الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استطاع أن يسير أشواطا بعيدة في طريق التطور.
والحنابلة كالمالكية؛ الأصل عندهم في الشرط: أن يكون صحيحا ويصح معه العقد، بل هم يسيرون في هذا الأصل إلى مدى أبعد من المالكية في تصحيح الشروط، ويقع الشرط عند الحنابلة فاسدا على سبيل الاستثناء، إذا كان ينافي مقتضى العقد، أو كان قد ورد بالنهي عنه نص خاص.
فنستعرض في المذهب الحنبلي الشرط الصحيح ثم الشرط الفاسد، ثم ننظر ما أضاف ابن تيمية إلى المذهب من مزيد توسعة في تصحيح الشروط.
الشرط الصحيح في مذهب الحنابلة:
الأصل في مذهب الحنابلة كما قدمنا- هو: أن يكون الشرط صحيحا، ونساير صاحب [المغني] في الترتيب الذي جرى عليه في استعراض الشروط:
أ- فكل شرط يقتضيه العقد صحيح، وفي هذا تتفق المذاهب الأربعة، فيصح اشتراط المشتري التسليم على البائع والتقابض في الحال، ويصح لكل من المتعاقدين أن يشترط خيار المجلس، فكل هذه الشروط يقتضيها العقد، وهي معمول بها حتى لو لم تشترط.
ب- ويصح أيضا كل شرط يلائم العقد، ويكون من مصلحته، فتتعلق به مصلحة المتعاقدين؛ كالرهن، والضمين، والشهادة، وفي هذا أيضا
تتفق المذاهب الأربعة.
ج- ويصح أخيرا الشرط الذي ليس من مقتضى العقد ولا من مصلحته، ولكنه لا ينافي مقتضى العقد.
وهنا نلحظ المدى البعيد من التطور الذي سار فيه المذهب الحنبلي، كما لحظنا ذلك في مذهب مالك، وهذا خلافا لمذهبي أبي حنيفة والشافعي، فما دام الشرط لا ينافي مقتضى العقد فهو في الأصل صحيح، سواء كان العقد يقتضيه أو لا يقتضيه، وسواء لاءم مقتضى العقد أو لم يلائمه، والشرط صحيح حتى لو تضمن منفعة مطلوبة، وفي هذا يتخطى المذهب الحنبلي مبدأ وحدة الصفقة كما تخطاه المذهب المالكي، بل هو ينكر صحة الحديث الذي نهى عن بيع وشرط، ثم إنه لا حاجة في صحة الشرط إلى جريان التعامل به، خلافا لما يذهب إليه الفقه الحنفي.
ومن ثم نرى المذهب الحنبلي- خلافا لمذهبي أبي حنيفة والشافعي - يصحح أكثر الشروط التي فيها منفعة لأحد المتعاقدين كما يصححها المذهب المالكي، ونورد ما جاء في هذا الصدد في [الشرح الكبير على المقنع] (1) (والثالث: أن يشترط نفعا معلوما في المبيع؛ كسكنى الدار شهرا، وحملان البعير إلى موضع معلوم، أو يشترط المشتري نفع البائع في المبيع؛ كحمل الحطب أو تكسيره، أو خياطة الثوب أو تفصيله، ويصح أن يشترط البائع نفع المبيع مدة معلومة، مثل أن يبيع دارا ويستثني
(1)[الشرح الكبير على المقنع] ، (4\ 49- 51) .
سكناها سنة، أو دابة ويشترط ظهرها إلى مكان معلوم، أو عبدا ويستثني خدمته مدة معلومة، نص عليه أحمد، وهو قول الأوزاعي وأبي ثور وإسحاق وابن المنذر، وقال الشافعي وأصحاب الرأي: لا يصح؛ لأنه روي: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط» . . ولنا ما «روى جابر: أنه باع النبي صلى الله عليه وسلم جملا واشترط ظهره إلى المدينة (1) » ولم يصح نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط، وإنما «نهى عن شرطين في بيع (2) » ، فمفهومه إباحة الشرط الواحد. . ويصح أن يشترط المشتري نفع البائع في المبيع، مثل: أن يشتري ثوبا ويشترط على بائعه خياطته قميصا، أو بغلة ويشترط حذوها نعلا، أو حزمة حطب ويشترط حملها إلى موضع معلوم) .
ويتوسع المذهب الحنبلي في إباحة الشروط في عقد الزواج بوجه خاص، ويفوق في ذلك سائر المذاهب، وفيها مذهب مالك نفسه، فيجوز في الزواج من الشروط ما يكون فيه للزوجين منفعة مقصودة ما دامت لا تعارض الشرع ولا تنافي المقصود من عقد الزواج، ويقول ابن تيمية في ذلك (3) :(ويجوز أحمد أيضا في النكاح عامة الشروط التي للمشترط فيها غرض صحيح؛ لما في [الصحيحين] «عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج (4) » فلا يقتصر مذهب أحمد على أن يكون لكل من الزوجين أن يشترط في الآخر صفة يصح قصدها، فيشترط الزوج في زوجته البكارة أو الجمال مثلا، وتشترط الزوجة في زوجها المال أو حرفة معينة أو موردا معينا من العيش، ويكون للمشترط أن
(1) سنن الترمذي المناقب (3852) .
(2)
سنن الترمذي البيوع (1234) ، سنن النسائي البيوع (4611) ، سنن أبو داود البيوع (3504) ، سنن الدارمي البيوع (2560) .
(3)
[مجموع الفتاوى] ، (3\ 327- 332) ، [نظرية العقد] ، ص (155) .
(4)
صحيح البخاري النكاح (5151) ، صحيح مسلم النكاح (1418) ، سنن الترمذي النكاح (1127) ، سنن النسائي النكاح (3281) ، سنن أبو داود النكاح (2139) ، سنن ابن ماجه النكاح (1954) ، مسند أحمد بن حنبل (4/150) ، سنن الدارمي النكاح (2203) .