الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الفاسد
المذهب الحنفي
والمذاهب الثلاثة الأخرى:
ولما كان المذهب الحنفي هو أضيق المذاهب في إباحة الشروط المقترنة بالعقد كما قدمنا، ومن ثم كان الشرط الفاسد في هذا المذهب واسع المدى، لذلك نبدأ ببحث المذهب الحنفي وحده، ثم نعقب بتأصيل هذا المذهب وتطور الفقه الإسلامي في المذاهب الثلاثة الأخرى وفي المذهب الحنفي نفسه، فهناك اتصال وثيق بين هاتين المسألتين.
أولا: المذهب الحنفي:
التمييز بين حالتين:
يجب التمييز في المذهب الحنفي بين حالتين:
(أ) حالة فيها الشرط الفاسد يفسد العقد.
(ب) وحالة فيها الشرط الفاسد يلغو دون أن يفسد العقد، فيسقط الشرط ويبقى العقد.
(أ)
شرط فاسد يفسد العقد:
النصوص:
جاء في المبسوط (1) : (وإن كان شرطا لا يقتضيه العقد وليس فيه عرف
(1)[المبسوط](13\15- 18) .
ظاهر، قال:(فإن كان فيه منفعة لأحد المتعاقدين فالبيع فاسد) ؛ لأن الشرط باطل في نفسه والمنتفع به غير راض بدونه، فتتمكن المطالبة بينهما بهذا الشرط، فلهذا فسد به البيع، وكذلك إن كان فيه منفعة للمعقود عليه، وذلك نحو ما بينا أنه إذا اشترى عبدا على أنه لا يبيعه، فإن العبد يعجبه ألا تتناوله الأيدي، وتمام العقد بالمعقود عليه حتى لو زعم أنه حر كان البيع باطلا، فاشتراط منفعته كاشتراط منفعة أحد المتعاقدين.. قال:(وإذا اشترى عبدا على أنه يعتقه فالبيع فاسد) ، وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله أن البيع جائز بهذا الشرط، وهو قول الشافعي، لحديث بريرة رضي الله عنها فإنها جاءت إلى عائشة رضي الله عنها تستعينها في المكاتبة، قالت: إن شئت عددتها لأهلك وأعتقك، فرضيت بذلك، فاشترتها وأعتقتها، وإنما اشترتها بشرط العتق، وقد أجاز ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لها.. ولأن العتق في المبيع قبض.. والقبض من أحكام العقد، فاشتراطه في العقد يلائم العقد ولا يفسده، وحجتنا في ذلك نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط، ولأن في هذا الشرط منفعة للمعقود عليه والعقد لا يقتضيه فيفسد به العقد كما لو شرط ألا يبيع، يوضحه أنه لو شرط في الجارية أن يستولدها أو في العبد أن يدبره كان العقد فاسدا، فإذا كان اشتراط حق العتق لها يفسد البيع فاشتراط حقيقة العتق أولى، ودعواه أن هذا الشرط يلائم العقد لا معنى له فإن البيع موجب للملك والعتق مبطل له فكيف يكون بينهما ملاءمة، ثم هذا الشرط يمنع استدامة الملك فيكون ضد ما هو المقصود بالعقد، وبيع العبد لسمة لا يكون بشرط العتق، بل يكون ذلك وعدا من المشتري ثم البيع بعقد مطلقا، وهو تأويل حديث عائشة رضي الله عنها
فإنها اشترت بريرة رضي الله عنها مطلقا ووعدت لها أن تعتقها لترضى هي بذلك فإن بيع المكاتبة لا يجوز بغير رضاها..
وإذا اشتراه على أن يقرض له قرضا أو يهب له هبة أو يتصدق عليه صدقة أو على أن يبيعه بكذا وكذا من الثمن فالبيع في جميع ذلك فاسد؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف وعن بيعتين في بيعة.. وإن اشترى شيئا وشرط على البائع أن يحمله إلى منزله أو يطحن الحنطة أو يخيط الثوب فهو فاسد، لأن فيه منفعة لأحد المتعاقدين والعقد لا يقتضيه؛ لأنه إذا كان بعض البدل بمقابلة العمل المشروط عليه فهو إجارة مشروطة في العقد، وإن لم يكن بمقابلته شيء من البدل فهو إعارة مشروطة في البيع وهو مفسد للعقد، وكذلك لو اشترى دارا على أن يسكنها البائع شهرا، فهذه إعارة مشروطة في البيع وهو مفسد للعقد، أو هذا شرط أجل في العين والعين لا تقبل الأجل) .
وجاء في [البدائع](1) : (ومنها شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة للبائع، أو للمشتري، أو للمبيع إن كان من بني آدم كالرقيق، وليس بملائم للعقد، ولا مما جرى به التعامل بين الناس، ونحو ما إذا باع دارا على أن يسكنها البائع شهرا ثم يسلمها إليه، أو أرضا على أن يزرعها سنة، أو دابة على أن يركبها شهرا، أو ثوبا على أن يلبسه أسبوعا، أو على أن يقرضه المشتري قرضا، أو على أن يهب له هبة، أو يزوج ابنته منه، أو يبيع منه بكذا، ونحو ذلك، أو اشترى ثوبا على أن يخيطه البائع قميصا، أو حنطة على أن يطحنها، أو ثمرة على أن يجذها، أو ربطة قائمة على الأرض على أن
(1)[البدائع](5\69- 173) .
يجذها، أو شيئا له حمل ومؤونة على أن يحمله البائع إلى منزله نحو ذلك: فالبيع في هذا كله فاسد؛ لأنه زيادة منفعة مشروطة في البيع تكون ربا؛ لأنها زيادة لا يقابلها عوض في عقد البيع وهو تفسير الربا، والبيع الذي فيه الربا فاسد أو فيه شبهة الربا، وأنها مفسدة للبيع كحقيقة الربا، وكذا لو باع جارية على أن يدبرها المشتري أو على أن يستولدها فالبيع فاسد؛ لأنه شرط فيه منفعة للمبيع وأنه مفسد، وكذا لو باعها بشرط أن يعتقها المشتري فالبيع فاسد في ظاهر الرواية عن أصحابنا، وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنهما أنه جائز، وبه أخذ الشافعي رحمه الله.. وكذا لو باع عبدا أو جارية بشرط ألا يبيعه وألا يهبه وألا يخرجه من ملكه فالبيع فاسد؛ لأن هذا شرط ينتفع به العبد والجارية بالصيانة عن تداول الأيدي فيكون مفسدا للبيع.
ولو اشترى شيئا بشرط أن يوفيه في منزله فهذا لا يخلو: إما أن يكون المشتري والبائع بمنزلهما في المصر، وإما أن يكون أحدهما في المصر والآخر خارج المصر، فإن كان كلاهما في المصر فالبيع بهذا الشرط جائز عند أبي حنيفة وأبي يوسف استحسانا، إلا إذا كان في تصحيح الشرط تحقيق الربا، كما إذا تبايعا حنطة بحنطة وشرط أحدهما على صاحبه الإيفاء في منزله، وعند محمد البيع بهذا الشرط فاسد، وهو القياس؛ لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة للمشتري فأشبه ما إذا اشترى بشرط الحمل إلى منزله أو بشرط الإيفاء في منزله وأحدهما في المصر والآخر خارج المصر، ولهما أن الناس تعاملوا البيع بهذا الشرط إذا كان المشتري في المصر، فتركنا القياس لتعامل الناس، ولا تعامل فيما إذا لم يكونا في المصر، ولا في