الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن لم يف به فللمشتري الفسخ والرجوع بالثمن) اهـ.
ما يجب لصحة الشرط الذي يلائم العقد:
الأمثلة التي وردت في النصوص المتقدمة عن الشرط الذي يلائم العقد هي:
1 -
شرط أخذ الرهن بالثمن.
2 -
شرط أخذ الكفيل بالثمن.
3 -
شرط الحوالة بالثمن.
وكلها شروط تلائم العقد، فهي وإن كان العقد لا يقتضيها إلا أنها لا تتعارض معه ولا تتنافى مع أحكامه، بل هي من مصلحة العقد وتتعلق بها مصلحة العاقدين.
والمذهب الحنفي: يقتصر كما رأينا على القول بأن الشرط يلائم العقد، أما المذاهب الأخرى فالتعبير فيها أقل تحفظا، تقول المالكية: الشرط الذي لا يقتضيه العقد ولا ينافيه وهو من مصلحته. وتقول أيضا: لأن ذلك كله مما يعود على البيع بمصلحة ولا معارض له من جهة الشرع.
وتقول الشافعية: شرط لا يقتضيه العقد ولكن فيه مصلحة وتدعو الحاجة إليه.
وتقول الحنابلة: شرط من مصلحة العقد وتتعلق به مصلحة العاقدين.
على أن هذه المذاهب تختلف عندما تقرر ما يجب لصحة الشرط الذي يلائم العقد، فأضيقها في ذلك هو: المذهب الحنفي، وأوسعها هو:
المذهب المالكي.
ففي المذهب الحنفي: إذا كان الرهن الذي يتوثق الثمن به مجهولا، أو كان الكفيل مجهولا أو كان غير حاضر في المجلس أو كان حاضرا ولم يقبل الكفالة: فإن الشرط يكون فاسدا ويفسد معه البيع، أما في الرهن فلأن جواز هذا الشرط- مع أن القياس يأباه لكونه ملائما للعقد- مقررا لمقتضاه معنى لحصول معنى التوثيق والتأكد للثمن، ولا يحصل ذلك إلا بالتسليم وأنه لا يتحقق في المجهول، وأما في الكفيل فلأن الجواز على مخالفة القياس ثبت لمعنى التوثيق وتوكيد الثمن لما فيه من تقرير موجب العقد.
فإذا كان الكفيل غائبا أو حاضرا ولم يقبل لم تصح الكفالة، فلم يحصل معنى التوثق، فبقي الحكم على ما يقتضيه القياس، وكذا إن كان الكفيل مجهولا فالبيع فاسد لأن كفالة المجهول لا تصح، فلا بد إذن لصحة الشرط الملائم للعقد أن يكون تاما نافذ الأثر وقت العقد، فيقبل الكفالة بالثمن، وسلم المشتري الرهن للبائع، وذلك كله قبل انفضاض مجلس العقد، على أنه يجوز أن يكون الرهن- لا الكفيل- غائبا عن المجلس ما دام معلوما إذا كان عينا معينة، أو ما دام يمكن ضبطه بالوصف إذا كان شيئا غير معين إلا بالنوع، ففي هذه الحالة يصح شرط الرهن ويصح معه العقد، ويجب على المشتري تسليم الرهن أو قيمته إلى البائع بعد العقد، وإلا كان البائع بالخيار، إذا لم ينقد الثمن بين فسخ العقد أو إبقائه، ولكن لا يجبر المشتري على تسليم الرهن خلافا لقول زفر إذ يذهب إلى أن الرهن إذا شرط في العقد فقد صار حقا من حقوقه ويجبر المشتري على تنفيذه،
والفرق بين الكفالة والرهن في هذا الصدد إذ يشترط حضور الكفيل وقبول الكفالة ولا يشترط حضور الرهن على ما بينا.
ويوضحه صاحب [فتح القدير] إذ يقول: الآن وجوب الثمن في ذمة الكفيل يضاف إلى البيع فيصير الكفيل كالمشتري، فلا بد من حضور العقد بخلاف الرهن لا تشترط حضرته، لكن ما لم يسلم للبائع لا يثبت فيه حكم الرهن وإن انعقد عقد الرهن بذلك الكلام، فإن سلم معنى العقد على ما عقدا، وإن امتنع عن تسليمه لا يجبر عندنا، بل يؤمر بدفع الثمن، فإن لم يدفع الرهن ولا الثمن خير البائع في الفسخ) .
والظاهر من النصوص: أن الشافعية والحنابلة كالحنفية في وجوب تعيين المرهون وتعيين الكفيل بالذات، فلا يكفي وصف الكفيل بموسر ثقة، ولكن يبدو أن الشافعية والحنابلة لا يتشددون تشدد الحنفية في وجوب أن يكون الكفيل حاضرا في مجلس العقد، وأن يقبل الكفالة قبل انفضاض المجلس، فيكفي أن يكون كل من الرهن والكفيل معينا معلوما على الوجه الذي قدمناه، فإن لم يسلم المشتري الرهن للبائع قبل العقد أو لم يقبل الكفيل الكفالة أو مات قبل القبول خير البائع إذا لم ينقده المشتري الثمن.
ويقول الرملي في هذا الصدد: فإن لم يرهن المشتري ما شرط عليه رهنه وإن أتى برهن غير معين ولو أعلى قيمة منه أو لم يتكفل المعين بأن امتنع أو مات قبله، وإن أقام المشتري ضامنا غيره ثقة: فللبائع الخيار
…
ولا يجبر من شرط عليه ذاك على القيام بالمشروط؛ لزوال الضرر بالفسخ،
ويتخير أيضا فيما إذا لم يقبضه الرهن لهلاكه أو غيره.
أما المذهب المالكي: فهو كما قدمنا أوسع المذاهب في هذه المسألة، فعنده يصح الشرط حتى لو لم يكن الرهن أو الكفيل معينا، ويقول الحطاب:(وإن بعته على حميل لم تسمياه ورهن لم تصفاه جاز) ، ليس هذا فحسب، بل أيضا إذا عين الرهن بعد العقد وامتنع المشتري عن تسليمه أجبر على ذلك، ولا يقتصر الأمر على إعطاء البائع حق الفسخ إذا لم ينقد الثمن، وإذا لم يعين الرهن أجبر المشتري على أن يعطي الصنف المعتاد: ثيابا أو حليا أو دارا أو نحو ذلك، ولا يجبر البائع على قبول ما في حفظه مشقة وكلفة كالعبيد والدواب.
ويقول الحطاب أيضا في ذلك: (وإن سميتما الرهن أجبر على أن يدفعه إليك إن امتنع، وليس هذا من الرهن الذي لم يقبض.. والبيع على رهن غير معين جائز، وعلى الغريم أن يعطيك الصنف المعتاد، والعادة في الخواص أن ترهن ما يغاب عليه كالثياب والحلي وما لا يغاب عليه كالدور وما أشبهها، وليس العادة العبيد والدواب، وليس على المرتهن قبول ذلك وإن كان مصدقا في تلفه؛ لأن في حفظه مشقة وكلفة
…
والذي نقله ابن المواز عن أشهب ونقله اللخمي وابن راشد أنه يجبر على دفع رهن يكون فيه الثقة باعتبار ذلك الدين
…
وهو المذهب) .
ونرى من ذلك أن المذهب الحنفي لا يكتفي في صحة الشرط بمجرد التزام المشتري بتقديم رهن أو كفيل، بل يجب أن يكون عقد الرهن أو عقد الكفالة قد انعقد مع انعقاد البيع، وتكتفي الشافعية والحنابلة بمجرد التزام
المشتري بتقديم رهن أو كفيل على أن يكون الرهن أو الكفيل معينا وقت العقد، أما المالكية فيكتفون هم أيضا بمجرد التزام المشتري بتقديم رهن أو كفيل.. ويزيدون على ذلك أنهم لا يشترطون أن يكون الرهن أو الكفيل معينا وقت العقد، ثم إنهم في الرهن يجبرون المشتري على تسليمه إذا كان معينا، أو على تسليم الصنف المعتاد إذا كان غير معين.
بقي شرط الحوالة، ونلاحظ أن كتب الحنفية قد تضاربت في صحة هذا الشرط، فقد جاء في [البدائع]- كما رأينا-:(ولو شرط المشتري على البائع أن يحيله بالثمن على غريم من غرمائه أو على أن يضمن الثمن لغريم من غرماء البائع فالبيع فاسد، لأن شرط الحوالة والضمان شرط لا يقتضيه العقد، والشرط الذي لا يقتضيه العقد مفسد في الأصل إلا إذا كان فيه تقرير موجب العقد وتأكيده، والحوالة إبراء عن الثمن وإسقاط له فلم يكن ملائما للعقد بخلاف الكفالة والرهن) ، والفرض أن يرد الشرط في عقد البيع قاضيا بحوالة الثمن الذي في ذمه المشتري حوالة دين إلى ذمة شخص آخر قد يكون مدينا للمشتري (غريما من غرمائه) ، فيصبح هذا المدين وقد تحمل الدين بالثمن نحو البائع وتبرأ ذمة المشتري من الثمن، هذا الشرط لا يقتضيه العقد، ثم هو يلائم العقد؛ لأن الحوالة إبراء لذمة المشتري من الثمن كما يقول صاحب [البدائع] ، ولكن إذا كانت الحوالة إبراء عن الثمن وإسقاطا له من وجه فهي من وجه آخر تقرير لوجوب الثمن وتأكيد له، فإن الإبراء لا يكون إلا عن شيء واجب، هذا إلى أن الحوالة ليست إبراء فحسب، إذ هي إبراء لذمة المحيل- إبراء غير كامل- وشل لذمة المحال عليه، وفي هذا أيضا تقرير لوجوب الثمن وتأكيد له.