الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسقبه قيل: يا رسول الله، ما سقبه؟ قال: شفعته (1) » . ويروى «الجار أحق بشفعته (2) » .
إلى أن قال: وأما الترتيب: فلقوله عليه الصلاة والسلام: «الشريك أحق من الخليط، والخليط أحق من الشفيع» فالشريك في نفس المبيع والخليط في حقوق المبيع والشفيع هو الجار. اهـ (3) .
(1) صحيح البخاري الشفعة (2258) ، سنن النسائي البيوع (4702) ، سنن أبو داود البيوع (3516) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2495) ، مسند أحمد بن حنبل (6/10) .
(2)
سنن الترمذي الأحكام (1369) ، سنن أبو داود البيوع (3518) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2494) ، مسند أحمد بن حنبل (3/303) ، سنن الدارمي البيوع (2627) .
(3)
[الهداية](2\24) .
أ -
أدلة القائلين بقصر الشفعة على الشريك في المبيع دون الجار أو الشريك في حق المبيع ومناقشتها:
استدل القائلون بقصر الشفعة على الشريك في المبيع دون الشريك في حق المبيع أو الجار بما يأتي:
1 -
ما في [صحيح البخاري] عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (1) » وفي لفظ: «إنما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الشفعة في كل ما لم يقسم (2) » إلخ.
2 -
ما في [صحيح مسلم] من حديث أبي الزبير عن جابر قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط، ولا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه (3) » إلى آخر الحديث.
3 -
ما روى الشافعي بإسناده إلى أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(1) صحيح البخاري البيوع (2214) ، سنن الترمذي الأحكام (1370) ، سنن أبو داود البيوع (3514) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2499) ، مسند أحمد بن حنبل (3/296) .
(2)
صحيح البخاري الشركة (2495) ، صحيح مسلم المساقاة (1608) ، سنن الترمذي الأحكام (1370) ، سنن النسائي البيوع (4701) ، سنن أبو داود البيوع (3514) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2499) ، مسند أحمد بن حنبل (3/399) ، سنن الدارمي البيوع (2628) .
(3)
صحيح البخاري الشركة (2495) ، صحيح مسلم المساقاة (1608) ، سنن الترمذي الأحكام (1370) ، سنن النسائي البيوع (4701) ، سنن أبو داود البيوع (3513) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2499) ، مسند أحمد بن حنبل (3/310) ، سنن الدارمي البيوع (2628) .
«الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة (1) » .
4 -
ما في [سنن أبي داود] بإسناد صحيح إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة فيها (2) » .
5 -
ما في [الموطأ] بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة فيما لم يقسم، فإذا صرفت الطرق ووقعت الحدود فلا شفعة (3) » .
6 -
ما ذكره سعيد بن منصور بإسناده إلى عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم قال: (إذا صرفت الحدود وعرف الناس حدودهم فلا شفعة بينهم) .
فهذه الأحاديث والآثار تدل على أن الشفعة مشروعة فيما هو مشاع غير مقسوم، ولأن الضرر اللاحق بالشركة هو ما توجبه من التزاحم في المرافق والحقوق والأحداث والتغيير والإفضاء إلى التقاسم الموجب لنقص قيمة الملك بالقسمة. أما إذا قسمت الأرض فوقعت الحدود وصرفت الطرق، فلا شفعة حينئذ لانتفاء الضرر بذلك.
ووجه القائلون بذلك القول: حصر الشفعة للشريك دون غيره، وأجابوا عن الأحاديث الوارثة بالشفعة للجار.
فقال ابن القيم رحمه الله:
قالوا: وقد فرق الله بين الشريك والجار شرعا وقدرا، ففي الشركة
(1) سنن أبو داود البيوع (3515) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2497) .
(2)
سنن أبو داود البيوع (3515) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2497) .
(3)
صحيح البخاري البيوع (2214) ، صحيح مسلم المساقاة (1608) ، سنن الترمذي الأحكام (1370) ، سنن النسائي البيوع (4701) ، سنن أبو داود البيوع (3514) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2499) ، مسند أحمد بن حنبل (3/296) ، سنن الدارمي البيوع (2628) .
حقوق لا توجد في الجوار، فإن الملك في الشركة مختلط، وفي الجوار متميز، ولكل من الشريكين على صاحبه مطالبة شرعية ومنع شرعي؛ أما المطالبة ففي القسمة، وأما المنع فمن التصرف، فلما كانت الشركة محلا للطلب ومحلا للمنع كانت محلا للاستحقاق بخلاف الجوار؛ فلم يجز إلحاق الجار بالشريك وبينهما هذا الاختلاف، والمعنى الذي وجبت به الشفعة: رفع مئونة المقاسمة، وهي مئونة كثيرة، والشريك لما باع حصته من غير شريكه فهذا الدخيل قد عرضه لمئونة عظيمة فمكنه الشارع من التخلص منها بانتزاع الشقص على وجه لا يضر بالبائع ولا بالمشتري، ولم يمكنه الشارع من الانتزاع قبل البيع؛ لأن شريكه مثله ومساو له في الدرجة فلا يستحق عليه شيئا إلا ولصاحبه مثل ذلك الحق عليه، فإذا باع صار المشتري دخيلا والشريك أصيلا، فرجح جانبه، وثبت له الاستحقاق، قالوا:
وكما أن الشارع يقصد رفع الضرر عن الجار فهو أيضا يقصد رفع الضرر عن المشتري، ولا يزيل ضرر الجار بإدخال الضرر على المشتري، فإنه محتاج إلى دار يسكنها هو وعياله، وإذا سلط الجار على إخراجه وانتزع داره منه أضر به إضرارا بينا. وأي دار اشتراها وله جار فحاله معه هكذا وتطلبه دارا لا جوار لها كالمتعذر عليه أو كالمتعسر، فكان من تمام حكمة الشارع أن أسقط الشفعة بوقوع الحدود وتصريف الطرق؛ لئلا يضر الناس بعضهم بعضا، ويتعذر على من أراد شراء دار لها جار أن يتم له مقصوده، وهذا بخلاف الشريك وأن المشتري لا يمكنه الانتفاع بالحصة التي اشتراها والشريك يمكنه ذلك بانضمامها إلى ملكه فليس على المشتري ضرر في انتزاعها منه وإعطائه ما اشتراها به. قالوا: وحينئذ تعين حمل أحاديث
شفعة الجوار على مثل ما دلت عليه أحاديث شفعة الشركة فيكون لفظ الجار فيها مرادا به الشريك.
ووجه هذا الإطلاق: المعنى، والاستعمال: أما المعنى: فإن كل جزء من ملك الشريك مجاور لملك صاحبه، فهما جاران حقيقة، وأما الاستعمال فإنهما خليطان متجاوران؛ ولذا سميت الزوجة جارة، كما قال الأعشى:
أجارتنا بيني فإنك طالقة
. . . . . . . . . . . .
فتسمية الشريك جارا أولى وأحرى. وقال حمل بن مالك: كنت بين جارتين لي. . هذا إن لم يحتمل إلا إثبات الشفعة، فأما إن كان المراد بالحق فيها: حق الجار على جاره فلا حجة فيها على إثبات الشفعة، وأيضا فإنه إنما أثبت له على البائع حق العرض عليه إذا أراد البيع، فأين ثبوت حق الانتزاع من المشتري، ولا يلزم من ثبوت هذا الحق ثبوت حق الانتزاع. اهـ (1) .
وقد ناقش القائلون بثبوت الشفعة للجار هذه الأدلة بما يأتي:
1 -
بالنسبة لحديث جابر: فإن قوله: «فإن وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (2) » . . فقد ذكر أبو حاتم بأنه مدرج من قول جابر، قالوا: ويؤيد ذلك أن مسلما لم يخرج هذه الزيادة.
وأجيب عن ذلك: بأن الأصل أن كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت
(1)[إعلام الموقعين](2\122 - 124) .
(2)
صحيح البخاري البيوع (2213) ، سنن الترمذي الأحكام (1370) ، سنن النسائي البيوع (4701) ، سنن أبو داود البيوع (3514) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2499) ، مسند أحمد بن حنبل (3/296) ، سنن الدارمي البيوع (2628) .
الإدراج بدليل، فضلا عن أن هذه الزيادة قد وردت في حديث آخر، كحديث أبي هريرة.
2 -
وأما القول: بأن العقار إذا كان مقسوما معروف الحدود مصرفة طرقه فلا ضرر على مالكه بتداول الأيدي المجاورة فغير صحيح. ذلك أن في الضرر الذي قصد الشارع رفعه ضرر سوء الجوار، فإن الجار قد يسيء الجوار غالبا، فيعلي الجدار، ويتتبع العثار، ويمنع الضوء، ويشرف على العورة، ويطلع على العثرة، ويؤذي جاره بأنواع الأذى، وقد أجمعت الأدلة على ثبوت الشفعة للشريك لدفع الضرر الناشئ عنه اشتراك في الغالب، فإذا ثبتت الشفعة في الشركة في العقار لإفضائها إلى المجاورة فحقيقة المجاورة أولى بالثبوت فيها.
3 -
وأما الاحتجاج بما في [صحيح البخاري] : «فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة (1) » فعلى فرض انتفاء الإدراج من جابر فإن الجار المشترك مع غيره في مرفق خاص ما، مثل: أن يكون طريقهما واحدا، أو أدنى يشتركا في شرب أو مسيل أو نحو ذلك من المرافق الخاصة لا يعتبر مقاسما مقاسمة كلية، بل هو شريك لجاره في بعض حقوق ملكه، إذا كان طريقهما واحدا لم تكن الحدود كلها واقعة، بل بعضها حاصل، وبعضها منتف، إذ وقوع الحدود من كل وجه يستلزم أو يتضمن تصريف الطرق (2) .
4 -
وأما القول بأن الشفعة شرعت للشريك لدفع ضرر المقاسمة فغير
(1) صحيح البخاري البيوع (2213) ، سنن الترمذي الأحكام (1370) ، سنن أبو داود البيوع (3514) ، سنن ابن ماجه الأحكام (2499) ، مسند أحمد بن حنبل (3/296) .
(2)
انظر [إعلام الموقعين](2\116 -126) و [نيل الأوطار](5\352، 353) .