الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يختلف الأمر إذا ضمن المشتري الثمن لغريم من غرماء البائع أي لدائن من دائنيه ولو كان ذلك عن طريق حوالة الدين الذي في ذمة البائع لدائنه إلى ذمة المشتري، فإن المشتري بقبوله هذه الحوالة إنما تؤكد وجوب الثمن في ذمته وبدلا من أن يدفعه للبائع يكون واجبا عليه أن يدفعه لدائن البائع، فالشرط كما نرى ملائم لمقتضى عقد البيع كل الملاءمة، ويعدل في ذلك شرط الرهن وشرط الكفالة.
من أجل ذلك نرجح الأخذ بما جاء في [فتح القدير] من أن (شرط الحوالة كالكفالة) وبما جاء في [المبسوط] من أن (شرط الحوالة في هذا كشرط الكفالة) ؛ لأنه لا ينافي وجود أصل الثمن في ذمة المشتري، فإن الحوالة تحويل ولا يكون ذلك إلا بعد وجود الثمن في ذمة المشتري، بخلاف ما لو شرط وجوب الثمن ابتداء على غير المشتري بالعقد فإن ذلك ينافي موجب العقد فكان مفسدا للعقد) .
الشرط الذي يلائم العقد يصح استثناء على سبيل الاستحسان عند الحنفية ويصح أصلا في المذاهب الأخرى
لم تجز الحنفية الشرط الذي يلائم العقد إلا استثناء على سبيل الاستحسان، ملحقين إياه في المعنى بالشرط الذي يقتضيه العقد، وإلا فإن الشرط ولو لاءم العقد ما دام العقد لا يقتضيه لا يجوز على مقتضى القياس عند الحنفية، فإن فيه زيادة منفعة لا يقتضيها العقد، فيكون عقدا في عقد وهذا لا يجوز.
وإنما صح هذا الشرط على سبيل الاستحسان كما قدمنا، لأنه مقرر لحكم العقد من حيث المعنى، مؤكد إياه، فاشتراط الرهن أو الكفالة بالثمن يؤكد وجوب استيفاء الثمن، واستيفاء الثمن ملائم للعقد، ومثل هذا الاشتراط يكون بمثابة اشتراط صفة الجودة في الثمن.
جاء في [المبسوط](1) : (وإن شرط أن يرهنه المبتاع هذا بعينه: ففي القياس العقد فاسد، لما بينا (2) أنه شرط عقد في عقد، وفي الاستحسان يجوز هذا العقد؛ لأن المقصود بالرهن الاستيفاء، فإن موجبه ثبوت يد الاستيفاء.
وشرط استيفاء الثمن ملائم للعقد، ثم الرهن بالثمن للتوثق بالثمن، فاشتراط ما يتوثق به كاشتراط صفة الجودة في الثمن) اهـ.
وقد رأينا صاحب [البدائع] يقول في هذا المعنى: (وكذلك الشرط الذي لا يقتضيه العقد لكنه ملائم للعقد لا يوجب فساد العقد أيضا؛ لأنه مقرر لحكم العقد من حيث المعنى مؤكد إياه. فيلحق بالشرط الذي هو من مقتضيات العقد، وذلك نحو ما إذا باع على أن يعطيه المشتري بالثمن رهنا
…
فإن كان معلوما فالبيع جائز استحسانا، والقياس ألا يجوز؛ لأن الشرط الذي يخالف مقتضى العقد مفسد في الأصل، وشرط الرهن والكفالة مما يخالف مقتضى صورة العقد فكان مفسدا، إلا أننا استحسنا الجواز؛ لأن هذا الشرط لو كان مخالفا مقتضى العقد صورة فهو موافق له
(1)[المبسوط](13\19) .
(2)
أي: في [المبسوط] .
معنى؛ لأن الرهن بالثمن شرع توثيقا للثمن وكذا الكفالة فإن حق البائع يتأكد بالرهن والكفالة، فكان كل واحد منهما مقررا لمقتضى العقد معنى، فأشبه اشتراط صفة الجودة للثمن وأنه لا يوجب فساد العقد، فكذا هذا) اهـ (1) .
أما في المذهب الشافعي: فالظاهر أن الشرط الذي يلائم العقد يصح أصلا لا استثناء؛ بخلاف المذهب الحنفي فالشرط فيه لا يصح إلا على سبيل الاستثناء كما قدمنا.
وأما المذهبان المالكي والحنبلي: فيبدو أنهما يجيزان الشرط الملائم للعقد على اعتبار أن هذا الشرط إذا كان العقد لا يقتضيه فإنه لا ينافي مقتضى العقد وهو من مصلحته، وما لا ينافي مقتضى العقد وإن كان العقد لا يقتضيه فهو جائز ما دامت فيه مصلحة للعقد وللمتعاقدين.
ويظهر أن الفرق بين المذهب الحنفي وهذين المذهبين في هذا الصدد أن الحنفية يوجبون لصحة الشرط في الأصل أن يكون العقد يقتضيه، ثم هم يجيزون استثناء- على سبيل الاستحسان لا على سبيل القياس- الشرط الذي يلائم العقد؛ لأنه يشبه في المعنى الشرط الذي يقتضيه العقد فيلحق به، أما المذهبان الآخران فعندهما أنه ليس من الضروري لصحة الشرط أن يكون العقد يقتضيه، بل يكفي أن يكون الشرط لا ينافي مقتضى العقد، فيصح الشرط الذي يقتضيه العقد، كما يصح الشرط الذي يلائم العقد؛
(1) بدائع الصنائع (5\171) .