المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كلام أبي الحسين البصري في غرر الأدلة وتعليق ابن تيمية - درء تعارض العقل والنقل - جـ ٩

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌كلام ابن أبي موسى في شرح الإرشاد

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام عبد الوهاب بن أبي الفرج المقدسي

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌تابع كلام عبد الوهاب بن أبي الفرج المقدسي وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام أبي يعلى عن عدم وجوب النظر

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الفرج الشيرازي عن وجوب المعرفة بالشرع

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ابن الزاغوني عن وجوب النظر

- ‌فصل

- ‌كلام الكلوذاني في تمهيده وتعليق ابن تيمية

- ‌فصل. كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل. كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌كلام أبي الحسين البصري في غرر الأدلة وتعليق ابن تيمية

- ‌كلام أبي الحسين البصري في غرر الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌تابع كلام أبي الحسين البصري

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الجويني في "الإرشاد" عن امتناع حوادث لا أول لها

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الرازي في "المباحث المشرقية" عن مسألة حدوث العالم وتعليق ابن تيمية

- ‌فصل. أهل الكلام أقرب إلى الإسلام من الفلاسفة

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌كلام السهرودي المقتول في "التلويحات

- ‌الرد عليه من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌كلام السهرودي المقتول في "حكمة الإشراق

- ‌الرد عليه من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌كلام ابن سينا في الإشارات

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الرازي في شرح الإشارات

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌الجواب عن هذه الحجة بوجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌كلام الآمدي في "دقائق الحقائق

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام الآمدي في أبكار الأفكار

- ‌الجواب عن حجتهم من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌فصل

- ‌كلام ابن سينا في الإشارات وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام الرازي في شرح الإشارات

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ابن سينا في الإشارات

- ‌شرح الرازي لكلام ابن سينا

- ‌تعليق ابن تيمية

- ‌كلام ثابت بن قرة في تلخيص ما بعد الطبيعة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌الرد عليه من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الرد على كلام آخر لثابت بن قرة من وجوه

- ‌الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الرد على كلام آخر لثابت بن قرة

- ‌فساد كلام آخر له من وجوه. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌الوجه الخامس

- ‌الوجه السادس

- ‌الوجه السابع

- ‌الوجه الثامن

- ‌الوجه التاسع

- ‌الوجه العاشر

- ‌الوجه الحادي عشر

- ‌الوجه الثاني عشر

- ‌الوجه الثالث عشر

- ‌الوجه الرابع عشر

- ‌الوجه الخامس عشر

- ‌الوجه السادس عشر

- ‌الوجه السابع عشر

- ‌الوجه الثامن عشر

- ‌الوجه التاسع عشر

- ‌الوجه العشرون

- ‌الوجه الواحد والعشرون

- ‌الوجه الثاني العشرون

- ‌الوجه الثالث العشرون

- ‌الوجه الرابع العشرون

- ‌بقية كلام ثابت بن قرة ورد ابن تيمية عليه

- ‌فصل. عود إلى كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل. عود إلى كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌فصل. عود إلى كلام ابن رشد في مناهج الأدلة وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌كلام ابن رشد في ضميمة في مسألة العلم القديم ورد ابن تيمية عليه

- ‌كلام ابن ملكا في المعتبر عن مسألة عدم الله وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌ما ذكره ابن ملكا عن أرسطو من الحجج لنفي العلم باطل من وجوه

- ‌بقية كلام ابن ملكا في المعتبر وتعليق ابن تيمية عليه

- ‌الرد على أرسطو من وجوه أخرى غير ما ذكره ابن ملكا. الوجه الأول

- ‌الوجه الثاني

- ‌الوجه الثالث

- ‌الوجه الرابع

- ‌عود لكلام ابن ملكا في المعتبر وتعليق ابن تيمية

الفصل: ‌كلام أبي الحسين البصري في غرر الأدلة وتعليق ابن تيمية

‌كلام أبي الحسين البصري في غرر الأدلة وتعليق ابن تيمية

قال في أوله: إنا ذاكرون الغرض بهذا الكتاب والمنفعة به، لكي إذا عرف الإنسان شرف تلك المنفعة وشرف الغرض، صبرت نفسه على تحمل المشاق في طلبها، والاجتهاد في تحصيلها.

فنقول: إن الغرض به هو التوصل بالأدلة إلى معرفة الله تعالى، ومعرفة ما يجوز عليه وما لا يجوز عليه من الصفات والأفعال، وصدق رسله، وصحة ما جاءوا به.

قال: وظاهر أن المنفعة بذلك عظيمة شريفة من وجوه منها: أن من عرف هذه الأشياء بالأدلة أمن من أن يستزله غيره عنها.

ومنها: أنه يمكنه أن يرد غيره عن الضلال إليها.

ومنها أن يكون على ثقة مما يقدم عليه في معاده، غير خائف من أن يكون على ضلال يوديه إلى الهلاك.

قال: وليس أحد يثق بصحة ما جاءت به الرسل إلا بعد المعرفة بصدقهم، ولا تحصل المعرفة بصدقهم إلا بالمعجزات التي تميزهم عن غيرهم، وليس تدل المعجزات على صدقهم إلا إذا صدرت ممن لا يفعل القبيح، لكي يؤمن أن نصدق الكذابين، وليس يؤمن أنه لا يفعل القبيح إلا إذا عرف أنه عالم بقبحه، عالم باستغنائه عنه، ولا يعرف

ص: 133

غناءه إلا بعد أن يعلم أنه غير جسم، ولا يعرف أنه غير جسم إلا إذا عرف أنه قديم، ولا يعلم أنه عالم بكل قبيح إلا إذا علم أنه عالم بكل شيء، ولا يعلمه كذلك إلا إذا علم أنه عالم لذاته، ولا يعلمه كذلك إلا إذا علم أنه عالم، ولا يعلم أنه يثيب ويعاقب إلا إذا علم أنه قادر حي، ولا يعرف موصوفاً بهذه الصفات إلا إذا عرفت ذاته، وإنما تعرف ذاته إذا استدل عليها بأفعاله، لأنها غير مشاهدة ولا معروفة باضطرار، ولا طريق إليها إلا أفعاله، فيجب أن نتكلم في هذه الأشياء لنعلم صحة ما جاءت به الرسل ونمتثله، فنكون آمنين في المعاد.

ثم قال: باب الدلالة على محدث الأجسام.

الدلالة على محدث الأجسام والجواهر، هي أن الأجسام والجواهر محدثة، وكل محدث فله محدث، فللأجسام إذا محدث.

قال: وهذا الكلام يشتمل على أصلين: أحدهما: قولنا: إن الجسم لم يسبق الحركات والسكنات المحدثة، والآخر: قولنا: وكل ما لم يسبق المحدث فهو محدث.

فالأول يشتمل على ثلاث دعاو: إثبات الحركة والسكون، وأن الجسم ما سبقها، وأنها محدثان.

والأصل الآخر لا يشتمل إلا على دعوى واحدة: وهو أن ما لم يسبق المحدث محدث، فصارت الدعاوى أربعاً، ونحن نبينها ليصح حدوث الجسم.

ص: 134

قلت: وهذه الدعاوى الأربع التي ذكرها أبو المعالي في أول الإرشاد، لكن جعل بدل الحركات والسكنات الأعراض، ولكنه لم يقرر حدوث الأعراض إلا بحدوث الأكوان، ولم يقرر ذلك إلا بالاجتماع والافتراق.

وأما طريقة الحركة والسكون التي اعتمدتها المعتزلة، فهي التي يعتمدها الرازي، وهي أقوى مما سلكه الآمدي وغيرة، حيث سلكوا طريقة الأعراض مطلقاً، بناء على أن العرض لا يبقى زمانين، فإن هذه أضعف الطرق، وطريقة الحركة أقواها، وطريقة الاجتماع والافتراق بينهما، وهي طريقة أبي الحسن الأشعري وطريقة الكرامية وغيرهم، ممن يقول: إنه جسم.

ثم إن أبا الحسين أحتج لهذه الدعاوى الأربع بنظير ما تقدم.

قيل: فإن قيل: فما الدليل على أن الحركة غيرة؟

قيل: لو كان تحرك الجسم هو الجسم، لكان إذا بطل تحرك بطل الجسم، ولو كان تحرك الجسم هو الجسم لكانت الدلالة على حدث التحرك دلالة على حدث الجسم، فلو كان تحرك الجسم هو الجسم، لكان أسهل في الدلالة على حدث الجسم.

ص: 135

قلت: هذا ينبني على أن ما ليس هو الشيء فهو غيره، وهو قول المعتزلة.

وأما الصفاتية فينازعونهم في هذا، ويقولون: الصفة لا يطلق عليها: إنها هي هو ولا إنها غيره، وأئمتهم لا يقولون: لاهي هو ولا هي غيره، لأن لفظ الغير مجمل.

وكثير منهم يقولون: لا هي هو ولا هي غيره لكن الاستدلال يمشي بأن تكون الحركة ليست هي الجسم وهي حادثة، ويمشي بأن يقال: الغيران ما جاز مفارقة أحدهما الآخر بزمان أو مكان أو وجود، والحركة تفارق الجسم بالوجود.

فإنه قد يكون موجوداً ولا حركة له.

لكن يقال: لانسلم أن كل جسم يجوز أن يفارقه نوع الحركة، بل قد تقارنه عين الحركة، وهم لايدعون أن الجسم مستلزم لعين الحركة والسكون بل لنوعها.

قال أبو الحسين: والدلالة على استحالة سبق الجسم لجنس الحركة والسكون، وهي أنه لو سبقه لكان لا واقفاً ولا ماراً ولا حا صلاً في مكان، مع أنه جرم متحيز، والعلم باستحالة ذلك ضروري.

قال: والدلالة على حدوث الحركة والسكون هي أن كل حركة وسكون يجوز

عليهما العدم، والقديم لايجوز عليه العدم، وإنما قلنا: يجوز على السكنات والحركات، لأنه ما من جسم متحرك إلا ويمكن أن يسكن، أو يحول من حركة إلى حركة، كخروج الفلك من دورة إلى

ص: 136

دورة، وما من جسم ساكن إلا ويمكننا أن نحركه: إما بجملته أو بأجزائه، كالأجسام العظام.

وإنما قلنا: إن القديم لا يجوز عليه العدم، لأن القديم واجب الوجود في كل حال، وما وجب وجوده في كل حال استحال عدمه.

وإنما قلنا: إنه واجب الوجود في كل حال، لأنه موجود فيما لم يزل، فإما أن يكون وجوده على طريق الجواز أو على طريق الوجوب، فلو كان موجوداً على طريق الجواز، لم يكن بالوجود أولى منه بالعدم لولا فاعل، ويستحيل أن يوجد القديم بالفاعل، لأن المعقول من الفاعل هو المحصل للشيء عن عدم، وليس للقديم حال عدم فيخرجه، فصح أن وجود القديم واجب، وليس بأن يجب وجوده في حال أولى من حال، فصح أنه واجب الوجود في كل حال فاستحال عدمه.

ثم قرر الأصل الثاني وهو المهم.

قال: فإن قيل: ما أنكرتم أن الحوادث الماضية لا أول لها، ولا يلزم حدث الجسم إذا لم يتقدمها؟

قيل: إذا كان كل واحد من الحوادث له أول، استحال ألا يكون لجميعها أول، لأنها ليست سوى آحادها، كما يستحيل أن يكون كل واحد من الزنج أسود، ولا يكونوا كلهم سوداً،

ص: 137

ولأن كل واحد قد سبقه عدمه، فلو كانت لا أول لها، لكان ما مضى ما أنفك من وجودها ولا من عدمها، ولا يفصل السابق من المسبوق.

قلت: هذه المقدمة هي التي نازعهم فيها المنازعون كما تقدم ذكر بعض طعن الطاعنين فيها، في كلام الرازي وغيره.

وهؤلاء يقولون: لا نسلم أنه إذا كان لكل واحد منها أول، أن يكون لجميعها أول، كما أن كل واحد منها له آخر، وليس لجميعها آخر.

وكما أن كل واحد من العشرة عشر، وليس المجموع عشراً، وكل واحد من أعضاء الإنسان عضو، وليس المجموع في جميع المواضع، بل تارة يتصف المجموع بما يتصف به الأفراد، كما أنه إذا كان كل جزء من الجملة موجوداً فالجميع موجود، وإن كان كل جزء من المجموع ممكناً فالمجموع ممكن، وإذا كان كل جزء منها معدوماً، فالجميع معدوم، وتارة لا يكون كذلك كما تقدم.

فلا بد من بيان أن مورد النزاع من أحد الصنفين، وإلا فدعوى ذلك هو أول المسألة، فدعوى ذلك مصادرة.

وتمثيلهم بالزنج تمثيل بأم جزئي لايحصل به المقصود، إلا أن يعلم أن هذا مثل هذا.

ص: 138

ولهم عنه أجوبة: المنع، والمعارضة، والفرق.

أما المنع: فيقولون: لا نسلم أن هذا مثل الزنج.

وأما المعارضة: فيعارضون ذلك بعلمنا بأن كل حركة لها آخر، وكل حادث له آخر، وليس لكل الحركات والحوادث آخر، وأن كل عدد له نهاية، وليس للأعداد نهاية، وأن كل واحدة من الأخوات يباح التزويج بها، وليس الجمع بين الاخوات مباحاً، وكل واحد من أفراد العشرة واحد، وهو ثلث الثلاثة، وربع الأربعة، وليست العشرة ثلث الثلاثة، ولا ربع الأربعة، وأن كل واحد من أجزاء المركب هو مفرد بشرط المركب، ليس مفرداً بسيطا، وأن كل واحد من أجزاء الدائرة جزء دائرة، والدائرة ليست جزء دائرة، وأن كل واحد من أجزاء المطر قطرة، وليس المجموع قطرة، وليس المجموع قطرة، فإنه يفرق بين ما له مجموع يمكن أن يوصف بما وصفت به الأفراد، وبين ما ليس له مجموع يمكن وصفه بذلك.

ولا ريب أنا إذا عرضنا على عقولنا أن كل زنجي فهو أسود، فإنا نعلم بالضرورة أن مجموع الزنج سود، وذلك لأن المجموع غير كل واحد واحد من الأفراد.

فتارة يمكن وصفه بصفات الأفراد، كما نقول عن الحوادث المحدودة الطرفين: إن مجموعها حادث، كما أن كل واحد منها حادث.

ص: 139

وتارة لا يمكن وصفه بذلك اللفظ، بل بصيغة الجمع، فإن مجموع السودان لا يقال فيه بنفس اللفظ: أسود، ولا يقال، غير أسود، بل يقال: سود.

وسود صيغة جمع، فهي بمعنى قولنا: كل زنجي أسود.

وإذا لم يكن الحكم على المجموع هو بلفظه الحكم على الأفراد، كان نظير مثال الزنج.

وأما إذا اتحد الحكم فقد يكون حكم المجموع فيه حكم الأفراد، وقد لا يكون.

فالأول إذا قلنا: كل محدث فهو مخلوق أو فهو ممكن، أو: كل ممكن فهو مفتقر إلى غير ممكن،

فإن ذلك يوجب أن يكون مجموع المحدث مخلوقا وممكنا، ومجموع الممكن مفتقرا إ لى غير ممكن، لأن هذا الحكم ثابت للجنس من حيث هو هو، فيلزم ثبوته حيث تحقق الجنس، والجنس يتحقق في المجموع، كتحققه في كل فرد فرد.

فطبيعة المحدث تستلزم كونه مخلوقا ممكنا، وطبيعة الممكن إذا وجد تستلزم الافتقار إلى غير ممكن، والطبيعة لازمة للمجموع، فيستحيل وجود الطبيعة منفكة عن لازمها، فلا يكون مجموع الممكنات إلا مفتقرا إلى غيره، كما لا يكون كل فرد منها إلا مفتقرا إلى غيره، ولا يكون مجموع المخلوقات إلا حادثة وممكنة، كما لا يكون كل منها إلا حادثا ممكنا كذلك في المعنى.

لكن من المجموع ما يكون اللفظ يتناول جنسه، كما يتناول الواحد

ص: 140

منه، كلفظ المخلوق والمحدث والممكن، ومنه ما يكون لفظ الكثير فيه صيغة جمع لا يستعمل في الواحد منه.

والزنج ليس لهم مجموع يحكم عليه بأنه أسود أو ليس بأسود، بل يقال: مجموعهم سود وذلك معنى قولك: كل واحد منهم أسود، ولكنه الأسود يتصف به المجموع من حيث هو مجموع، كما يتصف به كل واحد واحد.

بخلاف اتصاف المجموع بكونه محدثا وممكنا ومفتقرا إلى غيره، فإن هذا الوصف يمكن ثبوته للمجموع من حيث هو مجموع، كما يثبت لكل فرد من أفراده.

والحوادث إذا حكم على مجموعها بأن له أولا ليس له أول، فهو حكم على الجنس المجموع، فإن علم أن الجنس الحادث لا يكون دائما متصلا، بل لا يكون إلا بعد عدم، كما علم أن كل فرد فرد من أفراده كذلك، كان هذا نظير المحدث والممكن، لكن النزاع في هذا، فإنا إذا عرضنا على العقل المحدث عن عدم من حيث هو، مع قطع النظر عن أفراده ومجموعه: هل يكون مخلوقا ممكنا؟ جزم العقل بأن ما كان مخلوقا محدثا، فإن كونه محدثا، يستلزم كونه ممكنا، إذا لو لم يكن كذلك لزم كونه واجبا فلا يعدم، أو ممتنعاً فلا يوجد.

والمحدث كان معدوما وصار موجودا، فطبيعته تنافي الوجوب والامتناع، لا فرق في ذلك بين الواحد والجنس.

ص: 141

وإذا عرضنا على العقل الحادث، مع قطع النظر عن أفراده وجنسه: هل يستلزم أن يكون منتهياً منقطعاً لن ابتداء، أو يستلزم ذلك، بل يمكن دوامه؟ لم تجد في العقل ما يقضي بأن جنس الحادث يجب أن يكون منتهياً له ابتداء.

وهذا الباب من تدبره تبين له الفرق بين تسلسل المؤثرات الفاعلات أنه ممتنع، وبين تسلسل الآثار: أثراً بعد أثر، كما هو مبسوط في غير هذا الموضع.

والمقصود الفرق بين الزنجي وبين الحادث.

ومما يوضح ذلك أنا إذا قلنا: كل زنجي أسود، لم يكن في الزنج ما ليس بأسود، لأن هذا النقي يناقص ذلك الإثبات، وصدق أحد المتناقضين اللذين لا يرتفعان يوجب كذب الآخر، فإنا إذا قلنا: بعض الزنج ليس بأسود، كان مناقضاً لقولنا: كل زنجي أسود، فإذا لم يكن في الزنج ما ليس بأسود، لزم أن يكون جميعهم سوداً، وأما إذا قلنا: كل حادث فله يلزم أن لا يكون في الحوادث ما ليس له أول، وهكذا عكس نقيضه،

ص: 142

فيمتنع أن يكون جميع الزنج سوداً؟ هذا محل نزاع.

فيقال: الفرق معلوم بين قولنا: جميع الحوادث لها أول، بمعنى: أن كل واحد منها له أول، وبين قولنا: إن جنس الحوادث لها أول، بمعنى: أن الحوادث منقطعة غير دائمة ولا مستمرة، ولا متسلسلة، فإن العقل يتصور أن كل واحد له أول وآخر، وهي مع ذلك دائمة مستمرة، فيمكنه الحكم بأن كل حادث له أول، كما أن كل زنجي أسود.

وهو بعد ذلك لم يعلم: هل هي دائمة أم هي منقطعة؟

بل العلم بكون الحادث له أول، هو العلم بأنه مسبوق بعدم، وليس العلم بأن كل حادث هو مسبوق بعدم، هو العلم بأنه كان العدم مستمراً دائماً، حتى حدث جنس الحوادث، بل يمكن العقل أن يتصور أنه ما من حادث إلا وقبله حادث، وبعده حادث، وما من عدد إلا وبعده عدد. وهو يعلم أن كل حادث فله أول، وكل نقص فله آخر، وكل عدد فله حد ومنتهى، وإن لم يكن لجنس العدد حد ومنتهى.

ومما يبين ذلك الفرق: أن كون الشخص أسود وأبيض صفة قائمة به في حال وجوده، فلا يمكن انتفاؤها عن الجنس الموجود، مع قولنا: إن كلاً منهم أسود. وأما أن كون الشيء حادثاً، أو مسبوقاً بعدم، أو موجوداً

ص: 143

بعد أن لم يكن، أو له أول، فهو بمنزله كونه ماضياً وملحوقاً بعدم، ومعدوماً بعد ما كان.

وهذا يقتضي أن كلاً من هذه الأمور ثابت لكل واحد من الحادث والمنقضي.

أما كون جنس المنقضي انقطع، فلا يكون بعده منقض، أو كون جنس الحوادث منقطعاً، فلم يكن قبل الحوادث المعينة شيء حادث، هذا نوع آخر.

والحكم على كل فرد فرد، غير الحكم على المجموع، من حيث هو مجموع في النفي والإثبات، ففي النفي نفرق بين قوله: لا تأكل هذا ولا هذا، ولا تأكل السمك وتشرب اللبن، إذا الأول نهى عن كل منهما، والثاني نهى عن جميعها.

وكذلك إذا قال: ما ضربت لا هذا ولا هذا، أو لم أضربها، وعنى نفي ضربهما جميعاً.

ولهذا تنازع الفقهاء فيمن حلف لا يفعل شيئاً ففعل بعضه، كما لو حلف: لا آكل الرغيف، فأكل بعضه.

ولم يتنازعوا في أنه لو عنى أكل جميعه لم يحنث بأكل البعض.

وهذا كما في قوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين} النساء: 23، ونهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على عمتها وخالتها، فالجميع بينهما منهي عنه.

فهذه وحدها مباحة وهذه وحدها مباحة، واجتماعهما ليس مباحاً.

ص: 144

وكذلك كل واحد من الضدين مقدور ممكن، وليس الجمع بينهما مقدوراً ممكناً.

وكذلك الجائع إذا حضرته أطعمة يكفيه كل منها، فكل منها مباح له أكله، ولا يباح له أكل المجموع حتى يبشم ويموت.

وكذلك من قال لغيره: خذ عبداً من عبيدي، أو فرساً من خيلي، كل منها مباح له، وليس المجموع مباحاً له.

فإذا قيل: كل من هذه مباح، لم يستلزم أن يكون المجموع مباحاً.

والمقصود أن الأمور التي يتصف بها كل واحد من الأفراد ثلاثة أنواع:

أحدها: ما لا يمكن تصوره في المجموع، فلا يقال: هو ثابت ولا منتف.

والثاني: ما يمكن تصوره في المجموع، وهذا قد يكون ثابتاً كثبوت الافتقار إلى الفاعل في مجموع الممكنات والحادثات، وثبوت الحل في كل من الأجنبيات منفردة، وفي جمع أربع.

وقد لا يكون ثابتاً كثبوت النهاية في أفراد الحوادث المنقضية لا في مجموعها، وثبوت الحل في كل من الأختين لا في مجموعهما.

والفرق بين هذا وهذان أن الحكم الذي ثبت للأفراد، إن كان للمعنى الذي يوجد في المجموع ثبت له، وإن لم يكن لذلك المعنى لم يلزم ثبوته له، فيكون المحدث ممكناً أو مفتقراً إلى الفاعل ثبت لحقيقة الحدوث، وهذا ثابت للأفراد والمجموع.

وكذلك افتقار الممكن إلى ما ليس ثبت

ص: 145

لحقيقة الإمكان، فإن حقيقة الممكن هو الذي لا يوجد إلا بغيره لا بنفسه، وهذه الحقيقة لا تفرق بين الأفراد وبين المجموع.

وأما كون الحادث له أول، أو الماضي له انتهاء، فهذا يعلم في كل حادث حادث، وماض ماض.

وأما كون هذا الجنس كذلك، فالطبيعة تلزم كل واحد واحد، وليس في الخارج مجموع ثابت للحوادث والماضيات، حتى يقال: هل يحكم لذلك المجموع بحكم أفراده أم لا؟ فإن أفراده موجودة على التعاقب، وإذا قدر حوادث متعاقبة، لم يكن في العلم بهذا ما يوجب أن لا تكون دائمة.

لكن إذا قدر إجتماع حوادث في آن واحد، أو كانت محدودة.

قيل: إن هذا المجموع له ابتداء.

وإذا قدر اجتماع أمور منقضية أو محدودة الآخر.

قيل: لها انتهاء.

وأما ما لا يمكن اجتماعه لا من هذا ولا من هذا، فليس وجوده مجتمعاً في الخارج، وإنما يجتمع أفراده في الذهن لا في الخارج.

يبين ذلك أن ما لا يوجد إلا متعاقباً متتالياً، إذا قيل: إن كل واحد من أفراده يعقب فرداً آخر، لم يعلم من ذلك أنه كله يعقب شيئاً آخر، إذا لم يحكم على جنسه بأنه يعقب غير جنسه، وإنما حكمنا على أفراد الجنس بالتعاقب.

وكذلك إذا قلنا: كل واحد من أفراده سبقه عدم، لم يحكم على الجنس بأنه سبقه عدم، كما حكمنا هناك على جنس المحدث بافتقاره إلى الفاعل، وعلى جنس الممكن بافتقاره إلى ما ليس بممكن، أو إلى الفاعل أو الواجب ونحو ذلك.

والكلام على هذا مبسوط في موضعه.

ص: 146