا بد من مخصص يخصص أحدهما بالوقوع فيه، وكل هذا مبني على أن الأمرين المتساويين في الإمكان لا يترجح أحدهما إلا بمرجح، وهذا حق في نفسه، لكنهم نقضوه حيث قالوا: إن هذه المحدثات والتخصيصات تقع بلا سبب يقتضي حدوثها ولا اختصاصها.

ص: 164

فإنهم، وإن أثبتوا فاعلاً، لكن يقولون: إن نسبة قدرته وإرادته إلى جميع الممكنات سواء، وأنه حدثت الحوادث بلا سبب حادث أصلاً بل حال الفاعل قبل الفعل وحين الفعل سواء، ومعلوم أن هذا تصريح برجحان الممكن بلا مرجح تام.

وهؤلاء يقولون: القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح.

وهذا هو أصل قول القدرية، وهو أصل قول الجهمية الجبرية.

القدرية أخرجوا به أفعال الحيوان أن تكون مخلوقة لله، وقالوا: إن العبد قادر مختار، فترجح الفعل على الترك بال مرجح.

وقالوا: إن ما أنعم الله به على أهل الإيمان والطاعة مما يؤمنون به ويطيعون، هو مثل ما أنعم به على أهل الكفر والمعصية، فإن أرسل الرسل إلى الصنفين، وأقدر الصنفين، وأزاح علل الصنفين، وفعل كل ما يمكن من اللطف الذي يؤمن عنده الصنفان، بمنزلة من أعطى أبنيه مالاً بالسوية، ثم قالوا: إن المؤمن فعل الطاعة من غير نعمة خصه الله بها تعينه على الإيمان، والكافر فعل الكفر من غير سبب من الله.

وهذا القول مخالف للشرع والعقل.

فإن الله بين ما خص به المؤمنين من نعمة الإيمان في غير موضع، كقوله تعالى:{ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون}

والقدرية يقولون: إن هذا خطاب لجميع الخلق، وليس الأمر كذلك، بل هو خطاب للمؤمنين، كما قال:{أولئك هم الراشدون}

ص: 165

وكما قال قبل ذلك: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين * واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم}

فهذا خطاب للمؤمنين لا لجميع الناس.

وأيضاً فإن العبد إذا كان قادراً على الطاعة والمعصية، فلو لم يحدث سبب يوجب وقوع أحدهما دون الآخر للزم الترجيح بلا مرجح.

وذلك السبب، إن كان من العبد، فالقول فيه كالقول في الفعل، فلا بد أن يكون السبب الحادث الموجب للترجيح من غير العبد، والسبب الذي به وقعت الطاعة نعمة من الله خص بها عبده المؤمن.

ثم إن القدرية من المعتزلة وغيرهم بنوا على هذا أن الرب لم يكن يتكلم ولا يفعل، ثم خلق الكلام والمفعولات بغير سبب اقتضى الترجيح.

وأما المثبتون للقدر، من الجهمية ونحوهم، فخالفوهم في فعل العبد، وقالوا إنه لا يترجح أحد مقدوريه على الآخر إلا بمرجح، ووافقوهم في فعل الله.

ولهذا يوجد كلام الرازي - ونحوه من هؤلاء - متناقضاً في هذا الأصل، فإذا ناظروا القدرية استدلوا على أن القادر لا يرجح مقدوراً إلا بمرجح، وإذا أرادوا إثبات حدوث العالم، وردوا على الدهرية، بنوا ذلك على أن القادر يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح، وقالوا: إن ترجيح أحد طرفي الممكن على الآخر بغير مرجح يصح من القادر المختار، ولا يصح من العلة الموجبة، وادعوا الفرق بين الموجب بالذات وبين الفاعل بالإختيار في هذا الترجيح.

ص: 166

وهذا حقيقة قول القدرية.

لكن جهم نفسه نفى كون العبد قادراً، ونفى أن يكون له قدرة على فعل.

وحينئذ إذا قال: إن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه بلا مرجح، لم ينتقض قوله بناءً على أصله الفاسد.

والأشعري وغيره ممن يقول: إن العبد كاسب وله قدرة، ويقولون: ليس بفاعل حقيقة، ولا لقدرته تأثير في المقدور، إن حصل فرق معنوي بين قولهم وقول جهم، احتاجوا الى الفرق بين فعل الرب وفعل العبد، وإلا كانوا مثل جهم.

وأما جمهور المثبتين للقدر، الذين يقولون: للعبد قدرة وفعل، وهذا قول السلف والأئمة، فعندهم أن العبد فاعل قادر مختار، وهو لا يرجح أحد مقدوريه على الآخر إلا لمرجح.

والرازي يميل إلى قول هؤلاء، ويثبت للعبد قدرة وداعياً، وأن مجموعهما يستلزم وجود الفعل.

فهؤلاء الطوائف من الكلابية والكرامية والأشعرية، ومن وافقهم من أهل الحديث.

والفقه وغيرهم، وإن خالفوا المعتزلة بقدر، فهم يشاركونهم في الأصل الذي بنى أولئك قولهم في القدر عليه، وهم يناظرون الفلاسفة القائلين بالموجب بالذات، وأهل الطبع القائلين بأن فاعل العالم علة تامة أزلية تستلزم معلولها.

وهذا القول أشد فساداً، فإن حقيقة القول هؤلاء أنه ليس لحوادث العالم محدث، كما أن حقيقة قول القدرية أنه ليس لفعل الحيوان محدث، فما قاله القدرية في فعل الحيوان، قاله هؤلاء في جميع حوادث العالم،

ص: 167

لأن العلة التامة المستلزمة لمعلولها لا يصدر عنها حادث لا بوسط ولا بغير وسط.

فهؤلاء شبهوا فعله بفعل الجمادات، مع تناقضهم وتقصيرهم في ما جعلوه فعل الجمادات.

والقدرية شبهوا فعله بفعل الحيوانات، مع تناقضهم وتقصيرهم فيما جعلوه فعل الحيوانات.

ثم المثبتين للقدر، من الكلابية وغيرهم، يخالفون المعتزلة في إثبات القدر، وفي بعض مسائل الصفات، ويجعلون المخصص هو الإرادة القديمة التي نسبتها إلى جميع المرادات سواء، وقالوا: إن من شأن الإرادة أن تخصص أحد المثلين عن الآخر بلا سبب، ولهذا بنوا أصولهم على أن التخصيص بأحد الوقتين لا بد له من مخصص.

ثم كلام أبي الحسين وأمثاله أحذق من كلام هؤلاء من وجه، وأنقص من وجه، فإنه من حيث جعل نفس وجود الحدوث بدلاً عن العدم، مع جواز أن لا يحدث، دليلاً على المقتضي لحدوثه، كلامه أرجح من كلام من جعل الدليل هو التخصيص بوقت دون وقت، فإن نفس الحدوث فيه من التخصيص ما يستغنى به عن نسبة الحادث إلى الأوقات.

وأما كونه أنقص، فإنه متناقص من وجه آخر.

وذلك أنه قال: لو حدث مع وجوب أن يحدث، لم يكن بأن يحدث في تلك الحال أولى من أن يحدث من قبل، فلا يستقر حدوثه على حال، إذا كان حدوثه واجباً، فإنه بعد أن يتجاوز عن أن نفس الحدوث يستلزم المحدث.

ولو قدر واجباً، يقال له: إذا قدرت الحدوث واجباً، فلم لا يجوز أن يكون حدوثه في حال أولى منه في حال أخرى، ويكون واجباً في تلك الحال دون غيرها؟

ص: 168

فإن قال: لأن الأحوال مستوية.

قيل له: الأحوال مستوية سواء قدر أن الحدوث واجب أو جائز، فلا بد من مخصص سواء قدر الحدوث واجباً أو جائزاً.

وإن قال: إن الواجب لا يختص بحال دون حال، خلاف الجائز.

قيل: هذا حق فيما وجب بنفسه.

لكن ليس العلم به بأبين من العلم يكون الحادث لا يحدث بنفسه.

بل يحتاج ذلك إلى مزيد بيان وإيضاح أكثر من هذا، لأنه قد تقدم تقريره بأن القديم واجب الوجود في كل حال، فإنه موجود في الأزل، فلا يجوز أن يكون وجوده على طريق الجواز، ولا بالفعل، فتعيين أن يكون واجباً، ولم يقرر أن الواجب لا يختص بوقت دون وقت.

فإن قال: هذا بين معروف بنفسه معلوم بالضرورة.

قيل له: إذا عرضنا على عقول العقلاء: أن الواجب: هل يكون واجباً في وقت دون وقت؟ وأن الحادث: هل يحدث بنفسه كان ردهم لهذا الثاني أعظم من ردهم لذاك، فلا يقرر الأبين بالأخفى.

وأيضاً فهذا أرجح من ذاك من وجه آخر.

وذلك أن الفلاسفة الدهرية الإلهين من المتأخرين، ك ابن سينا وغيره، يقولون: إن الواجب قد يكون قديماً، وهو واجب بغيره.

فالواجب بغيره عندهم قد لا يكون محدثاً، مع كونه مفتقراً إلى مخصص موجب.

فإذا عرف افتقاره إلى موجب، لم يلزم على قولهم أن يكون له محدثاً، ولم يقل أحد من هؤلاء: إن المحدث يكون بغير محدث.

ومن قال هذا، فإنه لا ينكر افتقار المخصص

ص: 169

إلى مخصص، فحينئذ فمن أقر بالمحدث أقر بالمخصص من غير عكس، وما دل على المحدث دل على المخصص بالاتفاق، وفي العكس نزاع.

وأيضاً فلو نازعه منازع في أن ما وجب حدوثه يجوز أن يحدث في وقت دون وقت، وقال: هذا كما تقول أنت: إن القادر يخصه بوقت دون وقت، لاحتاج إلى جواب.

فإن قال: القادر له أن يرجح أحد مقدوريه بلا مرجح، كالجائع والهارب.

قال له المعترض: فهذا الترجيح واجب أو جائز؟

فإن قال: واجب.

قال: فلم اختص بوقت دون وقت؟

وإن قال: جائز.

قال: فحدوثه مع جواز أن لا يحدث، يفتقر إلى ترجيح آخر، وإلا لم يكن بالحدوث أولى

وإن قال: العلم بأن الواجب بنفسه لا يختص بزمان دون زمان ضروري.

قال المعترض: والعلم بأن الحادث لا بد له من محدث علم ضروري.

فإن زعم أن هذا ليس بضروري بل نظري، أمكن المعترض أن يقابله ويقول: العلم بأن الواجب لا يختص نظري لا ضروري.

والمقصود هنا التنبيه على أصول هؤلاء التي هي عمدتهم، وعليها بنوا

ص: 170

دينهم الحق، وما أدخلوا فيه من البدع، وأن ذلك إما أن يكون باطلاً، وإما أن يكون حقاً طولوه بما لا ينفع، بل قد يضر، واستدلوا على الجلي بالخفي، بمنزلة من يحد الشيء بما هو أخفى منه.

وإذا كانت الحدود والأدلة إنما يراد بها البيان والتعريف، والدلالة والإرشاد فإذا كان المعروف المعلوم في الفطرة، ويجعل خفياً يستدل عليه بما هو أخفى منه، أو يدفع ويذكر ما هو نقيضه ومخالفه، وكانت هذه طرق السلف والأئمة التي دل عليها الكتاب والسنة، وهي الطرق الفطرية العقلية اليقينية الموافقة للنصوص الإلهية -تبين أن من عارض تلك الطرق الشرعية - معقولها ومنقولها - بمثل هذه الطرق البدعية، بل عدل عنها إليها، كان في ضلال مبين، كما هو الواقع في الوجود، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل:{والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} .

وأما طريق شيوخ المعتزلة، التي ذكرها أبو الحسين وعدل عنها، فهي أبعد وأطول، والأسولة عليها أكثر، كما لا يخفى ذلك، مع أن هذه الطرق لم تتضمن كذباً ولا باطلاً، من جهة أنها إخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه، أو من جهة أنها قضايا كاذبة، بل من جهة الاستدلال على الشيء بما هو أخفى منه، بخلاف كلامهم في الترجيح بل مرجح، والحدوث بلا سبب، وإبطال دوام الحوادث، فإن منازعيهم يقولون: كلامهم في ذلك

ص: 171

من نوع الكذب الباطل، وإن لم يعتمدوا الكذب كسائر المقالات الباطلة.

وهاتان الطريقتان، اللتان ذكرهما أبو الحسين عنه وعن شيوخه، هما اللتان اعتمد عليهما كثير من المثبتين للصفات، الذين استدلوا بطريقة الأعراض والحركات على حدوث الأجسام، كالقاضي أبي بكر، والقاضي أبي يعلى في المعتمد) ، وغيرهما، فإنهم سلكوا هذه الطريق فأثبتوا وجودها، وأن الأجسام لا تخلو عنها، وأنها لا تبقى زمانين، وأنها محدثة، وأن ما لا يخلو منها فهو محدث، لأن الحوادث لها أول، وأبطلوا وجود ما لا يتناهى مطلقاً، وذكروا النزاع في ذلك مع معمر والنظام وابن الراوندي وغيرهم، وأثبتوا ذلك بنظير ما تقدم من الحجيج، وقالوا: إن ما لا ينفك عن الحوادث فهو محدث، وقالوا: إذا ثبت أن ذلك محدث، فلا بد له من محدث أحداثه، وصانع صنعه، خلافاً للملحدة في نفي الصانع.

قالوا: والدلالة عليه أن المحدث لو لم يتعلق بمحدث، لم تتعلق الكتابة

ص: 172

بكتاب، ولا الضرب بضارب، لأن ذلك كله يتعذر، إذا استحالة محدث لا محدث له، كاستحالة كتابة لا كاتب لها، فلو جاز وجود محدث لا محدث له، لجاز محدث لا إحداث له، وذلك محال.

وهؤلاء يقولون: المحدث عين الإحداث، فحقيقة قولهم وجود محدث لا إحداث له، وقد جعلوا هنا نفي هذا مقدمة معلومة يحتج بها.

قالوا: وأيضاً فإنا نرى الحوادث يتقدم بعضها بعضاً، ويتأخر بعضها عن بعض، ولولا أن مقدماً قدم منها ما قدم، وأخر منها ما أخر، لم يكن ما تقدم منها أولى من أن يكون متأخرا، وما تأخر أولى من أن يكون متقدماً، فدل ذلك على أن لها مقدماً محدثاً لها قدم منها ما قدم، وأخر منها ما أخر.

ثم لا يخلو ذلك الأمر من أن يكون نفس الحادثات، أو معنى فيه، أو نفسه ولا معنى فيه، أو لجاعل جعله، فيستحيل أن يكون ذلك لنفسه، لأن نفسه هو وجوده، والشيء لا يجوز أن يفعل نفسه، ولا يجوز أن يكون لذلك المعنى، لأن ذلك المعنى لا بد أن يكون موجوداً، إذ المعدوم ليس له تأثير في ذلك، وإذا كان موجوداً فلا يخلو من أن يكون قديماً أو محدثاً، فلا يجوز أن يكون قديماً، لأنه لو كان قديماً لوجب قدم الجسم المحدث، وذلك باطل.

وإن كان محدثاً فلا بد أن يكون متقدماً أو متأخراً، فإن كان كذلك، مع جواز أن لا يكون متقدماً لقدم موجبه، فلا يكون كذلك إلا لمعنى آخر، وذلك المعنى لمعنى آخر إلى غير نهاية.

ص: 173

ولا يجوز أن يكون كذلك: لا لنفسه، ولا لمعنى، ولا لأمر، لأن ذلك يؤدي إلى أن لا يكون بالوجود في وقت أولى من عدمه وبقائه على عدمه، ولما علو أن اختصاصه بالوجود أولى من عدمه، بطل أن يكون إلا لأمر، وإذا بطلت هذه الأقسام، علم أن هذه الحوادث إنما اختصت في الوجود في أوقات معينة لجاعل جعله، وأراد تقديم أحدهما على الآخر، وتأخر بعضها عن بعض، فثبت ما قلناه.

فهذا الذي ذكره القاضي أبو يعلى، ومن سلك هذه الطريقة كأبي محمد بن اللبان، وقبلهما القاضي أبو بكر، وغيرهم: هي من جنس ما تقدم.

وهؤلاء غالبهم إذا ذكروا طريقتهم في حدوث الأجسام، بأن ما لا يسبق الحوادث فهو حادث، ذكروا ذلك مسلماً، كأنه بين، وإذا ذكروا مع ذلك أن الحوادث يجب تناهيها، وجعلوا ذلك بمنزلة المسلم أو المقدمة الضرورية، تسوية بين النوع وأشخاصه فيقولون مثلاً إذا أثبتوا حدوث الأعراض وأن الجسم مستلزم لها: الحوادث لها أول أبتدئت منه، خلافاً لابن الراوندي وغيره من الملحدة.

والدلالة على ذلك علمنا بأن معنى المحدث أنه الموجود عن عدم، ومعنى الحوادث أنها موجودة عن عدم، فلو كان فيها ما لا أول له، لوجب أن يكون قديماً، وذلك فاسد لما بينا من إقامة الدلالة على حدوثها.

ص: 174

والجمع بين قولنا: حوادث، وأنه لا أول لها، مناقضة ظاهرة في اللفظ والمعنى، وذلك باطل.

ثم يقولون: وإذا ثبت ما ذكرنا من ثبوت الأعراض وحدوثها، وأن الجواهر لم تخل منها ولم تسبقها، وجب أن تكون محدثة كهي، لأن الجواهر لا تخلو من أن تكون موجودة معها أو بعدها أو قبلها، فإذا بطل أن تكون الجواهر موجودة قبل الأعراض، وبطل أن توجد بعدها، وجب أن تكون موجودة معها، وثبت حدوثها كحدوث الأعراض.

فهذا الذي يقوله هؤلاء، كالقاضيين ومن وافقهما على ذلك، وهذا لفظ القاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى ونحوهما.

والمعترض على ذلك يقول إن موضع المنع لم يقيموا عليه حجة، وإنما قالوا: معنى الحوادث أنها موجودة عن عدم، فلو كان فيها ما هو لا أول له، لوجب أن يكون قديماً، وهم لا يقولون فيها ما لا أول له، بل كل حادث له أول عندهم، وإنما يقولون: إن جنسها لا أول له بمعنى أنه لم يزل كل حادث قبله حادث وبعده حادث.

وحينئذ فيقولون: إنه لا مناقضة بين قولنا: حوادث، وقولنا: لا أول لها، لأن معنى قولنا: حوادث، أن كل واحد واحد منها حادث منها حادث بعد أن لم يكن، ليس معناه أن جنسها حادث.

والذي لا أول له هو الجنس عندهم، لا كل واحد واحد، فالذي أثبتوا له الحدوث، هو كل واحد واحد من الأعيان، وتلك لم يثبتوا لشيء منها قدماً، ولا قالوا: لا أول لشيء منها، والذي قالوا: لا أول له، بل هو قديم، هو النوع المتعاقب، وذلك لم يقولوا: إنه حادث.

ص: 175

ثم إن هؤلاء أيضاً بعد ذلك يقررون ما يدقونه من امتناع حوادث لا أول لها، في ضمن دعواهم امتناع وجود ما لا يتناهى، فيقعدون قاعدة، فبقولون: لا يجوز وجود موجودات لا نهاية لعددها، سواء كانت قديمة أو محدثة، خلافاً لمعمر والنظام وابن الراوندي وغيرهم من الملحدة، في قولهم: يجوز وجود ذوات محدثة لا نهاية لها، وخلافاً للفلاسفة في قولهم: يجوز وجود جواهر قديمة لا غاية لها 0

ثم يقولون: والدليل على ذلك أن كل جملة من الجمل لو ضممنا إليها خمسة أجزاء لعلم ضرورة أنها زادت، أو نقصت منه خمسة أجزاء لعلم ضرورة أنها قد نقصت.

وإذا كان هذا كذلك وجب أن تكون متناهية، لجواز قبول الزيادة والنقصان استحال أن تكون متناهية، وإذا كان كذلك استحال وجود موجودات غير متناهية، قديمة كانت أو محدثة.

وليس لأحد أن يقول يلزمكم على هذا أن تقولوا: إن معلومات الباري عز وجل أكثر من مقدوراته، لأن جميع مقدوراته معلومة، وله معلومات لا يصح أن تكون مقدورة، وهي ذاته تعالى، وسائر صفاته،

ص: 176