الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
الشفعة بشركة الوقف
اختلف العلماء رحمهم الله في جواز الشفعة في الوقف:
فذهب الحنفية إلى أن لا شفعة للوقف ولا في الوقف؛ لأنه لا مالك له معين:
قال في [الدر المختار] ما نصه:
ولا شفعة في الوقف، ولا له نوازل، ولا بجواره، قال المصنف: قلت: وحمل شيخنا الرملي الأول على الأخذ به، والثاني على أخذه بنفسه إذا بيع، وأما إذا بيع بجواره أو كان بعض المبيع ملكا وبعضه وقفا وبيع الملك فلا شفعة للوقف.
وقال في [الحاشية] : قوله: أو كان بعض المبيع ملكا. . . إلخ، حاصله: أنه لا شفعة له بجوار ولا بشركة، فهو صريح بالقسمين، كما أشار الشارح بنقل عبارة النوازل، ونبهنا عليه، قوله: فلا شفعة للوقف إذ لا مالك له. اهـ (1) .
وقال الكاساني في معرض تعداده شروط الأخذ بالشفعة ما نصه:
ومنها: ملك الشفيع وقت الشراء في الدار التي يأخذها بالشفعة؛ لأن سبب الاستحقاق جوار الملك، والسبب إنما ينعقد سببا عند وجود الشرط، والانعقاد أمر زائد على الوجود، فإذا لم يوجد عند البيع كيف
(1)[حاشية ابن عابدين](6\223)
ينعقد سببا، فلا شفعة له بدار يسكنها بالآجار والإعارة، ولا بدار باعها قبل الشراء، ولا بدار جعلها مسجدا، ولا بدار جعلها وقفا، وقضى القاضي بجوازه أو لم يقض على قول من يجيز الوقف؛ لأنه زال ملكه عنها لا إلى أحد. اهـ (1) .
وذهب المالكية إلى أنه لا شفعة بالوقف إلا للواقف نفسه بشرط أن يضيف ما يأخذ بالشفعة إلى ما أوقفه، أو أن يجعل ذلك للناظر بأن ينص في ولايته على الأخذ بالشفعة ليضاف إلى الوقف، أو أن يئول الوقف إلى الموقوف عليهم، فلهم حق الأخذ بالشفعة ولو لم يوقفوا، أو أن يئول النظر أو الاستحقاق إلى بيت المال فللسلطان الأخذ له بالشفعة.
قال أبو البركات أحمد الدردير في معرض تعداد من يجوز لهم الأخذ بالشفعة ما نصه:
أو كان الشفيع محبسا لحصته قبل بيع شريكه فله الأخذ بالشفعة ليحبس الشقص المأخوذ أيضا، قال: منها: دار بين رجلين حبس أحدهما نصيبه على رجل وولده، وولد ولده، فباع شريكه في الدار نصيبه، فليس للذي حبس ولا للمحبس عليهم أخذ بالشفعة إلا أن يأخذ المحبس فيجعله في مثل ما جعل نصيبه الأول. انتهى.
وهذا إذا لم يكن مرجعها له، وإلا فله الأخذ ولو لم يحبس. كأنه يوقف على عشرة مدة حياتهم، أو يوقف مدة معينة فله الأخذ مطلقا، كسلطان له
(1)[بدائع الصنائع](6\2704) .
الأخذ بالشفعة لبيت المال، قال سحنون في المرتد: يقتل، وقد وجبت له شفعة: أن للسلطان أن يأخذها إن شاء لبيت المال. اهـ (1) .
وذهب الشافعية إلى أن الوقف إن كان كان عاما كالوقف على الفقراء والمساكين ونحو ذلك فلا شفعة به وإن كان خاصا فلا شفعة لواقفه لزوال ملكه عنه.
وقد اختلف علماء الشافعية في ثبوت للموقوف عليه العين لاختلاف ما نقل عن الشافعي رحمه الله: هل يملك الموقوف عليه رقبة الوقف أم لا؟
قال في [المجموع] : وأما إذا كان حصة الخليط وقفا نظر في الوقف: فإن كان عاما كالوقف على الفقراء والمساكين، أو كان خاصا لا يملك كالوقف على جامع - فلا يستحق به شفعة في المبيع، وإن كان خاصا على مالك الوقف على رجل بعينه أو على جماعة بأعيانهم - فلا يملك به الواقف شفعة لزوال ملكه من الوقف.
فأما الموقف عليه فقد اختلف قول الشافعي هل يكون مالكا لرقبة الوقف أم لا؟
على قولين:
أحدهما: يستحق به الشفعة لثبوت ملكه واستضراره بسوء المشاركة.
والوجه الثاني: لا شفعة له؛ لأنه ليس بتام الملك ولا مطلق التصرف. اهـ (2) .
(1)[الشرح الكبير] ومعه [حاشية الدسوقي](3\425) .
(2)
[المجموع](14\141)
وذهب جمهور الحنابلة إلى القول بنفي الشفعة عن الخلطة بالوقف: لأن من شروط الأخذ بالشفعة: أن يكون الشفيع مالكا لما يشفع به، والوقف لا يعتبر ملكا تماما لمن هو بيده، سواء كان ناظرا أو موقوفا عليه؛ لأنه ليس مطلق التصرف فيه.
قال ابن قدامة رحمه الله: ولا شفعة بشركة الوقف، ذكره القاضيان: ابن أبي موسى، وأبو يعلى، وهو ظاهر مذهب الشافعي؛ لأنه لا يؤخذ بالشفعة فلا تجب فيه كالمجاور وغير المنقسم؛ ولأننا إن قلنا: هو غير مملوك، فالموقوف عليه غير مالك، وإن قلنا: هو مملوك فملكه غير تام؛ لأنه لا يفيد إباحة التصرف في الرقبة، فلا يملك به ملكا تاما. وقال أبو الخطاب: إن قلنا: هو مملوك وجبت به الشفعة؛ لأنه مملوك بيع في شركة شقص فوجبت الشفعة كالطلق، ولأن الضرر يندفع عنه بالشفعة كالطلق، فوجبت فيه كوجوبها في الطلق، وإنما لم يستحق بالشفعة؛ لأن الأخذ بها بيع، وهو مما لا يجوز بيعه. اهـ (1) .
وللشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله رأي في ثبوت الشفعة به فقد قال ما نصه:
فلو باع الشريك الذي ملكه طلق فلشريكه الذي نصيبه وقف الشفعة؛ لعموم الحديث المذكور ووجود المعنى، بل صاحب الوقف إذا لم يثبت له شفعة يكون أعظم ضررا من صاحب الطلق؛ لتمكن المالك من البيع،
(1)[المغني](5\284) .
بخلاف مستحق الوقف فإنه يضطر إلى بقاء الشركة، وأما استدلال الأصحاب بقولهم: إن ملكه ناقص، فالحديث لم يفرق بين الذي ملكه ناقص أو كامل، ومنعنا إياه من البيع لتعلق حقوق من بعده به، فالصواب إثبات الشفعة إذا باع الشريك، سواء كان شريكه صاحب ملك طلق أو مستحقا للوقف. اهـ (1) .
وقال المنقور نقلا عن [جمع الجوامع] : للوقف ثلاث صور:
الأولى: إذا كان البعض وقفا والبعض ملكا، فبيع الملك هل يأخذ رب الوقف بالشفعة؟ على وجهين.
والثانية: إذا كان كذلك وبيع الوقف حيث جاز بيعه هل يأخذ الشريك بالملك؟ على وجهين: المختار: نعم.
الثالثة: إذا كان الكل وقفا وبيع البعض حيث جاز بيعه فهل يجوز لرب الوقف الآخر الأخذ بها؟ على وجهين: الصحيح: لا يجوز. اهـ (2) .
ولعل مصدر الاختلاف في ذلك الخلاف، هل لجهات الوقف شخصية اعتبارية تكون أهلا للإلزام والالتزام كالحال في جماعة المسلمين حيث يتكافئون، ويسعى بذمتهم أدناهم، فيكون الوقف ملكا لهم، فإذا تصرف بعضهم أو النائب عنهم - وهو: الناظر - تصرفا فيه مصلحة للوقف وغبطة لجهاته كان كتصرفهم جميعا، أم أن الوقف لا مالك له في الحقيقة، وأن الشخصية الاعتبارية وهم وخيال لا مجال لها في واقع الأمر وحقيقته؟
(1)[الفتاوى السعدية] ص 438.
(2)
[الفواكه العديدة في المسائل المفيدة](1\397) .