المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الخلاصة اتفق الفقهاء: على أن طلاق السنة بالنسبة لعدد الطلاق: أن - أبحاث هيئة كبار العلماء - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌حكم السعيفوق سقف المسعى

- ‌وجهة نظرلفضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي

- ‌حكم الأوراق النقدية

- ‌تعريف النقد:

- ‌نشأة النقود وتطورها

- ‌قاعدة النقد الورقي

- ‌سر القابلية العامة لاعتبار النقد واسطة تعامل

- ‌آراء فقهية في حقيقة الأوراق النقدية

- ‌القول الرابع: الأوراق النقدية متفرعة عن ذهب أو فضة:

- ‌القول الخامس: الأوراق النقدية نقد قائم بنفسه:

- ‌علة الربا في النقدين:

- ‌سبيل الله

- ‌ المراد بسبيل الله في القرآن:

- ‌معنى سبيل الله إذا قرن بالإنفاق:

- ‌ سبيل الله" في آية مصارف الزكاة:

- ‌الشرط الجزائي

- ‌ المراد بالشرط الجزائي والداعي إليه:

- ‌ ما للشرط الجزائي من صور مختلفة:

- ‌ ما يندرج تحته الشرط الجزائي من أنواع الشروط التي تشترط في عقود المعاملات أو إجارة أو نحو ذلك مع بيان وجه الاندراج:

- ‌ ما ورد من الأحاديث والآثار في الشروط المقترنة بالعقود

- ‌ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدة عامة في العقود والشروط فيها

- ‌الشروط الفاسدة قد تبطل لكونها تنافي مقصود الشارع

- ‌ضوابط الشروط المقترنة بالعقد

- ‌ الشرط الذي يلائم العقد:

- ‌ما يجب لصحة الشرط الذي يلائم العقد:

- ‌الشرط الذي يلائم العقد يصح استثناء على سبيل الاستحسان عند الحنفية ويصح أصلا في المذاهب الأخرى

- ‌ الشرط الذي يجري به التعامل:

- ‌الشرط الفاسد

- ‌المذهب الحنفي

- ‌ شرط فاسد يفسد العقد:

- ‌ الصور المختلفة للشرط الفاسد الذي يفسد العقد:

- ‌ الأسباب التي دعت المذهب إلى القول بفساد الشرط والعقد في هذه الصور:

- ‌ العقود التي يكون فيها الشرط الفاسد مفسدا للعقد:

- ‌ شرط فاسد يسقط ويبقى العقد

- ‌شرط لا منفعة فيه لأحد وهو شرط فاسد فيسقط

- ‌ تأصيل المذهب الحنفي وتطور الفقه الإسلامي

- ‌السبب في تحريم تعدد الصفقة - وحدة العقد

- ‌تطور الفقه الإسلامي في المذاهب الأربعة

- ‌ تطور الفقه الإسلامي في المذهب الحنفي:

- ‌ تطور الفقه الإسلامي في المذهب الشافعي

- ‌ تطور الفقه الإسلامي في المذهب المالكي:

- ‌الشرط الصحيح في مذهب مالك:

- ‌الشرط الفاسد في مذهب مالك:

- ‌ تطور الفقه الإسلامي في المذهب الحنبلي

- ‌المذهب الحنبلي أبعد المذاهب تطورا في تصحيح الشروط:

- ‌الشرط الصحيح في مذهب الحنابلة:

- ‌الشرط الفاسد في مذهب الحنابلة:

- ‌استكمال المذهب الحنبلي بأقوال ابن تيمية:

- ‌مقارنة بين المذاهب الأربعة في تصحيح الشروط المقترنة بالعقد:

- ‌حكم الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌المسألة الأولى: حكم الإقدام على جمع الثلاث بكلمة واحدة

- ‌القول الأول: أنه محرم

- ‌القول الثاني: أن جمع الثلاث ليس بمحرم

- ‌المسألة الثانية: ما يترتب على إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌المذهب الأول: أن الرجل إذا طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد وقعت ثلاثا دخل بها أو لا

- ‌المذهب الثالث: يقع في المدخول بها ثلاثا وبغير المدخول بها واحدة:

- ‌المذهب الرابع: عدم وقوع الطلاق مطلقا:

- ‌الخلاصة

- ‌المسألة الثانية: فيما يترتب على إيقاع الطلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌وجهة نظر المخالفين

- ‌حكم النشوز والخلع

- ‌النشوز في اللغة وفي عرف الفقهاء:

- ‌النشوز قد يكون من الرجل وقد يكون من المرأة

- ‌باب مصالحة المرأة زوجها

- ‌حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخلع

- ‌الخلاصة

- ‌حكم الشفعة بالمرافق الخاصة

- ‌تعريف الشفعة:

- ‌الشفعة في اللغة:

- ‌الشفعة في الاصطلاح الشرعي:

- ‌مشروعية الشفعة

- ‌دفع شبه القول بمنافاتها للقياس

- ‌الحكمة في مشروعية الشفعة

- ‌ ذكر بعض من أقوال أهل العلم فيما اختلفوا فيه مما ذكر:

- ‌ الاشتراك فيما لا يقبل القسمة من العقار

- ‌ الاشتراك في المنقولات

- ‌ الجوار

- ‌ أدلة القائلين بقصر الشفعة على الشريك في المبيع دون الجار أو الشريك في حق المبيع ومناقشتها:

- ‌ أدلة القائلين بثبوت الشفعة بحق المبيع ومناقشتها:

- ‌ الشفعة فيما انتقل إلى الغير بعوض غير مسمى

- ‌ الشفعة بشركة الوقف

- ‌ شفعة غير المسلم

- ‌ شفعة غير المكلف من صبي أو مجنون

- ‌ شفعة الغائب

- ‌ شفعة الوارث

- ‌وجهة نظر المخالفين

الفصل: ‌ ‌الخلاصة اتفق الفقهاء: على أن طلاق السنة بالنسبة لعدد الطلاق: أن

‌الخلاصة

اتفق الفقهاء: على أن طلاق السنة بالنسبة لعدد الطلاق: أن يطلق الرجل زوجته طلقة واحدة مدخولا بها أم غير مدخول بها، ثم له أن يمسك المدخول بها فيراجعها ما دامت في العدة، وله أن يتركها، فلا يراجعها حتى تنقضي عدتها فتبين منه، وهذا هو التسريح لها بإحسان.

واتفقوا أيضا: على أنه إذا عاد إلى مطلقته برجعة أو عقد ثم طلقها طلقة واحدة فطلاقه طلاق سنة، ولو فعل مثل هذا مرة ثالثة كان طلاقه طلاق سنة باتفاق.

واختلفوا فيما لو طلق امرأته ثلاثا: بأن قال لها: أنت طالق ثلاثا مثلا هل هو طلاق بدعة أو لا؟

واختلفوا أيضا: فيما لو طلق المدخول بها طلقة ثم أتبعها أخرى في نفس الطهر أو الطهر الثاني أو الثالث قبل أن يراجعها، هل هو طلاق بدعة أو لا؟

ومحل البحث ما لو قال لها في لفظ واحد: أنت طالق ثلاثا مثلا، هل هو بدعة ممنوعة أو لا؟ وهل يعتد به أو لا؟

فهاتان مسألتان في كل منهما خلاف بين العلماء.

وفيما يلي خلاصة القول فيهما:

ص: 498

المسألة الأولى: حكم الإقدام على جمع الثلاث بكلمة واحدة

وفيه قولان:

1 -

القول الأولى: وهو قول الحنفية، والمالكية، وإحدى الروايتين عن أحمد، وقول ابن تيمية، وابن القيم.

وقد استدلوا لذلك بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والمعنى والقياس:

أما القرآن: فمنه قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (1) إلى قوله {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ} (2) قيل: المراد الأمر بتفريق الطلقات الثلاث على أطهار العدة الثلاثة، والأمر بالتفريق نهي عن الجمع نهي تحريم أو نهي كراهة، فكان جمع الثلاث في طهر واحد بدعة ممنوعة.

وذكر ابن تيمية: أن الله لم يبح في هذه الآية إلا الطلاق الرجعي، لقوله تعالى:{لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (3) والأمر: هو الندم على الطلاق، والرغبة في الرجعة، ولقوله تعالى:{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} (4)

فخير سبحانه بين الرجعة قبل انقضاء العدة دون مضارة للزوجة وبين

(1) سورة الطلاق الآية 1

(2)

سورة الطلاق الآية 2

(3)

سورة الطلاق الآية 1

(4)

سورة الطلاق الآية 2

ص: 499

تركها حتى تنقضي عدتها فتبين منه، وأنه سبحانه لم يبح فيها إلا الطلاق للعدة، فإرداف الطلاق للطلاق في العدة ولو في طهر آخر ممنوع، لقوله تعالى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (1) إذ المعنى: الأمر بطلاقهن مستقبلات عدتهن، ومن طلق زوجته الطلقة الثانية في طهرها الثاني، والثالثة في طهرها الثالث- بنت مطلقته على ما مضى من عدتها ولم تستأنف العدة للثاني ولا للثالث، فلم يكن طلاقا للعدة، فكان غير مشروع، ومنه قوله تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (2)

ووجه الاستدلال: أن هذه الجملة خبرية لفظا طلبية معنى، لئلا يلزم الخلف في خبره تعالى، ولهذا نظائر في الكتاب والسنة ولغة العرب، فالمعنى: إذا عزمتم الطلاق فطلقوا مرة بعد مرة، إذ لا يقال لمن دفع درهمين لإنسان دفعة أنه أعطاه مرتين، إلى غير هذا من النظائر، والأمر بالتفريق نهي عن الجمع فكان ممنوعا.

فإن قيل: إذا كان كل الطلاق في دفعتين كان الواقع منه في دفعة طلقتين، وفي الأخرى طلقة، فكان الجمع بين طلقتين مشروعا، وإذا يكون الجمع بين الثلاث مشروعا، إذ لا فرق.

فالجواب: أن الآية أمرت بتفريق الطلقتين من الثلاث لا بتفريق الثلاث بدليل ما ذكر بعد من مشروعية الرجعة، وفي معناه ما قيل: من أن المراد: أوقعوا الطلاق الرجعي المذكور في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (3) الآية، مرة بعد مرة، ومن طلق ثلاثا أو طلقتين

(1) سورة الطلاق الآية 1

(2)

سورة البقرة الآية 229

(3)

سورة البقرة الآية 228

ص: 500

دفعة لم يفعل ما أمر به فكان مبتدعا في طلاقه، كما أن من قال: سبحان الله ثلاثا وثلاثين، والحمد لله ثلاثا وثلاثين، والله أكبر ثلاثا وثلاثين عقب المكتوبات مكتفيا بذكر اسم العدد عن تكرار كل من التسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين مرة لم يكن آتيا بما أمر به كما أمر، فكان مبتدعا.

وقيل في وجه الاستدلال بالآية: إن المراد: الإخبار عن صفة الطلاق الشرعي، والألف واللام في الطلاق للحصر فيقتضي ذلك المنع من الطلاق على غير هذه الصفة؛ لكونه بدعة مخالفة للشرع.

فإن قيل: المراد الإخبار عن أن الطلاق الرجعي طلقتان، وما زاد فليس برجعي، يدل عليه قوله بعد ذلك:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (1)

أجيب: بأنه لو كان المراد ما ذكرتم لقال: الطلاق طلقتان، سواء أوقعهما الزوج مجتمعتين أم مفترقتين، فلما قال {مَرَّتَانِ} (2) اقتضى إيقاعه مفترقا، وثبت أن المراد الإخبار عن صيغة إيقاعه.

فإن قيل: لفظ التكرار إذا علق باسم أريد به تضعيف العدد دفعة دون تكرار الفعل، كما في قوله تعالى:{نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} (3) ونحوها، فإن المراد: تضعيف العدد لا تفريق الأجر.

أجيب: بأن المراد نؤتها أجرها مرة بعد مرة، كما روي عن بعض

(1) سورة البقرة الآية 229

(2)

سورة البقرة الآية 229

(3)

سورة الأحزاب الآية 31

ص: 501

السلف، وعلى تقدير: أن المراد في الآية: تضعيف العدد دفعة يقال: إن الأصل فيما ذكر تكرار الفعل، إلا إذا دل دليل على إرادة تضعيف العدد فيعدل إليه استثناء، كما في آية {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} (1) وما عداه يبقى على الأصل، على أنه لو أريد بقوله تعالى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (2) تضعيف العدد دفعة، لمنع الزوج من إيقاع طلقة مفردة، وهذا باطل بإجماع.

وأجيب أيضا: بأن الفرق معلوم بين ما يكون مرتين في الزمان، فلا يتصور فيه الجمع، كآية الطلاق، وبين ما يكون مثلين وجزأين ومرتين في المضاعفة فيتصور فيه الجمع، كما في آية {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} (3) وآية {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} (4) ونحوهما، ومنه قوله تعالى:{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (5) الآية.

وهذا إنما يكون فيما دون الثلاث، وهو يعم كل طلاق، لوقوعه في حيز الشرط، فعلم أن جمع الثلاث غير مشروع.

ومن السنة: حديث «تزوجوا ولا تطلقوا» إلخ، قيل: نهي عن الطلاق لأمر ملازم له لا لعينه؛ لأنه بقي معتبرا شرعا في حق الحكم بعد النهي، والمراد والله أعلم: الجمع بين طلقتين أو أكثر في طهر والطلاق في الحيض، ولكن هذا الحديث ضعيف فلا يشتغل بمناقشته (6) .

(1) سورة الأحزاب الآية 31

(2)

سورة البقرة الآية 229

(3)

سورة الأحزاب الآية 31

(4)

سورة التوبة الآية 101

(5)

سورة البقرة الآية 232

(6)

ذكره السيوطي في [الجامع الصغير] وضعفه

ص: 502

ومنها: ما روى مخرمة بن بكير عن أبيه: قال: سمعت محمود بن لبيد، قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا، فقال:«فعلته لاعبا ثم قال: تلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجل فقال: يا رسول الله، ألا أقتله؟ (1) » وإسناده على شرط مسلم، ودلالة متنه على المنع ظاهرة.

وأعترض عليه: أولا: بأن مخرمة لم يسمع من أبيه، وإنما هو كتاب.

وعورض ذلك: بقول من قال سمع من أبيه، ومعه زيادة علم وإثبات فيقدم، وعلى تقدير أنه لم يسمع من أبيه، وإنما رواه من كتابه وكان كتاب أبيه عنده محفوظا مضبوطا- فقد انعقد الإجماع على قبول الكتاب والعمل به إذا صح عند راويه أنه من كتابة شيخه، بل الرواية من الكتاب المصون أوثق، فإن الحفظ يخون والنسخة الثابتة المحفوظة لا تخون، وقد أطال ابن القيم الكلام على توثيق مخرمة، واعتبار الرواية من الكتاب وصحة الاحتجاج بها.

واعترض ثانيا: بأن محمود بن لبيد وإن كان صحابيا إلا أنه لم يثبت له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم فروايته عنه مرسلة.

وأجيب: بأن مرسل الصحابي مقبول، فصح الاحتجاج بالحديث.

ومنها: حديث عبادة بن الصامت: «أن قوما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن أبانا طلق امرأته ألفا، فقال: بانت امرأته بثلاث في معصية لله، وبقي تسعمائة وسبعة وتسعون وزرا في عنقه إلى يوم القيامة» .

(1) سنن النسائي الطلاق (3401) .

ص: 503

وأجيب: بأن في سنده رجالا مجهولين وضعفاء، فلا يصلح للاحتجاج به.

ومنها: حديث علي قال: «سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا طلق البتة فغضب، وقال: أتتخذون آيات الله هزوا أو دين الله هزوا أو لعبا، من طلق البتة ألزمناه ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره» فدل غضبه على المنع من جمع الثلاث بلفظ صريح أو كناية.

وأجاب الدارقطني: بأن في سنده إسماعيل بن أمية القرشي، وهو ضعيف.

وقال ابن القيم: في سنده مجاهيل وضعفاء، فلا يصح الاحتجاج به.

ومنها: «أن ابن عمر لما طلق امرأته في الحيض وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بمراجعتها قال: أرأيت لو طلقتها ثلاثا أكانت تحل لي؟ قال: لا، بانت منك، وهي معصية (1) » .

وأجيب: بأن في سنده شعيب بن رزيق وقد تكلموا فيه، وتفرد في هذا الحديث عن الثقات بزيادة قوله: أرأيت لو طلقتها ثلاثا. إلخ.. فلم يأت أحد منهم في روايته لهذا الحديث بما أتى به؛ ولذا لم يرو حديثه هذا أحد من أصحاب الصحاح ولا السنن.

وأما الإجماع: فقد أنذر عمر من يأتيه وقد طلق امرأته ثلاث تطليقات مجموعة بأن يوجعه ضربا، وحكم كثير من الصحابة بأن من يطلق ثلاثا مجموعة أو أكثر فقد عصى ربه، واستنكروا ذلك من فاعله وجعلوه متعديا

(1) صحيح مسلم الطلاق (1471) ، مسند أحمد بن حنبل (2/124) .

ص: 504

لحدود الله، وانتشر ذلك عنهم دون نكير، فكان إجماعا على المنع من جمع ثلاث طلقات فأكثر دفعة.

وأما المعنى: فمن وجهين:

الأول: أن النكاح عقد مصلحة، والطلاق إبطال له، فكان مفسدة، والله لا يحب الفساد.

الثاني: أن النكاح عقد مسنون، بل واجب، وفي الطلاق قطع للسنة أو تفويت للواجب، فكان الأصل فيه الحظر أو الكراهة، إلا أنه رخص فيه للدواعي الطارئة كتوقع مفسدة من استمرار النكاح أشد من مفسدة الطلاق، فيرتكب أخف المفسدتين تفاديا لأشدهما، لكن يقتصر من ذلك على طلقة واحدة، إذ بها تندفع المفسدة، وما زاد عليها فيبقى على الأصل، وهو المنع، ويشهد لكون الأصل في الطلاق الحظر حديث:«أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة (1) » رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه.

وأما القياس: فلأن التطليق ثلاثا دفعة فيه تحريم البضع من غير حاجة فأشبه الظهار، فكان ممنوعا، ولأن فيه ضررا وإضرارا بنفسه وبامرأته، فأشبه الطلاق في الحيض فكان ممنوعا.

2 -

القول الثاني: أن جمع الطلاق الثلاث في كلمة ليس بمحرم ولا بدعة:

وبه قال الشافعي وأبو ثور وأحمد في إحدى الروايتين عنه، وجماعة من أهل الظاهر.

(1) سنن الترمذي الطلاق (1187) ، سنن أبو داود الطلاق (2226) ، سنن ابن ماجه الطلاق (2055) ، مسند أحمد بن حنبل (5/283) ، سنن الدارمي الطلاق (2270) .

ص: 505

واستدلوا لذلك بالكتاب والسنة والآثار والمعنى.

أما الكتاب: فقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (1) وقوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (2) وقوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} (3) فهذه تعم إباحة الثلاث والاثنتين، فإنه تعالى لم يخص مطلقة طلقة واحدة من مطلقة ثلاثا، فليس لأحد أن يخصها إلا بدليل.

ويمكن أن يقال: إن المقصود في الجمل الشرطية الحكم بما تضمنه الجواب على تقدير تحقق فعل الشرط، بقطع النظر عن كون فعل الشرط مطلوب الحصول أو مباحا أو ممنوعا، وعلى هذا يكون القصد من آية {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (4) الحكم بتحريم الزوجة على زوجها الذي طلقها المرة الثالثة حتى تنكح زوجا غيره، وقد يكون طلاقها المرة الثالثة مأذونا فيه كما لو طلقها في طهر لم يمسها فيه طلقة، وقد يكون محرما كما لو طلقها المرة الثالثة في حيض مثلا، ويكون القصد من آية {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (5) عدم وجوب العدة على تقدير حصول الطلاق

(1) سورة البقرة الآية 230

(2)

سورة الأحزاب الآية 49

(3)

سورة البقرة الآية 241

(4)

سورة البقرة الآية 230

(5)

سورة الأحزاب الآية 49

ص: 506

قبل الدخول، أما كون طلاقها مباحا أو محرما فيفهم من أمر آخر، وأما آية:{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (1) فالقصد منها إثبات المتعة للمطلقة، وجوبا أو ندبا، لا بيان حكم الطلاق، فقد يكون محرما وتثبت لها المتعة وقد يكون مباحا كما تقدم.

وبهذا يتبين: أن الآيات الثلاث ليست أدلة في محل النزاع.

وأما السنة: فمنها «حديث فاطمة بنت قيس، وفيه أن زوجها طلقها ثلاثا أو طلقها البتة وهو غائب وبعث إليها وكيله بشعير نفقة لها، فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شيء، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ليس لك عليه نفقة (2) » . فلم يعب صلى الله عليه وسلم الثلاث مع الإجمال فيما بلغه من خبر الطلاق ولم يستفسر عن كيفيته، ولفظ البتة هنا مراد به: الثلاث، وإلا لم تسقط نفقتها ولا سكناها.

وأجيب: برواية الزهري هذا الخبر عن أبي سلمة، وفيه ذكرت أنه طلقها آخر ثلاث تطليقات، وبرواية الزهري أيضا عن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود: أن زوجها أرسل إليها بتطليقة كانت بقيت لها من طلاقها، فذكر الخبر، وفيه: أن مروان أرسل إليها قبيصة بن ذؤيب فحدثته، وذكر باقي الخبر، فكان هذا تفسيرا لما في الثلاث أو البتة من الإجمال، وأن ذلك لم يكن مجموعا، وأعل ابن حزم الرواية الثانية بالانقطاع؛ لعدم التصريح بالتحديث أو السماع.

(1) سورة البقرة الآية 241

(2)

صحيح مسلم الطلاق (1480) ، سنن الترمذي النكاح (1135) ، سنن النسائي النكاح (3222) ، سنن أبو داود الطلاق (2284) ، سنن ابن ماجه النكاح (1869) ، مسند أحمد بن حنبل (6/373) ، موطأ مالك الطلاق (1234) ، سنن الدارمي النكاح (2177) .

ص: 507

ويمكن أن يقال: إن ظاهرها الاتصال؛ لأنها في حكم الرواية بها لمتعته ونحوها، فصلحت تفسيرا للإجمال.

وقال ابن حزم أيضا: إن كلا الخبرين ليس فيهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك.

ويمكن أن يقال: إن الأصل بيان السائل الثقة الورع لواقع أمره، وخاصة الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لتطمئن النفس إلى موافقة الجواب للواقع، وعلى تقدير الاحتمال في حديث فاطمة فحمله على ما كان شائعا كثيرا- وهو إفراد الطلاق- أولى من حمله على النادر وهو جمع الثلاث في كلمة.

ومنها: حديث تلا عن عويمر وامرأته، وفيه أنه طلقها ثلاثا بعد اللعان قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان جمع الثلاث ممنوعا لبين له النبي صلى الله عليه وسلم أنه عاص بجمع الثلاث، وعلمه الطلاق المشروع.

وأجيب: بأنه لما لم يصادف طلاقه محلا لم ينكر عليه، فإنها صارت أجنبية منه لا تحل له أبدا بتمام اللعان لا بالطلاق الثلاث وإلا لحلت له بعد أن تنكح زوجا آخر، وقد أيد ذلك فيما سبق في حديث محمود بن لبيد من إنكاره صلى الله عليه وسلم على من طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا، وبهذا يجمع بين خبري الإنكار والسكوت بحمل أحدهما على طلاق صادف محلا والآخر على ما إذا لم يصادف محلا.

وأما قول سهل: فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: فمضت السنة بعد في

ص: 508

المتلاعنين أن يفرق بينهما. فسيأتي الكلام عليه في موضعه من المسألة الثانية.

ومنها: حديث المرأة التي طلقها زوجها ثلاثا، والأخرى التي بت زوجها طلاقها. وقد تزوجت كلا منهما بعد ذلك ثم طلقت قبل أن يجامعها، وأرادت أن ترجع إلى زوجها الأول، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك (1) » فدل عدم نقل الإنكار من النبي صلى الله عليه وسلم طلاق الرجل امرأته ثلاثا أو بت طلاقها على جواز الجمع بين الثلاث، إذ لو كان ممنوعا لأنكره، ولو أنكره لنقل.

أجيب: أن اللفظ محتمل أن تكون الثلاث مجتمعة وأن تكون مفرقة، ولفظ البتة يعبر به عن الثلاث، وقد ثبت أن كلا منهما قد طلقها زوجها آخر ثلاث تطليقات، فليس في ذلك دليل لجواز جمع الثلاث.

وأما الآثار: فمنها: ما روي أن عمر رضي الله عنه استفتي فيمن طلق امرأته البتة، فاستحلفه عما أراد، فحلف أنه أراد واحدة فردها إليه، ولم يقل له لو أردت ثلاثا لعصيت ربك.

وأجيب: بأن عمر أنكر عليه بقوله: ما حملك على هذا، وبتلاوة قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} (2) ورد الجواب بأنه أنكر عليه عدوله في الطلاق عن اللفظ الصريح إلى لفظ محتمل وهو البتة.

(1) صحيح البخاري الشهادات (2639) ، صحيح مسلم النكاح (1433) ، سنن الترمذي النكاح (1118) ، سنن النسائي الطلاق (3409) ، سنن ابن ماجه النكاح (1932) ، مسند أحمد بن حنبل (6/226) ، سنن الدارمي الطلاق (2267) .

(2)

سورة النساء الآية 66

ص: 509

ومنها: أن عثمان لم ينكر على عبد الرحمن بن عوف طلاقه امرأته ثلاثا. ومنها: أن أبا هريرة وابن عباس وعبد الله بن عمر وعائشة وعبد الله بن الزبير لم ينكروا على من استفتى في طلاق الثلاث ولم يعيبوا عليه ذلك ولم يقل أحد منهم لمن استفتاه في ذلك بئس ما صنعت، وما روي من إنكار ابن عباس وغيره من الصحابة على من طلق امرأته مائة أو ألفا فإنما إنكاره لما زاد عما جعل إليه من الثلاث، وروي ما يوافق ذلك عن شريح والشعبي وغيرهما من التابعين، وقد يقال: يرد هذا ما روي عن عمر وابن عمر وابن عباس وعمران بن حصين أنهم أثموا من طلق ثلاثا، وقالوا: إنه عصى ربه، وتوعدوا من يطلق ثلاثا في مجلس واحد بالأذى، كما روي عنهم ذلك فيمن تجاوز الثلاث في طلاقه، وإذا فليس الإنكار خاصا بما زاد على الثلاث.

وأما المعنى: فإن الشرع قد جعل الطلاق إلى الزوج يمضي منه ما شاء ويبقي ما شاء، دون أن يكون عليه في ذلك حرج، كما أنه لا يحرم عليه أن يعتق ما شاء من عبيده ويتصدق بما شاء من ماله ويبقي من ذلك ما شاء، بل له أن يأتي على ذلك كله.

وأجيب: بأن الأصل فيما ذكر أنه من القربات، فله أن يفعل من ذلك ما شاء ويؤجر عليه ما لم يضر بنفسه، بخلاف الطلاق فإن الأصل فيه الحظر لما تقدم؛ ولأنه أبغض الحلال إلى الله وقد شرع على صفة معينة، فينبغي التزامها في إيقاعه.

ص: 510